جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء السادس

14 4٬327
 

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء السادس

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء السادس

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء السادس

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء السادس , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل الثاني عشر

نصلي على حبيبنا المصطفى صلى الله عليه وسلم .

انتظر “آدم” فى توتر الى أن سمحت به سكرتيرة “شكرى” والد “ساندى” بالدخول .. دخل مكتبه بثقه وتبادلا عبارات السلام والمجاملة .. ثم قال “شكرى” بإعجاب شديد :

– الحقيقة المشروع الى “ساندى” ورتنى الملف بتاعه مشروع هايل جداً .. وكمان المنطقة نفسها شوفت الصور والسى دى اللى كانوا مع الملف .. وبصراحة المنطقة تحفة

قال “آدم” بحماس :

– وعلى الواقع شئ تانى .. مكان بجد خيال

صمت “شكرى” قليلاً ثم قال :

– بس فى نقطة مخوفانى شوية يا دكتور ………

قال “آدم” وقد ضاقت عيناه :

– نقطة ايه ؟

قال “شكرى” بجدية :

– المنافسة القوية اللى هنواجهها هناك

ابتسم “آدم” بثقه وهو يقول :

– وهو ده بالظبط اللى أنا عايزه

قال “شكرى” بإستغراب :

– ازاى يعني ؟

قال “آدم” شارحاً :

– المنطقة اللى اخترتها عشان أنفذ عليها مشروعى هى من أروع مناطق العين السخة .. المنطقة دى على شكل دايرة .. متقسمة من النص ل 3 مثلثات .. كل مثلث بيمثل قرية

سياحية .. يعني المنطقة عبارة عن 3 قرى سياحية على شكل دايره .. بيشتركوا مع بعض فى نقطة واحدة فى النص ودى اسمها “المنطقة الخضراء” وهى مساحة كبيرة للـ 3 قرى

حق الانتفاع بيها

قال شكرى :

– تمام

فأكمل “آدم” بحماس :

– ال 3 قرى ملك لمجموعة شاكات كبيرة مصرية وأجنبيه وبيأجروا القرى التلاته بالكامل للشركات السياحية .. ال 3 قرى دول قرية واحدة بس منهم هى اللى متأجرة حاليا

وهى اللى شغاله والقريتين التانيين غير مؤجرين

قال “شكرى” وهو يفكر بإمعان :

– بس يا دكتور القرية اللى متأجرة دى متأجرة لرجل أعمال كبير أوى وكمان القريه بتاعته ناجحة جداً وعليها اقبال كبير كل موسم

قال “آدم” بتهكم :

– القرية دى ناجحة بدراسة الجدوى بتاعتى وبالأسس اللى حطتها أنا لإدارة القرية السياحية

قال “شكرى” بإستغراب :

– ازاى يعني ؟

قال “آدم” بصرامة :

– أنا كنت داخل شريك فى المشروع ده مع “سراج اليمانى” صاحب القرية اللى شغاله دلوقتى واسمها “قرية الفيروز ” .. بس حصل خلافات بيني وبينه وهو خد دراسة الجدوى

و كل تفاصيل خطتى اللى حطتها عشان ادارة القرية ونفذها بالمللى .. وده سر نجاح قريته

قال “شكرى” بحماس :

– يعني حضرتك يا دكتور تقدر تحط خطه عمل وطريقة فى ادارة القرية تضرب بيها شغل “سراج اليمانى” ؟

ابتسم “آدم” قائلاً :

– بالظبط كده .. لانى عارف كل صغيرة وكبيرة فى “قرية الفيروز” وعارف كويس عيوبها ومميزاتها .. وأقدر أخلى “سراج اليمانى” خلال فترة صغيرة يقفل القرية ويعد فى

بيتهم

ضحك “شكرى” قائلاً :

– ممتاز يا دكتور .. شكلنا هنعمل بيزنس كبير أوى مع بعض .. لانى زيك بعشق روح التحدى وطموحى ملوش حدود

ابتسم “آدم” قائلاً :

– أهم حاجة عندى انى أبدأ تنفيذ فى أقرب وقت

قال “شكرى” :

– اللى فهمته من “ساندى” انك معندكش استعداد حالياً تدخل شريك فى راس المال

قال “آدم” :

– بالظبط كده أنا هدخل شريك بالمجهود مقابل ادارتى للقرية كاملة من الألف للياء

قال “شكرى” مبتسماً :

– اتفقنا يا دكتور وهكلم المحامى يجهز العقود والنسب ولينا أعده تانية مع بعض

ثم قال :

– بس قولى لو كل حاجة مشيت تمام .. انت هيكون عندك استعداد تسافر العين السخنة امتى ؟

قال “آدم” بثقه :

– السنة الدراسية باقى عليها أقل من شهر .. بمجرد ما الإمتحانات تخلص هطلب أجازة من الجامعة وأسافر فوراً

قال “شكرى” ضاحكاًً :

– أحب الناس اللى عندها حماس كبير زيك يا دكتور .. اتفقنا

************************************

خرجت “أسماء” من المصعد فتناهى الى مسامعها صراخ أبويها من داخل البيت .. فتحت الباب بسرعة وتوجهت اليها قائله بحده :

– حرام عليكوا صوتكوا جايب لآخر العمارة فضحتونا أدام الناس

أكمل والدها موجهاً حديثه لوالدتها دون أن يأبى لوجود “أسماء” :

– أصل انتى أصلاً مش ست زى باقيه الستات لو كنتى فاكرة نفسك ست تبقى غلطانه .. هو أنا ايه اللى بيخليني أبص بره ما أنا لو لاقى ست جوه البيت مش هبص بره

صاحت أمها بتهكم :

– ليه بأه ان شاء الله .. أنا ست غصب عنك .. بس الدور والباقى على اللى عامل نفسه راجل وهو تيييييييييت .. أصلا التيييييييييييت ميعرفش الا التيييييييييت اللى

زيه .. عشان كده كل اللى بتعرفهم بنات صيع زيك بالظبط …..

قبل أن تكمل حديثها هوى زوجها على وجهها بصفعة صمت آذان “أسماء” وهى تصيح باكية :

– كفاية بأه حرام عليكوا

صاح والدها فى والدتها :

– أنا هوريكي يا بنت التيييييييييييييييت اذا كنت راجل ولا لأ

أفاقت والدتها من صدمة الصفعة سريعاً ودفعته بيديها قائله :

– امشى اطلع بره بيتي يا تييييييييييييييت

دفعها زوجها بيديه هاتفاً بغضب :

– بيتك مين يا أم بيت ده بيتي أنا .. انتى اللى تطلعى بره مش أنا

صاحت أمها بغضب :

– لأ بيتي أنا مشاركات فيه بفلوسى .. وانت اللى هتطلع منه مش أنا .. ما انت لو كنت راجل كنت عرفت تجبلى شقة بفلوسك لكن طول عمرك فاشل وصايع وبتاع نسوان ولولايا

كان زمانك بتشحت انت وبنتك

هوى زوجها وجهها بصفعه أخرى وقال :

– اظاهر انتى عايزه تتربى .. أنا بأه هسيبك كده زى البيت الوقف لا انتى طايلة جواز ولا طايلة طلاق وابقى وريني هتعملى ايه اما علمتك الأدب وربيتك مبقاش أنا

.. وهتجوز عليكي بدل الواحده تلاته وهجيبهم يعيشوا معاكى هنا وابقى وريني هتعملى ايه .. اعلى ما فى خيلك اركبيه

لم تحتمل “أسماء” المزيد فخرجت من البيت لا ترى أمامها من فرط دموعها المنهمرة على وجهها

***********************************

أنهت “سمر” الكشوفات وظلت جالسه فى مكتبها شاردة تفكر فى كلام والدة “على” .. وجدت فى داخلها مشاعر كثيرة متناقضة .. فرح .. خوف .. لهفة .. رغبة فى الموافقة

والرفض فى نفس الوقت .. لكم تكره هذا الشعور .. الشعور بالعجز والحيرة .. لا تستطيع أن تتحدى خوفها وتقدم على تلك التجربة .. تذكرت كيف مضت عليها وعلى والدتها

الأيام والليالى دون أن يجدوا ما يسدوا به رمقهم .. تذكرت الشعور بالجوع .. ليس جوع جسدى فحسب .. بل جوع عاطفى .. جوع عاطفى لأب يحتوى ويطمئن ويبتسم فى وجهها

فيعطيها الأمل ويخفف من أوجاعها .. أب يمسك بيدها الصغيرة ويقول لها لا تخشى شيئاً يا صغيريتى فأباكى موجود .. أب تراه يحتضن والدتها ويمسح دمعها .. لكنه اختار

الرحيل .. بل الهروب .. وكأنهما حمل ثقيل على عاتقيه .. أخذت تتساءل ترى أين هو الآن .. ماذا يفعل .. أتزوج مرة أخرى ؟ .. بالتأكيد تزوج .. أله أبناء .. ألها

أشقاء وشقيقات .. لماذا لم يعود .. إذا تحسن به الحال لماذا لا يعود .. لماذا حتى لا يخبرهم عن مكانه .. لماذا لا يتصل كل فترة ليطمئن عليهم .. ألهذه الدرجة

نسيهم .. نسى أن له زوجة وابنة .. أخذت تتساءل فى ألم .. ألم يشتاق اليها والى والدتها .. ألم يشتاق الى ابنته الصغيره التى تركها يرقة صغيرة .. ألم يشتاق الى

أن يراها وهى فراشة يافعه .. عادت بتفكيرها الى “على” .. والى رغبته فى الإرتباط بها .. اخذت تتساءل فى نفسها .. أى نوع من الرجال أنت يا “على” ؟ .. أستستطيع

الصمود فى مواجهة مصاعب الحياة أم ستهرب عند أول أزمة ؟ .. الى متى ستستطيع الصمود ؟ .. أستستطيع حقاً أن تواجه الحياة معى .. بحلوها ومرها ؟ .. أم ستترك يدي

فى منتصف الطريق ؟ .. أريد أن أطمئن اليك يا “على” وأن أثق لك .. لكن كيف السبيل الى ذلك ؟!

***********************************

استيقظ “آدم” من النوم فزعاً .. استعاذ بالله من الشيطان الرجيم ونهض يغسل وجهه .. عاد الى غرفته وهو يشعر بأن النوم فارق جفونه .. جلس على فراشه فى ظلام الغرفة

.. وشعور بالضياع يتملكه .. نظر الى فراشه وهو يتذكر “آيات” يوم أن كان مريضاَ .. تذكر خوفها وقلقلها عليه .. تذكر رقتها وحنانها وهى تطعمه فى فمه .. أغمض عينيه

بألم وهو يعترف لنفسه بأنه يشعر بالحنين اليها .. ويتمنى أن تعفو عنه وتسامحه وأن تغمره بحبها وحنانها من جديد .. صرخ قلبه قائلاً .. آه يا “آيات” لو تعلمين

كم احتاج اليكِ الآن .. أحتاج اليك لتطيبي جراحى ولتساعديني على أن أخرج من ذلك المستنقع الذى غمرت نفسى به .. لست خائف على نفسى الآن بقدر خوفى عليكِ .. من

سيطيب جراحك ؟ .. وهل ستطيب يوماً ؟ .. كم أتمنى رؤيتكِ .. والتمتع بإبتسامتك العذبه التى تغمر قلبي بعذوبتها ورقتها وصدقها .. ماذا فعلت بكِ وبنفسى ؟ .. توجه

الى حاسوبه وفتحه .. تأمل صورتها بلهفة وحنين واشتياق .. قرأ رسائلها .. طبع كل حرف فيها داخل ذاكرته .. كيف استطاع أن يفرط فى حباً بتلك القوة .. وفى فتاة

بهذا الصدق والبراءة .. فتاة أعطته قلبها ومشاعرها و اهتمامها ولم تبخل عليه حتى بذهبها .. أعطته كل شئ .. فماذا أعطاها هو ؟ .. لم تثقل عليه بالطلبات طوال

فترة الخطبة .. بل لم تطلب أى شئ أصلاً .. لم تسأل حتى عن مكان سكنهما .. لم تسأل عن مرتبه .. لم تتضايق من مكان سكنه وبيته المتواضع عندما زارته .. لم تعلق

حتى على هذا الأمر وتعاملت بشكل طبيعي .. واندمجت مع والدته وعاملتها بطيبة بلا غرور أو ترفع .. أخذ يفكر بألم .. لن أجد مثلها يوماً .. فتاة لم ترد منى إلا

قلبى .. ولم أرد أنا سوى تحطيم قلبها

**********************************

فوجئ “آدم” بـ “عبد العزيز” يقتحم مكتبه بالجامعة ويلقى أمامه علبة الشبكة ويقول بصرامة :

– اتفضل شبكتك واوعى أشوفك بتقرب من بنتى تانى

لم يترك له فرصة الرد وتوجه “عبد العزيز” الى الخارج وهو يصفق الباب خلفه بقوة .. فتح “آدم” العلبة يتلمس القطع الذهبية التى اختارتها “آيات” بنفسها .. تذكر

فرحتها وسعادتها فى هذا اليوم وهى تنتقى كل قطعة وتجربها .. تذكر ابتسامتها العذبه وهى تقول له ” مبروك علينا احنا الاتنين” .. أغلق العلبة وألقاها فوق المكتب

بلامبالاة .. تنهد فى حسرة وهو يسند رأسه الى قبضتى يده فوق المكتب ..

