مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الثاني و العشرون
مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء الثاني و العشرون
البارت 31
ذهب “عمر” للبحث عن “عبد الحميد” لكنه وجد “ياسمين” تقف أمام مبنى سكن العمال وتتحدث فى هاتفها ويبدو عليها التوتر .. انهت مكالمتها .. اقترب منها قائلاً بإهتمام :
– فى ايه يا “ياسمين” .. والدك فين ؟
نظرت اليه قائله بتوتر :
– كلمته دلوقتى
قال لها “عمر” :
– ازاى .. هو معهوش موبايل
قالت “ياسمين” شارحه :
– “ريهام” معاه
سألها “عمر” بإهتمام :
– طيب هو فين ؟ وليه ساب المخزن ومشى ؟
ابتلعت “ياسمين” ريقها بصعوبه ونظرت اليه بحيره قائله :
– بيقول ان فى حد اتصل بيه على موبايل “ريهام” وقالها انك طلبت إن بابا يروحلك على المستشفى اللى فيها العامل اللى اتصاب .. “ريهام” كانت خلصت شغلها فراحت معاه
قال لها “عمر” بدهشة :
– أنا مطلبتش من حد انه يبلغ والدك بكده .. ولا طلبت انه يروحلى على المستشفى
قالت “ياسمين” فى دهشة :
– أمال مين اللى كلمه .. وعلى موبايل “ريهام” كمان .. يعني حد عرفنا
قال “عمر” فى حيره :
– أنا أصلاً معرفش رقم “ريهام”
قالت “ياسمين” فى ضيق :
– ايه اللخبطة دى بأه
هدءها “عمر” قائلاً :
– متقلقيش لما ييجى والدك هنفهم منه كل حاجه
هم بأن ينصرف لكن نظر اليها قائلاً فى حنان :
– تعالى اعدى عندنا فى بيت المزرعة لحد ما والدك وأختك يرجعوا
نظرت “ياسمين” اليه قائله بحرج :
– لأ شكراً .. أنا هطلع أوضتى أستناهم
أومأ برأسه قائلاً :
– طيب براحتك .. ولما ييجى والدك خليه يجيلى .. أنا هناك عند المخزن
أومأت برأسها فى صمت .. عاد “عمر” الى المخزن ليتفحص الأضرار التى لحقت به .. وجدت والده وعمته و “أيمن” و “كرم” هناك فى المخزن .. استقبله “كرم” قائلا :
– فين عم “عبد الحميد” .. لسه مظهرش ؟
قال “عمر” :
– جاى فى الطريق
قالت مدام “ثريا” بحنق :
– وكان فين حضرته وسايب المخزن ليه ومشى .. مش قولتلك يا “عمر” هو اللى ورا الموضوع ده
قال “عمر” بنفاذ صبر :
– لما ييجى هنعرف منه الحكايه
ما هى الا نصف ساعة وجاء “عبد الحميد” بصحبة “ريهام” .. الى مخزن العلف .. هتف “عبد الحميد” بمجرد أن رآى آثار الحريق فى المخزن :
– يا ستير يارب .. يا ستير يارب .. ايه اللي حصل ؟
نظرت اليه مدام “ثريا” بحزم قائله :
– المفروض حضرتك تقولنا ايه اللى حصل .. مش انت المسؤل عن المخزن
نظرت اليها “ريهام” بحده وقد شعرت بالضيق للطريقه التى تتحدث بها تلك المرأة مع والدها .. قال “عبد الحميد” شارحاً وهو مازال مذهولاً مما حدث :
– لقيت “ريهام” بنتى بتقولى ان فى واحد اتصل بهيا على الموبايل وقال ان البشمهندس “عمر” طلبنى أروحله على المستشفى اللى فيها العامل اللى اتصاب .. فقلت المخزن كويس و “ريهام” كانت خلصت شغلها خدتها معايا وروحت على المستشفى اللى الراجل ملى عنوانها لبنتى
قالت “ثريا” بسخريه :
– والله .. ايه الفيلم العربي ده
سأله “عمر” بإهتمام :
– انت واثق انك قفلت المخزن كويس قبل ما تمشى يا عم “عبد الحميد” ؟
اكد له “عبد الحميد” قائلاً :
– أيوة يا بشمهندس أنا قافل القفل بإيدي
ثم أشار الى “ريهام” قائلاً :
– مش انتى يا بنتى شوفتينى وأنا بقفله؟
أومأت “ريهام” برأسها قائله :
– أيوة يا بابا حضرتك قفلته أدامى
صاحت “ثريا” فى غضب :
– والله .. وهتشهد بنتك كمان .. ما هى أكدي هتشهد لصالحك .. أمال هتقول بابا كداب
صاحب “ريهام” بحده :
– لو سمحتى
أشار “عبد الحميد” بيده لـ “ريهام” كى تتوقف عن الحديث والتفت الى مدام “ثريا” قائلاً بكبرياء :
– أنا مش كداب يا هانم .. ومليش مصلحه فى أذية البشمهندس “عمر” .. ولا يمكن أفكر انى أأذيه فى أكل عيشه
قال “عمر” يطيب بخاطره :
– محدش قال انك كداب يا عم “عبد الحميد” .. أنا مصدقك طبعاً
التفتت اليه مدام “ثريا” بحده قائله :
– يعني ايه مصدقه ؟ .. هتسيبه يفلت من غير عقاب ؟
قال لها أخيها :
– “ثريا” مفيش داعى للكلام ده
قال “عمر” بصرامه :
– لو سمحتى يا عمتو مبحبش حد يتدخل فى ادارتى لشغلى
قالت عمته بسخريه :
– ده مش شغل يا بشمهندس .. انا وانت واللى واقفين دول كلهم عارفين انت بتعمل كده ليه .. عشان ست الحسن طبعاً
