حكاية أسطورة الغنجة

13 6٬455
 

حكاية أسطورة الغنجة

حكاية أسطورة "الغَنْجَة"

حكاية أسطورة الغنجة

حكاية أسطورة الغنجة , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

من الأساطير الجزائرية تحكيها الجدات في الماضي في وقت لم تكن فيه لا أجهزة أجهزة تلفاز ولا راديو
وأطلب منكم عدم التعليق بشيئ سلبي لأنها تبقا أسطورة وكانت تروى في القدم
هذه الأسطورة تحكي قصة “غَنْجَة” الفتاة الوحيدة لعائلة ثرية نشأت في عزٍ وترفٍ بعيداً عن أنظار الرجال، وتلألأ جمالها كنور الفجر، فلم تعرف حتى سن الـ14 إلا أهلها المقربين، ترعرعت نقية السريرة، متواضعة رغم جمالها الفتّان، فكانت روحها طاهرة طهر الملائكة.

الخالق الذي أبدع خلقها وحده سبحانه كان يراها ولم يطّلع على فتنتها إلا طيور السماء التي كانت تسترق النظر إليها وهي تتنقل بين نوافير المياه العذبة في الحدائق الغنّاء، لم يحدث أن سُمع شذى صوتها غريب، كانت بحق أعجوبة من أعاجيب الخلق، صوّرتها المخيّلة الشعبية في هيئة أسطورية.

تبدأ أحداث القصة عندما اجتاح البلاد في سنة من السنوات جفاف مريع، حمل معه رياحاً حارة وحرائق جهنمية أتت على الأرض والزرع، فجفّت الوديان والآبار وذبل النبات وهلك الحيوان وساد القحط، حتى لم يجد الصبيان ما يروي ظمأهم من الحليب وجفّت نوافير الماء في بيت “غَنْجَة” فلم يعد يسمع لها خرير.

اتجه الناس في طقوس وطلاسم شعوذة إلى السماء، معتقدين أن الاستعانة بزيارة الأولياء وتقديم القرابين قد ينفع، إلا أن مسعاهم خاب، وفي خيبتهم تلك اجتمع الرجال للتشاور فيما هُم فاعلون؛ وبينما هم في جمعهم إذ قام شيخ إلى والد “غَنْجَة” وخاطبه قائلاً:

“يجب على ابنتك، وهي رمز العفاف عندنا أن تخرج إلى العامّة عارية الرأس والقدمين، فبهذا تنجلي عنّا هذه الحال البائسة”.

لم يجد والد “غَنْجَة” بُدًّا من أن يقبل برأي الشيخ وقَصَد ابنته الحبيبة، ضمّها إلى قلبه ثم نزع عن قدميها الخفّين المطرّزين وفي حنوّ حل ضفائر شعرها الغزير الذي انسدل على كتفيها، وغطى جسدها حتى بلغ أخمص قدميها، كان جبينها الأبيض ناصعاً كبياض الياسمين يُطل بين أمواج شعرها كبدر ليلة كماله، وضع الأب يديه على رأس ابنته وتمتم بتعاويذ مباركاً إياها فيما كانت هي في حيرة من أمرها، قلقة من تصرف والدها، سألت الفتاة أباها متعجبة:

“أبي: ما معنى الذي يجري؟”.

فرد عليها والدها: “سنعيد المياه إلى نوافيرك يا ابنتي إذا أراد الله ذلك”.

حملت إجابة الوالد الفرحة إلى قلب “غَنْجَة”، وسار بها الأب في رفق إلى عتبة البيت وهو يشجعها، فلم يسبق لها أن خرجت جهاراً نهاراً، وما إن خطَت بضع خطوات على الأرض الرمضاء حتى هبت ريح قوية.

تقدمت الفتاة ثم خرجت وظهرت للناس اللذين تعالت صيحاتهم مهلّلين، وفجأة تسابق من الغرب سحاب كثيف كالموج يسد الأفق، وثقل الهواء وأظلمت السماء محمّلة بالغيث الذي انهمر على الأرض الظمآنة، حينها توجه الحشد إلى السماء مكبّرين في نداء واحد باسم ذي الجلال: الله.

أربعة أيام وثلاث ليال ارتوت فيها الأرض، وبعدها انقشعت الغيوم وابتهجت الكائنات وانفجرت ينابيع المياه من جديد.

لقد حدثت المعجزة.. عندما ظهرت “غَنْجَة”.

واعترافاً لها بالفضل، عاد الناس في صباح اليوم الرابع لإقامة الاحتفالات حول بيت “غَنْجَة”، فاجتمع الشباب في ثياب قرمزية اللون، مزيّنة بالأبيض، منتعلين الأحذية الحمراء وممتطين الجياد الأصيلة، وأظهر كلٌّ فرحته وعلت زغاريد النساء مع شهر السيوف التي استلها أصحابها للتباهي بها في رقصات وأهازيج شعبية نادت كلها باسم “غَنْجَة”، لكن “غَنْجَة” لم تعاود الظهور أبدا، فقد واراها والدها عن الأنظار خشية أن يلحقها الأذى، فقادها إلى بيت لا يعرف طريقه غيره وأَمَّن عليها أمها وحاضنتها بعد أن أوكل حمايتهن إلى 3 حراس أشدّاء .

لم تحفظ الذاكرة الشعبية في أي منطقة جرت هذه الأحداث، لكن المعروف أن الأهالي لا يزالون محتفظين بعادات ترجع أصولها الى هذه الأسطورة، إذ كلما هدّدهم الجفاف خرج الصّبية منادين باسم “غَنْجَة” التي صوّروها في هيئة تمثال، مستنجدين بها وهم يطرقون الأبواب سائلين عودة الغيث.

عرض التعليقات (13)