مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر
مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر
*************************
اقتربت السيارة من المزرعة فأعطت “سماح” الهاتف لوالدها ليتصل بـ “أيمن” .. وصلوا أخيرا الى المزرعة بعد عناء ثلاث ساعات على الطريق .. كانت الشمس فى كبد السماء .. استقبلهم “أيمن” على بوابة المزرعة ورحب بهم .. أدخلهم الى الداخل .. وقعت “ياسمين” فى حب المزرعة من أول وهله .. كانت بطبيعتها تحب الهدوء والخضرة والطبيعة الساحرة .. وكانت المزرعة فعلا ساحرة .. خطفت لُبها من أول نظرة .. بمجرد أن عبرت البوابة شعرت بمزيج من الهدوء والسلام والطمأنينة .. تغريد العصافير على الشجر كان يبعث فى نفسها التفائل والأمل .. وجدت نفسها تبتسم وهى تتأمل الطبيعة الساحرة حولها … كان يبدو أن مالك المزرعة ذو ذوق خاص .. لم يبخل على مزرعته بشئ .. فكانت من أجمل ما يكون ..كان “أيمن” يسير مع والد “ياسمين” فى المقدمة و”ياسمين” و”ريهام” خلفهما .. التفت “أيمن” الى الفتاتان قائلاً:
– عجبتكوا المزرعة
قالت “ياسمين” بحماسه :
– جداً ..شكل صاحبها مهتم بيها أوى
– فعلاً “عمر” على طول مهتم بيها
إذن فـإسم صاحب المزرعة “عمر” .. تساءلت فى نفسها .. ترى هل هو شخص طيب ومحترم مثل “أيمن” .. أم أنها ستجد مشاكل فى العمل معه .. كانت “ريهام” تسير بجوار أختها تتأمل المزرعة بدورها عندما حانت التفاته منها لترى رجلين يتحدثان معاً أمام احدى الشجيرات .. دققت النظر وفجأه فتحت فهمها دهشة عندما تعرفت على أحد هذين الرجلين .. أدخلهم “أيمن” الى مكتب “عمر” والذى كان فارغاً .. ثم طلب لهم مشروب واستأذنهم فى الذهاب للبحث عن “عمر”
بعدما رحل “أيمن” .. انحنت “ريهام” على أذن “ياسمين” هامسه :
– “ياسمين” عارفه شوفت مين بره ؟ .. الراجل الجامد اللى كان عندك فى المستشفى
قالت “ياسمين” بإستغراب :
– راجل مين ؟
– ايه يا “ياسمين” دماغك ساحت من الشمس ولا ايه .. الراجل اللى خبطك بالعربية
– ماله ؟
– لسه شايفاه واقف بره
قالت “ياسمين” لأختها بعدم تصديق :
– وده ايه اللى هيجيبه هنا يا “ريهام” .. شكل دماغك انتى اللى ساحت من الشمس
أصرت “ريهام” قائله :
– والله هو أنا واثقه مش هتوه عنه .. أبو برفيوم يجيب لآخر الشارع ده
ضحكت “ياسمين” ضحكه خافته .. والتفتت الى حقيبتها تفتحها لتخرج منها الهاتف ..سألتها “ريهام” :
– هتكلمى “سماح”
– أيوة هطمنها اننا وصلنا
فى هذه الأثناء ذهب “أيمن” للبحث عن “عمر” فوجده قادما نحوه ..فقال “أيمن” :
– الجماعة وصلوا وفى مكتبك
– طيب كويس
سارا الاثنان معاً فى اتجاه المبنى الذى يحوى مكتبه ومكاتب الموظفين العاملين فى المزرعة .. خطر لـ “عمر” سوال .. تُرى ماذا سيكون رد فعلها عندما تراه .. فهى حتى الآن لا تعلم أنه هو نفسه من صدمها بسيارته منذ فترة .. بالتأكيد ستُصدم لرؤيته .. ابتسم لنفسه وهو يتوقع الصدمة التى ستشعر بها .. طرق “أيمن” الباب ودخل أولا ثم لحقه “عمر” وأغلق الباب كانت “ياسمين” جالسه بجوار أختها .. و”عبد الحميد” يجلس على أريكة أمامهما .. تقدم الرجلان تجاه “عبد الحميد” .. فرفعت “ياسمين” رأسها لترتطم نظراتها بنظرات “عمر” .. خفق قلبها بشدة .. نظرت الى “ريهام” لتنظر لها تلك الأخيرة بنظره معناها (مش قولتلك ) .. حاولت “ياسمين” ربط الخيوط ببعضها .. ما علاقة ذلك الرجل بـ “أيمن” هل هو صديقه صاحب المزرعة .. وهو نفسه من صدمها .. هل يعلم بأنها هى هى .. أم أنه صُدم مثلها .. تابعته بعينيها وهو يسلم على والدها .. كلا لا يبدو عليه أنه صُدم أو دُهش .. اذن فقد كان يعلم بأنها هى صديقة ” سماح” ..لماذا اذن عرض عليها العمل فى المزرعة .. أمجامله لصديقه ؟ .. أم محاوله منه لتخفيف شعوره بالذنب بسبب تلك الحادثه ؟ ..
قدم “أيمن” الرجلين لبعضهما البعض قائلا :
– أستاذ “عبد الحميد” والد مدام “ياسمين … الباشمهندس “عمر” صاحب المزرعة
مد “عمر” يده لوالد “ياسمين” فسلم عليه والدها ونظر اليه قليلا وقال :
– أهلا بيك يا باشمهندس .. بس أنا حاسس انى شوفتك قبل كده
حانت من “عمر” التفاته الى “ياسمين” فتلاقت نظراتهما .. فأسرعت بخفض بصرها بعدما تضرجت وجنتاها خجلاً .. قال فى نفسه اذن فقد تذكرته كما تذكرها .. التفت “عمر” الى والدها مرة أخرى قائلا :
– اتقابلنا فى المستشفى بعد الحادثة بتاعة مدام “ياسمين”
قال والدها وقد تذكر :
– أيوة أيوة انت اللى خبطها بعربيتك
كان “أيمن” يتابع ما يحدث فى دهشه فسألهم :
– حادثة ايه مش فاهم
قال له “عمر” :
– هبقى أشرحلك بعدين
بعدما سلم الرجلين على بعضهما البعض التفت “أيمن” حيث تقف “ياسمين” و “ريهام” وقال لـ “عمر” :
– مدام “ياسمين” و أختها الآنسه ” ريهام” ..
