مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السادس والعشرون

8 4٬621
 

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السادس والعشرون

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السادس والعشرون

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السادس والعشرون

مزرعة الدموع للكاتبة بنوتة اسمرة الجزء السادس والعشرون, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,كريمة جزائرية

البارت 37

خيم الحزن على المزرعــة .. التى أصبحت مرتعاً للأحزان .. افتقدت الفتاتان أباهما بشدة .. ساعد الجميع فى اجراءات الجنازة والدفن .. دُفن فى القاهرة فى المقابر التى دُفنت فيها زوجته .. مرت الأيام على الفتاتان ببطء شديد .. وكأن عقارب الساعة قد أصابها عطل ..فتوقفت أو كادت .. كانت “كريمه” تشفق على حالهما كثيراً .. كانت تزورهما فى غرفتهما .. التى أصرا على المكوث فيها .. وترسل لهما الطعام مع الخادمة كل يوم .. وقف “كرم” بجوار “ريهام” فى محنتها .. كان دائم الإتصال بها والإطمئنان على حالها .. أما “عمر” فلم تتوقف اتصالاته لـ “ياسمين”التى لم تجب على أى منها .. حتى أضطرت الى غلق هاتفها .. كان “عمر” يشعر بالحيرة .. لماذا انقلبت عليه فجأة .. هل هو التوتر الذى يسبق الزواج .. هل عادت الى مخافها مرة أخرى .. لماذا لا تعطيه وتعطى لنفسها فرصة .. هل تجربتها المريرة ستظل تقف حائلاً بينهما .. كاد أن يجن من كثرة التفكير .. لم يجد حلاً إلا فى التحدث مع والدته .. علها تريح قلبه .. قال “عمر” :

– أنا بس نفسي أعرف ليه هى قالتلى كده .. كلمتها وجعتنى أوى .. عارفه يعني ايه حبيبتى ويم كتب كتابنا تقولى (مش عايزاك) .. وكده بدون أسباب

استمعت أمه الى حديثه كاملاً .. وعن تفاصيل آخر لقاء له مع “ياسمين” صبيحة يوم كتب الكتاب .. ثم قالت فى هدوء :

– بص يا “عمر” .. كتير بنات بتخاف لما الموضوع بيدخل فى الجد .. يعني بتخاف انها تكون اختارت غلط .. بتخاف انها لسه مش عارفه كويس الراجل اللى هى هتبقى مراته .. تعرف آخر مرة كانت “ياسمين” عندنا هنا .. قبل كتب الكتاب بيومين .. جت سيرة الماجستير والدكتوراه بتوعك .. لقيتها مندهشة .. يعني حتى مكنتش تعرف عنك المعلومة البسيطة دى .. هى فعلاً يا “عمر” لسه البنت متعرفش حاجات كتير عنك .. وده أكيد مخوفها .. دى مخاوف أى بنت عادية .. ما بالك بأه بواحدة مطلقة .. وكانت متجوزة واحد أستغفر الله زى طليقها ده راجل معندوش ضمير .. متخيل حجم المخاوف اللي جواها عاملة ازاى .. خاصة ان والدها قال ان طليقها ده مكنش باين عليه كل اللى عمله ده وكان باين عليه واحد محترم وابن ناس .. اللى عايزة أقوله ان رغم انى مش معاها فى انها تهرب زى ما بتهرب دايماً .. ولازم تواجه كل اللى مخاوفها .. بس برده مقدرة ان البنت ممكن تكون مخاوفها سيطرت عليها لدرجة خلت تفكيرها يتشل .. لدرجة خلتها مترددة وبتفكر فى الحاجة ألف مرة .. وكتر التفكير بيفتح مجال للشيطان انه يدخل ويوسوس براحته

تنهد “عمر” قائلاً :

– يعني أنا أعمل ايه دلوقتى ؟

– بص يا حبيبى .. دلوقتى هى بتمر بحالة نفسية صعبة بسبب موت والدها .. وبسبب جوازها المفاجئ بعد ما جتلك وقالتك ان الجواز ملغى .. فكل اللى مطلبو منك هو انك تفضل جمبها فى أزمتها .. وتتحملها لحد ما تخرج منها .. على فكرة يا “عمر” الست بتقدر أوى الراجل اللى يقف جمبها وتحسن انه سند ليها .. الست لما بتلاقى راجل بيحبها وخايف عليها وواقف جمبها حتى وقت الخلاف بينهم لازم غصب عنها تعشق التراب اللى بيمشى عليه .. “ياسمين” خلاص بأت مراتك .. وانت جوزها .. وكمان البنت ملهاش أى حد غير أختها الأصغر منها .. يعني انت كل عيلتها دلوقتى يا “عمر”

أومأ “عمر” برأسه وقد شعر بالراحة للحديث مع أمه .. فقد أجابت على الأسئلة التى كانت تعتمل داخل عقله وقلبه .. قرر أن يقف بجوار حبيبته فى محنتها .. ولن يتخلى عنها أبــداً .

حاول أن يتصل بـ “ياسمين” مرة أخرى .. لكن هاتفها مازال مغلقاً .. فخرج من منزله وتوجه الى غرفتها فى سكن العمال .. طرق الباب .. بعد فترة .. فتحت “ريهام” مرتدية اسدال الصلاة .. نظرت اليه بإستغربا .. فقال لها :

– ازيك يا “ريهام” أخبارك ايه ؟

– كويسه الحمد لله

-“ياسمين” موجودة ؟

أومأت برأسا .. فقال :

– طيب لو سمحتى قوليلها انى عايزها

دخلت “ريهام” .. دقيقتين وخرجت “ياسمين” مرتدية اسدال الصلاة هى الأخرى .. نظر اليها يملى عينيه برؤياها التى حُرم منها لأيام .. كانت ضعيفة ذابله .. دامعة العينين .. رق قلبه لحالها .. اقترب منها قائلاً بحنان :

– حبيبتى انتى كويسه ؟

أومأت برأسها وتحاشت النظر اليه .. رفع يده ليمرر ظهر أصابعه على وجنتها قائلاً :

– أفله تليفونك ليه .. وليه مبترديش عليا

أبعدت وجهها عن أصابعه ..فسحب يده وظل ينظر اليها فى صمت .. وهى مازالت تتحاشا النظر الى وجهه .. طال الصمت بينهما .. نظر اليها قائلاً :

– ماشى هسيبك براحتك .. بس لو سمحتى افتحى تليفونك عشان لما أحب أطمن عليكي .. بدل ما كل شوية تلاقيني جايلك هنا .. أنا سبتك الكام يوم اللى فاتوا برحتك .. بس قدرى انى قلقان عليكي وحابب أسمع صوتك وأطمن عليكي

صمت برهه ثم قال :

– ماشى يا “ياسمين”

أومأت برأسها .. فقال :

– لو احتجتى حاجه كلمينى

غادر “عمر” وعادت الى سريرها تلقى بنفسها عليه .. اعطت “ريهام” ظهرها حتى لا ترى العبرات التى تتساقط من عينيها فى صمت .. سألت دموعها .. لماذا تسقطين يا دموعى .. أبسبب موت أبي .. الرجل الوحيد الذى أثق به فى هذه الدنيا .. أم تسقطين بسبب حالى وما يحدث لى .. كفى يا دموعى عن السقوط .. لم أعد أحتمل حرارتك على وجهى .. ألا تجفين أبداً .. لماذا تذكرينني دائماً بطعمك المالح فى فمى .. أريد أن أنسى طعمك يا دموعى .. لماذا تذكريني بكِ دائماً وتخرجين من عيناى بكل اصرار وكأنك تتحديني .. وكأنك تتعندين أن تؤلميني .. لماذا يا دموعى لا ترحميني ..!

اقتربت منها “ريهام” وجلست بجوارها على الفراش .. التفتت “ياسمين” اليها وجلست .. قالت “ريهام” بأسى :

– وحشنى أوى يا “ياسمين”

اغرورقت عينا “ياسمين” بالدموع قائله :

– وأنا كمان وحشنى أوى

ثم قالت :

– عايزين نعمل صدقة جارية ليه

أومأت “ريهام” برأسها قائله :

– زى ايه ؟

– مش عارفه لسه بفكر .. بس عايزين نعمله أكتر من حاجه عشان ثوابه يكون أكبر

ثم تساقطت عبرة من عينيها وهى تقول بصوت مرتجف :

– الانسان لما بيموت .. الحاجة الوحيدة اللى بيستمر ياخد عليها ثواب هى ان ولاده يدعوله ويعملوله صدقة جاريه .. وعايزين نعمل لماما كمان

أومأت “ريهام” برأسها وأسندتها على كتف أختها قائله :

– ماشى أنا هديكي كل الفلوس اللى أنا محوشاها من مرتبي وانتى شوفى هتعملى بيها ايه

قالت “ياسمين” :

– لأ مش هاخدهم كلهم .. احنا لسه منعرفش احنا هنعيش ازاى .. خلاص كدة معاش بابا الله يرحمه اتقطع عننا لاننا اتجوزنا .. يعني ملناش أى مصدر رزق نعيش منه الا شغلنا هنا .. وأمورنا دلوقتى اتلخبطت

رفعت “ريهام” رأسها ونظرت اليها قائله :

– ايه اللى هيحصل دلوقتى يا “ياسمين” .. أقصد بعد ما كل واحدة فينا اتكتب كتابها .. وبعدين .. ايه اللى هيحصل .. طبعاً الفرح لازم يتأجل .. بس هل هنفضل نشتغل عندهم زى ما احنا .. ولا لأ .. ولو مشتغلناش هنصرف على نفسنا منين

نظرت “ياسمين” الى “ريهام” قائله :

– ربنا موجوده .. مش هيسبنا .. اطمنى يا “ريهام” .. ربنا قادر يبعتلنا الحل لكل مشاكلنا

فتحت “ياسمين” أحد الأدراج بجانبها وأخرجت مصحفاً وفتحته وأسندت ظهرها الى الوسادة خلفها وبدأت فى القراءه .. رجعت “ريهام” بظهرها للخلف وأسندت رأسها على كتف أختها تستمع الى تلاوتهــا .

***************************

فى اليوم التالى .. خرجت “ريهام” من الحمام لتجد أختها ترتدى ملابسها فسألتها :

– انتى خارجه ؟

قالت “ياسمن” شارحه :

– أيوة .. هروح أشوف موضوع الصدقة الجارية اللى اتكلمنا عنه امبارح

– آجى معاكى

– لا يا حبيبتى مفيش داعى خليكي

خرجت “ياسمين” .. توجهت الى الطريق المؤدى للبوابة .. كان “عمر” يقف أمام البوابة يتحدث الى رجل داخل سيارته .. نظر الى “ياسمين” فتجاهلت نظراته .. أنهى “عمر” كلامه مع الرجل الذى انطلق بسيارته خارج المزرعة ثم توجه اليها يقطع طريقها قائلاً :

– “ياسمين” .. راحه فين؟

نظرت اليه .. يالله .. لكم تؤلمنى رؤيته .. وتذكرنى بكل ما أريد نسيانه .. أعاده سؤاله :

– راحه فين يا “ياسمين” .. قالت بهدوء :

– نازله المنصورة

– تعملى ايه فى المنصورة

قالت بشئ من نفاذ الصبر :

– هشترى شوية حاجات

قال وهو يهم بالإنصراف :

– طيب ثوانى هجيب العربية وآجى

قالت بسرعة :

– مفيش داعى .. أنا هروح لوحدى

نظر اليها بحنان قائلاً :

– ازاى يعني أسيب مراتــى تركب فى المواصلات وأنا موجود

خفق قلبه عندما سمعت منه كلمـة (مراتــى) .. تلك الكلمة التى تحاول أن تتناساها .. لكنها واقع .. وأمر مفروغ منه .. لم تعد تستطيع الهــرب .. عاد “عمر” و أحضر سيارته أوقفها أمام “ياسمين” وفتح لها الباب .. شعرت بإحساس غريب .. هو مزيج من خوف وحيرة وتردد .. للمرة الأولى تركب سيارة رجل غريب بمفردها .. ذكرت نفسها .. ليس غريباً يا “ياسمين” .. بل هو زوجــك .. زوجك الذى فُرض عليكِ فرضاً .. زوجك رغــم أنفــك .. اهربي منه فى عقلك كما تريدين .. لكنك لن تستطيعي الهرب من الواقــع أبــداً .