صاح “عبد الحميد” بغضب قالاً :
– لو سمحتى يا هانم .. كله إلا بنتى مقبلش ان حد يجيب سيرتها بكلمه
قال “عمر” بصرامة :
– ولا أنا أسمح ان حد يجيب سيرتها بكلمه
ثم نظر الى أبيه قائلاً :
– ياريت يا بابا حضرتك وعمتو تسبقونى على البيت أنا دقايق وجاى
أشار “نور” برأسه الى “ثريا” التى تبعته مضطرة وعلامات الحنق على وجهها .. نظر “عمر” الى “عبد الحميد” قائلاً :
– أنا بعتذر عن اللي حصل يا عم “عبد الحميد”
قال “عبد الحميد” فى إباء :
– حصل خير يا بشمهندس .. بس كده خلاص معدلناش قعاد هنا
قالت “ريهام” موافقه أبيها :
– معاك حق يا بابا .. كده كفاية أوى
صاح “كرم” قائلاً :
– ايه يا جماعه انتوا هتقلبوها درامه ليه .. خلاص سوء تفاهم واتحل .. و “عمر” بنفسه اعتذر
التفتت اليه “ريهام” قائله بحده :
– ده مش سوء تفاهم .. ده اتهام صريح .. واهانه لينا كلنا
التفت اليها “عمر” قائلاً :
– وأنا بعتذر تانى عن كل اللى عمتى قالته
ثم التفت الى “عبد الحميد” قائلاً :
– مش مكفيك اعتذارى يا عم “عبد الحميد”
قال له “عبد الحميد” فى حزم :
– يا بشمهندس “عمر” مش انت اللى غلطت عشان تعتذر .. وده مكنش سوء تفاهم .. الهانم واثقه ان أنا اللى دبرت الحريقه دى .. والله العظيم اللى حكيته هو اللى حصل بالظبط بدون زيادة أو نقصان
قالت له “ريهام” :
– بابا متحلفش .. اللي مش عايز يصدقك هو حر
التفت “كرم” الى “ريهام” قائلاً :
– ورينى الرقم اللى اتصل بيكي
قالت له “ريهام” وعيونها تشتعل من الغضب :
– حضرتك مش مصدقنى ؟
قال لها “كرم” بسرعه :
– طبعاً مصدقك .. بس عايز أشوف الرقم أكيد اللى عمل كده حد من هنا فى المزرعة .. أمال عرفوا رقمك ازاى
أخرجت هاتفها وأظهرت الرقم على الشاشة ثم أعطت الهاتف لـ “كرم” .. دون “كرم” الرقم على هاتفه ثم اتصل بصاحب الرقم .. وأشار لهم بالصمت :
– ألو
الصوت :
– ألو .. مين ؟
قال “كرم” وهو يشير لهم بأصبعه حتى لا يتحدث أحد :
– لو سمحت كنت عايز الأستاذ أحمد المحامى
– لا يا بيه الرقم غلط
– بس أنا واثق انه ادانى الرقم ده
– يا بيه بنقولك غلط .. أصلا ده رقم فى كشك الناس بتتكلم منه
– فين الكشك ده ؟
وصف الرجل المكان لـ “كرم” .. شكره “كرم” وأغلق الهاتف .. وقال لهم :
– الكشك فى البلد .. يعين قريب من هنا .. يعني اللى عمل كده حد من هنا من المزرعة
قال “أيمن” فى حيره :
– وايه مصلحتهم فى كده
أخذ “عمر” يفكر تفكيراً عميقاً .. ثم قال :
– وازاى وصلوا لرقم “ريهام” ؟
التفت “كرم” الى “ريهام” قائلاً :
– انتى اديتي رقمك لأى عامل من هنا فى المزرعة
قالت “ريهام” فى حيره :
– لأ وأنا أدى رقمى لعامل ليه
قال “كرم” بضيق :
– طب ادتيه للبتاع اللى اسمه “هانى شاكر” ده ؟
التفتت اليه بحده قائله :
– لأ طبعاً أديله رقمى بتاع ايه
التفت اليها والدها قائلاً :
– مين “هانى شاكر” ده يا “ريهام” ؟
نظرت الى “كرم” بغيظ .. فأسرع “كرم” لينقذها قائلاً :
– المهم دلوقتى نعرف الراجل ده وصل لرقم “ريهام” ازاى
قال “عمر” وأقد أرهقه التفكير :
– أنا هتجنن مين مصلحته انه يحرق المخزن
قال “أيمن” :
– احنا ملناش أعداء يا “عمر” لاننا الحمد لله بنراعى ربنا فى شغلنا .. فمعتقدش ان اللى عمل كده كان قاصد يأذيك انت .. وبعدين اللى عايز يأذيك هيحرق مكتلك بالملفات المهمة اللى فيه .. أو يحرق الزرع نفسه .. أو يحرق الزرايب والاسطبلات .. مش ييجى يحرق مخزن علف
التفت اليه “عمر” قائلاص :
– قصدك ايه ؟
قال “أيمن” بحزم :
– اللى عمل كده قصده انه يأذى عم “عبد الحميد” .. مش يأذيك انت
قال “عبد الحميد” بدهشة :
– ومين مصلحته انه يأذيني ؟
التفت “عمر” اليه قائلاً :
– ممكن يكون اللى اسمه “مصطفى” ده
قال “عبد الحميد” فى حيره :
– هو راجل شرانى وأتوقع منه أى حاجه .. بس ايه اللى هيعرفه مكاننا هنا
قال “كرم” :
– مين “مصطفى” ؟
قال “عمر” بضيق شديد :
– طليق “ياسمين”
هتف “كرم” قائلاً :
– اه صح .. ممكن يكون هو
قالت “ريهام” شارحه :
– و”مصطفى” هيجيب رقمى منين .. أصلاً الخط ده أنا غيرته من ساعة ما جيت المزرعة .. لانه كان ساعات لما يلاقى موبايل “ياسمين” مقفول يكلمها على رقمى .. فريحت نفسي وغيرته
