فارس بلا جواد الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة الثانية

18 4٬706
 

فارس بلا جواد الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة الثانية

فارس بلا جواد الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة الثانية

فارس بلا جواد الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة الثانية

فارس بلا جواد الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة الثانية , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل الثاني

وفجأة انخفضت الأصوات تدريجياً وتعلقت الأنظار بالشخص القادم .. التفتت “آيات” تنظر الى باب المدرج وقلبها يخفق بسرعة وارتسمت ابتسامه صغيره على شفتيها ونظره

حالمه فى عينيها .. دخل “آدم” المدرج ووقف على المنصة أمام المكتب ببدلته الأنيقة وملامحه الوسيمة ونظرات كالبحر متلاطم الأمواج .. نظر الى الطلاب قائلاً بصوته

الرخيم :

– مساء الخير

ردد الطلاب :

– مساء النور يا دكتــور “آدم”

حاولت “آيات” بصعوبه اخفاء البسمة التى ارتسمت على شفتيها حال رؤياه .. قال “آدم” وهو ينظر الى الأوراق أمامه :

– حد يفكرنى وقفنا فين المرة اللى فاتت

قال أحد الطلاب :

– ……….

اومأ “آدم” برأسه وبدأ محاضرته .. استمرت المحاضرة قرابة الساعتين .. قرب انتهاء المحاضرة بدا على الجميع الملل والحنق والرغبة فى انتهاء المحاضرة بإستثناء

“آيات” .. التى كانت تنظر الى “آدم” تراقب كل حركة وكل سكنة وكل ايماءة وكل التفاته .. التفتت اليها “أسماء” قائله :

– اطلبي منه صورة أحسن

وكزتها “آيات” فى ذراعها بقوة فقالت “أسماء” بغيظ :

– كوعك عامل زى المسمار يا بنت انتى

قالت “آيات” بتشفى :

– أحسن عشان تحترمى نفسك

هتفت “أسماء” بصوت منخفض :

– انتى مش شايفة نفسك بتبصيله ازاى .. ده انتى هاين عليكي تاخديه فى ايدك وانتى خارجه من المحاضرة

وكزتها “آيات” مرة أخرى بقوة أكبر .. فلم تستطع “أسماء” كتم صرخة ألم :

آآه

لم يكن صوتها عالياً للدرجة .. ولكنه كان ملفتاً خاصة مع السكون الذى كان سائداً فى المدرج .. التفت “آدم” الى مصدر الصوت .. فالتقت عيناه بعيني “آيات” .. شعرت

بقلبها ينبض بجنون داخل صدرها .. وحبست أنفاسها وتضرجت وجنتاها بحمره خفيفه أخفتها الأصباغ الصناعية التى كانت تضعها على وجهها .. عاد “آدم” ليلتفت الى شرحه

وهو ينقل نظره بين طلابه بلامبالاة .. نظرت “آيات” الى “أسماء” بغضب والتزمتا الصمت .. انتهت المحاضرة فتابعته “آيات” بعيناها وهو ينصرف قبل الطلاب .. ساد الهرج

والمرج وخرجت الفتاتان من المدرج .. وقفتا أمام الكلية تتحدثان فقالت “أسماء” :

– متيجى نروح النادى النهاردة حسه انى مخنوقة

قالت “آيات” وهى تشعى بالملل :

– وأنا كمان

ثم قالت :

– وكمان هكلم “ايمان” و “سمر” ييجوا معانا

قالت “أسماء” بمرح :

– أوكيشن

توجهت الفتاتان الى النادى وجلستا حول احدى الطاولات فى انتظار حضور صديقتيهما .. قالت “أسماء” وهى تنظر الى “آيات” بعتاب :

– برده مش عايزه تتكلمى معايا

زفرت “آيات” بضيق دون أن تنطق بشئ .. فقالت “أسماء” بغضب :

– بس ابقى خليكي فاكراها يا “آيات” .. والله ما عدت حكيالك أى حاجه تانى

قالت “آيات” بحنق :

– مفيش أصلاً حاجة تتحكى

قالت “اسماء” بعناد :

– حاولى .. هتلاقى الكلام بيتسرسب منك واحدة واحدة

صمتت “آيات” لفترة ثم قالت بحزن :

– كل الحكاية انه عجبنى مش أكتر من كده يعني

قالت “أسماء” مبتسمه :

– ليكي حق يا “يويو” الراجل موز ودكتور فى الجامعة

نظرت اليها “آيات” بغضب قائله :

– احترمى نفسك يا “أسماء” لو سمحتى

ضحكت “أسماء” قائله :

– ده بجد بأه

ظهرت علامات الضيق على وجه “آيات” فإقتربت “أسماء” بمقعدها منها ووضعت يدها على يد “آيات” قائله بإهتمام :

– اتكلمى يا “آيات” .. قوليلى اللى جواكى

قالت “آيات” بنفس النظرة الجزينة :

– مفيش حاجة تتقال

قالت “أسماء” بجدية :

– بس أنا عمرى ما شوفتك كده يا “آيات” .. عمرى ما حسيت انك ممكن تنجذبى لحد كده .. ما فى ولاد كتير حوالينا وأمامير وستايل وولاد ناس .. بس انتى عمرك ما اهتميتي

بحد منهم .. فمستغرباكى أوى .. لانى مشفتكيش قبل كده بتنجذبى لحد من مجرد شكله

نظرت اليها “آيات” وقالت بحده :

– أنا منجذبتلوش عشان شكله

قالت “أسماء” بإستغراب :

– أمال عشان ايه ؟ .. انتى أصلاً متعرفيهوش

قالت”آيات” وكأن شريط سينيمائى يمر من أمام عينيها :

– فى سنة أولى قبل ما أتعرف عليكي .. كان لسه بابا مجبليش العربية .. كنت بروح الجامعة فى تاكسى .. او بابا بيبعت معايا العربية بالسواق .. فى اليوم ده كنت

راكبه تاكسى .. ونزلت أدام الجامعة .. معرفش ايه اللى حصل لقيت فجأة تاكسى تانى بيفرمل جامد أدامى وبيخبط فى الرصيف .. معرفش أنا اللى منتبهتش ولا هو اللى غلطان

.. نزل السواق من التاكسى بتاعه وفضل يزعق فيا جامد أوى لدرجة انى عيطت وسط الشارع

كانت “أسماء” تسمع الى “آيات” بإهتمام فأكملت قائله :

– كنت فى موقف محرج أوى والراجل مش عايز يهدى ومش عايز يعديني واكمن العربية خبطت فى الرصيف كان عايز تمن التصليح وأنا ساعتها مكنش معايا المبلغ اللى طلبه كتعويض

اتسعت عينا “أسماء” وهى تستمع الى كلام “آيات” التى أكملت قائله بإتبسامه خفيفه :

– بعدها لقيت دكتور “آدم” جه .. شكله كان داخل الجامعة ولقى الخناقة والراجل وهو بيزعقلى .. المهم فضل يتكلم مع الراجل ويقوله متزعقلهاش كده دى بنت .. والراجل

برده فضل يزعق ومصر ياخد فلوسه قولتله هتصل ببابا يبعتلى حد بالفلوس وافق بس بشرط انى افضل معاه متحركش لحد ما بابا ييجى

ثم نظرت “آيات” الى “أسماء” مبتسمه بخجل وهى تقول :

– كنت خايفه من الراجل أوى .. وكنت بعيط .. بس دكتور “آدم” فضل واقف معايا ومرضاش يمشى ويسيبنى واقفه معاه لوحدى .. حسيته كان مضايق من اللى حصلى وفضل يقولى

متخفيش ميقدرش يعملك حاجه .. وفضل واقف جمبي .. كنت أول مرة أشوفه .. ومكنتش حتى اعرف انه دكتور عندنا فى الكلية

ثم أكملت :

– بابا جه بنفسه واتفاهم مع الراجل وساعتها دكتور “آدم” سألنى انتى كويسه .. قولتله أيوة .. قالى معلش راجل معندوش دم متزعليش نفسك أنا لو كان معايا المبلغ

دلوقتى كنت دفعتهوله ومكنتش وقفتك كده

صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت :

– بصراحة احترمته أوى وحسيته رجل أوى .. ومش عارفه دى تهيآت ولا ايه بس حسيت بنظرات عينه حنينه أوى وهو بيبصلى .. بعد كده بابا شكره انه كان جمبى ودافع عنى

.. بس .. شوفته بالصدفة فى الكلية وعرفت انه بيدي مادة فى سنة رابعه .. آدى كل الحكاية

التفتت “أسماء” الى “آيات” قائله :

– بس أنتى عمرك ما قولتيلى انك حسه بحاجه نحيته

قلت “آيات” بحزن :

– أنا نسيت الموضوع وشيلته من بالى .. بس لما شوفته فى بداية السنة دى وبقيت بشوفه كتير .. مش عارفه .. على طول بفتكر الموقف اللى عمله معايا

ثم نظرت الى “أسماء” وقالت بحماس :

– تحسيه راجل كده .. مش حتت عيل .. يعني تحسيه واثق من نفسه وبيدافع عنك وخايف عليكي وبيحميكى

ثم تنهدت قائله :

– تفتكرى أنا مكبرة الموضوع ؟

قالت “أسماء” بعد تفكير :

