مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثالث عشر

7 4٬220
 

مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثالث عشر

مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثالث عشر

مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثالث عشر

مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الثالث عشر, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,كريمة جزائرية

البارت 22

مرت عدة أيام و “ياسمين” سعيدة بعملها فى المزرعة وتحت اشراف دكتور “حسن” كان مريحاً فى التعامل ولم تحدث مشاكل بينهما كانت مبهورة بعلمه وبمهارته فتتعلم منه كل يوم شيئاً جديداً أيضاً دكتور ” “حسن” أعجب كثيراً بذكائها وحماسها ونشاطها وسرعتها فى التعلم فكان يعتبرها تلميذته النجيبه ويتنبأ لها بمستقبل باهر فى عملها شعر الأسى عليها عندما علم منها بقصتها والسبب الذى دفعها هى وأهلها للمجئ الى المزرعة طمئنها وبث الأمل فيها بأن فرج الله قريب عليها فقط أن تتحلى بالصبر وسيخرجها الله من محنتها..

فى ذات يوم قدم الى المزرعة رجل فى العقد السادس من عمره أتى بسيارته الفارهه وبدلته الأنيقة استقبله “عمر” بعدما نزل من سيارته أمام بيت المزرعة :

– أهلا بيك يا أستاذ “شاكر”

سلم عليه الرجل قائلا :

– أهلا بيك انت يا بشمهندس أنا متشكر انك هتديني شوية من وقتك

– لا أبدا ازاى حضرتك تقولى كده .. اتفضل

أدخل “عمر” الرجل الى بيت المزرعة .. كان الرجل هو عميل من عملاء “عمر” الذين يشترون ما تنتجه المزرعة من ألبان .. رحب “عمر” بالرجل وقدمت لهم الخادمة أقداح الشاى الساخن .. تحدث الرجل قائلا :

– بصرحة أنا كنت عايز منك خدمة يا بشمهندس واتمنى انك متخذلنيش

أسرع “عمر” قائلا :

– طبعا يا أستاذ “شاكر” اتفضل

– أنا ابنى الصغير فى آخر سنة له فى كلية الطب البيطرى .. وانت عارف ان أى شغل بيتطلب خبره .. الولد معندوش أى فكره عن أى شئ .. انت عارف ان فى مصر للأسف بندرس فى الجامعه حاجة والشغل العملى بيكون حاجه تانية خالص .. فأنا كنت حابب بما انه فى آخر سنة انه ييجي يتدرب عندك هنا فى المزرعة .. أنا عارف ان عندك دكاترة ممتازين جدا وانك مش بتشغل عندك الا ناس كفائتها عاليه .. أنا بس عايزه يكون تحت ايديهم .. وكمان ده هيفيده فى امتحاناته السنة دى لان عندهم جزء كبير عملى .. وهو زى ما قولت ميح خالص

أسرع “عمر” قائلا :

– طبعا يا أستاذ “شاكر” .. يشرفنا وجوده فى المزرعة وهنا عندنا دكاترة ممتازين وان شاء الله يستفاد منهم

– متشكر جدا يا بشمهندس وهو ده كان العشم

انتهت المقابلة وانصرف “شاكر” … حان معاد استراحة الغداء عندما تركت “ياسمين” ما بيدها لتذهب لتتناول طعامها .. لمحت عند البوابة فلاحه بسيطة كبيرة فى السن تتحدث مع الرجل الواقف على البوابة والرجل يحاول اخراجها وهى تأبي أن تخرج .. لفت المشهد نظر “ياسمين” خاصة وأن الرجل كان يتعامل مع السيدة الكبيرة بغلظة وخشونة .. اقتربت من البوابة فسمعت تلك السيدة تقول :

– أبوس ايدك يا ابنى دخلنى .. أنا زى أمك

رد عليها الرجل وهو يدفعه لتخرج خارج المزرعة :

– لا أمى ولا أبويا .. ممنوع يامه محدش بيدخل هنا غير اللى بيشتغلوا بس

– يا ابنى ما انا كنت بشتغل هنا .. أبوس ايدك دخلنى

– يا ست امشى بأه الله يسهلك

تقدمت “ياسمين” منهما قائله :

– خير فى ايه ؟

قالت السيدة بسرعة وكأنها تستنجد بـ “ياسمين” :

– الهى يكرمك يا بنتى خليه يدخلنى .. أنا ورايا عيال اعمل ايه بس يا ربي

وجهت “ياسمين” كلامها الى الرجل قائله :

– حضرتك مش عايز تدخلها ليه

– عشان ممنوع حد يدخل الا اذا كان بيشتغل فى المزرعة ودى مبتشتغلش فيها

انفجرت السيدة باكية وقالت :

– طيب أعمل ايه بس يا ربي ..