اقترب “عمر” منهما ولدهشتها مد يده ليسلم عليها .. عقد لسانها .. نقلت بصرها من يده الى وجهه فى توتر .. ثم استجمعت شجاعتها وقالت بصوت خافت دون أن تنظر اليه :
– أنا أسفه مبسلمش بالإيد
عقد ما بين حاجبيه فى دهشة .. ثم أعاد يده الى جواره قائلا :
-أهلا بيكي فى المزرعة
ردت قائله :
-أهلا بحضرتك
التفت الى “ريهام” مبتسماً قائلا :
-أهلا بيكي يا آنسه “ريهام”
– أهلا بحضرتك
جلس الجميع .. كانت “ياسمين” تحاول استيعاب الأمر .. سمعت صوت “عمر” الرخيم يقول :
– احنا عندنا هنا فى المزرعة أقسام كتير منها قسم خاص بالانتاج الحيواني تربيه وتسمين أنواع كتير بنربيها هنا فى المزرعة وكمان فى معمل عشان نفحص نتايج التحليلات اللى بنعملها أول بأول ..
ثم التفت الى “ياسمين” قائلا :
– شوفى المكان اللى تحبي تشتغلى فيه وأنا معنديش أى مشكلة
انتظر “عمر” ردها فكرت فترة وساد الصمت فى الغرفة .. ثم قالت وهى تحاول قدر الإمكان تلافى النظر اليه :
– بصراحة دى أول مرة أشتغل فيها وأنا بعيد عن الدراسة بقالى 5 سنين يعني أى مكان هشتغل فيه محتاجه أتدرب فيه الأول فأنا مش فارق معايا حاليا هشتغل فى ايه تحديدا لانى معرفش ايه اللى هقدر أعمله وايه لأ لازم التجربة الأول عشان كدة أقترح انى أساعد القسم اللى محتاج مساعده لحد ما أشوف ايه اللى أنا أصلح للشغل فيه
أومأ “عمر” برأسه وقد أعجبه ما قالت فهى إذن لا تعتبر نفسها فى نزهه هنا بل انها تنوى العمل بالفعل نظر اليها قائلا :
– مفيش مشكلة عندى زى ما تحبي ولو واجهتك أى مشكلة عرفيني هسيبكوا النهاردة ترتاحوا من السفر وبكرة ان شاء الله هعرفك على المزرعة وتبتدى شغلك
ثم نظر الى والدها قائلا :
– اتفضلوا معايا عشان أوريكوا مكان السكن
أخذهم “عمر” الى المبنى الذى يضم غرف العمال كان قد جهز غرفتين غرفة لـ “عبد الحميد” وغرفة بسريرين لـ “ياسمين” و “ريهام” كانت غرف متواضعه لكنها تفى بالغرض شكره “عبد الحميد” وذهب الجميع الى غرفهم ليرتاحوا دخلت “ريهام” الغرفة بعد “ياسمين” وأغلقت الباب وهتفت قائله :
– مش قولتلك هو .. مكنتييش مصدقانى
نظرت اليها “ياسمين” قائله :
– بصراحة أنا مصدومة .. آخر حاجه كنت أتصورها ان الراجل اللى خبطنى بالعربية يكون صاحب “أيمن” زوج “سماح”
– سبحان الله .. الدنيا صغيره .. بس باين عليه ابن ناس أوى
قالت “ياسمين” تغير الموضوع :
– أنا تعبانه وعايزه أنام نوم عميق .. أنا معرفتش أنام طول الليل من التوتر كنت خايفه “مصطفى” يطب علينا ومنعرفش نسافر
اقتربت منها “ريهام” مطمئنه اياها :
– خلاص انسي حاجه اسمها “مصطفى” احنا فى مكان مش ممكن يعرفه .. اطمنى
أومأت “ياسمين” برأسها ودخلت فراشها وغطت فى سبات عميق .. بعد ساعتين استيقظت على صوت طرقات على باب الغرفة .. استيقظت فزعه .. ونظرت الى “ريهام” التى استيقظت بدورها .. ارتدت “ياسمين” اسدال الصلاة ووقفت خلف الباب وقالت :
– مين ؟
أتاها صوت رجل من خلف الباب :
– الباشمهندس “عمر” باعت الحاجات دى
فتحت الباب وأخذت من الرجل لفة شعرت بسخونتها .. أغلقت الباب ونظرت لما تحمله بدهشة .. سألتها “ريهام” قائله :
– ايه ده ؟
قالت “ياسمين” بحده :
– الأفندى ده فاكر ايه بالظبط .. جايين نشحت منه ..