– بصى مش عايزة أعشمك بحاجة .. وفى نفس الوقت مش عايزة اضايقك .. بس أنا مش شايفه أى اهتمام من نحيته يا “آيات”

قالت “آيات” بحزن وهى تطرق برأسها :

– عرفه

نظرت اليها “أسماء” قائله :

– طيب ما تحاولى تلفتى انتباهه

قالت “آيات” بدهشة :

– ازاى يعنى ؟

قالت “أسماء” بحيره :

– مش عارفه

فكرت “آيات” قليلاً ثم قالت بكبرياء :

– لا مش هحاول ألفت انتباهه .. هو لو حس بحاجه نحيتى يبقى منه لنفسه .. ولو محسش خلاص هو حر مش هضربه على ايده عشان يحبنى

ثم ظهر الحزن مرة أخرى فى عينيها وقالت وكأنها تحدث نفسها :

– تفتكرى ممكن يحبنى ؟

قالت “أسماء” :

– مش يمكن أصلاً يكون متجوز

التفتت اليها “آيات” قائله بثقه :

– لا مش متجوز .. مش لابس دبلة

قالت “أسماء” بتهكم :

– مش شرط كل الرجاله المتجوزين يلبسوا دبلة يا “آيات”

قالت “آيات” بثقه :

– لا أنا واثقه انه مش متجوز لانى عارفه الأكاونت بتاعه على الفيس وكاتب فى البروفايل بتاعه سينجل

قالت” أسماء” بدهشة :

وعرفتى الاكاونت بتاعه منين ؟

قالت “آيات” :

– من الجروب بتاع الكلية فى مرة رد على بوست فعرفته من الاسم ومن الصورة

قالت “أسماء” بعتاب :

– ما شاء الله .. كل ده من ورايا

مازحتها “آيات” قائله :

– متزعلش بأه يا “سمسم” .. أصلاً مفيش حاجة عشان أحكيها .. مجرد احساس من طرف واحد يعني حاجة عبيطة مش مستاهله تتقال

فى تلك الأثناء أقبلت فتاتان فى اتجاههما كان بينهما عامل مشترك ألا وهو ملابسهما الواسعة الفضفاضة وحجابهما الطويل .. ابتسمت “آيات” فى سعادة وهى تهتف قائله

:

– “إيمان” .. “سمر”

قامت “أسماء” و “آيات” للترحيب بالفتاتين ومعانقتهما .. ثم التفوا معاً حول الطاولة .. بدا للناظر من بعيد أنهم مجموعة غريبة .. فتاتان بكامل زينتهما ويرتديان

الملابس الضيقة المثيرة وأخرتان بدون أى زينه وترتديان ملابس محتشمه .. قالت “آيات” فى سعادة بالغة :

– وحشتونى أوى .. انتوا بجد أندال ليه مش بنجتمع مع بعض على طول .. لازم يعنى أفضل ألح عليكوا عشان نتقابل

ابتسمت “سمر” قائله :

– معلش يا “آيات” انتى عارفه أنا مشغوله أد ايه فى المستشفى

قالت “أسماء” ضاحكة :

– مش عارفه ايه اللى يخليكى تدخلى طب أصلا ملها تجاره … زى الفل

ضحكت “سمر” قائله :

– آه فل أوى .. ده انتوا فى التراوه خالص

هتفت “أسماء” متظاهرة بالغضب :

– قصدك ايه بأه ده بتوع تجارة دول أجدع ناس .. تنكرى

قالت “سمر” ضاحكة :

– لا طبعاً منكرش .. كنت بهزر معاكى .. وبعدين يا ستى أهى كلها شهادة

التفتت “آيات” الى “ايمان” قائله بمزاح :

– ايه أخبار دكتور السنان الفاشلة ؟

قالت “إيمان” بغيظ :

– عارفه لو عدتى تقوليلى فاشلة تاني هعملك فيكي ايه

قالت “آيات” مبتسمه :

– الا قوليلى يا “ايمان” هو المفروض أغسل سنانى كام مرة فى اليوم عشان ميحصليش مشاكل فى سنانى ؟

قالت “ايمان” وهى تخرج بسكويت من حقيبتها وتتناوله :

– ازاى يعني ؟ .. هو انتى بتغسلى سنانك كل يوم

قالت “آيات” بدهشة :

– أيوة طبعاً وبابا بيضايق منى لو مغسلتهمش مرتين فى اليوم

صاحت “ايمان” قائله :

– أما فرفورة صحيح

ضحكت الفتيات وصاحت “آيات” :

– أنا اللى فرفورة ولا انتى اللى دكتورة سنان فاشلة .. انا مش عارفه أصلاً انتى طلعوكى من اعدادى ازاى

قالت “ايمان” لتغيظها :

– يلا يا نايتي .. أنا أصلا ايه اللى خلانى أعرف شويه بنات نايتي زيكوا كده مش عارفه .. بكرة تشوفى اسمى على أكبر عيادات الأسنان فى البلد وتطلبوا منى معاد

عشان تقابلونى وتبقى السكرتيرة بتاعتى تقولكوا دكتورة “ايمان” مشغوله تعالوا بعد شهر

أكملت “أسماء” ضاحكة :

– آه مشغوله لان العيانين اتلموا عليها وادولها حتة علقه مرقداها شهر فى المستشفى فتعالوا لما صحتها تتحسن وتنسى الشرخ اللى حصل فى كرامتها

تظاهرت “ايمان” بالنهوض والمغادرة وهى تقول :

– تصدقوا ان خسارة فيكوا انى أعد معاكوا أصلاً

جذبتها “سمر” قائله :

– خلاص يا “ايمان” بنهزر معاكى انتى عارفه ان محدش بيقدر قيمة المواهب العبقرية اللى زيك فى البلد دى

جلست “ايمان” وقالت بترفع :

– بكرة تشوفوا “ايمان” دى هتبقى ايه

ثم قالت :

– مش هناكل حاجة

طلب الجميع مشروباً غازياً بجانب وجبة الغداء .. فقالت “ايمان” بتهكم :

– وكمان طالبينها دايت .. ده انتوا بجد فرافير

قالت “آيات” مبتسمه :

– أنا بخاف أتخن أوى

قالت “ايمان” بتهكم :

– أمال أنا مش خايفة ليه وأنا أدك 3 مرات يا “آيات”

كانت “ايمان” ذات وزن كبير .. بالنظر الى الفتيات الثلاثة فهى تبدو أكثرهن ضخامة .. ليس طولاً فقط وزناً وعلى الرغم من ملابسها الفضفاضة الواسعة الى أنها أظهرت

مدى زيادة وزنها

قالت “سمر” بإهتمام :

– قولتلك كتير يا “إيمان” لازم تهتمى بأكلك أكتر من كده .. ده انتى يا بنتى مبتعرفيش تمشى على دايت أكتر من 3 أيام

قالت “إيمان” بسخرية :

– وأمشى على دايت ليه شيفانى تخينه .. ده أنا يدوبك برميل بس

انفجرت الفتيات فى الضحك .. ورعلى الرغم من الابتسامه التى ارتسمت على شفتى “إيمان” الا أن “آيات” لمحت سحابة حزن فى عينيها .. ظلت تنظر اليها تحاول فهم سبب

تلك النظرات الحزينة لكنها لم تستشف شيئاً فسألتها بإهتمام :

– “إيمان” .. فى حاجة مضايقاكى

رسمت “إيمان” ابتسامة واسعة على شفتيها وقالت :

– أيوة مضايقة ان الأكل اتأخر

صاحت “أسماء” قائله :

– يا بنتى ارحمى نفسك .. شوية شوية وهتاكلينا

ثم تظاهرت أنها تنادى على النادل قائله :

– يا عم يا بتاع الأكل قولهم بسرعة شوية معانا حوت لو مسديناش بقه بأى حاجه هياكلنا واحدة ورا التانية

ضحكت الفتيات وشاركتهم “إيمان” الضحك

*************************************

توقف “آدم” بسيارته أمام البرج .. حياه رجل الامن الواقف .. ثم تتبعه بنظراته وهو يمط شفتيه فى اشمئزاز .. أتى رجل أمن آخر ليرى التعبير المرسوم على وجه زميله

فسأله قائلاً :

– ايه فى ايه ؟

هتف رجل الأمن ومازالت تعبير الإشمئزاز على وجهه :

– الست اللى فى شقة 22 دى مش هتجيبها لبر

قال زميله :

– ليه ايه اللى حصل تانى ؟

قالت رجل الأمن بغضب :

– لا عندها خشى ولا حيا .. وكل كام شهر راجل طالع وراجل نازل أما بقت حاجة تقرف أنا عارف ليه متغورش من العمارة .. كل اللى ساكنين هنا ناس محترمة تروح تشوفلها

جيران زيها تعيش وسطهم

قال زميله بضيق :

– ربنا يستر على وليانا .. أنا برده مبطقش أبص فى وشها .. ربنا يهديها

صاح الآخر بحرقه :

– قول ربنا ياخدها

صعد “آدم” الى شقة 22 وأخرج المفتاح ودخل وأغلق الباب خلفه .. ما كاد يدخل الى غرفة المعيشة حتى هبت “بوسي” واقفة وهى تنظر اليه بعتاب .. لم يعبأ “آدم” بنظراتها

وتوجه الى غرفة النوم وهو يخلع جاكيت البدلة .. ألقاه على أقرب مقعد .. ثم توجه الى الدولاب وظل يتأمل البدل المتراصة بجوار بعضها ويختار من بينها .. دخلت “بوسى”

