مزرعه الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الرابع
مزرعه الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الرابع
البارت الثامن
جلس “عمر” على شرفة الفيلا واجماً , أقبلت “كريمة” وتطلعت الى ابنها الساكن , اقتربت منه ووضعت كفها على كتفه , فإنتبه “عمر” لوجودها وأمسك يدها وقبلها وابتسم لها , بادلته أمه الإبتسامه وجلست على المقعد المجاور له قائله :
– مالك يا “عمر” شكلك مش عاجبنى من ساعة ما رجعت انت و “نانسي” من شرم .. حصل حاجة يا ابنى ؟ .. قولى احكيلي .. أنا أمك ويمكن أقدر أساعدك
– لا أبداً يا أمي مفيش حاجة
– “عمر” انت طول عمرك صريح معايا , مش عايز تقولى مالك خلاص هحترم رغبتك لكن ما تكدبش عليا
شعر بالحرج من كلامها واعتذر اليها قائلاً :
– آسف يا أمى بس مضايق شوية
– من “نانسي” ؟
– لا مش من “نانسي” .. من تصرفات “نانسي”
– فزورة دى ولا ايه ؟
– لا مش فزورة .. “نانسي” اتربت تربية مختلفة عنى شوية .. وده لأن أصلاً أهلها مختلفين عنك وعن بابا .. ادوها حرية بدون حدود او قيود .. ويمكن كانت فاكرة عشان أنا راجل وغني يبقى مفيش عندى خطوط حمرا .. بس أنا بحاول أطبعها بطبعي بس شكلها هتتعبنى شوية
– فكرت كريمه فى كلامه ثم قالت : “عمر” انت لسه على البر , يعني لو شايف ان “نانسي” …….
قاطعها “عمر” قائلاً :
– ماما أنا بحب “نانسي” ومش هسيبها .. وبعدين أنا واثق انها تقدر تتغير للأحسن وتقدر تتنازل عن الحاجات اللى بتضايقني .. لأنها بتحبني .. وطالما بتحبنى يبأه هتحاول على أد ما تقدر انها ترضيني زى ما أنا بحاول أرضيها .. هى بس مشكلتها مدلعة شويتين تلاته ومش واخدة على ان حد يوقلها اعملى كذا وما تعمليش كذا .. بس بكرة تتعود وتفهم يعني ايه جواز ومسؤوليه
– انت أدرى بمصلحتك يا ابنى .. وأنا من جهتى مش هبطل الدعوة اللى بدعيهالك ليل ونهار وفى صلاتى وفى كل وقت ( ربنا يحميك وينورلك بصيرتك ويكفيك شر ولاد الحرام)
*******************
– ده انسان لا يُطاق
هتفت “نانسي” بهذه العبارة فى غضب بعدما قصت على “نادين” ما حدث بينها وبين “عمر” فى شرم ..