توجه “عبد العزيز” الى عميد الكلية وقص عليه ما حدث من “آدم” تجاهه وتجاه ابنته .. قال بحده :

– الدكتور اللى زى ده لازم يطرد من الجامعة مينفعش واحد زى ده ويدرس لطلاب وطالبات .. واحد بالأخلاق دى ميصحش انه يدرس فى جامعة محترمة ولا كلية محترمة .. لازم

يطرد عشان يكون عبره لغيره

قال العميد وهو يتصل بمكتب “آدم” :

– هدى نفسك يا فندم وان شاء الله هنشوف الموضوع ده .. ألو .. دكتور “آدم” ياريت تشرفنى شوية فى مكتبي .. طيب منتظرك

فوجئ “آدم” بوجود “عبد العزيز” فى حجرة العميد .. قال العميد :

– اتفضل اعد يا دكتور “آدم”

جلس “آدم” وهو يتنهد بضيق .. قال العميد :

– الأستاذ “عبد العزيز” جاى يقدم فيك شكوى

ٌال “آدم” بضيق :

– شكوى ايه يا فندم ؟

صاح “عبد العزيز” قائلاً :

– يعني مش عارف اللى عملته .. ضحكت عليا وعلى بنتى وخطبتها وكنت عايز تكتب عليها وكل ده عشان تبتزنى أنا وهى .. مش عارف ازاى ضميرك وأخلاقك ماتوا للدرجة دى

قال العميد :

– لو سمحت يا أستاذ “عبد العزيز” مفيش داعى للكلام ده

ثم التفت الى “آدم” قائله :

– ردك ايه يا دكتور “آدم” على اللى سمعته دلوقتى ؟

قال “آدم” ببرود :

– عنده دليل على اللى بيقوله ده ؟ .. لو عند دليل يقدمه

هتف “عبد العزيز” بغيظ :

– أما بجح صحيح

قال “آدم” للعميد متجاهلاً “عبد العزيز” :

– أنا يا فندم كنت هاجى لحضرتك عشان أأقدم على أجازة بعد ما تنتهى السنة الدراسة دى

ثم نظر الى “عبد العزيز” قائلاً :

– هسيب القاهرة كلها

قال “عبد العزيز” بخنق :

– يكون أحسن برده

قال العميد :

– ياريت نحل الموضوع ودى ومفيش داعى الموضوع يكبر .. ايه رأيك يا أستاذ “عبد العزيز”

قال “عبد العزيز” يحزم قبل أن يغادر :

– أنا هشتكى للى خلقه .. هو قادر ينتقم منه ويجبلى حق بنتى .. مش هقول الا حسبي الله ونعم الوكيل .. بنتى من يوم اللى حصل وهى مفتحتش بقها بكلمة .. بس ربنا

قادر ينصر المظلوم وينتقم من الظالم

غادر “عبد العزيز” ليترك “آدم” غارقاً فى بحور الندم والألم

************************************

عادت “إيمان” من الخارج بصحبة والدتها وهى تهتف:

– كان حتت يوم .. رجلى خلاص مش قادرة أمشى عليها

قالت أمها :

– هو انتى فاكرة شوار العروسة بالساهل ده هم ما يتلم

ضحكت “إيمان” قائلاً :

– لا ده أنا لو فضلت كل يوم أخرج بالشكل ده على الفرح هكون اختفيت

قالت أمها :

– أهو أحسن من شوربة الكرنب اللى قارفه نفسك بيها ليل نهار

قالت “إيمان” بمرح :

– لا خلاص كرنب ايه ده المشى اللى مشيته النهاردة يعادل حلتين تلاته أربعه .. أنا هبطل كرنب وهركز فى موضوع الشوار ده دخل مزاجى

هتفت أمها قائله :

– آه ياختى هو انتى دافعه حاجة من جيبك

ضحكت “إيمان” وهى تعانقها قائله :

– ربنا يخليكي لينا يا ست الكل يا منورة حياتنا وميحرمناش منك أبداً

توقفا عن الحديث بعدما خرج “على” من غرفته لينظر اليهما نظرة تردد وحيرة وأسى .. قالت أمه :

– انت مروحتش الشغل يا “على” ؟

تنهد قائلاً :

– لا روحت وجيت يا ماما

قالت “إيمان” بمرح :

– ايه مالك شايل طاجن ستك كده ليه ؟

قال “على” بضيق :

– عريس “إيمان” اتصل بيا من شوية

قالت “إيمان” بلهفه :

– خير قالك ايه ؟

صمت “على” قليلاً وهو ينظر الى أخته يشفق على ما ستسمعه .. ثم قال بصوت خافت :

– قال كل شئ نصيب

اختفت ابتسامة “إيمان” وهى تنظر الى أخيها فى حيرة .. ضربت أمها بيدها على صدرها قائله :

– ايه .. يعني ايه .. وهو وكان لعب عيال

قال “على” يهدوء :

– قال انه مش مرتاح وكل شئ نصيب

تجمعت العبرات فى عيني “إيمان” وقالت بصوت مرتجف :

– بس هو كان موافق .. ايه اللى حصل ؟

قال “على” وهو يرمقها بعطف :

– معرفش يا “إيمان” مقالش غير كده

ثم قال :

– بصى يا إيمان” مش انتى صليتي استخاره .. يبأه ده نتيجة صلاتك وأكيد ربنا اختارلك الخير ليكي

هتفت “إيمان” بغضب وحرقه :

– حرام والله العظيم حرام

لم تقف “إيمان” لتسمع المزيد من كلمات المواساة بل توجهت مسرعة الى غرفتها وأغلقتها عليها وألقت بنفسها فوق فراشها لتعود وسادتها تتبلل بدموعها من جديد

***************************************

بدأت الامتحانات سريعاً ودخل الطلاب فى دوامتها التى تشقلب كيانهم رأساً على عقب .. كان فى ذلك أثر كبير فى أن تنخرط “آيات” فى شئ ينسيها ولو لبعض الوقت التفكير

فى حزنها .. كان امتحان مادة إدارة الأعمال هى المادة الأخيرة فى الجدول .. قامت “آيات” بقصها من الجدول قبل أن تعلقه على باب غرفتها .. حتى كتاب المادة وأوراقها

أخفتهم فى مكان لا تقع عيناها عليهم .. حاولت أن تتناسى حزنها وكربها وساعدها على ذلك والدها ووجود “أسماء” بالقرب منها .. كل يوم تقترب فيه من آخر مادة كان

يدب الخوف فى أوصالها والألم فى قلبها .. حتى أتى اليوم الموعود .. ليلة الإمتحان .. كانت تضع الكتاب أمامها لا تجرؤ حتى على لمسه .. كانت تنظر اليه بتقزز شديد

وهى تشعر وكأن هذا الكتاب جزء منه .. جزء من “آدم” .. حاولت التركيز فى مذاكرة تلك المادة التى كانت تحفظها عن ظهر قلب لكنها وجدت أن عقلها صفحة بيضاء وكأنها

تقرأ تلك المادة للمرة الأولى .. فى صبيحة يوم الإمتحان .. ارتدت “آيات” أول ما وقع تحت يدها من دولابها .. ودون أى زينه كمان هى عادتها فى الأيام الماضية نزلت

الى الأسفل ليستقبلها والدها مبتسماً مشجعاً .. كان “عبد العزيز” يقوم بتوصيلها الى الكلية فى كل امتحان ويجلس فى كافيتيريا الكلية حتى تنتهى من آداء امتحانها

ويُرجعها الى البيت .. كان يخشى عليها بشدة أن تقابل “آدم” .. أو يحاول مضايقتها .. دعى الله كثيراً فى هذا اليوم أن يمر الإمتحان الأخير دون مشاكل .. وقف ونظر

اليها بحنان قائلاً :

– جاهزة يا حبيبتى

أومأت برأسها .. سارا معاً الى السيارة وانطلق بهما السائق الى الجامعة .

جلست “آيات” فى المدرج تنتظر ورقة الأسئلة وقلبها يخفق بعنف .. تمنت ألا تراه .. تمنت أن يمضى اليوم بسلام حتى تغادر تلك الجامعة بغير رجعه .. التفتت حولها

لتنظر الى “أسماء” التى ابتسمت لها فبادلتها “آيات” بإبتسامه هشة ضعيفة .. حانت اللحظة وتم توزيع ورقة الأسئلة .. فتحت “آيات” ورقة الإجابة وكتبت السؤال الأول

.. نعم هذا السؤال تعرفه جيداً .. رأته كثيراً وحفظته عن ظهر قلب فى بداية العام الدراسى .. لكن الآن .. شعرت بأن الكلمات تهرب منها .. وكأنها ترى السؤال لأول

مرة .. تعرف السؤال .. وتعرف الإجابة .. لكن أصابعها تأبى أن تكتبها .. حاولت ارغام عقلها على التركيز دون جدوى .. ذكرها هذا السؤال بيوم ألقى “آدم” تلك المحاضرة

.. تذكرت كيف كانت تنظر اليه وقتها بحب ولهفة .. تذكرت الامتحان المفاجئ الذى كانت تعلم بأمره .. تذكرت يوم أن علمت بأنه يرغب فى التقدم لها وخطبتها .. تذكرت

يوم خطبتها .. تذكرت يوم مرضه وقلقها وخوفها عليه .. تذكرت يوم شراء الشبكة .. تذكرت يوم كتب كتابها ومدى سعادتها وهى تنظر الى المرآة .. حاولت ارغام عقلها

عن التوقف فى الاسترسال فى تلك الذكريات التى أصبحت تؤلمها أشد ايلام .. لكن عقلها آبى .. أسندت رأسها بيديها تحاول أن تصب تركيزها على ورقة الأسئلة دون سواها

.. لكن قلبها خفق بقوة حتى كاد أن ينخلع من مكانه عندما دخل “آدم” المدرج وقال :

– أخبار الامتحان ايه يا شباب ؟

لم ترفع رأسها .. لم تحاول النظر اليه .. صوته جعلها تشعر بالخوف .. بالرعب .. بالفزع .. لا تدرى مما هى خائفة .. فقط تشعر بقلبها يخفق بجنون .. ولا تتنمى سوى

رحيله عن المدرج .. وتركها بسلام .. بحثت عيناه عنها .. إلى أن رآها .. كانت تدفن وجهها فى ورقتها دون أن ترفعه لتنظر اليه .. اقترب من أحد الطلبة وهو مازال

ينظر اليها .. قال للطالب :

– أخبار الامتحان ايه ؟

قال الطلاب بحماس :

– سهل جداً يا دكتور .. ده أسهل امتحان مر علينا

قال طالب آخر :

– أول مرة تحط امتحان سهل كده يا دكتور .. أكيد كلنا هننجح فيه

تقدم “آدم” تجاهها وتظاهر بفحص ورقة احدى الطالبات التى ابتسمت وهى تقول :

– شكل الدفعة كلها هتجيب امتياز يا دكتور

لم يعبأ “آدم” بكلامها .. فتركيزه كله ينصب على “آيات” التى لم ترفع عينيها اليه حتى الآن .. ترك الطالبه وتقدم أكثر بإتجاه “آيات” .. شعرت بأن الدماء هربت

من وجهها .. رأته بطرف عينها واقف بجوارها .. شعرت بالإختناق وكأنه يسحب الأكسجين الذى تتنفسه .. اقترب أكثر فأحطات جسدها بذراعيها وكأنها تحمى نفسها منه ..

