جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثامن

9 3٬807
 

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثامن

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثامن

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثامن

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثامن, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل السادس عشر

نصلي اولا على حبيبنا محمد -عليه الصلاة والسلام- .

بعد فترة طويلة من الإنتظار شعر “آدم” بالتوتر الشديد مد يده الى جيبه ليشعل احدى سجائره .. إلا أنه تذكر وجوده فى المستشفى فأعاد العلبة الى جيبه مرة أخرى .. نهض من مقعده وهو يدور حول نفسه كالطير الجريح .. كان التوتر قد أخذ منه مبلغه .. وأخيراً انفتح الباب .. وخرجت والدته من حجرة الآشعة على الترولى .. كانت قد بدأت فى الإفاقة قليلاً .. قال “آدم” للطبيب بلهفة :

– خير يا دكتور ؟

قال الطبيب :

– لا اطمن ان شاء الله بسيطة .. بس المسكن اللى خدته مكنش كافى ففقدت وعيها من شده الألم

شعر “آدم” بالألم وهو يقول بندم شديد :

– أنا السبب

ثم نظر الى الطبيب قائلاً :

– طيب والآشعة اللى حضرتك عملتها على راسها ؟

قال الطبيب :

– لا متقلقش الحمد لله الوضع مطمئن .. بس أهم حاجة ترتاح كويس الفترة اللى جايه

قال “آدم”

– حاضر يا دكتور

توجه “آدم” الى غرفة والدتها .. رآها وقد فتحت عيناها وتدور بهما فى الغرفة .. اقترب منها ببطء .. فالتفتت تنظر اليه .. ما كادت العبرات تقفز الى عينيها حتى قفزت الى عينيه هو الآخر .. اقترب منها وجلس بجوارها وقبل رأسها المضمد ويديها ودموعه تغرقهما وهو يقول بصوت مرتجف :

– أنا آسف يا ماما .. بجد آسف

بللت العبرات وجهها وشهقات بكائها تمزق قلبه فنظر اليها بتأثر قائلاً :

– أنا عارف ان أنا ابن عاق .. ادعيلى ان ربنا يهديني

تحدثت أمه بصوت واهن وهى تقول :

– بدعيلك يا “آدم” .. بدعيلك يا ابنى ان ربنا يهديك ويكفيك شر نفسك

قبل يديها مرة أخرى ثم مسح العبرات المتساقطة فوق وجهه قائلاً بحزم :

– بمجرد ما صحتك تتحسن .. هاخدك تيجي تعيش معايا .. مش ممكن أسيبك هنا تانى

ابتسمت أمه وأجهشت فى البكاء وهى تقول :

– وحشتنى أوى يا “آدم”

شعر “آدم” برغبة قوية فى البكاء .. رغبة لم تجتاحه من قبل كما هى الآن .. شعر بشئ محبوس بداخله يخنقه ويتمنى أن يخرج .. وضع رأسه فوق كتف والدته وأجهش فى البكاء .. ربتت أمه بيدها على شعره وهى تلف ذراعيها حوله كالطفل الصغير .. علت شفتيها ابتسامه من بين دموعها وهى تضمه اليها بشدة خشية أن يبتعد عنها مرة أخرى .. قالت أمه بصوت مرتجف :

– ربنا يهديك يا “آدم” .. ربنا يهديك

رفع “آدم” رأسه ونظر اليها بوجهه الباكي قائلاً :

– مسامحانى ؟

نظرت أمه اليه بحنان قائله :

– لما تبقى أب هتعرف ان ابنك ده حته منك مينفعش تغضب عليه عشان رضاك عليه من رضا ربنا فمش هيجيلك قلب تفضل غضبان عليه .. وهتسامحه وتاخده فى حضنك .. ومهما عمل فيك هتفضل تحبه وتدعيله

قبل “آدم” رأسها برفق وقال بتأثر :

– أنا مستهلكيش على فكرة

أمسكت وجهه بين كفيها وقالت بحزم :

– لا تستاهل .. بس ارجع “آدم” ابنى .. وسيبك من الطريق اللى انت ماشى فيه ده

تنهد “آدم” بحزن .. ثم نظر اليها قائلاً برقه :

– نامى دلوقتى .. الدكتور قال انك محتاجه راحه .. ومتقلقيش هفضل جملك لحد ما تقومى بالسلامة وأخدك معايا

ابتسمت أمه بسعادة وهى تنظر اليه وتتأمله .. تشبع شوقها اليه طوال الفترة السابقة

**************************************

ظلت “آيات” تدعو وتستغفر الله عز وجل وهى تنتظر خروج والدها من حجرة العمليات .. مرت ساعة وراء ساعة ونار الإنتظار تأكلها وتنهش فيها .. تنظر الى الباب المغلق وتتمنى أن يتحرك ويُفتح .. ظلت تنظر اليه تأمره بعينيها أن ينفتح .. الى أن استجاب لها .. خرج الطبيب فنهضت بلهفة تسأله وعيناها حمراوين من شدة البكاء .. قالت بصوت مبحوح :

– بابا عامل ايه دلوقتى يا دكتور ؟

التفت الطبيب حوله ثم قال :

– انتى مفيش حد من قرايبك معاكى ؟

هزت “آيات” رأسها نفياً وهى تقول بضعف :

– لا أنا مليش حد غير بابا

نظر اليها الطبيب بشفقة .. فقالت تحثه على الكلام وهى تمسح الدموع التى تبلل وجهها :

– هو كويس ؟ .. هيخرج امتى ؟

تنهد الطبيب وقال بحنو :

– معلش يا بنتى .. البقاء لله

تسمرت “آيات” فى مكانها .. تنظر الى الطبيب وقد حبست أنفاسها .. بدت عيناها كبئرين ماء امتلآ على آخرهما .. تمتمت قائله :

– ايه ؟

نظر اليها وقد أشفق على حالها فقال بأسى :

– قلبه متحملش العملية .. للأسف اتوفى

لم ترفع “آيات” عيناها عن الطبيب .. أخذت دموعها تتساقط وهى تكرر :

– ايه ؟

نادى الطبيب احدى الممرضات وقد شعر بالقلق على “آيات” .. قال لها :

– خليكي معاها متسبيهاش

استمرت “آيات” فى النظر اليه ودموعها لا تتوقف عن الإنهمار .. ورددت للمرة الثالثه :

– ايه ؟ .. بتقول ايه ؟ .. فين بابا ؟

اضطرب تنفسها وهى تحاول أن تستوعب ما قاله نظرت الى غرفة العمليات وأخذت تنادى :

– بابا .. بابا .. اخرج يا بابا أنا مستنياك

حاولت الممرضة أن تمسك ذراعيها لتبعدها عن غرفة العمليات .. فنفضت “آيات” ذراعيها منها بقوة وهى تصيح :

– بابا .. بابا اطلع أنا مستنياك

حاولت اقتحام غرفة العمليات لكن الطبيب أمسكها وهو يصيح فى الممرضة :

– هاتيلى حقنة مهدئ بسرعة

أجهشت “آيات” فى البكاء وهى تصرخ بأعلى صوتها :

– بابا .. بابا اطلع .. بابا

قال لها الطبيب وهو يحاول أن يهدئها :

– لا حول ولا قوة الا بالله .. اهدى يا بنتى

خارت قواها على الأرض وهو ممسكاً بها وأخذت تصيح :

– بابا اطلع بأه .. بابا اطلع

التف حولها عدد من الممرضات .. اخذت تبكى بحرقة .. حملوها الى الترولى وأدخلوها احدى الغرف ومازالت صيحات بكائها تشق قلب من يسمعها

*****************************************

أمضت “أسماء” الليل فى غرفتها وهى جالسه فوق فراشها تبكى قهراً .. أزاحت التسريحة ووضعتها خلف الباب حتى لا يتمكن ابن خالتها من الدخول مرة أخرى الى غرفتها .. فى الصباح تخيرت “أسماء” عباءة واسعة ارتدتها وارتدت فوقها حجابا طويلا وخرجت من الغرفة .. تجمعت الأسرة حول طاولة الطعام .. لمحت نظرات السخرية فى عيني “هانى” وهو ينظر الى ملابسها .. تذكرت أحداث الليلة الماضية فلم تجد فى نفسها رغبة فى تناول الطعام .. نهضت وتوجهت الى غرفتها بعدما طلبت من خالتها مفتاح لغرفتها فقالت لها :

– عايزاه ليه ؟

قالت “أسماء” بإرتباك :

– عادى يا خالتو

قالت خالتها بلا مبالاة :

– هبقى أدورلك عليه

دخلت “أسماء” غرفتها وأغلقتها مرة أخرى بالتسريحة .. تعلم بأنه لن يجرؤ على افتحام غرفتها فى وضح النهار لكنها لم يكن لديها استعداد للمخاطرة .. فتحت الشرفة وخرجت تستنشق الهواء الساخن .. الذى ألهب عينيها ففاضت دموعها مرة أخرى .. قالت لنفسها :

– هى مش هتتحل بأه يا “أسماء” !