قال “عمر” بتركيز :
– يبأه كده رجعنا لنقطة البداية واللى بتأكد ان اللى عمل كده حد من المزرعة هنا .. بس مين ؟
قال “أيمن” :
– أنا همشى بأه يا جماعة .. وبكرة ان شاء الله نشوف الموضوع ده .. يلا سلام
قال “كرم” لـ “عبد الحميد” :
– خلاص يا عم “عبد الحميد” روح انت .. وعشان الآنسه “ريهام” كمان تروح
التفت “عبد الحميد” الى “عمر” قائلاً :
– لو عندك يا بشمهندس شك ولو 1% انى ………
لم يدعه “عمر” يكمل كلامه وقاطعه قائلاً :
– معنديش حتى شك 0,1% .. وأنا اعتذرتلك عن كلام عمتى يا عم “عبد الحميد”
– طيب يا بشمهندس .. وربنا يكشف الحق وينصر المظلوم .. والظالم هيتفضح ان شاء الله .. السلام عليكم
– وعليكم السلام
رحل “عبدالحميد” و”ريهام” .. فالتفت “كرم” الى “عمر” قائلاً :
– كويس انك مبلغتش
نظر “عمر” اليه مستفهماً :
– لان أكيد لو بلغت كان أول واحد اتهموه هو عم “عبد الحميد”
قال “عمر” مؤكداّ :
– طبعا .. وكان زمانهم قبضين عليه دلوقتى
سأله “كرم” قائلاً :
– انا واثق ان مش هو اللي عمل كده .. وانت ؟ .. عندك شك ؟
رد “عمر” بسرعه :
– لأ طبعا .. انا واثق انه ملوش علاقة بالموضوع ده
ثم قال بسخريه :
– مش بدافع عنه عشان حبيبة القلب زى ما عمتو قالت .. بس فعلاً الراجل محترم ويعرف ربنا ومشفتش عليه أى حاجه وحشه
– امال مين ابن التيييييييييييت اللى عمل كده
– هتجنن يا “كرم” .. هتجنن
– خلاص روح انت دلوقتى وبكرة نبقى نشوف الحكاية دى .. وأنا كمان هروح على الفندق مليش نفس أروح فى حته .. يلا أشوفك بكرة .. سلام
– سلام
**************************
– حربايه صحيح
هتفت “ياسمين” بتلك العبارة فى غضب .. بعدما قصت عليها “ريهام” ما قالته مدام “ثريا” .. وقالت فى غضب :
– والإسم انها بنت عيلة محترمة .. هو فى ناس محترمة تتهم غيرها كده بدون دليل .. وتلقح بالكلام عليا كمان
قالت “ريهام” تهدئها :
– متخفيش “عمر” مسكتلهاش ووقفها عند حدها .. ومشاها كمان
ثم قالت “ريهام” فى حيره :
– هموت وأعرف مين اللى مصلحته انه يأذى بابا .. احنا ملناش أعداء غير “مصطفى”
ثم نظرت الى “ياسمين” قائله :
– تفتكرى “مصطفى” اللى عمل كده ؟
كانت “ياسمين” شارده تفكر تفكيراً عميقاً فنادهتها “ريهام” :
– “ياسمين”
أفاقت من شرودها قائله :
– أيوة
– ايه مالك روحتى فين
– بفكر
– فى اللى حصل ؟
أومأت برأسها قائله وقد شردت مرة أخرى :
– بفكر مين مصلحته ان بابا يتأذى … أو ……..
– أو ايه ؟
– أو انه يتخلص مننا
قالت “ريهام” بدهشة :
– ازاى يعني يتخلص مننا .. يقتلنا تقصدى
نظرت اليها “ياسمين” بغيظ قائله :
– يقتلنا مين انتى كمان
هتفت “ريهام” قائله :
– مش انتى اللى قولتى يتخلص مننا
– “ريهام” .. اسكتى يا “ريهام”
قمت “ريهام” وتركت “ياسمين” تفكير بعمق وتسأل نفسها سؤال واحد : من من مصلحته أن يأذى عائلتها ويتخلص منهم ؟
************************
دخل “عمر” غرفة المعيشة حيث اجتمعت العائله .. جلس على مقعد فارغ فبدأت مدام “ثريا” فى الهجوم :
– ممكن أفهم ايه التسيب ده اللى انت بتدير بيه المزرعة و بتتعامل بيه مع الناس اللى بيشتغلوا عندك ؟
نظر اليها “عمر” بصرامة قائلاً :
– ادارتى اللى حضرتك بتسميها تسيب بتدير عليا سنوياً أرباح بالملايين
قالت مدام “ثريا” بحزم :
– لو سبت اللى غلط بدون عقاب مش هتعرف تسيطر على العمال بعد كده .. وكل واحد يغلط زى ما هو عايز ما هو مفيش عقاب
قال “عمر” بحزم :
– لما أبقى أعرف مين المذنب مش هسيبه الا لما يتعاقب
هتفت بحده :
– هو انت لسه معرفتوش .. ولا الحب عامى عينك للدرجة دى
قام “عمر” غاضباً وقال :
– برده مصره تدخلى الخيوط فى بعضها .. احنا بنتكلم عن الحريقة اللى حصلت .. ايه دخل “ياسمين” دلوقتى فى الموضوع
قالت بغضب مماثل :
– ما هى اللى واكله عقلك .. وممشياك وراها يمين يمين .. شمال شمال
كظم “عمر” غيظه بصعوبه قائلاً بصوت هادر :
– أنا خارج أحسن ما أقول كلام يضايقنا احنا الاتنين يا عمتو
خرج مسرعاً وأغلق الباب خلفه بقوة .. هتف “نور” قائلاً :
– برده مفيش فايدة يا “ثريا” .. هو نفس اسلوبك الهجومى .. قولتلك 100 مرة “عمر” ما بيجيش بالاسلوب ده
