قصة واقعية
قصة واقعية
قصة ((سعد))
كنت أمّاً لثلاثة أبناء ولديّ أسرة جميلة
ولا يخفى عليك ضغوطات الحياة
خاصة مع عدم وجود عاملة
زوجي شديد البرود وغير معين في أمور المنزل أو تربية الأبناء
أكبر أولادي بنت وبعدها ولد ثم بنت
وحامل بشهري الثامن
الولد كان مشاكساً جداً وكثير الحركة
يضرب أخواته ويكسر كل شي أمامه
يُحب اللعب وبعثرة المنزل
وفي المقابل كان شديد الحنية علي ومتعلق فيّ جداً
وكنت دائماً عند غضبي منه أردد كلمة :
(( الله يأخذك ويريحني منك ))
تلك الكلمة التي اعتاد صغيري (سعد ) على سماعها
ولم تعد تؤثر فيه أو تمنعه من الإستمرار في مشاغبته
وكل ما زاد الوجع والتعب -حيث كنت في شهري الثامن-
أصرخ وأنادي زوجي ليساعدني أو يربي ابنه
ولكن كان لا يبالي
فألوم نفسي على الحمل من رجل غير متساعد
وادعو دوماً :
(( جعلني الله عقيماً لا أحمل منك أبداً ))
وإذا زاد التعب؛ قلت :
(( جعلني الله لا أحمل منك أحدا ))
وتمر الأيام وكنت لا أرى في إبني إلا سلبيته
ولا أرى حنان وعطف وعطاء زوجي
بل فقط أرى بروده
وكنت لا أرى في نعمة حملي
ونعمة الصحة والولد التي حُرم منها الكثير
كعادتنا في قبيلتنا الزوجة تضع حملها عند أهلها وتبقى لديهم مدة النفاس
حملنا حقائبنا وجهزنا أنفسنا للسفر
وما أدراك ما الإعصار والدمار الذي حل بالأسرة لأجل الإنتهاء من تلك الإستعدادات
مشينا في طريق السفر وأنطلقنا بإتجاه المدينة التي يسكنها أهلي
وبين الحين والآخر ألتفت إلى الوراء لأضرب (سعد) وأُجلِسُ (سعد) وأُعاقب (سعد)
حتى لو كان الخصام بين أخواته… اللوم يتوجه له مباشرة
قال لي : أمي أنا أحبك
قلت : كذاااااااب ؛ وأين الحب وأنت غير مؤدب
رأيت في عينه كسرة خاطره
ولكنني كنت أشعر بالسعادة حتى أُدبه
ألتفتُ إلى الأمام ثم……….
استيقظتُ و فتحت عيناي بثقل
وإذا أنا بغرفة غريبة يغلب عليها البياض
تحسست بيدي بطني
لم يعد كبيرا
ماذا حصل
أين أنا
بدأت بالصراخ…….
دخلت ممرضة ؛ أيقنت أنني بالمستشفى
ولكن الذي ما زالت لا أعلمه.. أين زوجي وأولادي؟؟!!
هل بقو أم ذهبوا مثل ما ذهب بطني؟؟!!
سألتها
حدثتها
كلمتها
بكل اللهجات واللغات
وكانت فقط تهز رأسها
سبَبُتها
دعوت عليها
طردتها
وما هي إلا دقائق حتى دخل زوجي عليه أثار جروح وحروق وكأنه كان وسط حرب شنيعة
ضمني لصدره وبكى بكاء مراً
لم يحتج بعده أن يتكلم فقد عرفت من بكائه ما يخفي في صدره
استجمعت قوتي وحاولت أن أُظهر له قوتي لعله يتشجع ويخبرني
وما أن أراد الحديث حتى دخلوا أمي وأبي وأخواتي
ووجوههم تخبرني بفاجعة لن أقوى تحملها
ولكنني استجمعت نفسي وسألتهم
بدأ والدي يقول : لله ما أخذ ولله ما أعطى…
ثم أخبروني برحيل (سعد)
لم أتمالك نفسي…
كيف يرحل سعد؟!
لقد أخبرني أنه يحبني
ثم خارت قواي وغبت عن وعيي
استيقظت ليس أمام عيني إلا (سعد)
حركات (سعد)
مشاغبة (سعد)
كلمات (سعد)
نظرة (سعد)
قوله لي أنه يحبني.
وأنا يا (سعد) القلب أحبك
ثم لاح لي بين تلك الذكريات قولي له :
(( الله يأخذك ويريحني منك))
لم أكن أقصدها
لم أكن أود حقيقة أن تحدث
أي راحة سأعيشها يا (سعد) بعدك
ومرت لحظات… وإذا بأمي تخبرني بفقدان من في بطني ورحيله قبل أن يرى الدنيا
حمدت الله..
ومرت الأيام
وعدت لمنزلي لتحدثني كل زاوية فيه عن (سعد)
أسمع صوت الماء
أتذكر.. كم كان يفتحه (سعد) وأغضب
أُشاهد أثار كتاباته على
الجدران
كنت أُخاصم زوجي على تأخيره في دهان الجدار
والآن… أُقبِّلُها كل ما مررت عليها
ومضت الشهور لتصارحني أمي بفاجعة أخرى ،،
أنني بسبب الحادث أُزيل مني الرحم نهائياً
بكيت كثيراً
ليس لأنني لن أحمل مرة أخرى
بل بكيت على تلك الكلمات التي كُنت أقولها لزوجي
((جعلني الله عقيماً منك))
كيف قسوت على نفسي وأسرتي بإطلاق لساني
بالإعتداء في الدعاء
كيف قسى قلبي حتى أصبحت لا أشعر بعظم تلك الدعوات وكم هي مهلكة
تناسيت حديث النبي عليه الصلاة والسلام :
( لا تدعو على أنفسكم ولا أولادكم أن توافقوا ساعة إجابة فيستجيب الله لكم)
الحياة جميلة لو عشناها برضى وقناعة
وعلمنا حق اليقين أنها دنيا فانية راحلة
وهي مجرد معبر للوصول للدار الآخرة
حينها تحلو حياتنا ونبتعد عن كل ما يعكر صفوها
اعتذر لكل من آلمته القصة بمجرد القراءة
فكيف بي وقد رأيت الحزن في عينيها
وأنين الحنين في بحة صوتها
وقسوة العتب في رجفة يديها
هي قصة واقعية
سردتها لنأخذ العظة والعبرة منها
ونحفظ ألسنتنا من الدعاء على حبايب قلوبنا
بقلم: شريفة العسيري.