هبت “ريهام” واقفة وقالت :
– ليه ايه اللى حصل
تركت “ياسمين” اللفة التى تحملها وخلعت اسدالها وقالت بغضب :
– الباشا باعت أكل
– والله كتر خيره
قالت بحده :
– احنا مش مستنيين منه حاجه .. هو فاكر نفسه ايه بالظبط عشان يبعتلنا أكل أكننا جايين هنا نشحت منه
هدئتها “ريهام” قائله :
– أكيد مش قصده كده يا “ياسمين” .. أكيد كل اللى قصده ان احنا فى بلد غريبه مبقلناش كام ساعة ولسه معرفناش النظام هنا ولا الأماكن هنا
– ولو .. ميصحش اللى عمله ده
– طيب خلاص هدى نفسك حصل خير
ثم توجهت الى لفة الطعام تفتحه قائله :
– مممم ريحته تجنن
تركتها “ياسمين” وتوجهت الى فراشها .. فسألتها “ريهام” :
– ايه مش هتاكلى
قالت بحزم :
– لا مش عايزه .. هكمل نومى .. تصبحى على خير
لكنها كانت غاضبة لدرجة هرب معها النوم .. بعدما فشلت فى النوم .. قامت وارتدت ملابسها فسألتها “ريهام” بإستغراب :
– راحة فين ؟
– هتمشى شوية .. هحاول استكشف المكان هنا .. احنا هنعد هنا فترة ولازم نعرف الأماكن اللى حوالينا كويس
خرجت ياسمين من البناء فإستقبلتها النسمات تلفح وجهها .. ورائحه الزهور تملأ أنفها .. تمشت فى المزرعة وهى تنظر خلفها بين الحين والأخر حتى لا تضل طريقها وتنتبه الى علامات حوالها حتى تهتدى الى طريق العودة .. فعلا كما قالت “سماح” المزرعة كبيرة جداً .. ويتم العناية بها الى حد كبير .. فجأة تذكرت صديقتها فأخرجت هاتفها لتتحدث معا :
– السلام عليكم
– وعليكم السلام .. المنصورة نورت
ضحكت “ياسمين” قائله :
– منوره بأهلها
قالت “سماح” بحماس :
– ها ايه رأيك المزرعة حلوة ؟
– حلوة بس دى جنه
– بجد عجبتك
– جدا جدا فوق مالا تتصورى .. ما انتي شوفتيها وأكيد عارفه انها تجنن
ضحكت “سماح” قائله :
– تصورى أنا لسه مشفتهاش لحد دلوقتى
قالت لها بدهشه :
– بجد ؟
– أيوة .. بس “أيمن” وعدنى ياخدنى يفرجنى عليها .. آه صحيح قبل ما انسى .. انتى و”ريهام” وعمو معزومين عندنا بكرة على الغدا
قالت لها “ياسمين” فى حرج :
– “سماح” بلاش تتعبى نفسك مفيش داعى
– احترمى نفسك يا “ياسمين” .. لو بجد اتعاملتى كده معايا أنا هزعل منك جدا .. متحطيش فرق بينا لو سمحتى
ابتسمت “ياسمين” قائله :
– مش بحط فرق بس مش عايزة أتعبك
– تعبك راحة يا ستى .. ملكيش دعوة هو حد اشتكالك
صاحت “ياسمين” فجأة :
– صحيح نسيت أقولك
– خير
– تصورى صاحب المزرعة طلع مين ؟
– يعني ايه طلع مين
– طلع الراجل اللي خبطنى بالعربية يوم خطوبتك
قالت “سماح” بإندهاش :
– بتتكملى جد
– آه والله .. أنا اتصدمت أما شوفته
ضحكت “سماح” قائله :
– يعني اللى خبطك بالعربية يوم خطوبتى هو صاحب “أيمن” اللى محضرش الخطوبة
– اه .. عشان كان فى المستشفى معايا .. شوفتى الصدف
– صدفة غريبة فعلا .. زمانه هو كمان اتصدم لما شافك
قالت “ياسمين” بإستغراب :
– أهو هو ده اللى أنا مستغرباله .. مبنش عليه أنه اتفاجئ .. اما انه كان عارف .. واما انه من النوع اللى بيعرف يدارى ردة فعله
انهت “ياسمين” المحادثة بعدما أكدت عليها “سماح” عزومة يوم غد .. فجأة نظرت “ياسمين” حولها لتجد أنها قد ضلت طريقها .. فكانت تسير بغير هدى أثناء حديثها مع “سماح” ..
فجأة سمعت صوت من خلفها قائلاً :
– كنت واثق انك هتوهى
التفتت لتجد نفسها فى مواجهه “عمر”.. الذى استطرد قائلا :
– شوفتك وانتى ماشيه الجهه دى وكنت واثق انك هتوهى لان الطرق من هنا متداخله وشبه بعضها
قالت “ياسمين” بإباء :
– كنت بتكلم فى الموبايل وعشان كده مركزتش .. لو مكنتش بتكلم كنت عرفت أرجع لوحدى
التقطت أذنا “عمر” نبرة التحدى فى صوتها .. فقال فى تحدى مماثل :
– سواء كنتى مركزة أو مش مركزة المزرعة كبيرة وصعب حد غريب يمشى فيها لأول مرة وبدون دليل وميتهش
صمتت وهى تحاول أن تكتم غيظها .. فأشار بيده على الطريق الذى جاء منه قائلا :
– امشي من هنا على طول بدون ما تحودى هتلاقى مبنى السكن فى وشك على طول
مشيت خطوتين ثم التفتت اليه قائله :
– أحب أوضح لحضرتك حاجه مهمة
التفت “عمر” بجسده ليواجهها وقد أولاها كامل انتباهه .. قال لها :
– اتفضلى
قالت بحزم :