التفت اليه قائله بحده :
– أمال عايزنى أتكلم معها ازاى وأنا شايفه البنت بتضحك عليه هى وأهلها
قالت “كريمه” :
– حرام عليكي يا “ثريا” مين قالك ان أبوها هو اللى عمل كده
التفتت اليها “ثريا” قائله بسخريه :
– أهلاً .. آدى محامى تانى لست الحسن وعيلتها
ثم غادرت الغرفة وذهبت الى غرفتها وأغلقت الباب خلفها بقوة
سار “عمر” فى تجاه سكن العمال .. كانت “ياسمين” واقفه فى الشرفة .. تلاقت نظراتهما فى صمت .. وقف قليلاً ثم ذهب فى اتجاه شجرته .. كان هناك الكثير مما يشغل عقله .. من فعل ذلك ؟ .. ولماذا فعل ذلك ؟ .. وكيف فعل ذلك؟ .. كان يشعر بالضيق من عمته بسبب تحاملها الدائم على “ياسمين” وأهلها .. و “ياسمين” نفسها والتى تهرب منه دائماً .. جلس على الجذع مهموماً حزيناً .. وفجأة وجدها أمامه .. واقفه تنظر اليه فى صمت .. قام من عل الجذع وتقدم بضع خطوات ووقف فى مواجهتها .. نظرت اليه “ياسمين” قائله :
– أنا عايزه أسألك سؤال واحد ؟
أومأ برأسه قائلاً :
– اسألى
صمتت قليلاً ثم قالت :
– انت مصدق ان بابا ملوش علاقه بالموضوع وان فعلا حد اتصل بيه وخلاه يسيب المخزن
صمت قليلا .. لحظات لكنها شعرت بأنها سنوات .. ثم رأت الابتسامه على محياه ورد قائلاً :
– أيوة مصدق
أومأت برأسها وقد ظهرت علامات الارتياح على وجهها .. ثم نظرت اليه قائله :
– مفيش غير شخص واحد من مصلحته انه يأذينا عشان نمشى من هنا
سألها “عمر” بإهتمام :
– مين الشخص ده ؟
نظرت اليه “ياسمين” بقوة قائله :
– الشخص اللى جالى وقالى انتى متناسبيش عيلة الألفى .. دورى على واحد من مستواكى .. بدل ما تطلقى للمرة التانية
نظر “عمر” الى عينيها بدهشة .. صمت .. طال صمتهما .. ثم قال بصوت هادر وقد اشتعلت عيناه بالغضب :
– مين اللى قالك كده ؟
قالت له بشئ من الأسى :
– عمتك
قالت ذلك ثم التفتت وغادرت المكان وتركته ونيران الغضب تشتعل بداخله
عاد “عمر” أدراجه الى البيت وصاح بصوت هادر :
– عمتو .. عمتو
دخل غرفة المعيشة ولم يجد بها أحداً .. صعد الى غرفة عمته وطرق الباب .. فتحت عمته .. والتى كانت “ايناس” عندها فى غرفتها .. قالت مدام “ثريا” ببرود :
– خير فى ايه .. أكيد مصيبه تانيه من مصايب الهانم وأهلها
نظر “عمر” اليها بغضب وقد كان فى قمة ثورته قائلاً :
– انتى قولتى ايه لـ “ياسمين” ؟
فتح والده باب الغرفة ليخرج هو ووالدته .. قالت “كريمه” :
– فى ايه بتزعق ليه يا “عمر”
ظل “عمر” ينظر الى عمته وسألها مرة أخرى بغضب :
– قولتى ايه لـ “ياسمين” يا عمتو ؟
اهتزت مدام “ثريا” قليلا لكنها تماسكت بسرعة وقالت :
– وأنا هقولها ايه يعني
عض “عمر” على شفتيه فى غيظ ثم قال :
– يعني ما قولتيلهاش انها مش مناسبه لعيلتنا ومش من مستوانا وانى لو اتجوزتها هتطلق للمرة التانيه ؟
شهقت “كريمة” ونظرت الى “ثريا” فى دهشة .. قال “نور” موجهاً كلامه لـ “ثريا” :
– الكلام ده صح يا “ثريا”
هتفت “ايناس” فى غضب :
– ايه فى ايه .. كلكوا عليها كده ليه .. هى غلطت فى مين يعني .. حتت بت مفعوصه فاكرة نفسها حاجه
التفت اليها “عمر” قائلا بحزم :
– خليكي انتى بره الموضوع يا “ايناس”
قالت له “ايناس” بسخريه :
– البنت اللى انت محموق عشانها أوى كده انت اصلا مش فى دماغها .. ولا تفرق معاها حاجه .. دى قالتلى بعضمة لسانها ان أى كلام عنك ميخصهاش .. يبأه ليه بأه انت حامق نفسك عشانها أوى كده
التفت “عمر” الى “ايناس” ببطء وقال لها بصرامه :
– نعم ؟ .. وانتى اتكلمتى معاها امتى انتى كمان ؟
بُهتت “ايناس” وقد شعرت فى نفسها بالحماقة لزلة لسانها تلك .. فصاح “عمر” بغضب شرس :
– انطقى قولتيلها ايه انتى كمان ؟
صاحت مدام “ثريا” بغضب :
– لأ كده كتير أوى .. احنا اتهزأنا بما فيه الكفاية فى بيتك يا “نور” .. شايف ابنك طايح فينا وساكت .. يلا يا “ايناس” حضرى شنطتك عشان نرجع القاهرة حالاً
قالت “كريمه” :
– استنى بس يا “ثريا”
هتفت “ثريا” قائله :
– أستنى ايه .. أستنى ما أتهزأ أكتر من كده
نظر اليها “عمر” ببرود قائلاً :
– انتى ليكى علاقة بحرق المخزن يا عمتو ؟
نظرت اليه “ثريا” بغضب قائله :
