مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر
مزرعه الدموع للكاتبه بنوتة اسمرة الجزء الخامس عشر
**********************
كانت “ياسمين” جالسه فى استراحة الغداء برفقة “شيماء” و “مها” .. التى كانت تحاول الإقتراب من “ياسمين” بأى طريقة لتعلم معلومات عنها وعن أسرتها .. لكن “ياسمين” كانت ذكية .. فلم تكن تتحدث معهما أو مع غيرهما فى أمورها الخاصة .. حتى لا يتصيد أحد الأخطاء لها .. فكان الجميع يظن بأنها آنسه لم يسبق لها الزواج .. هى لم تكذب .. لكن هذا ما ظنوه .. وهى تركتهم وظنونهم .. قالت “شيماء” فجأة وكأنها تدلى بمعلومة خطيرة :
– تعرفوا مين اللي جه المزرعة امبارح ؟
قالت “مها” فى تعالى :
– أيوة طبعاً عرفت .. مش مستنياكى تعرفيني
نظرت “ياسمين” اليهما بعدم فهم , فقالت لها “شيماء” :
– البشمهندس “كرم” صاحب البشمهندس “عمر” و البشمهندس “أيمن”
أومأت “ياسمين” برأسها وقد تذكرت الرجل الذى رأته بصحبة ” عمر ” و “أيمن” يوم أمس
أكملت “شيماء” هامسه وهى تحنى قامتها الى الأمام :
– ده بأه غير الاتنين التانيين خالص .. دمه زى الشربات .. ومرح جداً .. وتحبي تتكلمى معاه .. ومش قفل زى البشمهندس “أيمن” .. ولا جد أوى زى البشمهندس “عمر”
اهتمت “ياسمين” بتناول طعامها وكأن الأمر لا يعنيها .. فقالت “مها” بهيام مصطنع :
– لا كله كوم و “عمر” كوم تانى خالص .. هو فى زى “عمر” .. ده مفيش منه إلا نسخة واحدة بس .. ومفيش راجل لا قلبه ولا بعده
شعرت “ياسمين” بالحنق لكنها تظاهرت بعدم الإهتمام وظلت محتفظه بتعبير اللامبالاة على وجهها
فأكملت “مها” قائله بخبث :
– هو فعلاً يبان عليه انه جد .. بس لما بكون عنده فى المكتب .. بحس انه بيفك خالص .. وبيحب الهزار جدا .. هو تقريباً بيركب الوش الخشب عشان الموظفين ميسوقوش فيها .. لكن مع الناس اللى بيعزهم بيكون حاجه تانية
شعرت “ياسمين” بأن حنقها وضيقها يتصاعد .. لكنها كانت مصره على ألا تظهر أى رد فعل لحديث “مها” .. بعد لحظات فوجئن بـ “عمر” يدخل الاستراحة .. نظرت “مها” اليه مبتسمه .. فتوجه الى طاولتهم .. نظرت “ياسمين” الى الطعام أمامها ولم تعيره أى اهتمام .. بمجرد أن وقف أمام طاولتهم قالت “مها” مبتسمه :
– ازيك يا بشمهندس “عمر” .. تعالى اتفضل معانا
تجاهلها “عمر” تماما ونظر الى “ياسمين” قائلاً :
– بعد اذنك يا دكتورة “ياسمين” خلصى أكلك ومنتظرك فى مكتبي
قال ذلك ثم انصرف .. شعرت “مها” بالحنق وتصاعدت الدماء لتلون وجهها باللون الأحمر .. ساد الصمت لفتره .. استأذنت “ياسمين” وقامت مغادره .. قالت “مها” بحنق :
– مش مكسوفين من نفسهم .. يجي يقولها تعاليلى المكتب .. وهى ما صدقت قامت جريت وراه
ضحكت “شيماء” قائله :
– الراجل أكيد عايزها فى شغل
قالت “مها” بغل :
– شغل آه ما هو واضح أوى نوعية الشغل ده
ابتسمت “شيماء” قائله :
– وانتى متغاظه ليه ؟
صاحت يغضب :
– وهتغاظ من ايه يعني .. معدش الا البتاعه دى اللى أتغاظ منها
وهبت واقفه وخرجت دون أن تكمل طعامها .
