مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السابع

4 4٬307
 

مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السابع

مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السابع

مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السابع

مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السابع, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,كريمة جزائرية

البارت الثالث عشرة

التفت العائلة حول احدى الطاولات الكبيرة فى حديقة الفيلا , استقبل “عمر” ووالده ووالدته عمة عمر وأبنائها “علاء” و “ايناس”

كانت عمة “عمر” السيدة “ثريا” فى العقد الخامس من العمر يبدو عليها علامات القوة والصرامة , سيدة نحيفة قصيرة القامة ترتدى السواد وحجاب أسود اللون .. يظن الناظر اليها أنها امرأة لم تعرف الإبتسامة طريقا الى ثغرها .. توفى زوجها منذ زمن بعيد.. أما “علاء” فكان الابن الصغير لها فى الثلاثينات من عمره طبيباً بيطرياً يعمل فى احدى شركات الأدوية الكبرى فى مصر .. وسيم رياضى البنية كانت نظراته للحاضرين تتسم بالبرود ولامبالاة , أما “ايناس” فهى الابنة الكبرى هيفاء ممشوقة القوام صارخة الجمال فى التاسعة والعشرون من عمرها تعمل فى شركة “عمر” مديرة للعلاقات العامة .. لم تكن محجبه كوالدتها بل كانت تقل عنها التزاما باللباس المحتشم .. تحدثت الى “عمر” السيدة “ثريا” :

– أمال فين خطيبتك يا “عمر” ؟

رد “عمر” على عمته وهو يخرج هاتفه من جيبه :

– ثوانى ان شاء الله يا عمتو ويكونوا هنا

هم بأن يتصل بـ “نانسي” عندما وجد والدته ووالده يقفان ليرحبان بـ “نانسي” ووالدها ووالدتها .. شعر “عمر” بالغضب يتصاعد داخله عندما نظر الى ما كانت ترتديه خطيبته .. وقف وحاول السيطرة على غضبه أمامهم وسلم عليهم ومد يده ليسلم على خطيبته ببرود دون أن ينظر الى وجهها

.. رحب الجميع ببعضهم البعض وتبادلوا عبارات المجاملة ثم جلس الجميع ينعمون بتجاذب أطراف الحديث وبالنظر الى روعة ما يحيط بهم من خضره .. شخص واحد فى الحاضرين كان يجلس متبرماً ألا وهو “عمر” كان يكتفى بالرد عليهم بابتسامه صغيرة يرسمها بصعوبة .. كانت تراقبه منذ البداية عينان عسليتان .. كانت تصوب اتجاهه نظرات حب ممزوجة بالحسرة والألم .. عينا “ايناس” .. ما لم تبح به “ايناس” لأحد إلا “عمر” .. هو حبها الشديد له منذ الصغر فلقد تربوا معاً , من صغرهم كانت مشاعر “عمر” تجاهها لا تتعدى مشاعر الأخ الكبير اتجاه أخته الصغيره أما هى فلقد تجاوزت مشاعرها كل الحدود وكل القيود .. حملت سرها فى صدرها ولم تكشف النقاب عنه إلا لـ “عمر” ليلة خطبته صارحته بمشاعرها التى طالما عذبتها وأحرقت قلبها .. لكن رد “عمر” كان (انتِ مش أكتر من أختى يا ايناس) حاولت استجدائه بكل الطرق لكنه لا يرى فيها إلا الأخت الصغيره .. حانت التفاته من “نادين” الى “عمر” ولاحظت ما يبدو عليه من عبوس فالتفتت الى “نانسي” قائله :

– “عمر” ماله يا “نانسي”؟

– ماله يا مامي ؟

– من ساعة ما جينا وهو مركب الوش الخشب

– وأنا أعرف منين !

– طيب ما تتحركى وتشوفيه ماله !

قامت “نانسي” وقالت لـ “عمر” :

– مش هتفرجنى على الجنينة يا “عمر”

قام “عمر” معها وسارا معاً بعيدا عن الجميع غير منتبهين لعينا “ايناس” التى كانت ترمقهما فى حقد

بعدما ابتعدا عن أنظار الجميع أوقفته “نانسي” قائله :

– مالك يا “عمر” فى ايه ؟

التفتت اليها ينظر الى وجهها وهو يشير بإصبعه على ملابسها من فوق لتحت قائلاً :

– مش عارفه في ايه ؟ .. ايه الزفت اللى انتِ لابساه ده

بدأت “نانسي” بالشعور بالغضب والعصبيه هى الأخرى فتحكماته كانت أكثر مما تستطيع تحمله فتاة مدلله مثلها لم تعتاد على تحكمات الآخرين فى تصرفاتها .. قالت له فى عصبيه :

– ايه ماله لبسي .. فستان برقبة طويله وتلت تربع كم ..

