مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرةالجزء الرابع عشر
مزرعة الدموع للكاتبه بنوتة اسمرةالجزء الرابع عشر
**************************
” مش حماتك اتخطبت ! ”
نطق “أيمن” هذه العبارة وهو جالس فى أحد المطاعم مع “عمر” وهما يتناولان معاً طعام العشاء .. رد “عمر” قائلاً :
– تغور هى وبنتها
أكمل “أيمن” قائلا :
– اتخطبت لواحد عربي من اللى بيستثمروا فلوسهم فى مصر .. شكله أكبر منها بكتير
نظر اليه “عمر” مستفسراً :
– وانت عرفت منين ؟
– شوفت صورتهم فى الجرنال من كام يوم .. واحدة معندهاش ريحة الدم مش تستنى ما عدتها تخلص
قال “عمر” مستهزئاً :
– ده على أساس انها بتطبق كلام ربنا أوى فى الأمور التانية .. يا سيدى هى جت على العدة .. ربنا يسهلها
قال “أيمن” لصديقه :
– بصراحة يا “عمر” أنا مش عارف انت كنت واقع وسط الناس دى ازاى .. أنا لا كنت برتاح للى كانت خطيبتك دى ولا لأمها .. كويس ان ربنا نجاك منهم
قال “عمر” بضيق :
– قفل على سيرتهم يا “أيمن” بجد مش حابب أفتكر حاجه عنهم
نظر “أمين” الى صديقه فترة ثم سأله بشك :
– انت لسه حاسس بحاجة نحيتها
نظر “عمر” اليه بدهشه قائلا :
– نحية مين ؟
– “نانسي”
قال “عمر ” على الفور :
– لأ طبعا
– واثق ؟
– أيوة واثق
– أمال ليه اضايقت لما جبت سيرتهم
صمت “عمر” قليلا ثم رفع بصره لصديقه قائلا :
– لانى لما بفتكرهم بفتكر أد ايه أنا كنت غبي وأعمى .. وبضايق من نفسي جدا .. وبحس انى رغم العمر ده كله معرفتش أحكم على الناس صح
تنهد ثم قال :
– بصراحة ندمان على كل كلمة حلوة سمعتهالها .. انت عارف انى طول عمرى مكنش ليا علاقات مع أى بنت .. مجرد صحوبيه عاديه .. لكن حب واتباط لأ.. أولا لانى مكنتش فاضى من الشغل للدراسة .. كانت الحياة العملية وخدانى فى دوامتها .. ولما فكرت أتجوز .. اديت كل مشاعرى لـ “نانسي” و كنت حاسس انها البنت اللى بدور عليها .. بس بجد كنت أعمى .. معرفتش أختار صح .. وندمان أوى على كل كلمة قولتلهالها .. لأن الكلام ده من حق واحدة بس ..
صمت قليلا ثم قال بسخرية :
– واحدة معرفش أصلاً اذا كنت هلاقيها ولا لأ
قال “أيمن” بتفائل :
– يا ابنى البنات الكويسة كتير … وانت ألف واحدة تتمناك
نظر اليه “عمر” قائلاً بإصرار :
– مش هتجوز الا واحدة بحبها يا “أيمن” .. أنا مش عايز جوازه والسلام .. فاكر كلامك ليا أيام خطوبتك لـ “سماح” قولتلى انك بتدور على واحدة تحس بيها وتحس بيك وتكون سكن ليها وتكون هى سكن ليك وتكونوا انتوا الاتنين شخص واحد .. أنا عايز واحدة كدة .. أكون أنا وهى كده
ابتسم له “أيمن” وربت على كتفه قائلا :
– ان شاء الله هتلاقيها
صمت الصديقان وعادا الى تناول طعامهما فى صمت .. بعد فترة قطع “عمر” هذا الصمت قائلا :