**************************
توجهت “ياسمين” الى مكتب “عمر” وهى تشعر بالتوتر وتتساءل .. عن ماذا يريد التحدث اليها .. طرقت الباب طرقات خفيفه ثم دخلت بعدما أتاها صوته :
– اتفضلى
دخلت ووقفت أمام المكتب فأشار برأسه الى الكرسي أمامه قائلاً بإبتسامه :
– ايه هتفضلى واقفه .. اتفضلى اعدى
جلست “ياسمين” فى انتظار ما سيقوله .. نظر اليها “عمر” متئملاً إياها .. شعر بقلبه يقفز من مكانه مرة أخرى .. أضاق عينيه يحاول ترجمة مشاعره .. أمعقول أنه …؟ .. لماذا ؟ .. وكيف ؟ .. لماذا يشعر بهذا الحنان تجاهها .. والحنين اليها .. والرغبة فى القرب منه .. والنظر اليها .. والاستماع لها .. لماذا هى دون غيرها .. ألأنه يشفق على حالها وعما أصابها .. كلا .. ما يحرك قلبه شئ آخر غير الشفقة والعطف .. شئ شعر أنه لم يذقه يوماً .. طال صمته .. وزاد توترها .. فأخذت تتململ فى جلستها .. فأفاق “عمر” من شروده وتساؤلاته تنحنح قائلاً بهدوء :
– هى “ريهام” تعرف انجلش وكمبيوتر ؟
اندهشت لسؤاله فرفعت نظرها اليه فتلاقت نظراتهما .. شعرت بأن عينيه بحر عميق .. كانت تخشى الغرق فيهما .. فتجنبت النظر اليهما قائله :
– أيوة .. هى واخده كورسات فيهم
ابتسم قائلاً :
– طيب تمام .. احنا محتاجين سكرتيرة .. شريكي هيعد هنا فترة ومحتاج سكرتيرة عشان يقدر يتابع شغلنا اللى فى القاهرة
– يعني حضرتك تقصد ان “ريهام” تشتغل سكرتيره
– أيوة بالظبط كدة .. لما قالى انه محتاج سكرتيرة أنا فكرت فى أختك على طول
قالت له بإمتنان :
– متشكرة أولا على الثقه دى .. ثانياً أعتقد دى حاجه هتفرح “ريهام” لأنها بتمل من الأعده لوحدها طول النهار .. وكمان دى فرصة كويسة ليها عشان لو اضطرت انها تشتغل بعد كده
سألها قائلاً :
– وليه مطلبتيش منى قبل كده انى ألاقيلها شغل فى المزرعة
قالت بحرج :
– مرضتش أزعج حضرتك أكتر من كدة .. يعني كفاية ان حضرت وفرت شغل ليا ولوالدى كمان
ابتسم “عمر” قائلاً :
– مفيش ازعاج ولا حاجه .. قولتلك قبل كده لو احتجتى حاجه تعرفيني
ثم استطرد قائلاً :
– تمام يبقى اتفقنا .. خليها تيجيلى مكتبي بكرة الساعة 8 ان شاء الله .. ومتقلقيش عليها “كرم” صاحبي وعشرة عمر
ثم نظر اليها وابتسم بخبث قائلاً :
– بس تخليها تيجي 8 بالظبط ها .. يعني متجليش بدرى ربع ساعة وتتأمص انى سايبها أعده وبكمل شغلى
ابتسمت “ياسمين” رغماً عنها وتصاعدت حمرة الخجل الى وجنتيها .. شعرت بالحرج لتذكرها تسرعها فى هذا اليوم .. تأمل “عمر” وجهها بإبتسامه قائلا :
– تعرفى ان دى أول مرة فى حياتى أشوف بنت وشها بيحمر وبيحلو كده لما بتتكسف
نهضت “ياسمين” بسرعة قائله :
– ان شاء الله هتكون عند حضرتك فى المعاد
قالت ذلك وانصرفت .. بل هربت .. منه .. ومن نفسها ..
أخبرت “ياسمين” “ريهام” ووالدهما بعرض العمل الذى قدمه “عمر” الى “ريهام” .. فقال والدهما :
– والله راجل فيه الخير .. ربنا يوسع رزقه
صفقت “ريهام” فى مرح طفولى قائله :
– أخيراً هلاقى حاجه انشغل فيها .. ده أنا كنت قربت أتجنن من كتر البص للحيطه
قالت “ياسمين” وقد ابتسمت لسعاده أختها :
– معادك بكرة ان شاء الله الساعة 8 متتأخريش
– أتأخر ايه ده أنا هروح أبات على باب مكتبه من دلوقتى
ضحكت “ياسمين” .. وعانقتها “ريهام” فى حبور .. غادر والدهما الى غرفته .. فقالت “ياسمين” :
– عارفه مين اللى هتشتغلى معاه ؟
تساءلت “ريهام” بإهتمام :
– لأ … مين ؟
– صاحب البشمهندس “عمر” اللى شوفناه من البلكونه امبارح
قالت “ريهام” بمرح :
– ااااه الواد الموز اللى واخد قلم فى نفسه ده
قالت لها “ياسمين” :
– “ريهام” مش عايزه جنان
قبلها “ريهام” قائله بمرح :
– متخفيش عليا دى أختك تجنن بلد
توجهت “ريهام” فى صباح اليوم التالى الى مكتب “عمر” الذى أخذها الى مكتب “كرم” نهض “كرم” بعد أن رآهما .. فقدمهما “عمر” لبعضهما البعض قائلاً :
– “كرم” دى الآنسه “ريهام” هتكون سكيرتيرتك طول فترة وجودك هنا .. انسه “ريهام” ده البشمهندس “كرم”
مد “كرم” يده ليسلم على “ريهام” قائلا بإبتسامه :
– أهلا بيكي يا آنسه “ريهام”
نظرت “ريهام” الى يده الممدوده ثم نظرت اليه قائله :
– أهلا بحضرتك
نظر “كرم” الى يده ثم اليها قائلاً :
– هفضل مادد ايدى كده كتير
تنحنح “عمر” وابتسم الى صديقه قائلاً :
– الآنسه مبتسلمش
نظر “كرم” الى صديقه ثم اليها وسحب يده ومسح بها على رقبته ورفع حاجبيه قائلاً :
– والله .. طب كويس
انصرف “عمر” وتركهما يبدأن عملهما .. أعطاها “كرم” تعليماته و آراها مكتبها :