– تمتمت “نادين” قائله : مضطرين نستحمله
نظرت “نانسي” اليها وقالت فى عصبيه :
– لا أنا مش مضطرة أستحمل أى حاجة .. مستحيل أتجوز بني آدم متخلف وعديم الذوق بالشكل ده , نفسي أفهم ازاى ده واحد المفروض انه من أرقى عائلات مصر.. ده ابن رئيس الخدم بتاعنا متحضر عن اللى اسمه “عمر” ده
قالت “نادين” فى برود :
– بس ابن رئيس الخدم بتاعنا مش هيقدر ينقذنا من ورطتنا .. مفيش حد غير “عمر” يقدر يلحقنا قبل ما نتفضح أدام الناس
– استعادت “نانسي” بعض هدوءها بعدما تنبهت لمشكلتهم الأساسية و قالت بتأفف:
– طيب أعمل ايه دلوقتى من ساعة ما رجعنا مكلمنيش وقبل ما نرجع يدوب قالى كلمتين بالعافية
ألتقطت “نادين” هاتف “نانسي” وناولتها اياه قائله :
-اتصلى بيه انتِ .. متستنيش اتصاله .. اعتذريله .. وصلحى الموقف بكلمتين حلوين .. واياكِ ثم اياكِ تحصل مشكلة تانية .. خلى الموضوع يعدى على خير لأن شكل “عمر” مش سهل أبداً .. ثم أردفت بسخرية :
– فالحة بس تقوليلى ده زى الخاتم فى صباعى يا مامى
أمسكت “نانسي” هاتفها متبرمة واتصلت به
***************
تررررن تررررن تررررن
أخرج عمر هاتفه من جيبه وارتسمت ابتسامه صغيره على محياه عندما رأى أن المتصل “نانسي” .. ابتسمت “كريمة” لابتسامة ابنها وعرفت المتصل دون أن تنظر الى الهاتف , ربتت على كتفه وغادرت فى صمت
– “عمر” وهو يتصنع الجديه : ألو
– “نانسي” بصوت ناعم : ألــــو
ثم صمت كلاهما .. تكلمت “نانسي” أخيراً وقالت :
– وحشتنى أوى
اتسعت ابتسامة “عمر” ولكنه صمت ولم يتفوه ببنت شفه
– قالت له بنبره مستكينه : أتا عارفه انك زعلان منى .. أنا فعلاً غلطت .. ومهنش عليا تنام وانت زعلان منى .. أنا آسفة يا حبيبي
اتسعت ابتسامته أكثر ولمعت عيناه لكنه ظل محتفظاً بنبرته الجادة وقال لها :
– آسفة على ايه بالظبط ؟
– انت كان معاك حق .. ما ينفعش بعد ما اتخطبتلك انى أستمر بنفس الطريقة اللى كنت بتعامل بيها قبل الخطوبة مع صحابي .. عشان دلوقتى أنا بتاعتك انت وبس
لم يستطع “عمر” الاستمرار فى التظاهر وهمس قائلاً :
– وانتِ كمان وحشتيني أوى
ارتسمت ابتسامة خبيثة على شفتيها وأطلقت نفساً عميقاً فقد استطاعت احتواء المشكلة وعاد لها “عمر” كما كان
***************
كانت “ريهام” تجلس ساهمة على فراشها ولم تشعر بـ “ياسمين” وهى تفتح باب الغرفة وتدخل وتغلقه خلفها , لاحظت “ياسمين” شرود أختها فسألتها :
– فى حاجة يا “ريهام” ؟
لم تجبها “ريهام” بل لم تسمعها أصلاً , فنادتها “ياسمين” بصوت أعلى :
– “ريهام” .. “ريهام”
– هه .. بتنادى ؟
– بنادى ؟ .. ايه يا بنتى فين عقلك ؟
– مفيش أصلى بفكر فى مشكلة واحدة صحبتى
– مشكلة ايه ؟
توجهت “ياسمين” اليها وجليت بجوارها على السرير .. شعرت “ياسمين” بأن المشكلة خاصة بـ “ريهام” وليس بصديقتها كما ادعت , لكنها لم تُفصح عما يدور فى عقلها لتتركها تتحدث بحرية
– ها .. ايه بأه يا ستى مشكلة صحبتك ؟
اعتدلت “ريهام” فى جلستها ووضعت يديها فى حجرها وفركتهما بتوتر وقالت :
– بصى هى حكتلى المشكلة دى وأنا معرفتش أرد عليها فقولت أحكيلك انتِ .. لأنك أختى الكبيرة وأنا بثق فى نصايحك يا “ياسمين”
مررت “ياسمين” كفها على شعر أختها فى حنان وقال لها :
– قولى يا حبيبتى سمعاكِ
