جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء العاشر

31 5٬040
 

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء العاشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء العاشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء العاشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء العاشر, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفصل العشرون

نصلي على حبيبنا رسول الله أولا

جلس “آدم” على أحد المقاعد فى المستشفى .. منهاراً .. تتساقط الدموع من عينيه فى غزارة .. يرمقه المارة من العاملين بالمستشفى بنظرات الشفقة .. دخل “زياد” المستشفى ليبحث عنه .. لم يحتاج الى البحث كثيراً .. وجده فوق أحد المقاعد .. ملابسه رثة أصابها الحروق والتمزيق .. يجلس كما لو كان جثة بلا روح .. اقترب “زياد” منه وجلس بجواره وهو يشعر بالأسى تجاه صديقه المكلوم .. ربت على كتفه قائلاً :

– انت كويس يا “آدم”

لم يجيبه “آدم” بل أغمض عينيه بشدة لتتساقط العبرات منهما أكثر .. ثم ما لبث أن انفجر فى بكاء مرير .. حاول التحكم فى نفسه فلم يستطع .. تألم “زياد” لمرآى حال صديقه وقال :

– ادعيلها ان ربنا يرحمها ويغفرلها

قال “آدم” بصوت منهار وهو يحاول السيطرة على نفسه دون جدوى :

– ماتت محروقة يا “زياد” .. اتفحمت .. أنا اللى المفروض أتحرق مش هى يا “زياد”

توقفت شهقات بكاءه للحظات ثم قال بصوته الباكى الذى يمزق طيات القلب :

– كانت طيبة جداً .. مبتأذيش حد وفى حالها .. أنا اللى مؤذى يا “زياد” أنا اللى مؤذى أذتها وأذيت أبوها وأذيت أمى وأذيت نفسي

ثم قال :

– مش قادر أتخيل ان خلاص كده معدش هيبقى فى حياتى “آيات”

عاود بكاؤه مرة أخرى وهو يقول :

– مش عايزها تموت أنا محتاجلها جمبي .. بس للأسف اتأخرت عليها .. ياريتنى كنت جيتلها من بدرى .. ياريتنى مكنت سبتها وسافرت .. كان زمانها معايا دلوقتى

ربت “زياد” كتف صديقه فى اشفاق وهو يقول :

– خلاص يا “آدم” اهدى مش هيفيد الكلام ده

مسح “آدم” بكفيه العبرات التى تغرق وجهه .. فسأله “زياد” :

– انت اللى هتستلمها

قال “آد” بألم :

– هستلمها هى والدادة بتاعتها

قال “زياد” :

– هى الدادة ملهاش أهل يستلموها ؟

قال “آدم” وهو ينظر الى “زياد” بعينيه الحمراوين :

– محدش جه لحد دلوقتى .. وأنا مش هسيبها فى المشرحة لازم تدفن

تساقطت العبرات مرة أخرى من عينيه وهو يقول :

– لإن “آيات” كانت بتحبها

سأله زياد :

– هتستلمهم امتى؟

تمتم “آدم” :

– بكرة

ران الصمت لفترة ثم قال “زياد” :

– طيب قوم معايا يلا

قال “آدم” لحزم :

– لا هفضل هنا

هتف “زياد” :

– قوم يا “آدم” روح مش هيسلموك الجثتين غير بكرة

قال “آدم” بعناد وهو لا يريد مغادرة المستشفى :

– قولتلك هفضل هنا

تنهد “زياد” وظل بجوار صديقه .. لم يرد الضغط عليه أكثر

*********************************

نزلت الفتاتان من الأتوبيس .. قالت “أسماء” بألم :

– رجلى مش حسه بيها خالص

قالت “آيات” وهى تحمل طعام “حليمة” فى يدها :

– وأنا كمان خلاص مش قادرة

قالت “أسماء” بحنق :

– ما انتى اللى أصريتي اننا نشترى جرنال النهاردة ونلف كمان على عناوين المكاتب اللى طالبين موظفين

قالت “آيات” وهى تسير بصعوبة لألم قدميها :

– أعمل ايه قولت يمكن نلاقى حاجة .. ما العناوين اللى خدناها من جرنال امبارح وأول زى ما شوفتى يا اما حد سبقنا يا اما طلبين شهادات خبرة

قالت “أسماء” وهى تزفر بضيق :

– هنعمل ايه دلوقتى

قالت “آيات” بشرود :

– فى مكتبة فى الشارع اللى ساكنين فيه شوفتهم النهاردة واحنا معديين من أدامهم معلقين يافته طالبين واحدة تشتغل فى المكتبة

قالت “أسماء” بسخرية :

– حلو أوى بصراحة .. شغلانه هايله .. ويا ترى هيدوكى كام بأه

زفرت “آيات” بضيق وهى تقول :

– يدونى زى ما يدونى بأه أهو أحسن من مفيش لحد ما نشوف شغل تانى

قالت “آيات” فجأة :

– ايه ريحة الدخان دى

قالت “أسماء” بإستغراب :

– مش عارفه

التف للدخول الى الشارع الذى تقطن فيه “حليمة” .. صرخت “أسماء” وهى تجذب “آيات” من ذراعها :

– “آيات”

نظرت “آيات” الى ما تنظر اليه “أسماء” فهالها ما رأت .. شهقت بقوة وسقط الطعام من يدها وهى تحث الخطى فى اتجاه المبنى المنهار .. نظرت الفتاتان الى الركام بهلع وانفجرتا فى البكاء .. قالت احدى السيدات للفتاتين :

– لا حول ولا قوة الا بالله انتوا كان ليكوا حد ساكن هنا ؟

التفتت اليها “آيات” تصرخ قائله :

– دادة “حليمة” .. فين دادة “حليمة”

قالت المرأة وهى تنظر اليهما بعطف :

– البقاء لله يا بنتى كل اللى كانوا فى المبنى ماتوا الله يرحمهم

انفجرت “آيات” فى البكاء ولم تستطع قدماها حملها فجلست فى مكانها تبكى بشدة .. وقفت “أسماء” تنظر الى الركام باكية واضعة كفها على فمها وكفها الأخر على كتف “آيات” .. قالت المرأة فى أسى :

– لا حول ولا قوة الا بالله

التف حوهما امرأتين أخرتين وقالت احداهما :

– مالها .. كان ليها حد فى العمارة ؟

قالت أخرى :

– أيوة اظاهر كده

ربتت احداهن على كتف “آيات” النهارة وقالت :

– اهدى يا بنتى مش كده .. لا حول ولا قوة الا بالله .. قومى معايا يا بنتى

حاولت “أسماء” الباكية مساعدة “آيات” على الوقوف بمساعدة احدى النساء وأدخلتهما الى منزلها ..أحضرت لهن كوبين من الماء الممزوج بالسكر لتهدئ من روعهما فقد كانت “آيات” تبكى وتنتحب بشدة حتى كادت أن تفقد وعيها .. جلست المرأة بجوارها على الأريكة وهى تقول بحنان :

– كانت تقربلك ايه اللى بتقولى عليها “حليمة” دى

لم تتوقف “آيات” عن البكاء ولم تستطع الكلام فقالت “أسماء” وسط بكائها :

– كانت الدادة بتاعتها وكنا عايشين معاها فى شقتها

قالت المرأة بإستغراب :

– عايشين معاها .. أمال انتوا كنتوا فين

قالت “أسماء” :

– كنا بره من الصبح بندور على شغل ولسه راجعين دلوقتى

نظرت اليهما المرأة بحنان قائله :

– شوفوا رحمة ربنا كبيرة ازاى أنقذكوا من اللى حصل ده

هتفت “آيات” بصوت باكى :

– هى فين ..

قالت المرأة :

– خدوا الجثث كلها ودوهم مشرحة المستشفى

أغمضت “آيات” عينيها بألم وقالت :

– مستشفى ايه ؟

قالت المرأة :

– والله يا بنتى معرف .. بس ابنى أكيد عارف لانه كان معاهم هناك راح مع واحدة كانت بردة يا عيني بتعيط على ابنها اللى كان ساكن فى العمارة

ثم قالت :

– خليكوا أعدين ولما ييجى ابنى من بره هعرفلكوا منه المستشفى دى فين

قامت المرأة الطيبة ودخلت مطبخها المتواضع لتحضر بعض الطعام للفتاتين .. بعد ما يقرب من ساعة حضر ابن المرأة .. وسألته أمه عن االمستشفى التى أخذوا الجثث اليها .. قال الشاب :

– آه أنا كنت هناك بعد اللى حصل .. بكرة الصبح ان شاء الله هخدكوا هناك .. لما مشيت كان فى جثتين مكنش حد لسه اتعرف عليهم

قالت “آيات” بصوت مبحوح من كثرة البكاء :

– شكلهم ايه الجثتين دول

قال الشاب :

– لا والله مشوفتهمش

قالت أمه لـ “آيات” بطيبة :

– خليكوا بايتين هنا وبكرة الصبح ان شاء الله ابنى ياخدكوا المستشفى

كان التعب قد أخذ من الفتاتين مبلغه فساقتهم المرأة الى احدى الغرف وقالت :

– دى أوضة بناتى هما دلوقتى متجوزين والأوضة فاضية من ساعة ما مشيوا بس متقلقوش أنا بنضفها على طول .. يلا يا حبيبتى ارتاحوا وبكرة ابنى ان شاء الله يوصلكوا للمستشفى

التفتت “أسماء” الى المرأة قائله بوهن :

– شكراً

أغلقت المرأة الباب فنظرت الفتاتان الى بعضهم بريبة وقالت “أسماء” بصوت خافت :

– أنا خايفة

قالت بصوت باكى “آيات” وهى تمسح عبراتها :

– شكلها طيبة

قالت “أسماء” بقلق :

– أنا معدتش بثق فى حد

قالت “آيات” وهى تعاود البكاء :

– طيب لو مشينا هنروح فين .. احنا مكناش واخدين معانا فلوس كتير واتصرفت فى المواصلات والأكل .. يعني حتى ممعناش فلوس نأجر أوضة فى فندق

قالت “أسماء” وهى تضع أحد المقاعد خلف الباب .. لتشل حركة مقبضة فتمنع فتحه :

– ربنا يستر بأه

تمددت الفتاتان على الفراش وقد راحتا فى سبات عميق على الفور من شدة الإجهاد والتعب

**********************************

أشرق فجر اليوم الجديد .. تثائب “زياد” وهو يريح ظهره الى الخلف .. التفت اليه “آدم” قائلاً بصوته المجهد :

– قوم يا ابنى روح

قال “زياد” :

– أروح ازاى يعني يا “آدم” .. هفضل معاك طبعاً .. من ساعة ما اتصلت بيك أطمن على الأخبار وقولتلى على اللى حصل وأنا هموت من خوفى عليك وركبت العربية وطرت على القاهرة

قال له “آدم” بإمتنان :

– تسلم يا “زياد”

التفت اليه “زياد” قائلاً :

– ربنا يصبرك يا “آدم”

ترقرقت العبرات فى عيني “آدم” .. أقبل عليهما عامل المشرحة وهو يقول :

– تعالى يا ابنى خلاص المسؤل جه وهيسلمكوا الجثث

ظهرت تعبيرات الألم على وجه “آدم” عندما قال الرجل “جثث” .. أهذا ما أصبحت عليه حبيبته ؟! .. جثه هامده فارقتها الحياة ؟! .. حملا الجثتين الى احدى عربات الإسعاف وتوجها بهما الى حيث تم تغسيلهما ثم الى أحد المساجد للصلاة عليهما ثم توجها بهما الى … المقابــر

ساق الشاب الفتاتان الى مكان المستشفى .. دخلت “آيات” الباكية .. قالت “أسماء” وهى تنظر حولها برعب :

– هو احنا لازم نشوفها

التفت اليها الشاب قائلاً :

– أيوة عشان تتعرفوا عليها وتستلموها

أجهشت “آيات” فى البكاء وهى تقول :

– مش هقدر أشوفها

تقدم أحد عمال المشرحة قائلاً :

– أيوة

قال له الشاب :

– البنتين دول ليهم واحدة قريبتهم كانت ساكنه فى العمارة اللى وقعت امبارح فى الزلزال اللى حصل فيها الحريقة .. وجايين عشان يتعرفوا عليها ويستلموها

قال عامل المشرحة بحيرة :

– بس الجثث بتاعة عمارة اللى وقعت فى الزلزال اتسلمت كلها

توقفت “آيات” عن البكاء وقد دب الأمل فى قلبها فى أن “حليمة” على قيد الحياة .. تبادلت نظرة دهشة مع “أسماء” ثم التفتت الى الرجل تقول له فى لهفة :

– حضرتك متأكد

قال الرجل :

– أيوة يا بنتى متأكد

سألت “أسماء” الرجل قائله :

– الست اللى بندور عليها اسمها “حليمة …….”

