مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السادس
مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء السادس
البارت الثاني عشر
فى الصباح عبرت سيارة “عمر” بوابة الفيلا , خرج من سيارته وصعد الدرج استقبلته سيدة فى العقد السادس من العمر , بش وجهها لرؤيته قائله :
– حمدالله على السلامه يا باشمهندس “عمر”
ابتسم لها وقال :
– الله يسلمك يا دادة “أمينة” أخبار صحتك ايه النهاردة
ردت وقد أسعدها سؤاله عن صحتها :
– بخير الحمد لله اتفضل والدتك مع والدك فى الجنينه منتظرينك
توجه “عمر” الى الحديقة الخلفية للفيلا , وبمجرد أن رأته والدته هبت واقف وأقبلت عليه قائله :
– “عمر” حبيبى حمدالله على سلامتك يا ابنى
– عانقها “عمر” وقبل رأسها قائلاً :
-الله يسلمك يا أمى
ثم وجه كلامه الي أبيه قائلاً :
– صباح الخير يا بابا
– صباح الخير يا ابنى حمدالله على سلامتك
– الله يسلمك
نظرت اليها والدته وهى تُملى عينيها برؤيته , استغرب “عمر” نظراتها وقال :
– مالك يا أمى فى حاجه
قالت بشئ من التأثر :
– لا يا حبيبى بس وحشتنى أوى
ضحك “عمر” قائلاً :
– انتِ ايه حكايتك بالظبط مستقبلانى أكنى بقالى سنة غايب مش يوم .. وكمان مبطلتيش اتصالات بيا من امبارح .. هى دى أول مرة أسافر فيها يا ماما ..
كادت أن تخبره عن حلمها الذى أفزعها ليلة أمس لكنها أحجمت عن ذلك فهى لا تريد أن تثير قلقه .. شعر زوجها بما يعتمل داخل صدرها فقال :
– عادى يا ابنى هى أمك كده لما حد فينا بيسافر بتعامله أكنه طفل صغير
نظرت “كريمة” الى زوجها بعتاب قائلة :
– يعني مش من حقى أقلق على جوزى وابنى لما يسافروا
قال زوجها وهو يحاول اغاظتها :
– لا من حقك طبعا بس انتِ بتتصلى بيا كتير وأنا مسافر وبتقلقى أما ما أردش .. افرضى كنت مشغول ولا كانت معايا عميلة زى القمر يعني أسيبها وأرد عليكِ ازاى ؟
ضحك “عمر” قائلاً :
– أوباااااااااااا .. لا يا بابا انت كدة دخلت فى الغميق
نظرت “كريمة” الى زوجها وقد نسيت ما كان يدور فى داخلها من قلق وقالت في مرح :
– سيبه يا “عمر” يقول اللى هو عايزه .. أنا عارفه ان مفيش ست فى الدنيا دى تملى عين باباك غيري أنا بس
ضحك كليهما .. وقال “عمر” :
– أحبك وانت واثق من نفسك يا “كريمة” يا قمر انت
نهض والده وأحاط كتفى زوجته بذراعه ونظر اليها قائلاً :
– طبعا مفيش واحده ست تملى عيني وحياتى وقلبي غيرك
قال “عمر” فى مرح :
– احم .. من الواضح كدة انكوا عملتونى شجرة , ناقص اتنين لمون وأطلع منها انا بقه
ضحك ثلاثتهم .. وقد سعد “نور الدين” لرؤية زوجته مبتسمه فى مرح بعدما قضت ليلتها فى قلق وتوتر بسببها حلمها
التف ثلاثتهم حول الطاوله وأحضرت لهم الخادمة عصير فريش .. وجه “نور الدين” حديثه الى ابنه قائلاً :
– ها يا “عمر” ما قولتليش ايه أخبار المزرعة والمشكلة اتحلت ولا لسه
شعر “عمر” بالضيق فجأة بعدما كاد أن ينسي الهم الذى يعتمل فى صدره ورد قائلاً :
– للأسف المحصول حالته صعب جداً .. اهمال فظيع .. محتاج مجهود جبار عشان نقدر ننقذ أى شئ منه
– للدرجة دى ؟
– أيوة للأسف .. غلطتى انى فى الفترة الأخيرة أهملت المتابعة الدورية اللى كنت بعملها للمزرعة .. وللأسف وثقت فى الشخص الغلط .. مدير المزرعة طلع شخص لا يعتمد عليه أبداً
شاركتهم “كريمة فى الحديث قائله :
– وناوى على ايه .. لازم المدير يتغير فوراً .. وكمان متزعلش نفسك ان شاء الله حتى لو جزء من المحصول ضاع .. ان شاء الله السنة الجايه تعوض الخسارة دى ؟