– فى واحد معانا فى الجامعة فى نفس الكلية بتاعتنا وفى نفس السنة .. يعني تقدرى تقولى انه .. يعني .. بيحب صحبتى دى
سكتت “ياسمين” قليلاً ثم قالت :
– يعني ايه بيحبها ؟
– نظرت اليها “ريهام” بإستغراب قائلة : مالك يا “ياسمين” هى فيزيا .. بيحبها يعني بيحبها
– ايوة يعني ايه بيحبها .. ايه اللى هو عمله وهى فسرته انه حب
– بصراحة هو قالهالها بطريقة مباشرة
شعرت “ياسمين” ببعض القلق لكنها سيطرت على ردود أفعالها :
– وهى بتتكلم معاه فين ؟
– لا .. هى مش بتتكلم معاه خالص .. هو وقفها بس كذا مرة فى الجامعة وقالها الكلام ده .. بس هى لا بتخرج معاه ولا بتقعد معاه لا فى الجامعة ولا بره الجامعة ولا مدياله ريق حلو أصلاً
شعرت “ياسمين” بالإرتياح , سألتها قائله :
– طيب فين المشكلة تحديداً ؟
– المشكلة انها بتصده جامد لأنه طبعا عايز نظام خروج وموبايلات وكدة يعني .. زى أى اتنين بيحبوا بعض
– طيب طالما بيحبها زى ما بتقولى ليه ما يتقدملهاش وكل ده يبقى فى النور
قالت “ريهام” بإحباط : أبوه السبب .. مش راضى يخطبله قبل ما يخلص دراسته وياخد شهادته
– طيب برده يا “ريهام” معرفتش فين المشكلة
– المشكلة انها مضايقة يا “ياسمين” وحسه انها بتظلمه , يعني هو بيحبها وأكيد بيحب يكلمها يعني غصب عنه عشان بتوحشه , وهى آخر مرة صدته جامد أوى وقالتله كلام صعب وهو أكيد زعل منها ..
وقصت عليها “ريهام” تفاصيل آخر حوار لها مع “معتز” .. ثم قالت :
– يعني فيها ايه لو كانت استجابت لكلامه .. يعني هو مش عايز حاجة وحشة هو كل اللى طلبه انه يطمن عليها بالتليفون كل فترة بكل احترام مش أكتر من كدة , هو ممكن يفهم صدها له ان هى مش عايزاه فيصرف نظر عنها
– طيب هو وبتقولى بيحبها .. طيب هى مشاعرها ايه ناحيته ؟
– بصراحة هى حسه انها معجبه بيه جداً وشكلها كده بتحبه
صمتت “ياسمين” قليلاً لتفكر جيداُ فيما ستقوله ,, فهى تعلم الآن أن الشيطان يلعب فى رأس أختها , قالت بعد تفكير :
– يعني هو بيحبها وهى بتحبه .. طيب قوليلى يا “ريهام” مين الوحيد اللى فى ايده انه يجمع بينهم أو يفرق بينهم ؟
– قالت “ريهام” فوراً : ربنا
جميل .. يعني هى عايزه الولد ده وبتحبه واللى فى ايده انه يجمع بينها وبينه هو ربنا .. طيب انتِ لما بتعوزى حاجة من ماما أو من بابا بتعملى ايه ؟
– مش فاهمة
– يعني أما بتعوزى تخرجى , أو تزورى صحبتك , أو لما بتعوزى فلوس , أو لبس جديد .. بتحاولى تراضى بابا وتكوني مطيعة ليه وتسترضيه وبعدين تطلبي طلبك , ولا بتغضبيه وتضايقيه منك وبعدين تطلبي اللي انتِ عايزاه ؟
– أكيد بطيعه وأرضيه عشان يرضى يعملى اللى أنا عايزاه
– هى عايزه من ربنا اللى فى ايده قلبه وقلبها انه يجمع بينهم , ازاى بأه عايزه تعصيه وبأى وش هتقدر تطلب منه وتدعوه يحققلها طلبها وهى مخلياه غضبان منها
تسللت علامات الارتياح على وجه “ريهام” وابتسمت ابتسامة كبيرة وحضنت أختها ثم قالت :
– معاكِ حق يا “ياسمين” .. الى هى عملته هو الصح , ربنا ما يحرمني منك يا أحلى “سمسمة” فى الدنيا
استسلمت “ريهام” للنوم أخيراً , فلقد اطمئن قلبها أن ما فعلته هو الصواب , أغمضت عينيها وقبل أن تغوص فى سبات عميق تمتمت قائله :
-يارب لو هو خير ليا قربنا من بعض فى الحلال ولو هو شر ليا متعلقش قلبي بيه.