أكمل “عمر” قائلاً فى غضب :

– وقصير فوق الركبة

– قولتلك 100 مرة انت عرفتنى كدة وحبتنى كدة وخطبتنى وأنا كده ليه بأه عاوز تتحكم فيا بالشكل ده وعايزنى اغير من نفسي ؟

ندمت لتسرعها فيما قالت وتذكرت تحذيرات أمها جيداً .. فحاولت امتصاص غضبه قائله :

– حبيبى أنا بس كنت حابه ان شكلى يكون حلو أدام أرايبك .. وبعدين ما فيش هنا حد غريب و “علاء” ابن عمتك يعني مش غريب

كان ينظر اليها فى صمت لم تستطع استنتاج ما يفكر فيه اقتربت منه محاوله عناقه قائله :

– وبعدين انت مسلمتش عليا كويس ولا قولتلى كلمة حلوة من ساعة ما وصلت

أزاح عمر ذراعيها اللتان التفتا حول عنقه .. وقال بهدوء :

– يلا عشان منتأخرش عليهم

عاد بها الى حيث يجلس الجميع , عندها تقدمت والدة “عمر” داعيه الجميع الى الدخول لتناول طعام الغذاء

**************************

وجهت والدة “سماح” حديثها الى “أيمن” قائله :

– “سماح” دى بنتى الوحيده يا “أيمن” وأنا وباباها مكناش هنوافق نديهالك لو مكناش متأكدين من أخلاقك وحسن سلوكك

قال “أيمن” فى خجل :

– متشكر جدا يا دكتورة

– “سماح” دى بنتنا الوحيدة يا “أيمن” أتمنى انك تحافظ عليها وتصون الأمانة

– حضرتك متقلقيش ولا عمى كمان يقلق “سماح” هتكون دايماً فى عنيا وان شاء الله مش هتكون هى بنتكو الوحيدة أنا كمان هكون ابنكو .. أنا يتيم زى ما شرحت ظروفى لعمى وأنا شايف فيكو العيلة والجو الأسري اللي اتحرمت منه

قال والد “سماح” :

– طبعاً يا ابنى انت خلاص غلاوتك من غلاوة “سماح” بنتى

قالت والدة “سماح” له :

– مفيش أى طريقة يا “أيمن” تنقل شغلك هنا القاهرة

– للأسف يا دكتورة المزرعة اللي هشتغل فيها ان شاء الله فى قرية جمب المنصورة وهناك هتكون اقامتى ان شاء الله .. وكمان المزرعة دى بتاعة واحد صحبى وأنا حابب الشغل معاه خاصة انه اتفق معايا ان شغلى مش هيكون بأجر .. هيكون بنسبه يعني أكنى بشتغل فى مكان بتاعى مش بشتغل عند حد

– ربنا يوفقك يا ابنى ويقدم اللى فيه الخير .. وزى ما اتفقنا ان شاء الله الخطوبة بعد اسبوع

قال وقد اتسعت ابتسامته :

– ان شاء الله

****************************

– بس وقعت واقف يا “عمر” .. “نانسي” زى القمر

قال “علاء” هذه الجملة وهو ينقل بصره من “نانسي” التى يرمقها بنظرات اعجاء جريئة وبين “عمر” الذى يجلس أمامه مباشرة على طاولة الطعام .. وجه “عمر” حديثه الى “علاء” بنبره محذرة :

– “علاء”

قال “علاء” على الفور :

– ايه أنا مش بعاكسها أنا بقول الحقيقة بس

اتسعت ابتسامة “نانسي” لهذا الإطراء فهى لطالما أحبت سماع تلك الكلمات من أفواه الرجال .. التى تشعرها بالزهو .. تضايق “عمر” كثيرا من تلك الابتسامة التى ارتسمت على شفتى “نانسي”.. ألقت عليها “ايناس” نظرة حاقدة قائله :