تنهد “عمر” فى حسره قائلاً :
– للأسف يا ماما المحصول متباع أصلاُ .. متباع لشركة عصائر ومربي والفلوس قبضناها من زمان لأننا بنمضى تعاقد كل سنتين ودى السنة التانية
– يعني ايه ؟
– يعني لو الكمية اللى اتفقنا عليها متسلمتش فى معادها أولا لازم نرد العربون كاملاً .. ثانيا هندفع شرط جزائي كبير .. ده غير ان مش متوفر حاليا السيوله اللى مطلوبه دى كلها .. يعني الخسارة كبيرة فعلاً
نظر اليه والده قائلاً :
– وناوى على ايه دلوقتى يا “عمر” ؟
– زى ما ماما قالت أول حاجه هعملها هغير مدير المزرعة وأجيب مهندس زراعى بيفهم وأقدر أعتمد عليه
– وانت ليه ما تتابعش الموضوع ده لحد ما الأزمه تعدى
– أكيد هتابع يا بابا بس حضرتك عارف ان جوازى كمان أقل من شهرين يعني مش هبقى متفرغ كلياً للمزرعة فمحتاج حد أثق فيه وأعتمد عليه
– “كرم” ؟
– فعلاً كلمت “كرم” فى الموضوع ده .. بس “كرم” بعيد عن الشغل العملى فى الزراعة من زمان ودلوقتى ملوش الا فى الإدارة وبس .. وأنا عايز حد خبره فى الشغل العملى
رد هاتف “عمر” وأخرجه من جيبه واتسعت ابتسامته عندما راى اسم المتصل , هب واقفا وقال :
– عن اذنكوا
سار مبتعداً وهو يتحدث قائلاً :
– ألو .. تصدق انك واطى
ضحك المتصل بشده ورد قائلاً :
– عارف
– عارف ايه
– ان أنا واطى وكل اللى انت عايز تقوله قوله
– سنتين ما اعرفش عنك حاجة يا “أيمن” انت بتستهبل بجد
– معلش يا “عمر” لو عرفت اللى حصلى هتعذرنى بجد
– لا مفيش أى اعذار .. مكنتش عشرة عمر دى يا ابنى ..
– صدقنى والله لما تعرف ظروفى هتقول الواد ده جبل انه اتحمل كل ده
قال “عمر” فى قلق:
– خير يا “أيمن” قلقتنى ؟
– خير ان شاء الله .. عايز أقابلك مينفعش نتكلم كده فى التليفون
– طبعا يا ابنى قولى انت فين ومسافة السكه وأكون عندك
– لا خلينا بعد العصر لانى فى الشغل دلوقتى ايه رأيك نتغدى سوا
– تمام يا باشا وهجيب الواد “كرم” معايا
– “كرم” يخرب بيته ازيه
ضحك “عمر” قائلاً :
– زى ما هو
– لسه غتت ولسانه طويل ؟
– لا عقبال عندك طول أكتر
ضحك الصديقان .. وقد كان يبدو عليهما الاستمتاع بتلك المحادثة التى اشتاقا اليها
– والله وحشتنى جدا الواد ده وانت كمان يا “عمر”
– والله وانت يا ابنى ده أنا سألت عليك طوب الأرض ومعرفتش أوصلك حتى شقتك قالولى انك بعتها و رقمك ده على طول مقفول
– أما أقابلك هحكيلك على كل حاجة
– خلاص اتفقنا وأنا مش هسيبك
– خلاص معادنا العصر ان شاء الله يلا سلام
– ان شاء الله سلام
***************
وقفت “ريهام” تنظر الى الجدول المعلق فى ردهة الكلية وهى تضم كتبها الى صدرها , عندما شعرت بشخص يقف خلفها مباشرة .. التفتت لتجد شاب متوسط القامة نحيف يرتدى عوينات أخذ فى تعديلها وقد بدا عليه شئ من الإرتباك .. ظنت “ريهام” أنها تحجم الرؤية عنه وأنه يريد بدوره الإطلاع على مواعيد المحاضرات .. فنظرت الى الأرض ومرت بجواره وأفسحت له المجال .. وبعدما خطت بضع خطوات مبتعده وجدته ينادى من خلفها :
– يا آنسه .. يا آنسه لو سمحتى
نظرت الى الخلف وتوقفت مستفهمه عما يريده
اقترب منها بضع خطوات فتراجعت لتترك مسافة بينهما وقالت فى حزم :
– ايوة فى حاجه ؟
ازداد توتره وأعادت ضبط عويناته مرة أخرى وقال وقد بدا عليه الارتباك :
– أيوه لو سمحتى .. يعني .. احم احم .. أنا كنت عايز أعرف اسمك
نظرت اليه “ريهام” فى غضب وتركته وانصرفت .. قالت فى نفسها (مجنون ده ولا بيستهبل ) ظل الشاب واقفا فى مكانه وعيناه تتابعانها فى صمت.