ترددت لحظات فى الركوب .. نظر اليها “عمر” يراقب ملامح التردد على وجهها .. ركبت بجواره .. بجوار زوجهــا .. شعرت بالرهبة .. تنهدت وحاولت السيطرة على خفقات قلبها .. هى حتى لا تعلم مما هى خائفه .. سار “عمر” فى طريقه الى المنصورة .. يلقى نظرة عليها كل فترة .. نظر اليها قائلاً :

– عايزه تروحى فين ؟

صمتت لتفكر .. ثم قالت :

– عايزة أروح أى مكتبة اسلامية

قال بإستغراب :

– مكتبة اسلامية

أومأت برأسها فقال :

– ليه ؟

قالت بهدوء :

– عايزة أشترى مصاحب عشان أحطها فى المسجد اللى فى القرية .. صدقة جارية لبابا وماما الله يرحمهم

شعر “عمر” بحنان جارف تجاهها .. لاحت ابتسامه على شفتيه .. ونظر الى يدها الموضوعة بجانبها على المقعد ..مد يده ليحتضن كفها .. فأزاحت يدها بسرعة .. وكتفت ذراعيها أما صدرها .. تضايق “عمر” .. لكنه أخفى ضيقه .. مراعاة لمشاعرها وللظروف التى تمر بها .. توقف أمام المكتبة .. نزل معها .. وواختارت ما تريد .. وعندما همت بفتح حقيبتها وجدت “عمر” يسبقها ويخرج محفظته .. فقالت بسرعة :

– لأ أنا اللى هدفع

نظر اليها “عمر” نظرة محذرة .. نظرة صارمة .. دون أن يتكلم .. كم اخافتها نظرته فألجمت لسانها .. يا لهاتين العينين .. هما قادرتان على غمرها بالحنان تارة .. وعلى اخافتها تارة أخرى .. دفع “عمر” المبلغ للرجل وحمل المصاحف ووضعها فى صندوق السيارة .. وتوجه الى باب “ياسمين” وفتحه لها .. ركبت “ياسمين” .. وركب “عمر” وانطلق فى طريقه .. ساد الصمت .. قطعته “ياسمين” وهى تخرج .. المال من حقيبتها وتعده .. ثم تعطيه له فى حده قائله بحزم :

– اتفضل

ألقى “عمر” نظرة على المال ثم عليها .. صمت للحظات بدون رد فعل .. ومازالت يدها ممدودة بالمال .. ثــم .. أخذه منها ووضعه بإهمال على تابلوه السيارة .. نظرت أمامها .. قال “عمر” بهدوء لكن بحزم :

– تانى مرة لما أكون معاكى فى مكان .. أوعى تفتحى شنطتك وتحاولى انك تحاسبي .. أنا راجل مش شوال جوافة

قالت “بهدوء :

– الحاجة دى بتاعتى وأنا اللي لازم أدفع تمنها

قال بحزم دون أن ينظر اليها :

– ده يبقى بينى وبينك .. مش أدام الناس

ثم نظر اليها قائلاً :

– اتفقنا ؟

نظر اليه .. تلاقت نظراتهما .. هى تحاول قراءة عينيه وهو يحاول قراءة عينيها .. أومأت برأسها ثم عادت لتنظر أمامها فسألها :

– عايزة تروحى مكان تانى ؟

قالت بتردد :

– لو مش هعطلك .. عايزه أروح أى دار أيتام هنا

فكر “عمر” قليلً ثم قال :

– ماشى

ثم نظر اليها وابتسم ابتسامه عذبه قائلاً :

– حبيبتى تأمر وأنا أنفذ

اختلج قلبها لابتسامته الجذابه .. وكلماته الرقيقة .. فأشاحت بوجهها .. وذكرت نفسها بكل ما علمته عنه .. وبكل ما تكرهه فيــه .

**************************

سمعت “ريهام” طرقات على الباب فقامت لتفتح ظناً منها أنها “ياسمين” .. لكنها وجدت “كرم” أمامها .. ابتسم لها قائلاً :

– وحشتيني جيت أشوفك

ابتسمت “ريهام” بخجل وقالت :

– احنا كنا لسه أفلين مع بعض من شوية

قال فى مرح :

– انتى فاكرة ان صوتك كفاية يعني .. ده أنا لما بتكلم معاكى فى التليفون بحس انك بتوحشيني أكتر

سألها بخفوت :

– “ياسمين” جوه ؟

– لأ .. خرجت راحت المنصورة

ابتسم “كرم” قائلاً :

– كويس

ولدهشتها وجدته يدفعها ويدخل ويغلق الباب .. قالت بدهشة :

– “كرم” انت بتعمل ايه

قال بجديه :

– عايز أتكلم مع مراتى .. ايه فيها حاجه

أشارت الى الباب المغلق قائله :

– بس مش كدة .. مينفعش كده

ضحك قائلاً :

– يا بنتى انتى مراتى

جذبها من ذراعيه ليضمها الى صدره .. فدفعته عنها قائله بخجل :

– انت بتهرج على فكرة

ابتسم قائلاً :

– أموت فيك وانت مكسوف كده .. طيب أنا بس عايز أتكلم معاكى فى موضوع

قالت بتوتر :

– طيب اتكلم بسرعة

قال :

– ايه هتكلم واحنا واقفين كدة ..

ثم ألقى نظرة على الغرفة التى تحتوى على سريرين ودولاب وتسريحة .. فقالت “ريهام” هاتفه :

– مفيش مكان هنا نعد عليه

نظر الي السرير ثم قال بخبث :

– معاكى حق القعاد هنا خطر

هتفت “ريهام” بحنق :

– اطلع بره يا “كرم”

نظر اليها بجديه قائلاً :

– حبه جد بأه عشان فى موضوع مهم فعلاً عايز أكلمك فيه

رأت ملامح الجدية على وجهه فشعرت بالقلق وقالت :

– خير ؟

قال “كرم” بجديه :

– أنا خلاص معدش ينفع أستنى هنا أكتر من كده .. الشغل كتير فى القاهرة وفى حاجات لازم أعملها بنفسي .. يعني لازم أرجع القاهرة فى أقرب وقت

صمتت “ريهام” قليلاً لا تدرى ما تقول فأكمل “كرم” :

– لازم تيجي معايا القاهرة يا “ريهام” .. يعني أقصد تعيشي معايا .. تبقى دخله يعني

نظرت اليه وقالت بدهشة :

– انت بتقول ايه يا “كرم” .. ازاى أعمل فرح وأبويا لسه ميت ؟

قال “كرم” بسرعة :

– مش لازم نعمل فرح .. بس أنا مضطر أرجع القاهرة ومش عايز أسيبك هنا .. عايزك معايا يا حبيبتى .. وبعدين انتى ناسية الإمتحانات بتاعتك .. انتى نفسك لازم ترجعى القاهرة عشان امتحاناتك

فكرت “ريهام” بتمعن ثم قالت :

– وازاى أسيب “ياسمين” لوحدها ؟

– “ياسمين” مش لوحدها .. جوزها هنا .. “عمر” .. وكمان طنط “كريمه” هنا

أخذت تفكر .. ثم قالت له فى حيرة :

– مش هقدر أمشى من هنا يا “كرم” إلا بعد ما أطمن ان “ياسمين” هى كمان هتبقى مع “عمر” فى بيته .. ومش هتعد هنا لوحدها

قال “كرم” مطمئناً :

– متقلقيش أنا واثق ان “عمر” هو كمان هيعجل بموضوع الدخله .. عشان الوضع كدة مش مظبوط .. يعني مينفعش تعدوا انتوا الاتنين لوحدكوا .. وفى سكن عمال طالعه نازله .. وكل واحدة متجوزة راجل يسد عين الشمس

نظرت اليه قائله :

– خلاص .. شوف انت “عمر” ناوى على ايه .. بس أنا مش همشى من هنا طول ما “ياسمين” أعده .. مش ممكن هسيب أختى لوحدها .. وفى ظروفنا دى .. احنا خلاص بقينا لوحدنا وملناش الا بعض

اقترب منها “كرم” ومسحها على وجنتها فى حنان قائلاً :

– وأنا روحت فين .. انتى مش لوحدك يا “ريهام” .. أنا معاكى .. ومش عايز تقلقى من حاجه طول ما أنا معاكى

ابتسمت بخجل وقالت :

– عارفه يا “كرم” .. تعرف انت اللى كنت بتصبرنى الأيام اللي فاتت .. كنت بفرح لما كنت بتكلمنى كل شوية وبتطمن عليا .. خلتنى أحس ان مش لوحدى

ابتسم قائلاً :

– طبعاً مش لوحدك

حاولت جذبها من ذرعيها مرة أخرى الى حضنه .. فدفعته عنها بخجل .. تركها قائلاً بمرح :

– ماشى برحتك .. بكرة تبقى فى بيتى يا جميل .. أنا وانت وتالتنا الشيطان

ضحكت “ريهام” وأخفت ضحكتها بيدها فأكمل قائلاً :

– ولا تقوليلى سيب الباب مفتوح .. ولا كده مينفعش يا “كرم” .. ده انا هخلص منك القديم والجديد ..

ازدادت ضحكات “ريهام” قائله :

– وأنا اللى بقول عنك طيب ومحترم

صاح فى مرح :

– لا محترم ايه .. مين اللى ضحك عليكي واداكى الفكرة الغلط دى عنى .. أنا عندى ميول شديدة للإنحراف بس مكنتش لاقى اللى يوجهنى .. اديني بس فرصتى وأنا أثبتلك صوت وصورة

صاحت “ريهام” وهى تكتم ضحكاتها :

– “كرم” اطلع بره

ابتسم قائلاً :

– ماشى .. هطلع .. ليك يوم يا جميل

ثم نظر اليها بفرحه قائلاً :

– بس عارفه كويس انى جيت .. على الأقل شوفت ضحكتك الحلوة دى

نظرت اليه بحب وقالت مبتسمه :

– ربنا يخليك ليا يا “كرم”

– “ريهام”

– مممممممم

– اوعى تبصيلى البصه دى تانى وتتكلمى بصوت مسهوك كده طول ما احنا هنا فى المزرعة .. لما نسافر القاهرة وندخل بيتنا ابقى انحرفى براحتك

هتفت قائله :

– انا منحرفه يا “كرم”

قال بهمس :

– يا “ريهام” أصلك متعرفيش صوتك الحنين ده وانتى بتقولى ربنا يخليك ليا يا “كرم” عمل فيا ايه

تظاهرت “ريهام” بالجديه وقالت :

– “كرم” بجد اطلع بره .. كده اوووفر

نظر اليها بغيظ .. ثم فتح الباب وقبل أن يخرج .. التفت بسرعة ليطبع قبلة سريعه على وجنتها ثم خرج مسرعاً وهو يضحك .. قالت “ريهام” يغيظ بصوت منخفض :

– ماشى يا “كرم”

**********************

دخلت “ياسمين” الى دار الأيتام بصحبة “عمر” .. توجهوا الى مكتب المديرة وتبرعت “ياسمين” بمبلغ لمساعدة الأطفال .. كصدقة جارية لوالدها ووالدتها رحمهما الله .. كان “عمر” يراقبها بعينين حنونتين وهى تتحدث مع المديرة .. رق قلبه لتلك الفتاة التى أمامه والتى كلما رآها شعر بقلبه كعصفور صغير يرفرف بجناحيه داخل صدره .. شعر بسعادة غريبة تسري فى كيانه كله وهو ينظر اليها والى أفعالها الطيبة .. حانت التفاته منها وتلاقت أعينهما .. كانت نظرته شغوفه حنونه تشى بحب واضح لا يمكن أن تخطئ فى تفسيره .. أشاحت بوجهها فى خجل .. أخذتهم المديرة الى حجرة بعض الأطفال وأخذت تتحدث عن المجهودات التى تبذلها الدار لعلاج أولئك الأطفال الذين فقدوا زويهم .. نظرت “ياسمين” الى الأطفال البريئة التى تلعب فى مرح .. ترقرقت عيناها بالعبرات .. حمدت ربها أن أمد فى عمر أبويها حتى ربوها وكبورها هى و أختها .. أما هؤلاء الأفطال المساكين معظم لم يروا زويهم .. وتربوا بدونهم .. وسيكبرون بدونهم .. شعرت بالعبرات تندفع من عينينها كالشلال وهى تنقل بصرها من طفل لآخر وضعت كفها على فمها لتكتم شهقات صغيرة كادت أن تفلت منها .. نظر اليها “عمر” و خفق قلبه .. رفع ذراعه وأحاط كتفيها وقربها منه .. و .. قبل رأسها .. انتبهت “ياسمين” لقربها منه .. فرفعت عينيها الدامعتين اليه فى خجل لتصطدم بنظرة حنان فى عينيه .. ثم تبتعد عنه .. مسحت دموعها .. اقترب “عمر” من أحد الأطفال .. كان طفلاً صغيراً فى الثالثه من عمره .. يمسك لعبة مكونه من جزءين فشل فى تركيبهما فأخذ يبكى .. أمسك “عمر” منه اللعبة وركبها و ابتسم الى الصغير وأعطاه اياها ومسح على شعره .. وقف مرة أخرى بجوار “ياسمين” ينظر للطفل الذى يلعب بلعبته فى مرح .. نظرت اليه “ياسمين” قائله :

– تعرف انك خدت ثواب كبير أوى باللى انت عملته ده

التفت اليها بدهشة قائله :

– عملت ايه ؟

قالت شارحه :

– مسحت على راس طفل يتيم .. اللمسه دى ثوابها كبير

نظر اليها بشغف قائلاً بصوت هامس :

– كويس يعني معايا كنز حسنات .. مش هشيل ايدي من عليه أبداً

احمرت وجنتاها وتحاشت النظر اليه .. قبل انصرافهم توقف “عمر” وأخرج دفتر شيكاته وكتب شيكاً وأعطاه الى مديرة الدار .. لم تعرف “ياسمين” الرقم المكتوب لكنها رأت علامات الفرحة على وجه المرأة ونظرت اليه قائله :

– ربنا يباركلك يا ابنى ويحفظك من كل سوء .. ده أكبر مبلغ حد يتبرع بيه من يوم ما فتحنا الدار ..