– بس “عمر” عرف بنات حلوة كتير .. يعني مفيكيش حاجة مميزة عنهم

التقت أعين الفتاتان فى تحد صارخ .. كان “عمر” مدرك لدوافع “ايناس” ولمشاعرها لذلك آثر الصمت وغير مجرى الحديث قائلاً :

– ها يا “علاء” أخبار شغلك ايه؟

قالت عمته :

– شغله كويس أما حياته الخاصة هى اللي مش كويسه أبداً

ضحك “علاء” قائلاً :

– ليه بس مش كويسه يا ماما

– عشان مش عايز تتجوز , رجاله فى سنك ومعاهم أطفال دلوقتى

قال “علاء” بخبث موجها نظراته الى “نانسي” :

– أنا مبحبش حد يقيد حريتي .. ايه اللى يخلينى أقطف وردة واحدة فى حين ان أدامى جنينه بحالها أستمتع بيها

تلاقيت عين “علاء” بعين “عمر” فى تحدٍ .. فما لا يعرفه البعض هو أن “علاء” و “عمر” بينهما الكثير من المشاحنات التى سببها الأكبر هو شعور “علاء” منذ صغره بتفوق “عمر” عليه وبالغيرة منه فقد كان “عمر” مميزاً فى العائله وهذا ما دفع “علاء” لأن يكن لابن خاله حقد دفين

انتهى الجميع من تناول الطعام وتفرق الجميع حيث جلس والد “نانسي” ووالدتها مع عمة “عمر” ووالده .. أما والدة “عمر” فذهبت الى المطبخ لإعطاء الخدم بعض الأوامر .. وذهب “عمر” الى مكتبه داخل الفيلا ليجري اتصالا هاماً .. أما ايناس فكانت تتمشي بلا هدف فى الحديقه

عندما خرجت “كريمة” والدة “عمر” للبحث عن “علاء” وجدته واقفا فى الحديقة مع “نانسي” يتضحكان معا وتضرب بكفها على كفه ويبدو عليهما الاستمتاع .. اقتربت منهما فانتبها لوجودها رسمت ابتسامه صغيرة على شفتيها وقالت لـ “علاء” :

– خالك بيدور عليك يا “علاء”

اعتذر “علاء” من “نانسي” ودلف لداخل الفيلا .. وهمت “نانسي” بأن تدخل هى الأخرى عندما استوقفتها “كريمة” قائله :

– “نانسي” عايزاكِ شويه

– ايوة

– بصى يا “نانسي” انتِ خلاص شويه وهتكونى مرات “عمر” ابني وعشان حياتكم يا بنتى تمشي كويس مع بعض لازم تفهمى طبع “عمر” كويس

عقدت “نانسي” ذراعيها أمام صدرها وقد ارتسمت عليها علامات التبرم .. فأكملت “كريمة” قائله :

– “عمر” طبعه حامى من صغره .. بيغير على أى حاجة يحبها أو أى حد يحبه .. كان بيغير عليا أنا من باباه .. كان بيغير على لعبه .. ممكن يخلى الأطفال يلعبوا معاه بلعبه لكن دايما كانت له لعبه مميزه جدا وبيحبها جدا وميحبش حد يلعب بيها غيره و دايما مهتم بيها وبيحافظ عليها .. “عمر” كده مع الناس اللي يخصوه وانتِ تخصيه يا “نانسي”

– وبعدين ..

تجاهلت “كريمة” ضيق “نانسي” قائله :

– عشان متحصلش مشاكل بينك وبين “عمر” يا “نانسي” افهمى طبعه ده انه بيغير عليكِ لأنه بيحبك فمتحاوليش تضايقيه يا بنتى بتصرفاتك

استشاطت “نانسي” غضباً قائله :

– مالها تصرفاتى .. كل ده عشان كنت واقفه بتكلم مع “علاء” .. انتو بجد ناس غريبة أوى .. أكنكو عايشين فى كوكب تانى

قالت “كريمة” بهدوء لكن بحزم :

– مفيش داعى للكلام ده يا بنتى انا بنبهك بس عشان مش عايزه مشكله تحصل بينك وبين “عمر”

– لا اطمنى مفيش مشاكل هتحصل بيني وبينه ريحي نفسك ولو سمحتى متدخليش تانى فى حاجة خاصه بيا خليكِ بس في اللى يخصك أنا مش صغيره ومش محتاجه نصايح من حد

