جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء التاسع
جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء التاسع
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته
الفصل الثامن عشر .
نصلي أولا على رسول الله
جلس “سراج” فى بار قريته السياحية وقد علا وجهه علامات الإستغراق فى التفكير .. اقترب منه أحد الرجال قائلاً :
– “عاصى” بيه
التفت اليه “عاصى” .. فقال الرجل :
– مدير القرية اللى حضرتك طردته بعد ما البلطجية اتهجموا علينا
قال “عاصى” بغلظة :
– ماله سي زفت ده ؟
تردد الرجل قليلاً ثم قال :
– سمعنا انه اشتغل فى قرية جولدن بيتش
التفت “عاصى” اليه بحده وترك كأس الخمر من يده وقال بإستغراب :
– يعني ايه اشتغل فى جولدن بيتش
قال الرجل وقد بدا عليه الإرتباك :
– ده اللى عرفناه يا “عاصى” بيه .. “آدم” مدير القرية لما عرف ان حضرتك طردته عرض عليه مرتب كبير وشغله فى القرية
قال “عاصى” وعيناه تشعان شرراً :
– شغله ايه ؟
قال الرجل :
– مسكة ادارة المطعم
لكم “عاصى” الكأس الموضوع على البار بقبضته فوقع على الأرض وقد أصدر صوتاُ عالياً أثناء تهشمه .. انتفض الرجل وهو ينظر الى “عاصى” الذى بدا وكأنه تحول الى وحش كاسر زمجر قائلاً :
– وطبعاً التيييييييييييييت ده قالوا على كل أسرارنا فى ادارة القرية .. زمانه عرفه كل كبيرة وصغيره فى قريتنا
صاح فى الرجل قائلاً :
– روح انت .. وأى حاجة جديدة تحصل بلغهالى فوراً
أومأ الرجل برأسه وانصرف من أمام “عاصى” وهو يتنهد فى ارتياح .. عض “عاصى” شفتيه بقوة وهو يتوعد “آدم” قائلاً :
– ماشى يا تيييييييييييييت .. مبقاش أنا “عاصى” ان ماخليتك تلف حولين نفسك
**************************************
دخلت “آيات” المطبخ تساعد “حليمة” التى قالت :
– روحى انتى يا بنتى دول شوية فول وشوية طعمية مش هياخدوا منى حاجة
قالت “آيات” وهى تسخن الخبز :
– مفيش مشكلة يا دادة هساعدك
استيقظت “أسماء” ومرت على المطبخ فى طريقها الى الحمام وقالت بصوت ناعس :
– صباح الخير
– صباح النور
– صباح النور يا بنتى
قالت “آيات” وقد عزمت امرها على الذهاب الى عمها :
– على فكرة يا “أسماء” أنا استخرت ربنا .. وهروح النهاردة ان شاء الله لعمى
ابتسمت “أسماء” قائله :
– كويس .. وان شاء الله خير
كانت “آيات” متوترة للغاية من تلك المقابلة .. مضت سنوات طوال لم ترى فيها عمها “سراج” و لا أولاده .. تُرى أمازال يتذكر شكلها .. ايتذكر اسمها .. ماذا ستكون رده فعله عندما يراها أمامه .. تطلب منه وظيفة تكسب منها لقمة عيشها .. تنهدت “آيات” بحسرة ولاحت فى عينيها العبرات وهى تتذكر والدها وفقدانها له .. ترك فقدانه شرخاً كبيراً فى نفسها .. شعرت بأنها كشجرة اللبلاب التى فقدت دعامتها وأخذت فى التمايل .. لكنها أبداً لن تسمح لنفسها بالسقوط .. ستواجه الحياة وسلاحها هو قربها من الله عز وجل .. كانت “آيات” تحاول التقرب اليه بقدر ما تستطيع .. أبدلت ملابسها بأخرى أوسع منذ أن عادت من العمرة .. وإن كانت ملابسها لم تتصف بعد باللباس الشرعى .. إلا أنها شعرت براحه كبيرة عن تلك الملابس الضيقة التى اعتادت الخروج بها .. ومنذ أن عادت من العمرة لم تضع أى زينة على وجهها .. فأصبح أكثر اشراقاً ونعومة .. تنهدت “آيات” وشعور بالقلق يتسرب اليها .. كانت تخشى لقاء عمها .. تخشاه بشدة
*************************************
قامت والدة “آدم” بتحضير الفطور على الطاولة .. ثم ذهبت لايقاظ ابنها .. طرقت طرقة خفيفة ثم فتحت الباب .. لكنها تسمرت فى مكانها وبدأت العبرات تبلل عينيها وهى تنظر الى “آدم” الساجد على الأرض .. وضعت كفها على فمها لتكتم شهقات بكائها وأغلقت باب الغرفة ببطء .. جلست على أحد المقاعد وهى تبكى وتناجى ربها :
– يارب اهديه يارب .. يارب اصرف عنه كل سوء .. يارب عينه على نفسه وعلى شيطانه .. يارب اهديه أنا قلبي راضى عنه ارضى عنه يارب .. ارضى عنه
سمعت باب غرفته يُفتح فمسحت عبراتها بسرعة وقالت تقول له :
– يلا يا “آدم” عشان تفطر
التف الاثنان حول الطاولة .. كانت أمه تنظر اليه من حين الى آخر بنظرات فرحة ممزوجة بالحنان والرضا .. تقابلت نظراتهما فابتسم “آدم” ثم قال :
– ادعيلى يا ماما
قالت أمه بنبرة صادقة :
– والله يا ابنى بدعيلك دايماً .. ربنا ينورلك طريقك ويهديك يا “آدم”
اتسعت ابتسامته وهو يغادر الشاليه متوجهاً اى مكتبه فى القرية .. لأول مرة منذ شهور طويلة جداً يشعر براحة فى صدره .. كان شعور الضيق مازال يلازمه الا أنه هذا اليوم كان أخف وطأه .. استسمتع بهذا الشعور من الراحه الذى افتقده طويلاً .. دخل مكتبه وشرع فى ممارسة عمله بحماس .. دخل “زياد” المكتب ليقول :
– صباح الخير يا “آدم”
ابتسم له “آدم” قائلاً :
– صباح النور يا “زياد” .. ايه الأخبار .. مدير قرية الفيروز اللى اطرد أخباره ايه معانا
قال “زياد” وهو يجلس أمامه على المكتب :
– مبسوط على الآخر
ضحك “آدم” قائلاً :
– زمان “عاصى” هيموت من الغيظ
قال “زياد” بتوتر :
– يا خوفى المرة دى متجيش سليمة زى المرة اللى فاتت
قال “آدم” بحزم :
– ميقدرش يعمل حاجة أنا زودت الحراسة على القرية ومدى أوامر للبودى جاردز لو شافوا حد بيبلطج فى القرية يموتوه ضرب لحد ما يبانله صاحب
قال “زياد” فجأة :
– ايه أخبار بنت أخو “سراج” اللى انت كنت خاطبها ؟
قال “آدم” بإستغراب :
– اشمعنى يعني ليه بتسألنى
قال “زياد” :
– أصل أبوها مات
شعر “آدم” بالصدمة وهو يستمع لخبر موت “عبد العزيز” وهتف قائلاً :
– لا حول ولا قوة الا بالله
ثم نظر اليه قائلاً :
– انت عرفت منين ؟
قال “زياد” :
– قريته فى الجرنال من فترة
شعر “آدم” بالقلق على “آيات” فهو يعلم أنها ليس لها أقارب .. وليس لها أحداً فى هذه الدنيا إلا والدها .. أسرع “آدم” يخرج هاتفه ويتصل بـ “آيات” ..
جلست “آيات” مع “سمر” و “إيمان” و “أسماء” .. فى غرفتها ببيت “حليمة” .. عندما رن الهاتف .. نظرت الى الرقم وشعرت بإضطراب بالغ عندما علمت أن “آدم” هو المتصل .. أخذت تتساءل فى نفسها عن سبب اتصاله .. ماذا يريد منها .. نظر اليها الثلاث فتيات وهى تمسك هاتفها وتنظر اليه بتوتر .. سالتها “أسماء” بإهتمام :
– ايه .. مين يا “آيات” ؟
قالت “آيات” بتوتر :
– “آدم”
أسرعت “سمر” قائله :
– متعبريهوش
انقطع الاتصال فقالت وهى مازالت تحاول تخمين سبب اتصاله :
– أصلاً مكنتش هرد
عاود الإتصال مرة أخرى فقالت “إيمان” :
– طيب شوفى عايز ايه
قالت “سمر” بحزم :
– لأ هيكون عايز منها ايه يعني .. خلاص الموضوع انتهى وده واحد نصاب وكداب المفروض متتكلمش معاه تانى ولا تثق فيه أبداً
قالت “أسماء” فى حيرة :
– بس ليه بيتصل تفتكرى عايز ايه يا “آيات” ؟
تنهدت “أسماء” بضيق ثم أغلقت هاتفها تماماً حتى لا يعاود الإتصال بها وهى تقول بضيق :
– معرفش ومش عايزه أعرف
شعر “آدم” بالتوتر عندما حاول الاتصال بها مرة اخرى ليجد هاتفها مغلق .. زفر بضيق فسأله “زياد” قائلاً بإهتمام :
– ايه مبتردش ؟
قال “آدم” بحنق وهو يكتب رسالة على هاتفه :
– كان بيرن وفجأة لقيته مقفول .. أكيد مش عايزه تكلمنى
نظر اليه “زياد” قائلاً :
– هتبعتلها رسالة ؟
قال “آدم” وهو يكتب رسالته :
– أيوة
أرسل “آدم” رسالته وقلبه وعقله منشغل بـ “آيات” وحالها بعد وفاة والدها .. شعر بالأسف لفقدانها والدها لعلمه بمدى تعلقها به .. وبمدى حبها له واعتزازها به .. رق قلبه لحالها وأخذ يتخيل شعورها بمرارة الفقد التى ذاق مثلها بعد وفاة والده .. حاول الاتصال بها مرة أخرى لكن الهاتف ظل مغلقاً .. انصرف “زياد” دون أن يشعر به “آدم” .. دخل الفيس بوك وتوجه الى حسابها .. أخذ يبحث عن اسمها دون جدوى .. طردته من عالمها تماماً .. حاول الإتصال بها مرة أخرى دون جدوى .. زفر بضيق وقد أخذ القلق منه مبلغه
************************************
فى المساء .. ألقت “آيات” نظرة على “أسماء” النائمة بجوارها .. ثم أسندت ظهرها الى واسادتها وهى تفكر فى لقاء الغد .. قررت الذهاب الى عمها فى الغد .. امتدت يدها الى هاتفها تفتحه .. اندهشت عندما وجدت رسالة من “آدم” .. فتحتها بأيدي متوترة وقرأت ما فيها :
– “آيات” البقاء لله عرفت ان والدك توفى .. أنا عايز أطمن عليكي
نظرت “آيات” الى الرسالة بسخرية ممزوجة بمرارة شعرت بها فى قلبها .. هتفت بداخلها .. تريد أن تطمئن على ؟! .. ما أرق قلبك ؟! .. تنهدت فى ضيق وتركت هاتفها على الأرض بجوار السرير وحاولت النوم
استلم “آدم” تقريراً بوصول رسالته فأسرع بالنهوض من فوق فراشه وأمسك هاتفه الموضوع على المكتب واتصل بها .. نظرت “آيات” الى الهاتف وهى تشعر بالإضطراب .. ثم ما لبث أن اختفى اضطرابها وظهرت علامات الألم على وجهها وهى تتذكر كيف خدعها وكيف لعب بعواطفها ومشاعرها وكيف استغل حبها له ليصل الى ما يريد .. وكيف خانها مع تلك المرأة .. وكيف تجرأ وفعل هذا الذنب الكبير .. هتفت بصمت .. ماذا تريد منى .. لم أعد أملك شيئاً تريده .. لم أعد أملك أى مال .. لم أعد أملك أحداً تستطيع ابتزازه .. لم أعد أملك اى شئ فى هذه الدنيا .. ابحث عن غيري لتستغلها وتلعب بها .. لن أمسح بأن أكون لعبة فى يدك مرة أخرى .. أغلقت “آيات” هاتفها تماماً .. ووضعت رأسها على وسادتها وقد فاضت عيناها بالعبرات .. تنظر الى هاتفها على الارض بحزن وألم
شعر “آدم” بالحزن عندما وجد هاتفها مغلقاً مرة أخرى .. قال فى نفسه .. لماذا يا “آيات” .. ما أردت سوى الإطمئنان عليكِ .. لماذا تبعديني عنكِ هكذا بلا رحمة .. لماذا لا تستمعى الى أعذارى ومبرراتى لما فعلت .. لست شخصاً كريهاً كما تظنين .. بل أنا شخص مريض يا “آيات” .. مريض بذوبى وآثامى وأخطائى .. أنا أولى بشفقتك من نفورك .. وأولى بعطفك وحنانك من بغضك .. جلس على فراشه وهو يتنهد فى حسره وهو يتذكر كيف أضاعها من بين يديه
***********************************
تقدمت “آيات” تعبر أورقة الشركة بإرتباك ظاهر .. شعرت بتوتر معدتها وكأنها ذاهبة الى امتحان مصيري .. كادت أن تعود ادراجها لكنها تذكرت الضيقة التى وقعت فيها .. وكيف أنها بلا مال وبلا عمل .. ويجب أن تتصرف بسرعة قبل أن ينفذ مالها ومال “أسماء” .. دخلت غرفة مديرة أعمال “سراج” وهى تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى .. وقفت أمامها بإضطراب وهى تقول :