– أنا جيت هنا بعد ما “سماح” أكدتلى ان المنفعة بينا هتكون متبادلة يعني شغل مقابل مرتب .. يعني اللى عايزه أقوله ان مفيش داعى ان الصحوبية والمجاملات يكون ليهم تأثير على وجودى هنا .. أنا هنا فى شغل وزيى زى أى حد بيشتغل فى المزرعة هنا .. بدون تمييز.
قالت “ياسمين” ذلك ولم تعطيه فرصه للرد و توجهت الى الطريق الذى أشار اليه.
البارت 21
فى صباح اليوم التالى استيقظت “ياسمين” فجرأ انهت صلاتها وقرأت وردها وظلت تدعو الله عز وجل أن يوفقها ويصرف عنها كل سوء وفى الساعة السابعة ارتدت ملابسها وتجهزت للذهاب الى عملها الذى لا تعلم عنه شيئاً حتى الآن كان معادها مع “عمر”
فى مكتبة فى الثامنه لكنها جهزت نفسها قبلها بساعة حتى لا تتأخر وحتى تتمشى قليلا وتستنشق نسمات الصباح خرجت من الغرفة وهى تاركه “ريهام” خلفها تغط فى نوم عميق خرجت من المبنى وبمجرد أن رأت الأشجار والخضرة والأزهار أمامها شعرت بسكينة لم تألفها أخذت نفساً عميقاً تملأ رئتيها بذلك الهواء المنعش وابتسامه صغيره تعلو شفتيها سارت قليلا فى الإتجاه الآخر الذى لم تجربه يوم أمس لكنها انتبهت جيداً للطريق الذى تسير فيه حتى لا تضل طريقها مرة أخرى وجدت احد المبانى عملت انه مخصص لإستراحة الغداء بالفعل صاحب المزرعة يهتم بها جيداً وبنى فيها كل ما يلزم لكى تدار من الداخل ادارة ممتازه ما لفت نظرها أيضاً أنه يعمل على اراحه العاملين عنده وهذه نقطة لصالحه لديها جاءت الساعة الثامنة الا الثلث فتوجهت الى المبنى الإدارى الذى يضم مكتب “عمر” وقفت أمام الباب وأخذت نفساً عميقاً ثم طرقته سمعت صوت من الداخل :
– اتفضل
دخلت “ياسمين” لتجد “عمر” جالس على مكتبه يطالع الملفات أمامه .. رفع نظره اليها قائلاً :
– اتفضلى
دخلت وتركت باب المكتب مفتوحاً حانت من “عمر” التفاته الى الباب المفتوح لكنه تجاهل الأمر ولم يعلق جلست “ياسمين” على المقعد أمامه وهى تنتظر ما سيقول عاد الى مطالعة الأوراق أمامه مرة أخر كانت “ياسمين” تشعر بتوتر شديد فهذه هي المرة الأولى التى تعمل فيها والتى تتعامل فيه مع رب عملها هذا فضلاً عن أنها والى الآن لا تدرى ما هو عملها تحديداً أفاقت من شرودها لتنظر الى “عمر”المنهمك فى مطالعة الأوراق أمامه انتظرته أن يتحدث دقيقة اثثنتين عشرة ربع ساعه لكنه بقى كما هو صعدت الدماء الى رأسها وهبت واقفه ومشت لتغادر الغرفة عدها سمعت صوت “عمر” الهادر من خلفها قائلا :
– استنى عندك
وقفت “ياسمين” مكانها دون أن تلتفت اليه .. قام من مكتبه ووقف مواجهاً لها وقال لها بحده :
– راحه فين ؟
نظرت اليه بحده مماثله قائله :
– مادمت حضرتك مشغول خلاص اجي وقت تانى
عقد “عمر” ذراعيه أمام صدره وقطب جبينه ونظر اليها قائلا :
– أنا ما قولتلكيش تعالى وقت تانى
قالت بشئ من الغضب :
– آه .. قولتى اتفضلى وتجاهلت وجودى تماماً وسبتنى أعده منتظرة ربع ساعه بدون ما تتكلم أكنك بتحاول تذلنى .. لكن المعاملة دى أنا مقبلهاش
قال “عمر” بإستغراب :
– أحاول أذلك .. انتى ازاى تفكيرك وصل لكده
– طيب فهمنى حضرتك الصح .. فضلت آعد تبص فى الورق وتكمل شغلك ولا أكنى موجودة
تفرس فيها قليلا ثم قال بهدوء :
– المعاد اللى بينى وبين حضرتك الساعة 8 وحضرتك جيتي بدري ربع ساعة .. مكنش معقول أقولك روحى وتعالى كمان ربع ساعة .. قولتلك اتفضلى .. وكملت شغلى اللى كان فى ايدي لحد ما تيجي الساعة 8
شعرت “ياسمين” بالندم على تسرعها هو اذن لم يرد اذلالها أو التعامل معها بتعالى كما ظنت ندمت جداً على ما تفوهت به رفعت نظرها لـ “عمر” لتجده ينظر اليها فى تحدٍ أطرقت برأسها قليلا ثم رفعت نظرها قائله :
– أنا آسفة فهمت الموضوع غلط
سر “عمر” بإعتذارها وقال فى نفسه هى اذن ليست فتاة متكبرة ترفض الإعتراف بالخطأ والإعتذار عنه .. نظر اليها لحظات ثم قال :
– خلاص محصلش حاجه ..بس حاولى تتحكمى فى انفعالاتك أكتر من كده .. من امبارح وانتى بتتعاملى معايا بحده ملهاش مبرر
قالت “ياسمين” بحزم تغير مجرى الحديث :
– الربع ساعه فاتت .حضرتك مش هتوريني مكان شغلى ؟
ألتفت “عمر” وأسار الى الباب قائلا :
– اتفضلى