البارت التاسع
– معقولة .. يعني عايزة تفهميني انك لحد دلوقتى محبتيهوش ؟!
خرج هذا السؤال من فم “سماح” صديقة “ياسمين” وهى تجلس معها على سريرها فى غرفتها .. فلقد اعتادت الصديقتان على التزاور من فترة لأخرى فكل منهما تمثل للأخرى الأخت والصديقة المخلصة
– بصي بصراحة مشاعرى حيادية .. يعني أيوة مش بحبه بس برده مش بكرهه .. هو انسان كويس ومشتفش منه حاجة وحشة ومناسب ليا
– أمال بأه خايفة ليه ؟
– تنهدت “ياسمين” قائلة : عشان معدش فاضل على الفرح غير اسبوعين بس .. حسه ان فترة الخطوبة كانت قصيرة أوى , حسه انى لسه ما أعرفوش ولسه مش قادرة أفهمه أو أكون رأى واضح فى شخصيته .. مش متخيله ان بعد اسبوعين بالظبط هيتقفل عليا أنا وهو باب واحد
– بسيطة قولى لباباكِ انك مش عايزة تتجوزي دلوقتى وانك محتاجه فترة خطوبة أطول
تنهدت مرة أخرى فى حسرة قائلة :
– للأسف بابا مصر ان الفرح يكون فى معاده ومش شايف أى معنى لكلامي ولا مديه أى أهمية , بيقولى هتبقى تعرفيه بعد الجواز
– قالت “سماح” بإستغراب : منطق عجيب
بالطبع يجب أن تتعجب “سماح” من تفكير والد “ياسمين” لأنها تربت فى بيئة مختلفة عن تلك التى تربت فيها “ياسمين” .. “سماح” هى ابنة لتاجر كبير يعمل فى مجال التصنيع يملك مصنعاً لإنتاج المربي والعصائر , ووالدتها دكتورة نسا ناحجة ومشهورة .. رغم اختلاف المستوى الإجتماعى للفتاتين لكن هذا لم يمنع خيوط الصداقة من أن تمتد بينهما وتتحول تلك الخيوط مع الأيام والسنون الى روابط متينة لا تنقطع أبداً .. ولربما ساعد فى ذلك أن أسرة “سماح” كانت أسرة طيبة ومحترمة , لم يكن كل اهتمام والداها منصب على المادة وتوفير المستوى اللائق لإبنتهما بل اهتما أيضاً بالجانب التربوى وبث الأخلاق والفضائل فيها ولم يترك لها الحبل على الغارب ككثير ممن تراهم من هذه الطبقة.
– قالت “ياسمن” لصديقتها فى حزن : ياريت كان عندى أب يسمعني ويفهمني ويعبر اعتبار لرأيي ولكلامي خاصة فى الحاجات اللى تخصني .. زى باباكِ يا “سماح” ما شاء الله عليه ربنا يحفظهولك عرف ازاى يكسبك ويصاحبك عشان كدة انتوا دايماً متفاهمين مع بعض وعشان كدة انتِ مستغربة من تفكير بابا
– قالت “سماح” وهى تحاول التخفيف على صديقتها : بصي ارمي حمولك على ربنا وإن شاء الله ربنا يقدملك اللى فيه الخير .. المهم ما تبطليش استخارة لحد معاد الفرح
– “ياسمين” فى استسلام : حاضر.
=============
عبرت “ريهام” بوابة الكلية عائدة الى منزلها بعد انتهاء يومها الدراسي فى الجامعة .. لم تنتبه لتلك العينان اللتان تتابعانها من مكان قريب.