– أهم حاجه عندى الالتزام بالمواعيد أنا باجى المكتب 8 .. عايزك 8 بالظبط موجوده مش عايز دقيقة تأخير … اللى عايزه منك دلوقتى انك تجمعيلي كل الايميلات اللى محتاجه رد وتنسخيها عشان همليكى الرد اللى هتبعتيه لكل واحد فيهم .. فى أى مشكلة
قالت “ريهام” بجديه وهى تجلس على مكتبها :
– لا يا فندم .. هبدأ حالا
بدأت “ريهام” فى عملها بنشاط أنهت ما طلبه منها وتوجهت الى مكتبه .. طرقت الباب ثم دخلت .. وجدت “كرم” يتحدث فى الهاتف وقفت أمامه حتى أنهى مكالمته .. ثم قال :
– جمعتيم ؟
– أيوة يا فندم
أخذهم منها .. وأخذ فى املائها بالردود .. كانت سريعة فى الكتابة وهذا أسعده .. انتهت معه وذهب الى مكتبها لكتابه الردود واراسلها .. كانت فرحه تعمل بهمه وبدقه واتقان .. بعد لحظات طلبها “كرم” فتوجهت اليه .. قال دون أن يرفع عينيه عن الورق أمامه :
– هتلاقى عندك على الكمبيوتر ملف بإسم شركة الصباحى هاتيلى منه كل أرقامهم
قالت وهى تهم بالإنصراف :
– حاضر يا فندم
استوقفها “كرم” بإشارة من يده قائلاً وهو مازال منهمك فى الأوراق أمامه :
– اعمليلى قهوة دبل لو سمحتى
توقفت “ريهام” ونظرت اليه قائله :
– أفندم ؟
– قهوة دبل .. وبسرعة لو سمحتى
وقفت “ريهام” لحظات صامته وهى تشعر بالضيق .. ثم نظرت اليه وقالت بهدوء :
– أنا هنا سكرتيرة مش خدامه .. اعملها لنفسك أو اطلب من الفراش يعملها
قالت ذلك ثم توجهت الى الخارج ..رفع “كرم” رأسه ينظر الى الباب الذى خرجت منه للتو .. وهو يحاول استيعاب ما قالت .. جلست على مكتبها و قد بدأت فى البحث على الملف عندما أطل عليها قائلاً :
– انتى قولتى ايه دلوقتى ؟
نظرت اليه قائله وهى لاتزال جالسه فى مكتبها :
– قولت أنا سكرتيره مش خدامه
ثم أعادت النظر الى الكمبيوتر مرة أخرى
نظر اليها بغيظ ثم خرج وطلب من الفراش احضار قهوته وتوجه الى مكتبه ليكمل عمله
اتصلت “ياسمين” بـ “سماح” قائله :
– لو انتى فاضية حبه أعدى عليكي نتكلم شوية
قالت “سماح” بقلق :
– خير فى حاجه
تنهدت “ياسمين” قائله :
– لا أبدا متقلقيش .. بس حبه أتكلم معاكى .. هو زوجك هيرجع امتى
– لا النهاردة “أيمن” هييجى متأخر لانه خارج يتعشى بره مع صحابه
– طيب تمام هعدى عليكي الضهر كده
– وشغلك
– هاخد أجازة النهاردة .. وأصلا مفيش شغل كتير النهاردة
قالت “سماح” بقلق :
– قلقتيني يا “ياسمين”
طمأنتها قائله :
– قولتلك متقلقيش .. حبه بس أتكلم معاكى
– طيب هتعرفى تيجي لوحدك ؟
– أيوة الطريق سهل وكمان هركب مش همشى أكيد .. قوليلى بس أركب ايه وأنزل فين .. أنا عارفه شكل الشارع والعمارة بس معرفش اسم الشارع
أعطتها “سماح” العنوان .. وتوجهت “ياسمين” الى بيت صديقتها التى استقبلتها بالترحاب .. عادت من الطبخ بالعصير وقدمته الى صديقتها قائله :
– قوليلى بأه مالك فى ايه
أخذت “ياسمين” رشفه من العصير قائله :
– مفيش .. حبه أتكلم معاكى عامة .. مش فى حاجه محدده يعني
نظرت اليها “سماح” بإمعان .. ثم قالت :
– طيب مفيش مشكلة .. اتكملى
نظرت اليها “ياسمين” قائله :
– أخبارك ايه .. مبسوطة ؟
ابتسمت “سماح” قائله :
– الحمد لله .. أنا مكنتش أتمنى زوج أحسن من “أيمن” .. ربنا يباركلى فيه
ابتسمت “ياسمين” قائله :
– انتى يا “سماح” حد طيب أوى وتستاهلى كل خير .. مش الطيبون للطيبات .. كان لازم ربنا يرزقك بواحد زى “أيمن” .. لأنك تستاهليه
عانقت “سماح” صديقتها وابتسمت قائله :
– وانتى كمان طيبة وتستاهلى كل خير .. وبكرة ربنا يرزقك بواحد طيب زيك
ابتسمت “ياسمين” بضعف .. ساد الصمت بينهما لفتره .. كانت “سماح” تفهم صديقتها جيداً وتعلم بأن هناك ما يشغل بالها .. لكنها لم ترد الضغط عليها .. قطعت “ياسمين الصمت قائله :
– “سماح” عايزة أسألك عن حاجه
– خير يا حبيبتى اتفضلى
قالت “ياسمين” بشئ من التردد وهى تعبث بأصابعها بكوب العصير الذى بين يديها :
– صاحب زوجك ..
سألتها “سماح” :
– مين تقصدى ؟
قالت بأرتباك :
– اللى انا بشتغل فى مزرعته
– أيوة .. “عمر” .. ماله
قالت بإرتباك :
– تعرفى عنه ايه ؟
صمتت “سماح” قليلا ثم قالت :
– اللى أعرفه ان هو و”أيمن” وصاحب تالت ليهم اسمه ” كرم” .. صحاب من أيام الجامعة .. و”أيمن” فضل على تواصل معاهم بعد ما سافر كل فترة .. بس فى اخر سنتين الاتصالات بينهم اتقطعت ..
تأملت “سماح” “ياسمين” قائله :
– بتسألى ليه ؟
قالت “ياسمين” وهى تتظاهر باللامبالاة :
– عادى .. فضول مش أكتر
لكن “سماح” شعرت بأن الأمر أكثر من مجرد فضول .