توجه الرجل الى مكتب صغير وأخرج أحد الكشوفات .. ثم علت وجهة سحابة حزن وقال :

– ربنا يرحمها يا بنتى .. ماتت وفى ناس استلموها من شوية

أجهشت “آيات” فى البكاء مرة أخرى عندما تأكدت من موت “حليمة” .. ساعدتها “أسماء” على الجلوس فوق أحد المقاعد .. التفتت “أسماء” الى الرجل قائله :

– حضرتك متأكد ؟

قال الرجل :

– أيوة طبعاً يا بنتى متأكد

فى تلك اللحظة ناداه أحد الأطباء فذهب مسرعاً اليه .. جلست “أسماء” بجوار “آيات” الباكية وقالت :

– خلاص يا “آيات” .. اهدى

قالت “آيات” وهى لاتزال تبكى :

– أنا حسه ان قلبي موجوع أوى يا “اسماء” .. انا كنت بحبها أوى .. دى هى الشخص الوحيد اللى اتبقالى فى الدنيا دى .. ربنا يرحمها مش قادرة أتحمل فراقها حسه انى هموت يا “أسماء”

عانقتها “أسماء” وهى تنظر حولها بضيق وقالت :

– طيب تعالى نمشى من هنا أنا قلبي اتقبض

نهضت الفتاتان معاً وقال لهما الشاب :

– تحبوا أوصلكوا لمكان ؟

التفتت اليه “أسماء” قائله :

– لا شكراً .. وأسفين اننا تعبناك معانا

قال الشاب :

– لا أبداً متقولوش كده .. ربنا يصبركوا

**************************************

وقف “آدم” أمام القبر الذى دفن فيه الجثة التى ظن أنها لـ “آيات” .. يرفع كفيه الى السماء ويدعو لها بالرحمة والمغفرة .. أنفجر فى البكاء وهو يردم فوقها التراب .. كان يشعر وكأن قلبه يشطر ويتفتت اللى فتات صغيرة .. يحمل كل جزء منها مرارة الفقد .. جلس أمام قبرها لا يريد الرحيل .. ربت “زياد” على كتفه قائلاً :

– يلا يا “أدم” قوم روح وغير هدومك وارتاح شوية

كانت ثيابه فى حالة رثة للغاية .. لكنه لم يعبأ بذلك .. ظلت عيناه معلقة بالقبر .. حثه “زياد” قائلاً :

– يلا يا “آدم”

قال “آدم” بحزم دون أن يلتفت اليه :

– روح انت أنا هستنى هنا

قال له “زياد” بعناد :

– مش همشى من غيرك .. طيب روح بيت مامتك غير هدومك وارتاح شوية وتعالى هنا تانى

تساقطت العبرات من عينه الثكلى وهو يقول :

– مش قادر أقوم .. مش قادر أسيبها .. دى أول ليلة هتقضيها فى القبر .. لوحدها

ارتجف جسدة فجأة لشدة بكاءه وهو يقول :

– خايف عليها أوى .. خايف أوى

قال “زياد” وهو يتألم لألم صديقه :

– ان شاء الله ربنا يرحمها ويتجاوز عن سيئاتها

قال “آدم” بحسرة وشعور بالندم يمزقه :

– كان فى حاجات كتير فى حياتها غلط .. يارتنى نصحتها .. يارتنى شلت من دماغى فكرة انى أرجع حقى وكنت كملت معاها .. كنت هغير فيها حاجات كتير .. هى كان عندها استعداد تتغير وتبقى أحسن .. كانت بتحبنى وكانت بتسمع كلامى .. كنت أقدر أحميها من ذنوب كتير بتعملها .. بس أنا ضيعتها .. ضيعتها من ايدي وضيعتها دلوقتى .. يارتنى نصحتها .. يارتنى مسبتهاش .. يارتنى ما سافرت

تنهد بعمق وهو يكمل بألم :

– ياريت “بوسى” مكانت راحتلها .. كان زمانا مع بعض دلوقتى .. أنا مكنتش ناوى أسيبها .. يوم كتب الكتاب فعلاً مكنتش ناوى أسيبها

ثم قال بمرارة :

– لكن فايدته ايه الكلام ده دلوقتى .. لا هيرجعهالى ولا هيخلينى أسامح نفسى على اللى عملته فيها وفى نفسي

ارتعش صوته وهو بقول :

– آخر مرة كلمتها فى التليفون كانت بعيط .. كان فى حاجة تعباها ومردتش تقولهالى .. كان نفسي أكون جمبها وأخفف عنها .. كان نفسي أشوفها وأقولها سامحينى يا أحن وأرق وأطيب قلب عرفته .. كان نفسي تاخدنى فى حضنها وتاخد بإيدى وتساعدنى انى أتغير وأبقى انسان تانى .. كان نفسي نساعد بعض ونعين بعض واللى فيه نقص التانى يكمله

تنهد بحسرة وهو يشعر بالنيران تتصاعد من داخله مع كل شهيق وزفير .. قام “زياد” وترك صديقه يتجرع أحزانه ويفرغ ما بداخله لعله ذلك يخفف عنه ما هو فيه

***************************************

جلست الفتاتان فى شرود فى احدى الحدائق العامة .. تنهدت “أسماء” قائله :

– أنا جعت

نظرت اليها “آيات” وقالت :

– انتى معاكى كام

نظرت “أسماء” الى حقيبتها ثم قالت فى تبرم :

– معايا 12 جنيه .. وانتى ؟

نظرت “آيات” فى حقيبتها تضع الجنية فوق الجنية وقالت :

– معايا 17 جنية

زفرت “أسماء” بضيق شديد وهى تقول :

– يعني معانا 29 جنية .. أصلاً مش هيكفونا يوم واحد .. ده غير ان مفيش حته نبات فيها

نظرت “أسماء” الى “آيات” وهى تقول فى لوعه :

– هنبات فى الشارع يا “آيات” .. ولا هنعمل ايه دلوقتى

تنهدت “آيات” فى حسرة ولم تجيب .. قالت “أسماء” بحزم :

– مفيش قدامنا الا “عاصى” ابن عمك .. هو اللى هينقذنا من الورطة اللى احنا فيها دى

التفتت اليها “آيات” بحدة قد عقدت ما بين حاجبيها لتقول فى عناد :

– لأ .. مش هروح لـ “عاصى”

هتفت “أسماء” بغضب :

– والله ؟ .. طيب وهنعمل ايه حضرتك .. هنبات فى الشارع ؟

قالت “آيات” بحزم وهى تشرد بتفكيرها :

– لأ مش هنبات فى الشارع

قالت لها “أسماء” بإستنكار :

– أمال هنعمل ايه فهميني

ازدرأت “آيات” ريقها بصعوبة وهى تقول :

– مفيش أدامنا غير … “أحمد”

نظرت اليها “أسماء” بدهشة لبرهه ثم ما لبثت أن قالت :

– “أحمد” مين ؟ّ .. تقصدى “أحمد فؤاد” ؟

أومأت “آيات” برأسها ايجاباً فقالت “آيات” :

– فى آخر يوم امتحاناتنا ادانى أرقامه وقالى لو احتجته أكلمه

قالت “أسماء” بلهفة :

– أيوة صح “أحمد” بيحبك وأكيد هيساعدنا

قالت “آيات” بحزم :

– أنا مش هطلب منه مساعدة عشان هو بيحبنى .. أنا هطلب منه مساعدة لان مفيش أدامى غيره .. والمساعدة دى هتكون بدون أى مقابل

قالت لها “أسماء” بتبرم :

– يا ستى اعملى اللى انتى عايزاه المهم نخلص من الورطة دى

قالت “آيات” بضيق :

– بس للأسف أنا محتفظتش بأرقامه

ابتسمت “أسماء” وقالت وهى تخرج هاتفها من حقيبتها :

– متقلقيش أنا معايا رقمه

نظرت اليها “آيات” بدهشة وهى تقول :

– جبتيه منين ؟

قالت “أسماء” وهى منهمكة فى ايجاد رقمه على هاتفها :

– أيام خطوبتك واللى حصل فيها خد رقمى القديم وكان بيكلمنى عشان يطمن عليكي

قالت “آيات” بغيظ :

– ما قولتليش يعنى الموضوع ده وبعني يطمن عليا بصفته ايه يعني

قالت “أسماء” بفرح :

– أهو رقمه أهو .. يلا كلميه بس متطوليش عشان مش معايا الا كام دقيقه لو خلصوا مش هنعرف نشحن تانى

أخذت منها “آيات” الهاتف فى تردد .. كانت متوترة للغاية .. جزء منها لا يريد الإتصال به .. وجزء آخر يقول ليس لكِ ملجأ سواه .. إما هو أو “عاصى” .. عزمت أمرها واتصلت به وقلبها يخفق بقوة .. سمعت صوت الرنين ثم :

– ألو

صمتت “آيات” قليلاً ثم قالت :

– ألو .. أنا “آيات” يا “أحمد”

ران الصمت بينهما ثم هتف بسعادة وهو لا يصدق نفسه :

– “آيات” .. مش ممكن .. وحشتيني .. ازيك عاملة ايه

قالت “آيات” بتوتر وهى تنظر الى “أسماء” التى أشارت اليها تحثها على مواصلة الحديث :

– الحمد لله .. “أحمد” فى مشكلة أنا واقعة فيها .. وكنت محتاجه منك مساعدة لو كان ينفع يعني

قال “أحمد” بلهفة :

– طبعاً أنا تحت أمرك بس مش هينفع على الفون .. تعالى نشوف بعض ونتكلم براحتنا

قالت “آيات” بصعوبة :

– أنا مع “أسماء” فى حديقة الأزهر

قال “أحمد” على الفور :

– طيب أنا هنزل دلوقتى من الشركة ونص ساعة بالكتير وهكون عندك

أنهت “آيات” المحادثة وهى لا تدرى إن كانت تصرفت بطريقة صحيحة أم لا .. قامت وتوجهت الى المسجد القريب مع “أسماء” لأداء فريضة المغرب

*********************************

أوقف “أحمد” سيارته وأخذ يبحث بناظريه عن “آيات” الى أن وجدها .. ابتسم بسعادة وأقبل نحوها قائلاً بلهفه :

– ازيك يا “آيات”

قامت “آيات” لتقف فى مواجهته .. مد يده ليسلم عليها .. أحاطت جسدها بذراعيها وهى تقول فى توتر :

– معلش يا “أحمد” مش هسلم بالإيد

ابتسم فى توتر ومد يده الى “أسماء” قائلاً :

– ازيك يا “أسماء”

سلمت عليه “أسماء” وقالت بوهن :

– الله يسلمك يا “أحمد”

نظر “أحمد” اليهما .. كان يبدو عليهما التعب بالإضافة الى ملابسهما الغير مهندمة .. نظر الى “آيات” فى اهتمام قائلاً :

– تعالوا نعد فى مكان ونتكلم براحتنا

همت “أسماء” بالموافقة لكن “آيات” قالت على الفور :

– لا مفيش داعى .. نتكلم هنا أحسن

وقف يستمع اليها فى انصات قائلاً :

– خير يا “آيات” اتكلمى

قالت “آيات” بعد فترة من التردد :

– بابا اتوفى من فترة وكان عليه ديون اضطريت أبيع كل حاجة عشان نسددها .. وكنت عايشة مع “أسماء” عند دادة “حبيمة” فى بيتها

انهمرت عبراتها وهى تقول فى ألم :

– الزلزال اللى حصل امبارح .. البيت وقع و .. ماتت

ارتجف جسدها لشدة بكائها

نظر اليها “أحمد” بألم وهو يقول برقة :

– الله يرحمها .. خلاص يا “آيات” اهدى

حاولت “آيات” التماسك وهى تقول :

– كل فلوسنا كانت فى البيت اللى وقع .. ومفيش مكان نروح فيه

صمتت لا تدرى ما تقول .. بل شعرت أنها لا تدرى ماذا تريد منه .. ماذا سيفعل لها .. لا تدرى أتطلب منه مالاً أم سكناً أم عملاً .. شعرت بالتوتر والحرج وندمت أنها اتصلت به .. قالت فجأة بإضطراب :

– أنا آسفة يا “أحمد” مش عارفه ليه اتصلت بيك .. أنا مش عارف

ثم نظرت اليه بعينها الدامعتين وهى تقول :

– بس أنا معرفش حد ممكن ألجأله .. وأنا …….