– لو سمحتى عايزة أقابل الأستاذ “سراج اليمانى”
نظرت اليها السكرتيرة وقالت بروتينيه :
– فى معاد معاه ؟
قالت “آيات” بتوتر :
– لأ .. بس ياريت حضرتك تقوليله بنت أخوه “عبد العزيز” عايزه تقابله
نظرت اليها المرأة نظرة متفحصة .. ثم قامت من فوق مكتبها وتوجهت الى مكتب “سراج” قائله :
– فى واحدة بتقول انها بنت أخو حضرتك وعايزه تقابلك
نظر اليها “سراج” بدهشة ثم ما لبثت أن ظهرت تعبيرات التعالى الممزوج بالغضب على وجهه ثم قال بحنق:
– قوليلها مش فاضى
التفتت السكرتيرة لتغادر فأوقفها قائلاً :
– ولا أقولك استنى .. دخليها .. بس ادخلى معاها ولما أشاورلك تقولى ان فى اجتماع
قالت المرأة بطاعة :
– حاضر يا فندم
جلس “سراج” وقد أسند ظهره الى الخلف ورفع رأسه بتعالى مستعداً لرؤية ابنة أخيه .. ابنة أخية الذى تبرى منه أمام الناس لعدم رضاه عن طرقه الملتوية فى تسيير أعماله .. دخلت “آيات” تتقدمها مديرة أعماله .. نظر اليها نظرة متفحصة .. بدت متوترة وهى تتطلع الى عمها الذى لم تره منذ سنوات طويلة .. ظل كلاهما ينظر الى الآخر بصمت بترقب .. ابتسمت “آيات” بصعوبة وهى تقول :
– ازيك يا عمو
صمت “سراج” لبرهة ثم قال بدون ترحيب حقيقي :
– أهلا أهلا ازيك
قالت آيات” بتوتر :
– الحمد لله
أشار لها بالجلوس قائلاً :
– اتفضلى اعدى
جلست “آيات” تضع حقيبتها أمامها وهى تفرك يديها فى قلق .. نظرت اليه قائله :
– حضرتك عرفت ان بابا اتوفى ؟
عقد “سراج” ما بين حاجبيه للحظات ثم قال :
– آه عرفت
نظرت اليه “آيات” بمزيج من الدهشة والحزن .. وهى تقول فى نفسها .. ومادمت قد علمت فلماذا لم تسأل اذن عن ابنة أخيك ؟! .. صمتت قليلاً ثم قالت بتوتر وخجل :
– حضرتك عرفت ان بابا الله يرحمه كنا عليه ديون واننا بعنا كل حاجة عشان نسدد الديون دى
قال “سراج” بلامبالاة :
– أيوة عرفت دى كمان
صمتت “آيات” لا تدرى ما تقول .. كان اللقاء أبرد مما توقعت .. كادت أن تغير رأيها وترحل دون أن تخبره بالسبب الحقيقي الذى دفعها الى المجئ اليه .. لكنها تذكرت محنتها فأرغمت نفسها على البقاء .. نظرت اليه بإستغراب فهو لم يسأل حتى اين تقيم ولا من أين تعيش .. تنهدت بعمق ثم قالت بألم :
– أنا اضطريت أبيع الفيلا وأبيع الشركة والعربية وكل حاجة عشان الديون تتسدد .. انا بس كنت عايزة من حضرتك ……
توترت وشعرت بالخجل فلم تستطع أن تنظر الى وجهة .. خفضت رأسها وقالت :
– يعني .. أنا محتاجة وظيفه
أرجع “سراج” ظهره الى الخلف .. ران الصمت للحظات ثم قال بصوته الأجش :
– طيب تعالى بعد كام يوم أكون حاولت أشوفلك شغلانه
ثم قال :
– انتى خريجة ايه ؟
قالت “آيات” بلهفة :
– بكالوريوس تجارة
قال “سراج” :
– اشتغلتى فين قبل كده ؟
قالت “آيات” بتوتر :
-لا انا مشتغلتش قبل كده دى أول مرة
ابتسم “سراج” بخرية ثم ما لبث أن قال :
– طيب هحاول أتصرف
فى تلك اللحظة دخل “عاصى” المكتب .. نظر اليه والده بدهشة .. قال “عاصى” وهو يلقى نظرة على “آيات” :
– مساء الخير .. معلش مكنتش أعرف ان عندك حد
قال “سراج” وهو يشير الى “آيات” :
– دى بنت عمك “عبد العزيز”
نظر اليها “عاصى” وقد رفع حاجبيه يرمقها بنظرة متفحصة أخدلتها .. ثم قال :
– “آيات” .. مش ممكن .. كبرتى واحلويتي
شعرت بسخونه فى وجهها وقد تضرجت وجنتاها بحمرة الخجل وأخفضت رأسها .. ابتسم قائلاً :
– ازيك ايه أخبارك
قالت بخفوت وهى تتحاشى النظر اليه :
– الحمد لله
أشار “سراج” لمديرة أعماله بطرف خفى فقالت على الفور :
– بفكرك بإجتماع حضرتك اللى هيبدأ دلوقتى يا “سراج” بيه
نهضت “آيات” على الفور وقالت بجرح :
– شكراً يا عمو .. أنا همشى دلوقتى وهاجى لحضرتك مرة تانية ان شاء الله تكون شوفتلى موضوع الشغل
أومأ “سراج” برأسه وقال بنبرة متعاليه :
– ان شاء الله
التفت “عاصى” الى والده بعد خروج “آيات” قائلاً بإستغراب :
– شغل ايه اللى بتتكلم عنه
قال “سراج” بتهكم :
– ابوها مات مديون وسابها على الحديدة ومش لاقيه وظيفه تعيش منها وجيالى أشوفلها شغل
قال “عاصى” :
– وقولتلها ايه
قال “سراج” بنفاذ صبر :
– قولتلها هبقى أتصرف .. المهم قولى هو انت ايه اللى نزلك القاهرة مش قولت هتفضل فى العين السخنة
ٌقال “عاصى” بصرامة :
– جاى أنخور ورا التيييييييييييت اللى اسمه “آدم” ده .. وأشوف أى حاجه أقدر أمسكها عليه والوى دراعه بيها
ثم هتف بغضب :
– تصور التييييييييت ده شغل عنده مدير القرية بتاعتنا اللى طردته
ثم قال وكأنه يتحدث الى نفسه :
– بس وربنا ما أنا عاتقه .. هخليه يندم على اليوم اللى فكر فيه انه يقف قصادى ويتحدانى
بمجرد خروج “آيات” من مكتب “سراج” أسرعت مديرة أعماله بمهاتفة “آدم” الذى كان فى منتصف اجتماع هام .. لكنه استأذن منهم ليرد عليها لظنه بأنها تحمل له أخباراً هامة عن “سراج” و “عاصى” .. قال بلهفة :
– أيوة
قالت مديرة أعمال “سراج” وهى تتلفت حولها لتتأكد من عدم وجود من يسمعها :
– أيوة يا دكتور “آدم”
قال بإهتمام :
– فى حاجة جديدة ؟ .. أنا فى اجتماع دلوقتى
قالت بسرعة :
– أيوة من شوية جت واحدة وقالت انها بنت أخو “سراج” بيه
اتسعت عينا “آدم” دهشة وقال :
– “آيات” ؟
انتبه “زياد” الذى كان جالساً على طاولة الإجتماعات الى اسم “آيات” فنظر الى “آدم” بإهتمام .. قالت مديرة أعماله “سراج” :
– مش عارفه اسمها
قال “آدم” بلهفة واهتمام :
– متعرفيش جتله ليه ؟
قالت المرأة :
– كانت جايه طالبه منه شغل
قال بدهشة :
– شغل ؟
قالت :
– أيوة قالت ان باباها كان مديون وباعوا كل حاجة الفيلا والشركةوانها عايزه شغل عشان تصرف منه على نفسها
خفق قلب “آدم” فى لوعة وصمت قليلا وهو يقول :
– يعني هى دلوقتى بتدور على شغل .. وباعت كل حاجة ورثتها ؟
قالت المرأة :
– ده اللى فهمته من كلامها
قال “آدم” بحزم :
– طيب لو جتله تانى بلغينى .. ضرورى جداً .. فاهمة
تمتمت المرأة بطاعة :
– أيوة فاهمة .. سلام دلوقتى
خرجت “آيات” وهى تشعر بالتوتر الشديد .. هربت دمعة من عينيها وهى تخرج من الشركة .. كان تعلم بوجود مشاكل بين أبيها وعمها لكنها لم تتوقع أن يقابلها بمثل هذا البرود .. ما ذنبها هى فى خلافاته مع والدها .. كيف يعاملها بمثل تلك القسوة .. كادت “آيات” أن توقف سيارة أجرة للعودة الى منزلها .. لكنها تذكرت بأنها يجب أن تقتصد فى نفقاتها حتى تجد وظيفة تضمن لها مرتب فى آخر كل شهر .. فهى لا تثق فى أن “سراج” سيجد لها عملاً .. رغم قدرته على ذلك بمجرد اشارة من اصبعه .. لكنها شعرت كما لو كان يريد الانتقام من والدها فيها .. ورد ما فعله به .. وقفت “آيات” فى محطة الأتوبيس تنتظره مع من ينتظرونه .. مر بعض الوقت حتى جاء الأتوبيس .. تزاحم الناس من حولها وهى تشعر بالضيق .. دخلت الى الأتوبيس بقوة الدفع .. شعرت بالراحة عندما وجدت مقعد بجوار الشباك مازال فارغاً .. جلست فى مكانها وانطلق الأتوبيس .. كانت تلك هى المرة الأولى التى تركب فيها المواصلات العامة .. نظرت من الشباك وهى تريح ظهرها الى الخلف وتستند برأسها على الزجاج تفكر فى حالها وفي مستقبلها المجهول .. شعرت و كأن شئ ما يلمسها فانتفضت ونظرت الى الرجل بجوارها والذى كان يبدو عليه علامات الهدوء .. كان ينظر أمامه وقد عقد ذراعيه فوق صدره .. عادت للنظر الى الشباك تتابع المارة بجوار الأتوبيس وقد شردت مرة أخرى .. مرة أخرى شعرت بنفس الشئ .. نظرت بجوارها بطرف عينيها فوجدت الرجل يتشيث فى ظهر المقعد الذى أمامه .. فقالت فى نفسها لعله تحرك من اهتزاز الأتوبيس .. فانزاحت حتى التصقت فى الشباك تماماُ للتتحاشى ملامسة الرجل لها .. بعد عدة دقائق شعرت بنفس الشئ .. التفتت تنظر اليه بحده و قد تأكدت بانه يتعمد لمسها بيده القريبة منها وهو عاقد ذراعيه فوق صدره .. شعرت بالغضب والضيق .. نظرت حولها فلم تجد أحداً منتبهاً لما يحدث .. انزوت أكثر بعيداً عنه .. لكنه اقترب بجسده منها ولمسها مرة أخرى .. تجمعت العبرات فى عينيها أرادت الصراخ فى وجهة لكنها خافت من فضح نفسها أمام ركاب الأتوبيس .. تذكرت “أسماء” عندما كانت فى وضع مشابه لوضعها وخشت هى أيضاً التحدث وعنفتها “آيات” .. أما الآن فهى تشعر بما كانت تشعر به “اسماء” .. شعور بالنفور والخوف والغضب والمهانة والتقزز .. نظرت اليه وهتفت بصوت منخفض :
– لو سمحت ابعد شوية
تظاهر الرجل بأنه لم سمعها ومال يميناً ويساراً وكأن حركة الأتوبيس هى التى تهزه هكذا .. لم تعد “آيات” تحتمل اقترابه وملامسته اياها نهضت فجأة وطلبت من السائق التوقف .. نزلت “آيات” من الأتوبيس ودموعها فى عينيها .. أوقفت أول سيارة أجره قابلتها وأملته العنوان حيث انطلق بها الى بيت “حليمة”
دخلت “آيات” البيت ولم تجد أحداً به .. دخلت غرفتها وجلست على فراشها باكيه .. كانت تشعر بالغضب والمهانة .. أخذت تمسح بيدها المواضع التى لمسها الرجل بيده وكتفه وكأنها تريد ازالة آثاره منها .. شعرت وكأن تلك الأماكن اتسخت بلمسه اياها .. كانت ترتعش بالبكاء فأحاطت جسدها بذراعيها وانحنت الى الأمام وهى تغمض عينيها دون ان تستطيع السيطرة على عبراتها التى تنساب على وجهها .. سمعت صوت هاتفها .. فنظرت الى حقيبتها الموضوعه بجوارها على الفراش ثم فتحتها لتجد رقماً غريباً .. كفكت دمعها وكادت أن تتجاهل الإتصال لولا أن تذكرت “سراج” فلعله وجد لها عملاً وأراد ابلاغها .. ثم فكرت بدهشة كيف علم برقمها .. لم تنتظر لتعرف الإجابة بل ردت مسرعة وهى تقول بلهفة :
– ألو
لم تسمع صوتاً فقالت مرة أخرى :
– ألو
اتاها صوت “آدم” قائلاً :
– أنا “آدم” يا “آيات”
انتفض قلبها بشدة .. وحبست أنفاسها المضطربة .. ثم قالت بصوت حاولت أن يبدو طبيعياً :
– أيوة حضرتك عايز ايه ؟
على الرغم من محاولتها الا أن صوتها خرج متحشرج مضطرب .. باكى .. فقال “آدم” بقلق :
– انتى كويسة ؟
بدا وكأنها استعادت تماسكها فقالت بحزم :
– أفندم حضرتك عايز ايه ؟
قال “آدم” وقد ازداد قلقه :
– انتى كنتى بتعيطي ؟
صمتت وقد انسابت العبرات من عينيها مرة أخرى فقال “آدم” بلهفة :