ووقفت على باب الحجرة وهى تكتف ذراعيها أمام صدرها وتقول بتبرم :

– انت نازل تانى ؟

قال “آدم” وهو مازال يتأمل البدل بإهتمام :

– أيوة

اقتربت منه “بوسى” بعصبية وأدارته من كتفه بحده لينظر اليها .. فنظر اليها مندهشاً لتقول بغضب :

– “آدم” الوضع ده هيستمر لحد امتى ؟

قال بدهشه :

– وضع ايه ؟

قالت “بوسى” بعصبية شديدة :

– الوضع اللى احنا فيه ده .. مش حابب نتجوز قولت ماشى مفيش مشكلة .. لكن تدخل بمزاجك وتخرج بمزاجك وأعد بالأيام مشوفاكش .. كده أوفر أوى

قال “آدم” ببرود :

– انتى عايزه ايه دلوقتى يا “بوسى” ؟

اقتربت منه ووضعت كفيها على صدره وهى تنظر اليه برجاء قائله بأعين دامعه :

– أنا بحبك يا “آدم” .. بحبك أوى .. عمرى ما حبيت أى راجل زى ما أنا بحبك .. نفسى نكون زى أى اتنين فى الدنيا بيحبوا بعض .. أنا حساك بعيد عنى أوى يا “آدم”

.. حتى لما بتبقى موجود معايا بحسك مش موجود .. نفسى تحبنى زى ما بحبك يا “آدم”

بدا “آدم” وكأنه يستثقل المهمه .. أمسك ذراعيها قائلاً :

– أنا بحبك يا “بوسى” ليه مش قادرة تقتنعى بكده .. ايه اللى يخليني أستمر معاكى لو مكنتش بحبك وبموت فيكي كمان

قالت “بوسى” بلهفه :

– بجد يا “آدم” بتحبنى بجد ومن قلبك ؟

عانقها قائلاً :

– طبعا يا حبيبتى .. وعمرى ما حبيت حد زى ما حبيتك

بدت عيناه خاويه جوفاء بارده .. ككلماتــه

ابتسمت “بوسى” بسعادة وهى تنعم بعناق حبيبها

**************************************

دخل “آدم” أحد المطاعم وهو ينظر حوله الى أن وقع نظره على الشخص الجالس على احدى الطاولات .. فعلت الإبتسامه شفتيه .. اقترب من الشخص قائلاً :

– عاش من شافك يا “زياد”

قام الرجل وعانق “آدم” قائلاً :

– وحشنى جداً يا “آدم” ربنا يعلم

جلس الاثنان والايتسامة تعلو شفتى “آدم” قائلاً بسعادة :

– وانت كمان يا “زيزو” وحشتنى جداً .. جيت من شرم امتى ؟ .. وخلاص استقريت هنا ولا راجع تانى

قال “زياد” ضاحكاً :

– لا راجع تانى .. انا بس خدت أجازة اكمن الموسم ده مش موسم شغل أد كده

ربت “آدم” على كتف صديقه قائلاً :

– أحسن حاجة انى شوفتك .. ولو مكنتش جيت كنت أنا اللى هجيلك وهو أقضى يومين فى شرم

ضحك “زياد” قائلاً :

– قول بأه انك عايز تستغل صحبك .. اكمنى مدير قرية سياحية وعايز تستنفع من ورايا

ضحك “آدم” قائلاً :

– أوبس .. كشفتنى يا معلم .. ماهو مش معقول صحبى وأخويا من أيام ما كنا فى الحضانة ومستنفعش من وراك حته تبقى عيبه فى حقك يا أخى

ابتسم “زياد” قائلاً :

– تعالى انت بس وملكش دعوة

قال “آدم” غامزاً :

– أخبار المزز ايه ؟

ضحك “زياد” قائلاً :

– أهم متلقحين هناك

قال “آدم” بمرح :

– عمار يا شرم

صمت كلاهما للحظات ثم سأله “زياد” قائلاً :

– ازي والدتك أخبار صحتها ايه ؟

أومأ “آدم” برأسه قائلاُ :

– كويسه الحمد لله

نظر “زياد” الى “آدم” بإهتمام قائلاً :

– وانت أخبارك ايه ؟

ظهرت العصبية فى تصرفات “آدم” وه يخرج سيجاره ليشعله .. اقترب منه النادل قائلاً بأدب :

– ممنوع التدخين يا فندم

نظر اليه “آدم” بحده ثم أطفها تحت أقدامه بعصبيه .. قال “زياد” وهو يرمقه بنظراته :

– مردتش .. أخبارك ايه ؟

قال “آدم” ببرود :

– زى ما أنا مفيش جديد

قال “زياد” :

– وازى صحبتك ؟

قال “آدم”بإستغراب :

– صحبتى مين ؟

قال “زياد” محاولاً التذكر :

– مش فاكر اسمها .. اللى كانت معاك فى آخر مرة نزلت فيها القاهرة .. كنتوا اتعرفتوا فى الديسكو باين

قال “آدم” بلا مبالاة :

– لا سيبتها

قالت “زياد” بحماس :

– أحسن .. أصلاً مكنتش مظبوطة

قال “آدم” بسخريه :

– وهو فى بنت مظبوطه .. كلهم تييييييييييييت

ثم قال بمرارة :

– خاصة الى بيتولدوا وفى بقهم معلقة دهب

هم بأن يشغل سيجاره أخرى لولا أن تذكر بان ذلك ممنوع فزفر بضيق .. بدا واجماً شارداً .. نظر اليه “زياد” ثم قال :

-“آدم” أنا عارف انك اتظلمت أوى .. بس مش معنى كده انك تظلم

التفت اليه “آدم” بحده قائلاً :

– يا ابنى احنا عايشين فى غابة .. الناس فيها عامله زى الكلاب المسعورة كل اللى بتقدر عليه لازم تاخده حتى لو من بق غيرها .. واللى يفوز هو اللى يقدر ياخد نصيب

أكبر من التانى

نظر “زياد” الى “آدم” بنظرات مشفقة وهو يقول :

– مش كل الناس وحشة .. عندك أنا أهو .. أنا وحش يا “آدم” ؟

قال “آدم” بحده :

– انت متولدتش وفى بقك معلقة دهب يا “زياد” .. انت تعبت وشقيت واتمرمطت وطفحت الدم عشان توصل للى انت فيه دلوقتى .. وعشان كده انت لسه أبيض من جواك

قال “زياد” بثقه :

وانت كمان زيي يا “آدم” احنا الاتنين زى بعض وعشنا فى نفس الظروف ونفس المستوى وكافحنا سوا وتعبنا سوا .. يعني انت كمان من جواك أبيض

قال “آدم” بتهكم :

– لا معدش يا صاحبى .. انا بقيت اسود .. وأسود من السواد كمان

لم يرد “زياد” أن يضغط على “آدم” فى الحديث أكثر .. فقال يحاول تغيير الجو :

– متاخدنيش فى دوكه قولى ناوى تفسحنى فين

ابتسم “آدم” قائلاً :

– انت تأمر يا “زياد” .. شوف حابب تروح فين وأنا أوديك

قال “زياد” مازحاً :

– اعتبرنى سايح وفسحنى

قال “آدم” ضاحكاً :

– ماشى يا سايح .. نتغدى وبعدين هعملك بروجرام هيعجبك

ابتسمت “زياد” لصديقه وربت على كتفه شاكراً

****************************************

عادت “آيات” من الخارج لتجد سيارة والدها فى الجراج فقد أتى مبكراً على غير العادة .. ركنت سيارتها بجوار سيارته ثم أخرجت من حقيبتها مناديل لإزالة المكياج

وشرعت فى ازالة الأصباغ الصناعية التى تزين وجهها .. فبدت أكثر براءه .. خرجت من سيارتها وتوجهت الى داخل الفيلا .. رأت والدها وهو خارج من مكتبه فابتسمت له

واقبلت عليه تعانقه وتقبل وجنته قائلاً :

– ازيك يا بابا .. جيت بدرى النهاردة يعني

ابتسم والدها قائلاً :

– تعبت شوية فقولت أريح

قال “آيات” بقلق وهى ترمقه بنظرات متفحصه :

– تعبان مالك يا بابا .. حاسس بإيه ؟

قال “عبد العزيز” وهو يبتسم ويربط على ذراعها :

– متقلقيش يا حبيبتى شوية ارهاق وهيروحوا لما أرتاح

قالت “آيات” وهى تنظر اليه بإهتمام :

– بابا متتعبش نفسك فى الشغل عندك الشركة مليانه موظفين . .لو سمحت يا بابا صحتك اهم عندى من أى حاجة فى الدنيا

ابتسم لها قائلاً :

– ربنا يخليكي ليا يا حبيبتى

بدا وكأنه انتبه الى ما ترتديه .. فعقد حاجبيه بضيق قائلاً :

– ايه ده يا “آيات” ؟

ارتبكت “آيات” وهى تنظر الى ملابسها قائله :

– ايه يا بابا ؟

قال “عبد العزيز” بصرامة :

– ايه اللى انتى لبساه ده يا “آيات” .. البادى ضيق جداً عليكي وأنا قولتلك قبل كده عايزة تلبسى بادر يبقى تلبسيه فوقيه جاكت ومقفول كمان

قالت “آيات” بحنق :