*******************
دخل “عمر” مطبخ الفيلا والذى كانت تقف فيه والدته تعد شيئاً ما .. وتأمر الخادمة بأن تأتى لها ببعض الأغراض من المبرد .. أقبل ناحيتها قائلاً :
– بتعملى ايه يا ست الكل
نظرت اليه قائله فى غضب :
– بره يا “عمر”
ضحك “عمر” الذى يعرف مدى كره والدته لرؤية أى رجل فى المطبخ حتى ولو كان والده .. كانت “كريمة” تهتم بأن تتعلم بعض الوصفات التى تجذبها وتحاول تطبيقها لزوجها وابنها وكانت تسعد عندما تجد أن ما صنعته لاقى اعجابهما ولم تكن لتسمح لأى منهما بمشاهدتها وهى تعمل .. قال “عمر” مبتسما :
– طيب هقولك بس حاجة وهطلع فوراً
تركت ما بيدها والتفتت قائله ”
– ها أفندم بسرعة مشغوله
– هنعزم نانسي وأهلها امتى .. احنا أجلنا المعاد لأجل غير مسمى .. يعني محددناش معاد جديد ..
فكرت “كريمة” قليلاً ثم قالت له :
– شوفهم مناسب ليهم بكرة ولا لأ
– طيب تمام هشوف نانسي وأرد عليكِ
– خلاص اتفقنا
قالت ذلك ثم التفتت مرة أخرى لتكمل عملها الذى يبدو وأنه يأخذ كل تركيزها
هم “عمر” بالانصراف ولكنه تراجع وقال وعينه تلمع فى مرح :
– ماما انتِ بتعملى ايه .. ممكن أعرف على الأقل الاسم العجيب اللى هتصدم لما أعرفه
التفتت اليه قائله :
– ولد
– ما هو يا أمى بصراحه انتِ بتختارى أكلات ليها أسماء عجيبه .. لما بتعجبنى حاجة مبعرفش أطلبها منك تانى .. دى أسماء محتاجه خريطه
التقطت المنشه الموضوعه على الطاولة وهمت بأن تضربه بها .. لكنه اسرع بالخروج من المطبخ وهو يضحك
********************
انهمكت “ريهام” فى مطالعة أحد كتبها وهى جالسة فى كافتيريا الجامعة .. قالت لها صديقتها التى تجلس بجوارها :
– “ريهام”
– همممم
– فى واحد بيراقبك
رفعت عينيها من الكتاب ونظرت الى صديقتها قائله :
– بيراقبنى ازى يعني ؟
– معرفش منزلش عينه من عليكِ
– هو فين ؟
– فى الترابيزة اللي على يمينك
نظرت “ريهام” فوجدته نفس الشخص الذى سألها عن اسمها فى الصباح .. كان يجلس وينظر اليها .. فأشاحت بوجهها عنه قائله :
– سيبك منه ده عبيط
– عبيط ..عبيط ازاى يعني؟
– تصورى جه فجأة بيقولى ممكن أعرف اسمك
ضحكت صديقتها بصوت خافت قائله :
– آه .. جو ممكن نتعرف ده عارفاه .. بس دى كانت موضه وبطلت .. ده شكله قديم أوى
– قديم ولا جديد ملناش فيه ويلا نقوم من هنا أحسن
نهضت الصديقتان وغادرتا الكافتيريا وعيون الشاب تتابعهما فى صمت
******************
كان “عمر” يجلس فى الصالون منتظراً “نانسي” التى ذهبت والدتها لإيقاظها من النوم .. تململ فى جلسته وبعد وقت طويل وجدها تنزل الدرج فى سرعه قائله :
– حبيبى وحشتنى أوى أوى
أحاطت عنقة بذراعيها وعانقته , لف “عمر” يديها حولها قائلاً :
– وانتِ كمان يا حبيبتى وحشتيني أوى
أرجعت رأسها قليلا الى الوراء ونظرت فى عينيه قائله :
– لو كنت وحشتك مكنتش لغيت العزومه وسبتنى وسافرت
– حبيبتى أنا شرحتلك سفرى كان مفاجئ وكان مهم
– يعنى عايز تفهمنى ان كل الناس اللى شغالين عندك دول مفيش حد فيهم كان ينفع يسافر بدالك
مرر أصابعه فى خصلات شعرها الذهبية قائلاً :
– لو كان ينفع حد غيري يسافر مكنتش أجلت العزومة وسافرت ..