رق قلب “ياسمين” لحال تلك السيدة وأخذتها وخرجت من البوابة لتتحدث معها .. ربتت بكفها على كتف السيدة قائله :

– خير يا حجه مالك فى ايه

قالت السيدة وهى مازالت تبكى :

– أنا يا بنتى كنت بشتغل هنا .. بس عندى عيل تعب وكنت عده جمبه فى المستشفى .. بعيد عنك وعن السمعيين جاله التهاب جامد فى الرئه وكان يا حبت عيني بيتوجع أوى .. دخلت بيه المستشفى وغبت فترة .. رجعت لقيتهم حسبي الله ونعم الوكيل فيهم طردونى من الشغل عشان غبت فترة طويله

– طيب وليه مشرحتلهمش ظروفك

– هما يا بنتى مدينى فرصة أشرح حاجه .. أنا ورايا كوم لحم أعمل ايه فيهم بس يا ربي

وانفجرت مرة أخرى فى البكاء .. وأمسكت يد “ياسمين” قائله :

– انشاله ينجيكى ويكفيكي شر المرض ساعديني أدخل أتكلم مع رئيس العمال يمكن يرضى يرجعنى تانى

كاد قلب “ياسمين” أن ينفطر لحال تلك السيدة المسكينة وقررت أن تساعدها .. فقالت لها :

– طيب أنا هساعدك يا حجه وهشرحلهم ظروفك .. تعالى بكرة فى نفس المعاد وأنا أقولك عملت ايه

حاولت السيدة تقبيل يدها فسحبتها “ياسمين” بسرعة .. قالت لها :

– ربنا يباركلك يا بنتى ويكفيكي شر طريقك .. أنا كل يوم باجى هنا .. هاجى بكرة ويارب أسمع خبر حلو

ابتسمت لها “ياسمين” فى حنو وربتت على كتفها قائله :

– ادعى ربنا وان شاء الله يرجعوكى الشغل تانى

تركتها “ياسمين” ودخلت وهى متأثره بشدة .. كيف يطردون سيدة مثلها وهى فى أمس الحاجة للمال .. توجهت الى المبنى الإدارى حيث مكتب “عمر” .. طرقته طرقات خفيفة ..سمعت صوت من الداخل :

– اتفضل

دخلت رفع “عمر” رأسه ليجدها أمامه هز رأسه لتتقدم تركت الباب مفتوحاً كما المرة الماضية ودخلت وقفت أمام المكتب قائله :

– صباح الخير يا بشمهندس

رد “عمر” :

– صباح النور

نظر “عمر” الى الباب المفتوح .. ثم نظر اليها قائلا :

– هو مينفعش الباب يتقفل .. لازم اللى رايح واللى جاى يتفرج علينا

ارتبكت “ياسمين” نظرت الى الباب ثم اليه .. كان يرقب ردود أفعالها .. قالت بتوتر :

– آسفه مش هينفع أقفله

همت بالإنصراف ثم قالت :

– خلاص مفيش مشكلة شكراً

أوقفها “عمر” قائلاً :

– استنى

الفتت اليه فنظر اليها قائلاً :

– انتى على طول متسرعة كدة

صمتت ولم تجب .. أشار برأسه الى الكرسي أمام المكتب قائلا بصرامة :

– اعدى

تقدمت “ياسمين” وجلست نظر اليها كانت تحاول استجماع قواها وترتيب أفكرها صمتت لحظات ثم التفتت اليه تنظر اليه قائله :

– فى واحدة كانت بتشتغل هنا فى الحلب هى ست كبيرة فى السن وشكلها على أد حالها كانت واقفة على البوابة الراجل مش راضى يدخلها اتكلمت معاها طردوها من الشغل عشان كانت بتغيب كتير بس هى معذوره ابنها كان تعبان فى المستشفى وهى كنت أعده جمبه

كان “عمر” يراقبها وهى تتحدث وعلى وجهها ملامح التأثر لحال تلك السيدة .. بلعت ريقها ثم استطردت قائله :

– هى غلبانه أوى وملهاش شغل تانى تصرف منه على ولادها .. يعني لو ينفع .. يعني .. حضرتك ..