وقت “معتز” مع صديقٍ له يتابعها بعينيه حتى اختفت عن الأنظار
– ضحك صديقة بسخرية قائلاً : آه من الحب وعذابه
– التفت اليه “معتز” قائلاً : حب ايه يله انت عبيط
– لا بس البت دى جامدة أوى يا برنس اديتك دوش بارد انما ايه اللى هو ورجعتك وانت أفاك يقمر عيش
– قال “معتز” محتداً : ما عاشت ولا كانت اللى تعمل كدة فى “معتز” .. ده أنا أطلعه عليها وعلى اللى خلفوها كمان
– يا عم روح وانت بق على الفاضي
– قال “معتز” وقد ازدادت حدة انفعاله : بق ! .. طيب هتشوف البق ده هيعمل ايه في بنت التييييييييييت دي
– هتعمل ايه يعني هتضربها على ايدها وتقولها كده كخ متعمليش كدة تانى ؟
– هضربها آه .. بس مش على ايدها .. على نفوخها . عشان تفوق وتعرف ان مش أنا اللى حتت بت تيييييييييت تعاملنى المعاملة دى .. مش هى راسمة دور ست خاضرة وقالتلى انى فى نظرها فى سابع أرض .. أهو أنا بأة وبجوز جنيهات هنزلها معايا لسابع أرض
– سأله صديقه وقد بانت على ملامحه علامات الاستمتاع : ازاى يعني هتعمل ايه ؟
– بكرة تشوف يا معلم
– أمتعز أحبيبي
=====================
كانت ليلة هادئة تلتمع فيها بعض النجمات على استحياء حينما توقفت سيارة “عمر” الجيب فى احدى المناطق الهادئة على كورنيش المقطم .. نزل ورفيقت لينعما بجمال المنظر وبالسكون من حولهما , استندا بظهريهما الى السيارة ولف “عمر” ذراعه حول كتفيها يضمها الى صدره.. ثم نظر اليها وهو يبتسم فى صمت .. تطلعت اليه “نانسي” قائله :
– مالك .. مبسوط ليه ؟
– يعني مش عارفه ؟
– لأ مش عارفه
– مبسوط عشان من يوم ما رجعنا من شرم وانتِ بقيتي “نانسي” تانية وبطلتى تعملى الحاجات اللى تضايقني .. خاصة لبسك
– يعني عجبك لبسي دلوقتى
– قال “عمر” فى تردد : أحسن كتير عن الأول .. بس .. يعني .. برده لسه
شعرت “نانسي” بالغضب وهو يبدأ فى الإشتعال بداخلها , فهى ومنذ خلافهما الأخير لم ترتدى شئ مكشوف رغم عشقها لفساتينها وتنوراتها القصيرة .. فكانت تظهر أمامه دائماً ببناطيل جينز و اسكيني وعليها شيميز أو توب ذو أكمام طويلة .. كانت تشعر بالضيق والإختناق من الإلتزام بهذه النوعية من الملابس فهى تحب التنويع ولا تحسب السير على وتيرة واحدة .. لكنها فى نفس الوقت كانت حريصة ألا يحدث بينهما خلاف آخر
– قالت له فجأة : “عمر” انت ما بتحبنيش
– اندهش قائلاً : ليه بتقولى كدة ؟!
– قالت فى دلال معاتبه اياه : عشان اللى بيحب حد بيحب يشوفه كل يوم وكل ساعة وما يفترقش عنه أبداً
– أزاح بيده خصلات شعرها الذهبية التى تساقطت على جبهتها فى حنان قائلاً :
– ومين قال انى مش عايز كدة
– قالت بحزن مفتعل : عشان لحد دلوقتى محددتش معاد الفرح , رغم انك قولتلى ان خطوبتنا مش هتطول
– قال لها فى جدية : أنا آسف يا حبيبتى بس فعلاً الفترة اللى فاتت كان عندى ضغط كبير فى الشغل .. بس خلاص هانت
– طيب متيجي نحدد المعاد دلوقتى
– ضحك قائلاً : ده انتِ واقعة أوى
تظاهرت “نانسي” بالغضب مما قال وأزاحت ذراعه التى تحيط بكتفيها وهمت بأن تتركه وتبتعد عنه , لكن “عمر” لم يفسح لها المجالى وجذبها من ذراعها الى حضنه مرةأخرى قائلاً :
– شهرين كويس ؟
– حاولت رسم علامات الفرح على وجهها وقالت : بجد يا “عمر”
– نظر اليها فى حب قائلاً : أيوة بجد .. شهرين وتكونى مراتى
– عانقته وقالت : يا حبيبي أهو أنا دلوقتى اتأكدت ان انت فعلاً بتحبني
– عاتبها قائلاً : هو انتِ كنتى لحد دلوقتى متأكدتيش
– نظرت اليه وقالت فى دلع وهى تلف ذراعيها حول عنقه : كنت متأكده بس كنت عايزة أتأكد أكتر
– طب تفتكرى عندك فى البيت هيكون فى أى اعتراض على المعاد ؟
قال لنفسها ( يعترضوا ايه بس دول هيغمى عليهم من الفرحه )
– لا يا حبيبى ما اعتقدش يعارضوا وحتى لو حد اعترض أنا هقفلهم
– قال لها “عمر” بعتاب : لا يا حبيبتى ما ينفعش تتحدى أهلك كدة وتقفى أدامهم .. لو حصل واعترضوا أنا اللى هتفاهم معاهم .