امتقع وجه “آدم” وهو ينظر اليها ويقول .. يالله كم ذبلت .. تلك الوردة اليافعه ذبلت للغاية .. أين تلك الابتسامة العذبة التى كانت تزين محياها .. أين تلك العينان

اللاتان كانتا تلمعان فى مرح .. أين هى تلك الفتاة التى تشع بهجة وسرور .. أتته الإجابة من داخله .. لقد قتلتها يا “آدم” .. قتلتها .. شعر بألم حاد فى قلبه

.. و بأسى ظهر جلياً على وجهه .. امتدت يده ليتفحص ورقة اجابتها .. لا شئ . .لم تكتب أى شئ .. شعرت بأن قربه منها يعذبها .. يجدد آلامها وأحزانها التى لم تشفى

منها بعد .. أخذت تصرخ بكل كيانها .. ارحل .. ارحل عنى لا تقترب منى .. لا أريد أن أراك .. لا أريد أن أسمعك .. لا أريد أن اشعر بك .. وجودك يمزقنى ويذكرنى

كم كنت ساذجة .. كم كنت أضحوكة .. كم كنت لعبة بين يديك .. تجمعت العبرات فى عينيها مهددة بالسقوط .. مهددة بفضحها أمام عيناه .. حاولت منعها بقوة من السقوط

لكنها فشلت .. وانهمرت عبراتها أمام عيناه .. نظر اليها “آدم” يراقب تعبيرات وجهها المتألم .. وتلك اللئالئ التى تتساقط من عينيها وتحاول محوها بسرعة .. قال

هامساً :

– أخبار الإمتحان ايه ؟

لم تشعر بنفسها الا وهى ترفع يديها لتغطى أذنها .. يالله لكم أصبحت تكره صوته .. أصبحت تشعر بصوته وكأنه خناجر تمزق أذنيها .. أحكمت وضع يديها على أذنيها حتى

لا تسمعه أبداً .. نظر اليها “آدم” بألم .. ثم .. ولدهشتها وجدته يأخذ قلمها من بين أصابعها .. تركته فوراً حتى لا تتلامس أيديهما .. أخذ القلم وفتح ورقة اجابتها

ودون أن ينتبه أحد وضع علامة مميزة بداخل الورقة .. نظرت الى العلامة التى صنعها بدهشة .. ماذا يفعل .. أيحاول الانتقام منها .. أيحاول ايهام المراقبين بأنها

من صنع تلك العلامة .. أيحاول أن يضعها فى مأذق .. رفعت رأسها تنظر اليه .. فتلاقت نظراتهما .. تلك العينان الزرقاوان كم عشقتهما من قبل .. كم تمنت ألا تفارقهما

ابداً .. كم سبحت فى بحارهما .. أما الآن فلا تشعرانها تلك العينان إلا بالألم .. والنفور .. والغضب .. نظر “آدم” اليها .. كم تبدوء بريئة .. ضعيفة .. حزينه

.. تمنى أن يزيل تلك النظرة عن عينيها .. وتلك العبرات من وجهها .. ليرى “آيات” التى يعرفها .. التى تنظر اليه بحب وشوق … أخذ يهتف بداخله .. ماذا أفعل لتسامحيني

.. ماذا أفعل لأنال ثقتك من جديد .. ماذا أفعل حتى تتوقفى عن طعنى بتلك النظرات المعاتبة الغاضبة .. التى تشعرنى بمدى سوئى وحقارتى .. أبعدت عينيها عنه .. وقد

اكتفت بما حصلت عليه من ألم .. من عينيه التى أصبحت مصدر ألمها وشقائها .. آلمه بعدها ونفورها .. لكنه يعلم جيداً بأنه يستحق ذلك .. التفت ليغادر فى صمت

انتهت “آيات” من آداء الامتحان الذى لم تكتب فيه الا بضع كلمات لن تعطيها درجة النجاح بأى حال من الأحوال وقفت خارج المدرج تبكى فى احدى الزوايا .. خرجت “أسماء”

وقالت لها بلهفه :

– فى ايه يا “آيات” ؟

كتبت “آيات” فى دفترها :

– محلتش حاجه

عانقتها “أسماء” تحاول تهدئتها وهى تقول :

– خلاص يا حبيبتى ولا يهمك .. مش مهم

ثم نظرت اليها قائله :

– طيب تعالى نشوف امتحان الشفوى

كتبت “آيات” فى دفترها :

– محلتش نظرى كويس .. الشفوى هيفيدنى بإيه ؟

قالت “أسماء” :

– يا ستى متعرفيش ما فى ناس مبتبقاش حله حاجة وبتلاقيهم بينجحوا .. وان شاء الله تنجحى

سارت “آيات” مع “أسماء” للبحث عن لجنة الشفوى .. انتظرتا قليلاً مع الطلبة فى الخارج حتى استطاعتا الدخول للدكتور الذى سيقوم بإمتحانهما شفهياً .. جلستا أمامه

… قال الدكتور :

– أسمائكم ايه ؟

قالت “أسماء” اسمها أما “آيات” فكتبته على ورقة وأعطتها له .. نظر اليها فى دهشة فقالت “أسماء” :

– معلش يا دكتور عندها مشاكل فى زورها فعشان كده هتكتب الإجابات فى ورقة

قال لها :

-ربنا يشفيكي يا بنتى

نظر الى اسمها ثم قال :

– لا انتى لجنتك مع دكتور “آدم خطاب”

تسارعت خفقات قلبها وهى تنظر الى “أسماء” بدهشة .. قالت “أسماء” :

– بس يا دكتور .. دكتور “أدم” بيمتحن المدبلرين .. و”آيات” دى أول سنة ليها فى رابعة يعني دفعتنا

قال الدكتور :

– والله ده اللى دكتور “آدم” قالهولى .. الطالبه دى تمتحن شفوى عنده

نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض ثم تمتمت “أسماء” :

– استنيني بره هخلص امتحان وأطلعلك

خرجت “آيات” ووقفت فى الخارج وعلامات الأسى على وجهها .. فجأة وجدت “أحمد” يقترب منها .. ووقف أمامها .. نظرت اليه “آيات” لترى نظرات الحزن فى عينيه .. بدأ

حديثه قائلاً :

– ازيك يا “آيات” عامله ايه ؟

أومأت برأسها .. فشعر بالألم .. وقال لها :

– أنا عرفت اللى حصل .. محبتش أكلمك الفترة اللى فاتت .. حسيت انى مش هقدر أعملك حاجة ولا أخفف عنك .. بس النهاردة آخر يوم ومكنش ينفع يمر كده من غير ما أتكلم

معاكى

توترت “آيات” فأكمل بأسى :

– انت متستهليش كده .. متستهليش كده أبداً

خانتها عبراتها لتتساقط فوق وجنتيها .. ظهرت علامات الألم على وجهه وهو يراها متألمة هكذا دون أن يجد فى نفسه القدرة على التخفيف عنها .. على بعد خطوات وقف

“آدم” ينظر اليهما .. ينظر الى “آيات” الباكية و “أحمد” الواقف أمامها يواسيها بكلماته نظراته .. شعر بغصة فى حلقة .. كان يجب أن يكون هو مكان “أحمد” الآن ..

واقف مع “آيات” يتحدث معها .. سمع “أحمد” يقول لها :

– أنا لسه بحبك يا “آيات” .. عارف انك مش مستعدة أبداً تسمعى كلام زى ده دلوقتى .. بس أنا فعلاً بحبك

ثم كتب فى ورقة قائلاً :

– دى أرقامى كلها .. لو احتجتى أى حاجة كلميني فى أى وقت

أعطاها الورقة وهو ينظر اليها بحنان قائلاً :

– ماشى يا “آيات” ؟

كانت تشعر بالإضطراب .. اخذت الورقة وأومأت برأسها .. شعر “آدم” بالغضب بتجاه هذا الـ “أحمد” .. ود لو ذهب اليه وصرخ فى وجهه .. ابتعد عنها .. ود لو صرخ فى

وجه “آيات” .. القى بتلك الورقة فى وجهه .. لكنه يعلم جيداً أن كلا الأمرين لن يجنى منهما إلا إحراج نفسه فحسب .. انتبه “أحمد” لوجود “آدم” فنظر اليه بتحدى

.. ثم التفت الى “آيات” قائلاً وهو يرفع صوته :

– حبيبتى مش عايزك تشيلي هم طول ما أنا جمبك

نظرت اليه “آيات” بعتاب .. دخل “آدم” مكتبه وصفق الباب خلفه بقوة .. انتبهت “آيات” على صوت غلق الباب فالتفتت لترى مصدره .. فى تلك اللحظة خرجت “أسماء” وسلمت

على “أحمد” ثم قالت :

– خلصت شفوى ؟

قال “أحمد” :

– لا لسه .. هروح أمتحن وأرجعلكوا

جذبت “أسماء” “آيات” فى اتجاه مكتب “آدم” نظرت اليها “آيات” بحزن .. فقالت “أسماء” بحده :

– “آيات” ضيعتى منك ال 10 درجات بتوع المحاضرة ده غير الامتحان اللى اتعمل فى اخر محاضرة واللى برده محضرتيهوش والنظرى محلتيش فيه كويس .. ايه ناوية تضيعي الشفوى

كمان

ظهر الألم على محياها فقالت “أسماء” بحنان :

– عارفه انه صعب بس حاولى تضغطى على نفسك .. عايزين نخلص من الكلية دى بأه

ظهرت العبرات فى عيني “آيات” ثم كتبت فى دفترها :

– مش قادرة يا “أسماء” .. لو شوفته هيعط تانى .. مش عايزاه يشوفنى ضعيفه وبعيط

كانت فى عينها نظرة تصميم ألا تحضر الإمتحان .. ألا تراه .. امتثلت “أسماء” لرغبتها مرغمة وقالت :

– طيب تعالى يلا ننزل زمان عمو مستنينا فى الكافيتيريا

انتظرها “آدم” .. دخل كل طلاب لجنته الا هى .. أرسل احدى الطالبات للبحث عنها فعادت تقول :

– البنات قالولى انها مشيت يا دكتور .. شكلها مش هتحضر الامتحان

ظهرت علامات الحزن على وجهه .. لقد أغلقت “آيات” كل الأبواب فى وجهه .. وهاهى تغلق آخر باب .. وآخر أمل .. فى أن يراها ويتحدث معها ويشرح لها .. شعر بالغضب

وبالضيق .. لماذا لا تعطيه فرصة الدفاع عن نفسه .. لماذا لا تستمع اليه .. لماذا تطرده خارج عالمها بلا شفقة أو رحمة .. لماذا لا تريد أن تفهم أنه ليس بهذا

السوء .. ولكن ما الفائدة .. لن يفيد أى كلام ولا أى سؤال .. أيقن “آدم” فى تلك اللحظة أنه بالفعل خسر “آيات” .. خســرها للأبـــد

**************************************

– أنا آسفة يا طنط

قالت “سمر” ذلك بصوت مرتجف .. حائر .. مضطرب .. نعم تتمنى الموافقة .. تتمنى أن تكون من نصيب “على” .. لن تنكر أنها انجذبت اليه .. الى أخلاقه وتدينه وغيرته

وطيبته .. لكنها خائفة .. مازالت خائفة .. مازالت لا تستطيع التغلب على خوفها .. استخارت ربها .. مرات ومرات .. وقفت تناجيه فى جوف الليل ..لكنها مازالت خائفة

.. مازالت الخوف يسيطر عليها ويشل تفكيرها .. لن تستطيع الإقدام على تلك الخطوة .. لا تشعر بأنها مستعدة لها بعد .. نعم رفضته .. رفضته وهى تتمنى الموافقة .