قاطعها “أحمد” مبتسماً وهو يقول :

– متشليش هم .. تعالوا معايا

قالت له “آيات” بقلق :

– نيجى فين ؟

قال “أحمد” وهو ينظر اليها بحنان :

– شكلك تعبانه .. احنا عندنا شقة فى مدينة نصر .. هروح بس الفيلا أجيب المفتاح وبعدين أوصلكوا على هناك

نظرت “آيات” الى “أسماء” ثم التفتت الى “أحمد” قائله بتوتر :

– مش عايزة أضايقك أو ……..

قاطعها مرة أخرى وهو يقول :

– مفيش داعى للكلام ده يا “آيات” .. يلا اتفضوا

انطلق “أحمد” بهما الى الفيلا .. أوقف سيارته ثم التفت اليهما قائلاً بإبتسامه مرحبه :

– تعالوا انزلوا هعرفكوا على ماما وبابا وأعرفهم عليكوا

قالت “آيات” بحرج :

– معلش يا “أحمد” مفيش داعى

قال دون أن يتضايق من رفضها :

– مفيش مشكلة .. استنونى هجيب المفتاح وآجى على طول

ترجل “أحمد” من سيارته .. التفتت “آيات” لتنظر الى “اسماء” قائله بندم :

– مكنش لازم أكلمه

قالت “أسماء” بدهشة :

– ليه ؟

قالت “آيات” وهى تشعر بضيق شديد :

– محرجة أوى منه .. يعنى هو ذنبه ايه عشان يشيل همنا

قالت “أسماء” وهى تريح ظهرها الى الخلف فى تعب :

– بصى أنا تعبانه ومش قادرة أناهد معاكى

نزل “أحمد” من غرفته فرأى أمه وأبيه خارجان من غرفة الطعام .. نظرت اليه أمه قائله :

– جيت امتى يا “أحمد”

قال “أحمد” وهو يلوح بالمفاتيح :

– جيت من شوية .. كنت عايز مفتاح شقة مدينة نصر

نظر اليه أمه بإستغراب قائله :

– لسه عايزها فى ايه

قال “أحمد” وهو متوجه الى باب الفيلا :

– فى اتنين صحابي هيباتوا فيها مؤقتاً

خرج “أحمد” فتوجهت والدته الى الشباب تنظر من الزجاج الى الفتاتان القابعتان فى سيارة ابنها .. ركب “أحمد” ثم انطلق بهما خارج أسوار الفيلا .. التفتت أمه الى أبيه قائله بحده :

– صحاب ابنك اللى هيباتوا فى الشقة بنتين مش ولدين

قال والده بإستغراب :

– وهو “أحمد” ليه هيبيتهم فى الشقة

قالت زوجته بحده :

– وأنا أعرف منين

ثم قالت :

– اتصل بيه شوف ايه الحكاية ومين البنتين دول

قال زوجها وهو متوجه الى مكتبه :

– لما يبقى يرجع هبقى أتكلم معاه

هتفت زوجته بحنق :

– ده ايه البرود ده .. بقولك ابنك معاه بنتين فى العربية وواخدهم وطالع بيهم على الشقة ويبقولك هيبيتهم فيها

التفت اليها قائلاً :

– أنا عارف ابنى كويس وعارف بتعامل معاه ازاى .. اطلعى انتى منها

تابعته بعينيها الى أن دخل مكتبه وهى تشعر بالغيظ

*********************************

فتح “أحمد” باب المنزل وأشار لهما بالدخول قائلاً :

– اتفضلوا

دخلت الفتاتان وهما تنظران الى ما حولهما .. أضاء “أحمد” النور .. كانت شقة فاخرة ذو أثاث راقى .. التفتت “آيات” تنظر اليه فإبتسم لها قائلاً :

– متخافوش محدش بييجي هنا .. وعامة ماما وبابا عارفين ان فى اتنين صحابي هيباتوا فى الشقة

ثم نظر الى المنزل قائلاً :

– معلش الشقة مقفوله من فترة عشان كده هتلاقوها متربه بس بكرة الصبح ان شاء الله هبعت واحدة تنضفها

قالت “آيات” بحرج :

– مفيش داعى

ابتسم “آحمد” وهو يقول لها بحنان :

– متشليش هم .. ماشى

أومأت “آيات” برأسها فى حرج .. فأخرج المفتاح من الباب وأعطاه لها قائلاً :

– خدى مفتاح الشقة يا “آيات” ولو حبيتي تغيري الكالون غيريه

ثم أشار الى الباب خلفه قائلاً :

– عامة الباب فيه ترباس من جوه

قالت له “أسماء” بإمتنان :

– بجد متشكرين أوى يا “أحمد” مش عارفين من غيرك كنا عملنا ايه

قال لها “أحمد” :

– أنا معملتش حاجة

ثم توجه الى الخارج وهو يقول :

– يلا أسيبكوا ترتاحوا .. تصبحوا على خير

نزل “أحمد” فالتفت “آيات” الى “أسماء” التى أخذت تنظر الى محتويات المنزل وهى تقول :

– ده طلع بيحبك أوى على فكرة

زفرت “آيات” بضيق وهى تقول :

– أنا خايفة يفهمنى غلط .. ويفتكر ان دى مقابل دى

نظرت اليها “أسماء” وهو يقول :

– لا يا شيخة معتقدش .. وبعدين انتى مطلبتيش منه حاجة هو اللى عرض اننا نستنى فى الشقة دى

قالت “آيات” وهى تفكر بحزن :

– وبعدين هنعمل ايه يا “أسماء” .. أكيد مش هنفضل هنا على طول ..لازم نشوف حل

قالت “أسماء” بضيق :

– والله أنا مش عارفه هى عماله تتقفل فى وشنا كده ليه .. كل ما أقول خلاص هتفرج ألاقيها اسودت أكتر

قالت “آيات” وعينيها تمتلئ بالعبرات :

– وحشتنى أوى

التفتت اليها “أسماء” تنظر اليها لتدمع عينيها هى الأخرى .. قالت “آيات” ودموعها تتساقط :

– ربنا يرحمها .. كان نفسى أعرف هى مدفونة فين

كفكفت دموعها ونظرت الى “أسماء” قائله :

– تفتكرى يا “أسماء” مين اللى استلمها ؟

قالت “أسماء” وهى تفكر :

– يمكن حد قريبها

ٌالت “آيات” بحيرة :

– بس هى ملهاش حد

مطت “أسماء” شفتيها وهى تقول :

– معرفش .. يمكن حد من جيرانها

ثم قالت فجأة وهى تضع يدها على بطنها وعلامات الألم على وجهها :

– أنا جعانه أوى

قالت “آيات” :

– وأنا كمان هموت من الجوع .. شوفت سوبر ماركت أدام البيت واحنا طلعين .. هنزل أجيب أى حاجة

قالت “أسماء” محذره :

– بس خلى بالك ممعناش غير 29 جنيه ومعرفش هنقدر نجيب فلوس تانى امتى

أومأت “آيات” برأسها وما كادت تلتفت لتتوجه الى باب البيت حتى سمعتا صوت الجرس .. نظرتا الى بعض فى ريبة .. ثم نظرت “آيات” من العين السحرية لتعرف من القادم .. فتحت الباب بعدما تعرفت على “أحمد” .. ابتسم لها قائلاً :

– خوفت تكونوا نمتوا

قالت له بحذر :

– لا لسه

وضع “أحمد” بعض الأكياس من يده بجوار الباب من الداخل وهو يقول :

– قولت بدل ما تنزلوا .. انتوا أكيد لسه مش عارفين حاجة فى المنطقة هنا .. وكمان التلاجة فاضية للأسف .. لان الشقة دى مقفوله على طول

شعرت “آيات” بالحرج الشديد وقالت :

– مفيش داعى يا “أحمد”

قال لها وهو ينظر اليها بحنان :

– أنا معملتش حاجة .. يلا تصبحوا على خير .. ولو احتجتى حاجة كلمينى وأنا أجيلك على طول

أغلق الباب بيده .. نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض ثم ابتسمت “أسماء” قائله بخبث :

– ده الحب ولع فى الدرة على الآخر

*********************************

خرج “آدم” من الحمام بشعره المبلل الذى تتساقط قطرات الماء منه على وجهه دخل غرفته وفرش سجادته ليصلى العشاء .. دعا لـ “آيات” كثيراً فى سجوده والعبرات تتساقط فوق سجادة الصلاة .. أنهى صلاته وألقى بنفسه فوق الفراش فى انهاك .. اقترب منه “زياد” قائلاً :

– “آدم” أنا جبت أكل قوم كلك لقمة

أولاه ظهره وأغمض عينيه .. نظر اليه “زياد” بأسى ثم تركه وأغلق باب الغرفة .. فتح “آدم” عينيه فى ظلام الغرفة ثم ما لبث أن أغلقهما وقد عقد جبينه فى ألم .. بعد منتصف الليل بقليل استيقظ “آدم” فجأة .. جلس على فراشه وهو يتذكر أحداث اليومين الماضيين كما لو كان كابوساً يتمنى الإستيقاظ منه .. توجه الى الخارج ونظر الى “زياد” النائم على الأريكة .. توجه الى الطعام فوق الطاولة وأخذ بضعة لقيمات يتقوى بها .. ثم حمل مفاتيح سيارته ومصحفاً صغيراً وتوجه الى الخارج دون أن يهتم بإرتداء ملابس لائقه .. استيقظ “زياد” على صوت غلق الباب .. انتفض وذهب الى غرفة “آدم” ليجده وقد غادرها .. فتح شرفة غرفته فوجده متوجهاً الى سيارته .. ثم انطلق بها .. تنهد “زياد” فى أسى وهو يعلم جيداً الى أين توجه “آدم”

جلس “آدم” أما القبر وقد افترش الأرض .. ينظر اليه بأعين دامعة تتساقط منهما العبرات فى صمت .. لف ذراعيه حول قدميه وضمهما الى صدره .. أخذ يشرد بخياله ويتخيلها الآن وقد انضمت جدران القبر لتضمها تلك الضمة التى قال عنها النبي صلى الله عليه وسلم “إِنَّ لِلْقَبْرِ ضَغْطَةً وَلَوْ كَانَ أَحَدٌ نَاجِيًا مِنْهَا نَجَا مِنْهَا سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ ” .. يعلم جيداً أن تلك الضمة تكون بحسب عمل الإنسان فإن كان خيراً كانت تلك الضمة حانية كضمة الأم لوليدها .. وإن كان شراً كانت قاسية تتهشم فيها العظام وتختلط فيها الضلوع .. ارتعش جسده ودب الخوف فى أوصاله .. خوف عليها .. على ما تلاقيه الآن فى قبرها فى أول ليلة .. نظر حوله .. الى سكون الليل والى الوحشة التى تحيط بالمكان .. والى شواهد القبور التى تتطلع اليه فى صمت .. ثم عاد لينظر الى القبر أمامه وازداد انهمار عبراته وهو يتذكر حديث النبي صلى الله عليه وسلم ” صنفان من أهل النار لم أرهما بعد : رجال معهم سياط كأذناب البقر يضربون بها الناس ، ونساء كاسيات عاريات مائلات مميلات على رؤوسهن كأسنمة البخت المائلة ، لا يدخلن الجنة ولا يجد ريحها ، وإن ريحها ليوجد من مسيرة كذا وكذا ” ارتجف جسده بشدة وهو يبكى ألماً وخوفاً .. أخذ يتمتم دون انقطاع :

– يارب ارحمها .. يارب ارحمها .. يارب ارحمها

ثم أخرج مصحفه من جيبه وظل يتلو آيات من كتاب الله بصوت مرتجف .. ذلك الكتاب الذى هجره طويلاً .. ها هو يعود الى حمله بين يديه والى تمرير عينيه وقلبه على كلماته الربانيه .. يشعر بقيمته وبكم هو فى حاجة اليه .. نوى بقلبه أن يهديها ثواب قرائته .. ودعا ربه أن يتقبلها منه .