سبقته “ياسمين” فى الخروج من المكتب .. سارا معاً خارج المبنى حاولت ترك مسافة بينهما .. كانت تسير وهى واضعة كفيها فى جيب معطفها لتحاول تدفئتهما .. فهى تشعر بأن الدم هرب من أطرافها .. كانت مازلت متوترة لكنها تظاهرت بالتماسك .. سارا معا دون أن يتفوه احداهما بحرف واحد .. أخذها “عمر” الى الأقسام التى تُربى فيها المواشي واقترب من أحد الرجال كان يرتدى البالطو الأبيض .. رجل فى العقد السادس من عمره تبدو عليه الوقار .. كان يقف أمام أحد العمال ويعطى له بعض التعليمات .. اقترب منه “عمر” منادياً اياه قائلا :
– دكتور “حسن”
التفت الرجل الى “عمر” وابتسم وصرف العامل الذى كان يتحدث معه وأقبل على “عمر” قائلا :
– صباح الخير يا باشمهندس ايه النور ده
بادله “عمر” الابتسامه قائلا :
– صباح النور يا دكتور .. أنا جيت أعرف الدكتورة الجديدة على المزرعة عشان تختار المكان اللى تحب تشتغل فيه ..
نظر اليها الرجل وابتسم لها بحنو .. شعرت “ياسمين” بالإرتياح فهو يبدو عليه الإحترام والطيبه .. التفت اليها الرجل قائلا بإبتسامه :
– أهلا بيكي يا دكتورة منورة المزرعة
ابتسمت له قائله :
– أهلا بحضرتك
– ها قررتى تحبي تشتغلى فى ايه “عمر” قالى امبارح انك لو اخترتى قسم المواشي هتكونى تحت اشرافى ان شاء الله لحد ما أخليكي أحسن من أحسن دكتور هنا وانتى أصلا باين عليكي ذكية وهتتعملى بسرعه
سعدت “ياسمين” لهذا الإطراء الذى أعطاها دفعة من الثقة بالنفس .. قالت له :
– طبعا دى حاجه تشرفنى يا دكتور انى أكون تحت اشراف حضرتك .. وان شاء الله أكون تحت حسن ظنك
التفت لها “عمر” قائلا :
– تحبي تشوفى المعمل والاسطبل يمكن تغيري رأيك ؟
أسرعت “ياسمين” قائله :
– لأ أنا هبدأ من هنا ده اذا مكنش عند حضرتك مانع
فكر “عمر” قائلا :
– لأ معنديش مانع .. بس الشغل فى الزرايب هنا مرهق .. لكن معمل التحاليل ……
قاطعته قائله :
– أنا حبه أشتغل هنا
نظر لها “عمر” بقليل من الشك .. لكنه هز رأسه قائلا :
– خلاص براحتك
كانت بالفعل قد شعرت بالإرتياح لهذا الرجل خاصة بأنه فى عمر والدها .. فوجدت أن العمل سيكون جيداً تحت اشرافه
التفت “عمر” الى دكتور “حسن” قائلا :
– خلاص يا دكتور “حسن” .. الدكتورة “ياسمين” هتكون معاك من النهاردة ان شاء الله .. بس خلى بالك زى ما فهمتك هى لسه مبتدأه
ضحك دكتور “حسن” قائلا :
– متقلقش احنا مش بنعذب الدكاترة الجداد هنا بناخدهم واحدة واحدة الأول
التفت “عمر” الى “ياسمين” مرة أخرى قائلا :
– لو مرتحتيش فى الشغل هنا عرفيني
قالت “ياسمين” له بخجل وقد أطرقت برأسها :
– شكراً تعبت حضرتك
انصرف “عمر” .. فطلب دكتور “حسن” من أحد العمال احضار بالطو الى “ياسمين” ارتدته وهى تشعر بالسعادة والتفائل وبدأت يومها الأول فى عملها كطبيبه
***********************
عاد “عمر” الى مكتبه ليجد “أيمن” فى انتظاره .. أحضر له بعض الأوراق التى تحتاج الى توقيعه أخذ “عمر” يراجعها .. عندما سأله “أيمن” :
– أخبار “ياسمين” ايه ابتدت شغل
قال “عمر” وهو ينظر الى الأوراق فى يده :
– آه ابتدت شغل .. وشكلها هتتعبنى أوى
قال “أيمن” بدهشة :
– ليه ايه اللى حصل ؟
رفع “عمر” رأسه ونظر الى “أيمن” قائلا :
– واخده كل حاجه على أعصابها .. بتتعامل معايا بحده من امبارح بدون سبب
– معلش يا “عمر” يعني راعى ظروفها .. أكيد الوضع مش مريح بالنسبة لها .. سايبه بيتها وجايه مكان غريب عشان تهرب من جوزها
– بس أنا لا عملت ولا قولت حاجه تضايقها هى اللى بتفسر تصرفاتى غلط .. بتتعامل معايا وهى حاطه مناخيرها فى السما
صمت قليلا ثم قال :
– وكمان هى غريبه أوى .. يعني توقعت بعد المعاملة اللى بتعاملهالى والرسم اللى بتترسمه ده .. انها تختار مكان زى المعمل تشتغل فيه .. او أضعف الايمان الاسطبل .. لكن تصور اختارت ايه ؟
– ايه ؟
– الزريبه
هز رأسه فى حيره قائله :
– والله ما أنا فاهملها حاجه .. حسستنى وهى بتتكلم معايا أكنها برنسيسه وأنا أجرمت وحاولت أقلل من قدر سموها .. وبعدين .. ألاقيها تختار الشغل فى الزريبه
ضحك “أيمن” قائلا :
– خلاص هى حره مش هى اللى اختارت