مكثت “ياسمين” ساعتين ثم همت بالإنصراف .. قالت لها “سماح :
– يا ابنتى متخليكي شوية كمان انتى جيتي فى ايه وماشية فى ايه
– معلش يا “سماح” عشان أروح قبل ما الدنيا تليل
– يا بنتى ده العصر لسه مأذنش والطريق للمزرعة ربع ساعة ولا تلت ساعة
– معلش هيجيلك مرة تانية ان شاء الله
– وأنا اللي كنت متعشمة اننا نتغدى مع بعض .. بجد انتى رخمه
ابتسمت “ياسمين” قائلا :
– هو بعد كل اللى انتى عماله تقدميهولى من ساعة ما جيت هيبقى فى مكان للأكل
– لأ اعملى احسابك المرة الجاية نتغدى سوا .. ممنوع اعذار
– خلاص اتفقنا
ودعت “ياسمين” صديقتها واستقلت السيارة المتوجهه الى المزرعة .. قبل أن تصل الى المزرعة بخمس دقائق تعطلت السيارة .. واضطرت أن تنزل هى والركاب للبحث عن سيارات قادمة فى هذا الاتجاه .. وقفت وهى متضايقه من ذلك المأذق .. سمعت صوت امرأة عجوز من على بعد عدة أمتار منها وهى تتحدث الى نفسها وتنتحب .. كانت فلاحه بسيطه .. توجهت اليها “ياسمين” قائله :
– فى حاجه يا حجه ؟
قالت لها باكية :
– الفرس هتموت .. الفرس هتموت منى
أشارت المرأة الى الفرس النائمة على جمبها فى ظل احدى الأشجار .. توجهت “ياسمين” الى الفرس لتجدها على مشارف الولادة .. فقالت للمرأة :
– دي بتولد
هتفت المرأة قائله :
– عارفة يا بنتى انها بتولد بس بألها ساعة بتتوجع ونايمة على جمبها ومش عارفه اتصرف .. والواد ابنى راح ينادى لجوزى ولسه مرجعش .. خايفه لتموت منى ..
تفحصت “ياسمين” الفرس لتجد كيس أحمر اللون ولا أثر للمهر .. فقالت للمرأة :
– مش هينفع نستنى أكتر .. دى عندها عسر ولاده ..لازم نقطع المشيمة ونولدها دلوقتى ..
أخذت المرأة تلطم وجهها قائله :
– عسر ولاده يعني هتموت
نهرتها “ياسمين” قائله :
– يا حجه حرام اللى انتى بتعمليه ده .. دوريلى على حاجه حاده يعني مقص سكينه أى حاجه حاميه ..
هرولت المرأة الى بيتها الذى يبعد أمتار قليلة وعادت حاملة مقص .. جلست “ياسمين” بجوار الفرس .. أخذت تمسح على جسمها بيدها وطلبت من المرأه أن تجلس بجوار رأس الفرس وتمرر يدها على وجهها لتطمئنها .. أخذت بقص المشيمة وحاولت مساعدتها على سحب المهر الى الخارج .. أثناء انهماكها فى عملها مرت سيارة “عمر” فى طريق عودته الى المزرعة .. لفت نظره الفتاة المنحنية على الفرس الراقد تحت ظل احدى الأشجار .. نظر الى الخلف ليتبين هيئة “ياسمين” .. عاد قليلاً الى الخلف وأوقف السيارة على جانب الطريق .. ونزل ليتبين الأمر .. ماذا تفعل هنا .. ومن تلك المرأة الجالسه بجوار المهر .. اقترب منهما .. وكانت “ياسمين” قد بلغ منها التعب مبلغه .. فلم تستطع بجسدها النحيل أداء المهمة بمفردها .. اقترب “عمر” قائلاً :
– بتعملى ايه هنا ؟
نظرت اليه وقالت بلهفة :
– بسرعة تعالى ساعدنى
وقف “عمر” لبرهه وكأنه لا يعى ما تقول .. فأعادت ما قالت بحده :
– بسرعة بقولك
جلس “عمر” الى جوارها ولا يدرى ماذا يصنع فأعطته قدم المهر .. وأمسكت هى بما ظهر من الجسم .. تحاول جذبه للخارج .. جذب “عمر” قدم الفرس بقوة فصاحت به :
– حاسب براحه مش كده .. فعل “عمر” كما تفعل هى .. استغرق الأمر قرابة الربع ساعة حتى ظهر المهر كاملاً .. كانت مهره جميلة ذات لون أسود فاحم .. أضفى لها جاذبيه خاصه .. حضنت “ياسمين” رأس المهره والابتسامه تعلو شفتيها ووضعتها برفق على الأرض .. سبحان الله الذى يخرج روح من روح .. وجسد من جسد .. وحياة من حياة .. تأمل “عمر” المهره والابتسامه تعلو شفتيه هو الآخر حاول أن يمسح على جسدها فأوقفته “ياسمين” قائله :
– استنى لازم مامتها تشمها وتنضفها الأول
سألها “عمر” فى دهشة :
-ليه
قالت مبتسمة وهى تنظر الى المهره الصغيره فى حنان :
– عشان تتعرف عليها
هشت المرأة وبشت وأخذت تزغرط وكأن ابنتها هى التى كانت تلد .. مثل هؤلاء الفلاحين البسطاء يعتزون بدوابهم جداً وكأنها فرد من أفراد أسرتهم .. خاصة لو كانت هى مصدر رزقهم ..