أخذت “ياسمين” تنظر اليه وهى تتسائل فى نفسها .. تــُرى أفعل هذا لينال أجــراً .. أم ليفكر عن ذنبـــاً .. التفت “عمر” اليها فوجدها تنظر اليه نظرة غريبه أخفتها سريعاً .. انهوا زيارتهم و ركبوا السيارة .. نظر “عمر” اليها مبتسماً :

– تحبي تروحى فين تانى ؟

– شكراً .. أنا كده خلصت اللى كنت عايزه أعمله .. لو راجع المزرعة وصلنى فى طريقك لو سمحت

رفع حاجبيه بتحدى قائلاً :

– ولو مش راجع ؟

قالت بإرتباك :

– مفيش مشكلة ممكن توصلنى الموقف وأنا هركب عربية توصلنى المزرعة

نظر الى ساعته قائلاً :

– فى الوقت ده .. الساعة 9 .. تركبي عربية لوحدك وتمشى على طريق سفر

ازداد ارتباكها وقالت :

– أنا مش هكون لوحدى فى العربية .. معايا ركاب .. وكمان أنا مضطرة يعني مفيش أدامى حل تانى

أمسك وجهها بكفه وجعلها تلتفت اليه .. اقترب منها لتتلاقا نظراتهما .. قال لها :

– “ياسمين” أنا جوزك .. فاهمة .. جوزك .. متتعمليش معايا كأنى راجل غريب .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤله منى .. ياريت تفهمى ده كويس

صمتت .. وأبعدت وجهها عن يده .. اعتدل فى مقعده وانطلق فى طريقه .. توقف أمام احدى المطاعم والتفت اليها قائلاً بإبتسامه :

– أنا جعت .. ممكن ننزل ناكل مع بعض وبعدين نرجع المزرعة

اعتذرت قائله :

– معلش أنا أسفه أنا عايزة أرجع المزرعة عشان سايبه “ريهام” لوحدها

صمت .. وانطلق فى طريقه الى المزرعــة .. أوقف السيارة أمام سكن العمال .. التفتت اليه “ياسمين” قائله :

– ممكن لو سمحت تفتحلى الشنطة عشان آخد المصاحف

قال لها “عمر” :

– لأ خليهم فى العربيه وبكرة هوصلهم بنفسي لمسجد القرية

علمت أنها لو اعترضت لن تجدى منه رجا .. فإستسلمت ونزلت من السيارة .. نزل “عمر” هو الآخر والتف حول السيارة .. نظرت اليه قائله :

– شكراً

همت بالإنصراف فوقف أمامها .. نظر اليها قائلاً :

– على فكرة الوضع ده مش هينفع يستمر كتير

نظرت اليه بعدم فهم .. قائله :

– يعني ايه ؟

قال بهدوء :

– يعني مش هسيب مراتى عايشه لوحدها فى سكن العمال

قالت له بحده :

– أنا مش لوحدى أنا معايا “ريهام”

– “ريهام” هتسافر القاهرة مع جوزها يا “ياسمين”

نظرت اليه بدهشة فأكمل قائلاً :

– “كرم” مضطر يرجع القاهرة عشان الشغل .. وقالى انه عايز مراته معاه

ثم نظر اليها نظرة ذات معنى :

– زى ما أنا عايز مراتى معايا

كانت “ياسمين” تشعر بالغضب يشتغل بداخلها .. غضب وحنق و قلة حيله .. أهذه هى نهاية المطاف .. ستصبح زوجة فعليه لهذا …… لهذا الزانــى .. ارتجف قلبها عندما ترددت الكلمة بداخلها .. يا لها من كلمة بغيضة مقززه .. لا تحتمل النطق بها .. فكيف ستحتمل من قام بها .. نظرت اليه وقالت بحزم :

– مفيش مشكلة “ريهام” تسافر مع “كرم” وأنا أفضل هنا فى السكن

قال “عمر” بحده :

– قولتلك مش هسيب مراتى عايشة لوحدها فى سكن العمال يا “ياسمين” .. الوضع ده غير مقبول بالنسبه لى .. لازم تعرفى انك دلوقتى مراتى .. وليا حقوق عليكي

شعرت بغصة فى حلقها .. شعرت وكأنها تختنق .. تجمعت العبرات فى عينيها .. صاحت وعيناها تشتعلان غضباً وكرهاً :

– انت ايه معندكش احساس .. على الأقل استنى لحد ما أفوق من صدمتى فى موت أبويا وبعدين ابقى اطلب منى حقوقك

صمت “عمر” .. طال صمته وهو يتطلع اليها .. الى تعبيرات وجهها الغاضبة .. الى الألم والدموع فى عينيها .. ثم اقترب منها .. رجعت الى الخلف محاولة الابتعاد عنه لتصطدم بالسيارة خلفها .. اقترب أكثر وقال بصرامة وقوة :

– انا لما قولت حقوقى .. قصدك حقى فى ان مراتى تكون جمبي .. وتعيش معايا فى نفس البيت .. ما قصدتش اللى وصلك ليه تفكيرك

غزت حمرة الخجل وجهها .. فأكمل “عمر” وفى عينيه نظرة حاده :

– انا مش “مصطفى” يا “ياسمين”

ارتجف قلبها .. أكمل بغضب مكتوم :

– مش ممكن أبداً أجبرك على حاجه انتى مش عايزاها .. أنا مش حيوان زيه

أخفضت نظرها وقد شعرت بالخجل لأنها أخطأت تفسير كلماته .. زفر “عمر” ليهدئ من نفسه .. نظرت اليه “ياسمين” قائله :

– أنا آسفه .. فهمت غلط

نظر اليها “عمر” قائلاً بهدوء :

– أنا عذرك لأنك لسه معرفتنيش يا “ياسمين” .. بس صدقيني أنا مش ممكن أبداً أعمل حاجه تجرحك .. مش ممكن أبداً أجرحك

رأيت “ياسمين” الصدق فى عينيه .. وسمعته فى صوته .. ابتسم لها .. ابتسمت له فى خجل .. خفضت بصرها .. لترتطم نظراتها بالحرق على يده .. شعرت بغصه فى حلقها .. رفعت نظرها اليه .. حائرة .. مترددة .. متألمة .. ابتلعت ريقها وقالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :

– الحرق اللى فى ايدك ده من ايه ؟

شعر “عمر” بالسعادة .. فهذه هى المرة الأولى التى تسأله عن شئ يخصه .. قال لها :

– شكله مضايقك ؟

قالت بإرتباك :

– لأ .. مش كده .. أنا .. أنا بس بسأل عادى .. من زمان الحرق ده ؟

ظهر الضيق على وجه .. ثم قال :

– لأ مش من زمان أوى .. وموضوع مش حابب أفتكره

خفق قلبها بشدة .. قالت تحاول معرفة اجابه لسؤالها :

– حصل هنا فى المزرعة ؟ .. ولا فى القاهرة ؟

نظرت اليه تراقب تعبيرات وجهه .. نظر اليها ..بدا متردداً .. ثم قال :

– حقيقى يا “ياسمين” مش حابب أتكلم فى الموضوع ده

اقترب منها وأمسك يدها قائلاً :

– خلينا نتكلم عننا أحسن

سحبت “ياسمين” يدها من يده وقالت ببرود :

– أنا اتأخرت على “ريهام” .. بعد اذنك

ثــم غادرت الى غرفتهــا .. استقبلتها “ريهام” قائله :

– عملتى ايه

قالت “ياسمين” وهى شارده :

– كويس

– هو ايه اللى كويس .. عملتى ايه اشتريتي ايه للصدقه بتاعة بابا و ماما

التفتت “ياسمين” اليها وقالت بنفاذ صبر :

– “ريهام” أرجوكى سبيني دلوقتى .. مش قادرة أتكلم فى أى حاجة

دخلت “ياسمين” الحمام ووقفت تنظر الى نفسها فى المرآة .. لماذا تهرب من اجابة سؤالها .. لماذا ظهرت علامات الضيق على وجهه عندما ذكرت ذلك الحرق .. كل الشواهد تؤكد ما توصلت اليه بنفسها .. نعم هو مذنب .. نظرت الى نفهسا بسخريه .. ماذا توقعتى أن يجيبك .. أيقول لكِ لقد أرتكبت جريمة شنعاء وكان جزائي أن أصيبت يدي .. أكنتى تظنين بأنه سيعترف لكِ بماضيه .. هذا الماضى الأسود الذى بنى بينك وبينه آلاف الأسوار العالية .. بالتأكيد سيكذب .. بالتأكيد سينكر .. من يرتكب جريمة بشعة مثل الزنــى .. سيكون الكذب لعبة سهله بالنسبه له .. أغمضت عيناها فى ألم .. انتظرتها “ريهام” حتى خرجت .. ثم قالت :

– “ياسمين” .. “كرم” جالى النهاردة .. وقالى انه مضطر يسافر القاهرة عشان شغله .. و …

صمتت قليلاً ثم قالت :

– وعايزنى أسافر معاه .. يعني طبعا مش هنعمل فرح عشان بابا الله يرحمه .. بس هو عايز خلاص نتجوز ونعيش مع بعض

صمتت “ياسمين” ولم تجب .. فأكملت “ريهام” :

– أنا قولتله مش هينفع .. إلا بعد ما أطمن على “ياسمين”

قالت “ياسمين” بدهشة :

– تطمنى عليا ازاى يعني

– يعني نشوف “عمر” ناوى على ايه .. هو مكلمكيش فى حاجه

زفرت “ياسمين” بضيق .. ثم قالت :

– “ريهام” ملكيش دعوة بيا .. سافرى مع “كرم” .. وأنا مش صغيرة عشان معرفش أعيش لوحدى

قالت “ريهام” بحزم :

– مستحيل .. مش هسافر مع “كرم” إلا لما انتى تروحى بيتك

قالت “ياسمين” بأسى :

– بيتى ؟

أومأت “ريهام” برأسها قائله :

– أيوة بيتك .. بيت “عمر”

قالت “ياسمين” بضيق وهى تتوجه الى فراشها :

– خلينا نتكلم بكرة يا “ريهام” .. أنا تعبانه دلوقتى وعايزة أنام

قضت “ياسمين” ليلتها والكوابيس تؤرق مضجعها .. أفاقت على احدى كوابيسها تصرخ .. استيقظت “ريهام” على صوتها .. ذهبت وجلست بجوارها لتجد “ياسمين” جالسه تبكى .. قالت “ريهام” بلهفه :

– “ياسمين” ايه اللى حصل .. حلمتى حلم وحش ؟

قالت “ياسمين” من بين شهقاتها :

– مش طيقاه .. مش طايقه أشوفه .. ولا طايقه أسمع صوته .. ولا طايقه انه يلمسنى

قالت “ريهام” بدهشة :

– مين ؟ .. “عمر” .. ؟

– أيوة

– ليه يا “ياسمين” .. ايه اللى حصل بينكوا .. انتوا اتخانقتوا

قالت “ياسمين” بألم :

– من غير ما يحصل حاجه .. أنا مش طايقاه وخلاص

أخذتها “ريهام” فى حضنها لتهدئها .. فى الصباح ذهبت “ريهام” الى مكتب “كرم” .. دخلت وأغلقت الباب خلفها .. قام فوراً واتجه اليها قائلاً بمرح :

– والله وبقينا نقفل الباب

ابتسمت “ريهام” قائله :

– لو عايزنى أفتحه معنديش مانع

ابتسم قائلاً :

– لأ خليه مقفول أحسن نستهوى

قالت “ريهام” بجديه :

– “كرم” .. مش هينفع أسافر معاك .. أنا اتكلمت مع “ياسمين” وهى مش حبه ان يكون فى دخله دلوقتى

قال “كرم” بإستغراب :

– ليه مش حبه

هتفت بحده :

– ايه اللى ليه مش حبه .. مش حبه وخلاص انا ايش عرفنى

قال “كرم” بضيق :

– يعني هسافر لوحدى .. أنا فى بلد ومراتى فى بلد

نظرت اليه “ريهام” بأسف قائله :

– معلش يا “كرم” مش بإيدي ..بس مقدرش أسيب أختى لوحدها

تنهد “كرم” قائلاً :

– خلاص بس مش هنعدوا فى سكن العمال .. هأجر شقة فى المنصورة وتعدوا فيها انتوا الاتنين .. لحد ما نشوف الموضوع هيرسى على ايه

قالت “ريهام” :

– معلش يا “كرم” عارفه انك مضايق .. بس قدر ان دى أختى ومينفعش أسيبها

أومأ “كرم” برأسه قائلاً :