قال “عمر” بتحدى :
– أنا واثق انها يوم ولا اتنين ومش هتطيق الشغل هناك وهتجيلى تترجانى انها تشتغل فى مكان تانى .. وأنا أهو وانت أهو
– طيب أسيبك بأه وأروح أكمل شغلى
هم بأن ينصرف لكنه التفت الى “عمر” مرة أخرى قائلا :
– صحيح .. انت معزوم النهاردة على الغدا
– مين اللى عزمنى
ضحك “أيمن” قائلا :
– أنا .. هيكون مين يعني هو فى حد هنا يعبرك ويعزمك غيري
ابتسم “عمر” قائلا :
– وهتأكلنى ايه بأه يا سي “أيمن”
هرش “أيمن” رأسه قائلا :
– بصراحة معرفش .. بس “سماح” عاملة وليمة كبيرة عشان صحبتها
قال له “عمر” باهتمام :
– هى عازمة “ياسمين” ؟
– اه “ياسمين” وأختها وأبوها.. فقولت أعزمك انت كمان أهو تريح معدتك من أكل المطاعم شويه
– مش عايز أضايقكوا يا “أيمن”
– تضايقنا مين يا عم .. أصلا هيبقى البنات أعدين مع بعض .. واحنا اعدين مع بعض .. هتيجي مفيهاش نقاش .. يلا أشوف شغلى بأه .. سلام
**************************
انتهى عمل “ياسمين” فى يومها الأول … كانت سعيدة بالعمل تحت اشراف دكتور “حسن” كان الرجل بحراً من العلم .. استفادت منه كثيراً حتى أنها أحضرت دفتر وقلم لتدون ما يقول .. كان الرجل لا يفتر عن الإدلاء بمعلوماته الطبية ونصائحه وطرق تعامله مع الحالات المختلفة .. أحبت كثيراً العمل معه .. كان سريعاً نشيطاً ولديه خبره كبيرة فى العمل .. وأحبت “ياسمين” ذلك كثيراً .. بعدما انهت عملها .. كانت فى طريقها الى المبنى السكني عندما تلقت اتصالا من سماح :
– ها خلصتى شغل
– اه لسه مخلصة حالا
– ايه اخبار الشغل فى المزرعة
قالت “ياسمين” بحماس :
– ممتاز يا “سماح” قابلت هنا دكتور مش قادرة أقولك انسان محترم جدا وكمان شاطر جدا جدا ومش من النوع اللى بيبخل يديكي معلومة .. بالعكس طول اليوم مبطلش كلام عن الحالات بجد استفدت منه جدا
قالت “سماح” وقد سرها فرح وحماس صديقتها بالعمل فى المزرعة :
– كويس أوى الحمد لله .. بما انك خلصتى بأه فجهزى نفسك انتى و”ريهام” وعمو
قالت “ياسمين” بحرج :
– تعبتك أنا عارفه
– يا بنتى بطلى الهبل ده الله طول اليوم وأنا فرحانه ومش عارفه أعملكوا ايه ولا ايه
قالت “ياسمين” بإمتنان :
– تسلمى يا “سماح”
ثم استطردت قائئله :
– انتى وحشانى جداا .. ومش مصدقه انى اخيرا هشوفك
– انتى اللي وحشانى بجد .. يلا بسرعة بأه منتظراكوا .. اه “ياسمين” انتوا هتيجوا مع “أيمن” فى العربية
قالت “ياسمين” بحرج :
– لأ يا “سماح” قوليلى العنوان واحنا هنيجي
– يا بنتى أصلا “أيمن” عندك فى المزرعة ايه اللى يخليكوا تتشحططوا فى المواصلات وكمان فى بلد غريبة يلا اخلصى جهزى نفسك وهو أما يخلص شغله هيتصل بيكوا
ذهب “ياسمين” الى غرفتها وأخذت دشا وارتدت ملابسها واستعدت هى و “ريهام” ووالدهما وعندما اتصل “أيمن” أعطت الهاتف لوالدها وأخبره “أيمن” أنه ينتظرهم أمام بوابة المزرعة ركب ثلاثتهم وانطلقوا الى بيت “سماح” تعانقت الصديقتان بشدة ودموع الفرح يبلل وجهيهما لكم اشتاقت الى “سماح” والسمر معها كان “ياسمين” فى قمة سعادتها فها هى أسرتها ملتفة حولها وصديقتها المقربة بجوارها كانت وجوه الجميع سعيدة ضاحكة فتساءلت “ياسمين” هل توجد سعاده أكتر من ذلك جميع من تحبهم ملتفون حولك يتسامرون ويضحكون كانت تشعر بسعادة فارقت قلبها مدة طويلة فى ذلك اليوم نسيت كل مشاكلها وأحزانها ولم تغادر الابتسامه شفتيها قط أثناء ما كانت تجهز الطعام مع “سماح” فى المطبخ سمعت جرس الباب فقالت ” سماح” على الفور :
– ده أكيد “عمر”
التفتت “ياسمين” اليها قائله بدهشة :
– “عمر” مين ؟
– “عمر” صاحب “أيمن”
هزت “ياسمين” رأسها .. فلم تتوقع أن توجه له الدعوة أيضاً .. قالت “سماح” شارحه :
– بيصعب عليا أوى عايش لوحده مفيش حد معاه وعشان كده “أيمن” عزمه النهارده
قالت “ياسمين” لصديقتها :
– عايش لوحده ليه .. وأهله فين ؟
– أهله فى القاهرة عايشين هناك وهو كمان كان عايش هناك بس استقر هنا من شهر ونص تقريباً
– هو عايش فى المزرعة مش كده ؟
– أيوة فى فيلا صغيرة .. أكيد شوفتيها
أومأت برأسها وصرفت ذهنها الى الإهتمام بالأطباق التى تحضرها.