كانت ملابس “عمر” و “ياسمين” فى حالة يرثى لها من افرازات الولاده .. نظرت “ياسمين” الى ملابسها ولا تدرى ماذا تصنع .. كيف ستوقف سيارة بملابسها المتسخة لتعود الى المزرعة .. أخرجتها المرأة العجوز من حيرتها وقالت هاتفه فى فرح :
– احنا لازم نكرمكوا بركه ولاده المهر .. وتعالت الزغايد مرة أخرى .. عندئذ أقبل رجل كبير ومعه غلام صغير .. ضربت المرأة الغلام على رأسه قائلا :
– كل ده بتنادى لأبوك يا وله
قال الولد معتذرا :
– والله يامه دخت على مالقيته فى الغيط
أقبل الرجل فرحاً .. جلس بجوار الفرس وهو يمسح بيده على رأسها مردداً :
– اللهم لك الحمد والشكر
– قالت له زوجته .. الهانم والبيه هما اللى ولدوا الفرسه يا حج
قام الرجل الطيب من فوره ومد يده الى “عمر ” قائلاً :
– جميلكوا ده على الراس والعين
سلم عليه “عمر” قائلاً :
– مبروك عليكوا المهر
صححت “ياسمين” قائله :
– مهره
التفت الرجل الى “ياسمين” قائلا :
– مدام مهره وانتى اللى ولدتيها يبقى تتسمى على اسمك .. اسمك ايه ؟
ابتسمت “ياسمين” بخجل قائله :
– “ياسمين”
قال الرجل فى فرح :
– الله .. عاشت الأسامى يا ست “ياسمين” .. خلاص المهره نسميها “ياسمين”
سمعت “عمر” الواقف الى جوارها يقول لها مبتسماً :
– الحمد لله انه مطلعش مهر .. كان زمانهم سموه “عمر”
ضحكت “ياسمين” ضحكه خافته .. أصر الرجل والمرأة على تقديم واجب الضيافة لـ “ياسمين” و “عمر” .. وحلف الرجل بأغلظ الأيمان .. فإنصاع له الاثنان .. كان بيتهم صغير مبنى بالطوب .. خرجت المرأة الى “ياسمين” حاملة جلباب مطوى وأعطته لها .. وأعطت جلبابا الى “عمر” .. نظرت “ياسمين” الى ما بيدها وقالت لها محرجه :
– متشكرة أوى بس …..
– ايه يا بنتى هتكسفيني ولا ايه .. ده احنا لو نطول نقدملكوا حته من السما كنا قدمناها .. أدخلت المرأة “ياسمين” الى حجرة صغيرة تحتوى على فراش موضوع على الأرض علمت “ياسمين” أن هذه هى غرفة المرأة .. ارتدت “ياسمين” الجلباب النظيف ونظرت الى مرآه صغيره متآكله موضوعه على الأرض .. كان جلباب واسع ذو لون أخضر مطعم بالورود الصغيرة الحمراء وطرحه من نفس لون ونوع الجلباب .. نظرت “ياسمين” الى نفسها وضحكت ضحكة خافته لهيئتها التى لم تعتاد عليها
حملت “ياسمين” ملابسها المتسخة وخرجت من الغرفة .. لتقابل “عمر” فى مواجهتها وهو يخرج من غرفة أخرى .. نظرت اليه فرأته وقدر ارتدى جلبابا بدى قصيراً عليه نظراً لطول قامته .. لم تتمالك نفسها فإبتسمت ثم التفتت لتغلق باب الغرفة
نظر اليها “عمر” بخبث قائلاً :
– قبل ما تضحكى عليا بصى لنفسك فى المراية الأول
ثم ضحك ضحكة عالية .. طار لها قلبها .. أقبلت المرأة وتقدمت “عمر” الى حيث يجلس زوجها وابنها وقدمت لهم صنية بها كسر من الخبز الناشف وطبق عسل وطبق جبنه وبضع حبات الطماطم والخيار .. حلف الرجل وأقسم أن يأكل “عمر” ليرد اليه صنيعه .. جلست المرأة مع “ياسمين” وأخذت تقدم لها كسرات الخبز .. كانت المرأة سعيدة بما تقدمه لـ “ياسمين” وقالت لها :
– والله مقامك أكبر من كده يا بنتى .. بس احنا على أد حالنا زى ما انتى شايفه ..والحج حالف اننا لازم نكرمك انتى والبيه .. يلا مدى ايدك وكلى متتكسفيش
أكلت “ياسمين” بنهم وهى تشعر بأن لهذا الطعام المقدم لها مذاقاً خاصاً وبركة خاصة .. كانت التجربة جديدة على “عمر” أيضاً لكنه شعر بسعادة وسكينة وهو جالس مع أولئك الناس البسطاء .. انهيا طعامهما وصليا العصر واستأذنا فى الإنصراف .. خرجت “ياسمين” بصحبة “عمر” ليتوجها الى الطريق .. اقترب “عمر “من سيارته .. فوقفت “ياسمين” .. التفت لها “عمر” قائلاً :
– تعالى أوصلك أنا راجع المزرعة
تمتمت “ياسمين” بخفوت :
– شكراً أنا هوقف عربية من على الطريق
ابتسم “عمر” ونظر اليها قائلاً :
– عارفه من ضمن الحاجات اللى عجبانى فيكي ايه ؟
خفق قلبها لوقع كلماته .. فأكمل قائلاً دون أن يرفع نظره عنها :
– انك يعتمد عليكي .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية .. وشخصيتك قوية .. الواحد يسلم نفسه ليكي وهو مطمن
صمت لبرهه ثم قال :
– ده طبعا بالإضافه لحجات تانية كتير أوى
نظرت “ياسمين” الى السيارات المارة بجوارها لتهرب من النظر اليها .. كانت تخشى أن يسمع صوت خفقات قلبها الذى يخفق بجنون .. فسألها بهدوء :
– هتعملى ايه ؟
ردت دون أن تنظر اليه :
– زى ما قولت هوقف عربيه
قال لها :
– لأ بلاش تركبي عربية من على الطريق فى الوقت ده خلاص الدنيا هتليل .. امشها أحسن المسافة مش كبيرة .. ربع ساعه بالكتير وتكونى فى المزرعة
نظرت اليه “ياسمين” بدهشة وقالت :
– بس أنا أخاف أمشى لوحدى فى الوقت ده المغرب خلاص هيأذن
نظر اليها وكأن عينيه تعانقانها وقال فى حنان :
– مش لوحدك ..