**************************************

فى الصباح توجه “أحمد” الى مكتب والده بالبيت .. ابتسم له والده وأزاح عويناته من فوق أنفه قائلاً :

– تعالى يا “أحمد”

ابتسم “أحمد” وجلس وهو يقول :

– ماما قالتلى ان حضرتك عايزنى

نظر اليه والده “فؤاد” قائلاً :

– مين صحابك دول اللى بايتين فى شقة مدينة نصر

قص عليه “أحمد” مأساة “آيات” ورغبته فى مساعدتها .. فقال له :

– برافو عليك .. مكنش يصلح تسيب بنتين فى ظروف زى دى من غير ما تساعدهم

ثم نظر اليه متفحصاً وهو يقول :

– بس قولى بتساعدهم لله فى لله كده ولا فى سبب تانى

تنحنح “أحمد” ثم قال بمرح :

– بصراحه يا “فؤاد” بيه فى أسباب أخرى

قال فؤاد بلؤم :

– اهاا قولتلى .. مين فيهم بأه

قال “أحمد” مبتسماً :

– “آيات”

قال “فؤاد” وهو يرجع ظهره الى الخلف يستند به على ظهر مقعده :

– ماشى يا سى “أحمد” .. المهم دلوقتى عايز أسألك عن حاجة مهمة

قالت له بجديه :

– اتفضل يا بابا

قال “فؤاد” بإهتمام :

– فى دكتور كان عندك فى الكلية اسمه “آدم خطاب” تعرفه ؟

ظهرت علامات الضيق على وجه “أحمد” وهو يتذكر خطبة “آدم” لـ “آيات” ثم قال :

– أيوة أعرفه كان دكتور عندنا فى الجامعة

ثم هتف بغيظ :

– بس راجل مش محترم

رفع “فؤاد” حاجبيه بدهشة ثم قال :

– ازاى يعني مش محترم ؟

قال “أحمد” بحده :

– سي “آدم” ده كان خطيب “آيات” البنت اللى كنت بكلم حضرتك عنها دلوقتى .. وطلع راجل مش محترم وماشيُه مش مظبوط .. خانها مع واحده صورته فيديو وهو معاها وراحت يوم كتب الكتاب لـ “آيات” ووريتها الفيديو .. و “آيات” و باباها طردوه من البيت وفسخوا الخطوبة

نظر اليه “فؤاد” صامتاً يزن ما قاله فى عقله ثم سأله :

– “آيات” اللى قالتلك

قال “أحمد” :

– لأ مش “آيات” .. صاحبتها “أسماء” .. بعد اللى حصل “آيات” جالها انهيار عصبي وتعبت ودخلت المستشفى ومكنتش بتتكلم من الصدمة وبعدين سافرت مع باباها عمره وأنا فى الفترة دى كنت بتصل بـ “أسماء” عشان أطمن على “آيات” وأعرف أخبارها

أومأ “فؤاد” برأسه فى شرود .. فسأله “أحمد” بإهتمام وقال :

– انت ليه بتسأل عنه يا بابا

أخذ “فؤاد” نفسهاً عميقاً ثم قال :

– لانى قررت أأجر قرية سياحية جمب قريته فى العين السخنة .. فكنت حابب أعرف كل حاجة عنه هو ومدير القرية التانية .. لأن القرية اللى أنا اخترتها ملك لمجموعة شركات مالكة لـ 3 قرى جمب بعض .. فكنت حابب أعرف كل المعلومات عن منافسيني فى القريتين اللى جمبي

نظر اليه “أحمد” بدهشة وقال :

– ما قولتليش يعني على موضوع القرية دى

قال “فؤاد” :

– الموضوع فى دماغى من زمان بس كنت محتاج حد يشاركنى فيه .. لأنه مشروع ضخم ومش هقدر أدخل فيه لوحدى .. والحمد لله لقيت بدل للشريك اتنين

ابتسم “أحمد” قائلاً بحماس :

– طيب ايه رأيك تشغل “آيات” و “أسماء” فى القرية .. دول بنتين ممتازين بجد يا بابا وأهو تاخد فيهم ثواب

قال “فؤاد” :

– أنا فعلاً محتاج عماله الفترة اللى جاية .. بس مش فى القرية .. هنا فى شركة السياحة اللى هتتعامل مع العملا وتجذبهم لقريتنا

ثم قال :

– هما نفس تخصصك ادارة أعمال ولا تخصص تانى ؟

قال “أحمد” :

– أيوة نفس تخصصى

قال “فؤاد” :

– طيب ممتاز .. خليهم يجولى الشركة فى بعد يومين لانى مسافر بكرة .. هعمل معاهم انترفيو بسيط .. وان شاء الله يكونوا معانا فى الشركة

اتسعت ابتسامة “أحمد” وهو يقول بحماس :

– متشكر أوى يا بابا .. أكيد هيفرحوا أوى

ابتسم فؤاد قائلاً :

– بس خلى بالك أنا الشغل عندى مفيهوش لا قرابه ولا مجاملات .. لو هيشتغلوا معايا هديهم مرتبات كويسة بس فى المقابل عايز شغل ممتاز .. يعني مايعتمدوش على صحوبيتك ويهملوا شغلهم

ضحك “أحمد” قائلاً :

– طول عمرك متعرفش غير شغلك يا “فؤاد” بيه .. لا ليك فى الكوسة ولا فى السلطة

ضحك “فؤاد” وهو يحمل عويناته ليرتديها مرة أخرى :

– طيب يلا بأه عشان عندى شغل

شعر “أحمد” بالإرتياح وركب الى سيارته بسعادة وعزم على التوجه الى “آيات” ليخبرها بهذه البشرى

*******************************

قالت والدة “آدم” على الهاتف بقلق بالغ :

– أنا خايفة عليه يا “زياد”

تنهد “زياد” قائلاً وهو يحاول أن يبث فيها الطمأنينه :

– متقلقيش يا خالتى أنا معاه وواخد بالى منه

قالت بصوت باكى :

– لا حول ولا قوة الا بالله ربنا يرحمها .. يا قلبي عليك يا ابنى .. ربنا يصبرك

قال “زياد” :

– يارب

قالت “أم “آدم” بلهفة :

– لما ييجي يا “زياد” اتصل بيا وخليني أسمع صوته .. وقوله يفتح موبايله يا ابنى أنا هموت من القلق عليه

قال “زياد” مطمئناً اياها :

– حاضر من عنيا يا خالتى متقلقيش

سمع “زياد” صوت الفمتاح فى الباب فهب واقفاً وهو يقول :

– أهو جه

قالت بلهفة :

– اديهولى يا “زياد”

دخل “آدم” الى البيت أشعثاً أغبراً .. نظر “زياد” الى ما كان يرتديه .. فلقد اعتاد أن يرى “آدم” متأنقاً فى غاية الأناقة .. ولم يعتد أن يراه غير مهتم بملابسه هكذا .. نظر اليه قائلاً :

– “آدم” مامتك عايزه تكلمك

أخذ “آدم” الهاتف من “زياد” وقال بصوت مبحوح :

– أيوة يا ماما

قالت أمه بصوت كمن أوشك على البكاء :

– ازيك يا حبيبى انت كويس

تنهد بإرهاق قائلاً :

– أيوة كويس

صمتت أمه قليلاً ثم قالت بحزن وأسى :

– ربنا يرحمها يا ابنى

دمعت عيناه وهو يقول :

– آمين

قالت أمه :

– هترجع امتى يا ابنى

قال “آدم” وهو يمسح دمعة فرت من عينه :

– شوية كده

ثم قال :

– انتى كويسة .. ناقصك حاجة

قالت أمه :

– لا يا ابنى مش ناقصنى غير وجودك جمبي

قال “آدم” بخفوت :

– يومين كده وهرجع ان شاء الله

قالت أمه :

– تيجي بالسلامة يا حبيبى .. بس افتح تليفونك عشان لما أحب أطمن عليك

قال بإستسلام :

– حاضر

قال “زياد” لـ “آدم” محاولاً جذب انتباهه لشئ آخر بعيداً عما يقاسيه :

– أنا عرفت مين اللى أجر القرية التالتة يا “آدم”

بدا على “آدم” وكأن الأمر لا يعنيه .. ودون ان يتفوه بحرف توجه “آدم” الى غرفته تحت أنظار زياد” وتمدد فوق فراشه فى انهاك

*************************************

فتح “على” الباب .. بمجرد أن رأى “سمر” أمامه شعر بمشاعر كثيرة متضاربه .. فغض بصره على الفور .. نظرت الى ذراعه المجبر وهى تشعر بالإشفاق عليه .. فمنذ أن أخبرتها “إيمان” بما حدث له وهى تشعر بالحزن من أجله .. تمتمت بصوت خافت :

– “إيمان” موجودة ؟

قال لها وهو يفسح الطريق :

– أيوة موجودة اتفضلى

انتظرت “سمر” أمام الباب الى أن حضرتك “إيمان” قائله :

– تعالى يا “سمر” ادخلى

دخلت “سمر” وتعانقت الصديقتان .. وقع نظرها مرة أخرى على “على” الذى كان متوجهاً الى غرفته .. تلاقت عيونهما للحظة .. بدت عيناها حزينتان لما أصابه .. وبدا معاتباً اياها على رفضها المتكرر له .. ثم دخل غرفته وأغلق الباب بهدوء

جلست “سمر” مع “إيمان” فى غرفتها فقالت هذه الأخيرة :

– باركيلى

التفتت اليها “سمر” على الفور وقالت :

– ايه .. عريس ؟

ضحكت “إيمان” بسخرية :

– هو انتى لسه عندك أمل .. ده أنا فقدت الأمل من زمان

نظرت اليها “سمر” بحزن لما تشعر به من احباط ثم قالت :

– أمال أباركلك على ايه

قالت “إيمان” بتهكم وهى تجلس فوق الفراش :

– سيبت شغلى

هتفت “سمر” بدهشة وهى تجلس بجوارها :

– ايه .. سبتى شغلك .. ليه يا إيمان”

قالت “إيمان” بتبرم :

– قرفت .. بدور فى ساقية طول الشهر ومبقبضش غير ملاليم .. قرفت من الشغل ومن الناس ومن كل حاجة

قالت “سمر” بعتاب :

– بس على الأقل كنتى بتخرجى وبتشوفى ناس يا “إيمان”

قالت “إيمان” بضيق :