– ما هو أنا لو لبست فوقيه جاكت مقفول يبقى أصلا مش هيبان يا بابا

قال “عبد العزيز” بحزم :

– ان شاله عنه ما بان .. بنتى متمشيش ولابسه لبس ملزق على جسمها بالشكل ده وكل الرجاله عينهم راحه جايه عليها

شعرت “آيات” بالخجل وبالإضطراب فقالت :

– خلاص يا بابا أنا آسفة

فقال “عبد العزيز” بهدوء لكن بحزم :

– مش عايز أعلق على لبسك تانى يا “آيات” .. انتى كبيرة بما فيه الكفايه عشان تميزي بين الصح والغلط

قالت “آيات” بعدم اقتناع :

– صح يا بابا معاك حق .. معدتش هلبس حاجة ضيقه كده تانى

ابتسم والدها قائلاً :

– طيب يلا يا حبيبتى اطلعى غيري هدومك عشان نتغدى سوا

أومأت برأسها وصعدت الى غرفتها وعلامات التبرم على وجهها .. بدلت ملابسها فرن هاتفها قبل أن تتوجه الى باب الغرفة .. ردت قائله وهى تلقى بنفها على الفراش :

– أيوة يا “سمسم”

قالت “أسماء” :

– كنت بطمن انك وصلتى .. اتغديتي

قالت “آيات” :

– كنت لسه نزله أتغدى .. بابا جه بدرى النهاردة

ثم زفرت بضيق قائله :

– شلت الميك آب وأنا بركن العربية .. ولما دخلت الفيلا شافنى وادانى محاضرة عشان البادى اللى كنت لابساه

قالت “أسماء” بإستغراب :

– ماله البادى .. كان تقيل مش شفاف

قالت “آيات” بهدوء :

– بيقولى ضيق وملزق .. وأعد يقولى بنتى متمشيش كده والرجاله تبص عليها

ضحكت “أسماء” قائله :

– أبوكى ده عايزك تعنسي جميه

ضحكت “آيات” قائله :

– شكله كده فعلاً

ثم قالت :

– يلا باى بأه عشان بابا مستنينى نتغدى سوا

قالت “أسماء” :

– ماشى يا موزه .. أشوفك بكره .. باى

*****************************************

خرجت “سمر” من غرفتها وأقبلت على والدتها التى تتحدث فى هاتفها وقالت لها :

– ماما أنا خارجه .. رايحه عند “إيمان” شوية

أشارت لها أمها بالإنصراف وهى تتبادل المزاح مع صديقتها عبر الهاتف وتنفجر ضاحكة .. ألقت “إيمان” عليها نظرة حزينه ثم فتحت الباب وخرجت من بنايتها الأنيقه ..

سارت قليلا فى الشارع الهادئ قبل أن تجد سيارة أخرى طلبت من سائها أن يقلها الى أحد الأحياء المتوسطة .. صعدت الدرجات العالية وأطرقت باب بيت “إيمان” فتح لها

شاب فى أواخر العقد الثانى يتميز بلحية خفيفة بمجرد أن رآها أخفض بصره .. فقالت بحرج :

– “إيمان” موجودة ؟

قال بأدب دون أن ينظر اليها :

– لحظة واحدة

دخل الشاب وتوجه الى “إيمان” الواقفة فى الشرفة بإسدالها وقال لها :

– صحبتك بره يا “إيمان”

التفت “إيمان” وهتفت قائله :

– هى جت .. ايه ده مخدتش بالى منها وهى طالعه

ابتسمت “إيمان” فى وجه “سمر” وعانقتها وأدخلتها الى غرفتها وأغلقت الباب خلفهما .. قالت “إيمان” وهى تخلع اسدالها :

– كنت واقفة مستنياكى مخدتش بالى منك وانتى داخله العمارة

قالت “سمر” بمتسمه :

– اللى واخد عقلك

قالت “إيمان” مازحة :

– كنت بفكر فى حلة المحشى اللى ماما بتسويها على النار

ضحكت “سمر” قائله :

– محشى بالليل كده

قالت “إيمان” ساخرة :

– بعيد عنك احنا عيلة مفترية بتحب تتعشى محشى

انفجرت “سمر” ضاحكة ثم وضعت يدها على فمها وقالت :

– حرام عليكي مضحكينيش كده أخوكى بره هيسمع صوتى

قالت “إيمان” ضاحكة :

– يا ستى خليه يسمع يمكن الضحكة تجيبه على ملا وشه ولا حاجه

سألتها “سمر” وقد توقفت ضحكاتها :

– هو لسه مش لاقى شغل

قالت “إيمان” بحزن :

– لا للأسف .. وحتى الشغل اللى بيتعرض عليه مبيعجبوش

سألت “سمر” بإستغراب :

– ليه بأه مبيعجبوش

قالت “إيمان” :

– كل شغلانه بيطلع فيها حاجات غلط ومبيرضاش يشتغلها .. يعني آخر شغلانه جتله كانت فى بنك ومرتب ومركز وكل حاجة واحد قريبنا هو اللى اتوسطله جامد فيها وجابهاله

قالت “سمر” :

– وبعدين ؟

قالت “إيمان” :

– رفضها عشان فى البنك ده بيتعاملوا بالربا .. قروض بفوايد يعني

هتفت “سمر” بحماس :

– والله برافو عليه .. “على” أخوكى ده راجل محترم

هتفت “إيمان” بخبث :

– آه قوليتيلى

تضرجت وجنتا “سمر” خجلاً وقالت :

– ايه فى ايه ايه المشكلة يعني لما أقول انه محترم .. عادى يعني

قالت “إيمان” بخبث :

– طيب طالما انتى شايفه انها عادى .. نخليها عادى

قالت “سمر” لتغير الموضوع :

– أخبار تكليفك ايه

قالت “إيمان” بضيق :

– متفكرينيش طالع عيني فيه .. امتى بأه أخلص وارتاح

ضحكت “سمر” قائله :

– ربنا يكون فى عون العيانين اللى تحت ايدك

قالت “إيمان” بحنق :

– مش عارفه ايه اللى كان خلانى أدخل طب أسنان .. ملها تجارة ما هى زى الفل .. شوفتى “آيات” و “أسماء” فى التراوة خالص .. مش مطحونين زينا

صمتت قليلاً ثم قالت :

– أصلا تحسيى اننا كلنا على بعضنا كده مجموعة غريبة ومتناقضة

كادت “سمر” أن تتحدث لولا الطرقات التى سمعتها على الباب اعتدلت فى جلستها فقالت لها “إيمان” مطمئنة :

– خليكي زى ما انتى يا بنتى مستحيل يكون “على”

فتحت “إيمان” الباب فدخلت سيدة بسيطة يبدو على وجهها علامات الطيبة والبساطة أقبلت على “سمر” وقبلتها قائلاً :

– ازيك يا “سمر” عامله ايه يا حبيبتى وازاى ماما

قالت “سمر” مبتسمه :

– كويسه الحمد لله يا طنط ازى حضرتك

قالت والدة “إيمان” بسعادة :

– الحمد لله يا حبيتبى كويسه .. انتى منورانا والله

قالت “سمر” :

– ربنا يباركلك يا طنط ده نورك

قالت والدة “إيمان” بحماس :

– خمس دقايق المحشى هيخلص وأجبلكوا تتعشوا سوا انتى و “إيمان”

قالت “سمر” بحرج :

– لا يا طنط متشكره . أنا أصلا شويه وماشيه

هتفت والدة “إيمان” قائله :

– لا والله ما يحصل .. انتى بخيله ولا ايه .. لازم تكلى المحشى بتاع أم “إيمان” ده جرانى كلهم لما بكون عامله محشى يقولولى ريحة المحشى بتاعك غير أى حد يا أم

“إيمان”

ابتسمت “سمر” بحرج قائله :

– أكيد طبعا هيبقى حلو طالما من ايدك .. تسلم ايدك يا طنط

التفتت والدة “إيمان” الى “إيمان” قائله بعتاب :

– مأعده صحبتك من غير حاجة تشربها من ساعتها

قالت “إيمان” بلا مبالاة :

– يا ماما هى حد غريب .. دى “سمر”

قالت أم “إيمان” بغيظ وهى تغادر :

– أصل الذوق مبيتشراش .. هروح أجبلكوا كوبايتين كركديه .. لسه عاملاه الصبح

خرجت والدة “إيمان” و أغلقت الباب خلفها .. التفتت “إيمان” الى “سمر” قائله بسخرية :

– عيلة همها على بطنها مفيش حاجة ورانا إلا الأكل والشرب

انفجرت “سمر” ضاحكة مرة أخرى وهى تضع يدها على فمها لكتم ضحكاتها .