– ايه اللى انت بتقوله ده ؟
قال “نور” ل “عمر” :
– “عمر” متخليش غضبك يعميك .. مينفعش تقول لعمتك كده
قال “عمر” بنفس البرود :
– أنا متهمتش حد بحاجه .. أنا بسأل سؤال
قالت “ثريا” بغضب :
– مجرد انك تسأل سؤال زى ده .. دى حاجه مش مقبوله أبداً
نظر اليها “عمر” نظة كأنها سهم خارق قائلاً :
– هعرف الحقيقة يا عمتو .. سمعانى .. هعرفها
ثم تركهم وغادر البيت .. اتصل برئيس العمال قائلاً بصرامة :
– بكرة الصبح تجمعلى كل اللى شغالين فى المزرعة دي .. دكاترة عمال فلاحين .. كلهم تجمعهملى .. مفهوم
قال الرجل بسرعة :
– مفهوم يا بشمهندس “عمر”
قضى “عمر” ليلته ساهراً كان يشعر بغضب ثائر كالبركان بداخله .. كيف لعمته أن تقول مثل هذا الكلام لـ “ياسمين” .. كيف أمكنها أن تفعل به ذلك .. كيف أمكنها أن تكون قاسيه لهذه الدرجة .. شعر برغبته فى الذهاب حالاً الى “ياسمين” وأن يأخذها بين ذرعيه ويزيل كل المخاوف التى فى قلبها تجاهه .. لكنه قال لنفسه صبراً يا “عمر” ليس الآن .. فلتكتشف حقيقة حرق المخزن أولاً
أتى الصباح واجتمع جميع العاملون بالمزرعة فى ساحة كبيرة فلم تتسع القاعة لهذا العدد الكبير .. كان من ضمن الحضور “ياسمين” و “ريهام” و “عبد الحميد” وبالطبع “كرم” و “أيمن” .. وقف “عمر” وتحت فى مايك صغير ليصل صوته الى هذا الجمع وقال لهم بصرامة شديدة :
– طبعاً كلكم سمعتوا عن الحريق اللى حصل امبارح فى مخزن العلف .. اللى عايز أقوله انى هعرف اللى هعمل كده يعني هعرفه .. ولو وقع فى ايدي بجد مش هرحمه وهسلمه للبوليس بإيدي وهرفع عليه قضية بكل الخساير اللى حصلت فى المخزن
ساد الصمت وكان الأعين كلها مترقبة .. فأكمل “عمر” وهو ينظر اليهم :
– لكن لو اللى عمل كده .. جه واعترفلى وقالى مين اللى وزه .. مش هوصل الموضوع للبوليس ولا هطالبه بتعويض
نظر الجميع الى بعضهم البعض .. وأكمل “عمر” بلهجة تهديد :
– مفيش أدمك الا حلين اتنين يا تفضل ساكت وهجيبك يعني هجيبك مش هتفلت من تحت ايدي .. يا اما تيجى وتعترفلى بكل اللى حصل .. أدامك ساعتين من دلوقتى وبعدها اعتبر عرضى منتهى وهبلغ البوليس فوراً
قال ذلك ثم توجه الى مكتبه وتبعه “أيمن” و “كرم” وساد الهرج والمرج وتعالت الأصوات .. دخل الأصدقاء الثلاثه المكتب .. وقال “أيمن” :
– تفتكر اللى عمل كده هييجى يعترف فعلاً
زفر “عمر” بضيق قائلاً :
– مش عارف .. بس مكنش قدامى حاجه تانية أعملها غير كده
قال “كرم” بتفائل :
– أنا واثق انه هيعترف .. الناس هنا غلابه وعلى أد حالهم وأكيد هيخاف على نفسه وعلى أهله من الفضايح والشوشرة والسجن .. وهو عارف انك واصل وأكيد ليك معارف كبار .. أنا واثق انه هيعترف
ما هى الا لحظات وسمعوا طرقات على الباب .. نظر الثلاثة الى بعضهم البعض .. فتح “كرم” الباب ليدخل شاب صغير فى أوائل العشرينات .. كان يبدو عليه الخوف والإضطراب .. توجه الى المكتب نظر اليه “عمر” منتظراً أن يتحدث فقال لـ “عمر” بصوت خافت :
– انت فعلت يا بشمهندس لو حد جه اعترفلك مش هتسلمه للبوليس ؟
تبادل “أيمن” و “كرم” النظرات وقال “عمر” مؤكداً دون أن يرفع نظره عن الفتى :
– أيوة مش هسلمه للبوليس .. بس يقولى على كل حاجه
بلع الفتى ريقه بصعوبه وكان يبدو عليه التوتر الشديد .. قال له “عمر” :
– اعد
جلس الفتى .. صمت قليلاً ثم قال :
– أنا والله مكنت عايز أعمل كده .. بس هى اللى أغرتنى بالفلوس .. قولتلها لأ .. بس هى قالتلى ان محدش يعرف ان أنا اللى عملت كده
جلس “أيمن” قبالته .. ووقف “كرم” خلفه ينظرون الى الفتى الذى يتحدث وهو خائف مرتجف .. سأله “عمر” قائله :
– هى مين الى قالتك كده ؟ .. وقالتلك تعمل ايه بالظبط ؟
قال الفتى شارحاً :
– قالتلى اتصل برقم ادتهولى فى ورقة وقالتلى هترد عليا واحده أقولها البشمهندس عمر عايز عم “عبد الحميد” فى المستشفى واديها عنوان كانت كتبهولى فى الورقة
حثه “عمر” بلهفه قائلاً :
– ها وبعدين ؟
بلع الفتى ريقه ثم قال بتوتر :
– عملت كده .. وبعدها راقبت المخزن لحد ما الراجل اللى كان جوه خرج مع بنت .. وقفل المخزن بالقفل .. وهى كانت مديانى مفتاح القفل فتحته وولعت سجارة ورمتها جمب سلك عريته وولعت عود كبريت ورميته على العلف واتأكدت ان الناس مسكت فيه وبعدين خرجت