– “آيات” انتى كويسة .. اتكلمى معايا .. مالك فى ايه .. بتعيطى ليه
صاحت بصوتها الباكى :
– ملكش دعوة بيا .. دى حاجة متخصكش ولو سمحت متتصلش بيا تانى
شعر “آدم” بقلبه وقد كاد ينخلع من مكانه قلقاً وخوفاً وألماً من أجلها .. فقال بصوت حانى :
– “آيات” انتى فين .. اديني عنوانك
صاحت بغضب :
– عنوان ايه اللى انت عايزه .. انت تبعد عنى خالص .. فاهم . .أنا لا عايزة أشوفك ولا عايزه أسمع صوتك ولا عايزه أعرفك أبداً
قال “آدم” بألم وندم :
– عارف .. عارف انك مش طايقانى .. بس لو سمحتى عرفيني انتى فين وعنوانك ايه
قالت بصرامة قبل أن تنهى المكالمة :
– أنا هريحك خالص ومش هفتح الخط ده تانى .. وياريت تنسى انك عرفتنى فى يوم من الأيام لانى خلاص نسيتك ومبقتش أطيق أفتكرك
فتحت هاتفها وأخرجت شريحتها لتقسمها الى نصفين وتلقيها أمامها على الأرض
*************************************
اندمج “على” فى عمله وتابع العمال الذين يعملون تحت امرته .. بعد استراحة الغداء دخل المخازن ليجد بعض العمال وقد شرعوا فى طبع تواريخ صلاحية على العلب فأقبل عليهم قائلاً :
– انتوا بتعملوا ايه ؟
قال أحدهم :
– المشرف ندهلنا وقالنا نطبع الكلام ده على كل العلب دى
وأشار بيده على العديد من الكراتين والتى غطت الحائط والتى كانت تحتوى على عبوات الأغذية المحفوظة .. نظر “على” بدهشة الى الكراتين قائلاً:
– جت امتى الشحنه دى ؟
قال أحد العمال :
– علمى علمك
فتح “على” احدى الكراتين وأخذ يتفحص العبوات علبة علبة ليجد بأن التواريخ فى الأسفل تم ازالتها بالكامل .. ظل يتفحص الى أن وصل الى احدى العلب والتى لم يتم حذف التاريخ منها بدقة فبدا واضحاً للعيان أن العبوات منتهية الصلاحية من شهرين .. هتفت قائلاً :
– يا ولاد التييييييييييييييت
أخذ العبوات وتوجه الى مدير الشركة يطلب مقابلته .. لكن السكرتيرة منعته الى أن أخذ فى الصراخ وقد تعالى صوته قائلاً :
– أنا عايز مدير الشركة دى دلوقتى حالاً .. بتغيروا فى تاريخ الصلاحية وتبيعوا للناس أكل فاسد .. أنا عايز أعرف دلوقتى المدير عارف اللى بيحصل ده ولا نايم على ودانه .. ولا كلكوا طابخينها سوا
أقبل أحد المسؤلين بالشركة وحاول تهدئه “على” لكن “على” أصر على مقابلة مدير الشركة والذى صدمه بقرار فصله ! .. فصاح بدهشة وألم :
– ليه .. ليه ؟
قال مدير الشركة بغضب :
– انت ملكش دعوة الا بشغلك وطالما حطيت مناخيرك فى حاجة متخصكش يبقى متلزمنيش .. مين قال ان العبوات منتهية الصلاحية .. أنا راجل شريف وعندى ضمير
صاح “على” بغضب وهو يشير الى احدى العلب فى يده :
– العلبة دى التاريخ واضح عليها انه منتهى من شهرين
قال مدير الشركة :
– دى علبه وسط ملايين العلب السليمة
قال “على”بحده :
– لا العلب مش سليمة العلب كلها متشال من عليها الصلاحية والعمال تحت فى المخزن عمالين بيطبعوا تواريخ جديدة على العلب
ثم صاح :
– حرام عليكوا هى الناس ناقصة .. اتقوا ربنا دول ناس غلابة ده مفيش بيت فى مصر الا وفيه حد مريض .. حسبي الله ونعم الوكيل فيكوا ده انتوا ربنا هينتقم منكوا شر انتقام
خرج “على” من الشركة وهو يحمل العلبة فى يده وأوقف سيارة أجرة لكى يتوجه الى قسم الشرطة .. لكن لم يكد يبتعد بالسيارة عدة أمتار حتى أقبل بعض الرجال الذين أوقفوا السيارة وجذبوه من ملابسه وأوسعوه ضرباً وركلاً .. هرب سائق السيارة الأجرة وترك “على” فريسة لهؤلاء الوحوش
*********************************
صاحت “أسماء” بحنق :
– انتى ازاى سكتى .. ازاى سمحتيله يتحرش بيكى كده
قالت “آيات” بأعين دامعة وهى تجلس بجوارها على الفراش :
– كنت خايفة
نظرت اليها “أسماء” بعطف فقالت “آيات” بصوت مرتجف :
– فاكرة لما زعقتلك وقولتلك ليه متكلمتيش ليه مصرختيش قولتلى انك خوفتى من اللى ممكن يتقال عليكي .. انا حسيت بإحساسك ساعتها .. حسيت انى خايفة ان الناس تبصلى وحش .. وكنت مخضوضة ومش عارفه أعمل ايه .. فضلت أقوله يبعد بس هو مكنش بيبعد ومكنش حد واخد باله من اللى بيعمله يعني لو زعقت بصوت عالى كان ممكن يقول انى بتبلى عليه .. عشان كده وقفت العربية ونزلت
دمعت عيني “أسماء” وهى تتذكر “هانى” وتحرشاته ثم هتفت قائله بغضب :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيهم كلهم ولاد ستين تيييييييييييييييييييت
قالت “آيات” بحزم :
– بلاش تشتمى خساره فيهم الحسنات اللى ياخدوها مننا .. قولى منهم لله وخلاص
قالت “أسماء” بحنق :
– منهم لله بس .. ده أنا نفسى أجمع كل الرجالة اللى بيعملوا كده وأحطهم فى ميدان عام ويدلق عليهم بنزين وكل بنت حصلها كده تمسك عود كبرت وترميه عليهم
قالت “آيات” بيقين :
– سبيهم .. نار الأخرة أشد حرارة من نار الدنيا .. المحفظة اللى كنت بروحلها المسجد قالتلنا ان النبي صلى الله عليه وسلم قال “ناركم التي توقدون جزء من سبعين جزءاً من جهنم ”
قالت “أسماء” بتشفى :
– يارب يولعوا فيها كلهم
ثم قالت لـ “آيات” :
– عمك ده بارد أوى
قالت “آيات” بحزن :
– متوقعتش تكون مقابلته كده خالص
ثم دمعت عيناها قائله بصوت باكى وقد عزت عليها نفسها :
– كان نفسى أوى يقوم من على المكتب وياخدنى فى حضنه ويقولى متخفيش طول ما انا موجود أنا عمك ومن ممكن اسيبك وهخلى بالى منك
تنهدت “أسماء” بحسرة وقالت بتهكم :
– اذا كان الأم والأب اللى بيخلفوا وبيربوا مبيبقاش فى قلوبهم رحمة عايزة العم هو اللى يهتم .. سيبك بلا هم أنا قرفت من الناس كلها
ثم التفتت اليها قائله :
– والمحروس “آدم” ده كمان عايز ايه بعد ما خربها وأعد على تلها
قالت “آيات” بحنق :
– متفكرينيش .. أصلاً كلمنى فى وقت مكنتش طايقه أسمع فيه صوت أى راجل .. اديته كلمتين معرفش طلعوا منى ازاى وكسرت الشريحة
قالت “أسماء” بحماس :
– أحسن فى داهية هو كمان .. خلاص انتى فلستى عايز منك ايه بأه .. يسيبك فى حالك
قالت “آيات” بسخرية :
– قال بيقولى عايز يطمن عليا
ضحكت “أسماء” بسخرية قائله :
– لا والله فيه الخير .. مش قولتك كلهم ولاد ………..
قاطعتها “آيات” قائله :
– يا بنت انتى امسكى لسانك شويه بياخدوا حسناتك يا هبلة
زفرت “أسماء” بضيق وقالت وهى تخرج من الغرفة :
– طيب خليني ساكته أحسن لانى لو فتحت بقى مش هطلع شتيمة بس .. ده أنا هطلع مجارى
ضحكت “آيات” وهى تتابعها بعينيها الى أن خرجت
********************************
هرولت أم “على” بلوعة وهى تبحث عن ابنها فى المستشفى .. سألت عنه احدى الممرضات فأشارت الى الغرفة التى تضم عدة اسرة متجاورة على احداها يرقد “على” وقد ضمد رأسه ووضع ذراعه فى الجبيرة .. بكت “إيمان” وهى ترى أخيها والكدمات الواضحة على وجهه .. هتفت أمه بلوعة :
– “على” .. ايه اللى جرالك يا ابنى
نظر اليها “على” بأسى قائلاً :
– زى ما انتى شايفه .. طردونى من الشغل وضربونى
ضربت أمه بيدها على صدرها وهى تجلس بجواره على الفراش قائله :
– ليه .. ليه عملوا كده
قال “على” بمرارة :
– عشان احنا بلد تيييييييييييت كل حاجة فيها غلط واللى يفكر يقف قصاد الناس دى بياخد على دماغه زى ما انتى شايفه
بكت أمه بحسرة قائله :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيهم .. كنت عملتلهم ايه عشان يعملوا فيك كده .. ده انت يا كبد أمك لا بتأذى حد ولا بتضايق حد وماشى جمب الحيط
ابتسم “على” قائلاً بمرارة :
– أيوة أنا فى حالى وماشى جمب الحيط بس أنا مستحيل أشوف غلط وأقبل وأسكت وأقول مليش دعوة .. لانى لو عملت كده هبقى بشاركهم فى جريمتهم دى وعقابي عند ربنا زيهم بالظبط .. تصورى انهم بيعدلوا تاريخ الصلاحية على عبوات أكل محفوظ فاسد وبيخلوها تاريخ جديد .. عايزين يسمموا الناس
قالت “إيمان” بغضب :
– منهم لله .. خلاص مبقاش فى ضمير للدرجة دى .. حتى الأكل
قال “على” بمرارة :
– قولى حتى الهوا .. دول لو طالوا يسمموا الهوا هيسمموه
أغمض “على” عينيه فى ألم .. وهو يقول فى نفسه .. يارب أحلامى بسيطة للغاية .. لست كغيرى أحلم بالسيارة الفارهة والفيلا الأنيقة وعمل يدرعليا الملايين .. بل حلمى هو وظيفة حلال وبيت مؤجر وأثاث متواضع وزوجة تشاركنى حياتى .. يكن لى منها أبناء أعلمهم وأربيهم وأجعلهم يسيرون فى درب الهدى والصلاح .. لست أبغى سوى حفظ كرامتى وماء وجهى .. لست أرغب سوى فى العيش .. العيش فقط
**********************************
جلس “آدم” أمام حاسوبه فى غرفته بالشاليه يتطلع الى صورة “آيات” .. ظلت عيناه تمر فوق تلك الكلمات التى سطرتها بيديها والتى تبثه فيها حبها وشوقها .. نظر الى الكلمات بمزيج من الحسرة والألم .. وأخذ يفكر كيف تحول هذا الحب بداخلها الى كره ونفور .. مازال لا يصدق .. مازال لا يصدق أن حبه بداخلها قد مات وانتهى .. أخذ يقول لنفسه .. انساها يا “آدم” .. أمامك مئات البنات اختر من شئت .. لكن شئ ما بداخله تمسك بها .. هى وحدها .. شعر بأنه لا يريد غيرها .. يريدها وحدها .. بصفائها ونقائها وبرائتها وطيبة قلبها .. تذكر اللحظات التى جمعتهما فى الماضى وكيف كانت معه صادقة المشاعر .. واضحة كالشمس .. رقيقة كرقة الندى على ورقات الشجر .. كم تهفو نفسه اليها .. الى النهل من بحر حنانها وعذوبة صوتها .. تذكر أنه لم يصلى العشاء بعد .. فوقف يصلى بين يدي الله وجد نفسه يدعو الله فى سجوده أن يغفر له .. وأن يجمع بينه وبين “آيات” .. ظل يردد دعائه كثيراً دون ملل أو كلل .. لا يعلم كيف سيتحقق ذلك .. كيف يمكن أن يتطهر من ذنوبه وهو مازال يعمل فى تلك القرية .. لن يستطيع ترك عمله .. عمله الذى بناه وكبره ويدر عليها مبالغ طائلة .. وفى نفس الوقت يتمنى رضا ربه عليه .. يتمنى “آيات” بقربه .. تشاركه حياته وأحلامه وطموحاته .. يريد مغفرة ربه ثم مغفرة “آيات” .. لكن كيف السبيل ؟! .. كيف يحقق تلك المعادلة الصعبة ؟! .. كيف ينجح فى الجمع بينهم ؟! .. لديه مثلث من ثلاث زوايا .. الله .. “آيات” .. عمله .. كيف يمكن أن يجمع الثلاثة زوايا فى خط مستقيم ؟! .. كيف ؟! .. ليس أمامه سوى حل واحد .. أن يخترق أحد أضلع المثلث ويثنيه الى أن يصبح خطاً مستقيماً .. لكنه وقف حائراً .. أى الأضلاع يكسر ؟!
الفصل التاسع عشر .
صلوا على الحبيب محمد .
