قصة المتكبر وبائعة السمن
قصة المتكبر وبائعة السمن
بيوم من الأيام كان هناك رجل بسوق المدينة يتجول بمنتهى التكبر والتفاخر بين عامة الناس، وبينما كان يسير مرت بجواره سيدة بسيطة للغاية تبيع السمن، اتجه نحوها وسألها قائلا: “ماذا تبيعين أيتها المرأة؟”.
فأجابته قائلة: “إنني أبيع السمن يا سيدي”.
وما خرج منه أنه أرادها أن تريه سمنها ليشتريه منها، وأثناء محاولة المسكينة في إنزال وعاء السمن من على رأسها تساقط منه بضعة قطيرات على ثوب الرجل المتكبر، فصاح بعلو صوتها بنبرة مليئة بالغضب والحنق الشديدين على السيدة المسكينة التي لم تخطأ في حقه على الإطلاق، كل ما فعلته أنها كانت سببا في اتساخ ثوبه الثمين.
الرجل مهددا ومنذرا بأنه لن يبرح مكانه إلا إن أعطته السيدة المسكينة ثمن الثوب، شرعت السيدة المسكينة ترجوه وتتوسل إليه أن يعفو ويصفح عنها، ولكن توسلها لم يزيده إلا إصرارا واستكبارا، وعندما أيقنت أن لا مفر منه سألته قائلة: “وما ثمنه يا سيدي؟”.
أجابها بكل جبروت وصوت يملأه التعالي: “ثمنه ألف دينار”.
كادت المرأة تفقد اتزانها من كثرة الدهشة التي ألمت بها، وقالت: “ومن أين لي أن أعطيك ثمنه وأنا لا أملك حتى ربعه ما تقول عليه؟!”
الرجل بقسوة: “وما شأني بذلك، أنتِ أخطأتِ وعليكِ إصلاح خطؤكِ”.
سالت الدموع من عينيها من قلة حيلتها، واستكملت حالها برجائه أن يعفو ويصفح عنها، ولكن هيهات هيهات وبعدا ما زاده رجائها إلا علو واستكبارا؛ كان هناك شاب يتابع الموقف من بدايته وأول ما سالت دموع المرأة المسكينة لم يتمكن من رؤيتها بهذه الحالة، فهم مسرعا واستوقف الرجل قائلا: “أنا سأدفع لك الألف دينار”.
وأخرج من جيبه ألف دينار وأعطاها إياه، رسمت على وجه الرجل ابتسامة الانتصار، وكان متلهفا أثناء عده للنقود، وحالما انتهى انصرف مسرعا في طريقه، ولكن الشاب استوقفه قائلا: “تمهل أيها الرجل، ألم تأخذ المال لقاء الثوب؟!”
الرجل رد قائلا: “نعم”.
الشاب: “إننا أعطيناك ثمن الثوب، فكيف يعقل أنك لا تعطينا ما أعطيناك ثمنه، أمن الطبيعي أن تأخذه وترحل؟!”
الرجل: “أعطيك الثوب وأسير عاريا؟!”
الشاب: “نعم، وما هي مشكلتي في ذلك؟”
الرجل: “وهل يعقل أن أسير عاريا وسط كل هذه الحشود؟!”
الشاب: “وما ذنبي في ذلك، طلبت النقود مقابل الثوب وأعطيناك، إذا أين الثوب الذي دفعنا المال لقاءه؟”
الرجل: “وماذا ستفعل إن لم أعطكَ الثوب يا هذا؟!”
الشاب: “تعطنا المال لقائه”.
الرجل: “أتقصد الأف دينار؟!”
الشاب: “بالتأكيد لا، تعطينا المال الذي نريد مقابله”.
الرجل بعدم رضا: “وكم تريد؟!”
الشاب: “إنني أبيعه لكَ بألفي دينار”.
الرجل في تعجب ودهشة: “ماذا تقول؟!، ألا تلاحظ أن الثمن الذي تضعه كثير وكثير للغاية، أتريد أن تفضح أمري أمام كل هؤلاء الناس؟!”
الشاب في ذهول من أمر الرجل: “ألا تدري أنك فعلت نفس الشيء مع تلك السيدة المسكينة من لحظات قليلة؟!، ألم تفتضح أمرها أمام كل الناس؟!”
الرجل: “ولكن هذا ظلم وظلم بين”.
الشاب: “أتعرف للظلم معنى؟!، والذي فعلته مع السيدة أكان عدلا وإنصافا؟!”
شعر الرجل بالضيق والحزن الشديد بقلبه، لقد أدرك خطأه الذي ارتكب حيث كان الشاب سببا في تعلمه الدرس أخيرا، فدمعت عيناه من خشية الله سبحانه وتعالى، وعلى الفور رد المال إلى الشاب، وبحث عن المرأة بائعة السمن، وأول ما وجدها اعتذر لها عن كل ما فعله معها.
العبرة من القصة:
من تواضع لله رفعه، ومن تكبر أذله الله سبحانه وتعالى.
جميعنا خلقنا من نطفة، أما عن أصلنا فهو الطين؛ ثيابنا التي تدعو للتفاخر آتية من دودة؛ أما عن أشهى المأكولات التي نتلذذ بها فتأتي من نحلة صغيرة؛ ومنتهانا جميعا تحت التراب، فلا أدري علام يتكبر الإنسان على أخيه الإنسان؟!
……… منقولة