نظرت اليه مستفهمه فإستطرد قائلاً :
– همشى وراكى بالعربية
شعرت “ياسمين” بسعادة تغمر قلبها .. أهو خائف عليها حقاً .. أخرجها من أفكارها قائلاً بصوت خافت :
– أنا قولتلك بس عشان تبقى عارفه انى معاكى .. يعني اطمنى متخفيش
مشت “ياسمين” بضع خطوات فأوقفها صوته قائلا :
– مش تجيبى البؤجه اللى معاكى دى .. أحطها فى العربية أحسن
ابتسمت وهى نظرت الى ملابسها التى تحملها والتى لفتها على بعضها البعض قائله :
– لأ شكرا .. هشيلها أنا
ثم سارت فى طريقها .. ركب “عمر” سيارته وتبعها ..كانت كلما ابتعدت قليلا فى خطواتها سار بسيارته ووقف خلفها بخطوات ثم يتركها تسير لفترة ثم يعود ليقرب المسافة كلما بعدت .. كان يشعر بشئ واحد .. أن قلبه أصبح ملكاً خالصاً لتلك الفتاة التى تسير أمامه .. والتى يخاف عليها ويرغب فى حمايتها بأى شكل .. لأنها متربعه على عرش قلبه الذى ينبض بداخله .. شعر بسعادة لذيذة تسرى داخله .. وهو يراها أمامه .. ود لو أوقف السيارة ونزل ليعانقها عناقاً طويلاً لا ينتهى أبداً .. ظلت عينيه معلقة بها .. حتى عبرت الطريق ووصلت الى بوابة المزرعة .. كان قلب “ياسمين” يخفق بشدة طوال الطريق وهى تختلس النظر الى الخلف فتجده يسير بسيارته خلفها ببطء .. كانت الابتسامه واسعة على شفتيها .. حمدت ربها أنه يسير خلفها وليس أمامها .. حتى لا يرى تلك السعادة البادية على وجهها .. طرقت البوابة ففتح الغفير ونظر اليها قائلاً :
– مين انتى ؟
فنظرت اليه قائله :
– أنا دكتورة “ياسمين”
تذكر الرجل أنه رآها تخرج فى الصباح .. انتبه الى ملابسها ونظر اليها فى دهشة .. دخلت “ياسمين” والرجل يتبعها بنظراته ويمط شفتيه فى دهشة .. كاد أن يغلق البوابة عندما سمع صوت زمور سيارة “عمر” فالتفت اليه ليجد رجلا يرتدى جلبابا فصاح قائلا :
– انت مين ؟
أخرج “عمر” رأسه من السيارة قائلاً :
– افتح أنا البشمهندس “عمر”
فأسرع الرجل بفتح البوابة على مسرعيها مرددا :
– اتفضلى يا بيه .. لا مؤاخذه ..
نظر الرجل الى ملابس “عمر” والسيارة تمر أمامه فضرب كفاً على كف وهو يمط شفتيه فى دهشة
دخلت “ياسمين” الى غرفتها .. رأتها “ريهام” فهبت واقفه .. نظرت اليها فى دهشة قائله :
– ايه يا “ياسمين” فينك موبايلك مقفول ليه .. قلقتينى عليكي .. وايه اللى انتى مهبباه فى نفسك ده
قالت “ياسمين” وهى تخرج هاتفها وتضعه فى الشاحن :
– الموبايل فصل شحن معلش
هتفت “ريهام” بدهشة قائله :
– ايه اللى انتى لابساه ده .. عامله زى اللى جايه من ورا الجاموسه .. انتى آه دكتورة بيطرية بس مش لدرجة النيولوك ده يا “ياسمين” هتفضحينا
ضحكت “ياسمين” وأخذت تقص على أختها الأحداث الغريبة التى مرت بها
دخل “عمر” بيت المزرعة ليجد نور مكتبه مضاءاً .. ترك الملابس المتسخة من يده على المقعد وتوجه الى المكتب .. ليرى “أيمن” جالس أمام الحاسوب .. نظر “أيمن” الى صديقه وانفجر ضاحكاً :
– ايه يا “عمر” اللى انت لابسه ده .. انت بقيت أبا العمده ولا ايه
– لا يا خفيف هدومى اتوسخت .. وملقتش حاجه ألبسها غير الجلبيه دى
قام “أيمن” من على المكتب ونظر الى صديقه وهو لا يستطيع وقف ضحكاته قائلاً :
– وكمان قصيره .. عارف بتفكرنى بمين .. جاموسة راحت تقابل جاموسة يا عيني ملقتهاش جاموسة لقتها بقرة يا عيني يا ليييييل
ضحك الصديقان فى مرح .. وتركه “عمر” وذهب الى غرفته ليأخذ دشاً .. وصورة “ياسمين” لا تفارق رأسه
****************************
فى صباح اليوم التالى دخل “كرم” مكتب “ريهام” قبل التوجه الى مكتبه لإعطائها بعض التعليمات .. بمجرد أن دخل هبت “ريهام” واقفة وعلامات الغضب على وجهها .. قال “كرم” :
– صباح الخير يا آنسه “ريهام”
لم تجب بل نظرت الى ساعتها وهتفت فى حنق :
– حضرتك جاى متأخر 3 ساعات ونص
نظر لها فى دهشة قائلاً :
– نعم ؟
قالت بهدوء ممزوج بالغضب :