استيقظت أم “آدم” من نومها وخرجت من غرفتها لتجد “آدم” واقفاً فى الشرفة .. اتجهت اليه وقالت :
– صباح الخير يا “آدم”
التفت “آدم” وابتسم بوهن قائلاً :
– صباح النور يا ماما
نظرت اليه أمه بإستغراب وقالت :
– انت ايه اللى مصحيك بدرى كده ؟
قال “آدم” وقد بدت على وجه تعبيرات حزينه وفى عينيه حيرة استشعرتها أمه من أول وهلة :
– أنا منمتش أصلاً
اقتربت منه ووقفت بجواره على سور الشرفة ونظرت اليه قائله بإهتمام :
– خير يا ابنى فى ايه
تنهد “آدم” محاولاً تخليص نفسه من ضيقه الذى يجثم على صدره .. صمت ولم يجيب فحثته قائله :
– أنا أمك يا “آدم” لو فى حاجة قولى يا ابنى يمكن أقدر أساعدك
التفت “آدم” اليها وقال بحزن وضيق :
– “آيات” .. والدها اتوفى
صمتت والدته قليلاً ثم قالت :
– “آيات” خطيبتك القديمة مش كده ؟
أومأ برأسه فقالت أمه بأسى :
– لا حول ولا قوة الا بالله ربنا يرحمه ويغفرله
قال “آدم” وهو ينظر الى الشمس التى بدأت آشعتها تلوح فى الأفق :
– باباها كان مديون واضطرت تبيع كل ميراثها عشان تسدد ديونه .. وحتى الفيلا باعتها ومعرفش هى عايشه فين ولا ازاى
ثم زفر بضيق قائلاً :
– وراحت لـ “سراج” عمها تطلب منه شغل
سألته أمه بإستغراب :
– وانت يا ابنى عرفت كل ده ازاى هو انتوا لسه بتكلموا بعض
قال “آدم” بضيق :
– عرفته وخلاص .. حاولت أكلمها كتير مردتش عليا وفين وفين لما ردت .. ولما طلبت عنوانها وانى أطمن عليها قالتلى انها لا عايزة تشوفنى ولا عايزه تسمع صوتى وانها مش هتشغل الشريحة دى تانى ومن ساعتها وموبايلها مقفول
تابعت أمه بإهتمام تعبيرات الضيق على وجهه .. لاحت ابتسامه حانيه على شفتيها وهى تقول :
– انت حبتها يا “آدم” ؟
نظر “آدم” الى أمها بحزن وعيناه تقول : نعم .. أحبها .. أحبها
اتسعت ابتسامة أمه وهى تقول بحماس :
– دى بنت طيبة وبنت حلال .. أول ما شوفتها بصراحة معجبنيش شكلها يعني كانت بتحط مكياج كتير ولبسها ضيق فبصراحة اضايقت بس لما اتكلمت معاها حسيت انى ارتحتلها أوى وحسيت انها مؤدبة ومحترمة
ابتسم “آدم” بوهن قائلاً :
– حبيتها يعني ؟
قالت أمه بحماس :
– بصراحة أيوة .. ومادمت انت كمان حبيتها يبقى يا ابنى متضيعهاش من ايدك
اختفت ابتسامة “آدم” وهو يقول :
– ماما انتى متعرفيش اللى حصل ولا تعرفى احنا سبنا بعض ليه وازاى
نظرت اليه أمه نظرة مشجعة على الحديث .. فأخذ نفساً عميقاً ثم قص عليها كل شئ .. بدأ من الخطة التى وضعها لخطبة “آيات” وابتزاز “عبد العزيز” بورقة زواجها لإسترجاع حقه الذى سلبه “سراج” و “عاصى” .. الى علاقته بـ “بوسى” وفضحها اياه عند “آيات” والفيديو الذى صورته لهما معاً .. انتهى من كلامه الذى شعر بالضيق الشديد وهو يقصه على مسامع والدته .. كان ينظر الى أمامه أثناء حديثه وهو لا يجرؤ على النظر اليها .. شعر بالحزن والندم الشديد وهو يتذكر ما فعله بـ “آيات” .. ومن قبلها نفسه .. ران الصمت طويلاً .. كانت أمه تحاول استيعاب ما قال .. تحاول استيعاب أن بأن ابنها زانى .. ومخادع .. تحاول استيعاب مدى السوء الذى وصل اليها “آدم” .. لكنه فلذة كبدها .. وسيبقى كذلك .. مهما فعل ستسامحه وتحاول أن تقومه وتدعو له بالهداية .. وضعت يدها على كفته وهى تنظر الى تعبيرات وجه .. والى عيناه التى بدأت فى اللمعان بما فيهما من عبرات .. ثم قالت بحنان :
– ربنا غفور رحيم يا ابنى .. وزى ما قال سيدنا النبي صلى الله عليه وسلم “كل ابن آدم خطاء، وخير الخطَّائين التوّابون” .. ومن رحمة ربنا ان باب التوبة مفتوح فى كل وقت وكل زمان وكل مكان .. بس انت ارفع ايدك وقول يارب .. ده مفيش أكرم منه ولا أرحم منه .. بيغفر ويسامح ويمحى كل ذنوبك فى ثانيه .. بس انت توب واستغفر يا حبيبى ومتخليش الشيطان يوسوسلك انك ملكش توبة أو ان ربنا مش هيغفرلك
نظر اليها “آدم” بلهفة وتطلب عيناه وترجوها الإستزاده من هذا الكلام الذى يبعث فى نفسه الأمل .. فأكملت بحماس :
– فى قصة النبي صلى الله عليه وسلم حكاها أنا مش حفظه الكلام بالظبط بس هحكيهالك أكنها قصة .. كان زمان أوى قبل ما ربنا يرسلنا النبي صلى الله عليه وسلم .. كان فى راجل قتل 99 روح .. والراجل ده حس فى يوم انه عايز يتوب وعايز يبقى بنى آدم كويس .. راح لراهب وقاله انه عايز يتوب وانه قتل 99 واحد .. الراهب قاله انت ملكش توبه .. فراح الراجل ده موت الراهب وكمل عدد اللى قتلهم ل 100 .. بعد كده الناس قالته فى عالم كبير روحله وقوله انك عايز تتوب .. راح للعالم ده وقاله انه قتل 100 انسان وعايز يتوب .. العالم قاله وايه اللى مانعك انك تتوب ! .. توب بس لازم تسيب المكان اللى انت فيه لان المكان ده مكان مش كويس وهيجرك تانى للمعاصى والذنوب لو انت فضلت فيه .. وروح البلد الفلانيه دى فيها ناس كويسه هياخدوا بايدك .. الراجل مكدبش خبر بس وهو فى الطريق مات .. وعشان هو كان فعلا عايز يتوب وهو واقع بيحتضر اتجه بصدره ناحية البلد الطيبة الى كان رايحلها .. بعد ما مات نزلت ملايكة الرحمة عايزين يقبضوا روحه .. ونزلت ملايكة العذاب عايزين يقبضوا روحه .. والملايكة اتخاصموا عليه .. ملايكة الرحمة قالوا ده تاب وكان عايز يقرب من ربنا واستغفر لذنوبه ورايح للبلد اللى فيها صحبة كويسة عشان يساعدوه على التوبة .. وملايكة العذاب قالوا ده راجل معملش أى حاجة خير فى حياته ولا حتى حسنه واحدة .. ساعتها ربنا ارسل ملاك فى صورة انسان خلوه حكم بينهم .. قالهم قيسوا المسافة بين البلد اللى عاش فيها الراجل ده وبين المكان اللى مات فيه .. وكمان قيسوا المسافة بين البلد الطيبة اللى كان رايحلها وبين المكان اللى مات فيه .. واذا طلعت المسافة الأولى أكبر من التانية يبقى تقبضه ملايكة العذاب .. واذا كانت المسافة التانية أكبر من الأولى يبقى تقبضه ملايكة الرحمة .. قاسوا المسافة ولقوا ان المسافة الأكبر هى اللى بين المكان اللى مات فيه وبين البلد الطبية اللى كان رايحلها فقبضته ملايكة الرحمة وربنا غفرله ذنوبه كلها .. رغم انه معملش أى حسنة فى حياته لحد ما مات .. بس مات على توبة وعلى نيه صادقة فى التوبة وعلى عمل يدل على انه فعلا تاب
شعر “آدم” بقشعريرة تسرى فى جسده وهو يستشعر رحمة الله عز وجل .. تذكر بالفعل الحديث الذى قاله النبي صلى الله عليه وسلم والذى شرحته أمه الطيبة دون أن تتذكر نصه .. “كان فيمن كان قبلكم رجل قتل تسعة وتسعين نفسًا، فسأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على راهب، فأتاه فقال: إنه قتل تسعة وتسعين نفسًا، فهل له من توبة؟ فقال: لا. فقتله فكمَّل به مائة، ثم سأل عن أعلم أهل الأرض، فدُلَّ على رجل عالم، فقال: إنه قتل مائة نفس، فهل له من توبة؟ فقال: نعم، ومن يحول بينه وبين التوبة، انطلق إلى أرض كذا وكذا، فإنّ بها أناسًا يعبدون الله، فاعبد الله معهم، ولا ترجع إلى أرضك، فإنها أرض سوء.فانطلق حتى إذا نصَفَ الطريق أتاه الموت، فاختصمت فيه ملائكة الرحمة وملائكة العذاب، فقالت ملائكة الرحمة: جاء تائبًا مقبلاً بقلبه إلى الله. وقالت ملائكة العذاب: إنه لم يعمل خيرًا قط. فأتاهم ملَكٌ في صورة آدمي، فجعلوه بينهم، فقال: قيسوا ما بين الأرضَيْن، فإلى أيتهما كان أدنى فهو له. فقاسوه، فوجدوه أدنى إلى الأرض التي أراد، فقبضته ملائكة الرحمة”
تأملت أمه انفراجة أساريره فإبتسمت قائله :
– “إِنَّ اللّهَ غَفُورٌ رَّحِيمٌ” يا ابنى .. وربنا سبحانه وتعالى بيقول ” قُلْ يَا عِبَادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلَى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعًا إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ”
تنهد “آدم” فى راحة وقد بدأ الأمل يدب فى أوصاله .. الأمل فى الكثير والكثير .. الأمل فى التوبة .. الأمل فى التطهير من ذنوبه وآثامه .. الأمل فى أن يصبح انسان أفضل .. الأمل فى استرجاع “آيات” .. من المؤكد أنها لن ترفض العودة اليه اذا ما لمست صدق توبته .. التفت الى أمه قائلاً بحماس :
– تفتكرى ممكن “آيات” ترجعلى لو حست فعلاً انى اتغيرت وانى ندمت على كل اللى عملته ؟
أشارت أمه الى السماء بإصبعها وقالت :
– اسأله وهو يديك .. مفيش حاجة بعيده عليه .. وربك بيقول ” وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ فَلْيَسْتَجِيبُوا لِي وَلْيُؤْمِنُوا بِي لَعَلَّهُمْ يَرْشُدُونَ ”
أخذ “آدم” نفساً عميقاً وزفره فى راحة وقد شعر بصدره قد اتسع وشرح .. اتسعت ابتسامته وهو ينظر الى أمه ثم قبل رأسها ويديها وهو يقول بتأثر :
– ربنا يخليكي ليا يا ماما وميحرمنيش منك أبداً
نظرت اليه بحنان قائله :
– ويباركلى فيك يا ابنى وميحرمنيش منك أبداً
************************************
استيقظت “آيات” من نومها وجلست على فراشها تفكر فى وضعها والى الطريق المسدود الذى وصلت اليه .. تنهدت فى يأس وهى تتذكر مقابلة عمها التى ِأشعرتها كم هى وحيدة فى هذه الدنيا دون سند أو دعامة ترتكز عليها .. اغرورقت عيناها بالعبارت وهى تتذكر دعامتها التى فقدتها .. أبيها الحبيب .. الذى تشعر الآن بدونه بالضياع .. أغمضت عينيها وهى تتخيله أمامها تلقى بنفسها بين ذراعيه وتريح رأسها على كفته وتترك له همومها ليزيحها بيديه من فوق كتفيها .. ثم يعانقها بشدة يخفيها بين ذراعيه ويحميها من شرور الناس وأذاهم .. فتحت عينيها لتعود مرة أخرى الى واقعها المرير وهى تقول لنفسها .. همومك لن يزيحها غيرك يا “آيات” .. ولن يحميكى احداّ غيرك .. يجب أن تعتادى ذلك .. يجب أن تكونى أقوى .. فالضربة التى لا تقسمك يجب أن تجعلكِ أقوى ..