علم “على” .. حزن .. وصدم .. تحدث مع صديق طفولته قائلاً بتهكم ممزوج بالألم :

– أكيد رفضتنى عشان مش قد المقام

ثم قال :

– أنا قولت لماما تقولها انى هدور على شغل تانى .. وانى لسه فى بداية الطريق

ثم تنهد بحسرة قائلاً :

– أعمل ايه .. مش ذنبى ان حال البلد زى الزفت .. مش ذنبى ان مفيش فرص شغل .. مش ذنبى انى من أول ما اتخرجت مش عارف أشتغل شغلانه عدله أكون بيها نفسى .. أنا

مش واحد صايع أنا اتعلمت وخدت شهادة بس للأسف مش عارف أشتغل بالشهادة اللى طفحت الدم عشان أخدها

قال صديقه مواسياً :

– ان شاء الله تلاقى شغلانه أحسن يا “على”

نهض “على” وهتف بغضب قائلاً :

– امتى .. هلاقيها امتى .. بعد ما “سمر” تضيع من ايدي وتتجوز أول واحد جاهز يخبط على باب بيتها .. ولا امتى .. قولى امتى هعيش زى الناس وأبقى قادر أفتح بيت

.. لما يبقى عندى 40 سنة ؟!

التفت “على” ليغادر فى عصبيه جذبه صديقه قائلاً :

– “على” استنى بس رايح فين

صاح “على” بحده :

– رايح فى ستين داهية سيبنى .. بقولك سيبنى

سار”على” بأقصى سرعة وهو لا يدرى الى أين تأخذه قدماه .. كان يشعر ببركان ثائر بداخله .. بركان غاضب ناقم يريد أن يخرجه ليرتاح .. توقف بعدما تعب من المشى ..

أخذ يلهث وهو ينظر حولها وجد مسجداً صغيراً فدخل وتوضأ وصلى .. بكت عيناه قبل قلبه وهو يتضرع الى الله أن يفرج كربه وأن يفتح له أبواب الرزق

***************************************

استيقظت “أسماء” من نومها على اصوات الصراخ مرة أخرى .. جلست فى فراشها للحظات ثم ما لبثت أن نهضت وخرجت لتجد النقاش وقد احتد بين أبويها كالعادة .. قالت “أسماء”

بضعف :

– حرام عليكوا بأه

هتفت والدتها بغضب :

– تعالى يا “أسماء” .. تعالى شوفى أبوكى المحترم عمل ايه

ثم نظرت اليها أمها قائله :

– أبوكى اتجوز يا “أسماء”

أبوكى اتجوز يا “أسماء”

شهقت “أسماء” بقوة وهى تضع يديها على فمها وتنقل نظرها بين والدها ووالدتها فى عدم تصديق .. فصاح والدها متهكماً متشفياً :

– أيوة اتجوزت .. وهجيبها تعيش معاكى هنا فى البيت عشان أذلك وأقهرك

صاحت زوجته بغضب :

– ومين قالك انى هعدلك هنا .. أنا ماشية رايحة أعد فى بيت بابا ولو مطلقتنيش هرفع عليك قضية خلع وهبهدلك فى المحاكم

صاحت “أسماء” باكية وهى تنظر الى تنظر الى والدتها برجاء :

– لا أرجوكى متقوليش كده عشان خاطرى متقوليش كده .. مش هقدر أتحمل يا ماما .. متسيبوش بعض

قالت أمها :

– احنا أصلا كان لازم ناخد الخطوة دى من زمان

ثم نظرت الى زوجها بتحدى قائله :

– لو مطلقتنيش هرفع عليك قضية خلع فاهم

ثم توجهت الى غرفتها تحضر حقيبة ملابسها .. صاح زوجها بسخرية :

– اعلى ما فى خيلك اركبها مش هطلق وهسيبك كده لحد ما ترجعى تبوسى جذمتى عشان أفتحلك باب الشقة

شعرت “أسماء” وكأن الأرض تميد بها .. نعم انها تميد بالفعل .. جلست على أحد المقاعد ودفنت وجهها بين كفيها لتنفجر فى بكاء حار

**************************************

نظر “آدم” حوله ليتأكد بأنه جمع كل أغراضه .. أخرج الحقائب أمام باب البيت .. ثم دخل وطرق باب غرفة والدته .. فتحها ليجدها جالسه على فراشها تبكى بحرقة .. اقترب

منها وهو ينظر اليها بأسى .. جلس بجوارها .. صمت قليلاً ثم قال دون أن ينظر اليها :

– أنا مضطر يا ماما .. مضطر عشان أقدر أقف على رجلى تانى

قالت له بصوتها الباكى :

– اعمل اللى يريحك يا “آدم”

التفت اليها قائلاً :

– ماما أنا فعلا مضطر أسافر .. بس متقلقيش هظبط وضعى هناك وبعدين هاجى أخدك

قالت أمه باكية :

– اعمل اللى فيه صالحك يا “آدم” ومتشلش همى يا ابنى

تنهد “آدم” بألم وهو يشعر بالتمزق بين مشاعره ورغباته وطموحاته .. نهض متثاقلاً .. التفتت أمه تنظر اليه بأعين دامعه .. انحنى وقبل رأسها ثم غادر سريعاً ..

حمل حقائبه وألقى نظرة أخيرة على البيت ثم خرج وأغلق الباب خلفه .. انخرطت والدته فى بكاء مرير وتعالت شهقات بكائها وهى تضم احدى صوره الى صدرها

*************************************

تعانق الصديقان طويلاً .. ثم نظر “زياد” الى “آدم” قائلاً :

– فكرت كويس

قال “آدم” :

– أيوة يا “زياد” فكرت كويس

ثم سأله قائلاً :

– هترجع شرم امتى ؟

قال “زياد” :

– بكرة ان شاء الله

تعانقا مرة أخرى وقال “زياد” قبل أن ينصرف :

– خلى بالك من نفسك يا “آدم”

ربت “آدم” على كتفه قائلاً :

– وانت كمان يا “زياد”

ركب “آدم” سيارته .. لكنه شعر بأنه يرغب فى توديع شخص ما قبل ذهابه .. أوقف سيارته أمام الفيلا .. وهو ينظر اليها .. يأمل أن يرى “آيات” .. يأمل أن يلقى عليها

نظرة أخيرة .. يأمل أن يخبرها بأنه راحل .. سيترك القاهرة ويرحل يبنى نفسه فى مكان آخر .. يأمل أن يعتذر اليها .. ويطلب صفحها .. يأمل أن يطمئن عليها .. وأن

يرى ابتسامتها على وجهها ليخف شعوره بالذنب تجاهها .. وقف طويلاً دون أن يظهر لها أى أثر .. أدار سيارته وانطلق فى طريقه الى العين الساخنة .. لتحقيق أحلامه

وطموحاته .. ليعود “آدم خطاب” كما كان .. ليبنى كل شئ من العدم .. ليعود قوياً ذو سلطة ومال .. خسر “آيات” ويتألم لخسارتها .. لكنه سيحاول تحقيق أحلامه .. ليخفف

شعوره بالخسارة .. سيحارب “سراج” و ابنه فى عقر دارهم .. سيذيقهم كأس الخسارة .. ويجعلهم يتجرعون مرارة الندم .. نظر بحزم الى الطريق وسيارته تسير عليها بتصميم

واصرار

************************************

على احدى الطاولات فى النادى .. جلست الأربع فتيات .. كل منهما شاردة فى عالها الخاص ومشاكلها الخاصة وأحزانها الخاصة .. تنهدت “إيمان” فى أسى وهى تتذكر الإهانه

التى تعرضت لها .. هذه المرة وقع الإهانه كان أقوى وأشد من سابقاتها .. هذه المرة شعرت بمرارة الرفض فى حلقها وفى قلبها وفى روحها .. هذه المرة علمت وتأكدت

بأن الفرح لن يطرق بابها أبداً فمثلها لن تحب ولن تُحب .. لن تكون كصديقاتها لن تتزوج مثلهن .. ستعيش وحيدة لأن مثلها لن يرغبها أحد .. فكرت بسخرية .. لماذا

يترك رجل تلكم الفتيات الرشيقات النحيلات ليتزوج ممن هى مثلها ؟ .. لن يحدث ذلك الا فى عالم أحلامها .. أحلامها التى يجب أن تفيق منها وتعلم جيداً أنها مجرد

أحلام وأوهام .. يجب أن ترضى بواقعها وتقنع به حتى لا تتعب مرة أخرى .. حتى لا تُهان مرة أخرى .. من الآن هى من سترفض .. سترفض أن يراها أى رجل ليجلس واضعاً

ساقاً فوق ساق ويقرر ان كانت تصلح له أم لا .. لن تضع نفسها فى هذا الموقف مرة أخرى .. لن تسمح لأحد بإهانتها مرة أخرى أو التقليل من شأنها .. سترفض قبل أن

تُرفَض .. تعلم أن فى ذلك هروب .. لكن المواجهة أصبحت مؤلمة .. مؤلمة للغاية

أمسكت “سمر” احدى الزهرات على الطاولة تتلمسها بيدها وقلبها يتساءل ,, تُرى أستعرف الحب يوماً أستستطيع الوثوق فى رجل يوماً .. ترى أستجد من يملء ذلك الفراغ

الذى تشعر به بداخلها .. أحياناً تشعر بالندم لرفضها “على” .. كانت بالفعل تشعر بإنجذاب تجاهه .. لكنها ليست بحاجة الى رجل يتقدم الى خطبتها وتصير زوجته ..

بل هى بحاجة الى أب .. تشعر بأنها فى كنفه وتحت حمايته .. تشعر أمامه بأنها طفلة صغيرة وهو مسؤل عنها .. تشعر معه بأنها ابنته وليس فقط زوجته .. تُرى أمن الممكن

أن يكون “على” ذلك الرجل حقاً .. ؟ اتسرعت برفضها اياه ؟ .. أمن الممكن أن يكون “على” هو الأب والزوج الذى تحلم به ؟!

مسحت “أسماء”دمعة كانت أن تفلت من عينيها وهى تتذكر شجارات والديها .. ما هذا الكم من عدم الإحترام .. لماذا تشعر دائماً بان الاحترام مفقود بينهما .. تذكرت

احدى الجمل التى قرأتها يوماً .. أن أساس الزواج الناجح هو الإحترام القائم بين الزوجين وإن فُقد فهذا معناه أن حياة الزوجين معاً قد انتهت .. فكرت بمرارة فى

سطوة الرجل والذى يحق له أن يتزوج واحدة واثنان وثلاث وأربع .. لماذا لا تكون للمرأة نفس السلطة فيحق لها الزواج من أكثر من رجل .. لماذا يكون للرجل فقط حق

قهر المرأة واذلالها بالزواج من أخرى .. لماذا التهديد دائماً بالزواج الثانى لإرهاب الزوجة الأولى .. شعرت بالإختناق وهى تضع نفسها مكان أمها .. تُرى أمن الممكن

أن تكون مكانها يوماً ؟ .. أمن الممكن أن تتزوج رجلاً يلعب بورقة الزواج الآخر ليرهبها ويخضعها له .. لن تتحمل .. لن تحترمه .. لن تستطع أن تعيش مع رجل لا يستخدم

معها سوى اسلوب الإرهاب لتحقيق ما يريد .. لن تسمح لرجل أبداً بأن يهينها ويضربها ويسبها ويجرحها ويفرض سيطرته عليها .. لن تكون تحت رحمة رجل لا تتمنى فى الدنيا

سوى رضاه .. ولا يتمنى هو سوى قهرها

نظرت “آيات” الى السماء الزرقاء .. شعرت بأنها تذكرها بشئ ما .. ظلت تحاول تذكره .. الى أن تذكرت .. لون عيناه .. نفضت رأسها بألم وكأنه تريد اخراج أى ذكرى

له من رأسها .. تنهدت بقوة وهى تتذكر كيف أحبته وكيف وثقت به .. وكيف ظنته فارسها .. كيف خدعت فيه .. كيف رفعها الى فوق السحاب ليهوى بها فجأة الى الأرض ..