– مقدر يا حبيبتى .. ولا يهمك .. وعامة أنا واثق ان “عمر” مش هيتحمل الوضع ده كتير .. “عمر” غيور جداً ومش هيسيبها عايشة فى المنصورة لوحدها بعد ما بقت مراته

صمت قليلاً ثم قال :

– وامتحاناتك هتعملى فيها ايه

قالت شارحه :

– ما أنا هفضل هنا لحد معاد امتحاناتى .. ويارب ساعتها تكون “ياسمين” فى بيتها .. عشان أعرف أسافر وأنا مطمنه

************************

– انتى بتهرجى يا “ريهام”

قالت “ريهام” بجديه :

– لأ مش بهرج ده اللى حصل واللى اتفقت عليه مع “كرم”

قالت “ياسمين” بغضب :

– يا بنتى وانتى مالك ومالى .. سافرى ما جوزك وعيشي حياتك بأه .. وملكيش دعوة بيا

– ازاى يعني مليش دعوة بيكى .. ما هو انتى لو تريحيني وتقوليلي ليه مش عايزة الدخله دلوقتى كنت ارتحت .. انتى عارفه ان وضعنا صعب .. ومفيش حل غير كده

شعرت “ياسمين” بالإختناق .. أخذت نفساً عميقاً .. بدت متردده .. ثم قالت :

– خلاص

– خلاص ايه ؟

قالت بشئ من الأسى :

– خلاص موافقه .. كدة كدة التأجيل مش هيفيد بحاجه

قالت “ريهام” بقلق :

– نفسي أفهم ايه اللى تاعبك .. ليه مش مبسوطه

اغرورقت عيناها بالدموع وقالت :

– مفيش .. بس لسه ما فوقتش من صدمة وفاة بابا الله يرحمه

قالت “ريهام” بأسى :

– الله يرحمه هو و ماما

– اللهم آميــن

اتفق الجميع على اليوم الموعــود .. ستسافر “ريهام” مع “كرم” .. وتنتقل “ياسمين” الى بيت المزرعة .. وأصرت “كريمه” و “نور” على العودة الى القاهرة مع العروسين .. ليتابع “نور” أعماله التى تراكمت من بعد عطلته الطويلة فى المزرعة .. أتــى اليــوم الموعــود .. كانت “ريهام” تستعد فى غرفتها وتجهز حقائبها عندما سمعت طرقات على الباب .. فتحت لتجد “كرم” .. ابتسم لها فى سعادة قائلاً :

– ممكن الجميل يسمحلى أدخل

ابتسمت وأفسحت لها الطريق .. دهشت عندما وجدته يعطيها باقى ورد كان يخفيها خلف ظهره .. أخذتها منه مبتسمه .. قال لها فى رقه :

– أحلى ورد لأحلى وردة فى المزرعة

ابتسمت “ريهام” فى سعادة .. ولدهشتها وجدتها يحمل حقيبة كبيرة من الأرض كان قد وضعها بجوار الباب .. ثم دخل ووضعها على السرير .. نظرت اليه فى دهشة وهى تغلق الباب .. ثم اقتربت قائله :

– ايه ده

فتح “كرم” سوستة الحقيبة وأخرج منها فستان زفاف فائق الروعة والجمال .. نظرت اليه “ريهام” بإنبهار .. ثم نظرت الى “كرم” قائله :

– ايه ده

ابتسم “كرم” قائلاً :

– احنا اتفقنا ان مفيش فرح .. بس مش معنى كدة ان مفيش فستان فرح

اغرورقت عيناها بدموع السعادة واقتربت لتتلمس الفستان والتطريز فى فرحه .. سألها “كرم” :

– عجبك ؟

قالت بحماس :

– جداً يا “كرم” .. جداً .. شكله رائع

اتسعت ابتسامة “كرم” وهى ينظر الى سعادتها البادية على وجهها .. قالت “ريهام” بلهفة :

– بس خايفة ميطلعش مقاسى

ضحك “كرم” قائلاً :

– لأ متخفيش هيطلع مظبوط عليكي بالمللى

– ازاى يعني .. وانت عرفت مقاسى منين

غمز بعينيه قائلاً :

– استعنت بصديق .. أختك جبتلى فستان من دولابك وخلتهم يعملوا الفستان بنفس المقاسات .. يعني ان شاء الله هيطلع مظبوط عليكي

ترك الفستان على السرير واقترب منها وقبل جبينها قائلاً :

– مبروك عليكي يا أحلى عروسة

ابتسمت “ريهام” فى سعادة

أخرج “كرم” من الحقيبة علبة الشبكة وألبسها اياها قطعة قطعة واستغرق وقتاً طويلاً حتى قالت “ريهام” :

– “كرم” كل ده بتلبسنى السلسلة ؟

– بحب الاتقان يا “ريهام”

ضحكت وهى تنظر اليه قائله :

– مش وقت اتقان يا “كرم” الكوافيرة على وصول

أدارها “كرم” وألبسها دبلتها وألبسته دبلته .. أمسك كفها ورفعها ليقبله قائلاً :

– مبروك يا أحلى عروسة فى الدنيا

ابتسمت بخجل قائله :

– الله يبارك فيك

قال بخبث :

– بقولك ايه متلغى معاد الكوافيرة وتعالى ألبسك السلسلة تانى

دفعته بإتجاه الباب قائله :

– يلا يا “كرم” من غير مطرود

خرج وابتسم لها وأرسل قبله فى الهواء .. ضحكت ولوحت له بيدها ثم أغلقت الباب .. خرجت “ريهام” فى أبهى حله بفستانها الأبيض وحجابها الأبيض .. وقفت “ياسمين” أمامها تنظر اليها قائله :

– انا حسه انى فرحانه أوى .. طالعه زى القمر يا “ريهام” .. ما شاء الله

التفتت اليها “ريهام” :

– حبيبتى يا “ياسمين” .. كان نفسي أوى بابا و ماما يكونوا معانا اليوم ده

كادت العبرات أن تتدافع الى عين “ياسمين” لكنها سيطرت على عواطفها قائله :

– ربنا يجمعنا بيهم فى الجنة ان شاء الله

خرجت “ريهام” ونزلت ليستقبلها عريسها .. وهمس لها :

– زى القمـر .. ممكن أبوس

قالت بجدية وهى تنظر للناس حولها :

– لو عملت كدة هتبقى ليلتك مش فايته يا “كرم”

ضحك “كرم” قائلاً :

– لا الطيب أحسن .. أنا عايز الليلة تقوت على خير

عانق “كرم” صديقيه يودعهما قائلاً :

– فى أقرب وقت تجولى القاهرة ان شاء الله ونتجمع كلنا مع بعض .. اتفقنا

قالت “عمر” مبتسماً :

– اتفقنا

قال “أيمن” بسعادة :

– ألف مليون مبروك يا “كرم”

عانقت “ياسمين” “ريهام” عناق طويل .. كانت هذه هى المرة الأولى التى تفترق فيه الفتاتان عن بعضهما البعض .. غرورقت عيناهما بالدموع .. قالت “سماح” :

– “ريهام” هتهدى كل اللى عملناه .. امسكى نفسك

قالت “ريهام” بتأثر :

– هتوحشينى أوى يا “ياسمين” .. وانتى يا “سماح” هتوحشونى أوى

اقتربت منهم “كريمه” قائله :

– حبيبتى متقلقيش كلها فترة صغيرة و “ياسمين” و “عمر” هينزلوا القاهرة ان شاء الله

شعرت “ياسمين” بالإضطراب .. كانت طيلة الأيام الماضية تتجاهل وضعها .. صممت على ألا تفكر فى شئ إلا فى أختها ومستقبلها .. أما الآن فهى مضطرة أن تواجه كل ما كانت تهرب منه .. رحل العروسان وخلفهما سيارة “نور” و “كريمة” .. وعاد “أيمن” و “سماح” أدراجهما فى اتجاه بيتهما .. لتبقى “ياسمين” واقفه مع “عمر” أمام بوابـة المزرعــة

طال الصمت بينهما .. شعرت بالتوتر .. نظر اليها قائلاً :

– متقلقيش .. “كرم” أخويا وصاحبي .. مش هتلاقى أحسن منه لـ “ريهام” .. انا واثق انه بيحبها و هيحافظ عليها

أخطأ “عمر” فى تفسير سبب قلقها وتوترها .. لم تكن “ياسمين” قلقه على “ريهام” بل قلقه على نفسها .. أمسكها “عمر” من ذراعها ونظر اليها بحب قائلاً :

– مش يلا احنا كمان على بيتنا

خفق قلبها لكلمة (بيتنا) .. تساءلت فى نفسها .. تُرى أهو بيتى حقاً .. هل من الممكن أن أعتبره يوماً بيتي .. هل من الممكن يوماً أن أتقبل وضعى كزوجة لهذا الرجل .. قالت بتوتر :

– هروح الأوضة الأول ألم حجاتى فى الشنطة

ابتسم قائلاً :

– تحبي أساعدك

– لأ

– طيب تحبي أبعت معاكى واحدة تساعدك

– لأ .. أنا أصلا حجاتى مش كتير

أسرعت لتهرب من أمامه وعادت الى غرفتها .. أغلقت الباب وجلست على فراشها .. لكم تتمنى أن تستيقظ الآن فتجد أن كل هذا مجرد حلم وسينتهى .. لا .. يكفى هروباً هذا ليس بحلم .. افيقي يا “ياسمين” .. واجهى واقعــك .. جمعت كل أغراضها .. وجلست على فراشها .. لا تعرف ماذا تنتظر .. وماذا تنوى أن تفعل .. اتصلت “سماح” .. ردت “ياسمين” بلهفه :

– “سماح”

– “ياسمين” انتى كويسه

– أيوة كويسة

– شكلك مكنش مظبوط النهاردة

– “سماح” انتى قولتى لـ “أيمن” حاجه

– لأ طبعا انتى حلفتيني ما أقولش

تنهدت “ياسمين” قائله :

– أيوة متقوليش

ثم قالت بأسى :

– “سماح” أنا تعبانه أوى .. ومحتارة أوى .. أنا تعبانه أوى يا “سماح”

قالت “سماح” بحسرة :

– “ياسمين” لو مش عايزة تتجوزيه ……

قاطعتها “ياسمين” بمراراه :

– انا خلاص اتجوزته يا “سماح” .. عايزانى أطلق للمرة التانية .. وبعدين .. هعمل ايه .. هروح فين .. وبعدين أنا خايفه أوى .. لانى عارفه انى لو طلبت الطلاق من غير سبب قوى دى حاجه عقابها كبير أوى عند ربنا .. عقابها ان الجنة تتحرم عليا .. وأنا مش عارفه هل السبب اللى عندى ده كافى انى أطلق ولا لأ .. مش عارفه محتارة وحسه انى ضايعه .. حسه انى حتى مش عارفه أحس .. كل اللى حساه .. ان جوايا ألم وخوف .. أنا مش قادرة أتعامل معاه كزوج .. مش قادره أتخيل ده

صمتت قليلا ثم قالت :

– ساعات بحس انى بحبه .. وبحس انى مطمنة أوى وأنا معاه .. وبحس انى مش عايزة أبعد عنه .. بس لما بفتكر اللى عمله بحس انى مش طايقاه .. بحس انى خايفه منه .. بحس انى قرفانه منه .. بحس انى عايزة أبعد عنه .. حسه انى مش ممكن أبداً هقدر أسامحه .. مش ممكن أبداً أتقبل جوازى من واحد عمل جريمة بشعة كده .. مش ممكن أفضل أحافظ على نفسي طول عمرى عشان فى الآخر أتجوز واحد زانــى .. أنا حسه بحاجتين عكس بعض والحاجتين دول بيدمرونى كل حاجه فيهم بتشدنى نحيتها .. لحد ما حسه انى خلاص بتقطع من جوه

قالت “سماح” :

– احنا محتاجين نعد ما بعض يا “ياسمين” مش هينفع كلام فى التليفون ولازم الموضوع ده نعرف أصله وفصله .. ومحتاجه أسمع منك كل التفاصيل عشان نقدر نفكر مع بعض

قالت “ياسمين” بإستسلام :

– ماشى وأنا فى أقرب وقت هجيلك .. لانى فعلا محتاجه أتكلم معاكى

أغلقت “ياسمين” مع صديقتها وتمددت على سريرها .. تركت لعبراتها العنان .. تلك العبرات التى كانت تحبسهم منذ أيام .. حتى لا تتأثر “ريهام” بها وبحالها .. قالت فى نفسها .. يارب الحاجه الوحيدة اللى مصبرانى .. هى انى عارفه ان كل حاجه فى حياتى هى من اختيارك انت .. يارب انت عالم الخير فين .. وأنا فعلاً محتارة .. يارب ساعدنى .. يارب ريح قلبي .. يارب خرجنى من حيرتى .. وقويني على نفسي .. يارب أنا بحسن الظن بيك .. يارب أنا واثقة انك هتختارلى الخير .. أنا راضية بكل اللى انتى تختاره .. يارب ريح قلبي .. أنا حسه انى ضعيفة أوى .. حسه انى وحيدة أوى .. مليش غيرك يارب ..