– صحيح كنت عايز أسألك عن حاجه
– خير يا “عمر ” ؟
بدا على “عمر” التردد قليلا ثم قال :
– هى صاحبة مراتك معاد جلستها اتحدد ولا لسه ؟
فهم “أيمن” ما يرمي اليه لكنه تظاهر بعدم الفهم قائلا :
– صاحبة مراتي مين ؟
نظر اليه “عمر” بحده قائلاً :
– “ياسمين”
ابتسم “أيمن” ورشف رشفه من كوب الماء الموضوع أمامه ثم قال :
– لأ لسه متحددتش الجلسه .. لو اتحددت كان زمان “سماح” مقدرتش تستنى عشان تبلغنى الخبر
شرد “عمر” قليلا ثم قال :
– هو ممكن ما يتحكملهاش بالطلاق ؟
هز “أيمن” كتفيه قائلاً :
– الله أعلم .. على حسب القضية وعلى حسب شطارة المحامى
قال “عمر ” بسرعة :
– لأ أنا واثق فى أستاذ “شوقى” جدا
عادا ليكملا طعامهما فى صمت مرة أخرى .. و”أيمن” يرمق صديقه بنظرات صامته بين الحين والآخر
******************
كانت عائده من استراحة الغداء عندما استوقفها “عمر” قائلاً :
– ثوانى لو سمحتى
التفتت “ياسمين” اليه منتظره ما سيقول .. مد يده الى جيبه وأخرج شيئاً وقدمه اليها .. نظرت الى ما يحمله ثم نظرت اليه متفهمه :
– ايه ده ؟
نظر “عمر” اليها قائلا :
– خط جديد .. وارمى اللى معاكى .. عشان محدش يضايقك تانى
نظرت اليه مندهشه لا تدرى ما تقول .. صمتت قليلاً ثم قالت :
– أنا مش عارفه ازاى مفكرتش فى الحل ده قبل كده .. فعلاً أحسن حاجه هو انى ارمى خطى بدل ما أفضل أعده على أعصابي وخايفه أرد على أى رقم
لكنها استطردت قائلا :
– بس مش هينفع أخده من حضرتك .. أنا هروح بكرة ان شاء الله أشترى خط تانى
قال لها بضيق :
– وتشترى ليه ما الخط موجود أهو
شعرت “ياسمين” بالحرج وقالت :
– يعني .. مفيش داعى .. أنا هجيب خط تانى بكره
قال بحده :
– الأفضل ان الخط ميكنش بإسمك عشان ميقدرس بأى طريقة انه يوصلك .. لو الخط بإسمك ويعرف حد فى شركات المحمول ممكن بسهولة يوصل لرقمك خاصة انه عارف بياناتك كلها
أيقنت صحة ما يقول لكنها بقيت متردده .. نظر اليها ببرود قائلاً وهو مازال يمد يده بالخط الجديد :
– متخفيش يا دكتورة هنخصم تمنه من مرتبك آخر الشهر
شعرت “ياسمين” بحرج بالغ فأخذت منه الخط قائله :
– لو هتخصم تمنه ماشي
نظر اليها بسخريه قائلاً :
– طبعا هخصم تمنه لأنه بصراحة مبلغ فوق طاقتى
نظرت اليه وعلامات الغضب على وجهها وهمت بأن تعيده اليه .. لكنه قال بجديه :
– متديش الرقم إلا للناس اللى بتثقى فيهم بس .. يعني والدك أختك “سماح” المحامى .. عشان ميقدرش يوصل لرقمك ويضايقك تانى
أومأت “ياسمين” برأسها قائله :
– شكراً .. تعبت حضرتك .. بعد اذنك
كانت ” مها” تراقب المشهد من مكان قريب لم تتمكن من معرفة عن ماذا يدور الحوار ولا عما أعطاه “عمر” لـ “ياسمين” لكن عينيها كانت تشعان حقداً وغلاً .