كان “عمر” يستمع فى ذهول ثم قال :
– مين هى اللى قالتلك تعمل كل ده ؟
بلع الفتى ريقه مرة أخرى وكان قد وصل الى قمة التوتر ثم نظر الى الرجال الثلاثة الذين تعلقت أعينهم به ثم التفت الى “عمر” قائلا :
– الدكتورة “مها”
اتسعت أعينهم من الدهشة وقال “أيمن” :
– الدكتورة “مها” بتاعة المعمل ؟
اومأ الفتى رأسه بالموافقه
شعر “عمر” بالدهشة لماذا تفعل “مها” ذلك ؟ ومن أين حصلت على مفتاح المخزن ؟
قال الفتى بقلق :
– مش هتبلغ عنى يا بشمهندس مش كدة
نظر اليه “عمر” قائلاً :
– لأ مش هبلغ عنك .. ومش هطالبك بتعويض
ثم قال بصرامة :
– لكن هتمشى من المزرعة
هتف الفتى فى لوعه :
– ليه كدة يا بشمهندس
قال “عمر” بقسوة :
– احمد ربنا انى هكتفى بطردك .. واحد غيريى كان رماك فى السجن مع كل الخساير اللى خسرتهالى .. بس أنا وعدتك وأنا كلمتى سيف على رقبتى .. بش لازم تطرد عشان اللى يخونى ملوش مكان عندى .. يلا اتفضل روح لرئيس العمال وأنا هقوله يديلك شهر مرتب لحد ما تلاقى شغل .. مع انك مستحقش
خرج الفتى مطأطأ الرأس .. أغلق “كرم” الباب والتفت اليهم قائلاً بدهشة :
– ايه الفيلم الهندى ده .. “مها” دى ايه مصلحتها انها تعمل حركة تييييييييييييييييت زى دى
قال “عمر” بحزم :
– أنا عندى تخمين بس هستنى لما أسمع من اللى اسمها “مها” دى بنفسي ..روح هاتها يا “كرم” بس ما تقولهاش حاجه
ذهب “كرم” الى المعمل وأحضر الدكتورة “مها” التى كانت تشعر بتوتر بالغ .. دخلت المكتب فوقف “عمر” فى مواجهتها قائلاً :
– جبتى منين مفتاح المخزن يا دكتورة ؟
ارتبكت “مها” وقالت :
– مخزن ايه يا بشمهندس مش فاهمة
صرخ “عمر” فيها قائلاً :
– انتى هتستعبطى .. لا مش أنا اللى يتعمل عليا الشويتين دول .. يا تقوليلى على كل حاجه من الألف للياء .. لهروح بنفسي دلوقتى وأعملك محضر فى القسم وشوفى بأه الفضايح اللى هتحصلك من ورا الموضوع ده
بكت “مها” ولم تستطع التحدث .. فهتف “عمر” بغضب :
– خلصيني .. مش هنعد طول اليوم فى النحنحه بتاعتك دى
ثم قال :
– مين اللى اداكى مفتاح المخزن وقالك تعملى كده ؟
قالت من بين شهقاتها :
– مدام “ثريا” هى اللى قالتلى أشوف عامل غلبان وأديه فلوس عشان يعمل كده .. وأهدده ان لو فتح بقه هيتسجن
كانت دهشة” كرم” و “أيمن” قد وصلت لذروتها .. قال “عمر” بإحتقار :
– مكنتش أتخيل ان واحدة متعلمة زيك والمفروض انها محترمة وبنت ناس تعمل كده .. فرقتى ايه ع نالمجرمين والبلطجية يا دكتورة .. اتفضلى من أدامى وما أشوفش وشك فى المزرعة دى تانى
نظرت اليه باكيه وقالت :
– بشمهندس “عمر” أنا آسفه .. أنا مكنش قصدى ..أنا …….
صرخ فيها “عمر” قائلا :
– بقولك اتفضلى اطلعى بره المزرعة .. سمعتى ولا سمعك تقل .. وابقى خلى عمتى تنفعك
خرجت “مها” تجز أذيال الخيبة .. ذهبت الى المعمل وأحضرت حقيبتها وخرجت وهى تحاول تمالك نفسها من البكاء الذى عصف بها
ضرب “أيمن” كفاً بكف قائلاً :
– انا مش مصدق اللى حصل .. ليه عمتك تعمل كده يا “عمر”
قال “عمر” :
– أنا عراف ليه عملت كدة
ثم نهض وتوجه الى بيت المزرعة .. دخل فوجد الجميع فى غرفة المعيشة كالعادة .. عندما دخل أشاحت عمته بوجهها ونظرت الى الجهه الأخرى فى تعالى .. فوقف أمامها قائلاً :
– العامل اللى حرق المخزن .. والدكتورة “مها” اللى وصلتله تعليماتك .. الاتنين اطردوا من المزرعة
بُهتت مدام “ثريا” حتى أن كوب الشاى الذى تحمله أخذ يتراقص بين يديها المرتجفة .. أكمل “عمر” قائلاً بإحتقار :
– كل ده عشان تبعديها عنى .. كل ده عشان تكرهيني فيها وفى أهلها .. زى ما روحتى تكرهيها فيا .. أنا مش عارف انتى ازاى عمتى ومن دمى
وقفت مدام “ثريا” دون أن تنطق بكلمة .. وخرجت من الغرفة مسرعة لحقتها “ايناس” .. جلس “عمر” فى مواجهة والديه وشرح لهم كل ما حدث .. شعر والداه بالأسف لما حدث .. ما هى إلا دقائق حتى نزلت “ثريا” و”ايناس” وقبل أن تغادر دخلت الى غرفة المعيشة وقالت بنبره متعاليه :
– أنا ماشية ولما تبقى تتعلم ازاى تتكلم مع عمتك أبقى آجى
ثم غادرت هى وابنتها .. ابتسم “عمر” فى سخريه وهز رأسه ..