لم تشعر بالوقت وهى نائمة ممده على فراشها .. غفلت .. استيقظت على طرقات الباب .. نهضت مفزوعه .. قامت لتفتح .. وجدت “عمر” امامها .. قال لها بحنان :

– كنت واثق انك نمتى .. كان باين عليكي الارهاق النهاردة

حاولت استجماع أفكارها ثم قالت :

– معلش نمت غصب عنى

ابتسم لها قائلاً :

– ولا يهمك يا حبيبتى .. عارف انك عايزة تنامى ..بس مش حابب انك تنامى هنا لوحدك وبيتك على بعد خطوتين منك

شعرت بالإضطراب .. دخل “عمر” دون دعوة وأمسك بحقيبها قائلاً :

– ليكي حاجه تانيه هنا

– لأ

– طيب يلا

نزلت “ياسمين” معه تسير فى اتجاه بيت المزرعة وهى تشعر بأن الشئ الوحيد الذى تتمناه الآن هو .. الهــرب .

دخلت “ريهام” بيتها الجديد .. وقفت تنظر اليه فى بهجة .. التفتت تنظر الى “كرم” .. الى زوجهــا الذى يبتسم لها فى سعادة .. نظرت اليه نظره بثت فيها سعادتها وفرحها وشوقها وخجلها …

دخلت “ياسمين” الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.

البارت 38

دخلت “ياسمين” الى بيتها الجديد .. البيت الذى دخلته مرات قليله من قبل .. وها هو وقد أصبح بيتها .. استدارت لتنظر الى الرجل الواقف خلفها بعدما أغلق عليهما باب بيتهمــا .. تبــاً لتلك المشاهد التى تتكرر بإستمرار .. نفس المشهد .. نفس الاحساس .. نفس خفقات قلبها المتسارعة .. نفس الحزن .. نفس التوتر .. نفس الرغبة فى الهــرب .. نفس الإحساس بالضيـــاع .. لكن شئ واحد هو المختلف .. نظـراتهـــا .. لم تكن هذه المـرة تنظر الى زوجها بنظرات تحمل الخــوف فقط .. بــل حملت نظراتهــا أيضــاً الكثيــر من الألـــــــم.

اقترب منها “عمر” ببطء .. كانت تشعر بشعور مختلط .. كانت متوترة .. شاردة .. اقترب منها ووقف أمامها .. ابتسم لها .. لم تبادله الابتسام .. نظرت الى الباب خلفه تود الهرب .. لكنها تعلم ألا مجال للهرب .. كان “عمر” يراقب الانفعالات على وجهها .. ونظرات عينيها الفارغة .. توترها .. اضطرابها .. والأهم حزنهــا .. ابتسم لها قائلاً :

– نورتى بينك

لم تجب .. كان يبدو عليها التعب والإرهاق .. كانت كعصفور صغير كُسر جناحه .. فلم يعد يقوى على الطيران .. أمسك يدها بيده فأجفلت .. واضطربت .. صعد بها السلالم وتوقف امام احدى الغرف .. شعرت يقلبها يدق بشدة .. فتح الباب ..لم تدخل ولم تنظر حتى الى الغرفة .. أشاحت بوجهها .. وهى تحاول اخفاء تعبيرات الألم الموجودة على وجهها .. يارب ماذا أفعل .. هل أرضى بالأمر الواقع .. وأنا يتيمة وحيدة ضعيفة .. أم أثور على هذه الزيجة التى أرفضها .. ماذا أفعل .. تأملها “عمر” قائلاً :

– ياه .. كل ده جواكى

نظرت اليه فى دهشة .. مستفهمه عن معنى ما قال .. فقال برقه :

– انتى ليه خايفه منى ؟ .. ايه غيرك من نحيتي ؟ .. نظراتك بقت غريبة .. أكنى جرحتك .. أو هجرحك .. ليه بتبصيلي كده .. ليه مش مبسوطه انك معايا ؟

صمتت “ياسمين” ولم تجب .. فأكمل :

– أنا عارف ان ممكن يكون موت والدك مأثر عليكي .. وكمان عارف انك شوفتى فى حياتك كتير .. بس مش عايزك تخافى طول ما انتى معايا .. لانى بحبك أوى يا “ياسمين” ومش ممكن أسمح لاى حاجه انها تضايقك أو تأذيكي

نظرت اليه .. التمست الصدق فى كلامه .. ليس لديها ذرة شك فى حبه لها .. هى تعلم أنه يحبها .. بل يعشقها .. لكن مشاعرها هى المضطربة .. غير مستقرة .. اقترب منها فجفلت .. أمسك برأسها وقبل جبينها قائلاً :

– يلا ادخلى

شعرت بالخوف .. نظرت الى غرفة النوم فى وجل .. حبست أنفاسها .. اقترب منها مرة أخرى وقبلها فى جبينها وقال بحنان :

– دى أوضتك انتى

رفعت عينيها اليه فى دهشة وقالت :

– أوضتى أنا ؟

ابتسم وأشار الى الغرفة المجاورة قائلاً :

– ودى أوضتى

لم تصدق “ياسمين” ما تسمع .. ماذا يقصد .. أخرجها من حيرتها وهو ينظر الى عينيها المندهشه بحنان وقال :

– أنا مقدر كل اللى انتى فيه .. ومستعد استنى عليكي الوقت اللى تحبيه .. الحاجة الوحيدة اللى هتصبرنى هو انك عايشه معايا فى نفس البيت .. مقريبه منى .. أنا عارف ان جوازنا جه بسرعة بالنسبة لك .. وانك لسه مش مستعدة للخطوة دى ..

نظرت اليه غير مصدقه ما تسمعه .. فقال لها بحنان :

– أنا بحبك جداً يا “ياسمين” .. وعايزك أوى .. بس مش هقرب منك غير اذا كنتى عايزانى زى ما أنا عايزك .. وبتحبينى زى ما أنا بحبك .. أنا قولتلك قبل كده مش ممكن أجبرك على حاجة واضح جداً عليكي انك مش عايزاها

نظرت اليه “ياسمين” وكأنها تتعرف عليه لأول مرة .. ابتسم لها .. فبادلته ابتسامه خجوله .. استغربت .. كيف نجح فى ازاله التوتر بداخلها .. كيف أشعرها بالراحة وبالأمان .. أشار الى الغرفة برأسه قائلاً بحنان :

– يلا ادخلى .. غيري هدومك وانزلى عشان نتعشى سوا

قالت بحرج :

– معلش أنا اسفه بس بجد تعبانه ومحتاجه أنام

قال “عمر” بإهتمام :

– طيب أجبلك الأكل فى اوضتك

قالت بسرعة :

– لأ ..شكراً .. بس أنا بجد جعانه نوم

تأمل “عمر” وجهها المتعب ثم قال بحنان :

– ماشى يا حبيبتى ولا يهمك .. ادخلى نامى .. تصبحى على خير

ثم انحنى ليطبع قبله دافئه على وجنتها التى احمرت من الخجل .. دخلت الغرفة .. كانت غرفة جميلة .. جيدة الأثاث .. لها طابع كلاسيكى كما هو الحال فى الأسفل .. أخذت دشاً وتوضأت وصلت .. وارتدت بيجامتها ثم دخلت الى فراشها واستسلمت للنوم ..

***********************

بعد عدة ساعات من النوم شعرت “ياسمين” بحركة غريبه فتحت عينينها فجأة لتجد “عمر” واقف بجوارها .. شعرت بالفرع .. طمأنها قائلاً :

– متخفيش أنا دخلت بس أطمن عليكي .. لقيتك مش متغطية كويس فعدلت الغطا

نظرت الى الغطاء الملتف حولها جيداً .. همت بالجلوس لكنه أوقفها قائلاً :

– لأ متقوميش .. كملى نوم .. أنا خارج

نظرت الى الساعة بجوارها قائله بصوت ناعس :

– أنا كده كده لازم أصحى عشان باقى نص ساعة على الفجر

نظر اليها بحنان قائلاً :

– مش مهم .. صليه لما تقومى الصبح

رمقته “ياسمين” بنظرة حاده .. وشعرت بإنقباض فى قلبها .. ثم قالت دون أن تنظر اليه :

– لأ هصلى الفجر حاضر

صمت “عمر” .. ظلت جالسه فى الفراش .. تتمنى انصرافه حتى تستطيع النهوض .. خجلت أن يراها بالبيجاما .. استدار “عمر” وفتح الباب وانصرف ..كانت تشعر بالضيق لهذه البداية الغير موفقه بينهما .. فهى لم تترك صلاة الفجر يوماً .. إلا فى حالات مرضها الشديد .. لكنها ظلت ومنذ نعومة أظافرها معتادة على أداء الصلاة فى وقتها وهذا شأن البيت كله .. وكانت تشعر بالبركة فى يومها عندما تستيقظ وتصلى الفجر وتظل تدعو الله و تقرأ وردها وأذكارها حتى الشروق .. نظرت الى نفسها فى المرآة وابتسمت بسخرية قائله .. وماذا توقعتى غير ذلك منه يا “ياسمين” ..توضأت وصلت و أنهت أذكارها .. لم ترغب فى النوم مرة أخرى .. وعندما أشرق نور الصباح خرجت الى شرفة غرفتها تستنشق تلك النسمات المنعشه .. كانت غرفتها تطل على الحديقة الخلفيه والتى اقل ما يقال عنها أنها رائعة .. تسلل عبير الأزهار المنعش اليها .. فأغمضت عينيها لتستمتع بتلك الرائحة الخلابه .. سمعت طرقات على باب غرفتها دخلت وفتحت الباب لتجد “عمر” واقفاً أمامها .. ابتسم قائلا :

– لمحت النور من تحت بابك عرفت انك صاحيه وفاتحه البلكونه .. يلا عشان نفطر سوا

همت بالخروج فاعترض طريقها وأشار الى الاسدال الذى ترتديه قائلا :

– هتفطرى كده

نظرت الى الاسدال ثم قالت :

– أنا كنت لابساه لانى كنت واقفه فى البلكونه

ابتسم قائلاً :

– متخفيش أنا ادينك أوضه بتطل على الجنينه اللى ورا ودى محدش بيدخلها مفتاحها معايا

أومأت برأسها .. فقال :

– هستناكى تحت

خلعت اسدالها .. وارتدت عباءة للبيت محتشمة .. جمعت شعرها للخلف .. كانت تشعر بالخجل من رؤياه اياها بدون حجاب .. ثم تذكرت أنه بالفعل رآها هكذا من قبل .. ابتسمت وهى تتذكر حنانه ورقته ولهفته عليها يوم أن خطفت .. هى تعلم جيداً بانه يحبها .. لا تشك لحظة فى ذلك .. فتحت باب الغرفة .. وشعرت وكأنها غريباً يتلمس طريقه فى مكان يجهله .. نزلت الدرج .. وبمجرد أن وصلت لنهايته وجدت “عمر” يخرج من احدى الغرف ثم يمسك يدها ويجذبها .. أجلسها على طاولة الطعام وجلس بجوارها .. نظرت الى كل الطعام المعد بدهشة قائله :

– ايه ده كله

ابتسم قائلاً :

– أول مرة ناكل مع بعض .. وبعدين انتى متعشتيش امبارح

ابتسمت قائله :

– على أساس انى هاكل كل الأكل ده يعني .. أنا أصلا أكلتى ضعيفه أوى

وضع كفه على كفها الموضوع على الطاولة .. فإضطربت .. وسحبت يدها .. لم يعر ذلك انتباها وأكمل مبتسماً :

– لا .. لازم تهتمى بأكلك .. وتبطلى أكل العصافير بتاعك

شرعا فى تناول الطاعم .. كانت “ياسمين” تنظر لما حولها تتعرف على المكان .. وقع نظرها على الحرق فى يده .. فأشاحت وجهها عن يده .. حاولت أن تتناسى الأمر لكن هيهات .. لاحظ “عمر” اضطرابها وتوقفها عن الأكل فقال :

– فى حاجه .. الأكل مش عاجبك

قالت بسرعة :

– لأ بالعكس ..