توجه “عاصى” الى كلية التجارة بجامعة القاهرة يحاول أن يتقصى أى معلومات تقع تحت يديه عن “آدم” .. قابل هناك احدى الطالبات التى قالت له :
– أيوة عارفاه بس هو السنة دى واخد أجازة بس كان بيدي سنة رابعة السنة اللى فاتت
قال “عاصى” بإهتمام :
– أصل أنا قريبه وكنت مسافر ومش عارف أوصله لانه غير رقمه وكمان غير مكان سكنه .. متعرفيش أأقدر ألاقيه فين .. أو مين هنا من الدكاترة قريب منه ويعرفه عن قرب
قالت الفتاة بحماس :
– ممكن تسأل العميد
بدا على “عاصى” التردد قليلاً فالعميد لن يأتيه الا برقمه وعنوانه وهو لا يريد تلك المعلومات .. بل يبحث عما يستطيع به أن يلوى ذراع “آدم” .. فقال للفتاة :
– أنا فعلاً هسأل العميد .. طيب انتى متعرفيش الطلبة هنا بيقولوا عليه ايه .. أكيد انتوا بينكوا وبين بعض بتبقوا عارفين الدكتور الكويس من الوحش وبتكون عارفين حاجات ممكن العميد ميعرفهاش
قالت الفتاة وقد شعرت بالإستغراب من أسئلته :
– لأ أنا معرفش عنه حاجة غير انه كان خاطب واحدة من الكلية السنة اللى فاتت وسابوا بعض .. غير كده معرفش حاجة عن دكتور “آدم” .. وهو معاملته مع الطلبة كويسة
قال “عاصى” بإهتمام :
– قولتيلى كان خاطب واحدة من الكلية .. طيب متعرفيش سابوا بعض ليه .. وهو اللى سابها ولا هى اللى سابته
بدأت الفتاة بالشعور بعدم الراحة من أسئلته الغريبة فقالت بنفاذ صبر وهى تهم بالانصراف :
– لا معرفش سابوا بعض ليه .. عن اذنك
أوقفها “عاصى” وقال بلهفة :
– طيب اسمها ايه البنت دى ؟
قالت الفتاة بحنق :
– اسمها “آيات اليمانى” .. ممكن تعدينى ؟
نظر “عاصى” الى الفتاة بدهشة وقال :
– “آيات اليمانى” ؟ .. تقصدى “آيات عبد العزيز حسان اليمانى” ؟
قالت وهى تغادر مسرعة :
– معرفش
لكن “عاصى” لم ييأس .. سأل حتى تأكد من أن “آيات” هى الفتاة التى خطبها “آدم” ثم انفصلا .. شعر بمزيج من الدهشة والانتصار .. فها هو يعرف معلومة جديدة قد يتوصل من خلالها الى نقطة الضعف التى سيخترقها للوصول الى “آدم” .. ومن ثَم تحطيمه
***********************************
أثناء تناول طعام الغداء قالت “أسماء” :
– متتصلى بعمك كده يا “آيات” يمكن يكون شافلك الشغل اللى قالك عليه
قالت “آيات” وهى تتناول طعامها :
– مش معايا رقمه .. وبعدين قالى أروحله بعد يومين
قالت “أسماء” :
– اليومين فاتوا خلاص
توقفت “آيات” عن تناول الطعام وقالت بيأس :
– تفتكرى فعلاً هيشغلنى ؟
قالت “حليمة” بحماس :
– طبعاً يا بنتى الضفر ميطلعش من اللحم ومهما كان انتى بنت أخوه
قالت “آيات” بتهكم :
– يا دادة انتى مشفتيش قابلنى ازاى .. أكنى واحدة غريبة ميعرفهاش
قالت “حليمة” وهى مازالت تصر على أن كل الناس طيبين مثلها :
– معلش دى ساعة شيطان .. لما يشوفك تانى النفوس هتصفى ويخدك تحت جناحه
قالت “آيات” بشرود :
– ياريت فعلاً النفوس تصفى أنا مليش غيره دلوقتى
نظرت اليها “اسماء” بعتاب قائله :
– وأنا ودادة “حليمة” روحنا فين يعني
نظرت اليهما “آيات” بإمتنان وقالت :
– انتوا دلوقتى كل أهلى وكل صحابي
ابتسمت حليمة وهى تربت على كتفها وكتف “أسماء” قائله :
– وانتوا الاتنين بناتى اللى مخلفتهمش .. أنا لا اتجوزت ولا خلفت بس ربنا رزقنى بيكوا انتوا الاتنين تونسوا وحدتى
ابتسمت الفتاتان لطيبة “حليمة” وحنانها .. قامت “حليمة” بعدما أنهت طعامها فنظرت “أسماء” الى “آيات” قائله :
– هو لسه فى ناس بالطيبة دى
ابتسمت “آيات” وهى تقول :
– عارفه .. لما كنت فى المسجد كنت بحفظ سورة الفرقان ولما قرأت الآية اللى بتقول “وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا ” افتكرت دادة “حليمة” على طول
قالت “أسماء” بتأثر :
– فعلاً ست طيبة أوى وبيتمر فيها العشرة .. على الأقل هى أحن عليا من أمى اللى ولدتنى
اغرورقت عيناها بالعبارت فجلست “آيات” على المقعد المجاور لها وأحاطت كتفيها بذراعها وهى تقول :
– خلاص بأه مش بحب أشوفك زعلانه
مسحت “أسماء” عبرة كادت أن تفر من عينها وهى تقول :
– خلاص مش زعلانه
ابتسمت الفتاتان كلاهما فى وجه الأخرى لتدب كل منهما الأمل فى نفس صاحبتها
*******************************
توجهت “آيات” مرة أخرى الى شركة عمها .. فليس لها ملجأ سواه .. جلست فى مكتب مديرة مكتبه تنتظر أن يُسمح لها بالدخول .. طلب “سراج” من مديرة مكتبه أن تبقى معها حتى لا تطيل المكوث .. دخلت “آيات” بحرج أكبر من الحرج الذى لازمها فى أول زيارة لها .. ابتسمت له بإضطراب فأشار لا بالجلوس فى ترفع .. جلست “آيات” بتوتر وهى تقول :
– حضرتك قولتلى أجى كمان يومين عشان موضوع الشغل
قال “سراج” وهو ينشغل بالتطلع الى الملفات الموضوعه على المكتب أمامه :
– لا لسه ملقتش حاجة مناسبه
شعرت “آيات” بالإحباط وقالت :
– أنا مستعده أشتغل أى حاجة مش شرط حاجة محددة
قال “سارج” وهو مازال منهكاً فيما يفعل :
– انتى حديثة التخرج ومفيش خبرة فى أى حاجة عيازانى أشغلك ايه فى شركة كبيرة زى شركتى اللى أقل واحد فيها معاه خبره 3 سنين
شعرت “آيات” بالحزن والضيق .. أشار “سراج” لمديرة مكتبه بطرف خفى ففعلت كما فعلت المرة السابقة :
– “سراج” بيه حضرتك عندك اجتماع كمان خمس دقايق
قامت “آيات” بتثاقل وعلامات الحيرة والإضطراب على وجهها فقال لها “سراج”و هو ينظر اليها :
– سيبي بياناتك ولو لقيت حاجة مناسبة هبقى أبلغك
خرجت “آيات” من مكتبه وهى تملى مديرة مكتبه بمرارة رقمها وعنوانها فسألتها المرأة بإهتمام :
– ده عنوان بيتك مش كدة
قالت “آيات” بشرود :
– لا ده عنوان ست كانت بتشتغل عندنا أنا أعده معاها فى بيتها
غادرت الشركة كما فى المرة السابقة .. عيناها ممتلأتان بالدموع .. دونت المرأة بيانات “آيات” فى ورقة ووضعتها فى أحد الأدراج وعادت الى الانهماك فى عملها عازمة على الاتصال بـ “آدم” فى نهاية اليوم بعد الإنتهاء من عملها لإبلاغه بعودة “آيات” مرة أخرى
عادت “آيات” الى البيت وقصت على “أسماء” ما حدث فقالت لها :
– ده راجل تيييييييييت صحيح
قالت “آيات” بألم :
– حسسنى انى راحة أشحت منه .. أنا خلاص مستحيل أروحله تانى .. مستحيل أطلب منه أى حاجة تانى
ثم قالت :
– وأصلاً مكنتش مركزة ساعتها ومليت مديرة مكتبه رقمى القديم .. نسيت انى كسرت الشريحة وغيرت الرقم
قالت “أسماء” وهى تتنهد بتحسر :
– وهنعمل ايه دلوقتى يا “آيات” ؟
*******************************
– يعني “آيات” بنت عمى كانت خطيبة “آدم”
ألقى “عاصى” تلك العبارة على مسامع “سراج” الذى اتسعت عيناه دهشة وهو يقول :
– معقوله .. انت متأكد يا “عاصى”
قال “عاصى” بثقه :
– أيوة متأكد .. واللى عرفته ان حصل مشكله بينها وبينه يوم كتب الكتابة بعد ما المأذون جه .. بس محدش يعرف ايه هى المشكلة دى بالظبط
أخذ “سراج” يفكر وقد علمت الدهشة ملامحه .. فقال “عاصى” بحزم :
– لازم أعرف من “آيات” كل حاجة .. اكيد تعرف معلومات عن “آدم” ممكن تفيدنا ونقدر نستخدمها ضده
قال “سراج” وكأنه يتذكر أمراً :
– آه على فكرة كانت هنا النهاردة
قال “عاصى” بإهتمام :
– وبعدين ؟
قال “سراج” بلامبالاة :
– قولتها لسه ملقتلهاش شغل وانى هبقى أتصل بيها لو لقيت حاجة مناسبه
قال “عاصى” بحنق :
– يا بابا .. طيب وبعدين هنوصلها ازاى دلوقتى ؟
قال “سراج” وهو يضغط الزر لينادى مديرة مكتبه :
– أنا قولتها تسيب رقمها وعنوانها
دخلت المراة وقالت :
– ايوة يا فندم
قال لها “عاصى” بلهفة :
– “آيات” بنت عمى سابت بياناتها قبل ما تمشى ؟
أومأت المراة برأسها وقالت :
– أيوة سابت رقمها وعنوانها
قال “عاصى” بعجاله :
– طيب هاتيه بسرعة
توجهت الى مكتبها وأخرجت الورقة التى احتفظت لها وسلمتها الى “عاصى” الذى نظر اليها وعلى شفتيه باتسامة انتصار .. ما كادت تعود الى مكتبها حتى ضربت جبينها بكفها وهى تتمتم بغيظ :
– أووووف .. غبية
أمسكت هاتفها واتصلت بـ “آدم” الذى أجابها بلهفة قائلاً :
– ألو .. ها فى جديد
قالت المرأة بضيق :
– أيوة البنت جت تانى
قال “آدم” بلهفة وهو يهب واقفاً :
– ها وبعدين
قالت المرأة بصوت خافت وهى تتلفت حولها :
– “سراج” بيه قالى آخد منها بياناتها قبل ما تمشى .. وكتبتلى رقمها وعنوانها
قال “آدم” بسعادة وقد اتسعت ابتسامته وأمسك قلمه من فوق المكتب بلهفة :
– طيب مليني الرقم والعنوان
قالت المرأة بحرج :
– مش معايا
اختفت ابتسامة “آدم” وهو يقول بإستغراب :
– مش قولتى انها اديتك رقمها وعنوانها
قالت المرأة :
– أيوة بس “عاصى” بيه طلبهم واديتله الورقة ونسيت أكتبها عندى
قال “آدم” بغيظ :
– أعمل فيكي ايه دلوقتى
قالت المرأة بسرعة :
– متقلقش هحاول أتصرف
قال “آدم” بحزم :
– الرقم والعنوان عايز أعرفهم فى أقرب وقت .. النهاردة قبل بكرة
قالت المرأة بثقه :
– متقلقش هحاول أوصلهم
خرج “عاصى” من مكتب “سراج” فأسرعت بانهاء المكالمة .. وتابعته بعينيها الى أن انصرف وهى تفكر فى طريقة تحصل بها على الورقة التى سلمتها الى “عاصى” بيدها
************************************
عاد “على” الى بيته مستنداً الى والده ووالدتها .. جهزت “إيمان” غرفته وفراشه .. مدد عليه جسده المتعب من آثار الضرب والكدمات .. أسرعت والدته بالذهاب الى المطبخ لإعداد ما يتقوى به ابنها .. نظرت اليه “إيمان” بإشفاق وقالت :
– انت كويس يا “على” ؟
قال “على” مبتسماً بضعف :
– الحمد لله يا “إيمان”
جلست على المقعد امامه وقالت بحماس مصطنع :
– ان شاء الله الظروف هتبقى أحسن وهتلاقى الشغلانه اللى بتحلم بيها
قال “على” بتهكم :
– طبعاً طبعاً
علمت “إيمان” بأن كلماتها لن تصلح لمواساته فنهضت وهى ترمقه بنظرات حانيه .. اخرج “على” مصحفه من درج الكمودينو بجوار فراشه الصغير و وأخذ يقرأ فى كتاب الله الى أن وصل الى الآية فى سورة الإسراء التى تقول ” مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعَاجِلَةَ عَجَّلْنَا لَهُ فِيهَا مَا نَشَاءُ لِمَنْ نُرِيدُ ثُمَّ جَعَلْنَا لَهُ جَهَنَّمَ يَصْلَاهَا مَذْمُومًا مَدْحُورًا * وَمَنْ أَرَادَ الْآَخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا * كُلًّا نُمِدُّ هَؤُلَاءِ وَهَؤُلَاءِ مِنْ عَطَاءِ رَبِّكَ وَمَا كَانَ عَطَاءُ رَبِّكَ مَحْظُورًا * انْظُرْ كَيْفَ فَضَّلْنَا بَعْضَهُمْ عَلَى بَعْضٍ وَلَلْآَخِرَةُ أَكْبَرُ دَرَجَاتٍ وَأَكْبَرُ تَفْضِيلًا ” .. تنهد “على” فى ضيق من نفسه وهو يشعر بأن انمك فى طلب الدنيا وخف شيئاً فشيئاً عن سعيه وعمله لدار البقاء .. تمتم فى خفوت :
– استغفر الله العظيم
ومازال يستغفر حتى أذن المغرب .. فتحامل على نفسه متثاقلاً وذهب الى الحمام ليتوضأ .. رأته والدته فساعدته فى الوضوء .. ثم نظرت اليه بدهشة عندما وجدته متوجهاً الى الباب وقالت له :
– رايح فين يا “على” ؟
قال وهو يرتدى حذائه :
– اشتقت للصلاة فى المسجد
جلس “على” على أحد المقاعد يصلى .. أخذ ينظر الى الأرض بحسرة وقد اشتاق لوضع جبهته عليها خضوعاً لله عز وجل .. أنتهى من صلاته وقد شعر بسكينة فى قلبه .. اقترب منه أحد الرجال ذو السمت الإسلامى والذى كان يعرفه شكلاً دون أن يتحدث معه .. قال له الرجل :