لترتطم بها .. لماذا لا توافق على الزواج من “أحمد” .. الذى ينتظر اشارة منها .. لماذا لا تفعل وتسكت قلبها عن التحدث من اليوم .. وتترك لعقلها حرية التصرف

.. لماذا لا تأخذ بالمثل القائل .. خد اللى يحبك .. لماذا لا تفعل .. “أحمد” شاب جيد و من عائلة محترمة ومن نفس مستواها الاجتماعى .. ومستقبله مضمون .. ويحبها

.. ماذا تريد غير ذلك ؟! .. ماذا تريد أى فتاة غير ذلك ؟! .. قالت لنفسها .. أفيقى يا “آيات” .. أفيقي من أحلام المراهقة التى مازالت تلازمك .. الفرسان لا يأتون

الا فى أحلام الفتيات الصغيرات .. وعندما تكبر الفتاة تدرك أنهم لا وجود لهم .. وتبدأ فى انتظار الزوج الذى يستطيع توفير بيت وحياة كريمة لها .. هذه هى أحلام

الفتيات فى سنك .. اكبرى يا “آيات” .. اكبرى

الفصل الثالث عشر

يلا نصلي الأول على حبيبنا محمد عليه افضل الصلاة والسلام .

توجه “آدم” الى القرية التى ستكون تحت تصرفه بعدما يستأجرها “شكرى” .. تذكر زيارته لها وللقريتين المجاورتين لتلك القرية عندما جاء مع “سراج” و “عاصى” لإختيار

القرية المناسبة .. تذكر بمرارة كيف كان متحمساً لبدء مشروعه وكيف سهر الليالى فى التخطيط لهذا المشروع ودراسته من كل جانب .. تذكر بمرارة كيف أحب “شيرين” وكيف

مات حبها داخل قلبه بعدما تحولت من فتاة بريئة الى فتاة سافرة .. ظل يشجب تصرافتها كثيراً ويبين لها خطأها .. لكنها كانت مصره على الطريق الذى اختارته ولم تعبأ

بخسارته .. ففسخ خطبتها بعدما تشوهت صورتها أمامه وحادت عن صورة فتاة أحلامه .. أخذ يفكر فى أخطائه وفى علاقاته النسائية .. نعم هو الآن وصل الى درجة كبيرة

من الإنحدار الأخلاقى …….

لكن فتاة أحلامه ظلت بنفس صورتها لم تتغير تلك الصورة ولم تتبدل .. شعر بأن “آيات” كان من الممكن أن تكون هى .. فلديها استعداد فطرى بأن تكون أفضل .. ويسهل

تشكيلها وتوجيهها .. وتستجيب للنصيحة اذا ما لمست صدق صاحبها .. فكر بأسى كيف خسرها وكيف أضاعها من يده .. نظر الى أمواج البحر المتلاطمة .. وهو يحاول أن يتناسى

حزنه وألمه وقهره .. أقنع نفسه بأنه سيجد غيرها .. يجد وليفة تشاطره حياته وتعيد اليه نفسه التى فقدها .. لكن عليه أولاً بناء ذاته واسترجاع أمجاده وتقلين أعداءه

درساً لن ينسوه .. ألقى بكل عواطفه ومشاعره فى البحر قبل أن يوليه ظهره ويتوجه الى هدفه بحزم واصرار وتصميم

******************************************

كانت “آيات” نائمة فى غرفتها .. متمدده على فراشها وعقلها سابح فى مكان آخر .. علمت من والدها بسفر “آدم” وبتركه للجامعة .. أخذت تُفكر تُرى أين ذهب ؟ .. ولماذا

ترك التدريس بالجامعة ؟ .. أخذت تلوم نفسها بشدة على اهتمامها بأمره .. قالت لنفسها .. وما شأنك أنتِ يا “آيات” ان بقى أم ذهب .. لم تعد أموره من شأنك ولا أمورك

من شأنه .. نزلت الستارة يا “آيات” وانتهت المسرحية السخيفة التى أعطاكى فيها دور البطولة وأشرككِ فيها رغماً عنكِ .. انتهت المسرحية وصفق الجمهور وربح “آدم”

المركز الأول فى الغش والخداع .. وها أنت تنزلين من فوق المنصة لتعودين الى مكانك المظلم الكئيب .. لا تحملين فى قلبك سوى الحزن والألم .. لا يشعر بكِ مؤلف

المسريحة وكاتبها وموزع أدوارها .. لقد نسيك ورماكِ من خلف ظهره وواصل حياته وخططه كما يريد .. لم تكونى سوى بطلة من احدى بطلاته فى مسرحية من احدى مسرحياته

.. لا تظنى أنكِ كنت تعنين له شيئاً .. انتِ الغبية يا “آيات” كان يجب أن تشعرى بذلك .. كان يجب ان ترشدكِ فطنتكِ لذلك .. أتذكرين يوم أن رآى الشاب يضايقك ويزعجك

.. لم يحرك ساكناً .. لأنكِ لا تعنين له شيئاً .. ولم تعنين له شيئاً .. أفيقى من وهمك .. فلا يستحق دموعك وأحزانك .. وفرى دموعك لمن يستحقها يا “آيات” ولا

تبكي بعد اليوم

سمعت طرقات على باب غرفتها فنهضت فى تكاسل لتفتح الباب .. وجدت “أسماء” واقفة بجوار والدها وكلاهما يبتسم فى سعادة .. نظرت اليها “آيات” تحاول معرفة سبب تلك

السعادة البادية عليهما .. صرخت “أسماء” فجأة وهى تعانقها وتلف بها فى الغرفة :

– نجحنا يا “آيات” نجحنا

لم تصدق “آيات” نفسها .. نزعت “آيات” نفسها من حضن “أسماء” ونظرت اليها غير مصدقة .. قالت “أسماء” بفرح وهى تقفز فى الهواء :

– نجحنا احنا الاتنين خلاص خلصنا مذاكرة وجامعة وامتحانات .. خلاص لا امتحانات بعد اليوم

اقترب منها والدها وعانقها بشدة قائلاً :

– مبروك يا حبيبة قلبي

ابتسمت “آيات” وهى تنظر اليه .. لكن ابتسامتها لم تكن بتلك العذوبه التى كانت تبدو بها من قبل .. شعر والدها وهو ينظر اليها بأن سعادتها ناقصة .. ومازالت عيناها

تشع حزناً … حتى ابتسامتها كانت تشى بشئ من الألم .. تنهد فى حسره ثم أخفى شعوره بالأسى بداخله وقال بمرح :

– لازم نسهر سهرة حلوة بالمناسبة دى .. يلا أسيبكوا مع بعض وبالليل جهزوا نفسكوا انتوا الاتنين

خرج “عبد العزيز” فجلست الفتاتان على الفراش .. اعطت “أسماء” احدى الأوراق لـ “آيات” قائله :

– خدى يا “يويو” دى درجاتنا فى جميع المواد

نظرت “آيات” الى الورقة ثم تجمدت نظراتها وفتحت فمها فى دهشة وهى تنظر الى مادة ادارة الأعمال .. رفعت رأسها لتنظر الى “أسماء” التى قالت لها :

– أنا برده استغربت انتى لا حليتي نظرى ولا دخلتى الشفوى وضاع منك درجات أد كده فى أعمال السنة .. كنت حطه ايدي على قلبي وأنا بشوف درجتك فى المادة دى عشان

مكنتش عايزاكى تشيليها وتمتحنيها تانى كنت عارفه انها هتكون صعبه عليكي

ثم ابتسمت “اسماء” قائله :

– بس فرحت واستغرب فى نفس الوقت لما لقيتك جايبه فيها .. امتياز

نظرت “آيات” الى الورقة مرة أخرى .. لكن هذه المرة كانت تنظر اليها بغضب شديد .. أخذت تتسائل فى نفسها .. ما هذا .. تعويض .. تعويض عن تلك الأيام التى قضتها

معه .. أم تعويض عن جرحها واهانتها وتحطيم قلبها .. أيظن أنه بهذه الطريقة سيريح ضميره .. أيظن أنها ستسامحه لمجرد أن أعطاها تقدير لا تستحقه .. ألقت الورقة

بغضب ونهضت تفتح باب الشرفة بعصبية وقفت فى الشرفة وهى تقطب ما بين حاجبيها فى ضيق شديد .. وتلهث من فرط عصبيتها وتوترها .. اقتربت منها “أسماء” وقالت :

– سيبك من اللى فات يا “آيات” .. انسيه بحلوه ومره .. ولا كأنه حصل فى يوم من الأيام .. امسحى الأيام دى من ذاكرتك تماماً

أومأت “آيات” برأسها .. ونظرة تصميم فى عينيها .. فهذا ما قررته بالفعل

************************************

تلقى “آدم” اتصالاً من “شكرى” فى المساء يطمئن فيه على سير الأوضاع بالقرية .. فقال “آدم” بحماس :

– لا متقلقش .. كل حاجة تمام .. الإفتتاح هيكون فى أقرب وقت ان شاء الله .. الامتحانات خلصت وعايزين نلحق الموسم من أوله

قال “شكرى” مبتسماً :

– أنا واثق فيك يا دكتور

ابتسم “آدم” قائلاً :

– وأنا متشكر لثقتك الكبيرة دى

ثم قال بجديه :

– محتاج شوية حاجات ناقصة فى الكافيتيريا والبار .. لازم كل حاجة تبقى جاهزة قبل الافتتاح .. هبعت الليسته بالفاكس .. وكمان الاعلانات اللى عملناها عن الموظفين

اللى طالبينهم ياريت توقفها لانى خلاص اخترت كل الاستف اللى هيكون شغال فى القرية

قال “شكرى” فى سعادة :

– شكلك مبتضيعش وقت يا دكتور

قال “آدم” وفى عينيه نظرة تصميم :

– معنديش وقت عشان أضيعه .. لازم نبتدى فى أقرب وقت اعلانات القرية .. لازم كل بيت فى مصر يعرف بقريتنا الجديدة

قال “شكرى” مفكراً :

– لسه مخترناش اسمها يا دكتور

قال “آدم” :

– لا خلاص اخترت اسمها .. اسمها هيكون .. “قرية جولدن بيتش”

أخذ “شكرى” يلوك الإسم فى فمه قائلاً :

– جولدن بيتش .. جولدنش بيتش .. مممممم اسم جميل وقوى

ابتسم “آدم” قائلاً :

– كنت واثق انه هيعجبك

قال “شكرى” ممازحاً :

– أما نشوف “الفيروز” ولا “جولدن بيتش”

قال “آدم” بجدية بالغة :

– متقلقش قريب أوى هتتمحى قرية الفيروز من على خريطة القرى السياحية فى العين السخنة

ضحك “شكرى” قائلاً :

– أنا واثق من كده يا دكتور .. منتظر الفاكس .. ولو احتجت حاجة كلمنى .. سلام

أنهى “آدم” المكالمة وعكف مرة أخرى على مطالعة الأوراق التى أمامه وهو يدرس كل خطوة جيداً .. ليضع خطة محكمة لنجاح قريته السياحية .. قرية “جولدن بيتش”

**********************************

استيقظت “أسماء” على صوت صراخ زوجة أبيها وهى تقول :

– انتى لسه نايمة لحد دلوقتى .. قومى شوفى المطبخ يضرب يقلب

قالت “أسماء” وهى تنظر اليها بحده :

– حد قالك انى الشغالة الفلبينية اللى بابا جبهالك

صرخت فيها قائله :