– معاد حضرتك فى المكتب الساعة 8 .. وحضرتك فى أول يوم نبهت عليا انى آجى فى معادى ومتأخرش .. حضرتك اتأخرت 3 ساعات ونص وأنا اعده فى المكتب لوحدى ومش لاقيه أى حاجه أعملها .. طيب كنت قولى انك هتتأخر كنت روحت جبت كتاب ذاكرتلى كلمتين ينفعونى ولا كنت عملت أى حاجه مفيدة بدل الوقت الضايع ده
نظر “كرم” الى أعلى وأغمض عينيه وحاول تمالك أعصابه ثم نظر اليها قائلا :
– أنا آسف يا آنسه “ريهام” ان شاء الله لو حبيت اتأخر المرة الجاية هبقى أبلغ حضرتك
ثم تركها وذهب الى مكتبه وهو يحرك رأسه يميناً ويساراً فى دهشة .. بعد فترة طلبها “كرم” لتحضر له بريد اليوم ليمليها الرد عليه .. ذهبت اليه ووقفت أمام المكتب أعطته الأوراق وانتظرت ما سيمليه عليها .. حانت منه التفاته اليها قائلاً :
– هو حضرتك مينفعش تبتسمى ؟
قالت له بجديه :
– نعم
– تبتسمى تبتسمى .. يعني تعملى كده
ابتسم ابتسامه صفراء .. ثم قال لها :
– أى سكرتيره بتبسم فى وش المدير بتاعها
قالت “ريهام” فى هدوء :
– أنا كده مبحبش أبتسم
ثم نظرت الى الأجنده التى تحملها قائلاً :
– حضرتك مش هتملينى الردود
أنتهى “كرم” من تمليتها وقبل أن تغادر قال لها .. وهو يفحص احدى الملفات أمامه :
– انتى دايما بتنسي الباب مفتوح وانتى دخلالى المكتب .. متبقيش تنسى تقفليه
قالت له ببرود :
– لأ أنا مبنساش أقفله .. أنا متعمده أسيبه مفتوح
رفع نظره اليها قائلا :
– ليه ان شاء الله
قالت بنفس البرود :
– عشان ميبقاش فى خلوة ..
نظر لها بعدم فهم للحظات .. ثم قال بسخريه :
– آه عشان الشيطان ثالثهما والجو ده يعني .. لا يا آنسه “ريهام” فى حالتك دى الشيطان هيخاف يهوب هنا أصلا
قالت له بحده :
– نعم ؟ .. حضرتك بتقول ايه
قال بسرعة :
– بقولك اطبعى الورق اللى اديتهولك 3 نسخ ايه مبتسمعيش .. يلا بسرعة
نظرت له “ريهام” بغيظ ثم خرجت لتكمل عملها … فى اليوم التالى حضر “كرم” الى مكتب “ريهام” قبل أن يمر على مكتبه .. دخل فرفعت رأسها تنظر اليه فأشار الى ساعته قائلاً :
– الساعة 8 يعني فى معادى بالظبط ..
أشاحت بوجهها دون أن ترد .. فنظر اليها قائلاً بحسره :
– على رأى المثل “تأتى الرياح .. محملة بالأتربة ”
خرج من المكتب فلم تتمالك “ريهام” نفسها فابتسمت .. فدخل مرة أخرى بسرعة قائلا :
– ما احنا بنبتسم زى البنى آدمين أهو .. وابتسامتنا حلوة كمان
تحدثت اليه بجديه قائلاً :
– بشمهندس “كرم” .. اتفضل على مكتبك لو سمحت
هز رأسه قائلاً بسخرية :
– تحت أمرك يا آنسه “ريهام”
ثم خرج مسرعاً
*********************
جلس الأصدقاء الثلاثة معاً فى مكتب “عمر” فهتف “كرم” قائلاً :
– ايه يا جماعة السكرتيرة اللى انتوا جايبينهالى دى ؟ .. أنا عايز بس أفهم حاجه واحدة هو انتوا مشغلين السكرتيرة دى عندى ولا مشغليني أنا عندها
سأله “عمر” مبتسماً :
– ليه ايه اللى حصل ؟
قال “كرم” وهو يضرب كفاً بكف :
– أقولها اقفلى الباب تقولى خلوة .. أقولها ابتسمى تقولى أنا كده مبتسمش .. أقولها اعمليلي قهوة تقولى أنا سكرتيرة مش خدامه
ضحك “ايمن” و “عمر” .. فهتف “كرم” قائلاً :
– لا استنوا خدوا التقيله .. لقتيها بتزعقلى وكان هاين عليها تاخدنى ألمين عشان اتاخرت عن معادى .. أنا خايف أروح بكرة الشغل ألاقيها جيبالى دفتر حضور وانصراف
ابتسم “عمر ” قائلاً :
– أختها برده معلمانى الأدب
– هى أختها برده سكرتيره ؟
– لأ .. دكتورة بيطرية
ابتسم “أيمن” قائلاً :
– والله بنتين ميه ميه
نظر “كرم” الى ساعته ثم قام لينصرف .. فسأله “عمر” :
– على فين ؟
نظر اليه قائلاً بسخريه :
– استراحة الغدا خلصت .. خايف أروحلها متأخر تخصملى يوم من مرتبي
قال ذلك . ثم انصرف الى مكتبه
البارت 25