بعد انتهاء يوم من العمل الشاق .. خرجت “ياسمين” عائدة الى غرفتها عندما استوقفتها “مها” معترضة طريقها قائله بسخرية :
– على فين يا دكتورة ؟
نظرت اليها “ياسمين” وهى تحاول كبح غيظها .. فقد كانت “ياسمين” تعلم جيداً بأن “مها” لا تستلطفها ولا تحبها .. لذلك كانت تحاول قدر الإمكان تلاشى الصدام معها .. قالت لها :
– خلصت شغلى وراجعه أوضتى .. بعد اذنك
همت “ياسمين” بالإنصراف لكن “مها” وقفت أمامها وعقدت ذراعيها امام صدرها قائله :
– العينات اللى بعتيهالى المعمل كلها اتجلطت
نظرت اليها “ياسمين” بدهشة قائله :
– ازاى يعني اتجلطت
قالت لها “مها” بسخرية :
– مش عارفه يعني ايه عينة دم تتجلط ؟.. يعنى باظت يا دكتورة
قالت “ياسمين” بحده قائله :
– ازاى يعني .. ايه اللى جلطها
– اللي جلطها ان حضرتك محطتيش Anticoagulant قبل ما تحطى عينات الدم فى الأنابيب
هتفت “ياسمين” بغضب :
– انتى بتقولى ايه .. انا حطه بنفسي الـهيبارين فى كل الأنابيب قبل ما أحط فيها العينات اللى خدتها
قالت “مها” ببرود :
– بقولك العينات كلها اتجلطت يبقى ازاى يعني كنتى حاطه هيبارين
احتدت “ياسمين” قائله :
– يعنى أنا بكدب
– أنا ما قولتش كده
حاولت “ياسمين” كظم غيظها .. كتفت يديها أمام صدرها قائله :
– والمطلوب دلوقتى
قالت “مها” بتشفى :
– المطلوب انك تاخدى كل العينات تانى والكلام ده يخلص النهاردة لانك زى ما انتى عارفه الفروض النتايج كلها تظهر بكرة عشان نعرضهم على البشمهندس “عمر” .. ولو البشمهندس ملقاش النتايج هتبقى انتى اللى فى وش المدفع
قالت لها “ياسمين” ببرود :
– العينات هتكون عندك بكرة يا دكتورة
غادرت “مها” وهى ترسم على شفتيها ابتسامه التشفى
عكفت “ياسمين” على أخذ العينات مرة أخرى الأمر الذى أرهقها للغاية فعمل يومين مطلوب منها أن تعيده مرة أخرى فى عدة ساعات .. كانت تعمل بسرعة لكن بدقة حتى لا تقع فى أى خطأ .. كان “عمر” متوجهاً الى بيت المزرعة .. عندما وجد ضوء أحد الزرائب مضاءاً .. استغرب لأن من المفترض أن الجميع غادر الى بيته .. اقتربت منه ودخل ووجد “ياسمين” تعمل بهمة ونشاط .. اقترب منها “عمر” فرفعت رأسها لتنظر اليه .. قال لها بدهشة :
– انتى بتعملى ايه هنا لحد دلوقتى ؟
عادت الى اكمال عملها قائله :
– عندى شغل
– لحد دلوقتى ؟
– أيوة
رآى “عمر” علامات الإجهاد على وجهها فأشفق على حالها وقال بحنو :
– طيب أجلى الشغل لبكرة .. الوقت اتأخر دلوقتى
قالت “ياسمين” بشئ من الحده :
– لازم الشغل يخلص دلوقتى .. لأن العينات اللي خدتها باظت ولازم أخلصها دلوقتى عشان أديها لدكتورة “مها” الصبح
شعر “عمر” بنبرة الضيق فى صوتها فسألها بإهتمام قائلاً :
– فى حد بيضايقك هنا ؟
صمتت “ياسمين” قليلا ثم قالت :
– لأ مفيش
تفرس فيها قائلاً:
– واثقة ؟
نظرت اليه مطمئنه اياه قائله :
– أيوة واثقه .. مفيش أى مشاكل الحمد لله
أومأ “عمر” برأسه مطمئناً .. ثم نظر اليها قائلاً :
– أدامك كتير
شعرت بشئ من السرور لإهتمامه .. ردت بصوت خافت :
– يعني شوية
ابتسم “عمر” قائلاً :
– نفسي أسعادك .. بس مليش فى اللى انتى بتعمليه ده خالص
خفق قلبها بشدة لمرآى ابتسامته .. ولكلامه عن رغبته فى مساعدتها .. فخفضت بصرها و تجاهلت خفقات قلبها وأكملت عملها فى صمت .. شعر بنفسه يود البقاء معها أكثر لكنه رآى توترها فنظر اليها قائلاً :
-أنا فى البيت مش خارج .. لو احتجتى حاجة عرفيني
شعرت فى قلبها بسعادة خفيه .. لم تجب .. فرحل فى صمت.
