رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة العاشرة والأخيرة

12 5٬983
 

رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة العاشرة والأخيرة

رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة العاشرة والأخيرة

رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة العاشرة والأخيرة

رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة العاشرة والأخيرة , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل السادس والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد

تعب “مراد” من كثرة التفكير .. وقرر أن يدع الماضى وشأنه وأن يردم عليه التراب ويعيش اليوم ويخطط للمستقبل مع والدته و “ناهد” و اخواته و … “مريم” .. هب واقفاً وتوجه الى غرفته ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. اقترب منها وجلس بجوارها يتأملها .. مسح على شعرها وأخذ يتذكر كم عانت مثلما عانت أمه من قبل .. تذكر أنها هى أيضاً طعنت فى عرضها مثلما طعنت أمه .. لكن الفرق أنه صدق ما قيل عن “مريم” .. تنهد فى أسى وانحنى يقبل رأسها .. وأمسك كفها الموضوع بجوارها ورفعها الى شفتيه يقبله وكأنه يعتذر لها عما بدر منه فى حقها .. تذكر فى تلك اللحظة عمته “بهيرة” يوم أن طلبت منه فى المستشفى الزواج من “مريم” .. وأصرت أن يتزوجها “مراد” ..

أرادت من “مراد” أن يفعل مع “مريم” .. مثلما فعل أبوها مع أمه .. أحكم وضع الغطاء عليها وتوجه الى الأريكة .. شعر بألم فى ساقه .. فخلع الساق الصناعية وتركها فى مكانها تسد فراغ قدمه تحت الغطاء .. وغط فى سبات عميق .

استيقظت “مريم” لتجد “مراد” نائماً على الأريكة .. اذن فقد عاد من الأسفل دون أن تشعر به .. نهضت لكى تتوجه الى الحمام .. وفجأة .. وضعت يديها على فمها تكتم شهقتها ودهشتها وفزعها .. رأت “مريم” الساق الصناعيه واقعه على الأرض بجوار الأريكة .. أخذ قلبها يخفق بقوة وهى لاتزال تضع كفيها على فمها بقوة .. .. نظرت الى “مراد” لتجده نائماً .. اقتربت من الأريكة ببطء وهى تنظر لتلك الساق الموجودة على الأرض .. اقتربت أكثر لترى فى ضوء القمر المتسلل للغرفة الفراغ أسفل ساقه اليمني من فوق الغطاء .. أجهشت فى البكاء وكادت أن تعلو صوت شهقاتها لولا أنها أحكمت تكميم فمها بقوة .. تساقطت العبرات من عينيها ساخنة وجسدها يرتجف بشدة وهى تنظر الى الفراغ فى مكان ساقه .. رفعت نظرها الى وجه “مراد” واقتربت منه تنظر اليه نائماً .. كانت عيناها تشعان حزناً وألماً وعذاباً شديداً .. شعرت وكأنها اكتشفت بأن ساقها هى المبتوره .. نظرت اليه وهى تقول فى نفسها .. أهذا ما كنت تخفيه عنى ؟ أهذا ما كان يؤرق مضجعك ؟ .. أهذا ما كان يقلقك ويخيفك ؟ .. أهذا ما كنت أرى بسببه الألم والحيرة والقلق فى عينيك ؟ .. أهذا ما يبعدك عنى يا “مراد” ؟.. أهذا ما يبعدك عنى يا .. حبيبــى .. ؟ التفتت لتنظر الى الساق الملقاة على الأرض مرة أخرى .. اقتربت منها وحملتها .. ورفعت الغطاء برفق ووضعتها فى مكانها .. نظرت الى نهايه ساقه التى التحمت ببعضها فيما يشبه شكل الركبة المثنية .. شعرت بدموعها تنهمر مرة أخرى .. أحكمت وضع الغطاء عليه .. ثم اقتربت من رأسه وجثت بجواره وهى تنظر اليه .. قربت أصابع يدها من رأسه تتلمس شعره برفق .. ودت أن توقظه الآن وتخبره بكل ما يجيش داخل صدرها .. لكنها أرادت أن تفوق من صدمتها أولاً .. أرادت أن تكون مستعدة جيداً لتلك المواجهة .. وهى الآن أضعف ما يكون .. هى الآن كالطير الجريح .. لن تستطيع مداواته اذا كانت هى نفسها تشعر بالجرح .. غادرت الغرفة مسرعة وأغلقت الباب ووقفت أمامه تبكى بحرقة وهى تحاول التحكم فى مشاعرها دون جدوى .. كانت تشعر بألم شديد فى قلبها .. كانت تشعر بكل ألامه وعذابه وأحزانه كالطعنات فى قلبها هى .. وضعت كفها على الباب وأسندت رأسها اليه .. مرت دقائق وهى واقفة هكذا تحاول أن توقف شلال الدموع المنهمر من عينيها و امتداد الألم داخل قلبها .. مسحت دموعها وعندما شعرت أنها بدأت فى استعادة القليل رباطة جأشها توجهت الى غرفة “سارة” التى اذنت بها بالدخول .. قالت “مريم” وعيناها تبدوان شديدتا الإحمرار :

– صباح الخير يا “سارة”

قالت “سارة” وهى تنظ اليها بإمعان :

– صباح الخير “مريم” .. مال عينك

قالت “مريم” بإرتباك :

– مفيش عادى .. انتى عارفه الجو اليومين دول فيه تراب وبيوجع العين

ابتسمت “سارة” قائله :

– اها فعلاً الجو غريب اليومين دول

جلست “مريم” بجوار “سارة” على الفراش قائله :

– “سارة” عايزة أسألك عن حاجة

قالت “سارة” :

– خير يا “مريم”

قالت “مريم” بصوت مضطرب :

– عايزاكى تحكيلى ازاى “مراد” رجله اتبترت

قالت “سارة” بدهشة :

– هو محكلكيش ؟

قالت “مريم” بتوتر :

– عايزة اسمع منك انتى .. ومتسألينيش عن السبب

قالت “سارة” وهى مازالت تشعر بالدهشة من سؤالها :

– كانت حادثة

قالت “مريم” بإهتمام :

– ايه اللى حصل ؟

قالت “سارة” بحزن :

– كان هو وطليقته عندنا سمعناهم بيتخانقوا جامد فى الجنينة .. كانوا بيتخانقوا على موضوع الحمل .. هو كان عايز يخلف وهى عايزة تأجل .. نرفزته بكلامها .. خرج وساق العربية وطلع بيها .. وفجأة جلنا خبر انه عمل حادثة ونقلوه المستشفى .. بس للأسف رجله كانت متدمرة والدكاترة ملقوش حل الا فى البتر

كانت “مريم” تستمع اليها وعلامات الحزن على وجهها .. تخيلت شعور “مراد” وهو يتلقى خبر بتر قدمه .. تخيلت شعوره واحساسه وقتها .. تخيلت كيف كانت صدمته الأولى عندما رآى مكان البتر .. تخيلت ألمه من فقدانه لتلك الساق .. بالتأكيد شعور صعب وقاسي وغير محتمل

أكملت “سارة” بأسى شديد :

– كان “مراد” تعبان فى الأول لكنه كان راضى وصابر .. بس للأسف هى مكنش عندها ذرة احساس

التفتت اليها “مريم” بحده وقالت :

– طليقته تقصدى ؟

أومأت “سارة” برأسها وقالت بحزن :

– اتخلت عنه وطلبت الطلاق

شعرت “مريم” بنغزات الدموع كالشوك فى عينيها .. أكملت “سارة” :

– سمعناه وهو بيترجاها متسيبوش وتفضل جمبه .. وعدها انه هيركب رجل صناعيه ويمشى بيها زى الأول .. بس هى كانت مصرة على الطلاق

لم تعد “مريم” تحتمل حبس دموعها أكثر فانهمرت منها رغماً عنها وارتجف جسدها بقوة .. أكملت “سارة” بحزن وهى شاردة كأنها ترى شريط ذكريات أمام عينينها :

– فى ساعتها رمى عليها اليمين وطلقها .. اتعذب أوى .. واتألم أوى .. واتغير أوى .. خاصة لما عرف انها اتجوزت .. كان يوم صعب أوى بالنسبة له .. كنا حسين انه بيموت أدامنا واحنا مش قادرين نعمله حاجه .. بعد الموضوع ده بسنتين فكر انه يرتبط تانى .. كان فى بنت بتشتغل عنده فى الشركة أعجب بيها .. وكلمها انه هيتقدملها .. البنت وافقت وكانت مبسوطة .. ولما راحلها البيت عرفها بموضوع رجله

نظرت اليها “مريم” بإمعان .. فقالت “سارة” بحزن :

– لما عرفت رفضته

شعرت “مريم” وكأنها طعنت فى قلبها مرة أخرى .. أكملت “سارة” :

– من ساعتها رفض الارتباط تماما .. وكان بيرفض أى عروسة ماما بتجيبهاله

ثم نظرت الى “مريم” مبتسمه وقالت :

– لحد ما قابلك انتى يا “مريم” .. متتصوريش فرحنا أد ايه بجواز “مراد” وفرحنا اكتر لما عيشتى معانا وعرفناكى وحبيناكى

ثم قالت :

– كنت خايفة “مراد” يفضل لوحده وميتجوزش تانى .. بس هو برده معذور كان خايف انه يتعرض للرفض مرة تانية أو انه يرتبط بواحده يحس انها حسه نحيته بالشفقة

التفتت الى “مريم” قائله بحزن :

– تعرفى انه مش بيرضى أبداً يخلى اى حد مننا يشوفه من غير رجله الصناعية .. حتى ماما مبيرضاش يخليها تشوفه كده

كان كل تفكير “مريم” منحصر فى “مراد” وفى الألم الذى لاقاه .. كم عانى فى حياته .. كيف استطاعت زوجته السابقة أن تتخلى عنه وتتركه بمفرده يعانى وسط آلامه .. كيف تركت يده فى منتصف الطريق .. كيف تخلت عنه وهو فى أمس الحاجة اليها .. هذه تعد خيانـــة .. بل أشد أنواع الخيانة .. شعرت “مريم” بغضب شديد تجاهها .. وبألم شديد تجاهه .. طرقت “نرمين” الباب لتخبرهم بأنه تم الانتهاء من اعداد الفطور .. دخلت “مريم” غرفة “مراد” لتجده غير موجود بها .. نظرت الى الأريكة بأسى .. دخلت وغسلت وجهها وبدلت ملابسها ونزلت للأسفل

كان “مراد” جالساً فى مكانه على رأس الطاولة .. خفق قلبها لرؤيته .. دون وعى منها نظرت وهى تدخل الغرفة الى ساقه التى تبدو وكأنها ساق طبيعيه .. شعرت بوغزات الدموع فى عينيها مرة أخرج لكنها حاولت التماسك .. جلست تنظر اليهم وهما يتحدثون ويمزحون دون أن تشاركهم الحديث .. كانت كل مشاعرها وحواسها موجهه الى الرجل الجالس بجوارها والذى لا تستطيع النظر اليه حتى لا يرى الألم الذى تنطق به عينيها .. كان “مراد” يتابعها وهى تحرك الطعام أمامها وتتظاهر بالأكل دون أن تأكل بالفعل .. كان يتابعها بإهتمام .. استأذنت وقالت :

– انا شبعت .. هخرج أتمشى فى الجنينة شوية

قالت “ناهد” :

– ماشى يا حبيبتى

خرجت “مريم” وجلست فى مكانها المعتاد فى الحديقه نظرت الى الشجرة التى سقطت منها الحمامة .. تذكرت يوم أن قالت له بأنها أشفقت على الحمامة لأن جناحها مكسور .. أخذت تتساءل .. تُرى هل آلمه كلامها .. هل ظن أنها ستشفق عليه كإشفاقها على الحمامه ؟ .. زفرت بضيق وهى تتمنى لو لم تقل تلك الكلمات وقتها .. سمعت صوته خلفها .. تسلل الى أذنيها ليقفز قلبها فى جنون :

– “مريم”

التفتت تنظر اليه .. الى هذا الرجل الذى أحبته بكل كيانها .. نظر اليها بإمعان قائلاً :

– “مريم” فى حاجة مضايقاكى

حاولت التحدث لكن الكلمات أبت أن تخرج .. تفرس فيها وهو يقول بإهتمام :

– مالك ايه مضايقك

شعرت بحنين شديد اليه .. شعرت بأنها تريد أن تلقى بنفسها بين ذراعيه وتطيب جراحه .. تريد أن تطمئنه وأن تخبره أنها ليست كتلك النسوة اللاتى قابلهن فى حياته .. لن ترفضه أبداً .. أرادت أن تصرخ فيه لا تخف منى لن أخذلك .. لن أجرحك .. لن أؤلمك .. لن أتركك .. تعلقت عيناه بعينيها يخترق أعماق روحها قال بصوت متهدج :

– “مريم” مالك .. فى حاجة تعباكى ايه هى

حاولت التحدث مرة أخرى ففشلت .. اقتربت منه وأحاطت عنقه بذراعيها وتركت لعبراتها العنان .. شعر “مراد” بالدهشة وهو يراها بين ذراعيه .. أحاطها بذراعيه هو الآخر .. ضمها اليه بشدة .. وتمسك بها كالغريق الذى يتعلق بالشئ الذى يبقيه على قيد الحياة .. شعر “مراد” بقلبه يقفز فرحاً لقربه منها .. ضمها اليه يخشى مفارقتها .. شعر بالخوف مرة أخرى من ردة فعلها ان علمت بإعاقته .. شعر بأنه يخدعها .. شعر بأنه غير أمين معها .. استدرج عواطفها وهى لا تعلم شيئاً عن ظروفه .. أخذ يلوم نفسه قائلاً .. هذه ليست رجولة يا “مراد” .. أبعدها عنه .. وهو لا يتمنى غير قربها منه .. أرغم نفسه على أن يمسك بذراعيها ليفك الطوق الذى كونته حول رقبته .. ابعدها عنه برفق .. لم تغضب “مريم” .. فهى تعلم لماذا فعل ذلك .. تعلم لماذا أبعدها عنه .. أصبحت تفهم تماماً نظراته وكلام عينيه الغير مسموع .. ابتعدت .. أرادت أن تترك له فرصته .. فى أن يستعد لمواجهتها .. كما أخذت هى فرصتها فى الإستعداد لمواجهته .. ابتسمت له .. أخذ ينظر اليها يحاول أن يفهم ما تفكر فيه وما تشعر به .. كانت لغة العيون هى اللغة السائدة بينهما .. والتى تهيمن على باقى اللغات .. بدا وكأنه هدأ .. وكأن نفسه قد طابت .. وظهرت الراحه على محياه .. وابتسم .. كيف لها أن تفعل ذلك ؟ .. كيف تستطيع أن تهدئ من روعه بنظرة واحدة .. بإبتسامه واحدة .. شعر بأنها دواءه .. وفيها أسباب شفاءه .. قالت “مريم” وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها :

– نفسى فى درة مشوى على الفحم

نظر اليها “مراد” بدهشة للحظة ثم انفجر ضاحكا وهو يقول :

– أفندم .. درة مشوى على الفحم

قالت بمرح طفولى :

– أيوة درة مشوى على الفحم ايه متعرفوش

ابتسمت عيناه قبل شفتاه وهو يقول بدهشة :

– لا أعرفه .. بس ايه اللى فكرك بيه دلوقتى

هتفت بمرح :

– نفسي فيه أوى

قال وقد اتسعت ابتسامته :

– طيب أجيبهولك منين دلوقتى

قالت بتحدى :

– اتصرف مش انت الراجل .. اتصرف مليش دعوة عايزة آكل درة

نظر اليها قليلا ثم اقترب منها ونظر الى يدها وأمسكها فى يده قائلاً وهو ينظر اليها بمرح :