– شفاك الله وعافاك يا أخى
ابتسم له “على” قائلاً :
– جزاكِ الله خيراً
ابتسم له الرجل ببشاشه وقال :
– افتقدتك اليومين اللى فاتوا .. لانى متعود أشوفك دايماً فى المسجد ما شاء الله عليك
قال “على” بأسى :
– مفيش كنت تعبان شوية
نظر الرجل الى ذراع “على” الموضوع فى الجبيرة وقال :
– حادثة ؟
صمت “على” قليلاً ثم قال :
– يعني حاجة زى كدة
ربت الرجل على كتف “على” وقد انتبه الى تعبيرات الحزن والأسى على وجهه وقال :
– أبشر ان شاء الله
نظر اليه “على” قائلاً :
– تفتكر فى أمل ؟
ابتسم الرجل وقال :
– النبي صلى الله عليه و سلم علمنا ان ” مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَدْعُو بِدَعْوَةٍ لَيْسَ فِيهَا إِثْمٌ وَلَا قَطِيعَةُ رَحِمٍ إِلَّا أَعْطَاهُ اللَّهُ بِهَا إِحْدَى ثَلَاثٍ : إِمَّا أَنْ تُعَجَّلَ لَهُ دَعْوَتُهُ ، وَإِمَّا أَنْ يَدَّخِرَهَا لَهُ فِي الْآخِرَةِ ، وَإِمَّا أَنْ يَصْرِفَ عَنْهُ مِنْ السُّوءِ مِثْلَهَا ، قَالُوا : إِذًا نُكْثِرُ ؟ قَالَ : اللَّهُ أَكْثَرُ ”
تمتم “على” :
– عليه الصلاة والسلام
أكمل الرجل قائلاً :
– وكمان النبي صلى الله عليه وسلم قالنا “ادعوا الله تعالى وأنتم موقنون بالإجابة” .. أحسن الظن بالله يكن كما ظننت ان شاء الله
قال “على” للرجل :
– فعلاً أنا كان نقصنى اليقين فى إجابة دعائي .. جزاك الله خيراً انك ذكرتنى
ربت الرجل على كتفه .. ظل “على” جالساً فى المسجد يقرأ من كتاب الله حتى حان موعد العشاء فأداها فى جماعة .. ظل يدعو الله كثيراً فى سجوده وهو يعلم أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد .. فظل يدعوه بيقين فى اجابة دعائه وبالرضا والتسليم لقضائه
**********************************
سمعت “آيات” صوت الجرس وهى جالسة فى غرفتها تقرأ فى مصحفها .. فالتفتت الى “اسماء” الواقفة فى الشرفة وقالت :
– مين اللى بيخبط علينا
نظرت اليها “أسماء” قائله :
معرفش تلاقى حد من جيران دادة “حليمة”
ثم قالت :
– فى عربية شيك أوى وقفت تحت البيت ونزل منها راجل شكله مش من المنطقة تفتكرى هو اللى بيخبط ؟
قالت “آيات” بإستغراب :
– هيكون مين يعني ؟
قالت “أسماء” وهى تمط شفتيها :
– معرفش بس أول ما الراجل دخل من المدخل سمعت بعدها بشوية صوت الجرس
لم تكد تنتهى من جملتها حتى طرقت “حليمة” باب الغرفة ونظرت الى “آيات” وهى تقول بحماس :
– “آيات” يا بنتى .. ابن عمك بره
انتفضت “آيات” وهبت واقفة وهى تقول :
– ابن عمى مين ؟
نظرت “أسماء” بدهشة تتابع ما يحدث فقالت “حليمة” مبتسمة :
– “عاصى” ابن عمك آعد بره فى الصالون مستنيكي
تبادلت الفتاتان نظرة دهشة .. قالت “أسماء” بلهفة :
– قومى البسى بسرعة أكيد جاى يتكلم معاكى عن الشغل اللى طلبتيه من عمك
ارتدت “آيات” ملابسها فى عجالة وقلبها يخفق بشدة من فرط توترها .. خرجت فوقف “عاصى” يستقبلها مبتسماً وهو يمد يده اليها قائلاً :
– ازيك يا “آيات”
شعرت بالحرج فمدت يدها تسلم عليه .. ثم نزعتها من يده سريعاً وهى تقول :
– الحمد لله .. اتفضل
أشارت الى المقعد فجلس .. دخلت “حليمة” وقدمت له الشاى بينما كانت “أسماء” تستمع الى حديثهما وهى واقفة بالقرب من الصالون .. بدأ “عاصى” حديثه قائلاً :
– أولاً بعتذر انى كنت مقصر فى حقك الفترة اللى فاتت بس أنا مكنتش هنا .. أنا كنت فى العين السخنة ولسه راجع من كام يوم وراجع تانى على هناك
قالت “آيات” بإبتسامة مجاملة :
– لا أبداً لا تقصير ولا حاجة
قال “عاصى” بإبتسامة مشجعة :
– طيب بما ان مفيش زعل يبقى نخرج نتعشى مع بعض
شعرت “آيات” بالحرج فأسرع قائلاً :
– عشان نتكلم فى تفاصيل الشغل
قالت “آيات” بلهفة :
– شغلى ؟
قال “عاصى” بحماس :
– أيوة هتشتغلى معايا .. بس عايزن نتكلم فى التفاصيل مع بعض وفرصة ندردش شوية وأعرف أخبار بنت عمى
صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت :
– طيب ممكن صحبتى تيجي معانا
قال بدهشة :
– صحبتك ؟
قالت “آيات” شارحة :
– أيوة هى عايشة معايا هنا
شعر “عاصى” بالضيق لأنه أراد التحدث معها بمفردها لكنه خشى أن ترفض فقال :
– طبعاً طبعاً دى تنورنا
ابتسمت “أسماء” الى كانت تستمع الى الحوار فإستأذنت “آيات” لترتدى ملابسها .. دخلت “أسماء” الغرفة تنتظرها وبمجرد أن أغلقت “آيات” الباب قالت “أسماء” بسعادة :
– الحمد لله أخيراً الدنيا هتبتدى تتظبط معانا
قالت “آيات” بضيق :
– كان ايه لزمته موضوع العشا ده .. ما كان قالى التفاصيل هنا وخلصنا
قالت “اسماء” بحماس :
– يا بنتى وفيها ايه ما نتعشى معاه وبعدين ما أنا هكون معاكى مش هتكونى لوحدك
كانت “آيات” تشعر بعدم اقتناع لكنها أرغمت نفسها على إمرار هذا الأمر من أجل حل مشكلتها الحالية
.. مضى بهما “عاصى” الى أحد المطاعم الراقية .. تذكرت “آيات” زيارتها السابقة لذلك المطعم مع والدها .. مرت سحابة حزن أمام عينيها لتلك الذكرى .. ثم ما لبثت أن نفضت تلك الذكريات من رأسها ورسمت على شفتيها ابتسامة مجاملة عندما نظر اليها “عاصى” مبتسماً .. قالت “أسماء” بمرح :
– حلو أوى المكان ده
ابتسم لها “عاصى” قائلاً :
– كويس انه عجبك
ثم التفت الى “آيات” قائلاً :
– وبنت عمى .. عاجبها المكان ولا لأ
ابتسم “آيات” قائله :
– أيوة .. جميل
شرع فى طلب الطعام لثلاثتهم .. نظر اليهما “عاصى” مستفهماً :
– انتوا صحاب من زمان
قالت “أسماء” بمرح :
– بألنا أكتر من 4 سنين مع بعض
التفت اليها “عاصى” قائلاً :
– وانتى خريجة ايه يا آنسة “أسماء”
قالت “أسماء” مبتسمه :
– أنا زى “آيات” ما احنا كنا زمايل فى الجامعة ومن هناك اتعرفنا على بعض وبقينا صحاب و أكتر من الإخوات
رفع “عاصى” حاجبيه قائلاً :
– واضح فعلاً انكوا قريبين من بعض أوى بدليل انكوا عايشين مع بعض
توترت “أسماء” فلم ترد مناقشة أسباب تركها لبيتها .. التفت “عاصى” الى “آيات” قائلاً :
– شكلك من النوع الهادى يا “آيات” .. أعده ساكته ومبتتكلميش
قالت وقد بدأت تضيق ذرعاً من جلوسها معه :
– لأ عادى
ثم قالت بجدية :
– ياريت نتكلم فى الشغل .. ايه التفاصيل اللى قولت اننا هناقشها مع بعض
فى تلك اللحظة حضر النادل ووضع أمامهم أصناف الطعام .. بدأ “عاصى” فى تناول طعامه وهو يقول :
– أنا عندى قرية سياحية فى العين السخنة .. وحابب انك تشتغلى معايا هناك
قالت “آيات” بحذر :
– هشتغل ايه بالظبط ؟
قال “عاصى” وهو يلوك الطعام فى فمه :
– الشغلانه اللى تختاريها .. ممكن تشتغلى فى العلاقات العامة أو فى الاستقبال أو فى أى مكان تختاريه فى القرية .. زى ما تحبي
صمتت “آيات” وهى تفكر فى كلامه .. فانتهزت “أسماء” الفرصة لتقول فى مرح :
– ويا ترى الشغل ده لـ “آيات” لوحدها .. مفيش حاجة تنفع صحبتها
التفت اليها “عاصى” وقال مبتسماً بلؤم :
– لا طبعاً .. أكيد فى لصحبتها
ابتسمت “أسماء” بسعادة وهى تقول :
– اتفقنا
التفت “عاصى” الى “آيات” ورفع حاجبيه وهو ينظر الى ملابسها متفحصاً وهو يقول :
– بس طبعاً محتاجة لوك تانى خالص
نظرت اليه “آيات” بدهشة وهى تقول :
– ازاى يعني ؟
قال “عاصى” وهو يشير الى ملابسها :
– مينفعش ده يكون لبس واحدة شغالة فى قرية سياحية وخاصة لو فى العلاقات العامة أو بتتعامل تعامل مباشر مع زوار القرية والسياح .. لازم يبقى لبسك أشيك من كده وكمان مينفعش يبقى وشك كده من غير ميك آب
ثم نظر الى “أسماء” وابتسم بخبث قائلاً :
– يعنى خليكي حلوة زى صحبتك
ابتسمت “أسماء” فقال “عاصى” وهو يتفحصها هى الأخرى :
– برده انتى كمان محتاجة شوية تعديلات
ثم قال بحماس :
– عامة متقلقوش هنديكوا سلفة من مرتبكوا تشتروا بيها لبس مناسب .. لازم قبل ما تروحوا القرية تكونوا على سنجة عشرة .. عشان أى حد بيشتغل فى القرية بيكون عنوان ليها
شعرت “آيات” بالضيق الشديد من كلامه .. نظر اليها “عاصى” متفحصاً وهو يقول :
– مالك يا “آيات” مبتكليش ليه ؟
قالت “آيات” بوجوم :
– شبعانه
قال “عاصى” بخبث :
– إلا قوليلى يا “آيات” انتى مخطوبة ؟
قالت “آيات” وعقلها منشغل فى طريقة للهرب من تلك السهرة التى أصبحث ثقيلة عليها :
– لأ
فسألها قائلاً :
– ولا اتخطبتى قبل كده ؟
نظرت اليه بحده وهى تتساءل فى نفسها .. هل يعلم بأمر خطبتها من “آدم” أم لا .. قالت فجأة :
– معلش أنا تعبانه ممكن نروح ؟
نظرت اليها “أسماء” بإستغراب ممزوج بالحنق .. أما “عاصى” فنظر اليها متفرساً محاول تخمين ما تفكر وما تشعر به .. استجاب لمطلبها دون الحاح حتى لا يضايقها .. أوقف سيارته تحت البيت وهو يقول بمرح :
– طبعا لما تبتدوا الشغل معانا فى العين السخنة هيكون ليكوا شاليه مخصوص .. يعني موضوع السكن مش عايزكوا تقلقوا منه خالص
ثم ابتسم وهو ينظر الى “آيات” قائلاً :
– مش عايزك تقلقى أبداً يا “آيات” طول ما أنا جمبك
ارتبكت “آيات” من نظراته ونزلت من السيارة هى و “أسماء” فلوح لهما مودعاً .. صعدت “آيات” الى البيت تتبعها “أسماء” بمجرد أن دخلت “أسماء” الغرفة أغلقتها عليهما وهى تقول :
– ليه قومتى بسرعة يا “آيات” أنا حسيت انه اضايق من كده
قالت “آيات” بضيق شديد :
– يضايق ولا يتفلق
سألتها “أسماء” قائله :
– ايه فى ايه من ساعة ما أعدنا معاه وانتى مش مظبوطة ولاويه بوزك
نظرت اليها “آيات” بحده قائله :
– انتى مسمعتيش الكلام اللى قاله .. عايز يلبسنا على مزاجه وكمان يخليني أحط ميك آب عشان أبقى عنوان يشرف قريته .. أهو أنا بأة ميلزمنيش الشغل فى قريته دى
هتفت “أسماء” بضيق :
– محسسانى انه قالنا البسوا بكيني
قالت “آيات” بغضب وقد احمر وجهها بشدة :
– ده بيقول ان لبسك انتى مش عاجبه .. لبسك اللى أنا شيفاه ضيق ومينفعش يتخرج بيه أصلاً
قالت “أسماء” وقد بدأ غضبها يتصاعد هى الأخرى :
– وماله لما نلبس لبس شيك وراقى زى ما هو عايز .. انا مستعدة أوافق على أى حاجة .. أى حاجة مقابل انى أشتغل وأصرف على نفسى ومرجعش بيت خالتى تانى .. لو هو ده شرطه أنا موافقه
قالت “آيات” بحزم وهى تقف فى مواجهتها :
– بس أنا مش موافقه ومش ممكن أوافق
قالت “أسماء” بحده :
– لو موافقتيش هنموت من الجوع مستحيل يشغلنى من غيرك
قالت “آيات” وهى تتوجه الى ملابس البيت لتستبدلها بملابسها التى ترتديها :
– مفيش حد بيموت من الجوع
هتفت “أسماء” بغيظ وهى تلقى بحقيبة يدها فوق الفراش :
– انتى ليه عنيده كده ؟
التفتت اليها “آيات” وهى تقول بصرامة :
– أنا مش هلبس لبس ضيق يا “أسماء” .. وأظن انتى كنتى بتلبسى ضيق أدام ابن خالتك وشوفى وصلتيه بلبسك انه يعمل ايه
اتسعت عينا “أسماء” من الغضب فهتفت بغضب هادر :
– طيب أنا ابن خالتى اتحرش بيا عشان كنت بلبس ضيق .. انتى بأه الراجل اللى فى الاتوبيس اتحرش بيكي ليه … ها .. ما انتى بتلبسى واسع وبرده اتحرش بيكي .. يعني مش باللبس .. اى واحدة دلوقتى بيحصلها تحرش مهما كانت لابسه حتى لو ماشية لابسه شوال .. وده مش عيب فى البنت ده عيب فى ولاد التيييييييييييييييت اللى ماشيين فى الشارع
قالت “آيات” بحزم :