بعد فترة من انهماكها فى العمل سمعت صوتاً فى الخارج أمام الباب .. شعرت بالخوف .. سارت ببطء لتتبين مصدر هذا الصوت .. خرجت لتجد أحد العمال يجلس بجوار الباب ويتفرش الأرض .. قالت له بدهشة :
– انت بتعمل ايه هنا ؟
قفز الرجل من مكانه وقال لها :
– الباشمهندس “عمر” قالى أفضل هنا عشان لو الدكتورة احتاجتنى فى حاجة .. ومتحركش من مكانى الا لما تخلص شغلها
شعرت بخفقات قلبها تتسارع مرة أخرى .. تُرى ما هو سر اهتمامه بها .. لماذا يهتم بتوفير هذا العامل لها .. ألأنها تعمل فى مزرعته ومسؤلة منه .. هل لو كانت أى فتاة أخرى مكانها هل كان ليفعل ذلك أيضاً .. طردت “ياسمين” تلك الأفكار من رأسها وقالت لنفسها بسخريه .. أفيقي يا “ياسمين” أين أنتِ وأين هو .. مثله معتاد الحصول على أجمل الفتيات وارقاهن .. بالتأكيد اهتمامه بكِ لن يعدو أن يكون مجاملة لصديقه .. أو لعله مازال يشعر بالذنب بسبب الحادث ويريد أن يكفر عن ذنبه ليريح ضميره .
جافى النوم “عمر” فى هذه الليلة .. ظل ساهراً فى شرفه منزله …كان يشعر بشئ غريب لا يستطيع هو نفسه تسميته .. نظر الى النجوم التى تزين السماء وهى تضئ وتتوهج فى روعة .. وجد الابتسامه تتسلل الى شفتيه بلا استئذان .. شعر بنسمات الهواء المنعش وكأنه يستنشقها لأول مرة .. شعر بسعادة غريبة تسرى مع دماؤه فى شرايينه وأوردته .. لم يستطع أن يحدد سبباً لتلك الحالة الغريبة التى تعتريه .. فقط كان يشعر بكل تلك الأشياء ولم يعرف لذلك سبباً واضحاً ..
فى الصباح أتى الى المزرعة أحد عملائها الكبار .. استقبله “عمر” بترحاب شديد وقدم له واجب الضيافه .. أراد الرجل شراء كمية كبيرة من عجول التسمين .. كانت بالنسبة لـ “عمر” صفقة كبيرة ستدر عليه ربحاً وفيراً .. قاد “عمر” الرجل الى حيث المواشي ليلقى نظره عليها وعلى الأعلاف التى تقدم لها .. وجدت “ياسمين” “عمر” يدخل مكتبها برفقة رجل فهبت واقفه .. قدم “عمر” الرجل اليها قائلاً :
– صباح الخير يا دكتورة .. أقدملك الأستاذ “خالد الدمرداش” ده عميل عندنا من زمان .. ومن الناس اللي احنا بنعتز بالتعامل معاهم
قال “خالد” :
– متشكر يا بشمهندس ده من ذوقك
قدم “عمر” “ياسمين” الى الرجل قائلاً :
– الدكتورة “ياسمين” طبيبة بيطرية فى المزرعة عندنا وهى هتفيدك أكتر فى شرح نوعيه الأعلاف وجودة القطعان عندنا
التفت الرجل الى “ياسمين” مبتسماً ومد يده قائلاً :
– اتشرفت بمعرفتك يا دكتورة “ياسمين”
نظرت “ياسمين” الى يد الرجل بتوتر ثم ما لبثت أن قالت :
– آسفة مبسلمش بالإيد
نظر الرجل اليها بحده وأعاد يده قائلاً بسخرية:
– ليه خايفه يتنقض وضوئك ؟
شعرت “ياسمين” بالإحمرار يغزو وجنتيها .. وقالت :
– لأ أكيد مش ده السبب
قال الرجل وهو ينظر اليها بتعالى :
– انتى أصلاً تعرفى أنا مين .. كون انى واقف بتكلم معاكى دلوقتى دى حاجه مكنتيش تحلمى بيها
ثم التفت الى “عمر” قائلاً :
– الظاهر انك معرفتش تختار صح الناس اللى تقدمنى ليهم يا بشمهندس .. ياريت نكمل كلامنا فى مكتبك