قاطعها قائلا :

– بتتوسطيلها عندى يعني ؟

بللت شفيها بلسانها وقد شعرت أن حلقها جاف من التوتر .. قالت :

– لو ينفع حضرتك ترجعها الشغل تانى يبقى خدت فيها ثواب .. لأن فعلا شكلها محتاجة للشغل أوى

صمت “عمر” لحظات ثم نظر اليها قائلا :

– لو فعلا مشوها للسبب ده يعني بسبب غيابها فأنا هقول لرئيس العمال يرجعها تانى

لم تصدق “ياسمين” ما سمعت شعرت بفرحة عارمة أن استطاعت مساعدة تلك السيدة الفقيرة نظرت الى “عمر” وهتفت والابتسامه تعلو شفتيها :

– بجد ؟ يعني هترجعوها الشغل ؟

راقب “عمر” ابتسامتها والفرحة التى تعلو وجهها من أجل سيدة لا تعرفها ولم تلتقى بها من قبل ساد الصمت لاحظت “ياسمين” تفرسه فيها فشعرت بحمرة الخجل وهى تتصاعد الى وجنتيها فخفضت بصرها قال بعد برهه :

– أيوة لو كان زى ما قالت هو ده السبب اللى طردوها عشانه يعني متكنش عملت حاجه غلط سرقت مثلا أو سببت تلفيات

شكرته “ياسمين” قائلا :

– شكراُ لحضرتك وهى عامة بتيجي تقف كل يوم أدام البوابة وهى هتيجي بكرة عشان تعرف اذا كانت هترجع الشغل ولا لأ

هز “عمر” رأسه .. فنهضت “ياسمين” ونظرت اليه قائله :

– متشكره مرة تانية

ثم خرجت وأغلقت الباب وراءها .. ظل “عمر” ينظر الى الباب المغلق و هو يفكر فى رقة قلب تلك الفتاة .. التى شعرت الفرح الذى أنار وجهها من أجل تلك السيدة الفقيرة .. كم هى رقيقه .. تحب الخير للآخرين .. كان مستغرقاً فى تفكيره عندما طرق “أيمن” الباب ودخل قائلاً ببشاشة :

– ازيك يا “عمر”

ابتسم له “عمر” قائلا :

– تمام الحمد لله

جلس “أيمن” على المقعد التى كانت تجلس فيه “ياسمين” منذ قليل .. تفرس فى صديقه الشارد الذهن قائلا :

– ايه مالك فى ايه

ابتسم “عمر” قائلا :

– لا أبداً مفيش حاجه

قال “أيمن” لصديقه وهو يشير الى ذراعه اليسرى الموضوعه على المكتب :

– أخبار دراعك ايه دلوقتى

رفع “عمر” ذراعه ونظر اليه قائلا :

– الحمد لله أحسن كتير .. من ساعة ما فكيت الجبس وأنا مواظب على العلاج الطبيعي وحاسس بتحسن .. المشكلة بس انى كل فترة بحس فيها بتنميل شديد ومبكنش قادر احركها

قال “أيمن” بقلق :

– ما قولتش للدكتور اللى متابع معاك الكلام ده ليه ؟

تنهد “عمر” قائلا :

– قولتله وقالى طبيعي .. ده نتيجه لضعف الأعصاب فى دراعى بعد الحادثة .. وان العلاج الطبيعي هيقوى الأعصاب وهترجع ايدي تانى زى الأول

حث “أيمن” صديقه قائلا :

– يبأه ركز فى موضوع العلاج ده ومتهملوش يا “عمر”

ابتسم له “عمر” فى صمت .. ثم استأذن “أيمن” فى الإنصراف الى عمله .

*****************************

دخلت “ياسمين” غرفتها لتجد “ريهام” جالسه على فراشها .. هبت واقفه بمجرد أن رأتها وقالت :

– أخيرا شرفتى سيادتك

قالت “ياسمين” وهى تغير ملابسها :

– معلش يا “ريهام” النهاردة كن يوم متعب جدا واتأخرنا شوية

قالت “ريهام” بتبرم :

– على طول انتى مشغولة وبابا كمان مشغول فى الشغل الجديد اللى شافهوله البشمهندس “عمر” .. وأنا أعده لوحدى طول النهار

نظرت الهيا “ياسمين” قائله :

– ما انتى بتذاكرى يا “ريهام” عشان خلاص الترم قرب يخلص

قالت بزهق :

– اتخنقت خلاص .. طول النهار مذاكره مذاكره .. بجد اتخنقت نفسي نطلع أنا وانتى نتفسح شوية .. نشوف ناس نعد أعده حلوة

ابتسمت لها “ياسمين” قائله :

– خلاص اتفقنا .. بعد بكرة الجمعة ان شاء الله .. تعالى نطلع نتفسح فى أى مكان ونغير جو

هتفت “ريهام” بفرحه :

– بجد يا “ياسمين” ؟ … هيييييييييه

قالت “ياسمين” بفرحة :

– ايه رأيك كمان أكلم “سماح” واهى تغير جو معانا هى كمان

ابتسمت “ريهام” قائله :

– طبعا فكرة حلوة جدا كلميها دلوقتى عشان تعمل حسابها

هاتفت “ياسمين” صديقتها واقترحت عليها الخروج معاً يوم الجمعة .. فقالت لها “سماح” :