أرجع رأسه قليلا الى الوراء وقال وقد ضاقت عيناه :
– وبعدين أنا سافرت يوم واحد بس .. عايزة تفهميني انى لحقت أوحشك يعني
قالت وهى تنظر له بعينين ناعستين :
– كل ثانية بتكون فيها بعيد عنى بتكون صعبة أوى عليا وبحس انك واحشنى أوى
اتسعت ابتسامة “عمر” قائلاً :
– لا أنا مش أد كلامك ده
قالت له فى دلال :
– اعمل حسابك بعد كدة رجلى على رجلك أى مكان هتسافر فيه هتاخدنى معاك .. فاهم يا باشمهندس
– عيون الباشمهندس .. خلاص السفريه الجاية هتكونى معايا ان شاء الله .. أنا اصلا هسافر تانى المزرعة .. وهاخدك معايا لانى نفسي تشوفيها أوى المزرعة دى كبرت على ايدي وليها مكان خاص فى قلبي عشان كدة عايز أخدك هناك أنا واثق انها هتعجبك أوى
قالت بسرعة :
– طالما عجباك يبقى هتعجبنى يا حبيبى
ابتسم عمر .. ثم قال :
– قوليلى بأه مناسب بكرة للعزومة اللي اتأجلت دى .. نفسي انتِ وماما تكونوا صحاب وتقربوا من بعض أكتر وكمان عايز أعرفك على عمتى وولادها انتِ اتعرفتى عليهم بس يهمنى انكوا تكونوا قريبين من بعض
قالت وقد شعرت ببعض الضيق والضجر لكنها أخفت ذلك سريعاً :
– اه طبعا يا حبيبى .. أهلك هما أهلى دلوقتى .. ومامتك زى مامى بالنسبه لى
اتسعت ابتسامة “عمر” وقد سعده ما قالت :
– خلاص اتفقى مع بابا وماما عشان منتظرينكوا بكرة ان شاء الله
– اوك حبيبى
نظر “عمر” فى ساعته ثم قال :
– حبيبتى معلش أنا مضطر امشي دلوقتى
تظاهرت بالضيق وقطبت جبينها قائله :
– زهقت منى بالسرعة دى
رد بسرعة :
– طبعا لا .. ازاى تقولى كدة .. أنا مبشبعش منك ومن وجودك معايا .. بس عندى معاد مهم ومش عايز أتأخر
قالت بحدة مصطنعه :
– معاد .. ها وشكلها ايه بأه ؟
قال “عمر” باستغراب :
– هى مين اللى شكلها ايه ؟
– البنت اللي هتقابلها واللي مهتم انك متتأخرش عليها
قال “عمر” بجدية :
– “نانسي” حاجة زى دى مفيهاش هزار .. انتِ عارفانى كويس .. مش “عمر” اللى يعمل كدة ..