**************************************

فى صباح أحد الأيام تأنقت “آيات” كعادتها فى هذا اليوم من كل اسبوع .. توجهت الى الجامعة لتلتقى بـ “أسماء” أمام باب المدرج .. قالت لها “اسماء” بلؤم :

– ايه القمر ده انتى راحه حفلة ولا محاضرة

ابتسمت “آيات” قائله بلهفه :

– حلوه بجد ؟

قالت “أسماء” مبتسمه :

– زى القمر يا “يويو”

دخلت الفتاتان المدرج واختارتا مكان فى المنتصف .. جلست “آيات” تنظر الى باب المدرج فى انتظار قدومه .. ظهر أمامها فجأة .. فساد الهدوء .. وتعلقت أنظارها به

حتى حياهم تحية الصباح .. ابتسمت “آيات” وهى تتذكر يوم أن التقته منذ ثلاث سنوات عندما أصر السائق على ابقائها معه الى حين حضور والدها وتسديد مبلغ التصليح

.. تذكرت نظراته اليها وقتها .. وابتسامته الرقيقه .. تذكرت كيف كان متضايقاً من معاملة الرجل لها وكيف وقف بجوارها ليحميها منه وليردعه إن تطاول بكلماته عليها

.. شعرت بالأمان وهو واقف بجوارها فى هذا الموقف الذى تعرضت له فى أول شهر لها بالجامعة .. كان مظهرها أبسط وملامحها أرق .. كيف لا وقد كانت تخلو من تلك الأصباغ

الصناعية التى تملأه الآن .. كانت تبدو كغزال برئ ضل طريقه ويلتفت حوله يبحث عمن يخرجه من مأذقه .. عادت من شرودها الى واقعها عندما تعلقت الأنظار بالفتاة التى

دخلت القاعة دون أن تنتظر اذناً من “آدم” .. التفت اليها “آدم” وقال بصارمة :

– انتى يا آنسه .. راحه فين ؟

التفتت الفتاة تنظر اليه فتحركت خصلات شعرها الذهبية فى رقة .. وقالت بهدوء :

– دخله المدرج

نظر اليها “آدم” نظرة طويلة وبدت ابتسامة سخرية على فمه .. بدا وكأنه قد نفذ الى أعماقها واكتشف كنهها .. قال بحزم وتحدى وهو يشير الى باب المدرج :

– اتفضلى اطلعى بره

علت الأصوات وتمايل البعض على أذن جاره هامساً .. سمعت “آيات” الفتاة التى بجوارها تقول للتى خلفها :

– أوبا .. “ساندى” شكلها بأه وحش أوى

قالت الفتاة خلفها :

– أحسن البنت دى مبطيقهاش .. شايفه لبسها عامل ازاى

قالت أخرى بغيظ :

– معاكى حق والله مش عارفه ازاى يدخلوا الأشكال دى الجامعة

صاحت أخرى :

– يخربيتها دى فتحة البادى ولا نفق شبر

تعالت ضحكات الفتيات .. فأعادت “آيات” النظر الى الفتاة تتفحصها .. التفتت “ساندى” وهى تقول لـ “آدم” بتعالى :

– مش من حقك تمنعنى انى أدخل المحاضرة

قال “آدم” وهو يرفع حاجبيه بتحدى :

– مش من حقى ؟

صمت قليلاً ثم نظر اليها ببرود قائلاً :

– طيب حضرتك ممنوعة من دخول محاضرات لحد آخر السنة .. ودرجات حضورك كلها هتتخصم منك

زفرت “ساندى” بضيق وقد احمر وجهها غضباً .. وغادرت المدرج بعصبيه

ابتسمت “آيات” وقد أسعدها ما فعله “آدم” بتلك الفتاة

ابتسم “آدم” فى نفسه .. فهو يعلم جيداً من هى “ساندى” .. ومن يكون والدها .. والأهم .. يعلم جيداً ماذا يريـــد منهـــا .

الفصل الثالث

دخل “آدم” منزله لتستقبله والدته قائله بعتاب :

– اتأخرت ليه يا “آدم”

زفر “آدم” بضيق وقال وهو يغلق الباب :

– كنت مع واحد صحبى

سار متوجهاً الى غرفته فأقبلت أمه خلفه قائله بغضب :

– وصاحبك هو اللى بتسهر عنده لنص الليل وساعات بتبات كمان .. وسايب عنده هدومك وبدلك ؟

التفت “آدم” صائحاً بغضب :

– انتى عايزه منى ايه ؟

قالت أمه والدموع فى عينيها :

– عايزاك ترجع “آدم” بتاع زمان

صاح وهو يغلق الباب فى وجهها :

– خلاص مات .. “آدم” بتاع زمان مات

تساقطت العبرات على وجهها وتوجهت الى غرفتها وفرشت سجادة الصلاة ووقفت بين يدي الله تبكى حال ابنها وتدعو له بالهداية

**************************************

توجه “آدم” الى فراشه وهو يشعر بالغضب .. بالغضب من نفسه وعلى نفسه .. بالغضب من كل شئ .. ظل جالساً يفكر بشرود .. ثم قام وتوجه الى حاسوبه .. اتسعت عيناه دهشة

ولاحت ابتسامه على شفتيه عندما رآى البريد الإلكترونى الذى وصله .. فتحه بلهفة .. وقرأ ما جاء فيها :

– بسم الله تحية طيبة وبعد .. مؤهلاتك الدراسية ممتازة .. لكن ليست لديك الا خبرة أكاديمية فقط وتفتقر الى الخبرة العملية .. نعتذر عن قبول طلبك بالإنضمام الى

شركتنا

أغلق “آدم” الحاسوب بعصبية وعلامات الغضب والضيق مرسومة على وجهه .. أخرج سيجاراً وأشعله وظل ينفث دخانه بعصبيه شديده .. طرقت أمه الباب ففتح لها وهو يخفى السيجارة

خلف ظهره .. رأت أمه الدخان المتصاعد بجواره فنظرت اليه ببرود قائله :

– لو مش خايف على نفسك على الأقل خاف عليا

أطرق “آدم” برأسه ودخل يطفئ السيجارة .. دخلت أمه خلفه وهى تقول :

– لحد امتى يا “آدم” .. لحد امتى هتفضل مش راضى عن حياتك كده

قال “آدم” بحده :

– ماما لو سمحتى اقفلى على الموضوع ده

قالت أمه بحزن :

– ليه يا ابنى متستعوضش ربنا .. وتخلى اللى حصل ده يبأه دافع ليك انك تكون أحسن .. مش انك تبقى كده

نظر اليها “آدم” ببرود وهو يقول :

– ومالى كده .. دكتور فى الجامعة وزى الفل ومليون واحدة بتتمنانى

قالت أمه بحزن :

– حياتك كلها على بعضها غلط يا “آدم” .. أنا قلبي حاسس انك بتعمل حاجات كتير غلط .. الغلط بيجر غلط يا ابنى .. خليك مع ربنا ومتغضبوش

قال “آدم” بتهكم :

– يا ماما انتى طيبة زيادة عن اللزوم .. مفيش حد مبيغلطش دلوقتى .. كل الناس بتغلط .. وكل الناس بتبص للى فى ايد غيرها .. وكل واحد بأه مستنى التانى يقع عشان

ينهش فيه .. ولو مبقيتيش زيهم مش هتعرفى تعيشي وسطهم

ترقرقت العبرات فى عيني أمه وهى تقول :

– زى ما فى الوحش فى الحلو يا “آدم” .. ليه تاخد الوحش مثال ليك وتمشى وراه .. ليه متبصش للحلو يا ابنى وتعمل زيه

قال “آدم” بتهكم :

– عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الناس تدوس عليا .. عايزانى أبقى طيب وأهبل عشان الكل يبأه فوق وأفضل أنا تحت رجليهم .. لا يا ماما .. أنا هبقى زيهم وأحسن منهم

كلهم .. واللى ضاع منى هعوضه تانى .. وهنتقم من كل اللى ظلمنى

قالت أمه بحزم وهى ترمقه بنظرات ذات معنى :

– كويس انك عارف ان الظلم وحش وبيوجع .. وان المظلوم مبيتمناش حاجة فى الدنيا غير انه ينتقم من اللى ظلمه

قالت ذلك ثم غادر الغرفة وتركت “آدم” حائراً مضطرباً حانقاً

****************************************

فى صبيحة أحد الأيام خرجت “آيات” من الفيلا بسيارتها الفارهه ..سارت بها فى شوارع القاهرة .. توجهت الى مكان كتب عليه “جمعية رسالة الخيرية” توجهت الى الداخل

وتوجهت الى مكتب احدى الفتيات التى هبت واقفة وقالت بسعادة :

– يا أهلا وسهلاً “آيات” شخصياً عندنا

قبلتها “آيات” قائله :

– وحشانى أخبارك ايه

قالت الفتاة :

– بخير الحمد لله .. اتأخرتى يعني مش عادتك

قالت “آيات” وهى تخرج سى دى من حقيبتها :

– معلش بس انشغلت شوية اليومين اللى فاتوا

قالت الفتاة مبتسمه وهى تأخذ منها السى دى :

– ولا يهمك يا قمر .. تسلم ايدك

قالت “آيات” وهى تهم بالمغادرة :

– يلا أشوفك بعدين

قالت الفتاة بإستنكار :

– على طول كدة تعالى اشربي حاجة الأول

قالت “آيات” :

– معلش عشان مستعجلة المرة دى

ابتسمت الفتاة قائله :

– خلاص برحتك .. ربنا يجازيكي خير يا “آيات” ويجعله فى ميزان حسناتك

ابتسمت لها “آيات” ولوحت لها مودعة .. خرجت “آيات” من المبنى الذى تزوره كثيراً منذ أن التحقت بالجامعة .. حيث تعرفت فيها على احدى الفتيات المتطوعات بتلك الجمعية

.. شجعت الفتاة “آيات” على التطوع فى قسم كتابة الكتب للمكفوفين .. فتشارك “آيات” فى كتابة الكتب الثقافية والعلمية والدينية على الكمبيوتر ويتم تحويلها بعد