– طيب عندى فكرة .. ايه رأيك نهرب فى الخباثه ونروح نشوفلنا أى حد بيبيع دره

قالت هامسه :

– موافقه .. يلا بسرعة قبل ما حد يشوفنا

على الكورنيش جلسا متجاورين .. ابتسم وهو ينظر اليها وهى تأخذ حبة فحبة من الدرة وتضعها فى فمها .. التفتت اليه وابتسمت بخجل قائله :

– ايه ؟

ضحك قائلاً :

– لما بشوفك بتاكلى بحس ان عصفورة بتاكل

قالت بمرح ودلال :

– كويس معنى كدة انى رقيقه

ابتسم لها .. لمح شيئاً على زاوية فمها فأزاله بإصبعه .. نظرت اليه مبتسمه بخجل .. تعلقت عيناه بها مبتسماً .. وقال هامساً :

– تعرفى انك بتحسسيني بحاجات كتير مختلفه .. كل شوية أحسن انك واحدة شكل

قالت بإستغراب :

– ازاى يعني ؟

قال شارداً :

– ساعات بحس انك عاقلة أوى وتقيلة اوى .. وساعات بحس انك عصبيه أوى ونرفوزه .. وساعات بحس انك حنينه أوى ورقيقة أوى .. وساعات بحس انك طفلة أوى

نظر اليها قائلاً بمرح :

– اعترفى انتى مين فى دول ؟

ابتسمت قائله بمرح :

– أنا كل دول فى بعض .. كولكشن يعني

رفع حاجبيه قائلاًً بتحدى :

– بس انتى النهاردة مختلفة .. أول مرة أشوفك مرحة كدة

قالت “مريم” بعتاب :

– قصدك انى كئيبة يعني ؟

قال “مراد” مبتسماً :

– لا طبعا مش قصدى كدة .. بس انتى جادة على طول .. واول مرة أشوفك طفوليه كده .. وشقية كدة .. يا ترى ايه سبب التغيير ده

قالت “مريم” بشئ من الحزن :

– ده مش تغيير ..تقدر تقول ان ده عودة لطبيعتى .. اللى شوفته فى حياتى هو اللى خلانى جادة أوى وكئيبة أوى .. بس أنا مكنتش كده زمان .. لما بابا وماما واختى اللهم يرحمهم كانوا عايشين

شعر “مراد” بالأسى تجاهها وقال :

– ربنا يرحمهم

صمت قليلاً ثم قال :

– يعني انتى بدأتى تحسي انك رجعتى لطبيعتك تانى

قالت :

– أيوة

نظر اليها قائلاً :

– ليه .. ايه اللى رجعك لطبيعتك دى تانى ونساكى اللى شوفتيه فى حياتك ؟

صمتت وهى تنظر اليه .. لمحه نظرة فى عينيها أذابت قلبه داخل صدره .. قالت هامسه :

– انت .. وجودك فى حياتى خلانى أنسى كل الظروف الصعبة اللى مريت بيها

خفق قلب “مراد” وهو يستمع الى كلماتها .. أشاح بوجهه عنها ونظر أمامه .. بدا عليه التفكر .. ثم عاد ينظر اليها مرة أخرى قائلاً بصوت مضطرب :

– يلا نروح عشان منتأخرش

لم تعترض “مريم” .. فهى تعلم أن صراعاً كبيراً يدور بداخله .. تفهمه وتتفهمه جيداً

************************************************** ***

كان حفل خطوبة “نرمين” بسيطاً بين أفراد العائلتين فقط فى الفيلا .. كانت “نرمين” تشعر بالسعادة بإرتباطها بـ “أحمد” ابن خالتها والذى تعرف عنه حسن الخلق والتدين .. قدمت له أمه علبه الشبكة فقال لها مبتسماً :

– لبسيها انتى يا ماما

ابتسمت أمه وهى تلبس ابنة أختها الشبكة وتعالت الزغاريد فى البيت .. كانت سعادة “أحمد” كبيرة وقد تمت خطبته على أحب انسانه الى قلبه .. كم قضى سنين طوال يتمناها زوجة له .. لكنه لم يجرؤ يوماً عن الإفصاح عن هذا الحب احتراماً لثقة أخيها فيه .. وخوفاً من فعل شئ يغضب الله عز وجل فيذهب ببركة زيجتهما .. فرح “أحمد” أكثر عندما وافق “مراد” و “ناهد” على الخطوبة السريعة والتى استغرقت أيام قلائل .. اتفقوا على أن يكون الزفاف فى نهاية العام الدراسى ..

بعد انتهاء الإحتفال بالثنائى اجتمعت الفتيات فى غرفة “نرمين” أخذن ينعمن بالحديث والمزاح ..

شعرت “زهرة” بالنوم فدثرها “مراد” وبقى بجوارها الى أن نامت .. ثم توجه الى غرفة “نرمين” فرآى ثلاثتهن معاً فابتسم قائلاً :

– شكلكوا وانتوا متجمعين مع بعض كده مش مريحنى

ضحكت الثلاث فتيات وقالت “نرمين” ضاحكه :

– ليه بأه يا أبيه هنكون بنتفق يعني على سرقة بنك

التفت الى “مريم” قائلاً :

– مش هتنامى

همت بأن تجيبه لكن “نرمين” قالت :

– لا مش هتنام دلوقتى يا أبيه ..احنا عمالين نرغى ونلوك لوك سيبها تلوك معانا .. وبعدين احنا سهرتنا النهارده للصبح

اتسمعت ابتسامته قائلا ً:

– ماشى لوك لوك براحتكوا

انصرف “مراد” عائداً الى غرفته .. جلس على الأريكة ورفع طرف بنطاله وأزاح الساق الصناعيه قليلاً مستغلاً عدم وجود “مريم” فى الغرفة

بحثت “مريم” عن هاتفها فلم تجده .. قالت لـ “نرمين” :

– مش لاقياه رنى عليا كده

اتصلت بها “نرمين” وقالت :

– بيرن .. شكلك نسيتيه تحت

قالت “مريم” :

– لا أنا طلعت بيه .. شكلى نسيته فى الأوضة .. هروح أجيبه وأرجعلكوا

قالت “سارة” :

– ماشى مستنيينك بس اوعى تتأخرى

توجهت الى غرفة “مراد” الذى سمع صوت هاتفها الموضوع على الكمودينو .. هم “مراد” بأن يرتدى ساقه الصناعية مرة أخرى ليذهب اليها ويعطيها هاتفها .. كانت “مريم” معتاده على طرق الباب لكنها لم تطرقه هذه المرة لظنها بأنه عاد الى غرفة “زهرة” بعدما تحدث معهن .. فتحت الباب ودخلت ليتسمر كلاهما فى مكانه .. شعر كل منهما برجفه تسرى فى جسده .. وكأن ماساً كهربائياً أصابهما معاً .. لم يكن “مراد” قد ارتدى ساقه الصناعيه بعد .. تطلع كل منهما الى عين الآخر .. وكل منهما يحبس أنفاسه .. كانت صدمة “مراد” كبيرة .. أرادها أن تعرف لكن ليس بتلك الطريقة .. ليس فجأة .. أراد أن يمهد لها .. ويشرح لها .. لا أن ترى الفراغ فى ساقه .. لا أن ترى أعاقته ونقصه التى يخفيها عن أعين الجميع .. أرادها أن تعرف لكنه لم يريدها أن ترى .. ظل حابساً أنفاسه مطولاً وهو متجمد فى مكانه من الصدمة .. كانت “مريم” تشعر بما يشعر به فى تلك اللحظة .. تعلم أنه كره دخولها عليه الآن .. وكره أن تراه هكذا .. وكره أن تطلع على اعاقته بتلك الطريق .. كانت ترى فى عينيه الخوف والجزع والألم والحيرة والصدمة والتردد والقلق .. عاد “مراد” يتنفس مرة أخرى .. لا بل يلهث وكأنه يبذل مجهوداَ شاقاً .. خفض بصره ونظر أرضاً .. شعر بأنه غير مستعد لتلك اللحظة بعد .. غير مستعد لأن يخسرها .. غير مستعد لأن يرى فى عينيها نظرة يرفضها .. وتدفعه لأن يبتعد عنها ويبعدها عنه .. وقفت “مريم” فى مكانها تنظر اليه .. شعرت بالدموع التى همت بأن تتجمع فى عينيها .. لكنها منعتها قسراً .. وأوقفتها قبل أن تظهر داخل عينيها .. كانت تعلم مدى حساسية الأمر بالنسبة لـ “مراد” كانت تعلم أن كلمة واحدة أو نظرة واحدة منها من شأنها أن تنهى كل شئ بينهما .. مدت يدها وأغلقت الباب .. ووقفت مكانها .. كان “مراد” مازال ينظر أرضاً لا يجد فى نفسه الجرأة ليرى نظرات عينيها .. أو تعبيرات وجهها .. كانت “مريم” تشعر بتوتر بالغ .. خافت أن تخسره فى لحظة .. خافت أن يسئ فهم مشاعرها تجاهه فيحكم عليها بفراقه .. تقدمت منه ببطء .. كلما اقتربت خطوة ازدادت خفقات قلبه سرعة .. طال الصمت .. كان يتنظر “مراد” أن تتحدث .. أن تسأل .. أن تستفهم .. أن تعاتب .. أن تغضب .. لكن طال انتظاره .. حاول أن يرفع رأسه لينظر داخل عينيها .. لكن خوفه من خسارتها منعه .. فجأة وجدها وقد جثت على ركبتيها أمامه .. حبس أنفاسه .. نظرت “مريم” اليه وهى تسمع صوت خفقان قلبها .. وتساءلت تُرى أهذا صوت خفقان قلبي أم قلبه ؟ .. نظرت الى الساق المبتور والساق التى مازال يمسكها بيده .. نظرت الى وجهه تتمنى أن يفهم .. أن يفهم أنها لا تأبى لتلك الإعاقه .. وأنها لا تعنى لها شيئاً .. مدت يديها وأمسكت منه الساق الصناعيه .. شعرت برجفة جسده وانتفاضته .. سمعت صوت تنفسه رأت ارتعاشة يده .. شعر “مراد” بالدهشة وهو يراها جاثيه على ركبتيها تحت أقدامه تمسك بساقه الصناعية .. وأخيراً رفع رأسه لينظر اليها عندما بدأت فى محاولة تثبيتها فى ساقه المبتور .. أخذ يتأمل وجهها وعينيها التى كانت مثبته على الساق .. كان يلهث بشدة وقد ازداد اضطرابه .. لا يعلم كيف سمح لها بأن تفعل .. وبأن تكون قريبه منه هكذا وبأن تراه هكذا .. انتهت “مريم” من مهمتها التى استغرقت بعض الوقت لجهلها بطريقة تركيبها الصحيحة .. الى أن نجحت فى ذلك .. ثم رفعت رأسها تنظر اليه .. شعر “مراد” برجفه فى كل أوصاله وهو ينظر اليها وهى قريبة منه الى هذا الحد جاثيه على ركبتيها تحت قدميه .. بحث فى عينيها عن نظرة نفور ورفض فلم يجد .. بحث عن نظرة شفقه وعطف فلم يجد .. لم يجد الا نظرة حب وشوق وابتسامه صغيرة ترتسم على محياها وهى تتطلع اليه .. أخيراً وجد فى نفسه القدرة على الكلام .. قال بصوت مبحوح :

– عرفتى امتى ؟

قالت “مريم” بهدوء وهى تنظر اليه :

– من كام يوم

قال “مراد” بجمود :

– مين اللى قالك ؟

قالت بهدوء :

– محدش قالى .. بس وانت نايم خدت بالى

نظر اليها “مراد” بغضب وقال بحده :

– وليه ما قولتليش انك عارفه

قالت “مريم” مبتسمه :

– لان الموضوع مش فارق معايا أصلاً

سمع “مراد” كلماتها فهب واقفاً .. وقفت فى مواجهته هى الأخرى .. كان عصبياً للغاية .. وكأنه فاق من صدمته للتو وبدا يعي ما حدث .. قال بصرامة :

– يعني ايه مش فارق معاكى ؟

توترت “مريم” وقالت بهدوء ونظرة رجاء فى عينيها :

– يعني مش فارق معايا .. اللى شوفته دلوقتى لا قلل ولا زود حاجه جوايا .. أكنى مشفتش حاجة

صاح بعصبيه وهو يلهث بشدة :

– أيوة ابتدينا تمثيل .. عايزة تفهمينى يعني انك مفيش مشاكل عندك انك ترتبط بواحد رجله مبتوره .. وان زيه زى أى راجل تانى

قالت بهدوء وقد بدأت الدموع تتجمع فى عينيها :

– أيوة مفيش مشاكل عندى

صاح بحده :

– أنا بأه عندى مشاكل .. مش عايز أرتبط بواحده فى يوم من الأيام تقولى أصلك معاق .. ولا واحدة بترد الجميل اللى عملته معاها بإنها توافق تتجوزنى

قالت “مريم” بصوت خافت :

– أنا لا دى ولا دى

صمت “مراد” وهو يشعر بتوتر كبير بداخله .. قال وكأنه يقنع نفسه قبل أن يقنعها :

– انتى من حقك تختارى الراجل اللى انتى عايزاه .. مش حاجة مفروضه عليكي .. واحنا المرتين اللى تجوزنا فيهم كان الجواز منى مفروض عليكي

صمت وهو يشعر بألم فى قلبه وقال بصوت متقطع :

– انتى مش مجبره انك تعيشي معايا .. ولا مجبره ترديلى أى جميل .. بكرة ان شاء الله ……….