– بلا أرف .. سيبك .. قوليلي أخبارك ايه انتى

قالت “سمر” الحمد لله

ثم سألتها فى حرج :

– ازي اخوكى دلوقتى ؟

تنهدت “إيمان” بأسى قائله :

– أهو زى ما انتى شايفه التيييييييييت ضربوه وكسروله ايده .. كل ده عشان مكنش موافق انهم يغيروا تاريخ صلاحية عبوات الأكل المحفوظ

قالت “سمر” بحنق :

– ربنا ينتقم منهم

قالت “إيمان” بتهكم :

– كل حاجة فى البلد دى بايظة .. محدش مرتاح يا بنتى .. محدش مرتاح أبداً

قالت “سمر” وسحابة حزن تمر بعينيها :

– على رأيك .. محدش مرتاح

نظرت “سمر” الى “إيمان” بتفحص .. فإنتبهت لزيادة وزنها عدة كيلو جرامات .. شعرت “سمر” بالإشفاق عليها .. وبالضيق أيضاً فهى من تفعل بنفسها ذلك .. لم تشأ أن تخبرها بأنها لاحظت زيادة وزنها حتى لا تصاب بالإحباط فهى تعلم حساسية “إيمان” الشديدة لهذا الأمر

************************************

وقف “آدم” أمام القبر يدعو ويستغفر .. بدا وكأنه لا يريد مفارقة هذا المكان .. كان الحزن والألم ينخران فى جسده فبدا وجهه كلوحة تعبر ببراعة عما يقاسيه ويكابده .. ودعها بنظراته الحزينة وعيونه الدامعه وقد اتسعت الهالات تحت عينيه .. همس لها بصوت مرتجف وكأنه قادم من مكان سحيق :

– مش هنساكى

اقترب منه “زياد” وربت على كتفه .. التفت اليه “آدم” فجذبه “زياد” من ذراعه قائلاً :

– يلا يا “آدم”

سار “آدم” معه وتوجها كلٍ الى سيارته .. نظر “زياد” الى “آدم” بقلق وقال :

– هتعرف تسوق ؟

ارتدى “آدم” نظارته الشمسية وهو يفتح باب سيارته ويقول :

– أيوة

وانطلقا فى طريقهما الى .. العين الساخنة

*************************************

تمدد “آدم” على فراشه ينظر الى سقف الغرفه ..كالجثة التى فارقت الحياة لا يميزه عنها سوى حركة جفوته الرتيبة من حين لآخر .. تابعته أمه بنظراتها المشفقه وهى لا تدرى ماذا تصنع لولدها لتخفف من هذا العذاب الذى يدب فى أوصاله .. لم يظن أنه سيتألم لفقدها الى هذه الدرجة .. لم يدرك أنها مهمة له لهذا الحد .. علم فى تلك اللحظة أنه لم يحب فتاة قبلها .. أشد ما يؤلمه هو الطريقة التى ظن أنها ماتت بها .. ظل يتخيل الزلزال وانهيار البناء والحريق .. هل قاست وتعذبت أم ماتت على الفور مثل “حليمة” التى دفنها فى القبر المجاور لها .. ظهرت تقطيبة على جبينه وهو يتمنى ألا تكون قد تألمت .. ظلت الأسئله تتقاذف الى عقله .. ماذا يحدث لها الآن .. أقبرها الآن روضة من رياض الجنة .. ام حفرة سحيقة من حفر النار .. ارتجف جسده وارتعد .. امتدت يده الى مصحفه وفتحه وشرع فى القراءه .. واهدائها هذا الأجر

امتنع “آدم” عن الذهاب الى عمله اليومين الماضيين .. لم يجد فى نفسه القوة على العمل أو حتى الحديث .. ظل قابعاً فى غرفته لا يلوى على شئ .. ذات ليلة أتت “ساندى” للإطمئنان عليه بعدما علمت من “زياد” شدة تأثره لوفاة “آيات” خطيبته السابقة .. شعرت “ساندى” لأول وهلة بالحزن لوفاتها ثم ما لبثت أن شعرت بالغيظ .. كانت تظن أن “آدم” نسى “آيات” ومحاها من تفكيره تماماً .. لكنها اكتشفت أنها كانت مخطئة وظنت أن هذا ما كان يحول بينها وبينه .. لم تنكر تلك السعادة التى شعرت بها فيما بعد وهى تفكر فى أنها تخلصت من غريمتها .. وللأبد .. وبالتأكيد سيكون “آدم” محتاج الآن لمن تبقى معه وتبدد أحزانه .. عدة أيام أو أسابيع وسينساها ويبدأ قلبه فى البحث عن حب جديد .. وستكون هى ذاك الحب .. توجهت الى الشاليه .. فتحت لها والدة “آدم” ودعتها للدخول .. فإبتسمت لها “ساندى” قائله :

– انا جيت أطمن على “آدم”

قطبت أمه جبينها فى حزن وهى تقول :

– والله يا بنتى زى ما هو .. لا عايز يخرج ولا عايز يتكلم مع حد .. طول الوقت حابس نفسه فى أوضته .. وحتى الأكل بياكل بالعافية

تسرب شعور بالغبظ الى نفس “ساندى” لكنها قالت بأسف زائف :

– بجد ربنا يصبره .. أكيد كانت حاجه صعبة عليه .. مع انى كنت فاكره انها خلاص مبقتش تفرق معاه من ساعة ما سابوا بعض

قالت أمه بتأثر :

– اذا كنت أنا اللى شوفتها مرة واحدة واتأثرت بموتها .. ربنا يرحمها كانت صغيره

قالت “ساندى” وهى تجول بعينيها فى المكان :

– ممكن يا طنط تقوليلى انى عايزة أشوف .. أنا قلقانه عليه أوى وعايزه أطمن عليه

لكن رد “آدم” كان حاداً عندما قال لأمه :

– قوليلها نايم

قالت أمه بعتاب :

– يعنى يا ابنى أحرج البنت وهى فى بيتنا أنا قولتلها انك صاحى .. ميصحش برده

قال “آدم” بحزم :

– مش طايق أشوف حد .. يا تقوليلها انتى يا أطلع أقولها

كان آخر ما سنقصه الآن هو رؤية “ساندى” بسماجتها وثقل ظلها .. رن هاتفه فتفحصه للحظة ثم رد قائلاً :

– ألو

قال الطرف الآخر :

– أيوة يا دكتور “آدم” .. ازى حضرتك .. أنا “مدحت” والد “أسماء”

– أيوة رقمى عندى يا أستاذ “مدحت

قال “مدحت” بحرج :

– أنا آسف لو اتصلت فى وقت غير مناسب

– لأ ابداً اتفضل

– كنت عايز أسأل عن “أسماء” موصلتش لحاجة ؟ .. معرفتش حتى طريق صاحبتها “آيات”

دمعت عيناه وهو يقول بصعوبة بصوت مضطرب :

– “آيات” .. “آيات” الله يرحمها

صمت “مدحت” للحظات ثم صاح :

– لا حول ولا قوة إلا بالله .. ماتت ازاى

تحدث “آدم” بصعوبة بالغة وقد شق عليه التحدث عن موتها مع أحد :

– الزلزال اللى حصل .. البيت الى كانت ساكنه فيه مع الدادة وقع

قال “مدحت” بلهفة ولوعة :

– أسماء كانت معاها ؟

– لا مكانتش معاها

– انت متأكد ؟

– أيوة متأكد لإن الجثث كلها استلموها أهلهم

قال “مدحت” بأسى :

– ربنا يصبر أهلهم .. البقاء لله يا دكتور .. وآسف انى ضايقتك

ألقى “آدم” الهاتف على فراشه بلامبالاة وأسند ظهره الى الخلف ليغرق فى أحزانه من جديد .. شعر بكل شئ حوله تافهاً لا قيمة له .. كل ما كان يحلم به وكل ما كان يطمح اليه .. كل شئ فجأة بدا صغيراً .. بلا قيمة .. وضيعاً .. تسرب اليه الندم ينهش فى قلبه .. شعر بأنه ترك ما يستحق من أجل مالا يستحق .. شعر بأنه كان يسير طيله الفترة الفائتة كالمغيب .. كالأعمى .. كفاقد البصر والبصيرة .. غضبه وقهره والظلم الذى تعرض له أحادوه عن الطريق الصحيح وسلسله الشيطان فى سلاسله يحركه كما يشاء .. واستسلم هو بلا أى رغبة فى المقاومة .. حركته رغبته فى الإنتقام واسترداد حقه حتى قسى قلبه كقلوب من ظلموه .. فلا فرق بينهما الآن .. كلاهما ظالم مذنب هالك عاجلاً أم آجلاً .. أغمض عينيه وهو يتمنى أن يفقد ذاكرته .. أو يعود بها الى عامين مضوا .. الى حيث كان “آدم” .. شخص آخر .. غير “آدم” الذى يراه الآن فى مرآته

***************************************

نزلت “آيات” بصحبة “أسماء” من البناية الأنيقة .. انحنت “أسماء” على أذنها قائله :

– يارب فعلاً تصيب المرة دى ويرضى يشغلنا

قالت “آيات” وهى تنظر الى “أحمد” الذى خرج من سيارته ليستقبلهما :

– ان شاء الله خير

التف “أحمد” حول السيارة وفتح الباب لـ “آيات” قائلاً ببشاشة :

– بابا مستنينا فى المكتب

قالت له “آيات” بحرج :

– مكنش فى داعى تيجي معانا احنا كان ممكن نروح لوحدنا بدل ما نتعبك

وكزتها “أسماء” بكوعها ونظرت اليها نظرة تقول .. أنسيتي أننا لا نلمك مالاً يكفى حتى للذهاب الى الشركة

قال “أحمد” وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :

– لا مفيش تعب ولا حاجة

ظلت “آيات” طوال الطريق شاردة ترمق “أحمد” بنظرات مختلسة .. كانت تخشى أن يظن فى لجوئها اليه معنى لا تقصده .. خاصة بأنها تعلم بمشاعره تجاهها .. قطبت جبينها بشدة وهى تخشى أن يكون فى موقفها هذا استغلالاً لمشاعره بطريقة أو بأخرى .. توقف بسيارته أمام شركة والده .. نزلت “آيات” من السيارة لتلتفت الى “اسماء” قائله :

– “أسماء” اسبقينا خطوتين

نظرت اليها “أسماء” بدهشة ثم ما لبثت أن استجابت لطلبها .. التف “أحمد” حول السيارة ووقف مواجهاً لـ “آيات” وهو يلقى نظرة على “أسماء” التى ابتعدت عدة خطوات .. وقفت “آيات” فى مواجهته وهى تقول :

– “أحمد” فى حاجة مهمة عايزه أقولهالك

ارتسمت البسمة على شفتيه وهو يقول :

– اتفضلى يا “آيات”

أخذت تبحث عن كلمات مناسبة تصوغ به ما تريد قوله .. قالت بجدية :

– بص يا “أحمد” .. أنا خايفة تفهمنى غلط .. يعني أنا لجأتلك لإنى ملقتش حد غيرك ألجأله .. لو كان ينفع ألجأ لعمى كنت لجأتله بس هو شبه طردنى من مكتبه .. ده غير ابنه اللى مرتحتلوش نهائي .. وأنا مليش حد

قال “أحمد” وهو يحاول فهم ما تقول :

– أيوة عارف كده

قالت “آيات” بحزم :

– يعني أنا مش بوعدك بحاجة .. ولا هيكون فى مقابل على اللى انت بتعمله معايا .. فاهمنى

تجمدت نظراته للحظة وظهر العبوس على محياه ثم قال :

– “آيات” اللى عايزك تعرفيه هو انى مش بساعدك عشان عايز حاجة مقابل مساعدتى ليكي .. أى بنت لو كانت مكانك ولجأتلى بظروفها دى كنت برده ساعدتها

ثم قال وهو ينظر اليها بنظرة ذات مغزى :

– ما بالك بأه إن البنت دى .. بحبها

توترت “آيات” وأخفضت بصرها بعدما تضرجت وجنتاها .. فقال بخفوت :

– أنا عارف كويس انك مش حسه بحاجه نحيتي .. بس أنا مش حابب أفقد الأمل .. وفى نفس الوقت مش هطلب منك حاجة مقابل مساعدتى ليكي .. أصلاً لو عملت كده مبقاش راجل .. لو استغليت ضعف واحدة وحاجتها للى يساعدها و يقف جمبها .. مبقاش راجل

نظرت اليه “آيات” بإمتنان لشهامته وطيبته .. فرسم ابتسامه على شفتيه وهو يقول :

– يلا زمان بابا مستنى وبابا ده موته وسمه التأخير

جلست مع “أسماء” و “أحمد” فى مكتب السكرتيرة فى انتظار أن يُسمح لهم بالدخول .. أخذت تفكر فى حياتها الجديدة التى ستُقبل عليها بعد لحظات .. عمل جديد ومسكن جديد وطريق جديد .. تُرى أسينتهى هذا الطريق ككل الطرق التى سلكتها ؟ .. أم أنها ستجد هذه المرة فى نهايته .. السعــادة ؟!