ذلك الى طريقة “برايل” لتمكين المكفوفين من قرائتها والإستفادة منها .. كانت “آيات” تشعر بسعادة بالغة وهى تقدم تلك المساعدة لأولئك الذى حُرموا نعمة البصر

.. كانت تجد سعادتها فى الشعور بأنها تقدم على عمل مفيد تُنفع به غيرها .. وتستغل وقت فراغها فى هذا العمل المفيد .. ركبت “آيات” سيارتها وانطلقت فى طريقها

*****************************************

– فاكر يا “زياد” لما كنا بنلعب كورة مع بعض هنا تحت البيت

قال “آدم” هذه العبارة وهو واقف مع “زياد” فى شرفة بيت هذا الأول .. نظر “زياد” الى الأسفل يراقب الأطفال الذين يجرون خلف الكرة والابتسامه على شفتيه قائلاً

:

– أيوة طبعاً فاكر .. كانت أيام حلوة أوى

قال “آدم” وهى ينظر الى الأفق :

– كانت أيام بريئة أوى

التفت “زياد” لينظر الى “آدم” .. يراقب تعبيرات الوجوم على وجهه .. فقال :

– مش عجبنى حالك يا “آدم”

قال “آدم” بتهكم دون أن ينظر اليه :

– ولا أنا عجبنى حالى

قال “زياد” بحنق :

– طيب ليه متغيرش حالك ده .. ليه سايب نفسك لليأس كده .. ليه متحاولش تقوم وتقف على رجليك من تانى

قال “آدم” بصرامة وهو يزم شفتيه بقوة :

– لما أرجع حقى الأول

قال “زياد” بقلق :

– وهترجعه ازاى يعني ؟

قال “آدم” بقسوة وهو ينظر الى “زياد” :

– عشان تحارب التعالب لازم تبقى تعلب زيهم

ثم قال بقسوة شديدة :

– وساعتها يا ويله اللى يقع فى ايدى هاكله بسنانى

قال “زياد” وهو يزفر بضيق :

– شكل كده مفيش فايده من الكلام معاك .. اللى فى دماغك فى دماغك

قال “آدم” وهو يحاول تناسى الأمر :

– انت راجع شرم امتى ؟

قال “زياد” :

– كمان اسبوع

أومأ “آدم” برأسه وعاد ينظر الى الأفق وزرقة عيناه تختلط بزرقة السماء .. أخذ يتذكر كم وقف فى تلك الشرفة يتطلع الى قرص الشمس الذهبي ويرسم بخياله أحلاماً كبيرة

.. أكبر من واقعه .. هكذا هو دائماً .. يحب الشئ صعب المنال .. يعشق المستحيل .. متيم بالتحدى .. رغم بساطة عيشه والظروف التى تربى بها .. إلا أن أحلامه فاقت

واقعه .. فصعد السلم خطوة بخطوة بعزيمة وصبر وإصرار .. حتى وصل .. وصل الى قمة النجاح .. وصل الى ما أراد .. وصل الى ما كان يراه مستحيلاً .. أمسك بيده ما كان

يراه صعب المنال .. فشعر بالزهو .. والفخر .. والسعادة .. لكن أحلامه تحطمت على صخرة الجشع وتهاوت أشلائها فى بئر الخيانه .. عندها بدأ يتعلم .. أن الحياة مثلما

تعطى تأخذ .. ومثلما ترسم البسمة ترسم الدمعة .. لكنه لم يتقبل ذلك .. لم يتقبل الخسارة .. لم يتقبل المكتوب .. أراد أن يحارب القدر .. وأن يثور عليه .. وأن

ينزع رداء الرضا .. ويرتدى حلة الإنتقام .. لكنه لا يعلم أن الإنتقام سيف ذو حدين .. حتى وان انتصرت به وقتلت خصمك .. فستنظر الى يدك فى النهاية لتجد النصل

الآخر مزق يدك بحدته .. وسالت منه دمائك .. لم يعلم .. لكنه سيعلم .. لكن السؤال الآن .. هل سيفيد وقتها الندم ؟!

***************************************

ها هو عريس آخر يطرق باب بيتها .. عريس آخر ورؤية أخرى ومقابلة ستزيد من عمق جُرحها ان تُُوجت كسالفاتها بالرفض .. ليس منها .. بل منه .. دائماً لا تأخذ فرصتها

فى الرفض .. فقبل أم تُعلنها .. يُعلنها العريس .. وتضم الى باقة جراحها جرحاً آخر .. يطعن كرامتها .. ويجرح أنوثتها .. ويزلزل ثقتها بنفسها .. فتلجأ الى دوائها

الذى يريحها دائماً .. ويزيل ما بها من توتر .. الطعــام .. الذى قاله عنه نبينا صلى الله عليه وسلم : “ما ملأ ابن آدم وعاءً شراً من بطنه” .. لكنها لم تهتم

.. فكل ما يهم .. هو أن تأكل وتأكل .. لتفرغ ما بها من شحنات مكبوته وصرخات مكتومة .. تلجأ الى الطعام كما يلجأ المدمن الى المخدر .. يعلم أنه يضره .. ويؤذيه

.. لكنه لا يستطيع مقاومته .. فهو البئر الذى يلقى فيه آلامه وأحزانه .. رغم أنه يعلم جيداً .. أنه حل مؤقت .. ويجب عليه آجلاً أم عاجلاً أن يواجه واقعه ..

الذى يهرب منه الى مخدره

قالت “ايمان” لأمها بتوتر :

– ماما أنا خايفة

قالت أمها بحماس :

– متخفيش يا بت .. ان شاء الله هتعجبيه وهيكون من نصيبك

ثم قالت :

– ده بسم الله ما شاء الله عليه دكتور وعنده عيادة الله أكبر .. وأخوكى “على” بيشكر فيه أوى

ثم ترقرقت العبرات فى عينيها وقالت بطيبة الأمهات :

– نفسى أوى أفرح بيكي يا “إيمان” يا بنتى .. ده منى عيني من الدنيا دى أشوفك فى بيتك انتى و “على” أخوكى

طرق “على” الباب ففتحت أمه فدخل ينظر الى “إيمان” قائلاً :

– يلا يا “إيمان” .. العريس بره

شعرت “إيمان” بتوتر بالغ وتضرجت وجنتاها بحمرة انتشرت فى وجهها كله حتى صار كحبة الطماطم .. قال “على” وهو يتفرس فيها :

– ايمان انتى حطه حاجة على وشك

قالت بسرعة :

– لا والله يا “على”

ابتسم قائلاً :

– طيب يلا

خرجت “إيمان” وقدميها تصطكان ببعضهما البعض .. جلست على أقرب مقعد وهى لا تجرؤ على رفع وجهها .. كان العريس بمفرده .. جلست معه ومع والدها وأخوها “على” قرابة

النصف ساعة .. لم تتحدث خلالها أى كلمة وهو لم يوجه أى حديث لها .. استأذن وطلب الإنصراف .. شعرت “إيمان” فى داخلها بالحنق والحيرة .. لماذا لم يوجه اليها أى

حديث .. لماذا رحل سريعاً .. بالتأكيد لم تعجبه .. ظلت تلك الأسئلة تدور برأسها .. سمعت والدها وهو يخبره بأن كلا الطرفين سينتظر رداً من الآخر يعد يومين ..

دخلت غرفتها وأغلقت الباب وارتمت على فراشها تبكى قهراً .. كانت تشعر فى قرارة نفسها بأنها لم تعجبه .. وسينضم اسمه الى قائمة من رفضوها

********************************************

دخلت “سمر” المطبخ لتسخن الطعام لنفسها .. أحضرت طبقها وجلست أمام التلفاز .. عادت أمها من الخارج قائله :

– السلام عليكم

التفتت “سمر” وردت السلام .. فقالت أمها وهى تلقى بنفسها على المقعد متهالكة :

– كان عندنا شغل كتير أوى النهاردة

قامت “سمر” وتركت طبقها على الطاولة وقالت بحنان :

– هقوم أسخنلك الأكل

ابتسمت أمها بوهن قائله :

– تسلمي يا حبيبتى

دخلت “سمر” المطبخ تسخن الطعام لوالدتها .. شردت وهى تتذكر لقطات من الماضى .. لقطات كانت تشعر فيها بالأمان وبالسعادة .. لقظات لرجل ذهب ولن يعود يوماً ..

ليس لأنه رحل عن الدنيا وفارق الحياة .. بل لأنه ببساطة .. لا يريد العودة .. لا يريد تحمل المسؤلية .. لا يريد أن يكون زوجاً .. لا يريد أن يكون أباً .. وعلى

الرغم من ذلك لا تستطيع أن تكرهه .. حاولت ان تكرهه وأن تنساه وأن تمحيه تماماً من ذاكرتها .. لكن ذكراه أبت إلا أن تظهر أمام عينيها دائماً .. لتذكرها بتخليه

عنها وعن أمها .. لتذكرها بأنها فقدت درعها الحامى .. لتذكرها بأنها عاشت طوال عمرها محرومه من أب نسى معنى الأبوة .. خرجت من شرودها لتنظر الى الطعام الذى

يغلى .. أحضرت لأمها طبقها وناولتها اياه .. ابتسمت أمها بوهن قائله :

– رجعتى امتى النهاردة من المستشفى ؟

قالت “سمر” بلا مبالاة وهى تمد يدها لتأخذ طبقها الموضوع على الطاولة :

– زى كل يوم

قالت أمها وهى تبدأ فى تناول طعامها :

– مفيش جديد

هزت “سمر” رأيها نفياً وقالت بهدوء :

– لا .. مفيش جديد

****************************************

تعالت أصوات أبواها بالشجار كما هي عادتهما .. وكعادتها هربت الى غرفتها وأغلقتها عليها وجلست على فراشها .. أحضرت “أسماء” هاتفها بسرعة وأدخلت سماعاته فى أذنها

واختارت احدى أغنياتها المفضلة ورفعت صوتها الى أعلى درجة واستلقت على فراشها تستمع اليها وهى مغمضة العينين ..