– موافقة طبعا .. أنا كمان مخنوقة جدا .. ولسه كنت بقول لـ “أيمن” كدة .. خلاص هستأذنه وأرد عليكي يا “ياسمين”

– خلاص وأنا منتظرة اتصالك ان شاء الله

بعدما عاد “أيمن” من العمل التف الإثنان حول طاولة الطاعم وأخبرته “سماح”برغبتها فى التنزه مع “ياسمين” و “ريهام” قائله :

– بصراحة نفسي أخرج يا “أيمن” أنا على طول محبوسه فى البيت

مسح “أيمن” بكفه على شعرها قائلا :

– معلش يا حبيبتى .. عارف انى بسيبك لوحدك كتير

أخذت يده الموضوعه على شعرها وقبلتها قائله :

– ربنا يعينك يا حبيبتى أنا عارفه انت بتتعب أد ايه .. عارف نفسي نخرج سوا بس انت بتكون مشغول حتى يوم الجمعة

ابتسم لها “أيمن” قائلا :

– أنا أفضى نفسي عشانك يا حبيبتى

هتفت بسعادة قائله :

– بجد يا “أيمن” ؟ .. يعني هنخرج سوا يوم الجمعة ؟

قلبها قائلا :

– طالما حبيبتى عايزه تخرج تتفسح .. يبقى لازم نفسحها

ما لبثت أن تلاشت ابتسامة “سماح” قائله :

– طب و”ياسمين” .. يا ربي .. خايفه تزعل منى

فكر “أيمن” قليلا ثم قال :

– طيب أنا عندى اقتراح حلو

نظرت اليه “سماح” بلهفه قائله :

– ايه هو ؟

– ايه رأيك نطلع أنا وانتى و “ياسمين” و “ريهام” وعم “عبد الحميد” ونقضى يوم فى راس البر

– بجد يا “أيمن” ؟

– أيوة بجد هيكون يوم حلو وتغيير جو .. وكمان الفترة دى البلد بتكون فاضية يعني هنكون على راحتنا .. وانتى تغيري جو وكمان تتفسحى مع صحبتك

قامت “سماح” معانقه اياه قائله :

– انت أحسن زوج فى الدنيا دى كلها

أمسك رأسها بين كفيه وقبلها قائلا :

– وانتى أروع زوجة فى الدنيا دى كلها

*************************

– صباح الخير يا دكتورة “ياسمين”

كانت “ياسمين” تستعد لبدء عملها .. عندما دخل دكتور “حسن” وألقى عليها تلك العبارة .. التفتت اليه قائله :

– صباح الخير يا دكتور “حسن”

سألها دكتور “حسن” وهو يستعد بإرتداء البالطو :

– ايه أخبار حالة الـ mastitis بتاعة امبارح

– كله تمام يا دكتور .. اديتلها جرعة الـ antibiotic بعد ما حضرتك مشيت .. وان شاء الله همر عليها دلوقتى

توجهت الى باب المكتب لتهم بالخروج عندما استوقفها قائلاً :

– دكتورة “ياسمين”

التفتت اليه قائله :

– أيوة يا دكتور

– فى طالب هييجى يتدرب عندنا هنا .. هو ابن لعميل مهم من عملاء المزرعة .. البشمهندس “عمر” وصاني عليه .. هو طالب فى البكالوريوس

كانت “ياسمين” تستمع اليه فى اهتمام .. فأكمل قائلا :

– انتى اللى هتتولى تدريبه

قالت بدهشة :

– أنا يا دكتور

– ايوة انتى

قالت بإستغراب :

– بس يا دكتور أنا نفسي لسه بتدرب

– وعشان كدة عايزك تدربيه .. شوفى يا دكتورة .. أحسن طريقة لتثبيت المعلومة لا بكتابتها ولا بحفظها .. بممارستها .. كون ان يبقى فى طالب عندك وانتى بتشرحيله كل المعلومات اللى عارفاها عن الحالة اللي أدامك ده يثبت المعلومة أكتر .. ومش بس كده ده بيديكى ثقه فى نفسك كمان

ابتسمت قائله :

– فعلا يا دكتور .. أيام الكلية مكنتش بعرف أحفظ أسماء الـ Nerve والـ Muscles إلا وأنا بشرحها لصحابي

ابتسم لها قائلا :

– وعشان كده عايزك انتى اللى تدربيه

ابتسمت له قائله :