احتقن وجه “عمر” بشدة .. وألقى على “ياسمين” نظرة احتارت فى تفسير معناها ثم توجه مع الرجل الى الخارج .. جلست “ياسمين” وهى تشعر بالحنق الشديد .. من يظن نفسه ليتعامل معها بهذا الشكل .. نعم هى لا تسلم على الرجل .. ولن تتنازل وتفعل ذلك لترضى أحداً مهما كان الحرج الذى ستسببه لنفسها بسبب ذلك .. تسائلت فى نفسها هل يا ترى “عمر” غضبان منها لأنها لم تسلم على الرجل .. ولكنه يعلم بأنها لا تسلم .. حتى هو رفضت السلام عليه فى أول يوم لها بالمزرعة .. هل ظن بأنها تعمدت احراج الرجل عمداً .. هل يرى بأنها تسببت فى حدوث مشاكل بينه وبين أحد عملاءه المهمين .. ظلت الأسئله تدور فى رأسها بدون توقف .. بعد مضى ساعة تقريباً .. لم تستطع تحمل هذا الكم من التوتر شعرت بأنها ترغب فى الدفاع عن نفسها وأن تشرح لـ “عمر “بأنها لم تكن لتقصد أن تؤذيه وأن تتسبب فى أى مشكلة .. لكن هذه طبيعتها ومبادءها ولن تغيرها .. نهضت وتوجهت الى مكتب “عمر ” .. طرقت الباب فأتاها صوته :
– اتفضل
فتحت الباب وأخذت تتطلع الى وجهه لعلها تتبين انفعالاته .. نظر اليها ولم يتكلم .. دخلت وتركت الباب مفتوحاً .. لم يعلق على الباب المفتوح هذه المرة .. وقفت أمام المكتب قليلاً .. ثم تحدثت بصوت هادئ :
– أنا أسفه
نظرت اليه فوجدته ينظر اليها بدون أى رد فعل .. فأكملت قائله :
– مكنش قصدى أعمل مشكلة بين حضرتك وبين العميل .. بس حضرتك عارف انى مبسلمش على حد
ساد الصمت لبرهه .. وجدته ينهض من مكتبه ويلتف حوله ليصبح مواجهاً لها .. التفتت اليه .. نظر اليها قائلاً :
– عايزة تفهميني انك مبتسلميش أبداً على أى راجل .. حتى لو كان كبير فى السن زى الاستاذ “خالد”
قالت بجديه :
– أيوة مبسلمش على أى حد مهما كان سنه
نظر اليها نظرة غامضة ودت لو دخلت رأسه فى تلك اللحظة لتعلم فيها يفكر .. سألها قائلاً :
– يعني زوجك .. أقصد لما كان خطيبك هو الوحيد اللى لمس ايدك ؟
دهشت لسؤاله .. صمتت “ياسمين” للحظات .. ثم قالت دون أن تنظر اليه :
– لأ .. حتى هو لما كان خطيبي مسمحتلوش يلمس ايدي
رفع “عمر” حاجبيه فى دهشه .. ونظر اليها بإمعان قائلاً :
– أبدا ؟.. ملمسش ايدك أبداً ؟
هزت رأسها بالإيجاب
شعر بشعور غريب يجتاح قلبه ويتوغل فيه ببطء .. نظر اليها قائلاً بصوت خافت :
– ليه .. ليه مكنتيش بتخليه يلمس ايدك ؟
– قالت “ياسمين” بدون تردد وهى لا تزال لا تنظر اليه :
– عشان مش من حقه
شعر “عمر” بخفقة فى قلبه لم يعتاد الشعور بها من قبل .. خفقه قوية .. عميقة .. نظر اليها فشعر بحنان جارف يملأ قلبه تجاه تلك الفتاة التى تقف أمامه والتى تطرق بوجهها فى خجل .. ود لو توقف الزمان حيث هما .. أخذ ينظر اليها بحنان ممذوج بدهشة وحيره .. وكأنه طالب يدخل المدرسة لأول مرة ويقف أمام معلمته .. شعر بأن تلك الفتاة الواقفه أمامه تتحكم به بطريقة أو بأخرى .. شعر بأن لها تأثيراً قوياً عليه لم يألفه ولم يعتاده من قبل .. شعر بالخوف يدب فى قلبه بسبب هذا الشعور الغريب الذى كاد أن يغمر كيانه كله .. شعور بالإستسلام والتسليم .. قطعت “ياسمين” الصمت قائله :
– أنا بس حبيت أوضح لحضرتك موقفى .. وأعتذر ان كنت سببت أى مشكلة … بعد اذنك