– أولاً أنا لبسى مش واسع للدرجة .. أيوة أوسع منك وأطول منك بس عارفه انى برده لبسى لسه مش صح .. ثانياً بأه العيب من البنت وعليها ذنب كبير لما تلبس لبس يثير الرجاله اللى ماشية فى الشارع ويستفزهم .. مش بقول ان اللى بيتحرش ده صح .. لا ده أصلاً مش راجل ومفيش فيه ريحة الرجولة وبكرة يحصل فى أخته وأمه وبنته ومراته اللى هو بيعمله فى بنات الناس لإن كما تدين تدان .. بس البنت لما تبقى نازله من بيتها ولابسه لبس مبين كل تفاصيل جسمها وواحد يمد ايده ولا يتحرش بالكلام يبأه هى مشتركة معاه فى اللى حصل ومشتركة معاه فى الذنب لأنها عرضت جسمها زى ما بتتعرض الجارية فى سوق العبيد .. ما ينفعش تحطى أدام كلب حتة لحمة وتلوميه انه كلها .. لو مش عايزاه ياكلها خلاص خبيها مش تسبيها مكشوفة أدامه .. لكن لما تبقى واحدة محترمة خارجه من بيتها ولابسه لبس محترم وواحد يقل أدبه عليها فهى معليهاش أى ذنب ومش بتاخد أى سيئات والسيئات بتكون من نصيبه هو لوحده لأنها لبست محترم ومعملتش أى حاجة تستفزه أو تثيره .. يعني البنت اللى بتلبس وحش دى شريكة فى جريمة التحرش عشان كده مقدرش أقول عليها ضحية .. أما البنت اللى بتلبس محترم هى دى فعلا الضحية .. وكفاية ان ربنا يكون غضبان على الأولى .. وراضى عن التانية
التزمت “أسماء” الصمت وهى تفكر فى كلام “آيات” التى قالت كتقرير لما انتهى عليه نقاشهما :
– أنا مش هلبس حاجة تغضب ربنا عشان أرضى “عاصى” أو عشان أرضى أى حد
ثم قالت بحنق :
– أنا حسه بذنب فظيع عشان سلمت عليه بإيدي رغم ان “سمر” نبهتنى كتير للموضوع ده وقالتلى مينفعش أسلم على راجل بإيدي .. أنا اتحرجت لما مدلى ايده .. بس مكنش لازم اعمل كده مهما كان هو مين ومهما كنت هتكسف .. لأن مفيش راجل ولا بنت ولا أى مخلوق فى الدنيا يستاهل انى اغضب ربنا عشانه
خرجت من غرفتها وتركت “أسماء” شارده فيما سمعت
***********************************
سمعت والدة “آدم” عدة طرقات على باب غرفتها فى الصباح الباكر .. فنهضت من فراشها بعجالة وفتحت الباب لتجد “آدم” واقفاً أمامها فقالت بقلق :
– خير يا ابنى
قال “آدم” :
– أنا مسافر القاهرة يا ماما
قالت أمه وهى تنظر اليه بتمعن :
– خير يا ابنى حصل حاجة ؟
تنهد “آدم” بضيق قائلاً :
– “آيات” لسه قافله تليفونها وهموت وأطمن عليها .. مش قادر أستنى أكتر من كده
ابتسمت أمه بحنان وربتت على كتفه قائلاً :
– متقلقش ان شاء الله تلاقيها وتجبها معاك
قبل “آدم” رأسها قائلاً :
– ادعيلي يا ماما
انصرف آدم فرفعت أمه كفها الى السماء وقالت :
– يارب يا جامع الناس ليوم لا ريب فيه اجمع عليه ضالته
انطلق “آدم” بسيارته الى القاهرة وهو عازم على اصلاح أموره مع “آيات” فلم يعد يطيق بعدها عنه ولو للحظة .. أرادها معه .. بجواره .. فى حياته .. تشاركه اياها .. لن يتركها وحدها وهو أدرى الناس بمدى طيبتها وبرائتها .. لن يتركها وسط الغابة لتلتهمها الضباع والكلاب .. سيكون زوجها وحاميها .. يحتاج منها فقط أن تسامحه .. ولن يتوانى عن اسعادها .. توجه فى بادئ الأمر الى الفيلا .. خرج من سيارته وألقى عليها نظرة من الخارج .. لفت نظره أحد الحراس .. نعم لقد رآى هذا الحارس من قبل .. أقبل عليه قائلاً :
– مساء الخير
نظر اليه الحارس وقد تذكره فقال :
– مساء النور يا دكتور “آدم”
ألقى “آدم” نظرة على الفيلا ثم نظر اليه قائلاً :
– محدش موجود فى الفيلا مش كدة
قال الحارس :
– لو تقصد حد من طرف عيلة “اليمانى” فلأ مفيش .. اللى هنا ناس جديدة سكنت بعد ما باعوا الفيلا
سأله “آدم” بإهتمام :
– متعرفش “آيات” بنته راحت فين ؟
قال الحارس :
– لا معرفش
ثم قال وكأنه تذكر شيئاً :
– بس هى يوميها مشيت مع دادة “حليمة” اللى كانت شغاله عندهم
قال “آدم” بلهفة وقد شعر بأنه وصل الى طرف الخيط الذى سيوصله بـ “آيات” :
– طيب متعرفش “حليمة” ساكنة فين ؟
هز الحارس رأسه نفياً وقال :
– لا والله معرفش
– ولا معاك رقمها ؟
– لا والله
تنهد “آدم” بحسرة ثم توجه الى سيارته وانطلق بها يفكر .. كيف سيصل الى “آيات”
توجه “زياد” الى شاليه “آدم” ففتحت له والدة “آدم” وهى تبتسم قائله :
– أهلا يا “زياد” يا ابنى اتفضل
قال “زياد” مبتسماً وهو يدخل البيت :
– ازيك يا خالتى أخبارك ايه
ابتسمت وهى تغلق الباب قائله :
– بخير يا ابنى الحمد لله .. اتفضل
ألقى “زياد” نظرة على الشالية ثم التفت اليها قائلاً :
– أمال فين “آدم” يا خالتى ؟
قالت له :
– “آدم” نزل القاهرة يدور على خطيبته القديمة
اتسعت عينا “زياد” دهشة وقال :
– ايه ؟ .. ولا جبلى سيرة
ثم توجه الى باب الشالية قائلاً :
– طيب يا خالتى أنا هكلمه على الموبايل
هتفت قائلاً :
– استنى يا ابنى أحطلك الغدا أنا سايباه يتردد على النار
قال “زياد” وهو يفتح الباب :
– تسلمى يا خالتى مرة تانية ان شاء الله
هاتف “زياد” “آدم” وقال له :
– ايه يا ابنى تسافر القاهرة كده من غير ما تعرفنى
قال “آدم” وهو يتوقف عند احدى اشارات المرور :
– معلش يا “زياد” أنا سافرت بدرى ومرضتش أقلقك
قال “زياد” بإهتمام :
– انتى ليه سافرت طيب .. حصل حاجة
قال “آدم” :
– أيوة حصل
قال “زياد” بقلق :
– ايه اللى حصل ؟
صمت “آدم” قليلاً ثم قال وفى عينيه سحابة حزن ولوعة :
– فى انى بحبها مش قادر أعيش من غيرها
ضحك “زياد” قائلاً :
– انت وقعت ولا الهوا رماك
قال “آدم” بحنق :
– مش فايقلك دلوقتى يا “زياد”
قال “زياد” بجديه :
– طيب عملت ايه .. وصلت لايه ؟
تنهد “آدم” وقال :
– كل اللى وصلتله ان الفيلا اتباعت ومحدش يعرف هى راحت فين بس الحارس قال انها مشيت مع الدادة بتاعتها .. “آيات” كانت بتحبها أوى فأكيد الست دى عارفه مكان “آيات” .. ده ان مكنش الاتنين مع بعض دلوقتى
قال “زياد” يحفز صديقه :
– متقلقش ان شاء الله هتلاقيها
قال “آدم” بحماس :
– أنا دلوقتى طالع على الجامعة .. كان ليها صاحبة قريبة منها أوى اسمها “أسماء” هحاول أوصل لعنوانها وأنا متأكد ان “أسماء” هتكون عارفه طريقها لانهم كانوا صحاب أوى و “آيات” كانت بتحبها
قال “زياد” :
– طيب تمام .. بلغنى بالتطورات يا “آدم”
ثم هتف فجأة :
– آه صحيح أنا أصلاً كنت بتصل بيك عشان أقولك حاجة مهمة أوى
قال “آدم” بأهتمام وهو ينطلق بسيارته بعدما فُتحت الإشارة :
– خير ؟
قال “زياد” :
– القرية التالتة اتأجرت
صمت “آدم” قليلاً ثم قال :
– اتأجرت لمين ؟
قال “زياد” :
– لا معرفش .. لسه مش عارفين مين اللى أجرها بس من الواضح انه سخن أوى .. العمال نزلين توضيب فيها وعربيات عفش داخلة خارجة .. لو استمروا على معدل الشغل ده يبقى هيفتتحها قريب أوى
قال “آدم” بإهتمام :
– ياريت يا “زياد” تجبلى كل المعلومات عن اللى أجر القرية وعن شغله وهل له فى السياحة ولا لأ .. عايز أعرف كل حاجة عنه
قال “زياد” بثقه :
– متقلقش على ما ترجع أكون جبتلك أراره ان شاء الله .. يلا انت ربنا يوفقك
انشغل “آدم” بالتفكير فى مستأجر القرية الثالثة .. لكن “آيات” اخترقت تفكيره رغماً عنه وحجبت عنه أى شئ سواهــا
********************************
هتفت “آيات” وهى واقفة على الباب قائله :
– يلا يا “أسماء”
قالت لها “حليمة” الواقفة بجوارها :
– متقلقيش يا بنتى ان شاء الله هتلاقى شغل كويس انتى و “أسماء”
نظرت اليها “آيات” وهى تقول :
– يارب يا دادة
عزمت “آيات” على البحث عن عمل بنفسها مع “أسماء” ..وعلى بدء الطريق من بدايته .. وأحسنت الظن بخالقها .. أقبلت “أسماء” تقول :
– خلاص خلصت
نزلت الفتاتان وقد شيعتهما “حليمة” مودعة وهى تقول بطيبتها المعهودة :
– ربنا يفتح فى وشكوا أبواب الرزق يارب ويكفيكوا شر ولاد الحرام ينورلكوا طريقكوا يارب
دخلت “حليمة” البيت وتوجهت الى غرفتها وأمسكت مصحفها واتكئت على الأريكة وهى ترتديها نظارتها وتقرأ فى كتاب الله .. نزلت الفتاتان الدرج .. وقبل أن تخرجا من البوابة أقبل أحد السكان وبصحبته فتاة .. تحاشت الفتاة النظر اليهما وبدا عليها التوتر .. أمسكها الشاب من ذراعها وتوجه بها الى أول شقة وفتح الباب ودخلا سوياً .. خرجتا من البوابة فانحنت “أسماء” على “آيات” قائله :
– شوفتى اللى انا شوفته
قالت “آيات” بتقزز :
– أيوة شوفت
قالت “أسماء” بغيظ :
– مش المفروض الشاب ده عايش لوحده .. مين بأه الحلوة اللى دخلت معاه دى
قالت “آيات” بضيق :
– مش أول مرة أشوفها داخله معاه الشقة .. وكل ما تشوفنى ترتبك وتتوتر وتدارى وشها
قالت “أسماء” بحده :
– وازاى السكان ساكتين على كدة
قالت “آيات” وهى تحث السير :
– معرفش يمكن محدش واخد باله .. سبيه ربنا مش بيسيب حد
توجهت الفتاتان لعدة عناوين جمعتاها من الجرائد لشركات ومكاتب تطلب موظفين .. كانت كل منهما تحمل فى يدها ملفها بكل أوراقها وشهاداتها .. وكل منهما تحمل فى قلبها أملاً بألا تعود فارغة اليدين
********************************
توجه “آدم” الى عنوان “أسماء” الذى حصل عليه من الكلية .. وقف قليلاً قبل أن يفتح له رجلاً .. تنحنح “آدم” وقال له :
– حضرتك والد “أسماء” ؟
أومأ والد “أسماء” برأسه وقال :
– خير فى حاجة ؟
قال “آدم” :
– انا كنت عايز أسألها عن حاجة .. هى موجودة ؟
قال له والدها وهو ينظر اليه نظرة متفحصة :
– لا مش موجودة انت مين ؟
قال “آدم” :
– أنا دكتور فى كليتها كنت بدرسلها مادة السنة اللى فاتت .. وكنت عايز أسألها عن واحدة صحبتها .. اسمها “آيات”
قال والدها بحدة :
– أصلاً أنا معرفش بنتى فين .. هربت من بيت أمها
نظر اليه “آدم” بدهشة وقد عُقد لسانه .. فتنهد الأب بحسرة قائلاً :
– من يوميها وأنا بدور عليها ومش عارف أوصلها .. روحت للفيلا اللى كانت عايشة فيها “آيات” صحبتها لأنها أقرب صاحبه ليها أو بمعنى أصح صحبتها الوحيدة .. لقيت الحارس بيقولى انهم باعوا الفيلا وان والد “آيات” اتوفى وميعرفش “آيات” راحت فين
تنهد “آدم” بحسرة ويأس وهو يقول :
– يعني ايه .. مش هنعرف نوصلهم
نظر اليه أبوها برجاء وهو يقول :
– ياريت لو عرفت حاجة تبلغنى .. أنا لفيت على الاقسام وعلى المستشفيات وبرده معرفتش أوصل لأى حاجة
قال “آدم” فجأة وقد تذكر شيئاً :
– طيب ما تكلمها على الموبايل ولا أفله موبايلها برده
تنهد أبوها بحسرة وقد لمعت عيناه بالعبرات وهوي قول بحرج :
– “أسماء” فى آخر يوم فى امتحانتها موبايلها اتسرق .. وقفت الشريحة وعملت واحدة جديدة بس كان بيجيلها مكالمات كتير معاكسات وادتنى فى مرة الموبايل أرد على اللى بيعاكسها وآخر ما زهقت قولتلها تغير رقمها
ثم أطرق برأسه قائلاً بحرج ممزوج بالندم :
– ومخدتش منها رقمها الجديد
نظر اليه “آدم” بتمعن قائلاً :
– طيب مامتها .. أكيد مامتها عارفه رقمها
قال أبوها بتهكم :
– مامتها متعرفش انها غيرت رقمها أصلاً
شعر “آدم” بالحنق والضيق فهل يعقل ألا يعرف أبوان رقم هاتف ابنتهما ! .. قبل أن ينصرف “آدم” تبادل والدها معه الأرقام وقال له برجاء ولهفة :
– أرجوك لو وصلت لحاجة عنها أو عن صحبتها “آيات” تبلغنى على طول
قال له “آدم” بلهفة :
– وانت كمان لو عرفت حاجة ياريت تبلغنى
انصرف “آدم” وقد شهر بأنه فقد بداية الخيط مرة أخرى !