– متشكرة على الثقه دى يا دكتور .. بعد اذنك

– اتفضلى

كانت “ياسمين” تقوم بعملها عندما أتاها اتصال من “سماح” .. أخبرتها صديقتها بفكرة “أيمن” .. رحبت “ياسمين” بالفكرة لأنها لم تكن لتحب ترك والدها فى المزرعة بمفرده .. اتفقا على السفر بعد صلاة الفجر يوم الجمعة ان شاء الله .. فى فترة الغداء أتت “شيماء” لتجلس مع “ياسمين” على الطاولة .. استقبلتها “ياسمين” بالإبتسامه .. قالت “شيماء” :

– ازيك يا “سمسم” أخبارك ايه

– تمام يا “شيماء” الحمد لله

– فينك بقالك كام يوم مش بشوفك فى فترة الغدا

– أهاا الشغل كتير أوى اليومين دول فباكل أى حاجه وأنا بشتغل

– هتقوليلى .. دكتور “حسن” مبيرحمش نفسه أبداً ولا بيرحم اللى معاه

دافعت “ياسمين” عنه قائله :

– ده لأنه عنده ضمير فى الشغل .. وفعلا بستفاد منه جداً

انتهت الفتاتان التهام طعامهما وتوجهتا الى الخارج .. عندها قالت “شيماء” لـ “ياسمين” :

– وأنا أقول مجتش تتغدى ليه مش عوايدها أتاريها واقفه مع الدون جوان

نظرت “ياسمين” الى حيث تشير “شيماء” .. لتجد ” مها” واقفه تتحدث الى “عمر” .. وعلى وجهها ابتسامه كبيرة وتنظر فى عينيه بجرأة .. حانت من “عمر” التفاته اتجاه “ياسمين” فتظاهرت “ياسمين” بالنظر الى شئ آخر .. ثم التفتت الى “شيماء” قائله :

– هروح أكمل شغلى

انصرفت الى عملها وهى تتساءل فى نفسها عن طبيعة العلاقة بين “عمر” و “مها”

استوقف “عمر” أثناء انصرافه أحد العمال قائلا :

– يا باشمهندس “عمر” خلاص لقينا غفير كويس وابن حلال وساكن فى البلد دى

– سألتوا عنه كويس

– أيوة واد غلبان مقطوع من شجره وبيجرى على أكل عيشه

– طيب تمام خليه ييجي بكرة لرئيس العمال عشان يبدأ شغل من بكرة ان شاء الله

تنحنح الرجل قليلا وبدا عليه التردد فسأله “عمر” :

– خير فى حاجه ؟

– يعني يا بشمهندس “عمر” متاخذنيش فى الكلام يعني .. بس يعني هو فين “عويس” والجماعه بتوعه ؟

قال “عمر” ببرود :

– مشى

– أيوة يعني مشى فجأة كدة ومن يوم وليلة .. ده حتى هدومه وهدوم جماعته لسه فى الأوضة .. ومقالش لجنس مخلوق انه هيسيب الشغل

قال “عمر” بنفاذ صبر :

– ده شئ ميخصنيش .. يلا على شغلك

**********************

فى صباح يوم الجمعة وبعد صلاة الفجر استعدت “ياسمين” و “ريهام” ووالدهما .. اتصلت “سماح” ليخبرها أنها تنتظرهم مع “أيمن” أمام بوابة المزرعة .. كانت “ياسمين” فرحه للغاية وأعدت الكثير من السندوتشات والعصير .. و”ريهام” أيضاً كانت متلهفة على تلك النزهه .. سبقهما والدهما .. وحملت الفتاتان حقيبة الطعام وأسرعا الخطى .. عندها قالت “ريهام” فجأة :

– ايه ده هو المز جاى هو كمان ولا ايه

نظرت “ياسمين” الى حيث تنظر أختها لتجد “عمر” وقد أوقف سيارته خلف سيارة “أيمن” .. خفق قلبها بشدة وقالت لـ “ريهام” :

– أكيد لأ .. ايه اللى هيجيبه معانا

– لأ أنا حاسه انه جاى معانا

عندما وصلت الفتاتان نزلت “سماح” لترحب بهما .. وبعد تبادل عبارات المجاملة .. انطلقت سيارة “أيمن” و “سماح” تجلس بجواره .. أما “ياسمين” و “ريهام” ووالدهما يجلسون فى الخلف .. بعد فترة حانت من “ريهام” التفاته للخلف ثم مالت على أذن “ياسمين” قائله :