قاطعته قائله بمراره والدموع تتساقط من عينيها :

– بكرة ايه ؟ .. هتطلقنى تانى ؟

نظر اليها يرقب الألم فى عينيها والدموع التى تبلل وجهها .. خفق قلبه لمرآى دموعها .. قالت “مريم” بصوت باكى :

– عايز تسيبنى لوحدى تانى .. وتبعد عنى تانى .. وتحرمنى منك تانى

ثم قالت :

– لو كررتها تانى مش هسامحك أبداً يا “مراد”

اقترب منها “مراد” ووجه ينطق بالألم أخذ يمسح العبرات على وجهها بأطراف أصابعه وهو يقول بصوت مضطرب :

– “مريم” بطلى عياط لو سمحتى

قالت بعتاب وهى مازالت تبكى :

– انت اللى بتخليني أعيط .. انتى اللى عايز تألمنى .. ليه يا “مراد” بتعمل فيا كده

شعرت برعشة كفيه وهما يحتويان وجهها يقول بحنان جارف :

– انا مستحيل أألمك .. انتى متتصوريش دموعك بتعمل فيا ايه .. أكنها سكاكين بتقطع فى قلبي

ثم قال بألم :

– أرجوكى بطلى عياط

توقفت عن البكاء وقد هدأت قليلاً .. قال لها “مراد” وهو ينظر الى عينيها بعمق :

– مش عايزك تندمى أبداً انك اخترتيني .. مش عايزك أبداً تحسي انك كان ممكن تتجوزى واحد أحسن منى .. مش عايزك تحسي أبدا انك اتظلمتى معايا

قالت “مريم” بثقه وهى تحتضن بيدها كفيه اللتان يضعهما على وجهها :

– أبداً .. عمرى ما هندم أبداُ

قال “مراد” بشك :

– واثقة يا “مريم”

ابتسمت قائله :

– أيوة واثقة

مسح العبرات التى مازالت عالقة على وجهها وقال لها بحنان :

– مش عايزك تعيطى تانى .. اتفقنا

أومأت برأسها وهى تنظر اليه بسعادة .. ارتسمت ابتسامه عذبه على شفتي “مراد” وهو يتطلع اليها .. أحاطها بذراعيه معانقاً اياها بقوة .. شعرت “مريم” بين ذراعيه كما تشعر معه دائماً .. بالأمان .. أغمضت عينيها وأخذت تتمسح بوجهها فى صدره كالقطه .. أبعدها “مراد” عنه لينظر فى عينيها بحب قائلاً بصدق شديد :

– بحبك يا “مريم”

شعرت بقلبها يرقص فرحاً .. وشعرت بالدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. فقال محذرا :

– قولتلك مفيش عياط تانى

أومأت برأسها وهى تتعلق بعينيه وتبتسم بسعادة .. تأمل “مراد” نظرة الحب فى عينيها والابتسامه التى تفصح عن سعادتها بقربه .. اطمئن قلبه وشعر بأنه أخيراً وجد لقلبه ساكن .. ساكن أمين .. انحنى يقلبها بحب وشوق .. ويدخلها الى عالمه الخاص

استيقظت “مريم” بسعادة .. نظرت الى ضوء الصباح المتسلل من النافذة وهى تشعر بأن هذا الصباح مختلف .. ليس كأى صباح مر عليها من قبل .. التفتت لتنظر الى “مراد” النائم بجوارها .. وكأنه شعر بنظراتها .. فتح عينيه ببطء .. وتطلع الى وجهها الذى يعشقه .. ابتسم بسعادة قائلاً :

– ايه ده القمر والشمس طالعين مع بعض فى وقت واحد

ضحكت بخجل .. مسح على رأسها بيده مقبلاً اياه .. اعتدلت فى الفراش بخجل وهى تنظر الى الساعة هاتفه :

– ايه ده احنا اتأخرنا أوى عليهم

قال “مراد” وهو ينهض هو الآخر :

– أصلاً المفروض عندى معاد مع “طارق” دلوقتى .. قالت “مريم” :

– وأنا كمان المفروض أقابل “مى”

مسح “مراد” بأصابعه على وجنتها قائلاً :

– خدى العربية معاكى .. لولا انكوا بنتين مع بعض كنت روحت معاكى

ضحكت قائله :

– لا طبعاً مش هينفع تيجي

قال “مراد” بقلق وهو يتطلع اليها :

– موبايلك معاكى لو حصل أى حاجه كلميني وخليكوا فى الأماكن اللى حددتيها وقولتييلى عليها امبارح .. متروحوش فى مكان تانى الا لما تعرفيني

ابتسمت قائله :

– حاضر

ابتسم وهو يتطلع اليها بحب قائلاً :

– يا مطيع انت

ضحكت بخجل .. رن هاتفه فنظر اليه قائلاً :

– “طارق” .. أكيد بيستعجلنى .. أصلنا رايحين شركة حراسة عشان أختار السيكيوريتي اللى هحطهم على بوابة الفيلا

أنزل “مراد” قدميه وأخذ الساق الصناعية بجوار الفراش ليرتديها .. أسرعت “مريم” بالنهوض من الفراش والتفت حوله وجثت على ركبتيها أمامه كما فعلت بالأمس .. خفق قلب “مراد” بشده وهو يراها تلبسه اياها وأخذ يداعب شعرها ووجنتها فى حنان .. انتهت فنظرت اليه قائله بمرح :

– بقيت شطورة وبعرف أركبها بسرعة

نظر الى وجهها وعينيها يستشعر صدق سعادتها وفرحتها .. أمسك يديها يجذبها الى حضنه معانقاً اياها بشدة .. قال هامساً :

– ربنا يخليكي ليا يا أحلى حاجة فى حياتى

شعرت “مريم” بالسعادة لكلماته .. نظر اليها قائلاً بخبث :

– بقولك ايه متخلى “مى” تروح مع مامتها النهاردة

ابتسمت بخجل قائله :

– طيب و “طارق”

قال مبتسماً بخبث :

– هو صغير يعني ميروح لوحده

نظرا فى أعين بعضهما بسعادة .. وكل منهما يشعر بأنه وجد فى الآخر ما كان ينقصه .. “مريم” وجدت فيه الآمان الذى افتقدته .. و”مراد” وجد فيها الحنان الذى افتقده .. فشعر كل منهما أنه يكمل الآخــر

**************************************************

فى المساء اجتمع “سامر” و “حامد” معاً فى منزله ومعهما فتاتان ولم يخلو الأمر من الخمر لتكتمل سهرتهما .. وتعالت أصوات الموسيقى لتتمايل الفتاتان بالرقص الخليع .. كانت سهرة ككل السهرات التى تجمعهما .. فالطيور على اشكالها تقع .. ولم يكن “سامر” الا وجه فى عملة “حامد” .. انتهت السهرة ليخرج “سامر” بصحبة صديقته التى لم يحتج الى ورقة زواج عرفى ليأخذ منها ما يريد .. بل كانت ممن تستبيح عرضها لكائن من كان .. بإسم الحب أو المتعة أو الصحوبية .. فلا فرق بين المسميات ان كانت الغاية واحدة .. عاد “سامر” الى بيته ورأسه يدور من الخمر الذى شربه طيلة الليل .. دخل الى المصعد واحتاج وقتاً لا بأس به فقط ليضغط على زر طابقه .. خرج من المصعد وهو يتطوح أخرج مفاتيحه ليحاول دخول شقته .. وقف مطولاً يعجز عن وضع المفتاح فى مكانه بالباب .. فجأة وجد من يدفعه دفعاً الى الجدار .. التفت بحده ليجد والدته تصرخ فيه قائله :

– انت السبب انت اللى نجست بيتنا ونجست حياتنا .. انت السبب

نظر اليها “سامر” بدهشة محاولا استيعاب ما تقول .. أخذت أمه تضرب صدره بقوه وتصرخ قائله :

– اطلع بره بيتي مش عايزة أشوفك فى بيتى تانى وبكرة هكلم المحامى يسحب منك التوكيل بتاع ادارة الشركة

بدأ “سامر” يفيق بعدما سمع كلماتها فصاح قائلاً :

– هو ايه ده .. ايه اللى اطلع بره وهسحب منك التوكيل .. هو يمزاجك

لطمته على وجهه قائله :

– أيوة بمزاجى بمزاجى يا تييييييييييييييييييت

دفعها “سامر” يديه وصاح بغضب :

– انتى في ايه .. مالك طايحه فيا كده

قالت أمه وهى تصرخ بغضب :

– أختك اغتصبوها يا “سامر”

نزل الخبر على رأس “سامر” كالصاعقه وقال :

– ايه .. بتقولى ايه

صرخت أمه بعنف قائله :

– كما تدين تدان يا “سامر” كنت مستنى ربنا يحفظ اختك ازاى وانت مضيع بنات الناس .. كنت مستنى ايه غير كده

دفعها “سامر” بقوة وصاح بغضب هادر :

– بنتك تستاهل أكتر من كدة .. ممشياها بلبس متلبسوش واحدة محترمة .. ماشية تعرض جسمها على كل الرجالة اللى ماشية فى شارع .. ده أنا كان صحابي بيعاكسوها أدامى وبيقولوا عليها كلام زى الزفت وكنت بستعر أقولهم انها اختى .. كان لازم يحصلها كده

أخذت أمه تبكى بحرقه وتقول :

– حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا انتوا الاتنين .. ربنا ينتقم منكوا انتوا الاتنين

صاح بقسوة قبل أن يغادر :

– وفيكي انتى كمان لانك معرفتيش تربي

*****************************************

فى اليوم التالى .. كان “مراد” جالسا فى مكتبه بالبيت يطالع أحد الملفات عندما طرقت “مريم” الباب ودخلت بهدوء مبتسمه .. تقدمت من المكتب ووضعت عليه صنية الشاى والكيك التى تحملها .. امسك يدها وقبلها وابتسم لها قائلاً :

– تسلم ايدك يا حبيبتى

قالت مبتسمه بخجل :

– دوقه وقولى رأيك بصراحه أنا اللى عملاه

قبل يدها مرة أخرى ونظر اليها قائلاً بحب :

– طالما انتى اللى عملاه يبقى أكيد هيعجبنى

فتح “مراد” الخزينه بجواره وأخرج منها علبة قطيفة صغيرة .. فتحها وأخرج منها دبلة ذهبية وأخرى فضية .. نظرت “مريم” اليهما بخجل وسعادة .. أمسك يدها اليسرى ونزع منها الدبلة التى تزينه وألبسها الدبلة التى تحمل اسمه .. أخذت “مريم” الدبلة الفضية التى تحمل اسمها وألبسته اياها .. وكلاهما ينظر الى الآخر بسعادة

حانت منها التفاته الى الملف الموضوع على المكتب أمامه لمحت صور دماء ورجل ملقى على الأرض قالت بدهشه :

– ايه ده يا “مراد”

نظر “مراد” الى الملف والصور قائلاً :

– ده ملف جريمة القتل اللى كانت حصلت فى الصعيد .. لقيته فى أوراق بابا اللى كانت فى الخزنة

أمسكت “مريم” الصور لتطلع اليها فأخذها منها “مراد” بسرعة قائلاً :

– لا متشوفيهاش .. مصورين الجثة على الأرض هيتعبك المنظر ده

قالت “مريم” :

– طيب عايزة أشوف الصورة اللى كان مكتوب فيها بالدم

بحث “مراد” فى الصور الى أن أخرج الصورة وأراها اياها .. مسكتها “مريم” تتأملها .. فقال “مراد” وهو يمسك احدى الأوراق بيده :

– تقرير الطبيب الشرعى بيقول ان الرصاصة اخترقت قلبه ومات .. وكمان الحرق اللى كان مكان الرصاصة على صدره معناه ان الرصاصة اضربت من مكان قريب جداً

نظرت اليه “مريم” قائله :

– يعني ايه؟

قال “مراد” بإستغراب :

– يعني اللى ضرب عليه النار كان واقف قريب منه جداً .. التقرير بيقول أقل من متر .. ودى حاجة غريبة جدا

قالت “مريم” بإستغراب :

– ليه غريبة ؟

قال “مراد” وهو ينظر اليها :

– لأن كان فى مشاكل بين بابايا وباباكى و ابن “حسن المنفلوطى” .. والمشاكل دى كانت بتوصل لرفع السلاح .. دلوقتى ايه اللى يخلى ابن “حسن” يآمن انه يقف قريب أوى من واحد المفروض انه عدوه .. مخفش يقتله ؟ .. ازاى يقف ادامه والمسافة بنيهم أقل من متر من غير ما يخاف ؟

قالت “مريم” وهى تزم شفتيها :

– مش عارفه .. طيب السلاح اللى اتضرب بيه لقوه ولا لاء ؟

قال “مراد” بإستغراب :

– مش هتصدقى .. السلاح كان جمب الجثة واللى أغرب من كده ان السلاح كان مرخص بإسم القتيل

قالت “مريم” بدهشة :

– وبابايا أو باباك ايه اللى هيوصلهم لسلاح القتيل ؟

قال “مراد” شارداً :

– يمكن كان القتيل عايز يتهجم على “خيري” اى ان كان بابايا ولا باباكى .. و”خيري” خده منه ودافع عن نفسه وضرب عليه النار .. وعشان كده النار اضربت من المسافة الصغيرة دى

قالت “مريم” بحماس :

– أيوة صح أكيد هو ده اللى حصل لأن انت بتقول ان باباك مستحيل يقتل وأنا كمان بقول نفس الكلام عن بابا .. يبأه القتل كان دفاع عن النفس

قال “مراد” بحيرة :

– مش عارف برده حاسس ان فى حاجه غلط .. لو هو قتل دفاع عن النفس ايه يخلى “خيري” اللى قتل ينكر ده ؟ .. السلاح اللى اضرب منه النار سلاح القتيل .. وده كافى انه يثبت ان القتيل هو اللى اتهجم عليه وهو اضطر ياخد منه السلام يضرب عليه النار عشان يدافع عن نفسه .. ايه اللى يخليه ينكر انه ضرب عليه اصلا ؟

سألته “مريم” قائله :

– طيب مش يمكن فعلا اللى قتله واحد تانى غير بابا وباباك .. والكلمة اللى تكتبت بالدم القاتل هو اللى كتبها

قال “مراد” وهو ينظر الى الأوراق :

– تقرير المعمل الجنائي بيقول ان البصمات الى على الكلمة اللى اتكتبت هى بصمات القتيل نفسه .. يعني هو اللى كتبها بنفسه

قالت “مريم” وهى تمعن النظر الى الصورة وتقربها من “مراد” :

– “مراد” انت مش شايف حاجة غريبة هنا ؟

أخذ “مراد” الصورة منها ونظر اليها قائلاً :

– لأ مش واخد بالى

قالت “مريم” بحماس :

– اسم “خيري” مكتوب بطريقة غريبة

تأمل “مراد” الصورة جيداً ورفع حاجبيه دهشة وقال :

– فعلاً مكتوب بطريقة غريبة

قالت “مريم” بإستغراب :

– لو كان القتيل هو اللى كتب اسم “خيري” ايه اللى يخليه يكتبه بالطريقة دى .. ولو كان القاتل هو اللى كتبها واستخدم فيها صوابع القتيل عشان تظهر بصماته برده ايه اللى يخليه يكتبها بالطريقة الغريبة دى

فجأة قفزت فى رأس “مراد” فكرة .. أخذ يقلب بين الأوراق التى أمامه بلهفه شديده .. قالت “مريم” بإهتمام :

– في ايه يا “مراد” .. اكتشفت حاجة ؟

أخرج “مراد” احدى الورقات ونظر اليها لتتسع ابتسامته لتملأ وجهه كله .. قالت “مريم” بلهفه شديدة :

– “مراد” قولى

نظر اليها “مراد” قائلاً بسعادة وثقه :

– لا بابايا ولا باباكى اللى قتل

اتسعت عينا “مريم” لتنظر اليه قائله بلهفه :

– بجد انت متأكد ؟

حضن وجهها بين كفيه وقال بسعادة :

– أيوة متأكد يا حبيبتى

قالت بلهفه :

– عرفت ازاى يا “مراد” ؟

أمسك الورقة التى كانت فى يده منذ قليل ووضعها أمامها ووضع اصبعه على احدى الجمل وقال مبتسماً :

– اقرى الجملة دى

قرأت “مريم” الجملة لتتسع عيناها دهشة وهتفت قائله :

– مش ممكن .. معقول ده

قال “مراد” وهو ينظر الى الورقة :

– مراته اللى قتلته

قالت “مريم” وهى تعاود النظر الى الصورة :

– كان عايز يكتب “خيريه” مش “خيري” بس مات قبل ما يكملها .. ملحقش يكتب الحرف الأخير

أخرج “مراد” هاتفه فقالت “مريم” بإهتمام :

– هتعمل ايه

قال :

– هتصل بعمى أشوف يعرف ايه عن “خيريه” دى

تحدث “مراد” مع عمه “سباعى” قرابة النصف ساعة .. ثم أنهى المكالمة .. قالت “مريم” بحزن :

– ربنا يرحمها ويغرفلها بأه .. ماتت وسابت العيلتين كل واحد فيهم شاكك فى التانى

تنهد “مراد” بأسى قائلاً :

– بسببها بابا اضطر يسيب بلده وأهله

ثم نظر الى “مريم” قائلاً :

– وباباكى كمان اتحرم من بلده وأهله

قالت “مريم” بحزن :

– خلاص يا “مراد” اللى فات مات .. مش هيفيد بحاجه نتحسر عليه دلوقتى .. وبعدين لو مكنش ده كله حصل يمكن مكناش أنا وانت بقينا لبعض

اقترب منها معانقاً اياها وهو يقول بحنان :

– الحمد لله

*************************************

تم زفاف “طارق” و “مى” فى قاعتين منفصلتين .. حضر الجميع داعيين لهما بالبركة وأن يجمع الله بينهما فى خير .. اقتربت “مريم” من العروس قائله :

– حبيبة قلبي طالعه زى القمر

ابتسمت “مى” قائله :