*****************************************

ساعد المحامى “آيات” فى اجراءات الدفن .. خانتها ذاكرتها فلم تتصل بـ “سراج” لتخبره بوفاة أخيه .. ولا حتى بـ “أسماء” .. كانت فى دنيا غير الدنيا .. ولولا وجود دادة “حليمة” بجوارها لماتت فى بيتها جوعاً أو حزناً دون أن يشعر بها أحد .. سقطت مغشياً عليها مرات عدة فأسرعت دادة “حليمة” بمساعدتها وبمداواتها .. دُفن “عبد العزيز” فى مقابر العائله .. عادت “آيات” الى الفيلا الخالية .. أخذت تنظر الى كل ركن فيها بألم .. فكل مكان بها يحمل ذكرى لها مع والدها الحبيب .. جلست على فراشها متعبة مرهقة .. فقالت لها “حليمة” بإشفاق :

– أجبلك تاكلى يا حبيبتى

هزت “آيات” رأسها نفياُ وهى تضع رأسها على الوسادة وتغمض عينيها

مسحت “حليمة” بكفها على شعر “آيات” وهى تقول بحنان :

– طيب نامى دلوقتى يا بنتى ولما تصحى هحضرلك الغدا

لم تجد “آيات” فى نفسها رغبة لفعل أى شئ سوى .. النوم .. حيث تهرب من الواقع الى عالم الأحلام .. لكن واقعها اخترق حلمها بقوة لتقوم فزعة من نومها وهى تصرخ :

– بابا

هرولت “حليمة” من المطيخ قائله :

– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم .. انتى كويسة يا “آيات” ؟

قالت “آيات” بوهن :

– أيوة

جلست “حليمة” بجوارها .. فوضعت “آيات” رأسها على الوسادة مرة أخرى لتتساقط منها عبرات صامته .. مسحت “حليمة” وجه “آيات” المبلل .. ودون أن تشعر .. بكت هى الأخرى

نهضت “آيات” فى منتصف الليل وأمسكت مصحفها تقرأ من كتاب الله وقد فاضت عيناها .. نوت بقلبها اهداء ثواب تلك القراءة لأبيها .. لم تستطع أن تكمل .. قطع عليها بكائها القراءة .. كانت تشعر بألم يمزقها الى أشلاء .. كيف تتحمل فقدان أبيها .. لم يكن فقط أباً .. بل كان كل عائلتها وكل صحبها .. كان شعورها كمن فقد عائلته كلها فى يوم واحد .. أخذت ترفع يديها بالدعاء له بالرحمة والمغفرة

******************************************

أمضى “آدم” الاسبوع بجوار والدته فى المستشفى .. لم يتركها خلاله الا لفترات قصيرة ثم يعود اليها مرة أخرى .. تابع سير العمل بالقرية عن طريق الهاتف .. وتابعه “زياد” بالأخبار أولاً بأول .. كانت أمه سعيدة بهذا التغير وهذا الإهتمام منه .. قالت له فى احدى المرات وهى تنظر اليها متبسمه :

– ياه .. كنت وحشنى أوى يا “آدم”

ابتسم “آدم” فأكملت دامعة العينين :

– كان وحشنى ابنى اللى بيخاف عليا وبيهتم بيا .. كان وحشنى أوى

جلس “آدم” بجوارها قائلاً :

– طيب بلاش عياط علشان خاطرى

ابتسمت وهى تحاول اخفاء تأثرها وقالت :

– حاضر يا ابنى خلاص مش هيعط

ثم نظرت اليه قائله :

– شغلك مش متعطل يا “آدم” ؟

قال “آدم” :

– لا متقلقيش يا ماما أنا متابع كل حاجة بالتليفون .. وكمان “زياد” هناك فعشان كده مطمن

قالت أمه بسعادة :

– ما شاء الله هو “زياد” بيشتغل معاك

ابتسم قائلاً :

– أيوة

قالت أمه بحنان :

– طول عمركوا روحكوا فى بعض .. ربنا ما بيفرق بينكوا أبداً

قال “آدم” بمرح وهو ينظر الى هاتفه :

– أهو بيتصل ياريتنا كنا جبنا سيرة ربع جنيه

رد “آدم” قائلاً :

– أيوة يا “زياد”

قال “زياد” بتوتر :

– أيوة يا “آدم” .. ازى طنط عاملة ايه دلوقتى

قال “آدم” وقد انتبه لتغير صوته :

– أحسن الحمد لله .. ما صوتك .. فى حاجة حصلت ؟

تنهد “زياد” بضيق وبلهفة كما لو كان لا يستطيع الإنتظار أكثر ليخبره بما لديه :

– لازم تيجي تلحقنى بسرعة يا “آدم” فى حريقة فى القرية

صاح “آدم” وقد هب واقفاً :

– ايه .. حريقه ؟

نظرت اليه أمه بجزع وقالت :

– لا حول ولا قوة الا بالله

قال “زياد” بإضطرب :

– أيوة حريقة .. لسه المطافى ماشيه من شوية

صاح “آدم” قائلاً :

– فى حد مات ؟

قال “زياد” بسرعة :

– لا اطمن لا فى حد مات ولا حد اتصاب لان الكلام ده حصل بالنهار مكنش فى حد فى الملهى

صاح “آدم” بغضب بالغ :

– الملهى ؟ .. الحرقة كانت فى الملهى ؟

تنهد “زياد” قائلاً :

– أيوة النار مسكت فيه .. وللأسف المطافى جت متأخر وجزء كبير منه اتفحم

قال “آدم” بغضب هادر :

– مفيش غيره .. “عاصى” الكلب هو اللى عملها

قال “زياد” بقلق :

– متتهورش يا “آدم” لو سمحت أنا بلغت البوليس وهو أكيد هيعرف مين اللى عمل كده

قال “آدم” بعنف وبدا وكأنه لم يستمع الى كلمات “زياد” :

– أنا هوريك يا “عاصى” الكلب .. اذا كنت حابب شغل البلطجة معنديش أى مشكله اشرب بأه

كان “آدم” يغلى من الغضب فقالت له والدته بقلق :

– خير يا “آدم”

قال “آدم” بحده :

– مفيش شوية مشاكل فى الشغل متشغليش بالك يا ماما

قالت أمه وهى تنظر اليها بإشفاق :

– طيب يا حبيبى سافر انت متعطلش شغلك بسببى أنا بقيت كويسة

نظر “آدم” اليها بحزم قائلاً :

– مش هسيبك هنا يا ماما .. هتيجي معايا

ثم توجه الى الخارج قائلاً :

– هروح أسأل الدكتور إذا كان ينفع تسافرى ولا لأ

**************************************

صاحت “أسماء” بحده :

– انتى بتستعطبى يا “آيات” بجد زعلتيني منك جداً اسبوع يا “آيات” .. اسبوع وأنا معرفش ان باباكى اتوفى وألفه موبايلك كمان

قالت “آيات” بوهن وهى جالسه فى فراشها :

– معلش يا “اسماء” أنا مكنش عقلى فيا .. مكنتش قادرة أتكلم ولا حتى أشوف حد

قالت “أسماء” وهى تجلس بجوارها :

– بس أنا مش حد يا “آيات”

قالت “آيات” ودموعها تتساقط على وجهها :

– معرفش بأه .. أنا كنت طول الوقت بنام عشان أهرب من التفكير .. وبعدين لما فوقت كلمتك وقولتك

عانقتها “أسماء” قائله :

– يا حبيبتى يا “آيات” .. معلش ربنا يرحمه

بكت “آيات” قائله :

– مش قادرة يا “أسماء” مش قادرة أتحمل فراقه .. مش قادرة أصدق انه خلاص مات .. بنام وبصحى أحس انه هيخبط على بابا أوضتى .. ويقولى تعالى اتعشى معايا .. ويكلمنى عن الرحلة اللى هنطلعها سوا .. ده وعدنى ياخدنى للحج السنة دى .. وهنطلع عمره كل سنة .. مش قادرة اصدق انى خلاص مش هشوفه تانى .. ازاى مشوفوش تانى يا “أسماء” .. ازاى .. ازاى هعيش من غير بابا .. ازاى بابا معدش موجود .. ازاى معدتش هسمع صوته .. يعني هو كده خلاص معدش هيكون موجود تانى .. خلاص كده هفضل عايشه من غير ما أشوفه

انهمرت العبرات من عيني “أسماء” وهى تنظر الى صديقتها فى أسى واشفاق وقالت :

– ربنا يصبرك يا “آيات”

نظرت “أسماء” الى الحقائب التى تملأ الغرفة وقالت :

– انتى هتسيبى الفيلا امتى ؟ .. وهتروحى فين ؟ .. ودفعتى أصلا فلوس العملية ازاى ؟ .. معاكى فلوس ؟

قالت “آيات” وهى تحاول تمالك أعصابها :

– خدت دهبى .. وبعته ودفعت جزء من احساب العملية .. ولما الشركة اتباعت كملت ودفعت باقى حساب المستشفى .. الفيلا كمان اتباعت بكل اللى فيها فى المزاد بس مديني مهلة لآخر الشهر عشان أخرج منها