التف الثلاث رجال حول طاولة الطعام .. أشاد “عمر” بالأكل قائلا :
– الأكل ممتاز يا “أيمن” مراتك نفسها حلو فى الأكل
ابتسم “أيمن” قائلا :
– تسلم يا “عمر” .. يلا عقبالك انت كمان ما تترحم من أكل النواشف
قال “عبد الحميد” لـ “عمر” :
– انت مش متجوز يا باشمهندس
ابتسم له “عمر” قائلا :
– لأ يا عم “عبد الحميد”
– ليه يا ابنى كده ده أنا لما كنت فى سنك كنت متجوز ومخلف البنتين كمان .. وانت راجل ما شاء الله عليك متتعيبش
اختفت ابتسامه “عمر” ورد قائلا :
– لسه ملقتش بنت الحلال يا عم “عبد الحميد” .. ادعيلي ألاقيها
– ربنا يريحك بالك ويكتبلك الخير يا باشمهندس
ثم استطرد قائلا :
– ويجزيك خير على اللى عملته معانا ومع بنتى .. جميلك على راسنا من فوق
أسرع “عمر” قائلا :
– لا جميل ولا حاجه يا عم “عبد الحميد”
لمعت عينا “عبد الحميد” بالدموع وقال موجها حديثه لـ “عمر” و “أيمن” :
– لولاكم مكنتش عارف ايه اللى كان ممكن يحصل كان زمانا تحت رحمة اللى ميتسماش ده أنا لما عرفت انه حاول يخطفها كنت حاسس انى هموت من الرعب لأن ملناش ضهر نتسند عليه وهو شراني هو وأهله ومش هيسيبوا بنتى فى حالها
تحدث “أيمن” ليطمئنه قائلا :
– متقلقش يا عم “عبد الحميد” هو مستحيل يعرف مكانها هنا
قال “عمر ” :
– وكمان مفيش حد غريب بيدخل المزرعة مبيدخلهاش الا اللى شغالين فيها بس يعني اطمن
قال “عبد الحميد” بتأثر :
– ربنا يباركلكوا ويجزيكوا خير ويفتحها عليكوا ويكفيكوا شر طريقكوا
****************************
فى صباح اليوم التالى .. كان “عمر” فى مكتبه بالمزرعة عندما سمع طرقات صغيره على الباب .. فهتف قائلا :
– اتفضل
انفتح الباب وانغلق بهدوء .. سمع صوت أنثوى يقول :
– صباح الخير يا باشمهندس “عمر”
رفع رأسه ليستطلع القادم كانت فتاة فى بداية العقد الثالث بيضاء البشرة ذات عينيين عسليتين جميلة الملامح رسمت على شفتيها ابتسامه كبيرة وتلعت فى عينيه بجرأة نظر اليها قائلا :
– أيوة يا دكتورة “مها” .. خير
كانت “مها” دكتورة تحاليل تعمل فى معمل المزرعة مدت يدها بملف صغير وقالت بنفس الإبتسامه ودون أن ترفع عينيها عنه :
– ده ملف تحاليل العينات اللى أخدناها الاسبوع ده جبته لحضرتك عشان تطلع عليه
نظر اليها بصرامة قائلا :
– أنا قلت لحضرتك أكتر من مرة يا دكتورة ان النتايج تتجمع وتتعرض عليا كل شهر أنا مش فاضى أطلع عليها مرة ولا مرتين فى الاسبوع وسبق وقولت لحضرتك الكلام ده أكتر من مرة
شعرت “مها” بالارتباك وقالت :
– أنا بس كنت حبه ان حضرتك تشوفهم أول بأول عشان ……
فاطعها قائلا :
– لو عايز أشوفهم أول بأول هطلب من حضرتك كده
لم تجد ما تقول صمتت قليلا ثم قالت :
– أنا آسفه يا باشمهندس انى عطلتك .. بعد اذنك
ثم توجهت الى الباب وانصرفت .. حرك “عمر” رأيه يميناً ويساراً بسخرية ثم انكب على عمله ليكمله
كانت “ياسمين” متجهه الى مبنى استراحة الغداء عندما وقع نظرها على “عمر” أشاحت بوجهها واستمرت فى طريقها عندها نادى عليها ليوقفها قائلا :
– لحظة يا دكتورة لو سمحتي
وقفت “ياسمين” واستدارت نحوه .. أقبل عليها قائلا :
– أخبار الشغل ايه مرتاحه فى المكان اللى اخترتيه
ردت قائله :
– أيوة الحمد لله
تفرس فيها قائلا :
– يعني الشغل مش متعب .. ومناسب ليكي
– لأ الشغل ممتاز ومناسبنى جدا
فى تلك الأثناء كانت “مها” متوجهه الى مبنى الاستراحة فرمقت “ياسمين” بنظرة نارية .. تعجبت “ياسمين” لهذه الفتاة التى ترمقها بتلك النظرات وهى لا تعرفها .. سمعت “عمر” يقول :
– طيب لو واجهتك مشاكل عرفيني
قال ذلك ثم تركها وانصرف توجهت “ياسمين” الى المبنى و أحضرت صنية طعامها والتفتت لتبحث عن مكان لتجلس فيه كانت احدى الفتيات جاله على طاولة بمفردها أشارت لـ “ياسمين” كى تتقدم نحوها ذهبت اليها “ياسمين” فابتسمت اليها الفتاة قائله :
– انتى الدكتورة الجديدة .. اتفضلى اعدى معايا
ابتسمت لها “ياسمين” وجلست فى المقعد المقابل لها
مدت الفتاة يدها الى “ياسمين” وقالت لها مبتسمه :
– أنا دكتورة “شيماء”
بادلتها “ياسمين” الابتسام وسلمت عليها قائله :
– و أنا دكتورة “ياسمين”
– أهلا بيكى أنا عرفت انك شغاله تحت اشراف دكتور “حسن”
اتسعت ابتسامة “ياسمين” قائله :
– بالظبط كده
قالت “شيماء” بمرح :
– أنا بأه شغاله فى الاسطبلات انا المشرفة على جميع الخيول هنا
– كويس أوى .. واضح انك شاطرة أوى
ضحكت “شيماء” قائله :
– متقلقليش بكرة تبقى زيي و أحسن
فى هذه الأثناء رأت “ياسمين” الفتاة التى كانت ترمقها بالخارج تتقدم نحول طاولتهما .. قالت الفتاة لـ “شيماء” ونظراتها مصوبة تجاه “ياسمين” :
– مش تعرفينا يا شيماء”
قالت”شيماء” وكأنها تستثقل المهمة :
– دكتورة “مها” بتشتغل فى معمل المزرعة .. دكتورة “ياسمين” بتشتغل فى قسم المواشي تحت اشراف دكتور “حسن”
رفعت “مها” حاجبيها قائله بخبث :
– مواشي !! بس دى شغلانه ذكوريه أوي .. أنا لما شوفتك واقفه بتتكلمى مع الباشمهندس “عمر” كنت فكراكى حد مهم ….
ثم نظرت الى “ياسمين” بسخرية قائله :
– بس تعرفى الشغلانه لايقه عليكى
قالت ذلك وانصرفت كانت “ياسمين” بالفعل تحب عملها لذلك تضايقت من كلام تلك الفتاة واحتارت أكثر لماذا تتحدث اليها بتلك الطريقه ولماذا ترمقها بتلك النظرات أخرجتها “شيماء” من حيرتها قائله :
– سيبك منها هى متغاظة منك بس
التفتت اليها “ياسمين” قائله بدهشة :
– ليه أنا معملتلهاش حاجه ؟
– كفاية انها شافتك واقفه بتتكلمي مع الراجل اللى هتموت عليه
قالت “ياسمين” بإستغراب :
– قصدك مين
– “عمر الألفى”
أطرقت “ياسمين” رأسها فى صمت .. أكملت “شيماء” حديثها وكأنها تبوح بسر من أسرار الدوله :
– أصلها حطه عينها عليه من زمان .. وكل شويه تتسهوك وتروحله مكتبه بأى حجه .. لا وإيه كانت مفهمانا انه معجب بيها وانهم خلاص على وشك الإرتباط .. لحد ما خدت زمبه كبير أوى
رفعت ياسمين رأسها ونظرت اليها متسائله فإنتقلت “شيماء” الى المقعد المجاور لـ “ياسمين” وأكملت “شيماء” قائله :
– لقيناه فجأة خطب ونأبها طلع على شونه عرفنا ساعتها انها كانت بتسرح بينا بس ايه خطب حتت بنت موزه يا “ياسمين” تحل من على حبل المشنقة واهلها ناس واصلين أوى الباشمهندس “عمر” جبها هنا من فترة هى وأمها و أبوها حتة بنت عاملة زى الملبن لأ وأمها تشوفيها تقولى أختها مش أمها
كانت “ياسمين” تستمع الى حديث “شيماء” بصمت وبدون تعقيب .. صمتت قليلا ثم قالت :
– مادام خاطب .. هى عايزه منه ايه
– لأ ما هو فسخ خطوبته من شهرين كده
رفعت “ياسمين” حاجبيها بإستغراب .. فأكملت “شيماء” قائله :
– كانوا خلاص محددين معاد الفرح وفجأه أول ما الفرح قرب سابها وفسخ الخطوبة أكيد طبعا اللى زي ده مش عايز يقيد حريته بالجواز عشان يبقى على راحته مع البنات وتلاقيه مكنش ناوى يتجوزها من الاول بس حب يقضيله يومين
شعرت “ياسمين” بالدهشة من كلام “شيماء” وقالت :
– مش للدرجة دى يعنى
فقالت “شيماء” بثقه :
– لأ للدرجة دى وأكتر من كدة كمان واحد غنى جدا ووسيم جدا والبنات بتترمى تحت رجليه ايه اللى يخليه يقطع علاقاته دى كلها ويتجوز ..