انتشر خبر معرفة العامل الذى قام بحرق المخزن وتم تبرئة “عبد الحميد” أمام الجميع .. وكانت سعادته وسعاده بناته لا توصف ..
فى المساء وقفت “ياسمين” فى الشرفة مع “ريهام” والتى قالت بفضول :
– نفسي أعرف ايه اللى حصل .. وازاى اكتشفوه .. ولا هو اللى راح اعترف
قالت “ياسمين” بحيره :
– مش عارفه .. محدش عارف التفاصيل .. هما قالوا بس انهم عرفوا اللى عمل كده
قالت “ريهام” بتثائب :
– طيب أنا داخله أنام بأه سهرت كتير النهاردة
أومأت “ياسمين” برأسها
فقالت لها “ريهام” :
– مش هتنامى
– هقف شوية وبعدين هدخل أنام
دخلت “ريهام” وتركت أختها سابحه فى أفكارها .. تحاول تخمين ما حدث .. وكيف حدث .. ولما حدث ..
فى صباح اليوم التالى توجهت الى شجرتها .. وما ان وصلت حتى وجدت “عمر” جالساً هناك .. لم تعد هذه شجرتها .. أو شجرته .. بل أصبحت شجرتهما .. همت بالإنصراف .. لكنه أوقفها قائلاً
– استنى يا “ياسمين”
لم تتوقف أكملت طريقها فأسرع واعترض طريقها قائلاً :
– انتى كان معاكى حق .. عمتو فعلاً هى اللى ورا موضوع حرق المخزن
نظرت اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
– وهى و “ايناس” سابوا المزرعة امبارح ورجعوا القاهرة
كانت مازالت تحت تأثير المفاجأه .. نظر فى عينيها وأكمل بصوت رخيم :
– عايز بس أفهمك حاجه
نظرت اليه فأكمل قائلاً :
– مش عايزك تخافى منى .. أو من حد من أهلى .. ماما وبابا موافقين .. وأنا ميهمنيش رأى حد غيرهم .. وأنا واثق لو اتعرفتى عليهم هتحبيهم وهيحبوكى
صمت قليلا ثم قال وعيناه تغوصان فى بحر عينينها :
– زى ما أنا بحبك بالظبط
شعرت “ياسمين” بحرارة تسرى فى جسدها كله .. أرادت الهرب لكنه سد طريقها ثانية قائلاً :
– والله العظيم بحبك .. ومش ممكن أسيبك أبداً .. “ياسمين” أنا لو اتجوزتك مستحيل أسيبك أبداً
نظرت اليه وبداخلها حيرة كبيرة تتخبط بها .. قال لها بصوت هامس :
– قوليلى خايفه من ايه تانى وأنا اطمنك .. قوليلى ايه تانى باعدك عنى وأنا أشيله من طريقنا
جف حلقها .. لم تستطع النطق .. حاولت الهرب للمرة الثالثه لكنه كان لها بالمرصاد .. ابتسم قائلاً برقه :
– مش هسيبك تهربى .. قوليلى ايه تانى بعدك عنى
نظرت اليه قائله بهدوء :
– رغم كل اللى انت قولته ده أنا مش عارفه أثق فيك .. لانك واحد مبادئك غير مبادئى .. انت فى حياتك حاجات كتير غلط أنا مش ممكن أقبلها .. ممكن لو سمحت تسيبنى أمشى .. لان مينفعش وقفتنا كده
صمت برهه .. ثم نظر اليها بتصميم قائلاً :
– وأنا هعرف ازاى أخليكي تثقى فيا .. لو هى مشكلة ثقه .. فأنا هعرف أخليكي تثقى فيا وهثبتلك انى أستاهل قلبك يا “ياسمين”
ثم قال هامساً وآشعة عينيه السوداوين تخترق أعماق روحها :
– لانى بحبك بجد .. ونفسي تكونى ليا زى ما أنا بقيت بكل ما فيا ليكي انتى .. ومِلكك انتى .. وراجلك انتى .. والله العظيم بحبــك انتى .
نظرت اليه وهى تشعر بالصدق فى كلماته .. وفى عينيه .. وفى صوته .. وأيقنت أنها أصبحت بكل كيانها .. عاشقــه لــه ..
البارت 32
سارت الأيام التاليه فى المزرعة فى هدوء وسكينة .. مازالت “ياسمين” تعيش مشاعر الحيرة والتخبط .. بين نداء قلبها و نصائح عقلها .. كانت تشعر أنها ممزقة بينهما .. كل منهما يجذبها فى اتجاه مختلف تماماً عن الآخر .. كانت تتمنى شئ واحد فقط .. وهو أن يتفق قلبها وعقلها على شئ واحد .. أيا كان هذا الشئ .. أما “عمر” فكل ما كان يفكر فيه هو كيف يكسب ثقة “ياسمين” وكيف يفز بقلبها .. الذى أيقن الآن تماماً بأنه جوهره غاليه جداً تستحق التعب للحصول عليها .. منذ أن رحت “ثريا” و “ايناس” من المزرعة لم تحاولان الاتصال .. ولم يحاول “نور” وزوجته مهاتفتهما .. فضلوا ترك الأمور لتهدأ لبعض الوقت .. قبل فتح جلسة للعتاب والمصارحه ..