قالت “أسماء” بإستغراب :

– بس مش المفروض عمك ده اللى بتكرهوه يورث فى باباكى

قالت “آيات” :

– لا .. الميراث مبيتوزعش الا بعد تسديد الديون .. مش ربنا بيقول فى سورة النساء “من بعد وصية يوصى بها أو دين ”

ثم قالت بألم :

– مع انى برده هيبقى عليا أكيد ديون .. لان المحامى قالى ان الفلوس بتاعة الفيلا والعربية مش هتكفى .. فهضطر أبيع عربيتي وللأسف معنديش حاجة تانى أبيعها والفلوس اللى باسم بابا فى البنك كمان راحت

قالت “أسماء” بأسى :

– ده ايه الهم ده

ثم قالت بحزم :

– بيعي عربيتك وخلى فلوسها ليكي انتى .. انتى أولى بيها وسيبك من موضوع الديون واللى يسألك قولى ممعكيش

نظرت اليها “آيات” بلوم وبألم وقالت :

– انتى تعرفى ان فى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم بيقول ” يغفر للشهيد كل شىء إلا الدين” .. وكمان فى حديث عن النبي صلى الله عليه وسلم “أن النبي صلى الله عليه وسلم أتي بجنازة ليصلي عليها، فقال: هل عليه من دين؟ قالوا: نعم، قال: صلوا على صاحبكم، قال أبو قتادة: علي دينه يا رسول الله، فصلى عليه” ..يعني الرسول مصلاش على الميت صاحب الدين الا بعد ما حد من الصحابة قال انه هيسدد عنه دينه .. ازاى أسيب بابا من غير ما أسدد دينه

تنهدت “أسماء” بأسى وقالت :

– والله لو كان معايا حاجة يا “آيات” مكنتش اتأخرت عنك

قالت “آيات” وهى تنظر اليها ممتنه :

– عارفه يا “اسماء”

قالت “أسماء” :

– أمال انتى هتعيشي فين بعد ما تسيبي الفيلا ؟

قالت “آيات” بحيرة واسى :

– معرفش .. معرفش

*************************************

أغلق “عاصى” الهاتف وهو يضحك بشدة .. سأله والده الجالس معه فى المكتب قائلاً :

– خير متضحكنا معاك

قال “عاصى” بسعادة :

– مفيش .. “آدم” كان مسافر القاهرة فبعتله هدية صغيرة نستقبله بيها لما يرجع

قال أبوه بإستغراب :

– هدية ايه يا “عاصى” ؟

قال “عاصى” بتشفى :

– ولعتله فى الملهى الليلى اللى فرحان بيه

ضرب “سراج” بقوة على المكتب فإنتفض “عاصى” .. صاح “سراج” بغضب :

– أنا مش قولتلك متعملش حاجة من غير ما ترجعلى يا “عاصى”

قال “عاصى” بغيظ :

– هو اللى بدأ اللعب بالنار .. اللى يلعب بالنار تلسعه

صاح “سراج” بحده :

– غبي يا “عاصى” .. غبي .. انت عارف “آدم” كويس .. مش من النوع اللى يخاف ويكش .. انت عارفه كويس ايه اللى خلاك تتهور كده

قال “عاصى” بحده :

– هيعمل ايه يعنى ولا يقدر يعمل حاجة

هتف “سراج” بحده :

– غور من دامى يا “عاصى” .. وتروح حالا القرية تأمن عليها كويس وتخليك فيها اليومين دول لانى واثق ان “آدم” مش هيسكت .. وأى حاجة جديدة تبلغنى بيها فوراً

ثم صاح محذراً وهو يشير بإصبعه :

– واياك حسك عينك تعمل حاجة من غير ما ترجعلى .. فاهم يا غبي

خرج “عاصى” من مكتب والده وعلامات الغضب على وجهه .. وقف أمام المصعد وهو يتمتم بغضب :

– أكنى عيل صغير اعملى يا “عاصى” .. واياك تعمل يا “عاصى” .. حاجة تقرف

************************************

توجه “آدم” مع والدته الى منزلها يجمع حاجياتها ثم انطلق بها الى العين الساخنة .. كان “آدم” شارداً طوال الطريق يفكر بغيظ فيما فعله “عاصى” بقريته .. فليس لديه أدنى شك بأنه وراء حرق الملهى الليلى .. تلقى اتصالات عديدة من “شكرى” الذى بدا غاضباً لكن “آدم” طمأنه بأن الخسائر ليست كبيرة وبأن الإقبال على القرية لم يتأثر بتلك الحادثة .. لكن “آدم” صمم على تلقين “عاصى” درساً حتى لا يتجرأ مرة أخرى على الإقتراب منه ..أوصل والدته الى الشاليه وتوجه من فوره الى الملهى الليلى .. عاينه بغضب وهو يتفحص الخسار ثم صاح بغضب :

– ابن التييييييييييت

قال “زياد” بهدئه :

– الحمد لله انها جت على أد كده يا “آدم” .. كويس ان محدش اتصاب ولا حد مات والا كانت هتكون فضيحه بجد

خرج “آدم” مسرعاً واجتمع بالحرس الخاص الذى استأجرهم .. و … أمرهم بما يجب أن يفعلوه .. قوبل بالإعتراض فى البداية .. لكن الإعتراض اختفى بعدما لوح “آدم” بالثمن !

***********************************

أثناء الغداء قالت والدة “سماء” :

– أنا خارجه النهاردة مع خالتك وجدك رايحين نزور ناس قريبنا فى البلد وهنرجع متأخر

خشت “أسماء” من البقاء بمفردها فى المنزل فقالت بلهفه :

– لا أنا جايه معاكوا

لم تعترض والدتها حانت منها التفاته الى “هانى” الذى ابتسم لها بسخرية .. قامت وتوجهت الى غرفتها فكانت رؤيته تسبب لها الغثيان .. بعد منتصف الليل عادوا من الخارج والكل متعب مرهق .. توجهت “أسماء” الى غرفتها ووضعت التسريحة خلف الباب كعادتها كلما دخلت الى غرفتها .. ما كادت تلتفت حتى رأت “هانى” أمامها .. كادت أن تصرخ لكنه وضع يده على فمها يكممه قائلاً :

– ششششش لو فتحتى بوقك هتبقى فضيحه وهقولهم انى كنت نايم فى أوضتك لأنها طراوه .. وانتى اللى بتتبلى عليا

بكت “أسماء” وهى تقول له :

– حرام عليك بأه .. أنا بنت خالتك مش واحده من الشارع

كالمرة السابقة لم يعبأ لبكائها ولا لتوسلاتها .. وجذبها الى الفراش .. أخذت تهتف بين شهقات بكائها المرير :

– كفاية بأه

انتهت تلك الدقائق الكريهة كسابقتها وعاد الى غرفته منشياً شاعراً بالإنتصار .. أما “أسماء” فكانت نفسيتها وأعصابها فى الحضيض .. ظلت تتلوى فى فراشها بعدما تقيأت بشدة وأصابها الإعياء .. أغمضت عينيها بشدة وهى لا تتمنى إلا شئ واحد … المــوت

**************************************

استيقظ “عاصى” على صوت هاتفه .. رد بصوت ناعس :

– أيوة

صاح الطرف الآخر :

– الحق يا أستاذ “عاصى” فى بلطجية دخلوا القرية بعربيات جيب وكسروا الواجهة والازاز اللى فى المدخل .. وولعوا فى الجنينة ومحدش عرف يمسكهم ..

هب “عاصى” واقفا وارتدى ملابسه على عجالة ونزل يرى المصيبة التى أصابت قريته .. وجت النزلاء قد تجمهروا فى الأسفل وهم ينظرون بجزع الى الحريق الكبير المشتعل فى الحديقة والزرع فصاح قائلاً :

– طلبوا المطافى بسرعة

صاح مدير القرية :

– طلبناها يا أستاذ “عاصى”

صاح به “عاصى” بحده وهو يرى الزجاج المحطم والتماثيل المهشمة والنار التى تلتهم كل ما يقابلها :

– وكنت فين حضرتك لما ده حصل وفين الأمن

قال مدير القرية بقلق وارتباك :

– كل حاجة حصلت فجأة .. دلخوا بعربيات جيب ورموا ملوتوف على الجنينة وحجارة على الواجهات وعلى ما جينا نتصرف لفوا ومشيوا بسرعة

صاح “عاصى” بغضب هادر :

– اتفضل قفل حسابك وسلم شغلك وشوفلك مكان تانى ديره .. انت كبيرك أوى تدير حضانة اطفال مش قرية سياحيه

شعر مدير القرية بالمهانة وتوجه الى الداخل مسرعاً بغضب .. وقف “عاصى” ينظر الى ما حوله بغيظ وقد تعالت صيحات الإستنكار من النزلاء فصاح بغضب :

