قصة التاريخ الهجري
قصة التاريخ الهجري
إذا قامت الدنيا تَعُدُّ مفَاخِرا
فتاريخُنا الوضَّاءُ مِن الهجرةِ ابتدا
كانت العرب قبل بعثة النبي -صلى الله عليه وسلم- تعظم الأشهر الحُرم، وهي : (ذو القعدة، وذو الحجة، والمحرَّم، ورجب) ، حتى في زمن شركهم وجاهليتهم ، وهذا من بقايا وحي السماء الذي توارثوه عن كل من : نبي الله إبراهيم وولده إسماعيل -عليهما السلام- ، اللذان كانا يؤرخان بالقمر.
ومما يؤكد ذلك : أن جميع التكاليف الشرعية قد ربطها الشارع الحكيم بالأهلة.
وكان العرب قبل الإسلام وبعده يؤرخون بأبرز الأحداث ؛ كبناء الكعبة وعام الفيل وحرب الفُجَّار .
ثم اختار الصحابة بعد ذلك شهر الله المحرم كبداية للسنة ، لأنه يأتي بعد انتهاء موسم الحج .
– قال الحافظ ابن كثير -رحمه الله- :
«اتفق الصحابة -رضي الله عنهم- في سنة ست عشرة وقيل: سنة سبع عشرة أو ثماني عشرة في الدولة العمرية على جعل ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وذلك : أن أمير المؤمنين عمر -رضي الله عنه- ، رفع إليه صك، أي حجة لرجل على آخر، وفيه أنه يحل عليه في شعبان، فقال عمر: أي شعبان؟ أشعبان هذه السنة التي نحن فيها، أو السنة الماضية، أو الآتية؟ ، ثم جمع الصحابة فاستشارهم في وضع تأريخ يتعرفون به حلول الديون، وغير ذلك، فقال قائل: أرخوا كتاريخ الفرس. فكره ذلك، وكانت الفرس يؤرخون بملوكهم واحدا بعد واحد. وقال قائل: أرخوا بتاريخ الروم، فكره ذلك. وقال آخرون: أرخوا بمولد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- . وقال آخرون: بل بمبعثه. وقال آخرون: بل بهجرته. وقال آخرون: بل بوفاته -عليه السلام- . فمال عمر -رضي الله عنه- إلى التأريخ بالهجرة لظهوره واشتهاره واتفقوا معه على ذلك.
ولم يؤرخوا بالمبعثِ؛ لأنَّ في وقتِه خلافًا، ولا مِن وفاة النبي -صلى الله عليه وسلم- ؛ لما في تذكُّرِ ذلك مِن التَّألُمِ، ولا مِن وقتِ قدومِه المدينةَ, وإنما جعلوه مِن أولِ المحرمِ؛ لأنَّ ابتداءَ العزمِ على الهجرةِ كان فيه, إذ البيعةُ كانت في ذي الحجة, وهي مقدمةٌ لها, وأولُ هلالٍ هَلَّ بعدها المحرمُ؛ ولأنه مُنصرَفُ الناسِ مِن حجِهم؛ فناسبَ جعْلُه مبتدًأ .
[فتح الباري] .
– وقال البخاري في «صحيحه»: التاريخ ومتى أرخوا التاريخ :
«حدثنا عبد الله بن مسلمة، ثنا عبد العزيز، عن أبيه، عن سهل بن سعد، قال:
ما عدُّوا مِن مَبعث النبي -صلى الله عليه وسلم- ، ولا مِن وفاته، ما عدُّوا إلا من مقدمه المدينة» .
[رواه البخاري] .
– وقال الإمامُ ابن الأثير -رحمه الله- :
«وسبب ذلك أن أبا موسى الأشعري كتب إلى عمر أنه يأتينا منك كتب ليس لها تأريخ، فجمَع عمرٌ -رضي الله عنه- الناسَ للمشورةِ، فقال بعضُهم: أرِّخْ بمبعثِ النبي -صلى الله عليه وسلم- ، وقال بعضُهم بمُهَاجرِه، فقال عمر -رضي الله عنه- : بل نُؤرِّخ بمهَاجَرِ رسولِ الله، فإنَّ مُهاجرَه فرَّق بين الحقِ والباطلِ» .
[الكامل في التاريخ] .
– وقال أبو داود الطيالسي :
وعن محمد بن سيرين قال:
قام رجل إلى عمر فقال: أرخوا .. فقال: ما أرخوا؟! فقال: شيء تفعله الأعاجم يكتبون: في شهر كذا من سنة كذا.. فقال عمر: حسن فأرخوا .. فقالوا: من أي السنين نبدأ ؟.. فقالوا: من مبعثه.. وقالوا: من وفاته.. ثم أجمعوا على الهجرة، ثم قالوا: وأي الشهور نبدأ؟.. فقالوا: رمضان.. ثم قالوا: المحرم ؛ فهو منصرف الناس من حجهم وهو شهر حرام.. فاجتمعوا على المحرم».
– قال الحافظُ ابنُ كثير -رحمه الله- :
«والمقصود أنهم جعلوا ابتداء التاريخ الإسلامي من سنة الهجرة، وجعلوا أولها من المحرم، فيما اشتهر عنهم، وهذا هو قول جمهور الأئمة» .
[البداية والنهاية] .
فالصحابة حين أرخوا اعتمدوا سنة الهجرة كبداية ، ولم يعتمدوا الشهر أو اليوم الذي هاجر فيه الرسول -صلى الله عليه وسلم- كما يظن أكثر الناس اليوم .
ولا يعني هذا -أيها المسلمون- إقامةُ الإحتفالات ببداية العام الهجري، فإنَّ اعتماد شهر (محرم) أول السنة الهجرية كان اجتهادا من الصحابة -رضي الله عنهم- ، ولا يعني -أيضا- تخصيصَ آخرِه بعبادةٍ من العبادات، كصلاةٍ أو صومٍ أو صدقةٍ، ونحو ذلك! فلم يذكر عنهم -رضي الله عنهم- أنهم خصوه بعبادة معينة أو جعلوا آخر يوم من ذي الحجة له ميزة معينة ، وقد قال -صلى الله عليه وسلم- :
«إِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلاَلَةٌ» .
صححه الألباني .
والله تعالى أعلم ..
☆وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين☆