وفجأة سمعا صوتاً يهتف من خلفها فى غضب :

– “نانسي”

أقبل “عمر” وهو يشتعل غضباً .. كانت أمه تفهمه جيداً ولم ترد حدوث مشكله بينهما فقالت له :

– خلاص يا “عمر” مفيش حاجه حصلت

قال لها :

– لو سمحتى يا أمى ادخلى دلوقتى وسبيني مع “نانسي” شويه

حاولت “كريمة” التحدث لكنه قاطعها قائلاً بحزم :

– امى لو سمحتِ

دخلت “كريمة” الفيلا ووقف “عمر” ينظر الى “نانسي” التى تحاول التفكير فى طريقه لامتصاص غضبه

قال “عمر” بحزم شديد:

– أمى فى حياتي خط أحمر لو اتعديتي حدودك معاها فأنا من سكه وانتِ من سكه

قفز قلب “نانسي” من مكانه وحاولت التحديث :

– “عمر” أنا مكنش قصدى .. أنا بس …

أوقفها وهو يرفع أصبعه محذراً قائلاً :

– شششش .. اسمعيني كويس

نظر لها قائلاً بهدوء ممزوج بالغضب وهو يضغط على الحروف جيداً :

أمى .. ما أسمحش لا ليكِ ولا لأى واحدة غيرك مهما كانت هى مين بالنسبه لى انها تتكلم معاها بالشكل ده نهائي ..لو اتكرر الموضوع ده يا “نانسي” يبقى انتِ بتنهى علاقتنا بإيدك

حاولت “نانسي” السيطرة على الموقف واحتوائه قائله :

– انا بجد مكنش قصدى دى مامتك زى مامى بالضيط .. أنا هروح دلوقتى واعتذرلها يا حبيبى .. ها

حاولت تقبيله فى خده فأبعد وجهه عنها

فأسرعت الى الداخل تبحث عن “كريمة” لتعتذر عما بدر منها

*******************************

تدثرت “ياسمين” بغطائها وأولت ظهرها الى أختها تاركه العبرات تنساب على وجنتيها فى صمت .. أخذت تحدث نفسها قائله ( آآآآآآه يا ماما .. وحشانى أوى .. وحشنى حضنك وحشتنى ريحتك .. مش عارفه ازاى هعيش من غيرك انتِ كنتِ الحضن الحنين اللى بيحميني من الدنيا .. فى حضنك مكنتش بخاف وكنت بحس بأمان .. سبتيني فى اكتر وقت انا محتجاكِ فيه .. وحشتيني اوى .. نفسي ارمى نفسى فى حضنك .. انا جوايا كتير يا ماما كتير اوى وتعبانه اوى .. ) .. سمعت “ياسمن” شهقات صغيرة فالتفتت الى حيث تنام “ريهام” فوجدت جسدها ينتفض فى خفوت فمسحت دموعها وحاولت التماسك وتوجهت الى أختها قائله :

– “ريهام” حببيتى انتِ كويسه ؟

جلست بجوار “ريهام” التى أولتها ظهرها .. فأدارتها “ياسمين” من كتفها لترى العبرات وقد تساقطت على وجنتيها فأخذت رأس أختها فى حضنها وقالت لها :

– حبيبتى متعيطيش .. وادعيلها بالرحمه والمغفره

قالت “ريهام” من بين شهقاتها :

– انا مش متخيله ان ماما ماتت يا “ياسمين” .. مش قادرة أصدق انى خلاص مش هشوفها تانى .. هنعمل ايه من غيرها ؟ .. دى كانت كل حاجه لينا يا “ياسمين”

ثم ازدادت حدة بكائها قائله :

– وشوية وانتِ كمان هتسبيني وهبقى لوحدى

رفعت “ياسمين” وجه “ريهام” بيدها ونظرت اليها قائله :

– انتِ عبيطه يا “ريهام” مين قال انى هسيبك .. انتِ عارفه ان “مصطفى” بيسافر 3 اسابيع وبيرجع اسبوع واحد .. ان شاء الله بعد ما نتجوز هستأذنه ان ال 3 أسابيع هقفل فيهم الشقة واجى اعد معاكِ هنا انتِ وبابا

نظرت اليها “ريهام”وقالت بلهفه :

– بجد يا “ياسمين” .. يعني وهو “مصطفى” تفتكرى يوافق ؟

طمأنتها أختها قائله :