***************************************

نظر “آدم” فى مرآة الحمام يرقب نظرات عينه الغائرة .. وقد ازدادت عمقاً وزرقه .. والى شعره الأسود الذى تتساقط منه حبات الماء على وجهه .. أخذ ينظر الى تلك الملامح التى ينظر اليها يومياً فى مرآته .. رغم أنها نفس الملامح الا أنه شعر اليوم بشئ مختلف .. شعر بأنه شخص آخر غير من يراه فى مرآته يومياً .. اختلف فيه شئ .. شئ لا يظهر أثره إلا فى نظرات عينيه .. ها هو مقبل على فصل جديد من حياته .. فصل ليس كالفصول التى سبقته .. ارتدى ملابسه وتأنق .. تأمل نفسه فى مرآته للمرة الأخيرة قبل أن يقبل يد والدته ويتوجه الى خارج الشاليه .. ارتدى نظارته الشمسية وقد عقد ما بين حاجبيه فى عزم واصرار .. وسار بخطوات واثقة .. ونظرات عينيه من خلف النظاره ثابته ثاقبة تعرف ما تريد جيداً .. اليوم سيأخذ عدة قرارات مهمة .. اليوم سيكون مختلفاً فى قرية جولدن بيتش .. شعر بأنه كالجراح الذى أخطأ فى احدى عملياته وكاد أن يموت المريض بين يديه .. لكن قبل أن يتلقى اللوم والتوبيخ أسرع بأخذه الى غرفة العمليات مرة أخرى .. وها هو يمسك بمبضعه فى يده .. وبيده الأخرى يحدد مكان المرض .. ها هو يهوى بيده على المكان ليشقه وينظفه ويطهره !

كنت ميتاً في بحور الغيّ والإثم غريقا .. كنت عبدا في قيود الذنب مملوكا رقيقا

مد لي الشيطان من اسبابه حبلا وثيقا .. منكرات كنت آتيها غروبا وشروقا

غزت الاثام لحمي ثم عظمي والعروق .. كنت في التفحيط نجما يبهر الدنيا بريقا

اجهدت سيارتي من شده الزحف الطريق .. يارفيق الدرب مهما كنت فذا لن تفوق

والجماهير اصمتني صفيرا ونعيقا .. كم اطار كان يهدى ثم ارميه عتيقا

كم دخلت السجن مرات فازداد فسوقا .. اصبح الوجدان قفرا ضامئ الإرض سحيقا

انني احتاج غيثا صافيا يكفي بروقا .. صافيا يكفي بروقا

الفصل الواحد والعشرون

صلوا على رسول الله .

شعرت “آيات” بالتوتر الشديد وهى تدلف الى مكتب “فؤاد” والد “أحمد” .. حانت منها التفاته الى “أسماء” فوجدتها بنفس توترها .. تبادلت الفتاتان النظرات قبل أن يقدمها “أحمد” الى والده قائلاً :

– بابا أحب أعرفك على “آيات” و “أسماء” .. زمايلى فى الكلية

ابتسم “فؤاد” ووقف يمد يده ليسلم على الفتاتان قائلاً :

– أهلاً بيكم

سلمت عليه “أسماء” .. أما “آيات” فتوترت رفعت يدها قليلاً ثم تراجعت وقالت بإرتباك شديد :

– معلش يا عمو مش بسلم بإيدي

أعاد “فؤاد” يده بجواره ثم أشار لهما بالجلوس قائلاً :

– اتفضلوا

جلست الفتاتان فى مقعدين متواجهين .. أما “أحمد” فجذب مقعداً وجلس بالقرب من “آيات” .. عقد “فؤاد” كفيه فوق المكتب وقال :

– ها تحبوا تشربوا ايه ؟

ضغط زراً بجواره فحضرت السكرتيرة على الفور ثم انصرفت تحضر ما طلبوه .. بدأ “فؤاد” حديثه قائلاً :

– “أحمد” كلمكوا عن طبيعة الشغل اللى محتاجكوا فيه ؟

قبل أن تجيب الفتاتات أسرع “أحمد” بالإجابة قائلاً :

– لا يا بابا ما قولتلهمش حاجة .. قولت حضرتك تشرحلهم أفضل

رجع “فؤاد” بظهره الى الخلف ثم قال :

– أنا ناوى ان شاء الله أعمل مشروع سياحى .. قرية سياحية فى العين السخنة

نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض فى دهشة .. فلاحظ “فؤاد” دهشتهما فضاقت عينيه قائلاً :

– فى حاجة ؟

التفتت “آيات” اليه وتنحنحت ثم قالت :

– لا أبداً .. بس ابن عمى برده عامل مشروع سياحي فى العين السخنة وكان عارض علينا نشتغل معاه

قال “فؤاد” بإهتمام :

– اسمه ايه ابن عمك ؟

– “عاصى سراج اليمانى”

رفع “فؤاد” حابيه بدهشة وهتف :

– انتى بنت أخو “سراج اليمانى” ؟

حانت منها التفاته الى “أسماء” ثم نظرت اليه قائله بتوتر :

– أيوة

صمت “فؤاد” وقد بدا عليه التفكير .. سأله “أحمد” بإهتمام :

– ليه فى حاجة يا بابا .. حضرتك تعرفه ؟

عقد “فؤاد” ذراعيه مرة أخرى فوق المكتب ونظر الى “آيات” قائلاً :

– قرية “سراج اليمانى” اسمها قرية الفيروز ودى جمب قريتنا بالظبط

أومأت “آيات” برأسها وقد غرقت فى التفكير .. نظر اليها “فؤاد” نظرة ثاقبه وقال :

– وقرية “شكرى …….” اسمها جولدن بيتش ودى كمان جمب قريتها

فجأة تجمدت الدماء فى عروقها عندما سمعته يقول :

– ومديرها دكتور “آدم خطاب ”

بدا على “أسماء” الدهشة وهى تستمع الى “فؤاد” .. أما “آيات” فقد بدا عليها الضيق .. رمق “أحمد” والده بنظرات عتاب وكأنه يقول : لماذا أخبرتها ؟ .. خشى “أحمد” أن تتراجع “آيات” عن العمل فى القرية بعدما عملت بأنها ستعمل فى قرية منافسة لـ “سراج” عمها .. و “آدم” خطيبها السابق .. نظرت “أسماء” اليها ترقب تعبيرات وجهها علها تستشف ما تفكر فيه وما تنوى فعله .. ظلت “آيات” صامتة ترمق السجادة فى شرود .. أكمل “فؤاد” حديثه قائلاً :

– شغلك انتى و “أسماء” لو وافقتوا تشتغلوا عندى .. مش هيكون فى القرية فمتقلقيش مش هتحتكى بحد منهم .. شغلك هيكون هنا فى المكتب السياحى اللى هنستقبل فيه الحجوزات واللى هنعمل منه الدعاية للقرية

التفتت “آيات” تنظر الى “فؤاد” وهى تسأله بإهتمام :

– هنشتغل ايه بالظبط

– أنا محتاج ناس بتحب شغلها وناس متفرغة لان الشغل الفترة الجاية هيكون متعب .. انا مش داخل منافسة زى دى عشان أخسرها .. وداخل وأنا عارف كويس حجم منافسيني .. ولازم أتفوق عليهم .. عشان كده محتاج معايا ناس بتعشق النجاح .. وتكره الفشل

ثم قال :

– وعلى أد ما هتدوا لشغلكوا على أد ما شغلكوا هيديكوا .. يعنى اللى بيتعب معايا بيلاقى نتيجة لتعبه

صمتت “آيات” تزن كلماته فى عقلها ثم قالت :

– طيب هل فى ملف خاص بالمشروع أو ملخص عنه

– أكيد فى

– طيب أحب أشوفه وأدرس الموضوع الأول قبل ما أوافق

ضحك “فؤاد” قائلاً :

– محسسانى انى بتكلم مع سيدة أعمال من الدرجة الأولى

شعرت “آيات” بالجرح وقالت :

– أنا بس حبه انى أتأكد ان كل حاجة هتكون مظبوطة .. أقصد ان مش هيبقى فيه حاجات تغضب ربنا .. أنا كنت فى الجامعة وفى ثانوى بعشق الرحلات .. وزرت العين السخنة كتير أوى وأعرفها كويس جداً .. وروحت قرى كتير بصراحة كان فى حاجات كنت بضايق منها بس مكنتش بهتم .. لكن دلوقتى يهمنى انى لما أشتغل فى مكان ميكنش فيه حاجت غلط بتحصل .. عشان مشلش ذنبها

ابتسم “فؤاد” وهو يخرج احدى الملفات من درج مكتبه ويضع فوقها سي دي ويضعهم أمام “آيات” قائلاً :

– دى نسخة من البريزنتيشن اللى بقدمه للعملا .. وده سي دى فيه صور القرية والمناطق اللى حوليها

أخذتهم “آيات” قائله :

– ان شاء الله هرد على حضرتك خلال يومين بالكتير

التفت “فؤاد” الى “اسماء” قائلاً :

– وانتى يا “أسماء”

ابتسمت “أسماء” وقالت فى كياسة :

– طبعاً أنا يشرفنى جداً انى أتشغل عند حضرتك يا أستاذ “فؤاد”

– خلاص يبقى اتفقنا .. ادرسوا الموضوع كويس ومنتظر ردكوا عليا .. خلاص المكتب انتهينا من تشطيباته وبكرة بالكتير يكون اتفرش .. فمحتاج رد فى أقرب وقت

*************************************

جلس مدحت والد “أسماء” أمام التلفاز وهو لا يعى ما يدور .. سمع المفتاح يدور فى الباب فهب واقفاً وعلامات الغضب على وجهه .. نظرت اليه زوجته الجديدة قائله :

– انت هنا يا بيبي

عقد ذراعيه أمام صدره قائلاً :

– أيوة هنا .. كنتى فين ؟

قالت فى تبرم :

– كنت مع صحابى

زمجر فى غضب :

– طبعاً بتصرفى فى الفلوس اللى سحبتيها امبارح

ارتبكت وقالت :

– انا كنت محتاجة مبلغ وخدته .. وبعدين انت ادتنى الكريدت عشان لو احتجت حاجة أسحبها

صاح بغضب هادر :

– ممكن أفهم كنتى بتعملى ايه بـ 15 ألف جنية

زفرت بحنق وقالت وهى تلوح بيديها :

– اشتريت شوية حاجات

– أيوة ايه هى الحاجات اللى اشتريتيها دى ؟

هتفت بغضب وهى تتوجه الى غرفة النوم :

– حاجات وخلاص

انقض عليها جاذباً اياها من ذراعها وهو ينظر اليها بشراسة قائلاً :