هنا حضرت الخادمة لتضع أمامهم ابريق الماء .. نظرت اليها “ياسمين” من رأسها على أغمص قدميها .. كانت فتاه جميلة ذو ملامح هادئة ترتدى جلباب فلاحى وعصبه على رأسها .. نظرت الى “عمر” مبتسمه وقالت :

– تؤمر بحاجة تانى يا بشمهندس

هز “عمر” رأسه دون أن ينظر اليها وقال :

– لا شكراً

خرجت الخادمة .. وظلت “ياسمين” ساهمه .. نظرت الى “عمر” قائله :

– هى البنت دى بتشتغل هنا ؟

– أيوة

بدا عليها التردد .. كان “عمر” يرد بلامبالاة وكأن الأمر لا يمثل له أى أهمية .. فنظرت اليه وقالت :

– يعني انت وهى عايشين فى البيت ده لوحدكوا ؟

نظر اليها “عمر” وبدا مستغرباً سؤالها ثم قال :

– أيوة

ترددت قليلاً ثم قالت :

– هى جديدة هنا ؟

– لأ شغاله هنا من شهور

– كان فى واحدة شغاله قبلها ؟

بدا شارداً ثم قال بضيق :

– أيوة كان فى قبلها “صفية”

شعرت “ياسمين” بالغضب يتصاعد بداخلها .. وتوقفت عن الأكل .. نظر اليها “عمر” بدهشه قائلاً :

– مالك .. مش بتاكلى ليه

حاولت تمالك أعصابها وقالت بهدوء :

– مفيش شبعت

تفرس فى وجهها .. ثم قال :

– شكلك مضايق .. ايه اللى ضايقك

نظرة اليه نظرة حادة .. ثم قالت وهى تنهض :

– بعد اذنك أنا طالعه أوضتى

تركته .. ودخلت غرفتها .. جلست على السرير وعينيها تشعان بغضب مكتوم .. بحثت عن هاتفها واتصلت بـ “سماح” التى قالت بدهشة :

– فى عروسة تتصل بصحبتها يوم صباحيتها على الصبح كده

قالت “ياسمين” بحده :

– لا أنا عروسة .. ولا دى صبحيتي

قالت “سماح” مستفهمه :

– ايه اللى حصل شديتوا مع بعض

قالت “ياسمين” بحزن :

– أنا كنت واثقة اننا مننفعش لبعض .. كان قلبي حاسس .. احنا عمرنا أبداً ما هنقدر نفهم بعض .. ولا نعيش بإسلوب بعض

– طيب اهدى وفهميني اللى حصل

صمتت “ياسمين” قليلاً .. كادت أن تقص عليها أمر الخادمة التى تبيت ليلها فى نفس البيت مع “عمر” بمفردهما .. وهو لا يرى بأساً فى ذلك .. ويرى الأمر عادى جداً .. لكنها أحجمت وقالت بصوت خافت :

– مش هقدر أحكيلك يا “سماح” .. مهما كان هو زوجى دلوقتى .. ومينفعش اتكلم عنه وحش مع حد

قالت “سماح” :

– خلاص براحتك .. طيب نتكلم فى المشكلة القديمة اللى أنا عارفاها فعلاً .. موضوع الحريق ومرات الغفير .. انتى حسه بإيه دلوقتى بخصوص الموضوع ده

قالت “ياسمين” بحيرة :

– مش عارفه

قالت “سماح” :

– “ياسمين” ليه متحطيش احتمال ان البنت اللى اسمها “ولاء” دى بتحاول توقع بينك وبين “عمر” عشان تمنع جوازتكوا

قالت “ياسمين” بحيره :

– وهى ايه مصلحتها فى كده .. هتستفاد ايه لما تمنع جوازنا

– تستفاد انها تخرب عليكي يا “ياسمين” .. مش هى كانت بتحب “عمر” .. ممكن أوى تكون غارت منك وعملت الفيلم ده عليكي عشان متتجوزيش حبيبها .. “ياسمين” مش كل الناس طيبة زيك .. فى ناس مؤذية جداً وعايشة على أذية الناس .. زى “مصطفى” .. وزى اللى اسمه “بسطويسي” ده .. وزى “مها” .. مش كل الناس طيبة وتعرف ربنا يا “ياسمين”

صمتت “ياسمين” تفكر قليلاً ثم قالت :

– والورق اللى جابتهولى من المستشفى والراجل اللى شهد

قالت “سماح” :

– سهل أوى لو ليها حد معرفة فى المستشفى تخليه يضربلها الورق أو هى بنفسها تاخد منه ورقة فاضية وتضرب التقرير .. مش هى دكتورة يعني تعرف كويس عن اصابات الحروق .. وتكتب تقرير مية مية وتديهولك على انه التقرير اللى جابته من الاستقبال .. أما بالنسبة للراجل .. ممكن يكون اتلخبط بين “عمر” وبين واحد تانى .. أو هى قالتله انه يقول ان الراجل اللى كان مع مرات الغفير يبقى “عمر” .. لكن “عمر” ملوش علاقة بالموضوع أصلاً

قالت “ياسمين” :

– طيب والحرق اللى فى ايده .. واللى مرضاش يقولى سببه ؟

– ممكن يكون اتحرق من أى حاجه مش شرط نفس الحريقة دى .. يعني ممكن اصلا يكون الحرق ده فى ايده من قبل موضوع حرق البيت .. و”لاء” استغلت الحرق اللى فى ايده عشان تقنعك انه له دور فى حكاية مرات الغفير

فكرت “ياسمين” فى كلام “سماح” قليلاً ثم قالت :

– لازم أتأكد بنفسي

– ازاى ؟

قالت “ياسمين” فجأة :

– متعرفيش محامى كويس هنا ؟

– محامى ؟! .. عايزاه ليه

– تعرفى بس ولا متعرفيش

– أعرف محامية كويسة .. مرات صاحب “أيمن” عرفنى عليها وهى ست كويسة أوى وشاطرة

قالت “ياسمين” بلهفة :

– كويس أوى .. أنا عايزاكى تخلى المحامية دى تحاول توصل للورق اللى فى المستشفى وأنا هديكي اسم المستشفى واليوم اللى حصلت فيه الحريقه .. وهى محامية يعني أكيد لها طرق توصل بيها للورق ده كمستندات أكيد بتحتاجها فى القضايا بتاعتها .. وشوفى أتعابها وأنا هدفعهالها

قالت “سماح” بشك :

– مش عارفه .. طيب ما تواجهى “عمر”

قالت “ياسمين” بيأس وسخرية :

– أواجهه أقوله ايه ؟ .. أقوله انت زنيت بمرات الغفير اللى كان بيشتغل عندك .. وهو طبعاً هيقولى أيوة .. ويخرب بيته بإيده .. ويهد جوازه بنفسه .. وهو عارف وواثق انى لو عرفت حاجه زى كدة مستحيل أكمل معاه !! .. أكيد طبعاً هينكر يا “سماح” .. انتى مشفتيش “مصطفى” لما والدى كان بيواجهه بخيانته .. فضل يحلف بالله انه مظلوم وان البنت بتفترى عليه .. لحد ما بابا قاله على المحادثة اللى شوفتها بينه وبين البنت دى ساعتها مقدرش ينكر .. لان كان فى معايا دليل.. أنا لو روحت واجهت “عمر” وكان فعلاً هو مذنب .. أكيد هينكر .. ومش بعيد يخفى الشاهد زى ما خفى مرات الغفير .. وساعتها عمرى ما هعرف أوصل للحقيقة أبداً .. وهعيش طول عمرى شاكه فيه

قالت “سماح” :

– طيب خلاص هكلم المحامية

– بس خليها تعجل الموضوع يا “سماح” عايزة أعرف فى أقرب وقت الورق اللى نسخته معايا ده حقيقى ولا مزور

– حاضر .. بس أنا واثقة انه مزور

قالت “ياسمين” بلهفه :

– ياريت يا “سماح” .. ياريت يكون مزور

سمعت طرقات على الباب فأنهت الاتصال مع “سماح” .. فتحت لتجد “عمر” .. قال لها بهدوء :

– ممكن أدخل

ترددت .. لكنها أفسحت لها الطريق .. دخل وأغلق الباب خلفه .. جذبها من يدها وأجلسها بجواره على السرير .. شعرت بالتوتر .. رفع وجهها لتنظر اليه ثم قال :

– بصى يا “ياسمين” .. ده أول يوم جواز لينا وعايزين نتفق على حاجات معينه .. عشان لسه أدامنا طريق طويل مع بعض

استمعت له “ياسمين” بكل حواسها .. أكمل :

– انتى فى حاجه ضايقتك واحنا بنفطر .. ولما سألتك اتهربتى .. وطلعتى أوضتك .. اللى عايزين نتفق عليه .. هو ان اللى يضايق من التانى فى حاجه لازم يصارحه بيها .. لكنه لو سكت وكتم فى قلبه الأمور هتتعقد مش هتتصلح .. لازم يكون فى بينا وضوح .. بيوت كتير بتتخرب بسبب كده .. يعني كل واحد شايل من التانى فى نفسه وساكت .. مع انه لو اتكلم ممكن أوى المشكلة تتحل بسهولة

صمت قليلاً ثم قال :

– اتفقنا .. اللى هيضايق من التانى فى حاجه يصارحه بيها على طول ؟

أومأت برأسها .. فسألها :

– ايه اللى ضايقك واحنا بنفطر ؟

طال صمتها وهى تحاول تخير الكلمات المناسبة .. وهو لم يتعجلها .. بل انتظر ردها .. وأخيراً قالت :

-أعادك فى البيت لواحدك مع واحدة حتى لو كانت الخدامة .. مش شايف ان دى حاجه غلط ؟

بدا وكأنه يفكر فى كلامها .. ثم قال :

– أنا معظم اليوم بره البيت .. وهى مبشوفهاش الا وقت ما بتحطلى الأكل .. أو وقت ما بكون عايز أطلب منها حاجه .. البنت دى غلبانه ويتيمه .. وملهاش حد فى البلد وعشان كدة خليتها تعد فى أوضة جمب المطبخ ..

قالت “ياسمين” بهدوء :

– حتى لو كان الوضع زى ما انت بتقول .. مينفعش تعيش معاك فى البيت وانت لوحدك

ابتسم قائلاً :

– خلاص مبقتش لوحدى

لم تبتسم .. فقال بجديه :

– أنا مكنتش شايف الموضوع زى ما انتى شيفاه .. أنا اتعاملت مع الأمر ده بطريقة عمليه .. مش أكتر من كده

ثم اقترب منها وقال بخبث:

– هو حبيبى بيغير عليا ولا ايه ؟

شعرت بالخجل لإقترابه منها فوقفت .. فوقف هو الآخر وقال :

– لو تحبي أمشيها وأجيب بدالها واحدة كبيرة فى السن مفيش مشكلة

نظرت اليه قائله :

– مش عايزة اكون السبب فى قطع عيشها

طمأنها قائلاً :

– مش هتكونى السبب فى قطع عيشها ولا حاجه .. هخليها تشتغل مع البنات اللى بيشتغلوا فى الأرض و أديها أوضة فى سكن العمال

سعدت “ياسمين” لهذا الإقتراح .. وسعدت أكتر لأنه اهتم بما يضايقها .. ابتسمت له .. فقال بمرح :

– أخيراً الدنيا نورت .. كنتى مضلماها عليا على الصبح

قالت بخجل :

– معلش أنا لسه مش متعودة على الوضع الجديد .. وفى حاجات كتير أنا مستغرباها ومش متعودة عليها

اقترب منها وأمسك كتفيها .. لم تبتعد هذه المرة .. نظر الى عينيها بحب قائلاً :

– وأنا نفسي تتعودى بسرعة على وضعك الجديد

أفلتت نفسها من يده فإبتسم .. ثم قال بتحدى :

– طيب لو قولتلك دلوقتى أنا مش حابب الوضع ده وعايزك معايا فى أوضتى وجوزنا يبقى حقيقي هتعملى ايه

قالت “ياسمين” دون تردد ودون أن تنظر اليه :

– انت دلوقتى جوزى وأنا مضطرة أعمل اللى انت عايزه

سألها “عمر” :

– حتى لو كان الى أنا عايزه انتى مش عايزاه ؟

– أيوة

ابتسم يطمئنها قائلاً :

– وأنا مش هعمل حاجه انتى مش عايزاها

ثم قال:

– طيب ممكن ننزل بأه نكمل فطارنا

نزلا معاً وتناولت معه الفطار هذه المرة وهى تشعر بإرتياح أكبر.