==========
دخلت “نانسي” الى غرفتها بعدما أخبرت “نادين” بتلك البشري التى استقبلتها بفرحة عارمة
– أنا كل ما أقوله آه . يقولى هو لأ . يجرحنى وأقوله آه . يقولى برده لأ . لأ لأ لأ
التقطت “نانسي” هاتفها وردت على المتصل قائله :
– “عماد” ازيك
– أهلاً بالناس الوحشة
– ضحكت قائلة : أنا وحشة ؟ .. ده انت ما بتشوفش بأه
– هو أنا عارف أشوفك انتِ فين غطسانه فين من يوم الموقف الزباله بتاع شرم مشفتكيش ولا اللى بتتخطب اليومين دول بيحبسوها فى بيتها
– قالت “نانسي” فى حزن : والله وحشنى أوى وكل الجروب وحشونى أوى ازي “أنور” و “مهاب” و “خالد” و “جيرمين” .. كلهم وحشونى
– واضح أوى اننا وحشينك بدليل ان سيادتك بتسألى وبتعبرى
– أوف .. أعمل ايه يعني “عمر” مش حابب انى أروح الديسكو خالص وانتوا ما بتتقابلوش غير هناك
– تعالت ضحكاته قائلاً : أمال عايزانا نتقابل فين .. فى الجامع .. وبعدين استنى هنا من امتى حد بيمشى كلامه على “نانسي”
– قالت بحده واستعلاء : محدش يقدر يمشي كلامه عليا يا “عماد”
– ما هو واضح أهو .. قالك ما تروحيش الديسكو يا “نانسي” وانتِ قولتيله حاضر يا سي “عمر” اللى تشوفه .. ده حتى لبسك سمعت انك بقيتي عاملة زى ستى الحاجة .. بس تعرفي مش لايق عليكِ دور أمينة ده خالص
– غضبت “نانسي” قائله : “عماد” ما تستفزنيش
– اسكتى بأه ده انتِ طلعتى فشنك وأنا اللى كنت فاكرك شخصية
– أنا شخصية غصب عنك وعن الكل
– طيب اثبتيلى
– قالت بإندفاع : انتوا هتروحوا امتى ؟
شعر “عماد” بالسعادة لأنه استطاع تحقيق هدفه , قال لها :
– شويه وهنكون هناك
– خلاص استنونى عشان أنا جايه النهاردة
-ضحك “عماد” بصوت عالٍ قائلاً : أحبك يا “نانسي” يا جامد .. مستنيك ما تتأخرش عليا
أغلقت “نانسي” هاتفها وفتحت خزانة ملابسها لتختار فستان يتكون من قطع رقيقة من القماش التى فشلت بأن تبقى على اتصال ببعضها البعض !.