التفتت لتنصرف فمد “عمر” يده ليمسك ذراعها ليوقفها .. لكنه تذكر .. هى ليست كغيرها ممن عرفهن .. هذا الذى سيفعله غير موجود فى قاموسها .. سحب يده قبل أن تلمسها .. نظر فى عينيها .. كان يخشى اغضابها .. وقفت حائرة .. قال بصوت رخيم :
– أنا مزعلتش منك انتى .. أنا اضايقت منه هو .. من الكلام اللى قالهولك
صمت لبرهه ثم قال :
– أنا وقفت التعامل معاه تماما
رفعت نظرها اليها فى دهشة وكأنها لا تعى ما يقول .. قالت له بعدم فهم :
– يعني ايه اللي حضرتك بتقوله .. مش فاهمة
ابتسم لحيرتها وقال :
– يعني اللى يهين دكتورة بتشتغل فى مزرعتى ميشرفنيش أبداً انى أتعامل معاه
تلاقت نظراتهما فى صمت .. نظرة حنان منه .. ونظرة عدم تصديق منها .. أفعل هذا من أجلها حقاً ؟ .. أخسر عميلاً مهماً من أجلها ؟ .. أمن أجلها هى تحديداً أم أن لو كانت “مها” أو “شيماء” أو غيرهما فى نفس موقفها هل كان ليتصرف بهذا الشكل أيضاً ؟ .. خرجت من شرودها لتتمتم فى خفوت :
– بعد اذنك
ثم خرجت وأغلقت الباب خلفها
ظلت طول الليل تتقلب فى فراشها كأنها نائمة على جمر .. كانت تجاهد لمحو صورته من رأسها .. تجاهد لإعادة انتظام ضربات قلبها .. تجاهد لنسيان كلماته وابتسامته الساحره .. أخذت تردد لنفسها قائله .. لا لن أقع تحت تأثير سحره .. أنا لست كفتياته .. لن أكون واحدة منهن .. ليتي لم أءت الى المزرعة .. ليتي لم أراه .. لن أدع مشاعرى تتحكم بي .. لن أحلم بما هو صعب المنال .. حتى لا يتحطم قلبي الصغير .. يجب أن أقتل مشاعرى تجاهه وهى فى مهدها .. قبل أن تكبر وتصبح وحشاً مفترساً يلتهمنى ويقضى على الأخضر واليابس … ظلت تستغفر ربها وهى مغمضة العينين حتى استسلمت لسلطان النوم.
********************
حاولت “ريهام” الاتصال بـ “ياسمين” لكنها وجدت هاتفها مغلق .. فارتدت ملابسها وخرجت لتبحث عنها فى مكان عملها .. دخلت لتجد شاباً طويل القامة نحيل يمسك كتاباً وقلماً أمامه ويدون شئ ما .. مسحت المكان بعينيها وهى واقفة على الباب فلم تجد “ياسمين” .. نظرت الى الشاب المنهمك فى مطالعة الكتاب الذى أمامه وقالت له :
– لو سمحت متعرفش دكتورة “ياسمين” فين ؟
رفع “هانى” رأسه ونظر اليها قائلاً :
– راحت المعمل وهترجع كمان شوية
– طيب شكراً
همت “ريهام” بالإنصراف لكنه استوقفها وعيناه تتفحصانها :
– أقولها مين لما تيجي
– قولها بس “ريهام” عايزاكى افتحى تليفونك
أومأ برأسه قائلاً :
– حاضر هقولها لما تيجي
شكرته وانصرفت .. عادت “ياسمين” فأخبرها “هانى” بمجئ “ريهام” .. ثم سألها قائلاً :
– هى أختك ؟.. أصل فيكوا شبه من بعض
ردت “ياسمين” بإقتضاب قائله :
– أيوة أختى
حملت “ياسمين” الهاتف وخرجت تهاتف أختها :
– أيوة يا “ريهام” .. قالولى انك سألتى عليا
– “ياسمين” .. ايه الرقم ده ؟؟ .. وأفله تليفونك ليه ؟
– أنا بكلمك من تليفونى .. ده خطى الجديد
– خطك الجديد ؟ جبتيه امتى ده ؟ وخلاص رميتي القديم ؟
– هبقى أحكيلك بعدين .. فى حاجه .. كنتى عايزه حاجه ؟
– آه كنت عايزه أعرف هتخلصى امتى .. أنا زهقانه أوى
قالت لها “ياسمين” بحنو :