قالت وهى تحاول اصلاح الموقف :
– عارفه طبعا يا حبيبى وواثقه فيك .. انا بس بغير عليك
لانت ملامحه وقال :
– ماشي وأنا مقدر ده لانى عارف ان اللى بيحب حد لازم يغير عليه .. وعشان أطمنك أنا هقابل واحد صحبى كان زميلى من أيام الجامعة وبعد ما اتخرجنا فضلنا مع بعض .. اختفى فترة بس رجع ظهر تانى وهنتقابل على الغدا أنا وهو و “كرم”
نظر اليها قائلاً :
– ها حبيبى اطمن ان مفيش فى قلبي ولا فى عيوني غيره ؟
قالت بدلال :
– ايوة اطمنت
ثم طبعت قبله على فمه وقالت فى خبث :
– خد دى .. عشان تفكر فيا لحد بكرة
************
انتهت “ياسمين” من توضيب بعض الأغراض التى اشترتها لجهازها مؤخراً فى حقيبة سفر .. رتبتهم بدقة وعناية وهى تنظر الى كل قطعة فى فرح
, دخلت “ريهام” الغرفة وابتسمت عندما رأت وجه أختها الفرح قائله :
– خيانه .. انتِ ناويه تعيني حاجتك من غير ما أشوفها
قالت لها “ياسمين” ضاحكة :
– يا مفترية ده انتِ هريتيهم من كتر الفرجه عليهم ده انتِ حفظتى شكلهم أكتر منى
أقبلت عليها أختها وحضنتها قائله :
– ربنا يسعدك يا “ياسمين” انتِ طيبة أوى وتستاهلى كل خير
عانقتها أختها وقد تأثرت بكلامها .. وشعرت “ياسمين” بعينها وقد اغرورقت بالدمع قائله :
– انتِ كمان يا “ريهام” هتوحشيني اوى .. مش قادرة اتخيل انى هنام فى مكان انتِ مش موجودة فيه
– “ياسمين” بالله عليكِ متعيطيش هتخليني أعيط أنا كمان .. انا اللي مش عارفه هعمل ايه من غيرك
نظرت كل منهما الى الأخرى والدموع فى عينينهما عندما افتح الباب ودخلت أمهما عندما رأتهما هكذا أقبلت عليهما وضمنتهما الى صدرها قائله :
حبايب قلبي انتوا الاتنين .. يارب أفرح بيكوا وبعيالكوا ويهنيكوا ويسعدكوا فى حياتكوا يارب .. ويرزقك يا “ريهام” يا بنت “سمية” بابن الحلال اللى يصونك ويتم فرحك يا “ياسمين” على خير
قال ذلك ثم قبلت كل منهما على رأسها
****************
التف الأصدقاء “عمر” و “كرم” و “أيمن” حاولة احدى الطاولات فى أحد المطاعم الفخمة .. قال “عمر” فى حزن :
– ياه يا “أيمن” كل ده حصلك واحنا منعرفش
– شوفت بأه مش قولتلك لما تعرف هتعذرنى
– طيب وليه يا “أيمن” متقلوليش حاجة زى كده .. مش احنا اخوات يا ابنى ولا ايه
– طبعا اخوات يا “عمر” وأكتر من الإخوات كمان .. وأنا الحمد لله الديون كلها اتسددت وبشتغل حاليا فى شركة للأسمدة الزراعية
قال “كرم”:
– انت أهبل يا ابنى فى حد يعمل عملتك السودة دى
قال “أيمن” :
– اللهم طولك يا روح يا ابنى مش هتبطل طولة لسانك دى
– طولة لسان ايه وبتاع ايه خلينا فى مصيبتك انت مش عيب واحد شحط طويل عريض زيك وعنده 37 سنة يضحك عليه ويتنصب عليه ويخسر كل اللى وراه واللى أدامه
– يعني خسرتهم بمزاجى يا “كرم”
– يا ابنى انت اللى طيب زيادة عن اللزوم ازاى تشارك ناس متعرفهمش وتثق فيهم كدة وتحط فلوسك بين ايديهم
قال “أيمن” فى حزن :
– أهو اللي حصل بأه قدر الله وما شاء فعل
قال “كرم”:
– ونعم بالله .. بس برده حاول تغير من طبعك ده واتنحرر كده .. يا ابنى الطيب فى الزمن ده بيفتكروه أهبل
– ما تحترم نفسك يا “كرم” ايه أهبل دى