– وايه هيخليه يرفض .. ان شاء الله هيوافق

اعتدلت “ريهام” جالسه وحضنت أختها قائله :

– يا حبيبتى يا “ياسمين” ربنا ما يحرمنتيش منك .. انتِ الحاجه الوحيدة اللى مهونه عليا فراق ماما الله يرحمها .. انا بحس انك أمى يا “ياسمين” مش بس أختى الكبيره

مسحت “ياسيمن” على شعر أختها قائله :

– وأنا بحبك اوى يا “ريهام” وفعلا بحس انى أمك وانك بنتى .. بحبك أوى وبخاف عليكِ اوى أكتر ما بخاف على نفسي ..ربنا ما يحرمنا من بعض أبداً

**************************

فى احد المطاعم الفاخرة جلس “عمر” مع “كرم” يتحدثان عن أمور العمل .. عندما قال “كرم” :

– وانت ناوى على امتى ان شاء الله ؟

قال “عمر” بعدم فهم :

– مش فاهم ناوى على ايه ؟

– الجواز يا ابنى .. ناوى تتجوز امتى .. قولت شهرين بس مش شايفك يعني بتاخد خطوات فى الموضوع ده .. عشان كدة بسألك انت غيرت المعاد ولا ايه

شرد “عمر” قليلا ثم قال لصديقه:

– لا المعاد زى ما هو متغيرش

– مالك يا “عمر” فى حاجه حصلت .. شكلك مش عاجبنى .. انت متخانق مع “نانسي”

– لا مش متخانق ولا حاجه

– امال ايه .. على بابا يا “عمر” .. أنا عارفك كويس فى حاجه مضايقاك أو شغلاك

تنهد “عمر” تنهيده صغيره ثم قال :

– لا متحطش فى بالك .. كله تمام

– خلاص برحتك مش هضغط عليك .. بس لما تحب تتكلم .. انت عارف انى موجود

ابتسم “عمر” ابتسامه صغيره قائلا :

– عارف يا “كرم”

**************************

أنهت “ياسمين” اعداد طعام الغداء وذهبت كى توقظ والدها من نومه .. عندما اقتربت من الغرفه سمعته يبكى فى الداخل .. اغرورقت عيناها بالدموع ووقفت قليلاً ثم تركته وذهبت .. فى الداخل كان والدها يمسك صورة صغيره بالأبيض والأسود تجمعه مع والده “ياسمين” والعبرات تتساقط على وجنته .. ضم الصورة الى صدره .. ورفع رأسه الى السماء وقال :

– يارب ارحمها برحمتك .. أنا قلبي راضى عنها .. أنا قلبي راضى عنها يارب

رن جرس الهاتف فأسرع “عبد الحميد” بمسح عبراته جيداً وفتح الباب وخرج لكى يرد على الهاتف :

– السلام عليكم

– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته ازيك يا عمى أنا “مصطفى”

– أهلا بيك يا “مصطفى” يا ابنى

– البقاء لله يا عمى

– البقاء لله يا يا ابنى

تنحنح “مصطفى” قائلاً :

– أنا اسف يا عمى انى اتأخرت فى الاتصال والتعزيه بس الشغل كان لخمنى جداً .. وكنت فى مأموريه تبع الشغل .. معلش أنا آسف

– ولا يهمك يا ابنى ربنا يعينك ويوسع رزقك

– احم احم .. عمى أنا كنت حابب أتكلم معاك يعني فى معاد الفرح .. حضرتك عارف اننا حجزين القاعه من شهرين ودخنا على ما لقينا المعاد ده .. يعني أنا بس أقصد أقول ان لو المعاد اتلغى صعب نلاقى معاد تانى دلوقتى .. وكمان كل حاجه جاهزة خلاص مفضلش حاجه ناقصة فى الشقة .. انا حبيت أتكلم مع حضرتك قبل ما أعمل أى حاجه وأشوف رأي حضرتك ايه

صمت “عبد الحميد” قليلاً ثم قال :

– الفرح ان شاء الله فى معاده يا ابنى

شهقت “ياسمين” رغماً عنها والتى سمعت ما قاله والدها دون قصد .. كيف يفكر والدها هكذا كيف يصر على عدم تأجيل معاد الفرح .. أى فرح هذا ووالدتها لم يمضى على موتها الا اسبوع واحد .. أخذت العبرات تنساب على وجنتها فى صمت