– مش قولتلك المز جاى معانا

نظرت اليها “ياسمين” فأشارت “ريهام” الى الخلف .. التفتت “ياسمين” لتنظر عبر الزجاج الخلفى للسيارة فتلاقت نظراتها مع نظرات “عمر” فأسرعت بإعادة رأسها الى الأمام .. وقلبها يخفق بشدة .. وهى تتساءل لماذا لم تخبرها “سماح” بمرافقة “عمر” لهم .. وصلوا جميعاً الى الشط .. التهى الرجال الثلاثة معاً فى المزاح والضحك ولعب الدومينو .. أما الفتيات الثلاثة فأخذن يتمشين على الشاطى ويستعدن ذكريات الطفوله والجامعة .. كانت “ياسمين” فرحه للغاية .. وتشعر بأنها خفيفه كالريشه .. كانت تنظر الى البحر وتملى نظرها بجمال سحره وروعته .. فى الغداء تناول الجميع السندوتشات التى أعدتها “ياسمين” و “سماح” .. كانت “سماح” مندمجة فى الحديث مع “ريهام” فتركتهما “ياسمين” وتمشت على الشاطئ بلا هدف .. رآها “عمر” وهى تنحنى لتلتقط شئ من الأرض ثم تتحسسه بيدها وتنحنى لتلتقط شيئاً آخر .. فى نهاية اليوم كان الجميع فرحاً وسعيداً واندمج “عبد الحميد” مع الشابين جدا وأحبا صحبته أخذ يقص عليهم ذكرياته الى يختزنها فى زوايا عقله .. كانوا يستمعون له والابتسانه تعلو شفتيهما .. وصلت “ياسمين” و “ريهام” الى سيارة “أيمن” ووقفوا بجوارها .. أقبل “عمر” ووقف على مقربه منهما فى انتظار الباقيين .. التفت “عمر” الى “ياسمين” فوجدها تمسك شئ بيدها وتعبث به .. فنظر الى ما تحمله قائلا :

– ايه اللى فى ايدك ده ؟

رفعت “ياسمين” رأسها تنظر اليه وقد أدهشها سؤاله .. ظلت صامته للحظات ثم قالت :

– أحجار صغيرة

ابتسم ابتسامه جذابه قائلاً :

– ايوة أنا عارف .. بس بتعملى بيهم ايه

احتارت “ياسمين” فيما تقول .. ساد الصمت برهه ثم قالت :

– بحب أجمعهم من على الشط

اتسعت ابتسامة “عمر” ولمعت عيناه قائلا :

– أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة

تصاعدت حمرة الخجل على وجنتيها بسبب نظرته العميقة التى تربكها وابتسامته التى تخطف الألباب .. أكمل بنفس الابتسامه :

– أنا كمان بحب أجمع الصخور الصغيرة من على الشط .. بس مش أى صخور .. بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس

لم تبادله “ياسمين” الإبتسام .. بل تجاهلت تماما كلامه والنظر اليه .. حضر الجميع وركبوا وانطلوا فى طريق العودة

توجهت “ريهام” الى فراشها .. عندما كانت “ياسمين” تقوم بطي ملابسها لتضعها فى الدولاب .. نظرت اليها “ريهام” وقالت بخبث وهى تعبث بشعرها :

– (أخيرا لقيت حد يشاركنى هوايتي الغريبة)

التفتت اليها “ياسمين” مستفهمة .. قالت لها :

– ايه ؟ بتقولى ايه ؟

قالت لها “ريهام” :

– مفيش هو حد كلمك

أكملت “ريهام” بنفس الخبث :

– (بحتفظ باللى تلفت انتباهى بس )

نظرت اليها “ياسمين” قائله :

– بتكلمى نفسك .. برافو

قالت “ياسمين” ذلك وأطفأت النور وتودهت الى فراشها و تدثرت .. حاولت التفكير فى أحداث اليوم لكن التعب كان قد بلغ منها مبلغه فغطت فى سبات عميق

فى اليوم التالى أنهت “ياسمين” عملها وتوجهت الى شجرتها .. كانت تحب الإختلاء والجلوس فى هذه البقعة التى تفصلها عن العالم .. شردت قليلا في رحلة يوم أمس .. وفى كلمات “عمر” وجدت الإبتسامه تتسلل ببطء الى شفتيها .. ثم عادت لتتذكر الكلام الذى سمعته من “شيماء” عنه .. وعلاقته بـ “مها” وغير “مها” .. تنهدت وحولت صرف تفكيرها عنه .. سمعت صوت هاتفها .. وجدت رقماً غريباً ردت قائله :

– السلام عليكم

أتاها صوت يقول فى قسوة :

– والله لو روحتى لآخر بلاد المسلمين لهوصلك يا “ياسمين” وساعتها مش هعتقك أبداً

قفز قلب “ياسمين” من مكانه .. وشعرت بالرعب لمجرد سماعها لصوت “مصطفى” أغلقت هاتفها تماما .. ووقفت تتلفت حولها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. كانت تخاف منه خوفاً شديداً .. خشت أن يعرف طريقها ويحاول خطفها مرة أخرى أو يفعل بها ما هو أسوأ .. مشت مسرعة عائدة الى غرفتها .. كانت لا ترى أمامها .. تشعر بتوتر بالغ .. ارتطمت فى طريقها بـ “عمر” الذى كان متوجها الى بيت المزرعة .. وقفت تنظر اليه وهى لا تراه .. كانت علامات الرعب باديه على وجهها .. نظر اليها “عمر” قائلاً بلهفه :