البارت العاشر
أنهى “عبد الحميد” صلاة العشاء وظل يسبح ربه ويستغفره , أقبلت زوجته من خلفه قائله :
– حرماً يا سي “عبد الحميد”
نهض فأسرعت “سمية” بأخذ سجادة الصلاة من يده وطوتها ووضعتها على الكرسي
– جمعاً إن شاء الله
اتجه “عبد الحميد” الى السرير , فأسرعت “سمية” بفرد الغطاء عليه , ووقفت بجوار الفراش ويبدو عليها علامات التردد , انتبه اليها قائلاً :
– خير فى حاجه ؟
– قالت بتردد : بصراحة فى موضوع كنت عايزة أكلمك فيه
– خير إن شاء الله
– لأ خير .. خير إن شاء الله .. أصل .. يعني .. الموضوع بخصوص “ياسمين”
اعتدل “عبد الحميد” فى جلسته قائلاً :
– خير حصل حاجة بينها وبين خطيبها ؟
أسرعت “سمية” بإجابته :
– لأ .. لأ كفى الله الشر , ده الجدع بصراحة ما يتعيبش
– أمال في ايه ما تقولى وقعتى قلبي
– أصل بصراحة كدة “ياسمين” مضايقة ان معاد الفرح اتحدد بسرعة
قال وقد ظهرت عليه ملامح الغضب : بسرعة ايه وزفت ايه .. هو لعب عيال .. المعاد متحدد من يوم ما الجدع جه اتقدم
– آه يا أخويا ما قولناش حاجة .. بس هي يعني بتقول انها لسه معرفتهوش كويس وعايزة فترة الخطوبة تطول شوية عشان تفهم شخصيته
ازدادت حدته قائلاً : بلا داه بنات بلا مسخره .. قال تفهم شخصيته قال .. ما كلنا اتجوزنا وبعد الجواز فهمنا كل حاجة .. ده أنا خطبتك وأنا معرفش شكلك يا وليه
حاولت “سمية” امتصاص غضبه قائله : أيوة معاك حق يا أخويا .. هى بس عايزه ….
قاطعها فى غضب : لا عايزه ولا مش عايزه .. البت المتربيه كويس بتسمع كلام أبوها .. أنا مش هضرها الجدع ده مش هتلاقى زيه .. متربي ومتعلم وكفاية انه شايل الليله لوحده ومطلبش مننا أكتر من طاقتنا .. أما بقى تروح بيته تبقى تفهم شخصيته براحتها .. دلع مرئ
– خلاص متزعلش نفسك يا أخويا .. انت برده أبوها وأدرى بمصلحتها
– اطفى النور خلينا ننام .. ومش عايز كلام فى الموضوع ده تانى
***************
تعالت أصوات الموسيقي وامتلأ البست برجال ونساء وقد أخذتهم حمى الرقص والميل مع نغمات تلك الموسيقي الصاخبة
قال “عماد” لـ “نانسي” الجالسة بجواره :
– يلا نقوم نرقص
قامت من فورها وهى تبتسم له , وشرعا اللإثنان فى الإنغماس والإندماج فى تلك الرقصة المحمومة , قال بصوت مرتفع لتستطيع سماعه :
– كنت خايف متجيش
– ليه بأه
– يعني .. قولت هتخافى من خطيبك
– أنا مبخفش من حد أنا أعمل اللى أنا عايزاه
– وربنا انت جامد
انتهت الرقصة فإقترب “عماد” منها ونظر الى عينيها قائلاً :
– وحشتيني على فكرة
– قالت له فى دلال : وانت كمان
– مين اللى وحشك .. “عماد” صحبك .. ولا “عماد” حبيبك ؟
ابتسمت وأخذت خصله من شعرها تتسلى بلفها حول صابعها وقالت:
– الاتنين
– لو كنت فارق معاكِ مكنتيش اتخطبتى
– قال يعني لو مكنتش اتخطبت كنت انت هتخطبنى , أنا وانت عارفين كويس انك مش بتاع جواز
– بس ده ميمنعش انك تهميني أوى , ومش قادر أعيش من غيرك
– لا انت عايش وعايش أوى كمان
– دى حلاوة روح , أنا بموت من غيرك
– “عماد” أنا دلوقتى مخطوبة وهتجوز “قريب”
– بالسرعة دى ؟!