بعدما أنهى “عبدالحميد” المكالمة .. خرجت من المطبخ وواجهته قائله :

– بابا ازاى تقول ان الفرح فى معاده .. بابا ازاى ده ماما الله يرحمها مافتش على وفاتها الا اسبوع واحد .. ازاى انا اتجوز يا بابا فى الظروف دى

اتسمت على ملامحه الجديه وقال بتماسك :

– زى ما سمعتى الفرح فى معاده بعد اسبوع مفيش داعى يتأجل والحى أبقى من الميت

بكت “ياسمين”بقوة .. ازاى يا بابا ازاى ؟ .. ليه ما نأجلش الفرح .. ليه لازم أتجوز دلوقتى ؟؟ أنا مش مستعجله

قال لها فى غضب :

– انتِ سمعتى اللى أنا قولته هى كلمة واحدة الفرح فى معاده مفيش داعى للتأجيل

وفجأه انهار تماسكه أمام حدة بكائها وجذبها الى حضنه قائلاً :

– يا بنتى أمك ماتت فجأه .. كانت نايمه جمبي على السرير وهى كويسه مفيهاش حاجه أبدا وصحيت لقيتها ميته .. أنا مش ضامن عمرى.. خايف أموت من غير ما اسيب معاكو راجل .. انتو بنتين .. انتِ شايفه الزمن اللي احنا فيه يا بنتى .. أنا نفسي أطمن عليكو قبل ما أموت .. أنا لو أطول أجوز “ريهام” كمان كنت جوزتها .. عشان خاطرى يا بنتى متحرقيش قلبي أكتر ما هو محروق .. عايز أسيبك فى الدنيا دى وأنا عارف ان معاكو راجل يحافظ عليكو .. انتِ واختك ملكوش حد بعد ربنا .. أنا خايف عليكو يا بنتى

حاولت “ياسمين” تفهم مشاعر والدها .. التى دفعته فى البدايه للموافقه على الزواج السريع من “مصطفى” وعدم الانصات الى رغبتها فى اطالة فترة الخطوبة والآن يريد اتمام هذه الزيجة خوفاً عليها .. رغم تفهمها لمشاعره ونيته الحسنه الا أنها لم تستطع تقبل الأمر .. لكنها رضخت لما أراده والدها فهذه هى المرة الأولى التى ترى والدها يبكى أمامها .. فشعرت أن الأمر جلل خطير .. أرادت اراحته وازاحه هذا الحمل الثقيل عن صدره :

– خلاص اللى تشوفه يا بابا

قبلها “عبد الحميد” فى جبينها وقال لها :

-ربنا يكملك بعقلك يا بنتى

تراجعت “ياسمين” قليلا لتنظر الى والدها جيداً وقالت فى جديه :

– بس بشرط يا بابا .. أنا مش عايزة فرح ..مش ممكن أعمل فرح وأمى لسه ميته .. وكمان مش عايزة ألبس فستان فرح.. هلبس فستان عادى .. لكن مش فستان فرح

قال لها بتأثر :

– ليه يا بنتى عايزه تحرميني انى أشوفك عروسه

قالت وقد شعرت أن هذا الحديث أرهقها كثيراً:

– أرجوك يا بابا أنا هنفذ رغبتك وأتجوز فى المعاد ..بس أنا لا عايزه فرح ولا عايزه فستان فرح .. أرجوك يا بابا متضغطش عليا أكتر من كدة .. لانى بجد مش هقدر أتحمل أكتر

قالت ذلك وأسرعت بالجري وألقت نفسها على سريرها وتركت لدموعها العنان

**************************

“سماح” عبر الهاتف : بكرة خطوبتى أنا عارفه ظروفك بس منتظراكِ

“ياسمين”: انتِ أختى و ده يوم مش ممكن أفوته

– “ياسمين” لو بضغط عليكِ خلاص متجيش يا حبيبتى وأنا هعذرك

– “سماح” انتِ ملكيش صحاب ولا اخوات بنات .. وأنا مش بس صحبتك أنا كمان أختك ازاى مش عيزانى آجى وأقف معاكِ فى اليوم ده