ضحك “عمر” وهو ينظر اليهما قائلاً :
– انتوا مش هتبطلوا نقار أبداً .. من أيام الجامعة وانتوا كده .. اكبروا بأه
ابتسلم “أيمن” و “كرم” .. وقال “أيمن” :
– تعرفوا انكوا وحشتونى أوى ووحشنى أيام ما كنا ما بنفترقش الا على النوم
ووجه حديثه الى ” كرم” قائلا :
– وبصرف النظر عن غتاتك وطولة لسانك الا ان النقار معاك واحشنى
قال “كرم”:
– وبترجعوا تزعلوا
ضحك ثلاثتهم .. ثم سأله “عمر” بإهتمام :
– وانت مرتاح فى شغلك يا “أيمن”:
– بصراحة يا “عمر” هو ده الموضوع اللى كنت عايز أكلمك فيه
– خير يا “أيمن”
تنهد “أيمن” قائلاً :
– أنا مش مرتاح فى الشغل مع الناس دول خالص يعني بحس ان فى غش ورشاوى ولعب من تحت الطرابيزة وأنا مليش فى الجو ده
قال له “عمر” بسرعة :
– طيب ما تيجي تشتغل معانا
نظر له “أيمن” بإمتنان لأنه حافظ على عدم ماء وجهه ولم يتركه ليطلب ذلك بنفسه .. قال “أيمن”
– بجد ؟ يعنى انتوا فعلاً محتاجنى ولا قولت كدة عشان قولت انى مش مرتاح فى شغلى
قال “عمر” على الفور :
– لا محتاجينك ومحتاجينك جدا كمان .. لاننا واقعين فى مصيبة
– مصيبة ايه يا “عمر”
تحدث “كرم” قائلاً :
– المهندس الزراعى اللى كان مسؤل على المزرعة عك الدنيا اخر عك والزرع حالته منيلة بنيلة وكدة جزء كبير من المحصول هيضيع ان مكنش كله ده لو ملحقناش نفسنا ورشينا واهتمينا بالموضوع ومحدش فينا فاضى لمتابعتها المتابعة الكاملة
أكمل “عمر” حديث “كرم” قائلاً :
– احنا فى موقف صعب يا “أيمن” لأن المحصول اصلا متباع وفى شرط جزائى لو متسلمش فى معاده أو لو اتسلم أقل جودة من اللي اتفقنا عليها
– خلاص طالما محتاجينى فعلا فأنا معاكوا يا شباب
قال “عمر” فى فرح :
– تمام أوى .. حضر نفسك باه يا باشا عشان السفر وطبعا اقامتك هتكون فى بيت المزرعة
– تمام هبدأ أحضر نفسي للسفر بس هروح وأرجع فى نفس اليوم .. يعني مش هبدأ اقامه فى المزرعة الا بعد اسبوع ولا اتنين كده
سأله “عمر” قائلاً :
– واشمعنى يعني
قال “أيمن” وهو يبتسم :
– أصل أخوكوا هيخطب قريب
سعد كل من “عمر” و “كرم” لهذا الخبر .. وقال له “كرم “:
– ياااه .. اخيراً فى واحدة رضيت تعبرك
قال له “أيمن” :
– “كرم” اتلم
– “عمر” : سيبك منه وقولنا بالتفصيل الممل عرفتها ازى وفين وامتى
ضحك أيمن قائلاً :
– حيلك حيلك ايه هو تحقيق ده أبويا وأمى الله يرحمهم لو كانوا عايشين مكنوش هجموا عليا بالأسئلة كده
قال له “عمر” فى مرح :
– خلص .. مش هسيبك الا لما آخد منك اعتراف كامل
– طيب يا سيدى وأنا هعترف .. كنت فى المطار بوصل واحد صحبى .. لفت نظرى بنت كانت واضح انها مستنيه حد
ابتسم “عمر” قائلاً :
– حب من أول نظرة يعني ؟
ابتسلم “أيمن” وقال :
– يعني حاجة زى كدة
سأله “عمر” :
– ايه اللى لفت نظرك فيها ؟
– لما شوفتها حسيتها غير كل الناس اللي حواليها .. أكنها فى دنيا تانيه لوحدها .. يعني المطار كان زحمه وناس داخله وناس خارجه .. ودى كانت أعده على الكرسي و ماسكه مصحف صغير وبتقرأ فيه كانت محجبه ولبسها محترم .. لفت نظرى انها كانت بريئة وعلى طييعتها يعني مش زى ما بنشوف الأيام دى الواحدة بتبقى خارجه وناقعه وشها فى شوال دقيق قبل ما تخرج