– أنا عارفه انى بسيبك لوحدك فترات طويله .. معلش يا “ريهام” .. ان شاء الله كام يوم ونخرج نتفسح سوا .. احنا لسه لحد دلوقتى مشوفناش المنصورة ولا اتفسحنا فيها
– خلاص اتفقنا .. هستنى انك توفى بوعدك ده .. عشان خلاص هطأ من جنابي
ابتسمت “ياسمين” قائله :
– متقلقيش هنفذ وعدى .. ويلا سلام بأه عشان عندى شغل كتير
– سلام
بمجرد أن أغلقت “ياسمين” مع “ريهام” وجدت هاتفها يرن فأسرعت قائله :
– السلام عليكم أستاذ “شوقى”
– وعليكم السلام ازيك يا مدام “ياسمين”
قال بلهفه :
– الحمد لله .. فى أخبار جديده عند حضرتك ؟
– أحب أبشرك ان معاد الجلسه اتحدد يا مدام “ياسمين”
قالت “ياسمين” بفرحه عارمة :
– بجد ؟ أخيرا الحمد لله
– أيوة الحمد لله كلها اسبوعين وتخلصى من القضية دى تماما
– اسبوعين ؟
– أيوة معاد الجلسة بعد اسبوعين ان شاء الله .. وأنا متفائل ان النطق بالحكم يكون من أول جلسه
قالت “ياسمين” متضرعه وهى تنظر السماء :
– يارب
ثم استطردت قائله :
– متشكره أوى يا أستاذ “شوقى”
– العفو .. مع السلامة
– مع السلامة
أغلقت هاتفها وهى تشعر بالراحة والسعادة .. ودت لو يمر الاسبوعين فى لمح البصر .. ويحكم القاضى بتطليقها لتصير حرة طليقه وتتخلص من “مصطفى” الى الأبد .. وتمحو من عقلها أى ذكرى له.
*****************************
رن هاتف “عمر” فأسرع بالرد قائلا :
– ألو
قال “كرم” بلوم :
– أهلا بالناس الهربانه
– والله وحشنى
– ما هو واضح .. واضح أوى انى وحشتك وان شوقك ليا مقطع بعضه
ضحك “عمر” قائلا :
– عارف انى مقصر معاك الفترة اللى فاتت
– لا مقصر ولا مطول أنا قررت قرار وأعلى ما فى خيلك اركبه
قال “عمر” بقلق :
– خير قرار ايه
– قررت آخد أجازة طويلة المدى .. وبكرة هتلاقيني طابب عليك فى المزرعة بشنطة هدومى .. وقبل ما تقولى الشغل ومش الشغل هقولك ابوك فيه الخير والبركة . وانا كمان هفضل متابع الشغل من المزرعة زى جنابك ما بتعمل .. يعني مسمعش كلمة اعتراض
ضحك “عمر” قائلا :
– هو أنا اقدر اعترض
– أيوة كده بحسب
– يلا جهز نفسك وحضرلى وليمة فلاحى من اللى هى وعايز الأرض مفروشة ديناميت قصدى ورد .. وبنات على الصفين يقولولى ويلكم سى كرم
ضحك “عمر” قائلا:
– طب ويلكم سى كرم دى تركب على بعضها ازاى نفسي أفهم ؟
– بقولك ايه انا هسيب طريقة الاستقبال عليك وانت وذوقك بأه
– خلاص من عنيا هعملك احلى استقبال
– اهو كده يلا سلام وابقى قول للواد “أيمن” انى جاى عشان واحشنى ونفسي اشوفه
– خلاص ماشى اتفقنا ..
– يلا سلام يا باشا
– سلام يا “كرم”
أنتهى “عمر “من محادثة صديقه وقد شعر بفرحه عارمة فقد اشتاق له كثيراً .. ابسم قائلا لنفسه :
– جيت فى وقتك يا “كرم” انت أكتر واحد بتفهمنى.
البارت 24
جلس الأصدقاء الثلاثة فى بيت المزرعة يتضاحكون ويتجاذبون أطراف الحديث .. قال “كرم” فى استمتاع :
– ياااه .. والله وحشنى يا ولاد الايه
ربت “عمر” بكفه على كتف “كرم” قائلاً :
– وانت كمان يا “كرم” .. بجد افتقدتك جدا .. وافتقدت غتاتك
قال “أيمن” :
– أيوة واتك أوى على غتاته دى
قال “كرم” :
– تنكروا انى عملت جو للمزرعة من أول ما جيت وأنا مبقاليش ساعة واصل ..