هبت نسمات الصباح لتداعب وجه “ياسمين” الجالسه على جذع شجرتها أصبح هذا المكان الصغير هو عالمها الخاص الذى تشعر فيه بالراحه والسكينه كانت تستيقظ باكره وتأتى اليه قبل الذهاب الى عملها كأن بينهما موعداً أبدياً لا ينقطع جلست فى ذلك اليوم تفكر تُرى كيف ستنتهى قضيتها وهل ستنتهى بالفعل من الجلسة الأولى التى من المقرر أن تكون بعد ثلاثة أيام ؟ أم ستضطر الى الإنتظار جلسات أخرى كانت لا تستطيع تحمل الإنتظار فترة أطول من ذلك لتتخلص من ذلك المدعو زوجها وتلقى بذكرياته فى بئر عميق وتردم فوقه التراب لتمحيه من ذاكرتها تماماً وكأنه لم يكن ثم عادت لتفكر تُرى ماذا يفعل “مصطفى” الآن أمازال يبحث عنها أمازال يتوعدها بالإنتقام أمازال يرغب فى أذيتها وعودتها اليه كانت سابحه وسط كل تلك الأفكار عندما قفزت صورته فجأة الى رأسها صورة “عمر” تذكرته عندما ساعدها فى ولادة المهره ابتسمت لتلك الذكرى لم تكن تتوقع أنها ستراه يوماً فى هذا الوضع بدا طيباً حنوناً يرغب فى مساعدتها ولا يتذمر أو يتأفف بدا لها شخص متواضع للغاية جعلها للحظات تنسى من هو وماذا يملك انه مجرد شخصاً بسيطاً مثلها شعرت أن ذكرى هذا اليوم محفورة فى ذاكرتها ولن تنساه أبداً تذكرت وقت العودة عندما أصر على السير بسيارته خلفها مازالت فى حيره من أمرها لماذا فعل ذلك أمن المعقول ان كل ما يفعله لأجلها فقط لأنها صديقه زوجة صديقه أم بسبب تلك الحادثه حدثها قلبها بأن هناك سبباً آخر سبباً يلقى صداه فى قلبها أمعقول أنه توقفت عن الاسترسال فى أفكارها عند تلك النقطة كانت تحاول بقدر الإمكان تجاهل مشاعرها وما يعتمل داخل صدرها هى لم تخرج بعد من تجربة كادت أن تدمرها لا تريد ترك نفسها لتنساق خلف تجربة أخرى غير واضحة المعالم لن يتأذى فيها الا قلبها وقلبها لم يعد يحتمل الألم نهضت لتتوجه الى عملها وعندما اقتربت من المبنى تسمرت فى مكانها كان واقفاً هناك يضع يديه فى جيب بنطاله ويعبث بشئ على الأرض بطرف حذائه شعرت بالحنق على تلك النبضات التى تتسارع كلما رأته نظرت أمامها وسارت بهدوء وكأنها لا تراه رفع رأسه فرآها ابتسم لها لم تبادله الابتسام عندما اقتربت منه أوقفها قائلاً :
– صباح الخير
قالت بصوت خافت :
– صباح النور
همت بأن تواصل طريقها لكنه أوقفها بإشارة من يده قائلاً :
– استنى لو سمحتى عايز أسألك عن حاجة
قالت وهى تتوجس منه خيفه :
– اتفضل
بدا مترددا قليلا .. ثم قال :
– معاد قضيتك اتحدد أنا عرفت من “أيمن” .. الجلسه بعد 3 أيام ..
شعرت بالدهشة لإهتمامه بمعرفة معاد الجلسة .. أم أن “أيمن” هو الذى تطوع وأخبره .. أكمل قائلاً :
– انتى هتروحى مع والدك أكيد مش كدة؟
أومأت برأسها قائله :
– أيوة .. “ريهام” هتفضل هنا
نظر ” عمر” اليها قائلاً :
– أنا حابب آجى معاكوا
نظرت اليه بدهشة قائله :
– ليه ؟
ابتسم بحنان قائلاً :
– عشان مش هطيق أستحمل أعد هنا وعشان كمان ما تتبهدلوش فى المواصلات لوحدكوا
قالت له بجديه :
– مفيش داعى يا بشمهندس .. أنا ووالدى هنروح لوحدنا
تأملها قائلا :
– مش عايزانى آجى معاكى ؟
قالت ببرود :
– لأ .. زى ما قولت لحضرتك مفيش داعى .. وكمان أنا مش عايزه وجودك يسببلى مشاكل
صمت قليلا ثم قال بضيق :
– طيب .. زى ما تحبي ..
قال ذلك ثم تركها وانصرف .. ودخلت هى وبدأت فى أداء عملها .. وعقلها مشغول بسر اهتمامه بها
*********************
” تسلم ايدك يا “ريهام” .. سرعة واتقان ”
قال “كرم” هذه العبارة وهو يتأمل الورق الذى قدمته اليه ابتسمت لإطراءه قائله :
– شكراً
نظر اليها قائلاً :
– اخيرا ابتسمنا
اختفت ابتسامتها وعادت ملامحها الى الجديه مرة أخرى .. فنظر اليها قائلا بمرح :
– طفتيها ليه ماكانت منوره
استأذنته قائله :
– حضرتك تطلب حاجة تاني
أرجع ظهره واستند به على مقعده ونظر اليها قائلاً :
– أنا عرفت ان أختك دكتورة بيطرية وبتشتغل هنا فى المزرعة
أومأت “ريهام” برأسها قاله :
– أيوة .. ووالدى كمان
نظر “كرم” اليها بدهشة قائلاً :
– والدك كمان بيشتغل هنا فى المزرعة
– أيوة .. مسؤول عن مخزن العلف
اندهش “كرم” .. لكنه لم يزيد فى الأسئله .. وقبل أن تنصرف قال لها :
– ممكن يا آنسه “ريهام” تطلبى من الفراش يعملى قهوة
ثم نظر اليها مستعطفاً اياها قائلاً :
– بصراحة مكسل أقوم .. خليكي جدعه واطلبيهالى
هزت رأسها وخرجت من مكتبه وعيناه تتابعانها
***********************