انهت “ياسمين” غدائها وانصرفت الى عملها .. ودون أن تقصد أخذت تفكر فى كلام “شيماء”
أنهت “ياسمين” عملها وأخذت تمشى فى المزرعة وصلت الى احدى الأشجار الكبيرة كانت الشجرة كبيرة ولها شكل مهيب أعجبت “ياسمين” بجمالها وبالطريقه التى تم بها تقليم أوراقها فأعطتها شكل جذاب توجهت اليها لتحتمى بظلها أسندت ظهرها على أحد فروعها وشردت بعيداَ كانت تشعر فى هذا المكان بسكينة غريبه وكأنه لا يوجد فى هذا العالم سواها والسماء والمساحة الشاسعه من الخضرة أمامها
تمنت لو تبقى هنا للأبد فى هذا المكان وفى هذا الموضع جلست على غصن كبير وأسندت رأسها على الشجرة وأغمضت عينيها تستمع الى تغريد العصافير على الشجر تستمتع بالنسمات التى تلفح وجهها بنعومه ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تستمتع بما حولها وهى مغمضة عينيها فى صمت
كان “عمر” يسير على غير هدى حتى استوقفه منظر الفتاة التى تجلس مغمضة العينين على غصن شجرته نعم شجرته الشجرة الوحيدة التى زرعها بيديه مع جده وهو صغير ظل يتأمل ابتسامتها العذبه الباديه على محياها والهدوء والراحة والسكينة التى تبدو على وجهها أطلق احد الطيور صوتا عاليا بالقرب من “ياسمين” فإنتفضت خائفه تنظر للطائر وهو يبتعد التفتت أمامها لتجد “عمر” الذى يقف على بعد أمتار منها واضعاً يديه فى جيب بنطاله ويوجهه نظره اليها شعرت بالخجل وتساءلت منذ متى وهو يقف هنا أوقف يشاهدها أم استوقفه شئ آخر نهضت من على الجذع وأطرقت برأسها سارت لتعود الى غرفتها مرت بجواره فالتفت اليها واستوقفها قائلا :
– لحظة واحدة لو سمحتى
التفتت اليه دون أن تنظر اليه راقب “عمر” حمرة الخجل التى تتصاعد الى وجنتيها مشهد لم يعتاده من قبل وقف لحظات ينظر لها فى صمت حتى تململت الفتاة قائله :
– خير يا باشمهندس فى حاجه ؟
أدخل يده فى جيب الجاكت وأخرج حفنة من المال كان قد أعدها سلفاً ومد يده بها اليها .. نقلت بصرها من وجهه الى يده ثم الى وجهه مرة أخرى وقالت بإستغراب :
– ايه ده ؟
قال بهدوء :
– مرتبك
أعادت ما قال بدهشة :
– مرتبى ؟
ابتسم ابتسامه زادته وسامة قائلا :
– أيوة مرتبك .. أمال كنتى فاكره هنشغلك عندنا مجانا ولا ايه
صمتت قليلا ثم قال :
– صحيح دى أول مرة أشتغل فيها بس اللى أعرفه ان الناس بتقبض مرتبها آخر الشهر بعد 30 يوم .. مش بعد 3 أيام
قال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
– تمام .. بس انتى حالة خاصه
نظرت اليه “ياسمين” وقالت بحزم :
– قولت لحضرتك قبل كدة تعاملنى زى أى حد بيشتغل هنا بدون تمييز
– طيب خديهم يمكن تحتاجيهم .. ومن الشهر الجاى تقبضى زى زمايلك
قالت ببرود :
– لأ شكرا .. مش هحتاجهم
نظر اليها “عمر” بشئ من الغضب ثم أعاد المال الى جيبه قائلا :
– براحتك
صمت قليلا ثم قال :
– أنا مش فاهم انتى ليه بتتعاملى كده
نظرت اليه صامته .. فأكمل قائلاً :
– بتتصرفى معايا بحده من أول يوم جيتى فيه هنا .. واسلوبك معايا غريب
نظرت اليه ببرود قائله :
– وايه الاسلوب اللى عايزنى أتعامل بيه مع حضرتك ؟
– المفروض اننا معرفة يعنى أخويا وصاحبي متجوز أعز صحابك يعنى المفروض يكون فى ود وعشم فى التعامل بينا تجاملينى أجاملك يبقى فى علاقة مريحة بينا تبتسمى فى وشي بدل ما انتى مركبالى الوش الخشب ده أنا شوفتك وانتى بتتعاملى مع دكتور “حسن” بتتعاملى معاه بطريقه طبيعيه وبذوق وبتبتسمى فى وشه يعني كل اللى طالبه انك تتعاملى معايا زى أى بنت عادية
أطرقت “ياسمين” وقد بدأت تفهم طبيعة هذا الرجل الواقف أمامها والذى اعتاد على تهافت الفتيات عليه واللاتي يحاولن جذبه اليهن بالكلمة تارة وبالابتسامه تارة أخرى فسار هذا عنده هو المعتاد والطبيعي والمألوف لذلك هو يجد طريقة تعاملها الجادة معه ووضع الحدود فى الكلام. شئ غريب على مثله لكنه سيعلم قريباً بأنها ليست كغيرها
رفعت رأسها ونظرت اليه وقالت بهدوء وحزم :
– أنا مش زى البنات اللى حضرتك بتتعامل معاهم
فظر اليها صامتاً فاستطردت قائله :
– دى طبيعتى وده اسلوبي ومش هغيره عشان أى حد حتى لو كنا معرفة زى ما حضرتك بتقول .. فده مش معناه ان مفيش حدود بينا
نظر اليها وقد ضاقت عيناه فى صمت .. تركته وانصرفت .. تابعها بعينيه وهى تسير فى طريقها بثقه .. رغم الضيق الذى شعر به من اسلوبها معه .. إلا أنه وجد ابتسامه صغيرة ترتسم على شفتيه ببطء
طرق والدها باب الغرفة ففتحت له “ريهام” دخل وجلس مع بنتاه ووجه حديثه الى “ياسمين” قائلاً :
– ايه يا “ياسمين” مرتاحه فى شغلك
ابتسمت له قائله :
– جداً يا بابا الحمد لله .. المكان هنا جميل .. والشغل مع دكتور “حسن” مفيد جداً
– طيب الحمد لله .. يعني مفيش حد بيضيقك هنا
– لأ يا بابا اطمن
– عامة لو حد ضايقك قولى للباشمهندس “عمر” على طول
اختفت ابتسامتها وقالت لوالدها :
– لو حد ضايقني أنا أقدر أتصرف معاه كويس .. مش محتاجه حد يدافع عني .. اطمن عليا يا بابا
فى تلك الليلة أغمضت عينيها فى محاولة للاستسلام للنوم .. لكنها وجدت نفسها تفكر فى كلام “شيماء” عن “عمر” .. ترى لماذا ترك خطيبته هل هو شخص لاهى كما تصوره “شيماء” هل له علاقة فعلاً بـ “مها” هل هى الوحيدة أم علاقاته امتدت لفتيات غيرها بالمزرعة اذا كان فعلا شخص عابث فلماذا ترك القاهرة وأتى لتلك البلدة الريفية أله حبيبه هنا لا يقوى على فراقها ؟ لامت نفسها بشدة على الإهتمام بمعرفة اجابات تلك الأسئلة التى انطلقت كالشلال في رأسها حاولت نفض تلك الأفكار من رأسها لكن عيناه السوداوين العميقتين ظلت صورتهما تطاردها فى رأسها هبت جالسه وهى تشعر بالغضب من نفسها توضأت وصلت ركعتين وانشغلت بقراءة احدى الروايات لتصرف تفكيرها عنه