شردت بخيالها وهى تحاول التذكر متى بدأت تلك الشجارات التى تتكرر ولا تنتهى أبداً .. لم تستطع أن تتذكر متى بدأت تلك الشجارات .. لكنها تتذكر أمراً واحداً ..

وهو أنها لم ترى أبويها على وفاق إلا فيما ندر .. على الرغم من المستوى الإجتماعى الراقى لأبويها .. ومستوى المعيشة الذى تعيش فيه وتتنماه الكثيرات .. إلا أنها

كانت تشعر بالغيرة .. بل والحسد .. من الفتيات اللاتى يعشن بين أبوين يعرف كل منهما كيف يحترم الآخر .. ربما لهذا توطدت صداقتها بـ “آيات” واستمرت لأعوام على

عكس علاقاتها السابقة والتى كانت تنتهى بسهولة بعدما تستشعر “أسماء” الشعور بالنقص الذى تشعر به فى تلك النقطة .. أما “آيات” فوالدتها متوفية .. ووالدها يعيش

وحيداً معها .. فلم تشعر معها بمدى نقصها .. لأن “آيات” تعانى نقصاً هى الأخرى .. انتهت الاغنية لتعلم بأن الشجار مازال قائماً ولم ينتهى .. أعادت تشغيلها مرة

أخرى .. وهى تغمض عينيها فى ألم

***************************************

جلست “ساندى” أمام والدها على المكتب قائله بعصبية :

– لازم تشوفلك حل معاه يا بابا .. أحرجنى أدام الدفعة كلها وكمان قالى متحضريش محاضراتى طول السنة وخصم درجات الحضور

ثم قالت بضيق شديد :

– فى داهية درجات الحضور المهم عندى شكلى أدام الدفعة .. لازم يردلى اعتبارى ويسمحلى أحضر محاضراته

ثم هتفت بغضب :

– لازم يا بابا تتكلم معاه وتخليه يرجع عن قراره ده .. عايزه من المحاضرة الجاية أدخل أدام الدفعة كلها وأعد وأنا حطه رجل على رجل

قام والدها والتف حول المكتب ووربت على وجنتها قائلاً :

– متقلقيش يا “ساندى” .. أنا هروحله بكره الجامعة وأحل المشكلة دى

ابتسمت “ساندى” فى فرح قائله :

– ميرسي يا بابا

ابتسم لها قائلاً :

– شيليى الموضوع من دماغك خالص ومتشيليش هم .. وفكرى بس فى حفلة عيد ميلادك

قالت “ساندى” فى مرح :

– أوكى

خرجت “ساندى” من شركة والدها وهى تقول لنفسها فى تحدى :

– اما أشوف أنا ولا انت يا دكتور “آدم”

**************************************

سمع “آدم” طرقات على باب مكتبه بالكلية فأذن بالدخول .. دخل “شكرى” والد “ساندى” وقدم نفسه الى “آدم” الذى تظاهر بأنه لم يسمع اسمه من قبل .. فذكره قائلاً :

– أنا والد “ساندى”

قال “آدم” وهو يتظاهر بالحيرة :

– “ساندى” !

قال “شكرى” :

– أيوة .. البنت اللى حضرتك طردتها من المدرج فى محاضرتك اللى فاتت

قال “آدم” بخبث :

– أيوة أيوة افتكرت .. اتفضل

جلس “شكرى” أمام “آدم” الذى طلب له فنجاناً من القهوة .. تنحنح “شكرى” قائلاً وهو يضع ساقاً فوق ساق :

– بنتى “ساندى” مكنتش تقصد الكلمه اللى قالتها .. طبعاً حضرتك يا دكتور تقدر تمنعها من حضور محاضراتك زى ما انت عايز

قال “آدم” وهو يستند الى ظهر المقعد ويضع ساقاً فوق ساق :

– أيوة وده اللى عملته فعلاً

تنحنح “شكرى” مرة أخرى وقد بدا عليه ثقل المهمة الملقاه على عتقه .. فلم يعتد أن يطلب من أحد أى شئ .. فهو معتاد فقط على القاء الأوامر .. قال بنبره فيها شئ

من التعالى :

– ياريت يا دكتور تسمحلها ترجع تانى تحضر محاضراتك .. لان اللى حصل ده خلى شكلها وحش أدام زمايلها

تظاهر “آدم” بأنه يفكر فى الطلب .. ثم قال بلهجة متعاليه :

– مفيش مشكلة .. بس تعتذرلى عن اسلوبها معايا .. وساعتها هوافق انها ترجع تحضر محاضراتى

ابتسم “شكرى” وقال :

– مفيش مشكلة .. وحضرتك معزوم على عيد ميلاد “ساندى” آخر الإسبوع .. ومنتظرين حضورك ان شاء الله

ابتسم “آدم” قائلاً :

– ده شرف ليا يا فندم

أخرج “شكرى” كارت من جيبه وأعطاه الى “آدم” قائلاً :

– ده الكارت بتاعى

أخذه منه “آدم” بترفع وألقى عليه نظرة ساريعة ثم وضعه فوق المكتب بلامبالاة .. قام “شكرى” قائلاً :

– بعد اذنك يا دكتور

ابتسم “آدم” قائلً :

– اتفضل

خرج “شكرى” فأمسك “آدم” بالكارت مرة أخرى وأخذ يحركه فى الهوا قائلاً وعيناه تشعان خبثاً :

– أهو هو ده الكارت اللى أقدر ألعب بيه على حق

*************************************

وضعت “آيات” حاسوبها فوق قدميها وأخذت تنظر باسمة الى صورة “أدم” التى أخذتها من حسابه على الفيس بوك .. وحفظتها عندها .. تذكرت مرة أخرى يوم أن ساعدها وهدأ

من روعها .. كان رجلاً وسيماً .. لكن اهتمامها بكلمة رجــل يفوق اهتمامها بكلمة وسيمــاً .. لطالما كنت “آيات” تحلم بمواصفات معينة فى فارس أحلامها .. تمنت

أن يكون سنداً لها .. وأن يحتويها وتشعر معه بأنه رجلها وحاميها .. كانت شخصية الرجل المثالى التى تحلم بها متأثرة بشخصية والدها .. دائماً كانت ترى والدها

رجلاً مميزاً .. وعلى الرغم من تضايقها من بعض تحكماته إلا أنها تعى أنه يفعل ذلك من أجل صالحها .. وأنا تمثل أهم ما فى حياته .. افتقدت “آيات” حنان وحضن أمها

منذ الصغر .. فكان والدها كل شئ بالنسبة لها .. وحاول أن يكون كل ما افتقدته فى حياتها .. كذلك تتمنى أن يكون فارسهـــا .. ليس حبيبــاً فقط .. بل فارســـاً

.. يتمتع برجولة وشهامة الفرسان .. وكانت تشعر أن كل هذه الصفات .. موجودة فى “أدم” .. فكانت تمضى الساعات فى مطالعة صورته تحفر كل تفاصيلها فى أعماق ذاكرتها

.. تشرد بخيالها الى مكان بعيد .. مساحة شاسعة من الخضرة التى تتراقص مع نسمات الرياح .. والسماء بلونها الأزرق .. لون عيناه .. وقرص الشمس الذهبي الذى يبتسم

لها ويبث فيها السعادة والأمل .. والنسمات الرقيقة تداعب خصلات شعرها الأسود وتتغزل فى ملامح وجهها .. وفستانها الأبيض الذى تتطاير طياته حولها .. ومن بعيد

يأتى فارسها على حصان أصيل كمن يمتطيه .. يقبل عليها بعزم واصرار ليقف أمامها يداعب صفحة وجهها بنظراته الشغوفه .. يمد يده اليها والابتسامه تعلو شفتيه .. تتلمس

الطريق الى كفه وعيناها لا تفارق عينيه .. تمتطى الجواد خلفه ليطير به وقد لفت ذراعيها حوله وهى تغمض عيناها لتنعم بدفء قربه .. كان يراودها هذا الحلم وهذه

التخيلات كثيراً لكن كانت اللوحة ينقصها وجه الفــارس .. وها هى تنظر الى هذا الوجه الآن .. ابتسمت وهى تنظر الى صورة “آدم” وتقصها بعينيها لتضعها داخل حلمهـــا

*************************************

كانت “ساندى” تعلم أن حضور “آدم” لعيد ميلادها رداً كبيراً لكرامتها التى أهدرها أمام زملائها .. ابتسمت بسعادة وهى تتوقع دهشة صديقاتها فى عيد الميلاد عندما

تقع عيناهم على “آدم” .. خططت لهذا اليوم جيداً لتبدو فيه كملكة متوجة تسير بين رعاياها

توجه “آدم” ببدلته الأنيقة وسيارته الفارهه الى هذا البرج السكنى لحضور عيد ميلاد “ساندى” .. كان “آدم” يعى جيداً كل خطوة يخطوها .. ويكيل تصرفاته بمكيال المصالح

.. ويعلم أن “ساندى” هى التى ستوصله الى مبتغاه .. ستكون أداته التى تعينه على تحقيق مراده .. لكن عليه اللعب بحذر .. حتى لا يخسر اللعبة قبل أن تبدأ !