– احترمى نفسك يا بنت انتى وإلا والله العظيم أقول لباباكى

نظرت “أسماء” بسخرية لتلك المرأة التى تكبرها ببضع سنوات فقط وقالت بتحدى :

– اعملى اللى انتى عايزه تعمليه

خرجت وهى تتوعدها قائله :

– ماشى والله لأقول لباباكى لما ييجى .. وشوفى بأه هيعمل فيكي ايه

تنهدت “أسماء” بقوة وهى تغطى وجهها بوسادتها لتقلل من حدة أصوات الموسيقى التى انبعثت من غرفة زوجة أبيها

ما كاد والدها يعود من عمله حتى استقبلته زوجته الجديدة شاكية باكية .. فما كان منه الا أن صرخ على “أسماء” قائلاً :

– أمك اللى قالتلك تعملى كده .. مش كده .. قالتك تهيني مراتى وتقرفيها فى عيشتها عشان تطفشيها .. انا عارف تفكير أمك كويس .. لو كنتى فاكرة انك كده هتطفشيها

تبقى غلطانه انتى وأمك متلزمونيش ولو حد هيمشى من البيت ده هيبقى انتى فاحترمى نفسك يا بنت انتى أحسنلك

شعرت “أسماء” بالقهر والظلم وقالت :

– والله يا بابا معملتلها حاجة وماما ماقالتليش حاجة

صاحت زوجة أبيها قائله :

– يعني أنا بتبلى عليكي يعني أما قليلة الأدب صحيح .. يعني أنا كدابه

قال والدها بصرامة :

– شوفى يا “أسماء” مراتى تعامليها زى ما بتعاملى ماما بالظبط فاهمة ولو اشتكتلى منك تانى هزعلك يا “أسماء”

دخلت “أسماء” غرفتها ونظرت زوجة أبيها تتابعها فى تشفى .. انفجرت “أسماء” باكية وهى تشعر بأنها وصلت الى أعلى درجات التحميل .. ولن تستطيع تحمل المزيد

****************************************

توقفت سيارة فارهه أمام بناية أنيقة .. نزل السائق وفتح الباب لينزل من السيارة رجل فى العقد السادس من العمر بدت عليه القوة والصلابة رغم سنوات عمره المتقدمة

.. سار فى حزم الى أن وصل الى مكتبه بتلك الشركة الكبيرة .. دخل “سراج اليمانى” مكتبه لتلحق به مديرة مكتبه ومعها دفترها تذكره بمواعيده لهذا اليوم .. لكنه

قاطعها قائلاً :

– فين “عاصى” ؟

قبل أن تتمكن مديرة مكتبه من الرد .. سمع صوتاُ من خلفها يقول :

– صباح الخير يا بابا

نظر “سراج” الى ابنه “عاصى” الشاب ذو الثلاثين من عمره والذى يتمتع بعينان تشعان مكراً ودهاءاً تستطيع تبينه من أول وهلة .. كانت تعابير وجهه القاسية تشكل مع

ابتسامته الساخرة على ركن فمه صورة منفره تحذرك من الإقتراب من هذا الرجل .. نظر “عاصى” الى والده قائلاً بسخرية :

– كالعادة يا بابا أول ما بتحتاجنى بتلاقيني أدامك

أشار “سراج” الى مديرة مكتبه بالإنصراف .. بدت الجدية على ملامحه وهو يقول :

– انت عرفت ان القرية اللى جمب قرية الفيروز اتأجرت ؟

قال “عاصى” وهو يجلس :

– أيوة عرفت

سأل “سراج” بإهتمام وهو يضيق عيناه :

– مين اللى أجرها ؟ .. ومين اللى مساكها دلوقتى ؟

قال “عاصى” وهو يمط شفتيه :

– لسه منعرفش

قال “سراج” بصرامة :

– عايز بكرة بالكتير تكون عندى كل المعلومات دى

قال “عاصى بثقة :

– مدير القرية بتاعتنا هناك كلفته انه يشوفلنا الموضوع ده ومنتظر منه تليفون بالتفاصيل كلها .. متقلقش يا بابا

ثم قال بسخرية :

– وبعدين مين الغبي ده اللى رايح يفتح قرية سياحية جمب قرية “سراج اليمانى” .. دى لوحدها تخليك تعرف أد ايه هو شخص غبي وفاشل ومحسبهاش كويس

ثم قال بثقه وغرور :

– متقلقش يا بابا العين السخنة مفيش فيها الا قرية الفيروز .. وهنفضل أكبر و أشهر قرية فيها .. وأى حد هيفكر ينافسنا يبقى بينهى مشروعه بدرى بدرى .. لأن مصيره

هيبقى الخسارة .. محدش يقدر يقف أدام “سراج اليمانى” و ابنه “عاصى”

****************************************

أتت الخادمة لتنبئ “آيات” الجالسه فى حديقة الفيلا بزيارة آخر شخص توقعت رؤيته فى منزلها فى تلك اللحظة .. “سمر” .. قامت “آيات” تستقبل صديقتها بلهفة وفرحة

ظهرت فى ابتسامتها وعينيها وان لم تستطع التعبير عن ذلك بالكلام .. أجلستها “آيات” فى حجرة الصالون .. كانت تنظر الى “سمر” بسعادة .. فلطالما أحبت صحبتها واستمتعت

بها .. كانت تشعر معها دائماً بالراحة ونفسها تهفو الى الحديث معها .. ابتسمت “سمر” وهى تقول :

– ازيك يا “آيات” وحشتيني أوى

أومأت “آيات” برأسها مبتسمة .. فقالت “سمر” بحزن :

– لسه برده مبتتكلميش

اختفت ابتسامه “آيات” ليحل محلها الحزن .. قالت “سمر” بحزم :

– “آيات” اللى انتى فيه ده بإيدك انتى .. “آيات” لحد امتى هتفضلى كده .. فوقى بأه من اللى انتى فيه

نظرت اليها “آيات”بعبوس فقالت “سمر” :

– “آيات” يا حبيبتى .. انتى عارفه أن ليه مصاحباكى رغم ان من الواضح ان فى حاجات كتير مختلفة بينا

نظرت اليها “آيات” فأكملت “سمر” بجدية :

– لانك بنت من جواكى عاملة زى قطعة القطن فى بياضها ونقائها ورقتها

ابتسمت “آيات” بوهن فأكملت “سمر” بحماس :

– “آيات” بجد انتى ممكن تكونى أحسن من كده بكتير .. بكتير أوى .. بجد أنا بحبك أوى ولو مكنتش بحبك ما كنتش جيت لحد عندك عشان أقولك الكلمتين دول .. أنا كنت

حبه اتكلم معاكى بعيد عن “أسماء”

ظهرت علامات الدهشة على وجه “آيات” فقالت “سمر” :

– أسماء” كمان بنت كويسه من جواها بس عيبها انها عنيده شوية .. لكن انتى يا “آيات” بحسك زى الورقة البيضا اللى سهل الواحد يرسم عليها اللى هو عايزه .. وفى نفس

الوقت مش ساذجة ولا عبيطة .. لا انتى عاقلة وبتقدرى تواجهى مشاكلك .. عارفه يا “آيات” الانسان القوى هو اللى يقدر يواجه مشاكله ويحلها

صمتت قليلاً ثم قالت بتردد :

– فاكرة يوم ما جتيلى المستشفى واتكلمنا عن الحاجة اللى حصلت وكانت مضايقاكى

نظرت “آيات” الى الأرض بخجل وزفرت بضيق وهى تتذكر قلبة “آدم” التى تشعرها ذكراها بالضيق ةالنفور .. فأسرعت “سمر” قائله :

– مش بقولك كده عشان أضايقك .. لا بقولك كده عشان افكرك أد ايه انتى كنتى شجاعه .. ولما عرفتى ان كده غلط واجهتيه وقتها رغم مشاعرك القوية نحيته ورغم خوفك من

انه يزعل .. وفرحت أوى بجد بيكي وحسيت أد ايه انتى انسانه قوية

نظرت اليها “آيات” بحزن فقالت “سمر” بحنان :

– حبيبتى لازم تبتدى صفحة جديدة مع نفسك ومع ربنا يا “آيات” .. انتى كويسة من جوه بس ده مش كفايه .. لازم يبقى من بره زى من جوه يا “آيات” .. مش اللى بيحب حد

بيسمع كلامه ؟

أومأت “آيات” برأسها فقالت “سمر” :

– انتى بتحبي ربنا مش كده يا “آيات”

أومأت “آيات” برأسها مرة أخرى فقالت “سمر” بحماس :

– أهو ربنا بأه اللى انتى بتحبيه ده أمرك بشروط معينه للحجاب .. ولو شرط واحد مش موجود فيه يبقى الحجاب مش صحيح عارفه ايه هى الشروط دى ؟

نظرت اليها “آيات” بحيرة ثم هزت رأسها نفياً .. فقالت “سمر” بهدوء :

– انه يكون ساتر للجسم .. انه يكون واسع فضفاض مش موضح تفاصيل الجسم .. انه ميكنش زينة فى نفسه يعني ميكنش ملفت .. أنه ميكنش شفاف .. انه ميكنش معطر ببرفيوم

أو بخور .. انه ميكنش شبه لبس الرجال .. انه ميكنش شبه لبس الكافرات .. انه ميكنش لباس شهره يعني عشان الناس تشاور عليكي وانتى لابساه .. فهمتى يا “آيات” ؟

أومأت “آيات” برأسها وهى تزن فى عقلها ما قالته “سمر” .. فقالت لها “سمر” بحنان :

– والله يا “آيات” أنا صعبان عليا أوى أشوفك كده .. لانى حسه انك ممكن تكونى كويسة أوى أحسن منى كمان .. بجد والله مش بجاملك أنا فعلاً ساعات بحس انك أحسن منى

وممكن تكونى أحسن .. بس انتى خدى خطوة وهتلاقى بعدها ربنا ييسرلك كل حاجة

بدا على “آيات” التفكير فقالت “سمر” بحماس :

– ايه رأيك يا “آيات” تيجي معايا المسجد اللى أنا بروح أحفظ فيه .. والله المحفظة كويسة أوى وهتحبيها تحسي انها أختك الكبيرة بجد كلامها جميل بتعد تتكلم معانا

بعد ما تسمعلنا تقرألنا اللى هنحفظه .. ايه رأيك تيجي تجربى وان شاء الله الصحبة هتعجبك أوى .. ها ايه رأيك ؟

فكرت “آيات” قليلاً ثم ابتسمت بوهن وهى تومئ برأسها .. فاتسعت ابتسامة “سمر” قائلاً :

– خلاص يبأه ان شاء الله معادنا زى النهاردة لانى لسه راجعه من عندها النهاردة .. احنا بنتقابل فى مسجد قريب من بيتي .. ان شاء الله هاجى أخدك .. ولو عايزه

تسألى باباكى اسأليه وعرفيني هيقولك ايه .. وكمان لو عايزة “أسماء” تيجي معانا قوليلها واقنعيها بطريقتك انتى أقرب لـ “أسماء” منى قولتى ايه ؟..