ابتسم “عمر” قائلاً :
– آه والله وأحلى جو أنا من زمان مضحكتش كده
قال “كرم” بجديه :
– بصوا بأه عايزكوا تشوفولى سكرتيرة كويسة ..أنا مش جاى عشان أقضى يومي فى الشغل عايز واحده تنجز معايا
سأله “عمر” بإهتمام :
– طيب مشترط مؤهلات معينة
– آه يعني تكون زى مدام “حنان” مديرة مكتبتك
هتف “عمر” قائلا :
– انت هتهرج يا “كرم” .. مدام “حنان” ايه .. انت فى بلد أرياف يا ابنى ..
– طيب شوفولى أى واحدة المهم تكون ذكية وسريعة ونشيطة وبتفهم فى الكمبيوتر وبتعرف انجلش كويس ومريحة فى التعامل
طمأنه “عمر” قائلاً :
– خلاص سيب الموضوع ده عليا
نظر “أيمن” الى “عمر” قالئلاً :
– “ريهام” مش كده ؟
أومأ “عمر” برأسه قائلاً :
– أيوة بس هتأكد الأول ليها فى الكمبيوتر والانجلش ولا لأ
هتف “كرم” فى مرح :
– ايه يا عم انت وهو انتوا جابيينى تجوعونى ولا ايه .. لا ويقولولك بلد فلاحين .. فين المشلتت والمحمر والمشمر أنا على لحم بطنى من الصبح
وهنا أتت الخادمة لتخبرهم بأنها انتهت من تحضير الطعام .. التف الجميع حول طاولة الطعام فى استمتاع وهم يستعيدون ذكرياتهم معاً
****************
حالك مش عاجبنى اليومين دول
قالت “ريهام” هذه العبارة وهى واقفة مع “ياسمين” فى شرفة غرفتهما .. قالت “ياسمين” دون أن تلتفت اليها :
– لا أبداُ مفيش حاجه
تفرست فيها “ريهام” قائله :
– واثقه ؟
– أيوة واثقه .. يمكن بس شوية ارهاق من الشغل
قالت “ريهام” بعدم اقتناع :
– هحاول أبلعها .. بس انتى عارفه انك وقت ما تحبي تتكلمى أنا موجوده وهسمعك
التفتت اليها “ياسمين” وابتسمت ابتسامه ضعيفة .. نظرت “ريهام” للأسفل قائله :
– مين ده ؟
نظرت “ياسمين” حيث تنظر أختها .. فرأت “عمر” و “أيمن” ومعهما شخص ثالث لا تعرفه
قالت “ريهام” :
– أنا حسه انى شوفته قبل كده
قالت لها “ياسمين” :
– أنا أول مرة أشوفه فى المزرعة
– لأ .. مش فى المزرعة .. تقريبا لمحته فى خطوبة “سماح” .. أصلا احنا يوميها ملحقناش نعد ولا نشوف حد ..حضرتك مشتينا بدرى
تذكرت “ياسمين” يوم خطوبة “سماح” .. كانت فى صباح ذلك اليوم فى المحكمة .. مع “مصطفى” .. أثارت ذكراه القشعريرة فى جسدها .. أحاطت جسدها بذراعيها وكأنها تحمي نفسها من ذكراه .. نظرت الى الأسفل مرة أخرى .. على “عمر” الذى كان يتحدث مع صديقيه فى مرح .. حانت منه التفاته لأعلى .. فتلاقطت نظراتهما فى لحظة خاطفة .. خفق لها قلبها الصغير .. ولم تكن تدرى أن خفقات قلبها كان صداها يُسمع فى قلبه هو الآخر .. أشاحت بوجهها بسرعة وقالت لـ “ريهام” :
– أنا دخله
هربت “ياسمين” الى الداخل بسرعة .. ولحقت بها “ريهام” التى نظرت بعتاب الى “ياسمين” التى جلست على فراشها وضمت وسادتها الصغيرة الى صدرها قائله :
– براحتك مش هضغط عليكي
شردت “ياسمين” فى وجوم.
**********************