– حد يطلب المطافى

*************************************

توجهت “آيات” الى مكتب محامى والدها .. كانت هذه هى المرة الأولى التى تحتاج لأحد غير والدها .. وتطلب منه شيئاً ما .. شعرت بحرج بالغ .. قالت ورأسها منخفض :

– أنا محتاجة مبلغ صغير وهمضيلك وصولات أمانه

صمت المحامى قليلاً ثم قال متهرباً :

– انا لو كان معايا فلوس مكنتش أعزها عليكي بس أنا حالياً بمر بأزمة مالية خاصة بعد ما شغلى فى شركة والدك انتهى .. يعنى أنا زيي زيك

نظرت اليه بألم وقالت :

– بس أنا مفيش مكان حتى أورح فيه .. محتاجة على الأقل أأجر شقة .. والفلوس اللى اتبقت من بعد بيع العربية مش هتكفي الا ايجار كام شهر .. ده غير الأكل والشرب والمصاريف

قال المحامى بلامبالاة :

– انزلى اشتغلى .. انتى متخرجة ومعاكى شهادة وأكيد هتلاقى شغل كتير

قالت “آيات” بيأس والدموع فى عينيها :

– طيب حضرتك متقدرش تشوفلى شغل فى أى شركة ؟

قال المحامى وهو يمط شفتيه :

– هحاول أشوفلك

خرجت ” آيات” من مكتبه تنظر الى الشارع المزدحم وقد امتلأت عيناها بالعبرات .. نظرت الى المارة فى الشارع بألم وهى تستعد لأول مرة لمواجهة الحياة بمفردها .

الفصل السابع عشر

صلوا على رسول الله

تجولت “آيات” فى الفيلا تتأمل كل ركن فيها بأعين دامعة .. تجمع ما يعز عليها فراقه .. وتضعه فى حقيبتها .. تجمعت الحقائب فى الأسفل .. فتحت شرفة غرفة المعيشة ووقفت تنظر الى القمر بأعين دامعة .. هذه هى الليلة الأخيرة التى ترى فيها هذا القمر من بيتها الذى ولدت وعاشت وتربت فيه .. من الغد سيكون هذا البيت ملكاً لغيرها .. سيسكنه اناس آخرون .. ستطأ أقدام غريبة تلك الأرض التى زحفت ومشت عليها أولى خطواتها .. وتلك الشرفة التى سهرت فيها ليالى طويلة .. ستشتاق لهواء هذا البيت .. لجدرانه .. لآثاثه .. لأركانه .. فرت منها دمعة حزينه .. مسحتها بأصابعها و سؤالاً ملحاً يتردد بداخلها .. أين ستذهبين يا “آيات” .. ليس لديكِ مأوى .. وليس فى حوزتك الا بضعة آلاف من الجنيهات .. ماذا ستفعلين ؟! .. الى من ستلجأين ؟! .. لم يكن لكِ فى هذه الدنيا الا والدك .. لكنه رحل .. رغماً عنه ورغماً عنكِ .. أستستطيعين مواجهة تلك الحياة بمفردك ؟! .. قاطع دخول دادة “حليمة” شرود أفكارها .. ابتسمت لها “حليمة” بحنان قائله :

– أجيبلك تتعشى يا بنتى

هزت “آيات” رأسها نفياً وقالت بأسى :

– ومين له نفس للأكل يا دادة

نظرت الى القمر مرة أخرى .. وشردت فى حالها من جديد وهى تقول :

– المفروض أسيب الفيلا بكرة ومش عارفه أروح فين

.. ثم التفتت الى “حليمة” قائله وهى ترمقها بنظرات حزينة :

– هيعز عليا فراقك أوى يا دادة

ابتسمت “حليمة” بحنان فقالت “آيات” بصوت باكى :

– بجد هتوحشيني أوى .. لو كنت عارفه انا راحيه لفين كنت خدت معايا .. بس أنا حتى مش عارفه هعيش ازاى

عانقتها “حليمة” وأخذت تمسح على شعرها بحنان .. أجهشت “آيات” فى البكاء علها تريح صدرها مما يقاسيه من أحزان .. قالت “حليمة” بطيبة :

– بس أنا باه مش هسيبك يا “آيات”

نظرت اليها “آيات” قالئه وهى تمسح عبراتها :

– مش هينفع يا دادة أخدك معايا . .أنا أصلاً لسه معرفش هعيش فين

ابتسمت “حليمة” وحى تتأملها قائله :

– هتعيشي معايا

نظرت اليها “آيات” بدهشة فأكملت “حليمة” :

– بيتي القديم لسه موجود مبعتوش .. سبحان من خلانى ما أحتجش أبيعه .. وأهو الزمن لف ودار واحتجتله .. وكمان أن محوشه قرشين من مرتبى اللى كنت باخده من والدك الله يرحمه .. هتيجي تعيشي معايا ورزقى ورزقك على الله

اغرورقت عينا “آيات” بالعبرات وهى تنظر اليها .. لم تتمالك نفسها فأجهشت فى البكاء مرة أخرى وهى تقول بتأثر شديد :

– بجد يا دادة مش عارفه أقولك ايه

قالت “حليمة” بأعين دامعة :

– متقويش حاجة .. أبوكى كان راجل طيب .. زرع فى حياته الخير .. وانتى بتحصديه دلوقتى .. عمره ما عامل حد من اللى شغالين عنده بطريقة وحشة .. كان بيعامل الناس بطيبة وعمره ما قصر مع حد ولا عمره أذى حد .. ولما سألته فى مرة عن سر معاملته الحنينة للخدم وللناس اللى شغاله عنده قالى ان النبي صلى اله عليه وسلم قال ” إِخْوَانُكُمْ خَوَلُكُمْ – أى خدمكم-، جَعَلَهُمُ اللَّهُ تَحْتَ أَيْدِيكُمْ، فَمَنْ كَانَ أَخُوهُ تَحْتَ يَدِهِ فَلْيُطْعِمْهُ مِمَّا يَأْكُلُ، وَلْيُلْبِسْهُ مِمَّا يَلْبَسُ، وَلاَ تُكَلِّفُوهُمْ مَا يَغْلِبُهُمْ، فَإِنْ كَلَّفْتُمُوهُمْ فَأَعِينُوهُمْ” .. كان راجل طيب ويعرف ربنا والناس كانت بتحبه .. ربنا يرحمه هو وأمك

ابتسمت “آيات” وهى تقول :

– يارب .. يارب ارحمهم

ربتت “حليمة” على كفتها وقالت مبتسمة :

– متشغليش بالك .. لينا رب وهو أرحم بينا من عباده

ثم قالت :

– أما أروح أتمم على الحاجة اللى هناخدها

نظرت “آيات” الى السماء وقد لاحت ابتسام على شفتيها وهى تقول بتأثر :

– الحمد لله .. انت كريم اوى يارب

************************************

استيقظ “آدم” من نومه فوجد والدتها فى مطبخ الشاليه تعد الطعام فنظر لها قائلاً :

– صباح الخير يا ماما

نظرت اليه أمه قائله :

– صباح النور يا “آدم”

قال “آدم” وهو يقترب منها :

– ماما بتعملى ايه ؟ .. روحى ارتاحى وأنا خلاص اتفقت مع واحدة هتيجي تنضف وتطبخ

قالت أمه بحزم :

– لا مليش أنا فى الحاجت دى .. أنا مبحبش واحدة غريبة تنضف بيتي ولا تحط ايديها فى أكلى

قال “آدم” :

– يا ماما انتى تعبانه مينفعش الىل بتعمليه ده الدكتور قال ترتاحى

قالت أمه بعناد :

– أنا الحمد لله بقيت كويسة أوى وأقدر أقف على رجلى وأعملى شغل البيت

قال “آدم” مستسلماً :

– طيب براحتك

ثم قال يحذرها :

– بس لو تعبتى ارتاحى على طول اتفقنا

ابتسمت له قائله :

– ربنا يخليك ليا يا ابنى ولا حيرمنى منك

أخذها فى حضنه قائلاً :

– ولا يحرمنى منك يا ماما

نظرت اليه والدته بعتاب قائله :

– انت لسه مبتصليش

ارتبك “آدم” وشعر بالحرج فقالت بحزن :

– ربنا يهديك يا “آدم”

نظر اليها “آدم” قائلاً :

– أيوة .. ادعيلى الدعوة دى .. انتى دعوتك مستجابة

قالت أمه :

– بدعيلك يا حبيبى .. بس مش كفاية دعائي لوحده .. ربنا بيقول فى سورة الرعد ” إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ ” .. لازم تبدأ بتغيير نفسك بنفسك يا “آدم”

تنهد “آدم” قائلاً :

– ان شاء الله

ثم توجه الى باب المطبخ وقال :

– هروح أغير عشان متأخرش على الشغل

قالت له أمه بإهتمام :

– مش هتفطر

قال “آدم” بعبوس :

– لا مليش نفس

ارتدى “آدم” ملابسه وخرج من الشاليه متوجهاً الى مكتبه .. كان العبوس بادى على ملامح وجهه .. كان يشعر بالضيق والحنق .. لا يدرى السبب .. لكنه غير مرتاح .. غير سعيد .. يشعر بان شئ بداخله مفقود .. شئ لم يستطع ان يملأه بملذاته ونزواته وسهراته وأمواله وقريته السياحية .. على الرغم من النجاح الذى حققه حتى الآن .. الا أنه لم يشعر بالفخر لهذا النجاح .. بل يشعر بالفشل ! .. زفر بضيق وهو يجلس الى مكتبه .. تحدث الى نفسه قائلاً .. لماذا هذا الشعور البغيض ؟! .. لماذا لا تفرح يا “آدم” بإنجازاتك ونجاحك ؟! .. لماذا تشعر بأنك لم تنجز شيئاً ولم تربح شيئاً .. لماذا هذه المرارة التى تشعر بها داخل حلقك .. ما الذى ينقصك يا “آدم” ؟! .. عما تبحث لتكون سعيداً ؟! .. علم الإجابة .. لكنه لم يجرؤ على الإفصح بها لنفسه .. شعوره بالذنب ألجمه وقيده وجعله كالعاجز .. كالعطشان الذى يتمنى قطرة ماء وأمامه نهر من الماء العذب لكنه بدلاً من أن يشرب منه توجه الى البحر المالح .. لكنه كلما حاول أن يروى ظمأه ازداد عطشاً .. لا عطشه ارتوى .. ولا جسده ارتاح !