– بجد يا “مريم”

عانقتها “مريم” قائله :

– طبعاً بجد .. حبيبتى ربنا يوفقك فى حياتك ويباركلك فيها

شدت “مى” على أيدي “مريم” وهى تقول بسعادة :

– وانتى كمان يا “مريم” ربنا يسعدك دايماً

التفتت “مريم” لتنظر الى “سارة” الجالسه على احدى الطاولات .. فاقتربت منها وجلست بجوارها قائله :

– ايه يا بنتى أعده لوحدك ليه ؟

ضحكت “سارة” قائله :

– مليش فى الرقص

قالت “مريم” بمرح :

– يعني أنا اللى ليا .. اهو الواحد بيعمل أهى حركات وخلاص

التفتت حولها قائله :

– فين “نرمين” ؟

أشارت “سارة” الى المنصة وضحكت قائله :

– بتأدى النمرة بتاعتها

نظرت اليها “مريم” وانفجرت ضاحكة .. ثم التفتت الى “سارة” قائله :

– انتى واثقة ان “نرمين” أختك انتى و “مراد” .. أنا شكه انكوا لقيتوها على باب جامع وهى صغيرة

ضحكت “سارة” قائله :

– أنا كمان يا بنتى شكه فى كده .. شكلها هتطلع فى الآخر بنت دادة “أمينة”

انفجرت الفتاتان فى الضحك والمزاح

فى قاعة الرجال .. وقف “طارق” محاطاً بأصدقائه .. قال أحدهم :

– مبروك يا عريس .. أخيراً شوفناكى فى الكوشة يا بيضه

صاح آخر بمرح :

– مكنش يومك يا “طارق” .. كان مستخبيلك ده كله فين يا ضنايا

صاح “طارق” قائلاً :

– ايه العالم المحبطة دى .. طيب حد يقولى كلمة تشجعنى يا جماعة بدل الكلام اللى يجيب ورا ده

قال أحد أصدقائه ضاحكاً :

– مكنش انعذر واتباع جذر .. نجبلك كلام مشجع منين .. انت واقف فى بركة شباب متجوزة .. روح فى آخر القاعة يمكن تلاقى شلة شباب زى الورد لسه متجوزوش هيدوك دفعه تمام

التفت “طارق” الى “مراد” وهو يقول بمرح :

– طيب انت يا “مراد” قولى كلمة تطمن قلبي طيب بدل العالم التعبانه دى

ابتسم “مراد” قائلاً :

– بص يا “طارق” يا حبيبى .. اللى عايز العسل يتحمل قرص النحل

صاح “طارق” قائلاً :

– هى فيها قرص ولا ايه .. يا “مراد” أنا بقولك طمنى مش ارعبنى

شعرت “مريم” بالتوعك فى بطنها .. فالتفتت الى “سارة” قائله :

– “سارة” متيجى معايا عايزة أروح الحمام

قامت “سارة” معها وخرجا من القاعة وتوجها الى حمام السيدات .. خرجت “مريم” وهى مازالت تشعر بالألم فى بطنها حاولت تجاهله .. لكن ظهرت تعبيرات الألم على وجهها .. قالت “سارة” بلهفه :

– انتى كويسة يا “مريم” ؟

قالت “مريم” وهى تجاهل الألم :

– أيوة كويس متشغليش بالك

توجهتا الى القاعة مرة أخرى فارتطمت “سارة” برجل كان يخرج من قاعة الرجال .. التفت الرجل قائلاً بحرج :

– معلش أنا آسف والله مخدتش بالى

قالت “سارة” بحرج :

– محصلش حاجة

نظرت “مريم” الى الرجل بدهشة .. فالتفت اليها وقال مبتسماً :

– ازيك يا مدام “مريم”

نقلت “سارة” نظرها بينهما بدهشة .. فقالت “مريم” بإرتباك :

– ازيك يا أستاذ “عماد” .. ثم جذبت “سارة” من يدها قائله :

– بعد اذنك

خافت “مريم” من أن يراها “مراد” تتحدث معه .. خاصة لعلمها بشدة غيرته عليها .. دخلتا القاعة فقالت “سارة” وهى تجلس بجوارها على الطاولة :

– مين ده يا “مريم” ؟

قالت “مريم” :

– ده مديري فى الشركة اللى بشتغل فيها .. أستاذ “عماد”

قالت “سارة” :

– اهاا ..

عاد “عماد” الى قاعة الرجال مرة أخرى .. ليقع نظره على “مراد” .. أخذ ينظر اليه بدهشة شديدة .. انتبه “مراد” لنظراته .. اقترب منه “عماد” قائلاً بحرج :

– معلش أنا آسف انى ببصلك كده .. أصلك شكل واحد أعرفه .. بس شكله بشكل غير عادى .. لولا انى عارف ان معندوش اخوات كنت قولت انك أخوه

قال “مراد” بإهتمام :

– تقصد “ماجد خيري” ؟

هتف “عماد” بدهشة :

– انت تعرفه ؟ .. انت اخوه ؟

قال “مراد” مبتسماً :

– أيوة أخوه

ابتسم “عماد” قائلاً :

– كنت فاكر ان معندوش اخوات

قال “مراد” بإهتمام :

– كنت تعرفه منين ؟

قال “عماد” :

– خطيبته بتشتغل عندى فى الشركة

قال “مراد” وقد ضيق عينيه :

– حضرتك أستاذ “عماد” مدير شركة رؤية للدعاية والإعلان

ضحك “عماد” قائلاً :

– مكنتش عارف ان صيتي واصل للدرجة دى

قال “مراد” مبتسماً :

– مدام “مريم” تبقى مراتى

صاح “عماد” بدهشة :

– ما شاء الله .. ربنا يباركلكوا يارب

ثم قال :

– شكراً لانك مخلتناش نخسر ديزاينر محترف زيها .. ووافقت على شغلها معانا عن طريق النت

ابتسم “مراد” قائلاً :

– وأنا سعيد انى اتعرفت على حضرتك

خرج الجميع من القاعة وركبا العروسين فى طريقها الى منزلهما .. ركبت “مريم” مع “نرمين” و “سارة” و “ناهد” فى السيارة فى انتظار “مراد” كانت “مريم” تشعر بالألم فى بطنها يزداد .. فقالت لـ “سارة” الجالسه بجوارها :

– “سارة” ممكن تنادى “مراد”

التفتت “ناهد” قائله :

– مالك يا حبيبتى تعبانه

قالت “مريم” بسرعة :

– لا أبدا يا ماما .. حاجه بسيطه .. بس أصل “مراد” اتأخر واحنا مستنيينه من بدرى

نزلت “سارة” من السيارة وتوجهت الى حيث “مراد” واقفاً .. ترك “مراد” صحبة الرجل الواقف معه والتفت الى “سارة” قائلاً :

– خير يا “سارة”

قالت “سارة” :

– مستنيينك من ساعتها يا أبيه

قال “مراد” :

– حاضر جاى حالا

أقبل “عماد” فى اتجاه “مراد” قائلاً :

– فرصة سعيدة يا أستاذ “مراد”

سلم “مراد” عليه قائلاً :

– أنا الأسعد يا فندم

حانت من “عماد” التفاته الى “سارة” الواقفة مع “مراد” لمحت نظرته اليها فتضرجت وجنتاها وأخفضت بصرها .. توجه “مراد” بصحبة “سارة” الى سيارته .. فحانت من “عماد” التفاته أخرى تجاههما قبل أن ينطلق بسيارته

وصل “مراد” بسيارته الى الفيلا .. نزل الجميع شعرت “مريم” بالتوعك وشعور بالضيق فالتفتت لـ “مراد” قائله :

– “مراد” أنا هعد فى الجنينة شوية

سألها بإهتمام :

– مالك ؟

قالت بسرعة :

– لا مفيش بس حسه انى مخنوقة شوية

قال “مراد” وهو ينظر اليها بحنان :

– طيب انا هطلع أطمن على ماما وأجيلك

صعد “مراد” الى غرفة “زهرة” للإطمئنان عليها .. وبعد فترة خرج “مراد” ليبحث عن “مريم” وجدها جالسه على أحد المقاعد وتعقد ذراعيها أمامها وتضغط بهما على بطنها .. اقترب منها قائلاً بإهتمام :

– “مريم” فى ايه ؟

رفعت “مريم” رأسها وقالت :

– حسه ان بطنى وجعانى

جلس بجوارها قائلاً بحنان :

– ألف سلامه عليكى .. ممكن تكونى كلتى حاجة تعبتك

قالت “مريم” بصوت خافت :

– لأ مكلتش حاجه

ثم قالت :

– ادخل انت أنا هعد شوية وبعدين أدخل

نظر اليه بحنان قائلاً :

– مش هقدر أسيبك تعبانه كده

قالت تطمأنه :

– أنا كويسه متقلقش

اقترب منها ووضع يده على مكان الألم يقرأ بصوت خافت آيات من كتاب الله .. أغمضت “مريم” عينيها وأسندت رأسها الى صدره فأحاطها بذراعه .. شعرت بالسكينة والراحة .. كان صوته عذباً فى القراءة .. استكانت تحت يده .. ودت ألا يتوقف أبداً .. انتهى من التلاوة ففتحت عينيها ونظرت اليه ميتسمه .. ابتسم قائلاً :

– أحسن شوية

قالت :

– الحمد لله

رن هاتفه فأخرجه قائلاً :

– ثوانى أرد على المكالمة دى لانها مهمة

تحدث قليلاً بجوارها ثم قام أثناء الكلام ووقف مبتعداً عنها ببضعة أمتار وأخذ يتحدث فى الهاتف و “مريم” تنظر اليه بحنان .. كانت تشعر بسعادة غامرة لأنهما استطاعا التغلب على كل العقبات التى واجهتهم .. وأخيراً أصبحاً معاً .. كزوج وزوجة .. كحبيب وحبيبة .. حمدت الله فى سرها على ما أنعم به عليها .. نظرت الى “مراد” لتلمح شيئاً غريباً على قميصه الأبيض .. نقطة حمراء صغيرة تتحرك بسرعة على قميصه وعلى بنطاله الى أن توقفت فوق قلبه ..شعرت وكأن قلبها انخلع من صدرها بقوة .. نظرت بلهفه فوق البناية المجاورة للفيلا فرأت فى ضوء القمر رجلاً على السطح يوجه بندقيه فى اتجاههم .. نظرت مرة أخرى فى لهفه الى “مراد” الذى يتحدث والى النقطة الحمراء المثبته فوق قلبه .. فكرة واحدة هى التى سيطرت عليها فى تلك اللحظة .. لا يمكن أن تخسره .. لا يمكن أن تخسر “مراد” .. تحجرت الدموع فى عينيها .. لم تفكر .. لم تشعر .. لم تحسب .. ولم تنتظر .. فقط انطلقت كالسهم .. لتلف ذراعيها حول عنقه وتلقى نفسها فى حضنه وأغمضت عينيها قبل أن تشعر بألم حارق فى ظهرها وبرجه عنيفة فى جسدها .. شعرت بتنفسها يضيق وبالدنيا تدور من حولها

اندهش “مراد” عندما وجدها تلقى بنفسها فى حضنه وتلف ذراعيها حول عنقه ..أنزل الهاتف من على أذنه ليمسكها قائلاً :

– “مريم”

فجأة شعر برجة عنيفة فى جسدها وكأنها اصطدمت بشئ ما .. نظر بهلع الى يده الموضوعه على ظهرها ليجدها غارقه فى الدماء .. هوت بين يديه لتسقط أرضاً وهو ممسك بها .. صاح بلوعه :

– “مريم” .. “مريم”

كانت تأخذ نفسها بصعوبه كما لو كانت تغرق .. قالت بصعوبه بصوت مرتجف :

– خلى بالك

نظر “مراد” الى الشعاع الأحمر الذى يتحرك بجنون فوق الأرض العشبيه .. نظر حوله ليرى الراجل فوق السطح فأخذ يصرخ فى الأمن الواقفون على البوابه .. حضر اثنان منهما بسرعة .. وأشهر أحدهما السلاح وصوب فى اتجاه الرجل وأطلق طلقة لم تصيبه لكنها صمت الآذان من دويها .. شعر الرجل الواقف على السطح العارى بالخوف فهرب مسرعاً .. فجرى واحداً من الأمن خارجاً من الفيلا ليلحق بالرجل .. اما الآخر فقد صرخ فيه “مراد” بعنف :

– بسرعة .. اطلب الإسعاف بسرعة

هرع كل من فى الفيلا خارجاً مع صوت الرصاص والصراخ

التفت “مراد” الى “مريم قائلاً بهلع وهو يضع يده على الجرح يكتم دمها الذى ينزف يغزاره :

– “مريم” .. خليكي معايا يا “مريم”

كانت مازال تأخذ نفسها بصعوبة .. بكا “مراد” بجوارها وأمسك يديها يضمها الى صدره قائلاً بصوت باكى :

– “مريم” متسبنيش .. “مريم” خليكي معايا .. متغمضيش عينك

فشلت فى ابقاء عيينها مفتوحتان .. فأغمضتهما .. هزها “مراد” بعنف وصرخ فيها :

– “مريم” فتحى عينك متغمضيهاش .. “مريم”

اعادت فتح عينيها مرة أخرى وهى تنظر اليه .. قال لها بألم شديد بصوت باكى والدموع تغرق وجهه :

– قولى الشهادة يا حبيبتى

حركت شفاهها دون أن تقوى على اخراج صوتها

اقترب منهما الجميع وأخذوا فى الصراخ والبكاء .. حملها “مراد” مسرعاً وقال بهلع :

– مش هينفع نستنى الإسعاف بتنزف جامد

حملها وتوجه بها مسرعاً الى السيارة وأمر”نرمين” بالركوب جوارها .. ركبت “نرمين” وانطلق “مراد” بالسيارة وقميصه يقطر دماً .. ظل طوال الطريق يلتفت اليها ليلقى نظرة عليها .. كلما وجدها قد أوشكت على اغماض عينيها مد يده يهزها بعنف قائلاً :

– افتحى عينك متغمضيهاش

كانت تئن من الألم .. شعر بقلبه يتمزق .. مد يده ليمسك يدها وهو يقود السيارة بسرعة بالغة .. التفت اليها قائلاً بلهفه :

– خلاص يا حبيبتى اطمنى دقايق وهنوصل المستشفى

أوقف “مراد” السيارة أمام المستشفى فى اهمال وحملها مسرعاً .. صاح فيه رجل الأمن :

– مينفعش توقف العربية كده

صاح به “مراد” :

– عندك المفتاح فى العربية

دخل “مراد” المستشفى مسرعاً و”نرمين” خلفه باكيه .. صاح فى الممرضات :

– عايز دكتور بسرعة

أتوا له بالترولى وضعها عليه .. وما هى الا دقائق حتى كانت فى غرفة العمليات .. وقف “مراد” خارج غرفة العمليات وقلبه يكاد يتوقف من فرط خوفه وقلقه وتوتره .. ظل يردد ودموعه تغرق وجهه :

– يارب احفظها .. يارب

جلست “نرمين” على أحد المقاعد تبكى وتدعو الله هى الأخرى أن يحفظ “مريم”

مر الوقت بصعوبة شديدة على “مراد” حتى خرج أخيراً الطبيب أسرع اليه قائلاً بلهفه :

– طمنى يا دكتور .. “مريم” كويسه

قال الطبيب :

– حضرتك جوزها ؟

أومأ “مراد” برأسه وعيناه تتعلق بشفتى الطبيب .. ابتسم الطبيب بتعب قائلاً :

– متقلقش المدام بخير .. شلنا الرصاصة وهتبقى كويسة ان شاء الله

أغمض “مراد” عينيه للحظة ولم يشعر بنفسه الا وهو يخر على الأرض ساجداً لله حمداً وشكراً له .. نظر اليه الطبيب وقال مبتسماً :