بعد الفطار أخذها “عمر” ليريها أرجاء المنزل .. واتفق مع الخادمة أمامها على عملها الجديد .. كانت “ياسمين” سعيدة و هى ترى زوجها يفعل ذلك لإرضائها .. انبهرت بكل شئ فى البيت الكبير .. وحكا لها “عمر” قليلاً عن تاريخ عائلته .. وعن جدوده .. وكيف وصلوا من الحضيض الى القمة .. كانت “ياسمين” مبهورة بما تسمع وأعجبت للغاية بتاريخ كفاح جدوده .. وبدا “عمر” معتزاً بجدوده وهو يتحدث عنهم .. لمست جانباً جديداً فى زوجها .. وفرحت أن الحديث قربها منه خطوة أخرى

دخلت غرفتها تلك الليلة وهى تشعر براحة أكبر من الليلة الماضية .. رأت حقيبتها التى مازالت لم تفرغها موضوعه على الأرض بجوار السرير .. فحملتها ووضعتها على السرير وفتحتها .. أخرجت ملابسها وفتحت الدولاب لتضعه فيه لكنها شهقت فى دهشة .. وجدت فستان عرس أبيض اللون .. مرصع ومطرز .. كان شكله يخطف الأبصار .. تركت ما بيدها وتلمسته كان ناعماً للغاية .. أخرجته من الدولاب ونظرت اليه فى دهشة .. كم حلمت بإرتداء هذا الفستان الذى حرمت نفسها منه فى زواجها الأولى .. لأنها لم تكن تشعر ببهجة العرس .. وضعته مرة أخرى فى الدولاب وأنهت افراغ حقيبتها ثم استسلمت للنوم وابتسامة صغيرة مرسومة على ثغرها

***********************

فى اليوم التالى اتصلت “كريمه” بـ “عمر” الذى استيقظ من نومه على صوت جرس الهاتف قالت :

– مبروك يا حبيبي عليك انت وعروستك

– الله يبارك فيكي يا ماما

– فين “ياسمين” اديهالى أكلمها

توتر قليلا ثم قال :

– هى مش جمبي دلوقتى .. شوية وهخليها تكلمك

– طيب يا حبيبى .. أنا بس كنت عايزة أقولك اعملوا حسابكوا انى هعملكوا حفلة كبيرة هعزم فيها صحابنا وحبايبنا .. شوفوا انتوا المعاد اللى يناسبكوا

قال “عمر” بدهشة :

– حفلة ليه

– ايه اللى حفلة ليه ؟ .. انت تسمع اللى أن بقولك عليه مش كفاية جوزت ابنى الوحيد سكيتي

– خلاص يا ماما زى ما تحبي .. بس مش دلوقتى يعني سبينا شوية كده

– أنا قولت ان انتوا اللى هتحددوا المعاد اللى يناسبكوا .. بس متتأخروش عايزينها بسرعة عشان كل اللى يعرف انك اتجوز يزعل مننا .. ويفتكر اننا عملنا فرح ومعزمنهوش

– حاضر يا ماما هشوف “ياسمين” ونحدد معاد

خرج “عمر” من غرفته واتجه الى غرفة “ياسمين” .. طرق الباب كثيراً ولم تجب .. فتح الباب فلم يجدها فى غرفتها .. نزل لم يجدها فى المنزل .. أخبرته الخادمة الجديدة والتى كانت سيدة فى العقد الخامس من العمر أنها قالت انها تتمشى قليلا فى المزرعة .. صعد “عمر” وارتدى ملابسه وخرج .. علم أنه سيجدها هناك .. عند شجرته .. وكان مصيباً .. رأته فابتسمت .. اقترب منها بإبتسامه قائلاً :

– عرفت انى هلاقيكي هنا

أشارت الى الشجرة قائله :

– دى خلاص بقت شجرتى

قال بمرح :

– نعم ؟ .. دى شجرتى أنا .. شجرتك منين

قالت بمرح ممثال :

– أيوة شجرتى عندك شجر كتير فى المزرعة .. لكن دى حبيتها من أول ما جيت المزرعة ومش بحب أعد الا فى ضلها

جلس بجوارها على الجذع وقال :

– على فكرة بأه أنا اللى زرعت الشجر دى

قالت بعدم تصديق :

– يا سلام .. بجد؟

– أيوة والله أنا اللى زرعتها .. اتأكدتى بأه انها بتاعتى ؟

قالت بعند مازحه :

– مليش دعوة برده دى شجرتى

– طيب وأنا مستعد أخليكي انك تشاركيني .. زى ما بتشاركيني حياتى

ابتسمت ونظرت اليه قائله :

– انا شوفت فى دولابي فستان .. فستان فرح

– أيوة ده فستانك ..

ابتسمت قائله :

– وعرفت مقاسي منين ؟

– من فستان “ريهام” اللى اديتيه ل “كرم” .. انتى وأختك نفس الطول ونفس الوزن تقريباً .. لو مش مظبوط عليكى قوليلى وأنا أجيب واحدة تعدلهولك

قالت بصوت خافت :

– ما قستوش

قال بهمس :

– وأنا مشتاق أوى انك تلبسيه وأشوفه عليكي .. بس متلبسيهوش أدامى إلا لما تحسي انك مستعده انك تكونى عروستى أكمل هامساً :

– أنا بحبك أوى

تسارعت ضربات قلبها مرة أخرى .. اقترب منها أكثر .. فجأة رن جرس هاتفها ليقطع سحر تلك اللحظة .. نهضت من على الجذع والاحمرار يغزو وجهها وقالت بسرعة دون أن تنظر اليه :

– دى “ريهام” هروح أكلمها من البيت

مشت فى اتجاه المنزل وهى تحاول تنظيم ضربات قلبها .. ردت على أختها :

– “سمسمة” حبيبتى صباح الخير

– صباح النور يا “ريهام”

– ايه أخبارك النهاردة

– تمام الحمد لله

– مال صوتك .. متوترة كدة ليه .. اخانقتوا ولا حاجه

ابتسمت “ياسمين” قائله بصوت مضطرب :

– لأ .. لأ .. متخانقناش .. عادى يعني .. مش متوتره .. عادى

ضحكت “ريهام” قائله :

– عيني عليكي بارده

– “ريهام” بطلى

– طيب أنا حبيت أطمن بس مكنتش أعرف انى بتصل فى وقت مش مناسب

“ياسمين” بغضب :

– “ريهام” لو مبطلتيش هقفل

استمرت “ريهام” فى الضحك قائله :

– أنا اللى هقفل أنا مش فضيالك .. يلا سلام

اقترب منها “كرم” قائلاً :

– بتكلمى مين ؟

ابتسمت قائله :

– “ياسمين” كنت بطمن عليها

جذبها من يدها قائلاً :

– طيب تعالى أقولك كلمه سر

هتفت قائله:

– هو انت لسه فى عندك أسرار

ضحك قائلاً:

– يووووووه كتير أوى تعالى بس وأنا أحكيلك

توجهت “ياسمين” الى المطبخ .. لتعد مع الخادمة طعام الغداء .. أرادت أن تطبخ بيدها .. لترى رأسه فى طعامها .. عاد “عمر” ليجدها فى المطبخ نظر اليها بخبث وغمز يعينه :

– احمرت وجنتاها مرة أخرى وتجاهلت النظر اليه .. فقال :

– بتعملى ايه

– بحضر الغدا

اقترب منه مبتسماً :

– يعني هتأكليني من ايدك النهاردة

أومأت برأسها مبتسمه .. فابتسمت الخادمة وخرجت من المطبخ .. فنظر اليها “عمر” وهى تغادر ثم التفت الى “ياسمين” قائلاً بمرح :

– ست ذووووق مفيش بعد كده

سألته :

– ليه ؟

طبع قبله على وجنتها قائلاً :

– عشان سابتنى أستفرد بيكي براحتى فى المطبخ

حاول معانقتها فهربت منه وقالت :

– لو سمحت اطلع بره .. خليني أركز

– هو انا يعني مشتت تركيزك

– أيوة مشتت تركيزى

– طيب هخرج .. ماما هناك وانتى هنا .. وأنا اللي كنت بتريق على بابا لما ماما تطرده من المطبخ .. طلعت مراتى زى أمى

ابتسمت قائله بتحدى :

– بره لو سمحت

قال بلهجة مسرحيه :

– أوامر معاليك يا باشا

خرج .. عادت الخادمة .. فشعرت “ياسمين” بالخجل من نظراتها .. فتمتمت :

– ربنا يخليكوا لبعض .. ويحببكوا فى بعض كمان وكمان

وجدت نفسها تردد بقلبــها : آميــن

*****************************

– يعني ابن أخويا يتجوز وأنا آخر من يعلم

هتفت “ثريا” بتلك العبارة بغضب فقال “نور” يهدئها :

– الموضوع جه بسرعة يا “ثريا” .. ووالد البنت توفى يعنى مكنش ينفع يتعمل فرح

أكملت “ثريا” بغضب وكأنها لم ستتمع اليه :

– يعني عشان هى مطلقة ما يتعملش فرح .. طيب ذنبه ايه “عمر” ودى أول مرة يتجوز فيها .. ذنبه ايه يتجوز من غير فرح

قالت “كريمه” :

– أنا قولتله اننا هنعمله حفلة كبيرة لما يرحعوا ان شاء الله ونعزم الناس كلها

قالت “ثريا” بحده :

– بعد ما دخلوا خلاص هنعمل حفلة .. ما كان من الأول .. ولا الهانم كانت متسربعه على الجواز .. ايه مش قادرة تستنى لما دمعتها على باباها تنشف .. ايه ملها ملهوفة على الجواز كده

قال “نور” بنفاذ صبر :

– يا “ثريا” قولتلك 100 مرة ان “عمر” هو اللى أصر على الدخله وان مراته تبقى فى بيته

ثم نهض قائلاً :

– انا قايم اشوف شغلى عن اذنكوا

كان يعلم بأن الحوار مع أخته وهى غاضبه هو ضرب من العبث .. قالت “ايناس” بحقد :

– بكرة يزهق منها ويعرف انه ارتكب أكبر غلطه فى حياته .. ويطلقها زى ما اللى قبله طلقها

****************************

أصرت “ياسمين” على أن تعد طاولة الطاعم بنفسها .. أنهت اعدادها وطرقت باب المكتب .. كانت تنتظر أن يأذن لها “عمر” بالدخول لكنها وجدته يفتح الباب بنفسه مبتسماً .. ابتسمت له قائلاً :

– السفرة جاهزة

توجها الى غرفة الطعام وجلسا معاً .. نظرت اليه لتراقب تعبيات وجهه .. نظر بسعادة الى كل ما أعدته وقال بدهشة :

– انتى ساعدتى الست فى كل الأكل ده

قالت بمرح :

– قصدك هى اللى ساعدتنى

نظر اليها بإعجاب قائلاً :

– ده طلعت مراتى شاطرة أوى و أنا معرفش .. أنا قولت أخرك صنية المكرونة بالبشاميل

ضحكت قائله :

– آه اللى خدتها من بيت صاحبك وانت نازل

ضحك قائلاً :

– اعمل ايه يعنى ما انتى كنتى معذبانى .. قولت أهى أى حاجه من ريحتك .. على فكرة ماما كلت منها معايا وعجبتها جداً ..رغم ان ماما مبيعجبهاش بسهوله أكل حد

ابتسمت بسعادة وقالت :

– كويس يعني ماما “كريمه” عجبها أكلى

قال وقد تذكر فجأة:

– صحيح كلمتك النهاردة وسألت عنك .. بس كنت لسه صاحى من النوم وقولتلها انك هتكلميها

– خلاص بعد الغدا هكلمها ان شاء الله

قال “عمر” بلهفه :

– طيب يلا لانى واقع من الجوع وريحة الأكل فتحت نفسى على الآخر

راقبته “ياسمين” بسعادة وهو يأكل من طعامها بنهم ويشيد به .. استيقظت “ياسمين” فى اليوم التالى قبل أذان الفجر كالعادة .. توضأت وصلت قيام وانتظرت الفجر .. وقفت فى الشرفه .. تراقب الحديقة فى الليل .. ابتسمت وهى تتذكر مداعبات “عمر” ومرحه معها .. بعد الفطار جلسا يحتسيان الشاى فى الشرفة .. كانت “ياسمين” شارده فسألها “عمر” :

– بتفكرى فى ايه

انتبهت من شرودها على سؤاله فقالت بتأثر :

– “ريهام” وحشتنى أوى .. طول عمرنا واحنا مع بعض وعمرنا ما افترقنا أبداً

راقب “عمر”تعبيرات وجهها الحزينه ثم قال فجأة :

– تحبي نروح لـ “سماح” و “أيمن” النهاردة

نظرت اليه فى دهشة غير مصدقه وقالت :

– بجد ؟ .. ينفع نروحلهم النهاردة

ابتسم وقرب كرسيه منها قائلاً :

– أيوة طبعا ينفع .. أنا عارف ان “سماح” هى أقرب صاحبه ليكي .. وانك بتعتبريها زى “ريهام” أختك .. أكيد لما تشوفيها هتخفف عنك شويه بعد “ريهام”

نظرت اليه “ياسمين” بنظرة امتنان وسعادة ممزوجة بـ .. الحـــب .. بادلها نظرتها قائلاً بلهفه :

– لو كنت أعرف ان اقتراحى هيخليكي تبصيلى كده .. كنت اقترحته عليكي من زمان

انتبهت “ياسمين” فأشاحت بوجهها بخجل .. فقال “عمر” مؤنباً نفسه بمرح :

– ياريتنى مكنتش اتكلمت .. أهو دايماً كده أقطع اللحظة الحلوة بالكلام الكتير اللى يخليكي تتكسفى وتبعدى عنى

نظرت اليه ضاحكة .. كانت تشعر بأنها استطاعت فى اليومين الماضيين أن تقترب منه أكثر .. وتتآلف معه أكثر .. وهذا الأمر أسعدها للغاية .. كانت تشعر بالراحة والسكينة وهى معه .. كان قلبها يخفق بجنون كلما اقترب منها .. نظرت اليه وهو يتحدث الى هاتفه وهى تبتسم بسعادة وتشعر بان قلبها سار ينبض بحبه