ابتسمت “آيات” فربتت “سمر” على يدها قائله بإبتسامه :

– صدقيني هتبقى أحسن من دلوقتى مليون مرة .. بكرة تشوفى .. بس قولى يارب .. وخليكي معاه

**************************************

دخلت والدة “إيمان” عليها الغرفة لتجد أشيائها مبعثرة وعلى الكتب بعض الأطباق الفارغة وعلى الأرض كوب فارغ فهتفت بحده :

– ايه ده يا بت يا “إيمان” أوضتك مالها عامله زى الزريبة كده ؟

كانت “إيمان” جالسه فى منتصف فراشها تلعب فى هاتفها وفى يدها علبة باسكويت تأكل منها .. نظرت إليها “إيمان” ثم عادت تلعب فى هاتفها دون أن ترد فصاحت والدتها

بغضب :

– انتى يا بت مش بكلمك .. قومى يا معفنة نضفى أوضتك .. ريحتها تغم النفس

فتحت والدتها شباك الحجرة والتفتت اليها تقول فى غضب :

– قومى يا بت فزى

نهضت “إيمان” متثاقله وهى تقول بضيق :

– طيب حاضر هروقها

قالت والدتها متهكمة :

– أكل ومرعه وقلة صنعة .. ما انتى لو بتتحركى وتهزى لحمك ده هتخسى بدل ما انتى عاملة زى البروته كده

صاحت “إيمان” بحده :

– ماما خلاص مفيش داعى للكلام ده

قال والدتها بتهكم :

– بأه ده منظر دكتوره .. ييجوا زمايلك فى المستشفى يشوفوا عفانتك عشان محدش فيهم يبص فى خلقتك تانى

خرجت “إيمان” من الغرفة توجهت الى الحمام وأغلقت الباب عليها لتهرب من كلام أمها اللاذع .. جلست على طرف البانيو وأخذت تبكى فى صمت .. طرقت والدتها الباب بعنف

وقالت :

– اخلصى عايزة أكمل غسيل

صاحت “إيمان” بحده :

– طيب طيب

مسحت عبراتها وقامت لتغسل وجهها .. نظرت فى المرآة لترى وجهها المبلل وعينيها المنتفخة من السهر وكثرية البكاء وتلك الهالات التى ظهرت تحت عينيها فباتت واضحة

على بشرتها ناصعة البياض .. شعرت بالتقزز وهى تنظر الى وجهها أبعدت عينيها سريعاً حتى لا تستمر فى النظر الى وجهها الذى أشعرها كم هى قبيحه وغير مرغوبه

***************************************

لم تعد “أسماء” تتحمل معاملة زوجة أبيها .. ولا انحياز أبيها لزوجته الجديدة .. لم تعد تتحمل العيش مع امرأة اختارها والدها لتحل محل أمها ولتكون الخنجر الذى

يطعن أمها فى أنوثتها وكرامتها .. وصلت الى ذروة تحملها فقالت لوالدها بوهن :

– أنا عايزه أروح أعيش عند ماما يا بابا

لم يعترض والدها .. بل بدا وكأنه كان ينتظر طلبها .. ليخلو له البيت مع زوجته الجديدة .. حزمت أمتعتها فى أسى.. وهى تبكى ألماً وقهراً .. رأت نظرات الفرح والتشفى

فى عيني زوجة أبيها .. لم تؤلمها تلك النظرات بقدر ما ألمها غياب أبيها .. فلم يهتم حتى بوداعها أو بتوصيلها .. نزلت “أسماء” لتتوجه الى بيت جدها حيث تعيش أمها

.. مع جدها ومع خالتها الأرملة وابنيها .. كان الوضع بالنسبة لها يشعرها بالضيق لوجود الشابين معها فى نفس البيت .. لكنها أرغمت على ذلك فقد قررت ألا تعود أبداً

الى بيت أبيها .. كان البيت كبيراً مكوناً من طابقين .. حرصت “أسماء” على عدم ازعاج أحد بعدما قالت لها والدتها بحزم :

– أنا مش عايزة مشاكل فاهمة .. ملناش حته تانيه نروح فيها .. خليكى عاقله وراضى الكل يا اما هتلاقينى أنا وانتى اترمينا فى الشارع

امتثلت “أسماء” لأوامر أمها .. بل الأكثر أنها كانت تمضى معظم الوقت فى غرفتها لئلا يتضايق أحداً من وجودها .. كانت تعيش فى البيت بملابس البيت العادية وبشعرها

المكشوف رغم وجود الشابيين فى البيت .. كانت تشعر بأنه لأمر شاق عليها أن تتحجب طيلة الوقت خاصة وأن أحد الشابيين فى الثانوية العامة وان لم يكن فى احدى دروسه

فهو فى البيت قابع فيه دائماً .. أما الشاب الآخر أنهى كليته ولا يعمل فيقضى معظم الليل فى الخارج ومعظم النهار فى البيت نائماً .. لم يكن يضايقها سوى نظرات

هذ الشاب التى لم تكن تريحها بأى حال من الأحوال .. لذلك كانت تحاول دائماً أن تتحاشى رؤيته أو المكوث معه فى مكان واحد

***********************************

هتف “سراج” فى دهشة ممزوجة بالحيرة :

– ايه .. بتقول ايه يا “عاصى” ؟

قال “عاصى” بحده :

– زى ما بقولك يا بابا .. الكلب اللى اسمه “آدم” هو اللى ماسك القرية الجديدة واللى مأجرها رجل أعمال شغال فى مجال السياحة بس أول مرة يأجر قرية فى العين السخنة

قال “سراج” وقد عقد ما بين حاجبيه فى غضب :

– شكل اللى اسمه “آدم” ده مش ناوى يجيبها لبر

قال “عاصى” بغضب :

– ده أنا أولع فيه هو وأهله .. وزى ما رميته فى السجن هرجع أرميه تانى اظاهر انه اشتاقله أوى ونفسه يرجلعه تانى

قال “سراج” بحزم :

– متعملش أى حاجة من غير ما أعرف يا “عاصى”

ثم قال وهو شارداً :

– استنى شوية لحد ما الأمور تتضح أكتر ونعرف هو ناوى على ايه بالظبط

قال “عاصى” متهكماً :

– هيكون ناوى على ايه يعني يا بابا .. أكيد عايز يفرد نفسه ويقول أنا أهو .. بس واللى خلقه ما هسيبه المرة دى الا لما أطلع روحه فى ايدى .. لانى حذرته انه يبعد

عن طريقى لكن شكله غاوى مشاكل وبيعزها أد عنيه

قال “سراج” بجدية :

– عايز اعرف دبة النملة فى القريه دى ..الناس اللى شغاله معاه مرتاباهم مين دراعه اليمين البروجرام الترفيهي اللى عمله للسياح حتى أنواع الأكل اللى فى المنيو

.. عايز كل التفاصيل دى تكون عندى

قال “عاصى” بثقة وهو يرفع أحد حاجبيه :

– متخفش أنا ابتديت فعلاً أزرع ناس عنده فى القرية

ثم قال بغل :

– أما نشوف أنا ولا انت يا سى “آدم”

*************************************

دخل “آدم” غرفته وهو يشعر بإنهاك بالغ .. ألقى بنفسه فوق فراشه يريح ظهره المتعب .. طيلة الايام الماضية لم يذق غمضاً ولا راحة .. كان يعمل بهمة ونشاط حتى شعر

بالإنهاك .. أراد أن ينهى كل شئ فى أقرب وقت ليستطيع افتتاح القرية واعلان بدء الحرب .. ساعده انهماكه فى عمله على أن يتغلب ولو قليلاً على اشتياقه لـ “آيات”

.. لكن عندما يعود الى غرفته فى المساء لا يملك سوى التفكير فيها .. شعر برغبة قوية فى مهاتفتها والإطمئنان عليها ومعرفة حالها وهل تحسنت واستطاعت الكلام مرة

أخرى أم لا .. تنهد بقوة وهو يتذكر ما فعله بها وصدمتها حينما علمت بحقيقته فلم تتحمل مشاعرها الرقيقة الصادقة كل هذا الخداع والأكاذيب .. تذكر آخر مرة رآها

يوم إمتحان مادته .. كيف كانت عبراتها تتساقط فوق وجنتيها ومشاعر الألم محفورة على وجهها .. لكم يريد الآن أن يتحدث معها ويخفف عنها .. لكم أراد أن يخبرها بأنه

لم يكن ليؤذيها ولم يكن ينوى تركها .. أراد أن يخبرها بأن مشاعره تحركت تجاهها بالفعل .. وأنه تنماها بالفعل وأنه رغب بأن تصير زوجته بالفعل .. لكن تُرى هل

ستصدقه .. بالطبع لن تصدقه .. كيف تصدق من كذب عليها وخدعها .. كيف تثق به مرة أخرى .. شطح بخياله بعيداً .. عندما يتمكن من هزيمة “سراج” وابنه .. ويحقق ما

حلم به ويبنى نفسه مرة أخرى .. تُرى أتقبل به ان عاد اليها ؟ .. لم يحتج الى تفكير طويل فالإجابه جاهزة .. بالطبع لا .. لم تهتم “آيات” لا بماله ولا بثرائه

بل اهتمت بشخصه الذى صدمت فيه .. فلا فائدة اذن إن ملك الدنيا ووضعها تحت أقدامها .. مادامت نظرتها فيه قد تحطمت .. تذكر نفورها منه ونظرت عينيها الغاضبة المعاتبة

.. أصابه ذلك بالإحباط الشديد .. وقال فى نفسه .. انسى يا “آدم” .. انسى .. لن تفكر فيك بعد الآن .. لن تحترمك بعد الآن .. لن تكون لك بعد الآن .. شعر بالغيرة

تتسرب الى قلبه وهو يتذكر وقوفها مع “أحمد” الذى صرخ بأعلى صوته وسط الجامعة معلناً عن حبه لها وعن رغبته فى الزواج منها .. تُرى أمازال يعرض عليها الزواج ..

أستوافق “آيات” على الزواج منه .. أستصير فعلاً زوجة لغيره .. امتلأ قلبه بالألم وأخذ نفساً عميقاً عله يريح قلبه مما يعانيه .. تناول هاتفه واتصل بـ “زياد”

يتحدث معه قليلاً ليصرف ذهنه عن التفكير في “آيات” .. فى وسط حواره قال :

– آه صحيح كنت عايز أقولك حاجة مهمة

قال “زياد” :

– خير يا “آدم” ؟

قال “آدم” بحزم :

– أنا محتاجك معايا يا “زياد”

قال “زياد” بإستغراب :

– محتاجنى معاك ازاى يعني ؟

قال “آدم” بجدية :

– بص يا “زياد” انا محتاج معايا حد ثق فيه .. ومش هلاقى أحسن منك .. أنا عارف “سراج” و “عاصى” كويس جداً وعارف تفكيرهم .. زمانهم دلوقتى عرفوا انى مدير القرية

الجديدة وانى اخترت المكان ده بالذات عشان أحاربهم.. وأكيد هيحاولوا يدمرونى بكل الطرق .. أنا محتاج معايا حد أثق فيه لان كل اللى شغالين هنا لسه جداد ولسه

محطوطين تحت الاختبار .. عارف ان هيكون منهم جواسيس وناس هيقدر “عاصى” انه يرشيها عشان يوصلها .. عشان كده لازم يكون فى حد جمبي لو أنا مش موجود يكون هو عيني

اللى بشوف بيها .. فاهمنى يا “زياد” ؟

قال “زياد” بعد تفكير :

– طيب وشغلى يا “آدم”

قال “آدم” على الفور :

– أصلاً القرية اللى انت ماسكها دلوقتى قرية تعبانه لشركة صغيره .. يعني الفرصة اللى أنا بعرضها عليك أحسن مليون مرة من ادارتك للقرية التعبانه دى .. وكمان

المرتب هيكون زى ما انت عايز .. ده غير ان شغلك هيكون معايا أنا يعني لا صاحب القرية يقرفك ولا يطلع عينك لانى أنا المسؤل الأول والأخير عن كل حاجة فى القرية

لانى شريك فيها بمجهودى

صمت “زياد” يفكر في عرض “آدم” فحثه “آدم” قائلاً :

– مش هقبل رفض يا “زياد” .. بجد محتاجك جمبي .. وفعلاً دى فرصة بالنسبة لك .. وانت عارف كويس ان الشركة اللى انت شغال معاها شوية وهتلاقيهم صفوا أعمالهم لأن

الشركات الصغيرة اللى زى دى بتظهر بسرعة وتختفى بسرعة .. قولت ايه ؟

قال “زياد” مفكراً :

– هى فعلاً فرصة زى ما بتقول .. خاصة فعلا ان الشغل بأه زفت وانا فعلا متوقع انهم هيقفلوا الشركة قريب

قال “آدم” لهفه :

– طب ايه ؟

قال “زياد” مبتمسماً :

– شكلى مش هعرف أخلص منك أبداً

ضحك “آدم” قائلاً :

– أهو هو ده الكلام .. بجد فرحتينى يا “زياد”

ثم قال :