– الحمد لله ربنا نجهالك

تمتم “مراد” وهو يمسح العبرات عن وجهه :

– الحمد لله .. الحمد لله

قال له الطبيب وهو يضع يده على كتف “مراد” :

– وربنا يعوضك ان شاء الله

نظر اليه “مراد” مستفهماً فقال الطبيب :

– كانت حامل وفقدت الجنين

أغمض “مراد” عينيه لحظه ثم فتحها وقال :

– انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لي خيرا ًمنها

ثم نظر الى الطبيب وقال بصدق شديد :

– مش مهم أى حاجة المهم هى تبقى كويسة

رآها تخرج محمولة على الترولى .. ترك الطبيب وأسرع تجاهها .. نظر اليها نائمة فمسح على وجنتها قائلاً بصوت متهدج :

– “مريم” حبيبتى

قالت له الممرضة :

– متقلقش الدكتور بيقول انها كويسه بس هتاخد وقت على ما تفوق من البنج

أدخلتها الممرضة الى احدى الغرف .. نظر اليها “مراد” بحنان .. تمتمت “نرمين” :

– الحمد لله .. كنت حسه ان قلبي هيقف من الخوف

التفت “مراد” الى “نرمين” وكأنه لم ينتبه الى وجودها إلا الآن .. نظر الى ملابسها المدرجة بالدماء والى ملابسه هو الآخر .. قال لـ “نرمين” بصوت متعب :

– انتى كويسة يا “نرمين” ؟

أومأت برأسها فجذبها الى حضنه قائلاً وهو ينظر الى “مريم” :

– متقلقيش هتبقى كويسة

ثم نظر اليها قائلاً :

– “نرمين” خليكى معاها .. متسبيهاش لحظة لو حصل أى حاجة خدى تليفون من حد من الممرضات وكلميني أنا راجع البيت أطمن على “ماما” و “سارة” و ماما “زهرة” وأشوف الأمن مسكوه ولا لا

قالت “نرمين” بأسى :

– مين اللى عمل كده مين اللى عايز يأذى “مريم”

تنهد قائلاً :

– كان بيضرب عليا أنا مش على “مريم”

اقترب منها ومسح على رأسها وقبل جبينها .. قالت “نرمين” :

– متقلقش يا أبيه أنا هفضل جمبها

خرج “مراد” وعاد الى البيت مسرعاً .. أخبره أحد أفراد الأمن أنهم تمكنوا من القبض على مُطلق النار واقتادوه الى قسم الشرطة بعدما طلبوا الشرطة وأبلغوهم بما حدث .. طمأن أهله بأن “مريم” بخير فعاتبته أمه هاتفه :

– يعنى مكنتش قادر تتصل يا “مراد” تطمنا عليها

قال “مراد” بوهن :

– أنا مكنش فيا عقل أفكر يا ماما .. انا حتى ورحت المستشفى من غير حتى بطاقة ومن غير ولا مليم لولا ان صاحب المستشفى صحبي وأول ما اطمنت عليها وخرجت جيت على طول

قالت “سارة” باكيه :

– و “مريم” كويسه دلوقتى ؟

قال “مراد” بوهن :

– أيوة كويسة هغير هدومى وحضريلى هدوم لـ “نرمين” عشان هدومها غرقانه دم التفت الى “ناهد” قائلاً :

– ماما كويسة

قالت “ناهد” :

– متقلقش خافت من ضرب النار بس طمنتها اننا كويسين مرضتش أقولها اللى حصل دلوقتى

قال “مراد” بإمتنان :

– كويس

صعد “مراد” مسرعاً الى غرفته ليتغير ملابسه وقلبه وعقل منشغل بحبيبته الراقدة فى المستشفى والتى كانت على استعداد للتضحية بحياتها من أجله .. من أجله هــو .

الفصل السابع والعشرون (( الأخير )) من رواية قطة فى عرين الأسد

فتحت “مريم”عينيها شيئاً فشيئاً رأت نفسها نائمة على الفراش فى مكان غريب .. حاولت أن ترفع يدها فانتبهت لوجود شخص بجوارها .. كان “مراد” جالسا على مقعد بجوارها ويمسك بيدها ويسند جبهته على السرير .. شعر بحركتها فهب واقفا واقترب منها يمسح على رأسها قائلاً :

– حبيبتى .. حمد الله على السلامة

نظرت “مريم” اليه بدهشة وهى لا تقوى على الحركة .. أمازالت حقاً على قيد الحياة .. ألم تمت .. آخر شئ تتذكره “مراد” الذى كان مسرعا بسيارته ويمد يده للخلف ليمسك بيدها .. نظرت اليه فى مرآة السيارة نظرة أخيرة وكأنها تودعه قبل أن تغلق عينيها وتفقد الشعور بكل ما حولها .. بلعت ريقها بصعوبة فقال “مراد” بهلفه :

– حبيبتى ثوانى هنادى الدكتور

خرج “مراد” مسرعاً وأحضر معه الطبيب الذى فحص الأجهزة التى كانت موصلة بها وفحص عينيها و ضغطها وقال بروتينيه :

– حمدالله على السلامة يا مدام .. ان شاء الله هتبقى كويسة بس لازم تستنى معانا فترة عشان الجرح

أومأت برأسها .. خرج الطبيب فأغلق “مراد” الباب واقترب منها يجلس على الفراش بجوارها احتضن يدها الموضوع بها الكانيولا .. ونظر اليها بحنان قائلاً :

– حبيبتى انتى كويسه

أومأت “مريم” برأها وقالت بضعف :

– ضهرى وجعنى

مسح “مراد” وجنتها بأصابعه قائلاً :

– معلش يا حبيبتى .. هما حطولك مسكن من شوية عشان لما تفوقى

صمت قليلاً ونظر فى عينيها وقال بصوت مرتجف وقد غشت عيناه العبرات :

– ليه عملتى كده ؟

نظرت “مريم” اليه بحنان وقالت بضعف :

– كنت خايفه عليك

قال “مراد” بصوت مضطرب :

– انتى متعرفيش أنا حسيت بإيه لما شوفتك غرقانه فى دمك .. كنت هموت يا “مريم” .. ازاى اتهورتى كده .. مفكرتيش لو كان حصلك حاجه أنا كان ممكن يحصلى ايه

تذكرت “مريم” جملته التى قالها بعد حريق اللانش .. نظرت اليه بأعين دامعة وقالت بوهن :

– وأنا كمان مكنتش هقدر أستحمل يحصلك حاجة يا “مراد” .. الرصاصة كانت هتيجي فى قلبك .. لكن أنا كانت هتيجي فى أى مكان غير قلبي

احتواها بعينيه وقال بتأثر شديد :

– بتحبيني أوى كده ؟

ابتسمت قائله :

– بتسأل

قال بلهفه :

– عايز أسمعها

نظرت بحب الى عينيه والى ملامحه .. ملامح “مراد” .. وقالت هامسه :

– بحبك أوى

سألها قائلاً :

– بجد يا “مريم”

ابتسمت قائله :

– بجد يا حبيب “مريم”

اتسعت ابتسامته وأخذ يتأملها الى أن شعر بأنها تغمض عينيها من التعب فقال لها بحنان :

– كفايه كلام وارتاحى

قالت برجاء قبل أن تغمض عيينها :

– خليك جمبي

رفع “مراد” كفها الى فمه يقبله دون أن يبعد نظره عنها وهو يهمس قائلاً :

– حاضر يا حبيبتى .. نامى وأنا هفضل جمبك .. اطمنى

ابتسمت له وأغمضت عينيها وهى تشعر بالسكينة والأمان لوجوده بجوارها.

***********************************

قال “حامد” بلهفه :

– انت واثق من الكلام ده ؟

قال المحامى فى الهاتف :

– أيوة طبعاً واثق يا “حامد” بيه .. الرصاصة جت فيها هيا ونقلوها على المستشفى

ضحكت “حامد” قائلاً :

– حلو أوى كدة أحسن ما كانت جت فى “مراد” .. لانى كدة هبقى خلصت من الشاهدة الوحيدة فى قضيتين الخطف .. قشطة أوى

قال المحامى بقلق :

– بس اللى سمعته انها خرجت من العمليات وانهم قدروا ينقذوها

قال “حامد” بحقد :

– متقلقش يا متر .. أنا مش هخليها يطلع عليها النهار

أنهى المكالمة وخرج من بيته لأحد حراسه :

– ابعتلى “رامي” على المكتب بسرعة

قال الحارس :

– أوامرك يا فندم

توجه “حامد” الى مكتبه وتوجه الى الخزنة ليخرج منها مسدساً مزود بكاتم للصوت .. أخذ ينظر اليه بتشفى .. سمع صوت خارج المكتب فوضع المسدس على المكتب وتوجه الى الخارج قائلاً :

– تعالى يا “رامى”

لكنه فوجئ بشخص آخر .. فقال له “حامد” بحده :

– انت مين وايه دخلك هنا ؟

اقترب الرجل منه ووقفه أمامه .. كانت تعبيرات وجهه جامدة .. قال بصوت أجش :

– فاكر “هايدي”

نظر اليه “حامد” وقد ضاقت عيناه فأكمل الرجل :

– أنا أخوها .. اخو “هايدي”

قال “حامد” بنفاذ صبر :

– أنا مش فاضى .. خلص عايز ايه ؟

قال الرجل بنبرات قوية :

– “هايدي ” ماتت امبارح وهى بتعمل عملية اجهاض عند دكتور معندوش ضمير .. زيك كده

صمت “حامد” للحظات .. ثم قال بتهكم :

– وجايلى ليه بأه .. عشان أصلى عليها ؟

قال الرجل بقسوة وهو يظهر المطواة التى أخفاها خلف ظهره :

– لا عشان أصلى عليك انت

لم تتح الفرصة لـ “حامد” للصراخ حتى .. سدد الرجل اليه طعنات متتالية بسرعة وبقوة وبشراسة وقد تشنج جسده .. حتى خر “حامد” على الأرض غارقاً فى دمائه .. وفاقداًُ لحياته

*******************************************

استيقظ “طارق” من نومه ونظر بجواره فلم يجد “مى” غادر فراشه وبحث عنها ليجدها واقفة تصلى وبيدها مصحفها .. ابتسم وهو ينظر اليها .. شعرت به فسجدت وأنهت صلاتها .. ثم التفتت لتيتسم اليه بخجل .. اقترب منها وقبل رأسها قائلاً :

– ربنا يخليكي ليا

قالت “مى” بخجل :

– اشمعنى

قال “طارق” وهو يمسح على شعرها مبتسماً :

– عشان هتخلى حياتى أحسن

قالت “مى” بإبتسامه مشجعه :

– صلى انت كمان .. معدش الا شوية صغيرين على الفجر

أومأ برأسها وقبل وجنتها قائلاً :

– هروح أتوضى وآجى نصلى سوا

ابتسمت بسعادة وجلست تنتظره .. انهيا صلاتهما وجذبها “طارق” بجواره وهو يقول :

– انتى نمتى بالليل كويس

قالت بإستغراب :

– أيوة .. ليه ؟

ابتسم “طارق” قائلاً :

– بفكر نصلى الفجر ونطلع نقضيلنا اسبوع فى العين السخنة

ضحكت “مى” قائله :

– فجأة كدة

قال “طارق” بمرح :

– مفيش أحلى من السفر فجأة .. هاا ايه رأيك

قالت بسعادة :

– ماشى بس نفطر الأول

قال “طارق” :

– لا هقولك فكرة احلى اعملى سندوتشات ونبقى ناكلها فى العربية

قالت “مى” بمرح :

– خلاص ماشى

أنهيا صلاة الفجر .. وتوجها الى السيارة حاملين حقائبهم .. انطلق “طارق” فى طريقه وهو يتأمل “مى” بين الحين والأخر .. قال لها بعد ساعة من الطريق :

– جعت .. متطلعى السندوتشات

فتحت “مى” حقيبة الطعام وأخرجت واحدة ومدت يدها اليه .. فقال “طارق” بخبث :

– هاكل ازاى يعنى وأنا سايق ؟

قالت “مى” بحيرة :

– طيب أقف على جمب

قال “طارق” ونظرات المرح فى عينيه :

– تؤ .. مش عايز أضيع وقت

ثم التفت اليها قائلاً :

– أكليني انتى

ضحكت بخجل وقالت :

– مش هعرف

رفع حاجبه بتحدى قائلاً :

– آه مش هتعرفى .. يعني أجبلى واحدة تأكلنى ولا أعمل ايه دلوقتى

نظرت اليه “مى” بغيظ فإنفجر ضاحكاً وهو يقول :

– خلاص أكليني طيب .. بدل هااا انتى عارفه

مدت يدها بخجل فقطم منه وهو ينظر اليها .. ثم صاح قائلاً :

– الله .. أحلى سندوتش مربى كلته فى حياتى

ضحكت “مى” قائلاً :

– على فكرة دى جبنه مش مربى

قال “طارق” بخبث :

– من ايدك انتى تبقى مربى

ضحكت “مى” فى سعادة وهى تمد يدها مرة أخرى لتطعمه

***************************************

حضر “عبد الرحمن” و زوجته و “عثمان” للإطمئنان على “مريم” بعدما علموا بما حدث لها .. أمضوا اليوم معها الى أن اطمئنوا على صحتها ثم تركوها فى رعاية “مراد” وتابعوها بالمكالمات من حين لآخر

دخلت الممرضة غرفة “مريم” وطلبت من الجميع المغادرة لإنتهاء وقت الزيارة .. قبلتها “ناهد” قائله :

– ألف سلامة عليكي يا حبيبتى

قالت “مريم” بوهن :

– الله يسلمك يا ماما

قالت “سارة” :

– ألف سلامة عليكى يا “مريم”ان شاء الله تقومى بالسلامه

قالت :

– الله يسلمك يا “سارة”

قالت “نرمين” بمرح :

– بقولك ايه خلصى جو المستشفى والعيانين ده بسرعة عشان وحشتينا أوى والفيلا بجد ملهاش طعم من غيرك

قالت “مريم” مبتسمه :

– تسلمي يا “نرمين”

التفتت “ناهد” الى “مراد” قائله :

– خليني أنا بايته معاها النهاردة وروح انت يا “مراد” بقالك يومين بايت هنا

قال “مراد” بإصرار :

– لأ هفضل أنا معاها

غادر الجميع وأغلق “مراد” الباب ثم اقترب من فراش “مريم” وابتسم لها قائلاً :

– نامى شويه

نظرت اليه وقالت :

– تؤ مش عايزه

جلس على بجوارها وأمسك يدها يتحسس العروق التى ظهرت فيها .. ثم نظر اليها قائلاً :

– عايز أقولك حاجه

نظرت اليه “مريم” بترقب .. فقال بهدوء :

– ربنا هدانا هدية بس خدها تانى .. بس أنا واثق انه هيعوضنا بغيرها

نظرت اليه “مريم” بحيره قائله :

– مش فهمه

صمت .. ثم ظهرت الدموع فى عينيها وقد فهمت ما يرنو اليه .. قبل يدها قائلاً :

– الصبر عند الصدمة الأولى يا “مريم”

تمتمت بخفوت ودموعها تنهمر :

– انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيراً منها

مسح دموعها بأصابعه وهو يقول :

– قولى الحمده لله

رددت :

– الحمد لله

قال “مراد” وهو يحتضن يدها بين يديه بحنان :

– افتكرى الآيه اللى فى سورة الكهف ” فَانطَلَقَا حَتَّى إِذَا لَقِيَا غُلامًا فَقَتَلَهُ ” .. كان سيدنا موسى مضايق ان سيدنا الخضر قتل الطفل الصغير ومكنش يعرف ان فى موته رحمه من ربنا لأبوه وأمه “وَأَمَّا الْغُلامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَنْ يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا * فَأَرَدْنَا أَنْ يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا ”