ارتدت ملابسها وخرجت مع “عمر” .. وتوجها الى بيت “أيمن” و “سماح” .. توقف بالسيارة أما البيت وقبل أن تنزل أمسك يدها قائلاً :

– “ياسمين” .. مش عايزين نطول أوى .. ماشى .. عشان حابب نخرج سوا ونتعشى بره

ابتسمت له وأومأت برأسها .. جلست الفتاتان فى غرفة أغلقت “سماح” الباب ثم نظرت لعلامات السعادة على وجه صديقتها وقالت بسعاده :

– ايه اللى أنا شيفاه ده .. عيني عليكي بارده

ضحكت “ياسمين” قائله :

– انتى هتعملى زى “ريهام”

ابتسمت “سماح” .. ثم اختفت ابتسامتها وكأنها تذكرت شيئاً .. قالت “ياسمين” :

– ايه مالك ؟

قالت “سماح” محاولة الاتباسم مرة أخرى :

– لأ مفيش حاجة

قالت “ياسمين” بقلق :

– النونو كويس ؟

مسحت “سماح” على بطنها وابتسمت قائله :

– اها كويس الحمد لله

– امال مالك .. وشك اتغير فجأة

بدا على “سماح” بعض التردد ثم قالت :

– لأ متاخديش فى بالك

تفرست “ياسمين” فى صديقتها ثم قالت :

– “سماح” أنا عارفاكى كويس أوى .. فى حاجه انتى مخبياها عنى

تنهدت “سماح” وقالت :

– يا بنتى متوهميش نفسك .. أنا بس حسيت بالتعب شوية

قالت “ياسمين” فجأة :

– كلمتى المحامية

نظرت “سماح” الى صديقتها وصمتت .. حثتها “ياسمين” قائله :

– “سماح” ردى عليا .. كلمتى المحامية صحبتك

قالت “سماح” بإستسلام :

– أيوة

– ووصلت لحاجة ؟

بدا عليها التردد مرة أخرى ثم قالت :

– أيوة

قالت “ياسمين” بحده :

– “سماح” قوليلى بلاش تعب الأعصاب ده

قامت “سماح” وخرجت .. ثم عادت بورقتين وأعطتهم لـ “ياسمين” .. نظرت “ياسمين” الى الورق فى يدها .. هو نفسه الورق الذى أعطتها “ولاء” نسخه منه

قالت “سماح” :

– قالتلى ان الورق موجود فعلا فى ملفات المستشفى وجبتلى النسخة دى .. وكمان ورق متابعة الحالتين شافته بنفسها

كانت “ياسمين” تنظر الى الورق بأعين متجمده .. أكملت “سماح” بأسى :

– أنا كنت ناويه اتصل بيكي وأقولك على الله وصلتله .. بس لما شوفتك داخله عليا فرحانه وباين عليكي انك مبسوطه اترددت أقولك

نظرت اليها “ياسمين” وهى تغالب دموعها قائله :

– ليه اترددتى تقوليلى ..

نظرت “ياسمين” الى الورق الذى بيدها .. وقد تجمعت الدموع بعينيها وقالت بصوت مرتجف :

– الورق ده ميثبتش حاجه .. يعني .. عادى .. “عمر” كان ماشى .. ولقى الحريقه .. وحاول يساعد الست انها تخرج .. والراجل شافه وافتكره كان معاها فى البيت .. لكن “عمر” ملوش دعوة بالبيت ده .. وملوش دعوة بالقصة دى

ثم اكملت بلحماس وبشفتين مرتجفتين :

– “عمر” بيحب يساعد الناس ..انتى ناسيه اللى عمله مع العامل اللى ايده اتحشرت فى الماكنة .. هو على طول بيحب يساعد الناس .. هو حاول يساعدها .. بس مش أكتر من كده

ثم نظرت الى “سماح” بعينين دامعتين قائله :

– صح ؟

نظرت “سماح” الى نظرة الرجاء فى عين صديقتها والتى ترجوها الى موافقتها على كلامها حتى لو بالكذب .. ورغم الشك الذى كان يساور “سماح” الى أنها استجابت للرجاء فى أعين صديقتها الدامعه وقالت :

– صح .. أكيد الموضوع زى ما انتى قولتى

أومأت “ياسمين” برأسها وهى تحاول أن تغالب دموعها ونظرت الى الورق ثم مزقته .. ثم نظرت الى صديقتها قائله بحزم :

– خلاص الموضوع ده اتقفل ومش هيتفتح تانى

– ماشى

حاولت “سماح” التحدث فى أمور مختلفة مع “ياسمين” التى جاهدت بدورها للإندماج مع “سماح” وتناسى الموضوع تماماً

خرجت “ياسمين” مع “عمر” وركبا السيارة .. نظر اليها يراقب انفعالاتها قائلاً :

– حبيبتى فى حاجه ضايقتك

رسمت ابتسامة على شفتيها ونظرت ايه قائله :

– لا أبداً

– كنت فاكرك هتكونى مبسوطة لما تشوفى “سماح”

– أنا فعلاً مبسوطة .. مبسوطة أوى

ابتسم قائلاً :

– حبيبتى تحب تروح فين ؟

قالت مبتسمة :

– انا معرفش أماكن فى المنصورة .. ومخرجتش فيها قبل كده .. يدوبك باجى لـ “سماح” بس

أوقف “عمر” سيارته على النيل ونزل الإثنان معاً ينعمان بنسمات الليل المنعشة .. ابتسمت “ياسمين” تراقب القمر فوقهما .. شعرت بالخجل عندما ارتطمت بنظرات “عمر” المتفحصة وقالت :

– انت على طول بتبصلى كده

– أيوة وهفضل أبصلك كده

قالت بمرح :

– عادى كل الرجالة بتقول كدة فى الأول وبعد فترة من الجواز بيتحولوا للنسخة المصريه المعتمده للزوج المصري

ضحك “عمر” حتى دمعت عيناه وقال :

– والله ده فى ايد حضرتك .. لو متحولتيش للنسخة المصريه المعتمده للزوجة المصرية فأنا أكيد مش هتحول

ابتسمت قائله :

– قصدك ايه بأه يا بشمهندس بالنسخة المعتمدة للزوجة المصرية

قال بمرح :

– قصدى بأه انك تتحولى لكائن هلامى غير معلوم تفاصيله وتضاريسه بوضوح

ضحكت “ياسمين” بشدة فأكمل قائلاً :

– وأفتح باب البيت ألاقى بتصرخي بصرخة طرزان وبتجرى ورا الولاد

ازدادت ضحكاتها فأكمل :

– والكبيرة بأه ألاقيكي ناسيه اسمى وبتندهيلى وتقوليلى بابا زى ما الولاد هيقولولى .. ساعتها هروح شايلك انتى وهما و ……..

نظرت اليه بتحدى .. فإبتسم وأشار لقلبه قائلاً :

– وأحطكوا جوه قلبي

قالت متظاهره بالجديه :

– خلاص وأنا موافقة .. أنا مش هتحول مقابل ان انت كمان متتحولش

اقترب بوجهه منها بشدة قائلاً :

– اتفقنا

نظرت حولها ورجعت للخلف ..فإعتدل وقال بخبث :

– ماشى معاكى حق لينا بيت نتلم فيه

ضحكت وأشاحت بوجهها .. ذهبا معاً لتناول الطاعم فى أحد المطاعم .. كان أحد المطاعم الهادئة المطلة على النيل .. كانت “ياسمين” تشعر بسعادة بالغة وهى جالسه بجوار زوجها .. ترك هاتفه و مادلية مفاتيجه على الطاولة وذهب الى حمام .. أمسكت الميداليه وتفحصتها .. ابتسمت عندما وجدت القلب الذى يحمل اسمها .. نظرت حولها وأعادت الميداليه مكانها بسرعة قبل أن يعود .. عاد “عمر” ليجدها مبتسمه و احد الرجال على الطاولة المجاورة ينظر اليها .. شعر بغيرة شديده .. تابعته “ياسمين” بدهشة وهو يذهب ويقف أمام الرجل قائلاً :

– فى حاجه ؟

التفت الرجل اليه قائلاً :

– فى ايه حضرتك

ارتفع صوت “عمر” قليلا وقال بغضب :

– أصلك بتبص لمراتى أوى .. فحبيت أعرف يعنى فى حاجه ؟

شعر الرجل بالحرج وقال :

– انا مبصتلهاش

كانت أعين “عمر” تشعان غضباً ورمق الرجل بنظره صارمة ثم توجه الى طاولتهم وجذب “ياسمين” من يدها وجلسوا على طاولة أخرى بعيدة عن هذا الرجل .. طال الصمت بينهما .. ثم فتح “عمر” المنيو قائلاً بهدوء :

– تحبي تاكلى ايه

نظرت اليه تحاول معرفة ما يفكر فيه .. وجدت نفسها تقول بتلقائيه :

– أنا مبصتهلوش على فكرة .. ومكنتش واخده بالى انه بيبصلى أصلاً

نظر “عمر” اليها لتتلاقى نظراتهما .. مرت لحظات .. ثم أمسك كفيها بين كفيه قائلاً بهدوء :

– هو انا قولت انك بصتيله

قالت شارحه :

– لأ بس أنا خفت تكون افتكرت كده

ابتسم قائلاً :

– “ياسمين” انا عارف كويس أنا متجوز مين

زاد من ضغط كفيه على كفها فابتسمت له فى خجل وقد أسعدها ثقته بها .. طلبا الطعام .. ظلا يتحدثان معاً .. حتى أخذهم الحديث حول قضية الاختطاف .. قال “عمر” بضيق :

– مش هرتاح إلا لما يمسكوه

أكدت “ياسمين” قائله :

– أكيد هيمسكوه ان شاء الله

ثم قالت بقلق :

– بس خايفة ميقدروش يثبتوا التهمة عليهم

قال “عمر” بثقه :

– لأ هيقدروا يثبتوها ان شاء الله .. وأصلاً هما أغبية جداً كانوا مكممينك ومغميين عينيكى على أساس متتعرفيش عليهم .. لكن كانوا بيتعاملوا من غير جوانتى .. يعني بصماتهم ماليه البيت

قالت “ياسمين” وهى تفكر :

– بس مش ممكن يوصلوا للبيت ده ويمسحوا بصماتهم

قال “عمر” شارحاً :

– البوليس رفع البصمات خلاص .. يعنى حتى لو مسحوها هى خلاص اتثبتت فى المحضر .. وكمان البيت أنا أفلته كويس وغيرت الباب لباب حديد يعني محدش يقدر يدخله

انتبهت “ياسمين” لكلماته وقالت بإستغراب :

– ازاى يعني غيرت الباب وأفلت البيت .. وصحاب البيت لما يرجعوا أكيد هيعملولك مشاكل عشان غيرت باب بيتهم

قال “عمر” وهو يكمل طعامه :

– لأ محدش هيعملى مشاكل

بلعت ريقها وقالت بقلق :

– ازاى تضمن انهم مش هيعملولك مشاكل

صمت قليلاً .. وبدا وكأنه يفكر .. ثم نظر اليها ليفجر قنبلة فى وجهها :

– لأن انا صاحب البيت

شعرت بقلبها وقد توقف عن الخفقان .. وبرئتها وقد شلت على الحركة .. لحظات .. ثم عادت أجهزتها للعمل مرة أخرى لكن بصورة جنونيه .. قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :

– يعني البيت ده بتاعك ؟ .. ملكك ؟

رد بهدوء وهو يبدو شارداً :

– أيوة ملكى .. بس مبروحوش كتير .. روحته كام مرة بس

راقبت وجهه لترى عليه تعبيرات غريبة كمن يتذكر شيئاً يضايقه .. ثم هز رأسه وكأنه يحاول نفض تلك الذكرى من رأسه .. استأذنت لتذهب الى الحمام .. دخلت الى الحمام وهى ترتعش .. وقفت أمام المرآه تنظر الى وجهها المضطرب .. ونظراتها الشاردة المتوترة .. بيته .. ملكه .. هو صاحب البيت .. البيت الذى زنت فيه زوجة الغفير مع رجل .. ظنت أن “عمر” ليس له علاقة بالبيت وما حدث فيه .. لكنه صاحب البيت .. ومالكه .. لماذا يشترى رجلاً مثله مثل هذا البيت الموجود على أطراف القرية والذى لا يحتوى إلا على فراش ودولاب وبضع الأوانى البسيطة .. ماذا يفعل رجلاً مثله فى هذا البيت الذى قال انه زاره مرات .. لم يذهب اليه الا لسبب واحد .. لكى يلتقى فيه بعشيقته بعيداً عن أعين زوجها .. وبعيداً عن أعين الخدم .. لكم تمنت أن يكون برئياً .. لكم حاولت تناسى تلك الحادثة وتجاهلها وكأنها شيئاً لم يكن .. لكنه أثبت لها .. أنه هو نفسه الرجل الذى زنى بزوجة الغفير فى هذا البيت المحترق .. نظرت الى نفسها فى المرآه لتقسط من عينيهــا دمعــة حزينــة .. يعقبها شلالاً من الدمـــوع الصامتـــة .

عرض التعليقات (8)