*****************************************
تعبت الفتاتان من كثرة اللف على الشركات والمكاتب .. خارت قواهما فتوجهتا الى أحد المطاعم .. قالت “آيات” :
– يا بنتى بلاش مصاريف احنا لو الفلوس اللى معانا خلصت مش عارفه هنعمل ايه
قالت “أسماء” وهى تنظر الى قائمة الطعام لتتخير منها :
– يا ستى مرة واحدة مش هتفرق .. خلاص بطنى نشفت من الأكل اللى بناكله
قالت “آيات” وقد جرى ريقها هى الأخرى :
– طيب بس واحنا ماشيين ناخد معانا تيك أواى لدادة “حليمة”
قالت “أسماء” :
– لسه شركة الديكور مروحنلهمش
قالت “آيات” بحماس :
– طيب ناكل ونروحلهم وان شاء الله تصيب المرة دى
قالت “أسماء” بيأس وهى تنظر الى قائمة الطعام مرة أخرى :
– ان شاء الله
مر “عاصى” على مكتب مديرة مكتب “سراج” فى طريقه الى مكتب والده فأوقفته بسرعة قائله :
– “عاصى” بيه
التفت اليها قائلاً :
– أيوة
قالت المرأة :
– لو سمحت عايزة عنوان الآنسة “آيات” اللى اديته لحضرتك عشان أضم بياناتها فى البرنامج اللى مسجلين فيه أسماء اللى بيشتغلوا فى الشركة
بحث “عاصى” فى محفظته عن الورقة ثم أعطاها اليها بلامبالاة .. وتوجه الى مكتب والده .. ابتسمت المرأة وقد ظفرت بالورقة .. وأول ما فعلته بعد ذلك هو الإتصال بـ “آدم”
وقف “آدم” فى مكانه المفضل فوق جبل المقطم .. شعر بالضيق وقد أغلقت جميع الأبواب فى وجهة .. هتف قلبه بلوعة .. أين أنتِ يا “آيات” .. أين أنتِ ؟! .. اتسعت عيناه دهشة ورهبة ولهفة عندما رآى اسم مديرة مكتب “سراج” على هاتفه فأسرع يرد قائلاً :
– ها وصلتى لحاجة
قالت المرأة :
– ايوة جبت منه الورقة وفيها رقمها والعنوان اللى هى ساكنه فيه قالتلى انه عنوان واحدة كانت شغاله عندهم
قال “آدم” وهو يلف حول نفسه وقد شعر بالحماس والنشوة تدب فى أوصاله :
– طيب ابعتيهولى فى رسالة بسرعة .. بسرعة
انتظر رسالتها على أحر من الجمر وصلت رسالتها فشعر للوهلة الأولى بالإحباط لوجود نفس الرقم الذى يحمله لـ “آيات” والذى تغلقه دائماً .. لكنه تعلق بالعنوان كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. ركب سيارته وانطلق الى حيث تسكن
***********************************
أثناء جلوس الفتاتان معاً لتناول طعامهما .. رآيا فجأة الطاولة تهتز أمامهما وتتراقص فوقها أكواب الماء .. فأمسكتا فى الطاولة .. نظرت “آيات” حولها وهى ترى كل شئ يتحرك .. كان الزلزال يبدو قوياً .. ما هى إلا دقيقة حتى توقف الاهتزاز .. وعاد كل شئ الى مكانه .. وسكن الماء فى الأكواب .. لكن فى مكان آخر .. فى حى آخر لم يعد كل شئ الى مكانه .. بل انهار رأساً على عقب .. ذلك البناء القديم الذى سرت الرطوبة فى جدرانه كسريان الدم فى الشرايين .. فلم يتحمل تلك الهزة فتصدع الى أن انهار أمام أعين الناس المتسعة رهبة وخوفاً .. تعالت أصوات النساء بالصراخ والنحيب لانهيار هذا البيت فوق رؤس أصحابه .. وأسرع الرجال بطلب الاسعاف ومحاولة رفع الحطام لإنقاذ ما يمكن انقاذه .. لكن دوى فجأة صوت انفجار قوى فى المكان .. انفجرت أحد الأنابيب من تحت الأنقاض لترسل ألسنة لهب عالية الى السماء .. رجع الجميع الى الخلف وتعالت أصوات الصراخ مرة أخرى ممزوجة بصيحات الإستنكار .. لم يكد ينتهى دوى الانفجار الأول حتى أعقبه آخر .. وأصبحت الأنقاض كجمرة النار المشتعلة تحترق بكل ما فيها .. لم تستطيع دلاء الماء الممتلأه أن تطفئ من حدة غضب النيران المشتعلة .. لأن منبعها كان من الأعماق تحت الأنقاض المنهارة فوق الجثث .. حاول الجميع الاتيان بكل ما يستطيع لتنطفئ النيران .. وتُنقذ الأرواح .. اقترب “آدم” بسيارته من المكان .. هاله مرآى النيران المشتعلة وصوت الصراخ والنحيب .. لم يستطيع دخول الشارع لكثرة الزحام .. فأوقف سيارته على ناصيته وترجل منها ودخل وسط الزحام .. نظر الى العقار المنهار فى لوعة وهو يبحث بعينيه عن رقم 19 .. رقم بيت “حليمة” والذى تقطن فيه حبيبته “آيات” .. لم يجد .. توقفت الأرقام عند 18 .. ثـــم .. البناء المنهار .. نظر الى ألسنة اللهب والى الرجال الذين يسعون الى اطفائها .. التفت فى لوعة يسأل أحد الرجال :
– لو سمحت فين البيت رقم 19 ؟
تعلقت عينا “آدم” بشفتى الرجل وقد اضطرب تنفسه وتعالت ضربات قلبه المفزوع .. قال الرجل وهو يضرب كفاً بكف :
– لا حول ولا قوة الا بالله .. البيت رقم 19 هو البيت اللى وقع ده
التفت “آدم” ينظر الى الأنقاض فى لوعة وحسرة وألم وقد انخلع قلبه من مكانه .. اقتحم الصفوف وأخذ يصرخ وعيناه معلقتان بالكتلة الأسمنتيه المنهارة :
– “آيات” .. “آيات”
اخذ بجنون يحاول رفع أحد الجدران المنهارة وهو يصرخ بإسمها فى لوعة .. سُمعت أصوات سيارات المطافئ والاسعاف .. أبعدوا الجميع عن النيران وأخذوا فى محاولة اطفائها والسيطرة عليها .. نظر “آدم” بأعين دامعة متسعة من الفزع الى العقار وقد انهمرت الدموع من عينيه فى ألم .. ساعد الرجال مرة أخرى على رفع الأنقاض وعلى اخراج .. الجثث !
انهار “آدم” على الأرض يبكى بعدما تأكد الجميع من أن جميع ساكنى العقار هم الآن فى ذمة الله عز وجل .. بكا بقلبه المكلوم وعينه الثكلى .. ما أشد قسوة الفقد .. الفقد الأبدى .. تعالت شهقاته بالبكاء وارتجف جسده بشدة وهو يتمتم :
– لأ .. لأ
لم يرد أن يصدق أنها رحلت .. أنه لن يراها مرة أخرى .. هب وقفاً واتجه الى سيارته وهو لا يرى أمامه من فرط دموعه المنهمرة .. وانطلق خلف سيارة الاسعاف التى جمعت الجثث .. فى مشرحة المستشفى تجمهر بعض الأهالى للتعرف على جثث ذويهم واستيلامها .. وقف “آدم” بعينيه اللاتان بدتا كجمرتا نار من شدة احمرارهما .. كان يخشى الدخول .. لم يجد فى نفسه الجرأة على ذلك .. كان قلبه يبكى قبل عيناه كلما دخل أحد من الأهالى وعاد يبكى وقد تعرف على احدى الجثث .. انتظر الى أن انفض الجمع .. دعا الله أن تكون جميع الجثث قد استلمها أصحابها .. دخل وقلبه يخفق فى وجل .. سأل أحد العاملين بلوعة :
– لو سمحت كل الجثث اتعرفوا عليهم أهاليهم ؟
قال الرجل وهو يشعر بالأسى لتلك المأساة :
– لا يا ابنى لسه فى جثتين محدش اتعرف عليهم لحد دلوقتى
قال “آدم” بصوت مرتجف باكى :
– طيب لو سمحت عايز أشوفهم
نظر اليه الرجل بحسرة قائلاً :
– لا حول ولا قوة الا بالله انت كان ليك حد ساكن فى العمارة دى ؟
أومأ “آدم” برأسه ومازال جسده يرتعش .. أدخله الرجل الى المشرحة التى تراصت الجثث فوق طاولاتها .. اقترب الرجل من احدى الجثث وقال :
– طيب يا ابنى فى جثتين واحدة لست كبيرة وواحدة لبنت بس منظرها صعب ومش باين منها حاجة صعب انك تتعرف عليها .. اللى انت بتدور عليها صغيرة ولا كبيرة
قال “آدم” ودموعة تتساقط فوق وجهه :
– صغيرة
ثم أكمل بصوت مرتجف :
– بس كانت عايشة مع ست كبيرة
نظر اليه الرجل بحزن فقال “آدم” وهو يحاول تمالك نفسه :
– وريهالى
قال الرجل وقد أشفق عليه من رؤيتها :
– يا ابنى قولتك مش باين منها حاجة
قال “آدم” بحزم :
– وريهالى
امتثل الرجل لطلب “آدم” واقترب من الجثة ثــم .. ازاح الغطاء عنها .. ظهرت علامات الألم الشديد على وجهه وقد انعقد جبينه بقوة وهو ينظر الى الجثة التى تفحمت عن آخرها .. اقترب منها ومد يده المرتعشة يزيح الغطاء عنها أكثر لعله يتبين أى شئ يدله إن كانت “آيات” أم لا .. كانت بالفعل يصعب التعرف عليها .. لكن وقع فى قلبه أنها هى .. أخذ ينظر الى حجم جسدها وطولها ويقارنه بـ “آيات” .. بدت قريبة منها .. نفس الحجم ونفس الطول .. التفت الى الرجل قائلاً بصوته المرتجف :
– ورينى الجثة التانية
تقدم الرجل الى احدى الجثث .. وقف “آدم” أمامها .. فأزاح الرجل الغطاء .. شهق “آدم” بقوة وأخذ يبكى بحرقة وهو ينظر الى “حليمة” التى بدت ملامحها واضحة رغم الحروق التى أصابتها .. انفجر فى بكاء مرير .. قال له الرجل فى أسى :
– متقلقش يا ابنى هى متعزبتش بالنار .. الخبطة اللى فى دماغها دى موتتها على طول يعني محستش بحاجة
لم تكن صرخات “آدم” بالبكاء نابعة من تعرفه على “حليمة” .. بل تعرفه على “حليمة” جعله يجزم بأن الجثة الأخرى هى لـ “آيات” .. التفت اليها وأخذ جسده ينتفض بقوة لم يشعر بنفسه إلا وهو بنحنى ليأخذها بين ذراعية ضاماً اياها اليه بشدة .. آخذ يردد اسمها وسط بكائه الذى يشق القلوب .. أغمض عينيه بشدة وهو يضمها اليه أكثر لا يريد تركها .. اقترب منه عامل المشرحة مع زميله فى محاولة تهدئته ونزع الجثة من بين يديه .. لكنه تشبث بها بشدة بين أحضانه .. ولم يسمح لهم بنزعها من بين يديه .. رفع رأسه ينظر الي وجهها المتفحم وقد غطت الدموع وجهه .. لم يشعر بالخوف أو الفزع من شكلها .. بل أخذ يسقط عليها صورة “آيات” فى مخيلته .. ارتجفت شفتيه وهو يقبل وجنتها .. وضمها اليه مرة أخرى وهى ترتجف بين يديه من شدة نحيبه وقد أغمض عيناه وهو يردد اسمها فى لوعة
…………يتبع