– بص بأه يا باشا تلم عزالك كده وتجيلى فى أقرب وقت .. فى بلاوى متلتله لازم تخلص قبل الإفتتاح .. قشطة يا معلم

ضحك “زياد” قائلاً :

– قشطة يا دكتور

**************************************

ما كادت “ساندى” تعلم بأن افتتاح القرية السياحية الخاصة بشركة والدها سيكون خلال شهر حتى قالت لوالدها بلهفه :

– بابا أنا عايزة أشتغل فى القرية السياحية الجديدة

قال والدها مستغرباً :

– بس احنا متفقين من زمان ان شغلك هيكون معايا فى الشركة يا “ساندى”

قالت بدلال :

– بس أنا حابه أشتغل فى القرية يا بابا .. عشان خاطرى يا بابا واقف .. وبعدين أكيد هستفاد كتير جداً من خبرة دكتور “آدم”

فكر والدها قليلاً ثم قال :

– طيب يا “ساندى” زى ما تحبي

عانقته “ساندى” قائلاً بمرح :

– ميرسي يا بابا

ابتسمت فى سعادة وهى تشعر بالحماس واللهفة لى العمل فى القرية السياحية .. بجوار “آدم”

************************************

انلقت الطائرة بـ “عبد العزيز” و ابنته فى طريقها الى المدينة .. فقد قرر “عبد العزيز” القيام بأداء العمرة قبل الذهاب الى رحلتهما .. أراد أن يدعو الله عز

وجل لابنته بالشفاء فى هذه البقعة المباركة .. وظن أن فى ذهابها خير كثير لها .. ود لو أدى معها مناسك الحج لولا أن الحج فى أشهر معلومات كما قال رسول الله

صلى الله عليه وسلم : ” الْحَجُّ أَشْهُرٌ مَعْلُوماتٌ : شَوَّالٌ وَ ذُو الْقَعْدَةِ وَ ذُو الْحِجَّةِ لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحُجُّ فِيمَا سِوَاهُنَّ “..

أخذ “عبد العزيز” يردد .. لبيك اللهم لبيك .. دون كلل أو ملل .. نظرت اليه “آيات” وهى تستمع اليه وتشعر بشعور غريب .. ودت لو استطاعت النطق لتلبى مثله .. فعلت

بقلبها .. حطت الطائرة ونزلت منها فى المدينة وهى تنظر الى حولها برهبة .. توجها الى الفندق لوضع حاجياتهما .. ثم توجها الى القبر النبي صلى الله عليه وسلم

لزيارته والسلام عليه ثم توجها الى مكة

أمرها والدها أن تقول بقلبها : ” بسم الله، والصلاة والسلام على رسول الله، اللهم اغفر لي ذنوبي، وافتح لي أبواب رحمتك ” .. فعلت مثلما قال والدها .. بمجرد

دخولها المسجد الحرام شعرت بشعور لذيذ يغمرها وتنبهت كل حواسها .. نظرت حولها الى المعتمرين لتشعر بسكينة وصفاء .. كانت تنظر حولها بدهشة ورهبة واستمتاع ..

شعور غريب لم تألفه من قبل .. كان والدها مستمر فى التلبية وهى كذلك .. حتى وصلا الى الكعبة فأمرها بقطع التلبية .. يالله نظرت “آيات” الى الكعبة لتشعر وكأن

الزمن توقف بها .. وكأن العالم كله ما هو إلا هذه البقعة المباركة ولا شئ سواها

لا تعرف “آيات” من أين أتتها تلك العبرات .. ولا لماذا أتت .. لكنها وجدتها تتساقط فوق وجنتيها بغزارة .. لم يكن الحزن سبب بكاءها .. بل كان التأثر الشديد ..

شعرت وكأنها أمام شئ عظيم .. شئ لا تستحق الوقوف أمامه ولا التواجد حوله .. شعرت بنفسها صغيرة للغاية .. ضعيفة للغاية .. مليئة بالذنوب والخطايا .. توجها الى

الحجر الأسود .. فإضطبع “عبد العزيز” – أى كشف عن كتفه الأيمن- من حظهما كان الزحام قد خف نوعاً ما .. فاستطاعا الاقتراب منه .. أمرها والدها بلمسه بيدها اليمنى

وتقبيله

تذكرت “آيات” كلام والدها قبل صعودهما الى الطائرة .. أخبرها أن فى تقبيل الحجر الأسود اتباع سنة .. ليس المقصود بها التبرك أو غير ذلك .. بل المقصود هو فعل

شئ فعله النبي صلى الله عليه وسلم .. تذكرت والدها حينما قال لها أن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال حين قَبَّل الحجر الأسود : (إني أعلم أنك

حجر لا تضر ولا تنفع ، ولولا أني رأيت النبي صلى الله عليه وسلم يقبلك ما قبلتك) .. وقال لها ايضاً أن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال ” إن مسح الحجر الأسود

والركن اليماني يحطان الخطايا حطاً ” .. شعرت بقشعريرة تسرى فى جسدها وهى تتلمس الحجر الأسود بيدها لم تتمالك نفسها مرة أخرى ففاضت عيناها بالبكاء .. أمرها

والدها قائلاً :

قولى “بسم الله، والله أكبر” عشان نبدأ الطواف

ففعلت “آيات” .. تذكرت كلام والدها أنهما سيطوفان 7 أشواط تبدأ من الحجر الأسود وتنتهى عنده .. وخلال ذلك تستطيع قراءة القرآن أو الدعاء أو الاستغفار ..

مسحت بيدها هى ووالدها على الركن اليمانى بدون تقبيل وسمعت ” عبد العزيز” يقول :

– رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ

ففعلت مثله

طافت “آيات” وهى تستغفر الله عز وجل وتبكى بحرقة .. مازالت تجهل أسباب بكائها لكن كل ما حولها يجعلها تبكى .. شعرت وكأن البكاء يطهرها .. ويزيل ما في قلبها

وروحها من آثام .. استشعرت بأن الله عز وجل يراها الآن .. تفعل ما أمر به .. وتستغفره .. فإزدادت حدة بكائها .. كان “عبد العزيز ” قد سبقها فى أول ثلاث أشواط

حيث الرمل – أى الاسراع فى السير- أما باقى الأربع أشواط فمشى مشياً عادياً استطاع أن يكون قريباً منها فيستمع الى بكائها .. نظر اليها فى حنان وأكمل دعائه

واستغفاره وتضرعه الى الله عز وجل لشفاء ابنته وحفظها من كل سوء ..

بعدما انتهيا من الطواف قام “عبد العزيز” بتغطية كتفه الأيمن واتجها الى مقام ابراهيم .. هو الحجر الذي كان إبراهيم عليه السلام يقف عليه عند بناء الكعبة ..

وفي هذا الحجر أثر قدمي إبراهيم عليه السلام

تذكرت كلام والدها أن عمر رضي الله عنه قال : “وافقت ربي في ثلاث، فقلت: يا رسول الله لو اتخذنا من مقام إبراهيم مصلى فنزلت: “وَاتَّخِذُوا مِن مَّقَامِ إِبْرَاهِيمَ

مُصَلًّى”

ذكرها والدها قائلاً :

– “آيات” يا بنتى .. هتقرى فى الركعة الأولى بعد الفاتحة سورة (قُلْ يَا أَيُّهَا الْكَافِرُونَ) .. وفي الركعة الثانية بعد الفاتحة سورة (قُلْ هُوَ اللَّهُ

أَحَدٌ)

أومأت برأسها ايجاباً وبدأت فى الصلاة .. بعدما انتهيت من صلاتها أخذها والدها حيث ماء زمزم .. ذلك الماء المبارك الذى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم : ”

ماء زمزم لما شرب له ”

شربه “عبد العزيز” بنية أن يقيه من عطش يوم القيامة ثم التفت الى “آيات” قائلاً :

– اشربيه يا بنتى بنية ان ربنا يشفيكي

شربت “آيات” ذلك الماء المبارك وهى تدعو الله عز وجل أن يشفيها ويفرج كربها ويزيل همها وينير بصيرتها .. شعرت بألن للماء مذاق خاص فى فمها .. لم تشعر من قبل

بان للماء طعماً .. لكن هذه شعرت وهى تشرب من زمزم بأن له طعماً مميزاً تمنت أن يبقى فى فمها للأبد .. بعد ذلك عادا الى استيلام الحجر الأسود مرة أخرى بالتقبيل

.. ثم توجها الى المسعى وعندما اقتربا من الصفا تلا “عبد العزيز” قول الله تعالى (إِنَّ الصَّفَا وَالْمَرْوَةَ مِنْ شَعَائِرِ اللَّهِ فَمَنْ حَجَّ الْبَيْتَ

أَوِ اعْتَمَرَ فَلا جُنَاحَ عَلَيْهِ أَنْ يَطَّوَّفَ بِهِمَا وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْراً فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ) وكذلك فعلت “آيات” ..

بعدما صعدا الى الصفا نظرا الى الكعبة واستقبلا القبلة وردد “عبد العزيز” ثلاث مرات ومعه “آيات” :

– اللهُ أكبر ، اللهُ أكبر، اللهُ أكبر ، لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملكُ، وله الحمدُ، وهو على كلِّ شيء قدير، لا إله إلا الله وحده، أنـجز وعده،

ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده

بدأ هو و “آيات” فى السعى وقراءة القرآن والدعاء والاستغفار حتى وصلا الى المروة .. رددا ثلاث مرات مع النظر الى الكعبه :

– اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ ، اللهُ أكبرُ،لا إله إلا الله ، وحدهُ لا شريكَ له ، لهُ الملكُ، ولهُ الحمدُ ، وهو على كلِّ شيء قدير ،لا إله إلا الله، وحده

، أنـجز وعده، ونصر عبده، وهزم الأحزاب وحده

ظلا يسعيان بين الصفا والمروة .. وبعدما أتما الشوط السابع عند المروة قام “عبد العزيز” بحلق جميع شعر رأسه .. وقص لـ “آيات” مقدار عقلة الاصبع من شعرها ..

بدل “عبد العزيز” ملابس الإحرام بملابسه العادية .. أما “آيات” فظلت فى الملابس الفضفاضة التى ارتدتها لأداء العمرة .. مكثا فى مكة بعض الوقت وحملا معهما الهدايا

وماء زمزم .. وتوجها الى الكعبة وطافا بها طواف الوداع قبل أن يغادرا مكة .. شعرت آيات وهى تطوف طواف الوداع وكأنها تودع شخصاً عزيزاً .. شعرت بأنها ستفتقد

هذا المكان بشدة .. شعرت براحة وسكينة لم تألفهما من قبل .. شعرت وكأن كل همومها وأحزانها قد زالت وكأنها ولدت فى ذلك اليوم بقلب جديد .. روح جديدة .. شعرت

بسعادة بداخلها لا تدرى سببها .. شعرت بأنها ستعود الى هذا المكان مرة أخرى .. بل مرات .. فحنينها لهذا المكان بدأ ولن ينطفئ أبداً

نظرت من شباك الطائرة الى المدينة قبل أن تغادرها .. نظرت لها من السماء بملء عينيها وكأنها تحفر صورتها فى قلبها وعقلها .. أسندت رأسها الى المقعد وهى تتنهد

فى راحة .. وتتذكر ما فعلته فى العمرة .. ربت والدها على يدها وابتسم لها قائلاً بحنان :

– مبسوطة يا “آيات” ؟

نظرت اليه وابتسمت .. اغرورقت عيناه وهو يراها لأول مرة منذ فترة تبتسم بسعادة .. وتلمع عيناها بهجة .. شعر بأنه يرى “آيات” التى افتقدها والتى اشتاق الى رؤيا

ابتسامتها العذبه .. اتسعت ابتسامته وهو ينظر اليها بحنان .. كان ينتظر منها ايماءة برأسها لتجيب بها عن سؤاله كما هى عادتها .. لكن دموعه أخذت فى التساقط على

وجنتيه عندما ردت قائله :

– الحمد لله

………..يتبع

عرض التعليقات (14)