– ايه مالك فى ايه ؟

شعرت بأن الكلمات تهرب منها انحدرت دمعة حائرة من عينيها .. وأخذت تتعالى أصوات قلبها وتزداد سرعة تنفسها .. هتف “عمر” بلوعه :

– “ياسمين” مالك ايه اللى حصل

نظر الى الطريق الذى أتت منه لعله يتبين سبب فزعها .. استجمعت قواها وقالت بصوت مرتجف وهى تمد يدها بهاتفها قائله :

– “مصطفى”

نظر اليها قائلا :

– “مصطفى” مين .. مين “مصطفى” ؟

– رددت قائله :

– “مصطفى” كلمنى

خمن “عمر” بأنها تقصد زوجها .. لم تقوى أعصابها على التحمل كانت خائفة بشدة وترتجف أحاطت نفسها بذراعيها وقالت وعينيها تدوران فى المكان بخوف :

– أنا خايفة أوى

نظر اليها “عمر” وطمأنها قائلا :

– متخفيش محدش يقدر يأذيكي طول ما انتى هنا

نظرت اليه قائله وهى تبكى :

– قالى هعرف طريقك ومش هعتقك

شعر “عمر” بالغضب لذلك المنعدم الرجوله الذى يهدد امرأة ويرعبها بهذا الشكل .. كانت العبرات تنزل من عينيها فى صمت .. شعر بالألم يغزو قلبه مد يده وأمسك ذراعها أراد أن يطمئنها ويوقف ارتجافه جسدها .. انتفضت “ياسمين” للمسته وأبعدت نفسها عنه .. وقفت تنظر اليه بدهشة ممزوجة بالغضب .. أدرك “عمر” أنه أغضبها .. فأسرع يشرح قائلا :

– أنا مقصدتش حاجه … كنت بس عايز …….

لم تدعه يكمل كلامه وانصرفت عائده الى غرفتها .. شعر “عمر” بالضيق لأنه أغضبها .. صعدت “ياسمين” الى غرفتها وهى تفكر غاضبة كيف يجرؤ على لمسها بهذا الشكل .. أيظنها فتاة سهله كفتياته اللاتى يعرفهن .. واللاتى يتهافتن عليه محاولات جذبه واستمالته .. أيظنها واحدة منهن .. شعرت بالحنق والضيق من كليهما .. “عمر ” و “مصطفى”

*************************

فى اليوم التالى كانت واقفة تتفحص احدى الأبقار عندما وجدت شاب تراه لأول مرة .. كان شابا يافعاً يبدو وكأنه ضل طريقه .. خمنت “ياسمين” بأن هذا هو تلميذها الذى تحدث دكتور “حسن” عنه .. اقترب منها الشباب وابتسم قائلا :

– السلام عليكم

ردت “ياسمين” :

– وعليكم السلام .. أهلا بحضرتك أنا دكتورة “ياسمين”

قال الشاب :

– أهلا بيكي أنا “هانى”

ثم استطرد قائلا :

– أنا “هانى شاكر”

قال ذلك ثم انفجر ضاحكاً .. نظرت “ياسمين” اليه بدهشة ثم لم تتمالك نفسها فضحكت ضحكة خافته حاولت كتمها .. لم تضحك للفكاهه فى اسمه .. بل ضحكت لطريقة ضحك الشاب فقد أرجع رأسه الى الوراء وضحك ضحكه صاخبه بطريقة أضحكتها .. كان “عمر” يسير مع أحد العمال يعطيه بعض التعليمات .. عندما لفت انتباهه صوت الضحك الصاخب فالتفت ليجد “ياسمين” تقف مع “هانى” ابن العميل الذى أتى اليه منذ أيام .. رآى ابتسامتها وضحكتها التى تحاول كبحها .. شعر بالحنق فصرف العامل وسار نحوهما … فى هذه الأثناء قالت “ياسمين” لـ “هانى” :

– ادخل اتعرف على المكان على ما أرجع

تركته وانصرفت لتجد “عمر” يعترض طريقها .. نظر “عمر” الى الفتى الذى يسير للداخل ثم أعاد نظره الى “ياسمين” قائلا ببرود :

– مش نشوف شغلنا أحسن

نظرت “ياسمين” اليه بحيره قائله :

– مش فاهمة قصد حضرتك ايه

غير “عمر” الموضوع قائلا :

– الست اللى كلمتيني عنها .. أحب أبشرك انها رجعت الشغل النهاردة

سعدت “ياسمين” كثيراً لهذا الخبر فقد كانت بالفعل تشفق على تلك السيدة وأولادها .. رددت قائله :

– الحمد لله

رفعت نظرها لتجد نظرات “عمر” المصوبة تجاهها .. فقالت بسرعة :

– بعد اذن حضرتك

ثم تركته وانصرفت .