– اوعى تكونى فكرانى نايم على ودانى .. انا عارف كويس انتى عملتى ايه بالفلوس دى

بلعت ريقها بصعوبة وقالت وهى تخفى خوفها :

– ايه الكلام ده

قال بعنف :

– أنا عارف كويس انك لسه بتقابلى التيييييييييييت خطيبك .. وانك ادتيله الفلوس دى

شعرت بالصدمة لكنها تمالكت أعصابها وقالت :

– ايه الكلام الأهبل ده

لطمها على وجهها فتأوهت بألم .. قال بحزم :

– أنا اللى غلطان من الأول انى اتجوزت عيله زيك متعرفش يعني ايه مسؤلية

صاحت وهى تمسح بكفها على وجنتها المتألمه :

– احمد ربنا انى رضيت بواحد زيك شايب وعايب

لطمها مرة أخرى صارخاً فيها :

– لمى هدومك وامشى اطلعى بره .. انتى طالق

ضحكت بسخرية قائله :

– قال يعني طردتنى من الجنة .. بلا أرف

ألقى بجسده فوق أحد المقاعد وهو يدفن وجهه بين كفيه ويشعر بأن عالمه ينهار من حوله

*********************************

فى المساء وقف “آدم” أمام البحر الهادر يراقب موجاته الغاضبه التى ترسل الزبد تحت قدميه .. اقترب منه “زياد” قائلاً وهو يلهث :

– ايه يا ابنى انت فين دوختنى عليك

التفت اليه “آدم” بصمت .. وقف “زياد” أمامه يتفرس فيه قائلاً :

– انت كويس

أومأ “آدم” برأسه .. فقال “زياد” :

– أنا رجعت النهاردة من شرم لقيت كل اللى فى القرية بيتكلموا عن اللى حصل النهاردة

عاد “آدم” ينظر الى البحر مرة أخرى وهو لايزال محتفظاً بصمته .. سأله “زياد” :

– انت بجد منعت الخمور من القرية .. وشلت من المنيو الأكلات الى بتتعمل بيها ؟

أومأ “آدم” برأسه دون أن ينظر اليه .. فأكمل “زياد” مبتسماً :

– وعرفت كمان انك قلبت الملهى الليلى لقاعة بلياردو وبولينج .. وان المهندس هييجى من بكرة يعاين المكان

التفت “زياد” ينظر الى البحر لبرهة .. ثم نظر الى “آدم” قائلاً :

– هو ده اللى كان لازم يحصل .. أنا كمان مكنتش مرتاح للحاجات دى .. كنت حاسس ان بركة فلوسنا كانت ناقصه

تحدث “آدم” قائلاً بحزم :

– قول فلوسنا كانت حرام أصلاً

ركل “زياد” الرمل بطرف حذائه ثم قال :

– معاك حق

ثم تنهد فى ضيق قائلاً :

– رغم ان الواحد عارف كده بس للأسف ساعات بنضعف أدام المغريات المادية

ثم وضع كفه على كتف “آدم” وقال مبتسماً :

– بس برافو عليك

ران الصمت بينهما الى أن قطعه “زياد” قائلاً :

– بس يا ترى ايه هيكون رد فعل “شكرى” لما يعرف .. تفتكر ممكن يعترض ؟

قال “آدم” بحزم وهو يراقب موجة عالية تبتلع أخرى :

– يتفلق .. لو مش عاجبه يخبط دماغه فى الحيطه

التفت “آدم” ليغادر المكان .. جلس “زياد” على الرمل وهو يرقب الأمواج بدوره .. ثم أراح ظهره فوق الرمال ينظر الى النجمات القليلة التى تتلألأ فى السماء وهو يقول لنفسه :

– ايه يا “زياد” مش ناوى تلاقى نصك التانى بأه

ثم رفع ذراعيه الى السماء قائلاً بمرح :

– ابعتها يارب

**********************************

جلست “آيات” على الأرض فى حجرة المعيشة تفترش أمامها الصور والأوراق التى كانت موجودة فى الملف الذى أعطاها اياها “فؤاد” .. أقبلت عليها “أسماء” حاملة كوبين من الشاى الساخن وضعت أحدهما بجوار “آيات” ثم جلست على أحد المقاعد تنظر الى صديقتها المنهمكة فى مطالعة الأورق والصور ثم قالت :

– ها ايه الأخبار

حكت “آيات” رأسها ثم قالت وهى تنظر الى احدى الأوراق فى يدها :

– بصراحة مشروع جبار .. ولو اتعمله دراسة جدوى صح مكاسبه هتكون رهيبة .. الموقع فعلاً خرافى .. رغم انى حافظه العين السخنة بس عمرى ما شوفت فيها مكان بالروعة دى

قالت “أسماء” بإهتمام :

– هتوافقى يعني ؟

نظرت اليها “آيات” قائله بشرود :

– لسه مقررتش .. فى حاجات قلقانى

– ايه اللى قالقك مش بتقولى مشروع كويس

ثم هتفت “أسماء” بتهكم :

– وبعدين يا “آيات” ملف ايه اللى بتدرسيه .. محسسانى انك هتدخلى شريكه فى المشروع .. يا بنتى ده انتى يدوبك شغاله فى المكتب السياحى .. ده ايه الهم ده يارب

قالت “آيات” بحزم :

– لازم أعرف كل حاجة عن المكان اللى هشتغل فيه .. افرضى اشتغلت فى المكتب السياحى وفى الآخر اكتشفت ان فى حاجات حرام بتحصل فى القرية دى .. أشيل ذنبهم يعني ؟

قالت “أسماء” بحده :

– حاجات حرام ايه يا بنتى متنرفزينيش .. دى قرية محترمة هيحصل فيها ايه يعني

قالت “آيات” بهدوء :

– يحصل فيها اللى كنا بنشوفه فى القرى اللى بنروحها يا “أسماء” .. ستات عريانه ماشية يمين وشمال .. بيسين مينفعش تنزليه الا وانتى لابسه بيكيني والرجاله راحه جايه عينهم تندب فيها رصاصة .. و البيرة اللى كانت بتتشرب زى البيبسي بالظبط .. ده غير المناظر اللى كنا بنشوفها عيني عينك كدة من غير أى كسوف ولا خجل .. ويا سلام بأه على الأجانب اللى كنا بنتكعبل فيهم على الشط والواحده من دول قالعه كل هدومها ونايمة على الأرض تعمل حمام شمس .. مش ده اللى كان بيحصل فى القرى اللى بنروحها يا “أسماء”

قالت “أسماء” بتبرم :

– يعني نعمل ايه .. نقول للرجاله اتلموا ومتبصوش على البنات وهى ماشية على البحر أو وهى نازله البسين .. ولا نقول لكل بنت اياكى تعملى علاقة مع واحد فى القرية عشان مناخدش ذنبك

ثم قالت بتهكم :

– لو كل الناس فكرت بطريقتك يبقى السياحة هتضرب وكل واحد صاحب قرية يقفلها ويعد فى بيتهم أحسن .. ويبقى بلد زى مصر خسرت أهم مصادرها للدخل القومى .. يا بنتى لو كل الناس فكرت زيك كده كان البلد خربت

ابتسمت “آيات” بثقة وهى تقول بتحدى :

– طيب .. أنا بأه هعمل دراسة جدوى للمشروع ده بالطريقة اللى أنا شيفاها .. هحط فيها كل الأفكار اللى فى دماغى .. وهنحسبها بالورقة والقلم .. ونشوف اذا أفكارى دى اتنفذت السياحة فعلاً هتضرب ولا لأ

ابتسمت “أسماء” بسخرية وهى تنهض قائلاً :

– والله انتى مخك تعبان

نظرت “آيات” الى الأوراق أمامها .. ثم حملتهم جميعهم وتوجهت الى غرفة المكتب والتى تحتوى على الحاسوب الساكن فى ركن الغرفة .. ثم شرعت تضرب بأناملها فوق لوحة المفاتيح فى تؤدة

******************************************

لم يشعر بمضى الوقت وهو يتأمل صورتها .. امتدت أصابعه لتتلمس الشاشه .. ذلك الوجه البرئ الخالى من أى شئ مصطنع .. تلك النظرة البريئة والبسمة الرقيقة .. امتدت يده الى درج مكتبه ليخرج منها تلك الورقة التى تمزق قلبه كلما تطلع اليها .. شهــادة وفــاة .. نظر بعيون ثكلى الى اسمها الذى كان يأمل أن يراه على عقد زواجهما .. لكن إرادة الله سبقت أمانيه … أخذ شهيقاً عميقاً ليزفر معه ما يعتمل فى صدره من ألم .. لكن هيهات .. لا سبيل للخلاص من هذا الألم .. تناول مصحفه من فوق المكتب .. وأخذ يقرأ فيه .. علا صوته فى التلاوة ليصل الى مسامع أمه .. ابتسمت فى حنو وهى ترنو الى غرفته ببصرها .. كم اشتاقت لسماع ترتيله العذب .. وصوته الخاشع يطرب أذنيها المرهفتين .. انتهى من التلاوة بعدما دامت لما يقرب من ساعة .. أطلت برأسها من الباب الموارب وابتسمت فى حنو قائله :

– أجيبلك تتعشى يا “آدم”

هز رأسه نفياً .. ففتحت الباب أكثر ودخلت قائله :

– يا حبيبى انت على لحم بطنك من الصبح .. مفطرتش وحتى فى الغدا مكلتش الا لقمتين .. عشان خاطرى يا حبيبى أحضر لقمة ناكل سوا .. ماشى

أومأ برأسه ايجاباً اذعاناً لإصرارها فابتسمت قائله :

– ان شاله يباركلى فيك

أحضرت صنية كبيرة موضوع عليها ما لذ وطاب .. وضعتها فوق الطاولة ونادت عليه .. جلس بجوارها يلوك الطعام فى فمه وكأنه لا يشعر بمذاقه .. قالت مبتسمه :

– عجبك الأكل

قال بخفوت :

– أيوة يا ماما تسلم ايدك

ربتت على ظهره وهى تضع أمامه المزيد من الطعام .. نظر اليها قائلاً :

– على فكرة أنا منعت الخمرة واللحوم الحرام من القرية .. والملهى هنقلبه صالة ألعاب

اتسعت ابتسامة والدته فقال لها :

– حبيت أعرفك عشان تعرفى ان فلوسى معادتش حرام

قالت له فى حماس :

– ربنا يبارك فيك يا ابنى ويصرف عنك كل سوء .. اهو كدة انت ابنى “آدم” اللى طمرت تربيتي فيه

ابتسم بوهن وأمسك كفها قائلاً :

– ربنا يخليكي ليا يا ماما وجودك جمبي فارق معايا

وضعت يدها الأخرى فوق كفه وقالت :

– وهتلاقيني لآخر يوم فى عمرى جمبك ووراك .. لو وقعت أقومك .. ولو تعبت أداويك .. انت ابنى وحته منى نفسى أشوفك أحسن واحد فى الدنيا دى

ثم استدركت قائله :

– مش بالمال ولا بالجاه .. لكن بالأدب والدين والأخلاق

قبل “آدم” يدها قائلاً يتأثر :

– عارفه لو كل الأمهات زيك .. كان شباب كتير حالهم انصلح .. لكن فى أمهات بدل ما تدعى لإبنها بالهداية بتدعى عليه .. ومتعرفش ان دعاء الأم مستجاب .. فى أمهات بتدمر ولادها بلسانها .. بكلمة منها تخرج فى ساعة اجابة ربنا يتقبل دعاءها على ابنها

ابتسمت أمه فى حنو وقالت :

– عمر ما قلبي طاوعنى أدعى عليك .. حتى لما كنت قاسى عليا كنت بدعيلك بالهداية .. والحمد لله أهو ربنا استجاب وهداك وصلح حالك وباركلى فيك يا “آدم”

**********************************

شعرت “مديجة” والدة “أسماء” بالصدمة عندما فتحت الباب لتجد زوجها أمامها .. نظرت اليه لبرهة وقد تجمدت فى مكانها .. ثم قالت :