– يا حيبتى يا “ياسمين” أنا عارفه انك بتيجي على نفسك أوى عشان ترضى اللى حواليكِ .. بجد أنا كنت خايفه أوى متجيش .. زى ما قولتى مليش غيرك وأنا حسه اني قلقانه ومتلخبطه على الآخر .. كان نفسي أأجل الخطوبة عشان ظروفك بس لولا ان “أيمن” مضطر يسافر عشان شغله وعايز نلبس الدبل والشبكة قبل ما يسافر لانه هينشغل أوى الفترة الجايه

قالت لها “ياسمين” فى حنان :

– متقلقيش يا حبيبتى هاجى من الصبح وهكون جمبك انتِ وطنط

– بجد انتِ ونعم الأخت ربنا يفرح قلبك دايماً زى ما بتفرحى اللى حواليكِ

***********************

“أيمن” وهو يجلس مع صديقه فى مكتبه بالشركة

– بكرة الخطوبة ومستنيك عشان نروح سوا

– “عمر”: طبعا يا أيمن ومبروك يا عريس

– والواد “كرم” أنا كلمته وعزمته هو كمان

– متقلقش يا عريس أنا و”كرم” هنكون هنا فى الشركة وهنخرج سوا نعدى عليك ونطلع على بيت العروسة ان شاء الله

– ان شاء الله

*********************

قالت “ريهام” وهى تنظر لأختها التى ترتدى ملابسها :

– هتروحى الخطوبة

– أها .. متيجي انتِ كمان على الأقل تغيري جو انتِ حتى مبتروحيش الكليه يا “ريهام”

– لا مليش نفس

– ليه .. انتِ عارفه ان “سماح” ملهاش حد وهتفرح أوى لما تلاقينا احنا الاتنين معاها

– بجد يا “ياسمين” مش حسه انى عايزه أخرج ولا أعمل أى حاجه

– براحتك يا حبيبتى بس لو غيرتى رأيك عرفيني وأنا أستناكِ فى المترو

– خلاص ماشي

– بس انتِ ليه رايحه بدرى كدة

– عشان أساعد طنط وكمان “سماح” حساها قلقانه أوى فحابه انى أكون معاها ونظبط كل حاجه مع بعض

– ماشي

– مع السلامه .. ولو غيرتي رأيك كلميني

– ماشي .. مع السلامة

************************

نظرت “سماح” اللى نفسها فى المرأة والتفتت الى صديقتها قائله :

-ايه رأيك يا “ياسمين” شكلى حلو ؟

– زى القمر يا “سماح” ما شاء الله لا قوة الا بالله

– ولفة الحجاب حلوة

– أيوة حبيبتى منورة وشك أوى

– أنا حسه انى قلقانه

– القلق والتوتر ده عادى انتِ فاكره أنا كنت فى خطوبتى عامله ازاى

– ده انتِ كنتِ فظيعه

ضحكت الاثنتان معا ورن هاتف “ياسمين” فردت قائله :

– السلام عليكم يا “ريهام”

– وعليكم السلام

– خير يا حبيبتى فى حاجه

– آه يا “ياسمين” أنا حسه انى مخنوقه أوى ومش طايقه البيت .. لو أعدت فيه ثانيه واحده كمان هموت

قالت لها “ياسمين فى حنو:

– عشان كده قولتلك تيجي معايا

– ينفع اجى دلوقتى ؟

أخذت “سماح” الهاتف من “ياسمين” وقالت لـ “ريهام”

– ايوة يا “ريهام” أنا “سماح”

– ازيك يا “سماح” وألف مبروك

– الله يبارك فيكِ يا قمر عقبالك .. أنا منتظراكِ يلا تعالى بسرعه

– مش هسببلكو ازعاج

– ده على أساس اننا هنشيلك ونقف بيكِ فى وسط الصاله

ضحكت “ريهام” قائله :

– خلاص ماشي أنا هنزل حالا

– متتأخريش

أخذت “ياسمين” الهاتف من صديقتها وقالت لأختها :

– أول ما تنزلى من المترو كلمينى وأنا أنزل أخدك

– خلاص اتفقنا سلام

– سلام

******************************

جلس “عمر” و”كرم” فى السيارة منتظرين صديقهم الذى أتى يرتدى حلة رمادية اللون وعلامات السرور والفرح ترتسم على محياه فتح باب السيارة الخلفية ودلف قائلاً :