قالت “مريم” وقد لاحت ابتسامة رضا على شفتيها :

– الحمد لله

قال “مراد” بمرح :

– وبعدين مالك زعلانه كده شكلك زهقتى منى وعايزة حاجة تشغلك عنى

نظرت اليه بحب قائله :

– مستحيل أزهق منك أبداً .. بس مشتاقة أوى يكون ليا ابن منك .. ابننا احنا الاتنين يا “مراد”

ابتسم لها قائلاً :

– وأنا نفسي فى كده أكتر منك

قبلها قائلاً :

– بحبك أوى

نظرت اليه بسعادة قائله :

– بحبك أوى

*************************************

قال “طارق” بأسى :

– لا حول ولا قوة إلا بالله .. ازاى ده حصل

قال محامر “مراد” فى الهاتف :

– للأسف اتقتل امبارح بالليل ومات قبل ما يوصل المستشفى

ردد “طارق” :

– لا حول ولا قوة الا بالله

ثم قال :

– مين اللى قتله

قال المحامى :

– لسه البوليس بيحقق .. بس شكله كان مؤذى وأعداؤه كتير

تنهد “طارق” بأسى فقال المحامى :

– أنا حاولت أوصل لأستاذ “مراد” بس بيردش على الموبايل من امبارح فلو عرفت توصله ياريت تبلغه اللى حصل يا أستاذ “طارق” لان كده خلاص القضيتين اتحفظوا

قال “طارق” :

– حاضر هبلغه

أنهى “طارق” المكالمة فقالت له “مى” الجالسه بجواره على الاريكة :

– خير يا “طارق” .. مين اللى اتقتل ؟

قال “طارق” شارداً :

– “حامد” .. اللى “مراد” رافع عليه قضيتين

قالت “مى” :

– لا حول ولا قوة الا بالله .. آدى أخرة الظلم

قال “طارق” :

– خلاص كدة القضيتين اتحفظوا

قالت “مى” بحماس :

– اتحفظوا هنا .. لكن متحفظوش فوق .. مفيش فوق قضايا بتتحفظ .. كل حاجة ليها تمن

اقترب منها “طارق” وأحاطها بذراعه قائلاً :

– سيبك بأه من السيرة الغم دى .. احنا جايين نقضى يومين حلوين ولا نتكلم عن الناس

قالت مبتسمه :

– خلاص مركزة معاك أهو

قال “طارق” ضاحكاً :

– أيوة كده أحبك وانتى مركزة

******************************************

سمح الطبيب لـ “مريم” بالخروج .. التف الجميع حولها وتقدمت “زهرة” بمقعدها المتحرك لتطمئن عليها قائله :

– حبيبتى كان نفسي أوى أشوفك

قالت “مريم” مبتسمه :

– حبيبتى يا ماما .. انتى على طول كنتى معايا على التليفون .. ربنا يباركلنا فى صحتك

رن هاتف “مراد” فتحدث فى الخارج .. دقائق وعاد قائلاً :

– “حامد” اتقتل

شهق الجميع فى دهشة .. تمتمت “مريم” :

– انا لله وانا اليه راجعون

قالت “سارة” :

– مين اللى قتله ؟

قال “مراد” وهو يمط شفتيه :

– محدش يعرف .. أكيد واحد كان له عنده مظلمه

قالت “ناهد” بأسى :

– كان مؤذى فعلاً .. ربنا يرحمه بأه برحمته

******************************************

بعد شهر .. دخل “مراد” غرفته فى المساء واقترب من “مريم” التى جلست فى فراشها تقرأ .. وقال لها :

– بتعملى ايه

نظرت اليه قائله :

– بقرأ الخواطر بتاعتك

ابتسم قائلاً :

– مزهقتيش منها

قالت ضاحكة :

– لا طبعاً

خلع ساقه الصناعية و جلس بجوارها وتدثر بالغطاء وقال لها :

– على فكره يا “مريم” .. “عماد” مديرك فى الشركة كلمنى النهاردة وقال انه عايز يتقدم لـ “سارة”

صاحت بحماس :

– بجد

أوما برأسه فقالت بلهفه :

– قولتله ايه ؟

قال “مراد” :

– قولته يتفضل ييجي ويعدوا مع بعض و “سارة” هتقول رأيها .. طبعا أنا من الصبح وأنا بعمل تحريات عنه بس بصراحه النتائج مبشرة

قالت بحماس :

– متقلقش ده انسان ممتاز

نظر اليه بغضب والتفت اليها قائلاً :

– لا يا شيخه

قالت بتلعثم :

– أقصد أقول انه كويس

قال “مراد” بحده :

– لا متقوليش

ابتسمت واقتربت منه قائلاً :

– خلاص أنا آسفه متزعلش

نظر اليها شزراً .. فقالت بدلع :

– خلاص بأه يا “مراد” مكنش قصدى .. معدتش هتكلم عن أى راجل تانى

ثم قالت مبتسمه :

– إلا “مراد” حبيب قلبي وبس

لاحت ابتسامه على شفتيه ولانت نظراته .. فقالت بمرح :

– أيوة كده لما بتكشر بحس ان الدنيا اسودت فى وشى

قال محذراً وهو يبتسم :

– ماشى هعديهالك المرة دى

ابتسمت له فجذبها الى حضنه وأغلق ضوء المصباح

**************************************

قال “عبد الرحمن” للضابط :

– احنا جينا نعرف منك يا حضرة الضابط اللى حوصل عشان نبجى على علم

قال “سباعى” :

– وعشان كمان نجفل بجه على الصفحة دى ونرميها وره ضهرنا

قال الضابط لهما :

– “حسن المنفلوطى” اتقبض عليه بأكتر من تهمه وأولهم تهمة قتل “ياسين عبد الرحمن السمري” .. أو بمعنى أصح المشاركة فى قتله بالتحريض

قال “عبد الرحمن” فى أسى :

– انا لله وانا اليه راجعون .. عمله ايه ولدى عشان يجتله

قال الضابط :

– “حسن” بعت واحد من رجالته عشان يحرق الشحنة اللى كانت طالعه تبع المناقصة اللى رسيت عليكوا يا حاج “عبد الرحمن” .. عشان يوقع العيلتين فى بعض وتفتكروا ان “جمال” أو أى حد من عيلة “الهوارى” هو اللى حرق الشحنه والعيلتين تقع فى بعض

قال “سباعى” بغيظ :

– منه لله

أكمل الضابط :

– ولما اضرب النار على “مراد خيري” و “مريم خيري” .. كان المقصود طبعا “مراد” لانه ابن “خيري الهواري” .. لان “حسن” عرف ان “خيري الهواري” مات وملوش الا ابن واحد عايش .. فحب ينتقم منه ويقتله لانه كان فاكر ان “خيري” من الاتنين هو اللى قتل ابنه

قال “سباعى” بحماس :

– الاتنين “خيري” محدش فيهم جتل .. اللى جتل مرته الله يحرق جبرها .. هى اللى جتلته وهو كان بيكتب اسمها مش اسم “خيري”

قال الضابط :

– المهم الراجل اللى مسكوه فى القاهرة ورحلوه هنا للصعيد قر واعترف كل حاجه لما حس انه هيلبس الليلة لوحده .. و شهد كمان ضد “حسن” انه هو اللى أمر بحرق المخزن .. وان الراجل اللى راح يحرق المخزن لما شاف “ياسين” .. “ياسين” عرفه كويس .. فقتله قبل ما يبلغ عنه

قال :عبد الرحمن” مقهوراً :

– منهم لله الظلمه .. ربنا ينتجم منيهم

قال الضابط :

– ده غير تجارة السلاح اللى كان بيتاجر فيها “حسن” .. الراجل اللى مسكناه واللى ضرب النار على “مراد خيري” .. اعترف بكل حاجه يعرفها عن “حسن” وبقه شاهد ملك فى القضية مقابل تخفيف حكمه

ثم قال :

– وعرفنا كمان انه كان بعت حد فى يوم كتب كتاب “جمال” عشان يقتله .. بس ملحقش ينفذ لان ساعتها اضرب النار على “جمال” فعلاً .. من “صباح”

قال “عبد الرحمن” فى حرج :

– دلوجيت بجت مرته وهو اتنازل عن حجه يا حضرة الظابط

قال الضابط مكملاً حديث :

– وكمان الراجل اعترف انه بعت رجاله يطعنوا “عثمان” ابنك .. برده لنفس السبب ..عشان العيلتين يقعوا فى بعض

صاح “سباعى” بغضب :

– ده ايه ده .. كتلة شر .. ربنا ينتجم منيه

قال الضابط :

– متقلقوش التهم الموجهه لـ “حسن المنفلوطى” ان مكنش هياخد فيها اعدام فعلى الأقل أوى هياخد مؤبد

صاح “عبد الرحمن ” من قلبه :

– ان شاله يارب

قال “سباعى” وهو ينهض مع “عبد الرحمن” :

– متشكرين يا حضرة الظابط

ابتسم الضابط قائلاً :

– العفو يا حج “سباعى” .. مع السلامة يا حج “عبد الرحمن”

خرج “سباعى” و “عبد الرحمن” من قسم الشرطة ليتقابلا مع “جمال” و “عثمان” فى الخارج وقصا عليهما ما قاله الضابط .. صاح “جمال” بغضب :

– ولد التييييييييييييييت

قال “عثمان” بغضب :

– يعني يجتل أخوى ويبعت ناس يطعنونى ويضرب النار على “جمال” و على “مراد” كل ده عشان يوجع العيلتين فى بعض .. ولد التيييييييييييييت ده

قال “عبد الرحمن “:

– يمهل ولا يهمل يا ولدى .. ربنا أمهله وبعدين عاقبه عن كل اللى عيلمه مرة واحدة

قال “سباعى” بحكمة :

– أهم حاجة دلوجيت تكونوا اتعلمتوا الدرس .. وتعرفوا ان فى ناس عايشة على الأذى وبتتغذى على الشر .. وهمها انها توجع الناس فى بعضيها .. عشان اكده مش لازم ندى للشيطان فرصة واصل انه يدخل وسطينا أبداً أو انه يوجعنا فى الغلط

اقترب “عثمان” من “جمال” ومد له يده قائلاً :

– سامحنى يا ولد العم .. آنى محجوجلك

أمسك “جمال” بقبضة “عثمان” قائلاً :

– آنى كمان محجوجلك يا “عثمان” وياريتك تسامحنى عن كل اللى عيملته والأذيه اللى حوصلت منى

قال “عثمان” متنهداً :

– خلاص اللى فات مات .. وياريت العيلتين يبدأوا صفحة جديدة مع بعض

نظرا كل من “عبد الرحمن” و “سباعى” الى أيدي “جمال” و “عثمان” المتشابكة وابتسما فى سعادة

****************************************

كانت “مريم” تنتظر مع “نرمين” فى غرفة “سارة” بقلق .. قالت “نرمين” بحنق :

– مالهم طولوا كده

قالت “مريم” :

– سبيهم ياخدوا راحتهم عشان يوصلوا لقرار صح

بعد دقائق من حديثهما دخلت “سارة” الغرفة فأغلقت “نرمين” الباب خلفها وقالت بلهفه :

– ها طمنينا

ابتسمت “سارة” بخجل وهل تضع يديها على وجنتيها قائله :

– كنت مكسوفة أوى

قالت “مريم” بلهفه :

– طمنينا ايه الأخبار .. ارتحتيله ؟

صمتت “سارة” وهى بتتسم بخجل .. قذفتها “نرمين” بالوسادة قائله :

– يا شيخه انطقى بأه

قالت “سارة” ضاحكه :

– أقولكوا ايه يعني

صاحت “نرمين” :

– يعني أشد فى شعرى يعني .. يا بنتى خلصى .. عجبك ولا معجبكيش

قالت “سارة” بقلق :

– المهم ان أنا اللى أعجبه

زغردت “مريم” قائله :

– يبقى عجبك

قالت “نرمين” بمرح :

– متقلقيش يختى لو مكنتيش عجبتيه مكنش طلبك من “مراد”

قالت “سارة” بقلق :

– تفتكرى

صاحت “نرمين” :

– حد يحوش البنت دى عنى .. أمال متقدملك ليه عشان معجب بـ “مراد” .. ما هو أكيد معجب بيكي انتى

قالت “سارة” مبتسمه :

– معاكى حق

قالت “مريم” بسعادة :

– ربنا يوفقك يا “سارة” أنا فرحانه أوى بجد

قالت لها “سارة” :

– “مريم” انتى تعرفى عنه ايه ؟

قالت “مريم” بحماس :

– متقلقيش يا بنتى والله انسان ممتاز ومحترم وملتزم وأخلاقه عالية

ثم أضافت ضاحكة :

– بس اوعى تقولى لاخوكى انى قولت الكلام ده أحسن هيعلقنى على باب زويله

طرقت “ناهد” الباب وانضمت الى البنات .. سألت “سارة” بلهفه :

– هو “عماد” مشى ؟

قالت “ناهد” :

– أيوة مشى

سألتها “سارة” بلهفه :

– ايه رأيك يا ماما

ابتسمت “ناهد” قائله :

– بصراحة انا شيفاه ارجل كويس جدا وكمان “مراد” سأل عنه كتير والناس بتشكر فيه وفى أهله أوى

ابتسمت “سارة” بسعادة وقد اطمئن قلبها

*******************************************

بعد مضى ثلاثة أشهر

عُقد حفل زفاف “سارة” و “نرمين” معاً .. بعدما ألح “أحمد” و “عماد” فى تعجيل زواجهما .. لم تعترض الفتاتان ولا “مراد” ووالدته .. كانت أخلاق “أحمد” معروفة للجميع وكذلك “عماد” الذى استطاع أن يكسب ثقة “مراد” فى فترة وجيزة لما لمسه فيه وفى والديه من حسن الخلق والإلتزام .. كانت سعادة “مراد” غامرة وهو جالس أمام المأذون يزوج أختيه الإثنين .. شعر بقلبه يقفز فرحاً عندما سمع جملة ” قلبتُ زواجها ” تتردد مرتين فى القاعة .. كانت “مريم” كالفراشة التى تتنقل بين الحضور فى قاعة النساء وهى تشعر بسعادة غامرة للفتاتين .. كانت سعيدة أكثر لتمكن “زهرة” من حضور الحفل بعدما استعادت قدرتها على المشى مرة أخرى وان كانت مازالت تعانى من آلام بسبب تقدم العمر .. كانت العبرات فى عيني “ناهد” وهى تنظر الى ابنتاها وكل منهما كالأميرة فى فستان زفافها الأبيض .. سلم “مراد” كل واحدة منهما الى زوجها ووصاه عليها كوصية النبي صلى الله عليه وسلم للرجال “استوصوا بالنساء خيرا فإنهن خلقن من ضلع وإن أعوج شيء في الضلع أعلاه فاستوصوا بالنساء خيرا ” … وكما قال فى حجة الوداع : ” استوصوا بالنساء خيرا، فإنهن عندكم عوان لا يملكن لأنفسهن شيئا، وإنكم إنما أخذتموهن بأمانة الله واستحللتم فروجهن بكلمات الله فاعقلوا أيها الناس قولي، فإني قد بلغت ” .. وكما قال : ” رفقا بالقوارير ” ..