البارت 23

راقبها من بعيد وهى تباشر عملها كانت منهمكة فى عملها لدرجة أنها لم تشعر بوجوده بل لم تشعر بأى شئ حولها وقف يراقب حركاتها سكناتها لا يدرى لماذا يفعل ذلك فهى ليست بالجميلة التى تبهر الأنظار والعقول وليست ممن اعتاد صحبتهن والتعامل معهن لكن بها شئ غريب يدفعه لأن يراقبها ويحاول فهمها ربما كان هذا هو سبب فضوله أنه لا يستطيع حتى الآن فهمها تصرفاتها غريبة مبادءها عجيبه لم يقابل مثلها من قبل تجمع المتناقضات فى آن واحد خجوله واثقة بنفسها رقيقة القلب قوية الشخصية ذكية عملية ضعيفة هشه مذيج عجيب لم يقابل مثله .. لذلك يشعر دائماً بأنها لغز غامض وفضوله يدفعه دفعاً لإستكشاف هذا اللغز ومحاولة حله اقترب منها قائلاً :

– صباح الخير يا دكتورة

رفعت رأسها لتنظر اليه قائله وحبات العرق تنبت على جبينها :

– صباح الخير يا بشمهندس

وضع “عمر” يديه فى جيب بنطاله وأخذ ينظر اليها والى ما فى يدها ثم قال :

– بتعملى ايه ؟

قالت “ياسمين” دون أن تنظر اليه :

– دى عينات خدناها من القطيع النهاردة عشان الكشف الدورى .. بجهزهم عشان أبعتهم المعمل

هز رأسه .. ثم أخذ يتململ فى وقفته لا يدرى أصلا ما الذى يفعله هنا .. نظر اليها ثم قال :

– أخبار الشغل ايه مرتاحه فيه ؟

قالت وهى لا تزال منهمكه فى عملها :

– أيوة الحمد لله

سألها بإهتمام :

– حد ضايقك تانى ؟

كان يقصد اتصال “مصطفى” .. ردت بإقتضاب :

– لأ

لم يجد ما يقول .. فصمت قليلا ثم قال :

– طيب بعد اذنك

قال ذلك ثم انصرف .. رفعت “ياسمين” رأسها لتنظر اليه وهو يبتعد .. ثم عادت لتكمل عملها مرة أخرى

***********************

كانت “ياسمين” جالسه مع “شيماء” فى استراحة الغداء يتسامرون ويتضاحكون .. وفجأة أتت “مها” لتجلس معهم بدون استئذان .. توقف الحديث ونظرت الفتاتان الى بعضهما البعض .. وأكملت كل منهما طعامها فى صمت .. قطعت “مها” هذا الصمت قائله :

– أنا عرفت ان مش بس انتى اللى بتشتغلى هنا ده كمان والدك وأختك يا “ياسمين” .. هى ايه الحكاية بالظبط ؟

قالت “ياسمين” ببرود :

– حكاية ايه ؟

رفعت “مها” حاجبها قائله بسخرية :

– يعني انتى مش شايفه انها غريبة ان واحدة تيجي من محافظة تانية هى وأهلها عشان يشتغلوا مع بعض فى المزرعة ؟ .. أكيد فى سر ورا الموضوع ده

قالت “ياسمين” بنفس البرود :

– ولا سر ولا حاجه

ازدادت “مها” فى سخريتها قائله :

– معروف عن البشمهندس “عمر” انه بيحب يعمل خير فى الناس ..شكلك صعبتى عليه انتى وأهلك وعشان كده شغلكوا عنده فى المزرعة

هبت “ياسمين” واقفة وهتفت قائله :

– مسمحلكيش تتكملى ربع كلمة عنى أو عن أهلى .. وأنا جايه هنا أشتغل مش أشحت من حد

قالت ذلك ثم تركت طعامها وغادرت المكان .. نظرت اليها “شيماء” بعتاب قائله :

– كان ايه لزمته الكلام ده ؟

– بالله عليكي انتى مش شايفه ان الحكاية دى غريبة .. وان فى سر هى مخبياها عننا

– ملناش دعوة هى حرة

– أنا بأه هعرف السر اللي هى مخبياه .. واللي مخلى “عمر” مهتم بيها وبأهلها أوى كده

نهضت “شيماء” وانصرفت هى الأخرى .. تاركه “مها” خلفها .

**************************

عرض التعليقات (7)