*************************************

فى صباح اليوم التالى خرجت “آيات” من الفيلا مع “حليمة” وهى تتأمل الفيلا وتودعها بعينيها الممتلأه بالعبرات .. أسرع الحارس بحمل الحقائب فى السيارة الأجرة التى توقفت أمام باب الفيلا .. نظر الى “آيات” بأسى قائلاً :

– آنسة “آيات” مش محتاجه اى حاجة ؟

نظرت اليه “آيات” قائله :

– شكراً

قال الحارس وهو متأثراً بما حل بها :

– انتى زى أختى الصغيرة .. أنا عندى أخت فى سنك .. أنا هنا مش همشى الساكن الجديد الحمد لله هخلاني فى شغلى .. لو احتجتى أى حاجة أنا موجود هنا

نظرت اليه “آيات” وقد اغرورقت عيناها بالعبرات وهى تقول :

– متشكرة أوى

تابعها بعيناه الحزينتين وهى تركب السيارة بجوار “حليمة” لتنطلق بهما الى سكنها الجديد ..

فى أحد الأحياء الشعبية توقفت السيارة .. ساعد السائق فى انزال الحقائب وايصالها الى باب الشقة .. صعدت “آيات” البناية القديمة والدرجات المتهالكة وتأملت الجدران المزرية والتى تنبعث منها رائحة غريبة .. أسرعت “حليمة” بفتح الباب .. ثم توجهت الى الشباك ففتحته لينير البيت بنور الصباح .. تأملت “آيات” الشقة الصغيرة المكونة من غرفتين صغيرتين بكل منهما فراش وبصالة صغيرة بها صالون متهالك ومطبخ وحمام .. كان البيت الصغير فى حالة مزرية وقد غطى التراب الأثاث بالكامل .. قالت “حليمة” بتفائل :

– متقلقيش هينضف ويبقى زى الفل

ابتسمت “آيات” بوهن والتفتت لتدخل الحقائب الى الداخل فساعدتها “حليمة” .. ثم قالت بمرح :

– تحبي تختارى أنهى أوضة

نظرت “آيات” الى الغرفتين .. فكلاهما فى حالة رثة .. قالت بخفوت :

– أى واحدة مش هتفرق

توجهت “حليمة” الى احدى الغرف وقالت وهى تفتح شباكها :

– تعالى هنا دى شرحه عن التانية

بدأت “حليمة” بتنظيف غرفة “آيات” التى مدت يد المساعدة الى “حليمة” رغم اعتراضها .. كان العمل شاقاً فأكوام التراب كانت تغطى كل شئ .. بعد أكثر من ساعة من العمل المتواصل فى الغرفة أصبحت صالحة للإستهلاك الآدمى .. ألقت “آيات” بجسدها المرهق على الفراش .. فلم تعتاد العمل فى البيت ولا تحمل مشاق التنظيف .. استسلمت الى النوم و “حليمة” تغلق باب غرفتها وهى تبتسم فى اشفاق

***************************************

جلس “آدم” على الشط يتأمل البحر أمامه .. كان شارداً فلم يرى تلك الفتاة التى ترتدى البكيني والتى اقتربت من مكان جلوسه .. انتبه اليها عندما قالت :

– حضرتك دكتور “آدم” مدير القرية مش كدة ؟

ابتسم “آدم” مجاملاً وقال :

– أيوة أنا

جلست الفتاة دون دعوة على المقعد المجاور له وهى تقول بمرح :

– بجد القرية تحفة .. أول مرة أحس ان مصر فيها أماكن حلوة .. طول عمرى بقضى الأجازة بره .. بس لما شوفت اعلنا قريتكوا قولت أجرب وبجد انبهرت

ابتسم “آدم” قائلاً :

– الحمد لله ان قريتنا عجبتك

قالت الفتاة وهى تمديدها اليه :

– أنا “بسنت”

أمسك يدها فى راحته قائلاً :

– تشرفنا يا آنسه “بسنت”

ضحكت قائله :

– لا مبحبش آنسة وأستاذ والجو ده .. أنا “بسنت” وصحابي بيقولولى “بوسى”

ذكره الإسم بـ “بوسى” .. تلك المراة التى أمضى معها ما يقرب من العام .. يعيش معها وفى بيتها ويصرف من مالها .. تلك المرأة التى عاش معها عيشة تغضب رب السماوات والأرض .. عقد حاجبيه بضيق وهو يتذكر أيامه ولياليه معها .. شعر بنفور شديد .. من نفسه .. تذكر آخر لقاء جمعه بها .. تذكر افسادها لزواجه من “آيات” .. “آيات” .. تلك الفتاة التى يأبى عقله أن ينساها .. لماذا يتذكرها دائماً .. لماذا لا يستطيع نسيانها .. لماذا تقفز الى عقله بين الحين والآخر .. قال لنفسه افق يا “آدم” .. “آيات” ضاعت من بين يديك للأبد .. لا فائدة من البكاء على اللبن المسكوب .. قالت “بسنت” التى كانت تراقب تعبيرات وجهة :

– انت شكلك مش معايا خالص

نظر اليها “آدم” وكأنه نسى وجودها .. ثم نهض قائلاً :

– بعد اذنك عندى شغل

ابتعد وهى ترمقه بنظراتها المغتاظه .. كانت الفتاة جميلة .. و متحررة .. وترمقه بنظرات الإعجاب .. ويعلم أنه اذا أراد علاقة معها فسيلقى ترحيباً منها .. لكنه لم يفعل .. سأل نفسه .. لماذا ؟! .. فأتاه الجواب من داخله .. سئمت الحرام !

**********************************

استيقظت “آيات” على رائحة الطعام الشهى .. شعرت بألم حاد فى بطنها وهى تتذكر أنها لم تتناول شيئاً منذ الأمس .. فتحت الباب لتجد البيت مقلوباً رأساً على عقب .. تلمست الطريق الى المطبخ لتجد “حليمة” واقفة تعد الطعام .. لتفتت تنظر اليها مبتسمه وقالت :

– صباح الخير يا ست البنات .. ثوانى والأكل يكون جاهز

قالت “آيات” مبتمة بضعف :

– قصدك مساء الخير يا دادة

ثم قالت :

– هى الساعة كام ؟

قالت “حليمة” وهى تنظر الى هاتفها :

– المغرب هيأذن

صاحت “آيات” قائله :

– كده يا دادة تسيبيني نايمة أنا مصلتش الضهر ولا العصر

أسرعت “آيات” وتوجهت الى الحمام لتتوضأ .. جمعت الظهر والعصر وبمجرد أن انتهت سمعت آذان المغرب يتردد من المسجد القريب .. نادتها “حليمة” قائله :

– يلا يا بنتى الأكل جهز

قالت “آيات” وهى تقف :

– هصلى المغرب الأول يا دادة

ابتسمت “حليمة” وقالت :

– طيب تعالى نصلى جماعة بدل ما كل واحدة تصلى لوحدها

ابتسمت “آيات” ووقفت بجوار “حليمة” التى أمتها فى الصلاة .. تناولت “آيات” طعامها بنهم شديد على الرغم من بساطته وتواضعه .. راقبتها “حليمة” بإشفاق والابتسامة على ثغرها .. أسرعت “آيات” بالرد على الهاتف قائله :

– السلام عليكم .. ازيك يا “سمر”

قالت “سمر” بلهفة :

– وعليكم السلام .. اخص عليكي يا “آيات” بأه ده كله يحصل وأنا معرفش

قالت “آيات” بخفوت :

– حصل ايه

هتفت “سمر” بضيق :

– يعني والدك يتوفى ومشكلة الديون وانك تسيبي الفيلا كل ده وأنا معرفش هو يا بنتى مش احنا صحاب ولا ايه

قالت “آيات” :

– أيوة طبعاً يا “سمر” .. بس معلش اعذريني أنا والله حتى “أسماء” مكنش بيبقى فيا دماغ أكلمها

قالت “سمر” :

– أنا لسه أفله مع “أسماء” وحكتلى على اللى حصلك .. عملتى ايه فى موضوع السكن ؟

توجهت “آيات” الى غرفتها وأغلقت الباب وهى تقول :

– اللي ساعدني وفتحلي بيته آخر شخص توقعت انه يقدر يساعدني

قالت “سمر” بإستغراب :

– مين اللى سعدك

قالت “آيات” مبتسمة بتأثر :

– دادة “حليمة” .. فتحتلى بيتها وبتعاملنى زى بنتها

ابتسمت “سمر” وقالت :

– الحمد لله .. رنبا كبير

اغرورقت عينا “آيات” بالعبرات وهى تقول :

– أيوة فعلاً كبير أوى ومفيش أحن منه

قالت “سمر” مشجعة :

– يبقى طلعى حاجة لله يا “آيات” حتى لو كانت صغيرة

ابتسمت “آيات” وهى تقول :

– كويس انك فكرتيني .. انا هعمل كده فعلاً ..