عاد “مراد” بـ “مريم” و “ناهد” و “زهرة” الى الفيلا التى خلت إلا منهم .. عبروا الردهه وهم يتحدثون عن تفاصيل ما حدث فى الفرح والبسمة على وجوههم .. قالت “زهرة” بحزن :

– البيت هيبجى فاضى جوى من غير البنات

قالت “ناهد” وسحابة حزن فى عينها :

– مش عارفه ازاى هتحمل فارقهم

قال “مراد” :

– ايه يا جماعة محسسنى انهم مهاجرين مهم هيعيشوا معانا هنا فى القاهرة .. أمال لو كانوا راحوا محافظة تاينة بأه

قالت “ناهد” بحده :

– مكنتش أوافق أبداً .. بناتي ميبعدوش عنى أبداً

صاحت “مريم” بحده مصطنعة :

– شكراً أوى أوى .. ولا كأنى موجودة .. عمالين تقولوا الفيلا هتفضى كأنى هوا عايش معاكم .. يلا تصبحوا على خير

همت بالإنصراف فجذبتها “ناهد” من ذراعها ضاحكة :

– احنا نقدر برده يا “مريم” ده انتى اللى منوره الفيلا

قالت بزعل مصطنع :

– لا أنا زعلانه بجد اتضح ان مليش لزمه فى البيت ده

جذبتها “زهرة” الى حضنها قائله :

– ده انتى جلبى يا “مريم” حد يجد يعيش من غير جلبه .. ها جوليلى

نقلت “مريم” نظرها بينهما وابتسمت قائله :

– ماشى خلاص اقتنعت انكوا متقدروش تعيشوا من غيري

صاح “مراد” من خلفهم :

– الله الله .. أنا نفسى أعرف بأه هو مين اللى ابنكم بالظبط أنا ولا “مريم”

التفت اليه الجميع وصاحت “ناهد” و “زهرة” فى نفس واحد :

– “مريم”

ثم انفجر الجميع ضاحكاً .. فمشى “مراد” فى طريقة الى الأعلى قائله :

– طيب اشبعوا ببعض بأه

تركتهم “مريم” وجرت خلفه قائله :

– “مراد” .. “مراد”

صاحت “ناهد” بغيظ :

– بعتينا يا “مريم” .. ماشى يا “مريم”

وضعت “ناهد” ذراعها بذراع “زهرة” قائله :

– سيبك منهم ملناش الا بعض

ابتسمت “زهرة” وربتت على كف “ناهد” قائله :

– ربنا يباركلك فيهم ويخليكى ليهم

ابتسمت “ناهد” قائله :

– ويباركلك فيهم ويخليكي ليهم

*************************************

استيقظ “مراد” من نومه فلم يجد “مريم” بجواره .. وسمع صوت آهاتها فى الحمام .. انتفض من الفراش وارتدى ساقه الصناعيه بسرعة وهى ينادى عليها :

– “مريم”

خرجت “مريم” وهى تضع يدها على بطنها .. هب واقفاً وهو يقترب منها قائلاً :

– مالك يا حبيبتى

قالت وقد ظهر عليها آثار الإعياء :

– مش عارفه بطنى وجعانى من الصبح

أمسكها وأجلسها على الفراش ووضع وسادة خلف ظهرها ودثرها ثم قال بحنان :

– هنزل أعملك حاجة دافيه

قالت له :

– استنى يا “مراد” أنا شاكه فى حاجه كده

جلس بجوارها وقال بإهتمام :

– شاكه فى ايه ؟

نظرت اليه نظرة معبره .. فهتف بسعادة :

– بجد .. بجد يا “مريم”

قالت بسرعة :

– معرفش متعشمش نفسك إلا لما نعمل تحليل الأول .. عشان منزعلش لو النتيجة نتيجاتيف

هب واقفاً وقال :

– طيب يلا تعالى نروح سوا نعمل التحليل

ساعدها على النهوض ثم أوقفها قائلاً بقلق :

– لو تعبانه ممكن نأجلها

قالت “مريم” وقد بدا عليها أنها استعادت نشاطها :

– لا انا كويسه .. ملهوفة أوى أعمل التحليل مش هقدر أستنى

ثم استدركت :

– بس متقولش حاجة لماما “ناهد” و ماما “زهرة” إلا لما نتأكد الأول

خرجا معاً لعمل تحاليل الدم وأمضيا الساعات التى تفصلهما عن النتيجة فى التجوال والسير على النيل والتحدث معاً وإفضاء كل منهما الى الآخر بمكنونات قلبه .. عادا الى الفيلا ودخلا غرفتهما .. قال “مراد” :

– هتصل بيهم دلوقتى

قالت “مريم” وهى تبدل ملابسها :

– بس هما قالوا النتيجة الساعة 6 والساعة لسه 5 إلا

قال “مراد” بلهفه وهو يمسك الهاتف :

– مش قادر استنى

أوقفته “مريم” بيدها وقالت بقلق :

– ولو طلعت نيجاتيف

أمسك “مراد” ذراعها وضمها اليه بقوة قائلاً :

– هقول الحمد لله برده .. أنا أهم حاجة عندى انك كويسه .. واننا مع بعض يا “مريم”

ابتسمت “مريم” وقد شعرت بشئ من الطمأنينة داخل قلبها .. ثم ابتعت عنه وقالت بلهفه :

– يلا اتصل

اتصل “مراد” وأملاهم اسم “مريم” وانتظر لسماع نتيجة التحليل .. مرت الثوانى كساعات بل كسنوات حتى قال :

– حضرتك متأكد ؟ …. طيب متشكر

أنهى المكالمة وعيون “مريم” معلقة به فى لهفه وقالت :

– ايه يا “مراد”

اتسعت ابتسامته وعيونه تنطق بالسعادة .. هتفت “مريم” بفرح وهى تضع يديها على فمها غير مصدقه :

– أنا حامل .. انا حامل يا “مراد”

عانقها “مراد” بقوة قائلاً بسعادة :

– أيوة حامل .. حامل يا أم …..

ثم ابتعد ونظر اليها بفرح قائلاً :

– الا قوليلى هو احنا هنسمى ايه

صاحت بفرح طفولى :

– مش مهم انشاله نسمى “اللمبي” المهم انى حامل مش مصدقه

خرجت من الغرفة مسرعة وهى تصرخ منادية :

– ماما “زهرة” .. ماما “ناهد”

أسرع “مراد” خلفها قائلاً وهى تنزل السلم :

– “مريم” متجريش كده بالراحه

دخلت “مريم” غرفة المعيشة حيث كانت المرأتان جالستان معاً أمام التلفاز .. نهضت “زهرة” بسرعة وقالت :

– فى ايه يا “مريم”

هبت “ناهد” واقفه هى الأخرى وهى تقول :

– مالك يا حبيبتى انتى و “مراد” كويسين ؟

قالت “مريم” بفرحة كبيرة :

– أنا حامل يا ماما

تعالت صيحات الفرحة التى أطلقتها المرأتان .. وعانقتاها بشدة .. دخل “مراد” قائلاً بمرح :

– يا “مريم” اعقلى أبوس ايدك احنا ما صدقنا

جذبها من ذراعيها وأجلسها بالقوة .. جلست “مريم” وهى تضع يدها على يد زوجها الممسك بكتفها وتتطلع اليهم بسعادة وترى نظرات الفرح فى أعينهم جميعاً .. اغرورقت عيناها بالعبرات وهى تستشعر نعم الله عليها .. وتردد بلسانها وقلبها وكل جوارحها :

– الحمد لله

***************************************

انتهت “سهى” من صلاتها ووقفت أمام الشباك تنظر الى السماء وتضم يديها الى صدرها .. كان فى عينيها نظرات الرجاء والخوف .. بعد قليل وجدت أمها تدخل علهيا قائله :

– ايه ده يا “سهى” لسه مجهزتيش .. ادخلى استحمى يا بنتى .. عايزين نلحق ورانا حاجات كتير النهاردة

التفتت اليها “سهى” وتمتمت بخفوت :

– حاضر يا ماما

دخلت “سهى” وأخذت دشاً وهى تفكر .. تُرى أتقبل الله توبتها حقاُ .. أستستطيع فتح صفحة جديدة فى حياتها دون النظر الى الماضى .. أم أنها ستُفضح شر فضيحة لها ولعائلتها .. خلال الشهور الماضية تنامى حسن ظنها بالله .. لم تعد ترجو سواه ولا تأنس بالحديث مع غيره .. كانت تدعو الله بأن يتقبل توبتها ويغسلها من ذنوبها .. كانت مستبشره بقول الله تعالى بعد أن ذكر جرائم الشرك والقتل والزنا – : ( إِلَّا مَنْ تَابَ وَآمَنَ وَعَمِلَ عَمَلًا صَالِحًا فَأُولَئِكَ يُبَدِّلُ اللَّهُ سَيِّئَاتِهِمْ حَسَنَاتٍ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا ) .. وخلال الشهور الماضية التحقت بأحد المعاهد الدينية لتتفقه فى أمور دينها حتى لا تدع أحداً يخدعها مرة أخرى فى أى أمر من أمور حياتها .. عرفت الطريق الصحيح وانضمت للصحبة الصالحة التى أعانتها كثيراً وخففت عنها كثيراً دون أن تخبرهم بكنة ذنوبها .. استخارت كثيراً قبل أن توافق على العريس الذى تقدم لها .. لم تخبره أى شئ عن ماضيها .. لم تخبره أى شى عن ذنوبها .. لم تجاهر بمعصيتها أمام أى أحد .. عملاً بقول النبي صلى الله عليه وسلم : “كل امتى يدخلون الجنة الا المجاهرين , قالوا : و ما المجاهرين يا رسول الله , قال : من يفعل ذنب فيستره الله فيصبح هو و يقول فعلت كذا و كذا ” .. استعدت لهذا اليوم كأى عروس .. وقفت فى المساء أمام المرآة تتأمل ثوبها الأبيض ناصع البياض وقلبها يبكى قبل عينيها .. كانت تردد دعاءاً واحداً فقط ” اللهم استرنى فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك” .. لم يفتر لسانها عن ترديده منذ أن أعلنت لله توبتها .. كانت تخشى على نفسها وعلى أهلها الفضيحة .. لكنها استخارت الله عز وجل فيسر أمر زواجها وفى فترة وجيزة .. سلمت أمرها لله وهى توقن أنه لن يضيعها .. حتى لو كانت نهاية هذا العرس هى الفضيحة فسترضى بها كعقوبة دنيوية تخفف من ذنوبها التى انغمست فيها بالماضى .. اذا أراد الله فضحها ليطهرها فليكن .. هى راضية بكل ما يرضيه .. تقدم زوجها وفتح باب بيت الزوجية .. دخلت “سهى” بقلب وجل .. كانت تشعر بقلق وخوف وتوتر بالغ .. كانت تردد دعاؤها الأثير “اللهم استرنى فوق الأرض وتحت الأرض ويوم العرض عليك” .. تقدم منها زوجها مبتسماً وقبل يديها قائلاً :

– منوره بيتك يا “سهى”

ابتسمت له مجاملة فقط .. لكن قلبها كاد أن يتوقف خوفاً وهلعاً .. ابتسم لها ابتسامة عذبة وقال بحنان :

– اتأكدى انى عمرى ما هظلمك أبداً .. وعمرى ما هخون الأمانه اللى ربنا ادهالى .. انى أمانه عندى يا “سهى “.. وربنا هيحاسبنى ان فرطت فى حقك بأى شكل من الأشكال .. عايز نبدأ حياتنا مع بعض بحب وود ورحمة .. وتكونى فعلاً خير زوجة ليا وأكون خير زوج ليكي .. أنا فرحان أوى ان ربنا كرمنى بيكي يا “سهى” .. وهعتبر ان حياتى معاكى هى بداية لحياتى فعلاً وانى معشتش قبل كده

كانت كلماته كالخناجر تمزق قلبها ألماً .. شعرت بأنها لا تستحق هذا الزوج الطيب المخلص الذى يتعامل معها كجوهرة غاليه .. تساقطت العبرات من عينيها فمسحها بأصابع يده برفق شديد وقال بتأثر :

– مش عايزك تعيطى أبداً .. ومتخفيش والله هعمل كل اللى أقدر عليه عشان أكون زوج صالح

عانقها زوجها يضمها لصدره وقلبه .. أغمضت عينيها وهى تنظر الى السماء .. وتردد دعائها الأثير .. وتذكرت كلام ربها “قُلْ يَاعِبَادِي الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لَا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ” .. فسقطت دمعة من عينها على ظهر زوجها لم يراها .. وكذلك هى .. لم ترى الدمعة التى سقطت من عينه على ظهر فستانها .. وشفتى زوجها التى ارتعشت وهمهم بصوت غير مسموع :

– يارب اقبل توبتى

****************************************

بعد ثلاثة أشهر

– أحسن حاجه اننا أعدين فى التكييف وهما بره فى الحر وكمان نازليين شوى

قالت “نرمين” هذه العبارة ضاحكة وهى جالسه مع “سارة” و “مريم” و “مى” فى صالون الفيلا .. قالت “مريم” ضاحكة :

– آه يا شريرة

قالت “مى” بمرح :

– بصراحة أنا كمان فرحانه .. لان “طارق” غايظنى على طول شغل بشوفه بالصدفه أحسن خليه يتلسوع من الحر عشان يكن فى البيت

قالت “سارة” بحزن :

– انتوا شريرين أوى انتوا الاتنين .. “عماد” ذنبه ايه طيب كل واحدة فيكوا فرحانه فى جوزها .. انا بأه مش عايزه “عماد” يتلسوع

ضحكت “نرمين” قائله :

– أختى هبله وهتفضل طول عمرها هبله

قرصتها “سارة” فى ذراعها قائلاً :

– بنت انتى متقوليش هبله دى أنا أختك الكبيرة

التفتت “مى” الى “مريم” قائله بإبتسامه :

– أخبار النونو ايه

ضحكت “مريم” قائله :

– كويس الحمد لله

قالت “سارة” بفرحه :

– ولد ولا بنت

قالت “مريم” بحماس :

– لسه مش دلوقتى .. بس هعرف فى الخامس ان شاء الله

قات “سارة” :

– يارب تكون بنت .. نفسى فى بنوته صغيره

صاحت “نرمين” قائله :

– لا أنا نفسي بأه فى ولد .. عشان يطلع عفريت ويجنن “مراد” ويطلع عليه اللى كان بيعمله فينا

هتفت “مريم” :

– ايه يا “نرمين” مالك بقيتي شريرة كده ليه .. هو “أحمد” بيعذبك وبتيجى تطلعى عقدك علينا ولا ايه

هتفت “نرمين” قائله :

– “أحمد” ده روحى روحى روحى روحى روحى .. خمسة روحى

انفجر الجميع ضاحكاً وقالت “مى” :

– لا واضح

قالت “نرمين” بغيظ :

– بيعد ابن اللذينه يعمل فيا كل مقلب والتانى .. بس على مين ده أنا بطلعهم عليه

قالت “سارة” بدهشة :

– والله يا بنتى اللى يشوفك يقول انك واحدة فى كى جى .. اعقلى كده وخليكي راكزه

قالت “نرمين” :

– سيبنالك انتى الركزان .. أنا طقه وهفضل طقه

قالت “سارة” :

– ربنا معاك يا “أحمد” ويعينك عليها

قالت “نرمين” :

– آه ادعيله هو محتاج الدعاء ده بالذات

فى الخارج صاح “طارق” :

– أنا كان مالى أنا ومال الشوى .. فى حد يشوى فى عز الصيف كده

قال “أحمد” بغيظ :

– اللى يمشى ورا الستات .. انا واثق انها فكرة “نرمين” .. أما وريتك يا “نرمين”

قال “مرد” ضاحكاً :

– راعى يا “أحمد” انك بتستحلف لأختى فى وجودى

قال “أحمد” ضاحكاً :

– ما انت خمتنى يا “مراد” كان لازم وانت بتجوزهالى تديني الكتالوج بتاعها الأول اقراه عشان أبقى فاهم السيستم اللى هى ماشيه عليه مش أتصدم كده

اقترب “مراد” من “عماد” الجالس فى الظل وصاح قائلاً :

– يا أبو دماغ عاليه انت .. اللى مش هيشوى مش هياكل

قال “عماد” بثقه وهو يحتسى من كوب العصير الذى يمسكه :