فى بيت المزرعة .. التفت الأسرة على طاولة الطعام .. عندما قالت “كريمه” :
– ازى أحوالك انت و “ياسمين”
نظر اليها “عمر” قائلاً :
– مفيش جديد
– هى لسه رفضاك ؟
فكر “عمر” قليلاً ثم قال :
– مش رفضانى .. ومش قبلانى
ابتسم أبوه قائلاً :
– فزورة دى
قال “عمر” فى شرود :
– لأ مش فزورة .. بس هى لحد دلوقتى موثقتش فيا .. أنا اللى مش قادر أفهمه هو ليه هى مش قادرة تثق فيا .. يعني مش قادر أفهم تحديداً ايه اللى مخوفها منى
نظرت اليه أمه قائله بخبث :
– ما يفهمش الست الا الست
قال “عمر” بإستغراب :
– يعني ايه ؟
ابتسمت “كريمه” قائله :
– يعني لو أنا اتكلمت معاها ممكن أقدر أفهم أسباب رفضها
ظهرت علامات السعادة على وجه “عمر” وابتسم قائلاً :
– بجد يا ماما .. هتتكلمى معاها
– أيوة يا حبيبى
قال “عمر” بحماس :
– تماما أوى .. أنا هعزمهم عندنا هنا هى وأختها وأبوها .. وفرصه الكل يتعرف ببعضه
قالت أمه بهدوء :
– أفضل ان أول مقابله تكون بيني أنا و”ياسمين” بس .. وبعد كده نبقى نعزمهم هنا
قال “عمر” بحيره :
– بس ما أعتقدش انها ممكن توافق تيجي هنا لوحدها
ابتسمت أمه قائله :
– خلاص مفيش مشكلة .. أروحلها مكتبها .. وكمان عشان أعتذرلها عن اللى “ثريا” و “ايناس” عملوه .. ده الواجب يا “عمر” عشان البنت تعرف ان كرامتها مصانه عندنا
قام “عمر” من فوره وتوجه الى أمه عانقها وهى جالسه وقبل رأسها قائلاً :
– بجد يا أمى ربنا ميحرمنيش منك .. فعلا ده اللى كان نفسي فيه بس خفت أطلب منك كده ترفضى .. “ياسمين” فعلاً لازم تحس اننا بنحافظ على كرامتها .. وان اللى حصل ده تصرف فردى من فرد واحد فى العيله لكن انتى وبابا حاجه تانيه .. وأنا فهمتها الكلام ده وقولتلها ان ميهمنيش رأى حد غيركوا انتوا الاتنين
قال “نور” :
– متقلقش ان شاء الله الموضوع هيتحل على خير
ثم التفت الى زوجته مبتسماً :
– طالما “كريمه” بنفسها دخلت فى الموضوع يبقى اعرف انه هيتحل ان شاء الله
نظرت اليهما “كريمة” قائله :
– ربنا يخليكوا ليا انتوا الاتنين
*********************
******************
طلب “كرم” من “ريهام” الحضور الى مكتبه .. ذهبت اليه فأعطاها بعض التعليمات .. وقبل أن تغادر قال لها :
– استنى يا آنسه “ريهام”
توقفت .. فوقف ودار حول المكتب ليقف فى مواجهتها ..ظل ينظر اليها بصمت .. انتظرته أن يتحدث فلم يفعل .. شعرت بالخجل من نظراته فهربت بعينيها لتنظر الى شئ آخر .. فقال لها بهدوء :
– أنا كنت عايز أقولك خبر .. يعني بما انك سكرتيرتى .. وبقالنا فترة شغالين مع بعض يبأه أكيد هتفرحيلى
نظرت اليه قائله بإهتمام :
– خير يا بشمهندس “كرم”
تفرس فيها لحظة ثم قال :
– أنا هخطب قريب
شعرت بقلبها يرتجف بين ضلوعها لكنها حاولت التماسك .. أكمل قائلاً وهو يتأملها :
– واحدة كنت أعرفها فى القاهرة
وقع قلبها أرضاً .. شعرت بغصه فى حلقها .. حاولت قدر الإمكان التماسك .. قالت بسرعة قبل أن تظهر العبرات فى عينينها :
ألف مبروك بعد اذنك
خرجت لتغادر المكتب .. ذهبت الى مكتبها .. جلست وهى تحاول استجماع شتاتها .. شعرت بالألم يغزو قلبها .. لم تدرى بنفسها إلا وهى تحمل حقيبتها وتغادر المكتب من فورها
عادت “ياسمين” من عملها لتجد “ريهام” جالسه على سريرها فى حالة يرثى لها .. اقتربت منها وجلست بجوارها قائله :
– مالك يا “ريهام” ايه اللى حصل ؟
أجهشت “ريهام” فى البكاء وألقت بنفسها فى حضن أختها قائله :
– كرم هيخطب يا “ياسمين”
قالت “ياسمين” وهى تربت على ظهرها :
– وانتى بتعيطى ليه ؟
رفعت “ريهام” رأسها لتنظر الى أختها .. نظرت “ياسمين” الى وجهها المبلل بالدموع ثم أدركت ما يعتمل فى قلب أختها .. قالت “ريهام” بأسى ودموعها تتساقط على وجنتيها :
– أنا بحبه يا “ياسمين” .. بحب “كرم”
نظرت اليها “ياسمين” بأسى قائله :
– الله يهديكي يا “ريهام” .. ليه تعلقى نفسك كده وتتعبى قلبك .. أكيد كان اليوم ده هيجيى .. ما هو لازم يخطب مش هيفضل كده على طول .. انتى ليه تعلقى نفسك بواحد .. اديكي انتى اللى تعبتى فى الاخر
قالت لها “ريهام” بحزن :
– مش بإيدي والله .. أنا معرفش اتعلقت بيه ازاى
ثم قالت بحزم :
– أنا مش هروح المكتب تانى .. خلاص كفايه كدة .. مش عايزة أشوفه بعد كدة
تنهدت “ياسمين” بحسره ونظرت الى “ريهام” قائله :
– ده فعلاً أحسن حل .. لان أكيد كل ما هتشوفيه هتتعبى
عانقتها “ياسمين” قائله :
– ربنا يريح قلبك يا “ريهام”
********************