ثم قالت بحزن :

– رغم انى مش هقدر أطلع مبلغ كبير

قالت “سمر” بمتسمه :

– ربنا بيقول ” فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ” .. و رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: “سبق درهم مائة ألف درهم” قالوا: وكيف؟ قال: “كان لرجل درهمان تصدق بأحدهما، وانطلق رجل إلى عرض ماله، فأخذ منه مائة ألف درهم فتصدق به ” . يعني أجر راجل تصدق بدرهم أكبر من أجل راجل تصدق بمية الف درهم .. فسألوه ازاى يا رسول الله .. فقال .. ان اللى تصدق بدرهم واحد ده راجل كان معاه درهمين تصدق بواحد واحتفظ بواحد فمعنى كده انه تصدق بنص ماله .. أما التانى كان معها فلوس كتير تصدق منها بـ مية ألف درهم .. لكن المية ألف دول بيمثلوا جزء صغير من فلوسه الكتير .. يعني تعملى الخير ومتستصغريهوش يا “آيات” بالعكس لما تتصدقى وانى محتاجة وفى أشد الحاجة .. الثواب بيبقى أكتر بكتير من لو تصدقتى وانتى مرتاحه مادياً

ابتسمت “آيات” وهى تقول بحماس :

– بجد فرحتيني بالكلام ده يا “سمر” وحمستيني انى أتصدق بجد .. وربنا يتقبل منى يارب

ابتسمت “سمر” وقالت :

– ان شاء الله يتقبل منك يا “آيات”

ثم قالت بجدية :

– “آيات” احنا اخوات .. لو احتجتى أى حاجة هتقوليلى مش كده

قالت “آيات” :

– طبعا يا “سمر” .. ومتشكره أوى على مكالمتك دى

قالت “سمر” :

– مفيش شكر بينا احنا اخوات زى ما قولتلك .. وبجد لو احتجتيني فى أى حاجة هتلاقيني جمبك

قالت “آيات” بتأثر :

– بجد متشكره يا “ٍمر” .. كلام ده لوحده بيطمنى وبيحسسنى انى مش لوحدى

قالت “سمر” تطمأنها :

– انتى مش لوحدك يا “آيات” .. كلنا هنكون جمبك

بعد قليل تلقت مكاملة من “إيمان” التى قدمت اليها واجب العزاء وكلمات المواساة .. سعدت “آيات” بإهتمام صديقاتها بها وشعرت بأن كلماتهم تهون عليها مصابها

************************************

هتفت “إيمان” بحنق :

– أنا تعبت .. تعبت .. بنشتغل زى التيييييييييييت ومش هاين عليهم يدفعولنا مرتبات عدلة

قالت لها صديقتها الجالسه معها فى كافيتيريا المستشفى :

– كل حاجة فى البلد دى خربانه .. فالحين بس يدوا فلوس أد كده للى بتمثل وللى بترقص وحتى للى بيلعب كورة .. لكن اللى بيطفح الدم زينا فى كلية زي كليتنا ويشتغل ويداوى الناس وتطلع عينه يدوه ملاليم

هتفت “إيمان” بحده :

– حسبنا الله ونعم الوكيل .. حاجة تقرف بجد .. حتى أخويا مش لاقى شغل عدل ولسه لحد دلوقتى متثبتش فى وظيفته

قالت صديقتها :

– أخوكى ده محترم أوى .. شوفته كذا مرة وهو جايلك المستشفى مبيبصش لبنات أبداً ولما بنت بتعدى من أدامه بيبص فى الأرض

قالت “إيمان” :

– فعلا “على” محترم أوى ومش بيحب يعمل حاجة غلط وهو عارف ان حرام يبص للبنات

ثم قالت بأسى :

– عارفه أنا نفسى فى واحد زى “على” أخويا كده .. ميبصش على بنات ولا يشوف حد غيري .. لناه لو قارنى بالبنات أكيد أنا الىل هخسر

ثم تنهدت قائله :

– تعرفى .. خايفة أوى ارتبط بواحد وبعد الجواز عينه تزوغ على واحدة رفيعه ويخونى معاها .. بفكر كتير أوى فى كده .. حسه انى لو اتجوزت مش هعرف أملى عين جوزى ومش هعرف أثق فى نفسي وأجلع والبس زى ما الستات بتلبس .. حسسه انى مكسوفة من شكلى ومن جسمى أوى

سالتها صديقتها :

– طيب انتى ليه متعمليش رجيم يا “إيمان” ؟

قالت “إيمان” بحنق :

– عملت كتير بس مش بعرف أستمر .. كل ما أتحمس انى أعمل رجيم أرجع تانى أكل زى البغله لحد ما أتخن أكتر من الأول

ثم قالت بحزن :

– نفسي أوى يبقى جسمى حلو عشان لما أتجوز متكسفش من نفسي .. نفسى أحس زى البنات كده انى واثقة فى نفسي وانى بنت زيهم .. أنا سعات بحس انى مش بنت .. ساعات بحس انى ست كبيرة

ترقرقت العبرات فى عينيها وهى تقول :

– عارفه لما بكون بشترى حاجة والراجل يقولى يا مدام .. بتخنق أوى وبحس انى عايزه اعيط .. ولا لما بسمع حد بيتريق على تخنى بحس انى عايزه ملك الموت ينزل ويقبض روحى

قالت صديقتها :

– معلش يا “إيمان” فى ناس كده مؤذية مع النبي صلى الله عليه وسلم قال ” المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده ” .. وبعدين خلى عندك ثقه فى نفسك وواصلى على رجيم وان شاء الله تخسى

تنهدت “إيمان” وقالت بيأس :

– ربنا يسهل ان شاء الله

***********************************

فتحت “آيات” الباب لتجد “أسماء” أمامها تقول بغيظ :

– دخت على ما لقيت البيت

ابتسمت “آيات” قائله :

– معلش

تعانقت الصديقتان بشدة لفترة طويلة .. قالت “أسماء” :

– وحشتيني أوى .. عاملة ايه

قالت “آيات” بأعين دامعة :

– الحمد لله

نظرت “أسماء” الى المنزل المتواضع ثم أقبلت “حليمة” فسلمت علهيا قائله :

– ازيك يا دادة

ابتسمت “حليمة” وقالت :

– الحمد لله يا بنتى .. أما أروح أعملكوا شاى

جلست الفتاتان فى الحجرة التى خصصتها “حليمة” لـ “آيات” .. فقالت “أسماء” :

– البيت مبهدل أوى

قال “آيات” بحزن :

– اهو أحسن من الشارع

قالت “أسماء” بشرود :

– وأحسن من اللى أمر من الشارع

قالت لها “آيات” بإستغراب :

– تقصدى ايه ؟

ردت “أسماء” بوهن :

– مفيش .. خلينا فيكي انتى .. ناوية على ايه

قالت “آيات” وهى تفكر فى حالها :

– أكيد هنزل أشتغل .. مش معقول هسيب دادة “حليمة” تصرف عليا هى أصلاً على أد حالها

ثم قالت بمرارة :

– تصورى عمى لحد دلوقتى مكلمنيش .. ولا حتى عسان يعزيني فى وفاة بابا .. ولا قالى انتى ناقصك حاجة ولا لأ

قالت “أسماء” :

– انتى قولتيله ان عمو توفى

قالت “آيات” :

– لا متصلتش بيه بس أكيد عرف .. وأكيد على الأقل خالص عرف ان شركة بابا اتباعت لان الاعلان نزل فى الجرنال

قال “أسماء” بحنق :

– أنا مش عارف ايه الأهالى اللى معندهمش احساس دول .. حاجة تقرف

قالت “آيات” وهى تحاول أن تتناسى مآسيها :

– سيبك .. أنا أصلاً مش عايزه منه حاجه

فتحت “أسماء” حقيبتها وأخرجت رزمة نقدية وأعطتها لـ “آيات” قائله :