دخل المنزل بعدما فتحت الخادمة .. بيت أنيق عصري يتميز بالفخامة والرقى .. أخذ يجول بنظره بين الحضور .. حتى وقع نظره على “ساندى” بشعرها الذهبي الذى أخذ يتمايل

فوق ظهرها العاري .. ووجهها الذى تعلوه الزينه .. وتاج صغير يزين رأسها .. وفستانها الأسود القصير ..نظر الى عيون الرجال المعلقة بها.. نظر اليهم فى سخرية ..

ود لو صرخ بهم .. لماذا تحملقون فيها هكذا .. فما هى إلا فتاة كغيرها من بنات جنسها .. فتاة مصطنعة تتوارى خلف الأظافر الصناعية والرموش الصناعية والعدسات الصناعية

وحمرة الوجه الصناعية وصبغة الشعر الصناعية فما هى إلا امرأة اتخذت من كل ما صنعه البشر للزينه وسيلة لتبدو كملكة .. لكن هيهات .. فليست تلك ملكة من الملكات

.. الملكة تخطف القلوب بنقائها والعيون بصفائها .. أما تلك فهى تشعرك بأنك واقف أمام مانيكان للعرض فقط .. وأحيانا يكون قابلاً للمس !!

التفتت “ساندى” لتقع عيناها على “آدم” الواقف ينظر اليها .. أخفى سريعاً نظراته المتهكمة وابتسامته الساخرة ووقف مكانه .. ينظر اليها بعمق .. بادلته نظراته

.. وابتسمت .. وكمان توقع .. اقتربت !

أقبلت تتهادى فى خطواتها وحيته وهى تمد يدها قائله :

– أهلاً وسهلاً دكتور “آدم”

استقبل كفها فى كفه وقال بهدوء :

– أهلا بيكي

ثم قال :

– كل سنة وانتى طيبة

ابتسمت فى سعادة وهى تقول :

– وانت طيب يا دكتور

أخرج “آدم” من جيبه علبة أنيقة وقدمها لها وأنظاره مركزة عليها يرقب تعابير وجهها .. اتسعت عيناها دهشة ثم رفعت حاجبها فى عدم تصديق وابتسامتها تتسع شيئاً فشيئاً

تناولت منه العلبة الأنيقة لتجد سلسلة ذهبية تحمل حرفاً ذهبياً .. أول حرف من اسمها .. نظرت اليه بسعادة قائله :

– كلك ذوق يا دكتور

رسم “آدم” ابتسامة ساحرة على شفتيه يعلم تأثيرها جيداً .. وقال بصوته الرخيم :

– أتمنى انها تكون عجبتك

ابتسمت قائله وهى تنظر اليه بسعادة بالغة :

– أكيد عجبتنى

ثم أشارت بيدها قائلاً :

– اتفضل

جلست بجواره وأشارت للنادل ليقدم له مشروباً .. حركت وجهها برقه لتزيل الخصلات الذهبية التى تجمعت أمام عينها .. كانت تعى جيداً نظرات مثيلاتها المركزة عليها

.. ومشاعر الغيرة التى تقطعهن .. رأت احداهن تميل على أذن الأخرى هامسه .. فإرتسمت ابتسامة رضا على شفتيها .. فلطالما أحبت أن يتهامس الناس حولها .. ونظرات

الغيرة تشع من عيونهم .. كان “آدم” مدرك ما تشعر به تماماً .. فهو خبير فى نفوس “ساندى” ومثيلاتها .. يعلم أنهن لا يثيرهن سوى المظهر الجذاب .. والإسم الرنان

.. أعطاها ما تريد .. ليأخذ فيما بعد ما يريد

*************************************

أقبلت “أسماء” على “آيات” التى تجلس على احدى الطاولات فى الكافيتيريا شاردة ساهمة .. حركت “أسماء” كفها أمام وجه “آيات” قائله :

– ايه .. اللى واخد عقلك

ابتسمت “آيات” ابتسامة واهنة وهى تقول :

– كنت مستنياكى

قالت “أسماء”ضاحكة :

– ما هو واضح

ثم قالت :

– شوفت “أحمد” وأنا جايه وسألنى عليكي

قالت “آيات” ببرود :

– طيب

قالت “أسماء” بتردد :

– وكلمنى عنك

قالت لها “آيات” بدهشة :

– يعني ايه كلمك عنى؟ .. قالك ايه يعني ؟

قالت “أسماء” وهى تنظر اليها :

– قالى انه بيحبك يا “آيات”

نظرت اليها “آيات” بدهشة .. للحظات أُلجم لسانها وتجمدت ملامحها .. قبل أن تظهر فيما بعض شرارة فى عينيها وهى تقول :

– هو مش هيبطل بأه .. ميت مرة أقوله مفيش حاجة بينى وبينه .. وانه صديق مش أكتر

قالت “أسماء” وهى تحرك كتفيها بلامبالاة :

– أنا قولت أقولك عشان تبقى عارفه

صمتت “آيات” قليلاً وقد بدا عليها الضيق .. ثم قالت :

– وقولتيله ايه ؟

قالت “أسماء” :

– قولته هقولك .. قالى منتظر منك الرد

قالت “آيات” بحده :

– قوليله يبطل شغل المراهقين ده وميتعبش نفسه على الفاضى

قالت “أسماء” :

– خلاص يا “آيات” متضايقيش نفسك

قالت “أسماء” فجأة وهى تتطلع الى نقطة ما خلف “آيات” :

– “أحمد” جاى نحيتنا

زفرت “آيات” بضيق .. قال “أحمد” مبتسماً :

– صباح الخير يا بنات

قالت “آيات” ببرود :

-صباح النور يا “أحمد”

لمس “أحمد” البرود فى صوتها واستشعره نظر الى “أسماء” فعلم أن هذا البرود ماهو الا رد على مشاعره تجاهها .. أطرق برأسه قليلاً صامتاً ثم قال موجهاً حديثه الى

“آيات” كمحاولة جديدة منه للتقارب معها :

– هتطلعى الرحلة ؟

قالت بإستغراب :

– رحلة ايه ؟

قال “أحمد” :

– رحلة للعين السخنة لمدة 3 أيام

قالت “آيات” :

– لا مش هينفع بابا مش بيسمحلى أطلع رحلة فيها بيات

قال “آحمد” بأسف :

– يا خسارة

قالت “أسماء” بمرح :

– أنا بأه معنديش مشكلة أبداً

ثم التفتت الى “أحمد” قائله :

– هى امتى يا “أحمد” ؟

قال “أحمد” :

– آخر الاسبوع

قالت “أسماء” بمرح :

– كده فل أوى هطلع رحلة العين السخنة وبعدها أطلع رحلة شرم

قالت “آيات” بغيظ :

– بتغيظينى يعني ؟

قالت “أسماء” بمرح وهى تخرج لسانها :

-أيوة بغظيك

قال “أحمد” وهو يقف ليغادر :

– عامة فكرى يا “آيات” واعرضى الموضوع على والدك .. وخليه يطمن فى دكاترة طلعين معانا الرحلة

نظرت “آيات” الى هاتفها تلعب به وتجاهلت ما قال .. قالت “أسماء” بإهتمام :

– مين الكاترة اللى طلعين الرحلة يا “أحمد” ؟

قال “أحمد” وهو يغادر :

– دكتور “آدم” .. ودكتوره مش فاكر اسمها

تجمدت “آيات” فى مكانها .. غادر “أحمد” فأخذت “أسماء” تنظر حولها .. غير مدركة الى الصراع الذى يعتمل فى صدر “آيات” وفجأة لمعت عيناها ونهضت قائله بلهفه :

– يلا يا “أسماء”

نظرت اليها “اسماء” بدهشة وهى تلحق بها قائله :

– يلا فين .. رايحه فين يا “آيات” .. ردى عليا

جذبتها “آيات” من ذراعها وتوجهت الى المسؤل عن الرحلات بالكلية وطلبت منه تسجيل اسمها واسم “أسماء” فى رحلة العين الساخنة .. نظرت “أسماء” الى ما تفعله صديقتها

بدهشة دشديدة .. تم تسجيل الأسماء وغادرت الفتاتان وسارتا معاً الى أن جذبتها “أسماء” من ذراعها لتوقفها قائله :

– انتى اتجننتى يا “آيات” .. ازاى هتطلعى الرحلة باباكى مستحيل يوافق ؟

صمتت “آيات” وهى تنظر الى صديقتها وبدا وكأنه تشعر بتردد كبير.. فهتفت “أسماء” :

– “آيات” ردى عليا

قالت “آيات” بشى من الخجل :

– بابا مش هيعرف انى هطلع الرحلة دى

قالت “أسماء” بدهشة :

– ازاى يعني مش هيعرف ؟

قالت “آيات” بعزم وإصرار :

– هقوله انى بايته عندك عشان نذاكر للإمتحانات .

عرض التعليقات (18)