ضحك “كرم” قائلاً :
– ايوة عارفهم بتوع الدقيق دول
حثه “عمر” على الحديث قائلاً :
– كمل .. وبعدين
– بصراحة فضلت أحوم حواليها عايز أعرف هى لابسه دبله ولا لأ .. وبعد ما اتأكدت ان ايديها الاتنين مفيهمش دبله حاولت أقرب منها واتكلم معاها .. لكنها صدتنى جامد ومدتنيش فرصة أبداً وقامت وسابت المكان اللى كانت أعده فيه ..بعدها جت البنت اللي كانت مستنياها فى المطار و لقيتهم خلاص ماشيين وأنا فعلا كنت حاسس ان هى دى الانسانه اللى بدور عليها
قال له “كرم” بلوعه :
– اوعى تكون سيبتها تمشي .. عارفك يا “أيمن” أهبل وطلعله راس ورجلين
– لا يا غتت مسبتهاش تمشي وقفتها وبدون ما اديها فرصة قولتلها السي فى بتاعى وطلبت رقم باباها والبنت اللي كانت معاها واللى عرفت انها قريبتها ادتهولى
ابتسم “عمر” قائلاً :
– قصة غريبة .. خبط لزق كدة خدت رقم باباها
– بصراحة يا “عمر” انا فضلت أكتر من ساعة ونص براقبها فى المطار وبجد معرفش حسيت حاجه جوايا بتقولى هى دى
– وكلمت باباها
– ايوة كلمته وشرحتله ظروفى كلها مخبتش حاجة .. وأديني منتظر رد منهم
ربت “عمر” على كتف صديقه قائلاً :
– ان شاء الله خير .. انت مفيش زيك يا “أيمن” ويا بختها اللي هتكون من نصيبها
انتبه “أيمن” لأول مرة للدبلة التى تحيط باصبع صديقه قائلاً :
– ايه ده انت خطبت ؟
قال “كرم” بسخريه :
– لا لابس الدبلة يتصور بيها
لكمه “أيمن” فى كتفه قائلاً :
– يا اخى بطل أم الغتاته بتاعتك دى
رد له “كرم” اللكمة قائلاً :
– اااه .. ايدك تقيله يا بنى آدم
نظر اليهما “عمر :
– والله أنا حاسس انى آعد مع اتنين فى الروضة
قال “أيمن” موجهاً حديثه لـ “كرم” :
– طيب ادى “عمر” خطب وأنا أهو شوية وهخطب أنا كمان .. سيادتك بأه مش ناوى تتأهل انت كمان
” عمر” ضاحكاً :
– بصراحة انا معنديش استعداد اتدخله فى جوازه يعني مقدرش أعمل كده فى بنات الناس
– “كرم” :أيوة أيوة غنوا أدام بعض انتوا الاتنين .. بكرة تشوفوا عروستى دى هتكونى عاملة ازاى .. هتكون ست البنات ان شاء الله
قال “أيمن” بجدية :
اعملوا حسابكوا لو فى خطوبة ان شاء الله وقبلوا بيا .. انتوا الاتنين معزومين مفيهاش كلام انتوا عارفين انى مقطوع من شجرة وانتوا اكتر من الاخوات بالنسبة لى
قال له “عمر” :
طبعاً يا “أيمن” من غير ما تقول .. وان شاء الله تكون الخطوبة تكون قريب أوى
******************
خيم الحزن على الجميع وانبعث من المسجل صوت الشيخ المنشاوى وهو يتلو “يَا أَيَّتُهَا النَّفْسُ الْمُطْمَئِنَّةُ ارْجِعِي إِلَىٰ رَبِّكِ رَاضِيَةً مَرْضِيَّةً فَادْخُلِي فِي عِبَادِي وَادْخُلِي جَنَّتِي”
جلست الفتاتان وقد ارتديتا السواد وأحاطت بهما العديد من النساء اللاتى أتين لتقديم العزاء .. وفى تلك اللحظة دخلت “سماح” من الباب قائله :
– السلام عليكم
هبت “ياسمين” واقفة وجرت عليها وعبراتها تتساقط على خدها .. حضنتها “سماح” وهى لا تستطيع كبح جماح عبراتها هى الأخرى .. هتفت “ياسمين” وهى تبكى فى حضن صديقتها :
– ماما ماتت يا “سماح” .. ماما ماتت