– ياريت كان معايا أكتر .. بس انتى عارف انى خيبه ومكنتش بعرف أحوش .. أنا بعت دهبي وده نص الفلوس والنص التانى شيلاهم لانى حسه انى هحتاجهم قريب

نظرت “آيات” الى المال وقالت بحزم :

– لا طبعاً مش هاخد منك حاجة يا “أسماء”

قالت “أسماء” بحده :

– ليه باه ان شاء الله مش احنا صحاب يا “آيات”

قالت “آيات” بصرامة وهى تشعر بالضيق لتعرضها لهذا الموقف :

– صحاب حاجة واللى انتى بتعمليه ده حاجه تانية .. مستحيل أقبلهم منك

قالت “أسماْء” وقد تضايقت من رفض “آيات” :

– معنى دكه انك بتعملى فرق بيني وبينك يا “آيات”

قالت “آيات” بسرعة :

– لا والله أبداً .. بس انا لسه معايا فلوس اتبقت من بيع العربيه .. وكمان أنا عارفه ظروفك المهببة انتى كمان شيليهم أكيد هتحتاجيهم وأنا لو احتجت حاجة هطلب منك

قالت “أسماء” :

– وعد .. وعد لو احتجتى حاجة هتطلب منى

نظرت اليها “آيات” بإمتنان قائله :

– أيوة وعد

ابتسمت “أسماء” قائله بتهكم ممازحة “آيات” :

– فين الشاى اللى دادة “حليمة” قالت عليه .. دى لو كانت بتسخنه فى حرارة الشمس كان زمانه غلى من بدرى

دخلت “حليمة” الغرفة تحمل صنية الشاى وهى تقول :

– الشاى للعرايس الحلوين

************************************

عادت “أسماء” الى بيت جدها .. وما كادت تصل الى منتصف الصالة حتى أحاطها “هانى” بذراعيه من الخلف وهو يقول :

– وحشتيني يا قمر

انتفضت “أسماء” وحررت نفسها من بين ذراعيه ثم التفتت تنظر اليه بغضب .. شعرت بالدهشة من جرئته وفى وضح النهار لكن دهشتها اختفت بعدما قال وهو ينظر اليها بجرأة :

– محدش فى البيت كلهم خرجوا يعني البيت فضى علينا أنا وانت يا جميل

صاحت “أسماء” بغضب :

– احترم نفسك بأه .. مش هسكتلك المر دى

ضحك قائلاً :

– تصدقى اترعبت .. هتعملى ايه يعني

قالت بغضب هادر :

– هصرخ وأفضحك وألم عليك الناس

قال بتهكم :

– لو صرختى انتى اللى هتتفضحى مش أنا

انقض عليها فجأة وأحاطها بذراعيه .. سمعت صوت الباب يفتح فصرخت قائله :

– ماما .. ماما الحقيني

تركها “هانى” على الفور .. دخلت أمها وخالتها يصيحان فى جزع :

– ايه فى ايه ؟

– بتصرخى ليه ؟

قالت “أسماء” بغضب :

– الزفت ده كل شوية يقرب منى ويعمل حاجات مش مظبوطة .. أنا سكت كتير بأه بس تعبت وقرفت

صاحت خالتها قائله :

– انتى بتقولى ايه يا بت انتى

أجهشت “أسماء” فى البكاء قائله :

– ابنك يا خالتو كل شوية يتحرش بيا وبيجيلى أوضتى بالليل

اقتربت منها أمها وصفعتها قائله :

– اخرسى يا بنت انىت ايه اللى بتقوليه ده

وضعت “أسماء” كفها على خدها المتأم وهى تقول باكية :

– والله العظيم يا ماما ما بكدب ده اللى بيحصل فعلاً

صاحت خالتها :

– لا يا حبيبتى أنا ابنى متربي أحسن تربية الدور والباقى عليكي انتى .. من أول ما رجلك خطت البيت ده وانتى بترسمى عليه وبترمى بلاكى عليه

ثم التفتت الى أختها قائله :

– لمى بنتك لألمهالك

جذبتها أمها من ذراعها قائله بغضب :

– عجبك الفضايح دى

جذبت “أسماء” ذراعها من يد أمها وهى تصيح بغضب :

– انا فاض بيا انتي مش أم انتي معندكيش احساس

صفعتها أمها مرة أخرى وهى تصيح :

– بطلى قلة أدب بأه فضحتينا

نظر اليها “هانى” بشماته وكأنه يقول لها .. لقد حذرتك بأن الفضيحة ستكون من نصيبك أنتِ .. لم تعبأ “أسماء” بنظراته ولا بكلام والدتها وخالتها وتوجهت الى غرفتها حاملة كل شئ يخصها وخرجت أمام ناظرى والدتها التى قالت :

– راحه فين ؟

التفتت اليها “أسماء” بوجهها المبلل بالعبرات وهى تقول بعنف :

– ملكيش دعوة بيا وانسى انك خلفتيني أصلاً

خرجت “أسماء” ولس أمامها الا مكان واحد للذهاب اليه … “آيات”

************************************

انهارت “أسماء” باكية فى حضن “آيات” وهى تقص عليها ما عانته فى منزل خالتها .. لم تتمالك “آيات” نفسها ففاضت دموعها هى الأخرى وهى تقول :

– حسبي الله ونعم الوكيل ربنا ينتقم منه

قالت “أسماء” وهى تغمض عينيها بشدة علها تتناسى تلك الذكريات السيئة :

– كنت حسه انى بموت فى البيت ده ومحدش حاسس بيا لا أم ولا أب

نظرت اليها “آيات” قائله بحده :

– “أسماء” انتى ازاى سكتى على الأرف ده . ده المفروض تقولى وتتكلمى ومتسكتيش

قالت “أسماء” بضعف :

– ما أنا اتكلمت محدش صدقنى خوفت أتكلم تانى يطردونى أو يفضحونى

قالت “آيات” بعنف :

– الطرد والفضيحة أرحم مليون ألف مرة من انك تستسلمى للحقير ده .. سكوتك ده هو اللى شجعه انه يتمادى معاكى .. ومش كل مرة كانت هتعدى سليمة أكيد فى مرة من المرات كان هيغتضبك

قالت “أسماء” وعيناها تشع ألماً ممزوج بالحيرة :

– خوفت يا “آيات” خوفت

قالت “آيات” بحزم :

– أنا لو كنت مكانك كنت صرخت وفضحته ومهمنيش أى حاجة ولو هطرد أطرد بس أكون حافظت على نفسى ومخلتش حيوان زى ده يلمسنى

قالت “أسماء” بوهن :

– يارتنى كنت اتكلمت وقولتلك من زمان .. كان زمانك نصحتيني وكان زمانى بعدت عن القرف ده

انفجرت فى البكاء مرة أخرى فعانقتها “آيات” قائله بحنان :

– خلاص انسى اللى حصل

قالت “أسماء” من بين عبراتها :

– مش ممكن أبداً أقدر أنسى يا “آيات” .. انا مش بس قرفانه منه أنا كمان قرفانه من نفسى أوى

قالت “آيات” وهى تمسح على شعرها برفق :

– بكرة تنسى

ثم نظرت اليها قائله :

– ومتقلقيش هتفضلى هنا معايا .. هنكون مع بعض على الحلوة والمرة .. وأنا من بكرة هبدأ أدور على شغل

قالت “أسماء” وهى تمسح عبراتها :

– طيب ما تروحى لعمك

هزت “آيات” رأسها بقوة وهى تقول :

– لأ مش ممكن أبداً أروح أشحت منه

قالت “أسماء” بسرعة :

– لا مش هتشحتى منه انتى هتطلبى منه انه يشغلك عنده أو عند أحد من صحابه .. يعني هتطلبى منه يساعدك انك تلاقى شغل مش أكتر من كده .. ويا سلام بأه لو شافلنا شغل لينا احنا الاتنين .. اهو نقدر نصرف على نفسنا

قالت “آيات” وعلامات الحزن على وجهها :

– تعرفى ان محامى بابا الله يرحمه مرضاش يساعدنى .. رغم ان بابا كان بيعامله كويس

قالت “أسماء” بحده :

– حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. أصلاً الناس معدش فى قلوبها رحمة .. بحس انهم بأوا كتل حجر ماشية على رجلين

ثم قالت وكأنها تتعلق بأى شئ للنجاة مما هما فيه :

– حاولى تروحيله يا “آيات” مهما كان عمك وحش بس معتقدش انه يسيبك فى ظروف زى دى .. على الأقل خالص يساعدك انك تلاقى شغل

قالت “آيات” وهى تشعر بالحيرة والتردد :

– بس اللى أعرفه عن عمله ان شغله مش مظبوط وعشان كده بابا بعد عنه

قالت “أسماء” :