– السلام عليكم يا شباب

– وعليكم السلام

– وعليكم السلام يا عريس

انطلق “عمر” بسيارته الى بيت “سماح” ..مروا أولا على محل زهور وابتاع “أيمن” باقة كبيرة حمراء وأحضر سلة من التشوكليت الفاخرة .. وصلوا الى حيث تقطن “سماح” وأهلها .. وركن “عمر” سيارته واستعدوا للنزول عندما رن هاتف “عمر” فرد قائلاً :

– ألو

– أيوة يا باشمهندش أنا “حنان” مديرة مكتبك

– أيوة يا “حنان”

– الملف يا فندم بتاع انتاج اللحوم اللى هندخل بيها المناقصه

– آه ماله ؟

– مش موجود ومندوب اللجنة عندى ومنتظر الملف

قال “عمر” بغضب:

– ازاى يعني مش موجود

– حضرتك يا فندم خدته منى امبارح عشان تراجعه لأخر مرة ولأن الملف سري أكيد حضرتك حطيته فى الخزنه بتاعة المكتب

ضرب عمر بيده على جبيته قائلاً:

– آخ .. فعلا الملف فى الخزنة

– طيب أقول ايه للمندوب ؟

– ما تقوليلوش حاجه .. قدميله حاجه لحد ما آجى أنا فى الطريق

أغلق “عمر” هاتفه والتفت الى صديقيه قائلاً :

– لازم أرجع المكتب دلوقتى .. بس مش هتأخر عليكوا هدي المندوب الملف واجى على طول

قال له “كرم” وهويخرج من السيارة :

– طول عمرك فالح

نبه “أيمن”قائلاً :

– اوعى تتأخر يا “عمر”

– لا متقلقش يا “أيمن” هروح وآجى بسرعة

– تمام

أدار “عمر” سيارته وانطلق فى طريقه

************************

رن جرس الباب فقفز قلب “سماح” من مكانه .. فابتسمت “ياسمين” قائله :

– ايه من أولها كده .. اجمدى

– أجمد ايه أنا حسه ان ركبي بتخبط فى بعضها

سمعت صوت “أيمن” وصوت آخر لم تتعرف عليه كان والدها ووالدتها يرحبان بهما , وبعد قليل دخلت والدتها قائله :

– بسم الله ما شاء الله زى القمر يا حبيبتى .. ربنا يتم عليكِ بخير

والتفتت الى “ياسمين” قائله :

– وانتِ يا “سمسم” ربنا يباركلك يا حبيبتى مسبتيش “سماح” فى اليوم ده لوحدها هى كانت متوتره جدا وانتِ عارفه انها بتحبك جدا وملهاش صاحبه غيرك تثق فيها وتعتبرها زى اختها

– طبعا يا طنط وربنا عالم أنا بحب “سماح” أد ايه ومبفرقهاش عن “ريهام” أختى

– ربنا يخليكو لبعض ويوفقك انتِ وأختك أمال هى فين “ريهام” مجتش ليه

– هتيجي يا طنط شوية وهنزل أجيبها من المترو

فى هذه الأثناء دخل والد “سماح” قائلاً :

– يلا العريس بره

أقبل على ابنته وقبلها من جبينها قائلاً :

– مبروك يا حبيبة قلب بابا .. ربنا يسعدك يارب

قالت “سماح” :

– خلاص يا جماعة بأه هتخلونى أعيط

فى هذه الأثناء رن هاتف “ياسمين” وكانت المتصله “ريهام” فالتفتت لـ “سماح” قائله :

– أنا هنزل أجيب “ريهام”

– خلاص ماشي بس متتأخريش

نزلت “ياسمين” وأسرعت الخطى .. كانت سعيده لسعادة “سماح” وتمنت لها الخير والتوفيق .. وفكرت فى حالها وفى نفسها .. تمنت أن تستطيع إدارة حياتها ومستقبلها كيفما تريد .. قالت فى نفسها :

( يا ربي انت عالم بحالى .. قدرلى الخير .. أنا مش عارفه فين الخير وفين الشر .. أنا قلبي مش مرتاح .. ومش فى ايدي حاجه أعملها .. يارب أنا عارفه انك كريم أوى وعند حسن ظن اللى يحسن الظن بيك .. يارب أنا بحسن الظن بيك وعارفه ان أى حاجه هتختارهالى هيكون فيها الخير ليا حتى لو انا مش شايفاه .. يارب فوضت أمرى اليك).

 

عرض التعليقات (4)