– لا أنا مش قلقان .. “سارة” مش ممكن تسيبنى جعان .. لو انتوا معملتوش حسابي فى طبق .. “سارة” هتديني طبقها أنا واثق

ضحك “مراد” قائلاً :

– طول عمرها هبله

قال “عماد” محذراً :

– لا مسمحلكش مراتى مش هبلة .. مراتى دى مفيش أطيب ولا أحن منها

نظر اليه “مراد” بسعادة وقال مبتسماً :

– ربنا يخليكوا لبعض

خرجت “سارة” لتأخد الطبق الكبير الذى انتهى الرجال من شويه .. فابتسم لها “عماد” قائلاً :

– وحشتيني الشوية دول

ابتسمت قائله :

– وانت كمان وحشتنى

أعطاها الطبق قائلاً :

– يلا بالهنا والشفا

قالت بزعل :

– مش هعرف آكل لوحدى .. أول مرة من أول جوازنا مناكلش مع بعض

ابتسم لها “عماد” قائلاً :

– معلش بأه الظروف حكمت النهاردة .. بس كلى كويس ها .. انا عارفك بتفضلى طول النهار من غير أكل ومبتكليش الا لما بتشوفينى داخل البيت

ابتسمت “سارة” قائله :

-أعمل ايه يعنى مبيجيليش نفس آكل من غيرك

نظر اليها بحب قائلاً :

– معلش عشان خاطرى كلى كويس

قالت بصوت خافت :

– حاضر

قال “عماد” هامساً :

– بحبك يا “سارة” .. بحبك أوى

خفق قلبها بشدة .. وابتسمت له عيناها قبل شفتاها

**************************************

دخلت “مريم” غرفتها لتفاجئ بـ “مراد” جالساً على فراشه وحوله خطابات “ماجد” .. كانت الخطابات موضوعه فى الحقيبة فى الدولاب .. لم تعرف أين تضعها أو ماذا تفعل بها فتركتها فى الدولاب كما هى .. اقتربت منه ونظرت الى الخطابات ثم اليه صمت قليلاً ثم نظر اليها قائلاً بهدوء :

– كنت حابب أعرف أى حاجه عنه .. كان عامل ازاى بيفكر ازاى .. كان عندى فضول أعرف .. وملقتش أدامى غير الجوابات دى تروى الفضول اللى جوايا

ثم زفر بضيق قائلاً :

– ويارتنى ما قريتهم

قالت “مريم” بهدوء :

– انت قريتهم كلهم

هز “مراد” رأسه نفياً وقال بعصبيه :

– قرأت 3 ومقدرتش أكمل

قالت “مريم” :

– ليه ؟

رفع رأسه لينظر اليها بغضب .. ففهمت أنه شعر بالغيرة عندما قرأ كلمات “ماجد” الموجهه اليها .. زفر بضيق مرة أخرى وهو يتمتم :

– أستغفر الله .. أستغفر الله

جلست “مريم” بجواره وهى تنظر الى الخطابات الملقاه بإهمال على الفراش وبينهم الدبلة الذهبية .. ثم التفتت الى “مراد” قائله :

– أنا بس مكنتش عارفه أعمل بيهم ايه فسيبتهم فى الدولاب زى ما هما

قال “مراد” دون أن ينظر اليها :

– عارف

جمعت “مريم” الخطابات لتعيدها الى الحقيبة مرة أخرى وهى تقول :

– هحاول أشوفلهم صرفه

توقفت عند خطاب مكتوب عليه بخط كبير ( الأخيـــر )

حانت من “مراد” التفاته اليها ليرى الخطاب والكلمة المكتوبه عليه .. ثم رفع رأسه لينظر اليها .. توترت “مريم” وخافت أن تجرحه فوضعت الخطاب فى الحقيبة مع باقى الخطابات .. إلا أن يد “مراد” امتدت الى الحقيبة ليخرجه مرة أخرى ويقلبه بين يديه تحت ناظريها .. صاد الصمت للحظات ثم نظر اليها قائلاً :

– عايزه تقريه ؟

شعرت “مريم” بالتوتر وقالت بسرعة :

– لأ

تفرس فيها قائلاً :

– ولا حتى من باب الفضول ؟

صمتت لا تدرى ماذا تجيب .. لم ينتظر “مراد” ردها .. أمسك بالخطاب وفتحه وأخذ يقرأه .. شعرت “مريم” بألم فى بطنها من فرط توترها .. تُرى ماذا كتب “ماجد” لها فى خطابه الأخير .. كان الفضول يقتلها .. لكنها لم ترد أن تضايق “مراد” وتطلب منه قراءة الخطاب .. لكنها فوجئت بـ “مراد” يمد يده بالخطاب اليها بعدما انتهى من قراءته .. نظرت الى يده الممدوده اليها بالخطاب بدهشه .. لكن فضولها غلبها .. أمسكت الخطاب لتجد فيه :

– “مريم” .. هذا خطابى الأخيرة من مجموعة الخطابات التى أهديتك اياها قبل وفاتى .. ان كنت تقرأين هذا الخطاب والخطابات التى سبقته إذن فأنا لست معكِ وقد فارقت هذه الحياة .. “مريم” أعلم جيداً بقوة ما كان بيننا .. لكن الحياة تستمر ولا تتوقف عند أحد .. أنا الآن مستبشر وظاناً فى ربي أننى فى مكان أفضل بكثير .. وفى درجة أعلى بكثير .. وفى نعم أحلى بكثير .. أنتِ أيضاً سترحلين يوماً ما .. فلا تضيغي تلك اللحظات وتلك الأوقات فى الحزن واللإكتئاب .. فما ضاع لن يعود .. لا تضيعي أيام عمرك سُدى .. من حقك أن تحبي مرة أخرى .. أنتِ بشر ولستِ جماداً .. ولديكِ قلب مرهف بالمشاعر والأحاسيس .. ولديك ايمان قوى وعقل ناضج .. كونى بهم أسرة تكون خير عون لكِ فى الدنيا .. وتكونين راعية لهم .. تكوين أسرة مسلمة فيه من الأجر الكبير فلا تضيعيه بالنظر الى ماضى لن يعود يوماً .. ولا تقلقى يا “مريم” فى الجنة لا يوجد حزن ولا هم ولا دموع .. فى الجنه فرح وسعادة ونعيم .. سأهنأ أنا وتهأنئين أنتى .. حتى لو لم تصبحى زوجتى فى الجنة .. فلا يمكن أن يكون ذلك سبباً فى تعاسة أى منا .. لأن فى الجنة نعيم فقط .. ما أهديتك كل الخطابات السابقة الا لتكون عوناً لكِ فى وحدتكِ على تجاوز الأزمة .. وهذا خطابي الأخير يا “مريم” وأأمل أن أكون حققت به غرضى .. طلب الأخير .. أن تحرقى كل الخطابات بما فيهم هذا الخطاب .. وتمحين صورنا معاً .. وتتخلصى من الدبلة الذهبية اتى وضعتها فى اصبعك بنفس الطريقة التى تخلصتى بها من الزهرة .. وأخيراً وليس آخراً .. أستودعكِ الله الذى لا تضيع ودائعه .. “ماجد”

ترقرقت العبرات فى عينيها بعدما انتهت من قراءة الخطاب .. طوته ووضعته فى ظرفه .. قال “مراد” وقد بدا شارداً :

– كان انسان جميل أوى

قالت “مريم” بخفوت :

– ربنا يرحمه

نظرت الى “مراد” تحاول معرفة ما يدور فى عقله .. جذبها “مراد” معانقاً اياها وقبل رأسها قائلاً :

– ربنا يخليكي ليا

أحاطته بذراعيها وقالت مبتسمه :

– ويخليك ليا

وقفا معاً فى نفس المكان الذى ألقت فيه “مريم” الزهرة .. ألقت الدبلة فى الماء ونظرت اليها وهى تغوص فيه .. ثم نظرت الى دبلة “مراد” التى تزين يدها تلمستها بأصابعها مبتسمه .. فنظر اليها “مراد” وعيناه تشعان حباً وحناناً .. فسألها فجأة :

– عمرك ما هتندمى انك اتجوزتينى ؟

نظرت اليه بسرعة قائله :

– لا طبعاً .. عمرى

سألها بإهتمام :

– عمرك ما هتحسي بالنقص معايا ؟

صمتت قليلاً ثم قالت :

– ليه أحس بالنقص ؟

شرد “مراد” قائلاً :

– أكيد كنتى طول عمرك بتتمنى انك تتجوزى راجل عادى .. طبيعي .. وعمرك ما تخيلتى انك تتجوزى واحد معاق .. دلوقتى أكيد حسه ولو 1% بالنقص وبإن فى حاجة فى حلمك ناقصه

أمسكته “مريم” من يده قائله بحنان :

– انت اللى حاسس بالنقص مش أنا يا “مراد”

ظهرت سحابة حزن فى عينيه .. وظهر فيهما القلق والتوتر .. قالت “مريم” بحزم :

– “مراد” فى مكان لازم نروحه سوا

سألها بإهتمام :

– مكان ايه ؟

جذبته من يده وتوجها الى السيارة وقالت :

– سوق وأنا أقولك

جعلته “مريم” يتوقف أمام احدى البنايات فى أحد الأحياء الهادئة .. نظر حوله قائلاً :

– جبتينا هنا ليه ؟

نظرت “مريم” الى أحد الافتات الموضوعه على احدى البنايات تتبع “مراد” نظرها ونظر الى اللافتة التى تنظر اليها والمكتوب عليها “دار رعاية للأيتام المعاقين” ..التفت بحده ينظر الى “مريم” فقالت بحزم :

– يلا ننزل

نزلت “مريم” من السيارة .. ونزل “مراد” ووقف أمامها وقال بإستغراب :

– انتى عرفتى المكان ده منين ؟

قالت “مريم” بهدوء :

– عملت ليهم شغل ديزاين قبل كده

قال “مراد” بإهتمام :

– وجايبانا هنا ليه ؟

نظرت اليه بحنان قائله :

– هتعرف دلوقتى

شبكت أصابعها فى أصابعه ودخلا معاً الى الجمعية .. توقفت أمام أحد العنابر .. نظرت الى “مراد” ترقب تعبيرات وجهه المندهشة ونظارت عينيه القلقه المتوترة .. فتحت باب العنبر وسبقته الى الداخل .. دخل “مراد” وأدار نظره فى الأسرة المرصوصة على الصفين .. كان على كل سرير طفل .. ولكن ليس كأى طفل .. هذا أحد الأطفال لديه كف واحد فقط والآخر مبتور .. وهذا طفل لديه ذراع مبتور .. وهذا طفل لديه جزء من قدمه مبتور .. وقف “مراد” ينقل بصره بين الأسره وعيناه تغشاهما العبرات وقد عقد ما بين حاجبيه بشده .. توقفت “مريم” أمام أحد الأسره وذهبت لتجلس بجوار الطفل الجالس فوقها أشارت الى “مراد” ليتقدم نحوها ففعل .. نظر “مراد” الى الطفل الذى تجلس بجواره خفق قلبه قهراً وألماً عندما نظر الى الطفل لجده بدون ذراعان .. كان الطفل يمسك كوب الماء بقدميه ويرفعه الى فمه .. قالت “مريم” للطفل وهى تحاول اخفاء تأثرها :

– ازيك يا حبيبى

قال الطفل بخجل :

– الحمد لله

سألته “مريم” :

– اسمك ايه ؟

قال الطفل مبتسماً :

– اسمي “محمد”

صاحت “مريم” :

– الله اسمك جميل أوى يا “محمد”

ابتسم الطفل وأطرق رأسه بخجل .. مسحت على رأسه قائله :

– عندك كم سنة يا “محمد” ؟

رفع 4 أصابع من قدمه .. فقالت “مريم” :

– وكمان بتعرف تعد .. ده انت شطور أوى يا “محمد”

شعر الطفل بالسعادة وهو يسمع الى كلمات “مريم” المشجعه .. جلس “مراد” بجوار الطفل ونظر اليه قائلاً :

– تعرف ان أنا نفسي أسمى ابنك على اسمك

قال الطفل مبتسماً :

– انت عندك ابن ؟

قال له “مراد” مبتسماً :

– هيبقى عندى ان شاء الله

قال الطفل :

– هتسميه “محمد” زيى ؟

ابتسم له “مراد” قائلاً :

– أيوة هسميه “محمد” زيك

قال الطفل عابساً :

– بس مش هيرضى يلعب معايا عشان أنا معنديش ايدين

شعر “مراد” بالألم لكلماته .. فقال له :

– لا هيرضى يلعب معاك متخفش

ثم أشار الى قدمه قائلاً :

– مش انت بتقدر تعمل كل حاجه برجلك

قال الطفل بحماس :

– أيوة .. بعرف آكل وأشرب وألعب كمان

قال له “مراد” مبتسماً :

– خلاص يبأه مفيش مشكلة وهتعرفوا تلعبوا مع بعض

ابتسم الطفل وقال :

– خلاص يا عمو أنا هستناه لما يكبر عشان ألعب معاه

مسح “مراد” على رأسه وانحنى ليقبل رأسه .. مسحت “مريم” على وجنته قائله :

– احنا هنمشى دلوقتى يا “محمد” بس هنجيلك تانى .. ماشى

أومأ برأسه قائلاً :

– ماشى

لوح لهما بقدمه مودعاً .. و “مريم” تلوح له هى و “مراد” .. خرجا خارج العنبر وكادت أن تتوجه “مريم” الى باب الخروج فقال لها “مراد” :

– استنى

سأل أحد العاملين عن مكتب المدير .. توجه اليه و شكره على اهتمامه برعاية مثل هؤلاء الأطفال اللذين هم فى أمس الحاجة للرعاية بعدما فقدوا أبويهم وعانوا من مرارة اليتم قبل مرارة الإعاقة .. قدم اليه “مراد” شيكاً بمبلغ كبير تبرعاً منه لهؤلاء الأطفال .. شد المدير على يده يشكره على صنيعه .. خرج “مراد” مع “مريم” من الدار وفتحت باب السيارة لتركب لكنه أوقفها وأغلق الباب وقبل يدها ورأسها ونظر اليها يحتويها بعينيه .. ابتسمت “مريم” له دون أن تتحدث .. فتحدث هو قائلاً :

– الحمد لله

قالت “مريم” :

– من قلبك ؟

ابتسم قائلاً :

– من قلبي

قالت وهى تنظر اليه بحب :

– ماشى يا أبو “محمد”

سألها قائلاً :

– يعني موافقة ؟

قالت :

– طبعا موافقه أنا كمان بحب الاسم ده

غاص فى بحر عينيها قائلاً بتأثر :

– مش عارف من غيرك كانت هتبقى حياتى عامله ازاى .. انتى غيرتيني يا “مريم” .. خلتيني “مراد” تانى .. بس اوعى تهمليني فى يوم من الأيام لانى دايماً هفضل محتاجلك جمبي .. ايدك فى ايدي

أمسك كفيها بين كفيه .. نظرت اليه بحنان قائله :

– انت كمان غيرتنى يا “مراد” وخلتنى “مريم” تانية .. ومش عايزاك تبعد عنى لحظة لانى مبحسش بالأمان غير لما بكون جمبك .. وايدي فى ايدك

ضغطت بيدها على يده برفق فتشبث بهما بقوة

احتواها بعينيه قائلاً :

– بحبك يا مريومتى

احتوته بعينيها وقالت مبتسمه :

– بحبك يا مرادى

ابتسم لها وتطلع اليها فى حنان .. بحثت “مريم” فى عينيه عن القلق والخوف والحزن والألم لكنها لم تجد لهم أثراً .. لم تجد إلا الحــب .. الحــب فقط.

… تمــت بحمــد الله …

 

عرض التعليقات (12)