– طيب خليه على الأقل يشوفلك شغل فى شركة حد من رجال الأعمال اللى يعرفهم .. مش معقول كل الىل يعرفهم شغلهم مش مظبوط .. وبعدين هو هيقولك فى وظيفة كذا انتى تشوفى اذا كانت مناسبه ولا لأ .. بس نتحرك نعمل أى حاجة الفلوس اللى معانا لو خلصت هنتبهدل يا “آيات” .. والشغل مش سهل انك تلاقيه

تنهدت “آيات” قائله وهى تفكر :

– مش عارفه محتارة أوى .. هستخير ربنا النهاردة وأشوف ربنا كاتبلنا ايه

**************************************

صاح “سراج” بحده وهو يتحدث مع ابنه “عاصى” عبر الهاتف :

– ايه اللى انتب تقوله ده يا “عاصى” ؟

صاح “عاصى” قائلاً :

– يعني نسكتله بعد اللى عمله فى قريتنا ده يا بابا .. التييييييييييت اللى زى ده لازم ياخد على دماغه عشان يتعلم الأدب ويعرف مين هما أسياده

قال “سراج” بحزم :

– هدي اللعب شويه يا “عاصى” .. لو عملت أى خطوة دلوقتى هيرد عليك بعشرة ومش هنخلص .. استنى شوية لحد ما نلاقى فرصة مناسبة ونضربه فى مقتل

هتفت “عاصى” بعنف :

– يا مين ينولنى رقبته دلوقتى أخلص عليه وأمحيه من على وش الدنيا

قال “سراج” محذراً :

– “عاصى” قولتلك هدى اللعب دلوقتى

قال “عاصى” بغل :

– حاضر يا بابا

صمت “سراج” قليلاً ثم سأله قائلاً :

– انت هترجع امتى من العين السخنة ؟

قال “عاصى” بصرامة :

– مش راجع .. انا خلاص هفضل هنا في العين السخنه ويا انا يا التيييييييييييت ده

ظل “عاصى” يفكر فى كيفية القضاء على “آدم” وازالته من أمامه تماماً .. لم يكن “عاصى” من تلكم الأشخاص التى تتميز بالورع أو الخوف أو الشفقة .. بل كان قلبه أشبه بالصخر .. وأثبت خلال سنين حياته أن له نصيب كبير من اسمه .. “عاصــى ” !

**********************************

دخل “آدم” الشاليه ليجد أمه جالسه على أحد المقاعد .. قال :

– ازيك يا ماما

نظرت اليه بعتاب ثم أشاحت بوجهها عنه .. اقترب منها وسألها قائلاً بإهتمام :

– فى حاجه يا ماما ؟

صمتت قليلاً ثم قالت :

– ازاى قابل تعيش كده يا “آدم” ؟

جلس على المقعد المجاور لها وهو يقول بدهشة :

– ازاى يعني مش فاهم

قالت بحده :

– عيشتك حرام يا ابنى .. وفلوسك حرام

هتف “آدم” قائلاً :

– انا فلوسي مش حرام يا ماما

قالت بألم :

– لا حرام يا ابنى .. لما تيجي من وره الخمرة تبقى حرام .. لما تيجي من وره لحم الخنازير تبقى حرام .. لما تيجي من الرقص والمسخرة والستات العريانة وقلة الأدب تبقى حرام .. انا اتمشيت النهاردة فى القرية واتصدمت من اللى شوفته

قال “آدم” بإرتباك :

– الخمرة ولحم الخنازير فى زباين بيطلبوها وأنا مبضربش حد على ايده عشان ياكل أو يشرب منها وكمان فى أكلات معينة ميتفعش تتعمل من غير الخمرة والأكلات دى هى اللى بيتميز الأماكن الراقية والمطاعم والقرى الكبيرة .. وبالنسبة للملهى الليلى هو أصلا مش شغال دلوقتى بسبب الحريقة اللى حصلت .. وبالنسبة للرقص وللستات العريانه انا مش هضربهم على ايدهم واقولهم مترقصوش وغطوا جسمكوا

نظرت اليه أمه بألم وقالت بحسره :

– انت شايف ان كل اللى قولته ده مقنع ؟ .. طيب لو مقنع تقدر يوم القيامة تقوله أدامه ربنا لما يسألك جبت فلوسك منين ؟ .. تقدر تقوله لما تتسأل فى قبرك منين جبت فلوسك وصرفتها فى ايه ؟ .. الرسول صلى الله عليه وسلم قال ” لَا تَزُولُ قَدَمَا عَبْدٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَتَّى يُسْأَلَ عَنْ عُمُرِهِ فِيمَا أَفْنَاهُ ، وَعَنْ عِلْمِهِ فِيمَ فَعَلَ ، وَعَنْ مَالِهِ مِنْ أَيْنَ اكْتَسَبَهُ وَفِيمَ أَنْفَقَهُ ، وَعَنْ جِسْمِهِ فِيمَ أَبْلَاهُ” .. هتقدر تقول الكلام ده وقتها يا “آدم” ؟

قال “آدم” بضيق :

– أنا مبعملش حاجة غلط .. لا بشرب خمرة ولا باكل حاجة حرام

قالت “أمه بحزم :

– بس بتبيعهم للى بياكلهم وللى بيشربهم وده حرام وبتاخد سيئات زيهم بالظبط لانك بتقدمها ليهم وبتسهلها عليهم .. النبي صلى الله عليه وسلم قال “من دعا إلى هدى كان له من الأجر مثل أجور من تبعه لا ينقص ذلك من أجورهم شيئا ، ومن دعا إلى ضلالة كان عليه من الإثم مثل آثام من تبعه لا ينقص ذلك من آثامهم شيئا”

نهض “آدم” قائلاً وهو يريد الهروب من هذا النقاش :

– أنا داخل أرتاح شوية

دخل “آدم” عرفته وبدل ملابسه .. ألقى بنفسه فوق فراشه فى تهالك .. أخذ يفكر فى كلام والدته وهو يشعر بضيق شديد فى صدره وكأن الهواء سُحب من الغرفة عن كامله .. شعر بإختناق شديد وهو يفكر فى كل شئ وأى شئ .. قام يجلس فى فراشه وهو يحاول أن يزيل هذا الإحساس الذى أصبح ملازماً له فى الفترة الأخيرة .. قال لنفسه .. لماذا هذا الضيق يا “آدم” ؟ .. تعمل فى مركز يتمناه آلاف الشباب فى سنك ؟ .. لك مرتب كبير يسد احتياجاتك ويفيض ؟ .. ما مشكلتك .. لماذا هذا الثقل الذى تعشر به فوق صدك ؟ .. لماذا لا تهنأ وتفرح وتسعد وتعيش حياتك كما يفعل غيرك ؟! .. ما الذى ينقصك يا “آدم” .. ما الذى ينقصك ؟! ..

تسربت الى أسماعه صوت آيات من القرآن الكريم أدارتها والدته فى المسجل ورفعت الصوت عالياً حتى اخترق الباب المغلق ونفذ الى أذنيه .. أعاد ظهره الى الوراء وهو يرهف أذنيه بإنتباه شديد .. كالظمآن الذى يسمع صوت خرير الماء بالقرب منه

اذا لم يعمل المقطع فاضغطي هنا

– يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ يَسْعَى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمَانِهِمْ بُشْرَاكُمُ الْيَوْمَ جَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا ذَلِكَ هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ ( 12 ) يَوْمَ يَقُولُ الْمُنَافِقُونَ وَالْمُنَافِقَاتُ لِلَّذِينَ آمَنُوا انْظُرُونَا نَقْتَبِسْ مِنْ نُورِكُمْ قِيلَ ارْجِعُوا وَرَاءَكُمْ فَالْتَمِسُوا نُورًا فَضُرِبَ بَيْنَهُمْ بِسُورٍ لَهُ بَابٌ بَاطِنُهُ فِيهِ الرَّحْمَةُ وَظَاهِرُهُ مِنْ قِبَلِهِ الْعَذَابُ ( 13 ) يُنَادُونَهُمْ أَلَمْ نَكُنْ مَعَكُمْ قَالُوا بَلَى وَلَكِنَّكُمْ فَتَنْتُمْ أَنْفُسَكُمْ وَتَرَبَّصْتُمْ وَارْتَبْتُمْ وَغَرَّتْكُمُ الأَمَانِيُّ حَتَّى جَاءَ أَمْرُ اللَّهِ وَغَرَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ ( 14 ) فَالْيَوْمَ لا يُؤْخَذُ مِنْكُمْ فِدْيَةٌ وَلا مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مَأْوَاكُمُ النَّارُ هِيَ مَوْلاكُمْ وَبِئْسَ الْمَصِيرُ ( 15)

عندما وصلت الى مسامعه تلك الآيه امتلأت عينى “آدم” بالعبرات حتى فاضت وتساقطت على وجهه الذى اشتاق لتلك الدموع الخاشعة الذليلة المستشعره بذنبها وتقصيرها وبُعدها .. أغمض عينيه ليفرغ ما بداخلهما من عبرات تحرقهما .. وانتفض جسده بعدة شهقات لم يستطع كبحها

– أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَنْ تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ وَلا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ .

…….يتبع

عرض التعليقات (9)