– أهاا
– انتِ حكايتك ايه بالظبط .. خطوبة وبحاول أبلعها .. لكن جواز ومن واحد معقد زى ده .. أكيد فى ان فى الموضوع
تنهدت “نانسي” بحسره فجذبها من ذراعها وسار بها نحو طاولتهم قائلاً :
– أنا برده قولت كده .. تعالى قوليلى بأه حكايتك ايه بالظبط
***************
كانت “ريهام” تقف مع زميلاتها خارج المدرج , كانت الكلية مزدحمة فى ذلك اليوم لوجود امتحان لطلاب الفرقة الرابعة , كانت تتحدث مع صديقتيها وتراجع اجابات ما جاء فى الإمتحان من أسئلة حينما اقترب منها “معتز” فجأة ووقف أمامها , نظرت اليه وقلبها يدق بشدة وقال فى نفسها (اتجنن ده ولا ايه) , رمقته بنظرات دهشة ممزوجة بالتوتر .. انتظرت أن يتحدث .. لكنها فوجئت به وقد أخرج سلسلة صغيرة ذهبية من جيبه وحركها أمام وجهها حيث كانت تحمل السلسلة فى نهايتها حرف
r
نقلت نظرتها من السلسلة الى “معتز” وهى مندهشة ولا تفهم ما يرمى اليه , قال بصوت مرتفع وقد ارتسمت على وجهه ابتسامة ساخرة :
– “ريهام” نسيتي دى معايا امبارح
خفق قلبها بشدة وقالت بإندهاش
– مش فاهمة
– قال لها وهو يرمقها بنظرات التشفى : وقعت منك لما كنتى معايا يا حبيبتى .. فجيت أرجعهالك
– قالت بصوت خافت مبحوح : دى مش بتاعتى
شعرت بأن الأرض تنهار تحت أقدامها , ونظرت حولها لتجد بعض زملائها وزميلاتها يتابعون ما يحدث ويتهامسون , وفجأة أظلمت الدنيا أمام عينيها.
******************
دخل “عمر” الى غرفة الطعام وقد ارتدى حلة أنيقة داكنة اللون , سار عبر الغرفة وتوجه الى والده الذى يجلس على رأى الطاولة ومندمجاً فى قراءة جريدته قائلاً:
– صباح الخير يا بابا
رفع والده رأسه ونظر اليه قائلاً :
– صباح الخير يا “عمر”
التفت الى أمه التى تجلس على يسار الأب وأمسك يدها وطبعا عليها قبلة صغيره وقال :
– صباح الخير يا أمى
– صباح الخير يا حبيبى .. يلا عشان نفطر سوا
جلس “عمر” فى مكانه على يمين الأب الذى ترك الجريده من يده وشرع ثلاثتهم فى تناول طعام الفطور , قالت “كريمة” موجهه حديقها الى “عمر” :
– ازى خطيبتك ؟
– الحمد لله يا أمى بتسلم عليكِ كتير
– مش المفروض يا “عمر” نعزمها عندنا هى وأهلها ؟
نقل نظرة بين أمه وأبيه وقال :
– اللى تشوفوه .. أساساً كانت مدام “نادين” قالتلى انها هتعزمنا كلنا على الغدا عندهم فى الفيلا بس محددتش معاد
– مفيش مشكلة احنا أو هما واحد مش هتفرق .. بس احنا خلاص هنكون عيلة واحدة فلازم يكون بينا زيارات وود عشان نقرب من بعض أكتر
– معاكِ حق يا أمى .. بابا ايه رأيك ؟
– طبعاً يا ابنى وأنا بنفسي هكلم والدها النهاردة وأعزمهم
– “كريمة” : وأنا هكلم مدام “نادين”
– ابتسم “عمر” قائلاً : يا سلام هى جت عليا .. أنا كمان هكلم “نانسي” أعزمها
ضحك ثلاثتهم فى مرح .. وبدأت سمية فى الاتفاق مع الخدم والأعداد لترتيبات تلك الزيارة.
***************