– أفندم عايز ايه

لم يجيبها بل اندفع للداخل فتراجعت للوراء .. أغلق الباب خلفه فصاحت :

– امشى اطلع بره

نظر اليها بصرامة قائلاً :

– “أسماء” هربت من البيت ليه يا “مديحة” ؟

اشتعلت عيناها غضبت وهتفت :

– انت جاى تفتكر بنتك دلوقتى .. صباح الخير يا “مدحت”

اشتعلت عيناه غضباً هو الآخر وقال :

– بنتك لفيت عليها فى كل حته وسألت طوب الأرض عليها ومحدش عارف هى فين .. ايه اللى خلاها تسيب البيت انطقى

قالت بصوت مضطرب وهى تحاول أو تطمئن نفسها :

– متقلقش هى أكيد عند “آيات” صحبتها

قال بوجوم :

– “آيات” ماتت

شهقت “مديحة” واضعة كفها فوق فمها وقالت :

– ماتت .. ماتت ازاى ؟

– العمارة اللى كانت ساكنه فيها وقعت فى الزلزال

دمعت عيناها وهى تهتف بفزع :

– و “أسماء” ؟ .. “أسماء” حصلها ايه يا “مدحت”

زفر بيأس قائلاً :

– “أسماء” مكنتش معاها

صرخت قائله والدموع تنهمر من عينيها :

– انت واثق .. واثق ان بنتى مكنتش معاها

– أيوة واثق

ثم اقتربمنها ينظر اليها وقال بصرامة :

– ايه اللى خلى “أسماء” تمشى ؟

قالت بصوت باكى :

– معرفش .. قالت كلام عن ان “هانى” ضايقها .. بس “هانى” بيقول انه معملهاش حاجة .. معرفش هى كانت بتقول كدة عشان تلفت الانتباه ليها ولا زى ما أختى بتقول ان “هانى” عجبها ولما مدهاش وش طلعت الكلام ده عليه

صمت “مدحت” قليلاً يستوعب ما قالت ثم بدا وكأن جنونه قد جن وصاح :

– “هانى” ابن أختك ؟ .. عملها ايه .. “أسماء” قالتلك ايه ؟

قالت بمزيج من الخجل والحيرة والندم :

– قالت انه كان بيدخلها أوضتها وانه … بيتحرش بيها

أمسكها “مدحت” من ذراعيها بقسوة قائلاً :

– وصدقتيه وكذبتيها ؟ .. كدبتى بنتك يا “مديحة”

قالت بإضطراب وهى تشعر بالألم من قبضتيه على ذراعيها :

– “هانى” مش ممكن يعمل كده .. الولد متربى كويس و ………..

لم ينقذها من بين يديه سوى سماعه لصوت الباب من خلفه .. أطل “هانى” برأسه .. وما كاد يدخل المنزل حتى ترك “مدحت” ذراعى “مديحة” ليهوى على وجه “هانى” بصفعة ألصقته بالجدار .. نظر “هانى” بدهشة وصدمة الى “مدحت” .. وصرخت “مديحة” قائله :

– سيبه يا “مدحت”

لم يلتفت اليها بل جذبه من شعره وأعقبه بصفعة أخرى فجرت الدماء من شفتيه وأخذ يصيح ويئن بألم .. صرخ “مدحت” بغضب :

– عملت ايه فى بنتى يا تييييييييييييييييت

حاول “هانى” التحدث لكن “مدحت” لم يدع له الفرصة .. صرخ بصوت مكتوم بعدما سدد له “مدحت” ركلة فى بطنه احتقنت لها الدماء فى وجهه وهو يشعر بصعوبة شديدة فى التنفس .. أقبلت أمه من الخارج تصرخ وتولول :

– انت اتجننت انت بتعمل ايه فى ابنى

جثت على ركبتيها بجوار “هانى” تتفحصه وهى تصيح بغضب فى “مدحت” :

– انت بتمد ايدك على ابنى .. والله لأوديك فى ستين داهية

ثم نظرت الى أختها قائله :

– لمى هدومك وامشى اطلعى بره انتى وجوزك والله لأحبسكوا انتوا الاتنين

وضعت رأس “هانى” الدامى على صدرها وهى تبكى قائله :

– “هانى” .. عمل فيك ايه الحيوان ده

اقترب “مدحت” وبصق فى وجه “هانى” الجالس على الأرض وقال فى صرامة :

– اتفو عليك عيل تيييييييييييت

انصرف “مدحت” بينما توجهت “مديحة” الباكية تجمع أغراضها فى عجالة وهى تبكى فى لوحة وحسرة وندم .. قام “هانى” بمساعدة أمه التى لم تتوقف عن النحيب والوعيد لأختها وزوجها .. أجلسته على الأريكة .. فى تلك اللحظة خرجت “مديحة” من الغرفة فهجمت عليها أختها تجذبها من ملابسها وتصرخ فيها :

– مش عارفين تربوا بنتكوا وجايين تتشطروا على ابنى .. روحى شوفى بنتك التيييييييييت هربت مع مين وبعدين ابقى تعالى كلمينى

نظرت اليها “مديحة” بغضب بأعينها الدامعة وهى تقول :

– حسبي الله ونعم الوكيل فيكي انتى وابنك .. بس مش غلطتكوا .. دى غلطتى انى مصدقتش بنتى ودافعت عن ابنك التييييييييييت

جذبت ذراعها من بين يديها وخرجت لا تدرى الى أين تذهب .. فلا هى تملك المال ولا تملك المكان .. مكانها الوحيد كان بيتها الذى طُردت منه وها هى الآن تُطرد من بيت أبيها الذى تعلم جيداً أنه لا حول له ولا قوة أمام عنفوان ابنته .. نزلت الدرج وهى تفكر فى ابنتها الضائعة التى انتهجت خطواتها من قبل .. ونزلت بحقيبة ملابسها لا تدرى الى أين تذهب .. عزمت على التوجه الى الصاغة لبيع احدى مصوغاتها الذهبية الى أن تبحث عن عمل وهى التى كانت تعيش منعمة مرفهة فى بيت زوجها .. صدمت عندما نظرت الى “مدحت” الذى لايزال واقفاً أمام بوابة المنزل .. أقبل نحوها واشار الى السيارة بصرامة قائلاً :

– اركبي

قالت بكبرياء :

– لا مش راكبه .. وبعدين مش خايف مراتك الجديدة تشوفك وانت بتوصلنى

فتح باب السيارة وقال بغضب وعيناه تنذران بالشر:

– بقولك اركبي أنا روحى فى مناخيرى متجننينيش

لا تعلم لما استسلمت وركب .. حطم كرامتها وكبريائها ولن تسامحه أبداً .. بدا أيضاً وكأنه لا يطيق وجودها بجواره فى السيارة .. لكن كان يجمعهما الآن شئ مشترك أهم بكثير من مشاعر كليهما تجاه الآخر .. قال بجدية :

– دلوقتى عايزين نحصر أسماء الناس اللى “أسماء” تعرفهم ونروحلهم واحد واحد

قالت “مديحة” بعصبية :

– انت فاكرنى هستناك .. انا عملت كده واتصلت بكل اللى تعرفهم محدش عارف مكانها

– نحاول تانى وتالت ورابع .. مفيش أدامنا غير كده

نظرت اليه بحقد قائله :

– ما انت لو كنت أب وزوج محترم مكنش ده حصل .. لكن انت ……….

داس مكابح السيارة بقوة حتى أصدرت صريراً مرعباً .. كادت ان يصطدم رأسها فى الزجاج الأمامى .. وقبل أن تأخذ أنفاسها التفت اليها “مدحت” هاتفاً بصوت صم آذانها :

– انا راجل مش محترم و تيييييييييييييت .. انتى بأه ايه يا أم يا فاضلة .. فى أم تسيب بنتها تحت ايد تييييييييييت زى ده .. فى أم تكدب بنتها وتصدق ابن أختها .. فى أم تسيب بنتها تنزل من بيتها بشنطة هدومها متعرفش هى راحه فين .. ردى عليا يا “مديحة”

لم تستطع “مديحة” الرد .. بل لم تستطع حتى النظر اليه .. انهمرت عبراتها وهى تتطلع أمامها وشعور عميق بالندم ينهشها .. أدار “مدحت” السيارة مرة أخرى فى عصبيه وهو يقول :

– هترجعى معايا البيت لحد ما نشوف حل للمصيبة اللى احنا فيها وأطمن على بنتى .. بعدها نتطلق وكل واحد يروح لحاله

لم ترد “مديحة” سوى بمزيد من العبرات المنهمرة .. ومزيد من الشعور بالندم

*************************************

– أيوة أسمع عنه .. ابنه كان عندى فى الكلية

قال “آدم” ذلك موجهاً حديثه الى “زياد” بعدما عرف منه بان “فؤاد” هو الذى استأجر القرية الثالثة .. تذكر “آدم” يوم أن هتف “أحمد” وسط الجامعة معلناً حبه لـ “آيات” .. تذكر يومها كيف هرعت الى مكتبه لتخبره بأنها لا تبادله مشاعره .. علم وقتها بأنها تحمل له هو مشاعر خاصة دفعتها الى التصرف بتهور والإقدام الى مكتبه لشرح الأمر .. تنهد وهو يتذكر مدى طيبتها ووضوحها وبرائتها .. اخرجه “زياد” من شروده قائلاً :

– بس لسه مش عارفين مين المدير اللى هيجيبه للقرية .. بس بيقولوا انه محتاج شريك معاه عشان يقدر يفتتح القرية وفى اتنين رجال أعمال عرضين شراكتهم بس لسه متفقش مع حد فيهم

أومأ “آدم” برأسه وهو يقول :

– “فؤاد” رجل أعمال محترم بس ملوش فى شغل السياحة .. يعني ميعتبرش منافس قوى بالنسبة لنا .. تلاقيه حب يجرب حظه .. بس أنا واثق انه مش هيستمر .. ده اذا لقى حد يشاركه أصلاً

قال “زياد” وهو يمط شفتيه :

– أنا كمان شايف كده .. مفيش داعى للقلق

سمعا صوت طرقات على باب الشاليه فهب “آدم” واقفاً ليرى القادم .. شعر بالإمتعاض وهو يرى “ساندى” أمامه .. ابتسمت قائله :

– هاى ازيك يا “آدم”

قال “آدم” وعلامات الجدية على وجهه :

– كويس الحمد لله

هتفت بمرح :

– حسيت انى هموت من الملل قولت آجى أعد معاك انت وطنط .. بصراحة حبيتها أوى وأنا وهى بقينا صحاب خلاص

التفت “آدم” بتبرم ونادى والدته .. أسرعت بالقدوم لترى “ساندى” أمامها .. أقبلت عليها “ساندى” تقبلها وهى تقول :

– ازيك طنط عامله ايه دلوقتى

ابتسمت والدة “آدم” قائله :

– بخير يا بنتى تسلمى

تركهما “آدم” وتوجه الى غرفة المعيشة حيث “زياد” وأشار له قائلاً :

– قوم نخرج

قال “زياد” وهو يتلفت حوله :

– مين اللى جه ؟

قال “آدم” بتأفف :

– “ساندى”

نظرت “ساندى” الى “آدم” الذى مر بجوارها متوجهاً الى باب الشاليه وهتفت :

– انت خارج

التفت اليها قائلاً بتهكم :

– ده بعد اذنك

شعرت بالغيظ .. قال لها “زياد” وهو يلحق بصديقه :

– ازيك يا “ساندى”

قالت وهى شاردة وعلامات الضيق على وجهها :

– كويسه

أغلق “زياد” الباب خلفه .. رسمت “ساندى” على شفتيها ابتسامه مصطنعة عندما قالت لها والدة “آدم” :

– اتفضلى يا ابنتى اعدى

جلست فى تبرم .. فآخر ما كانت تريده عندما قدمت الى الشاليه هو مجالسه والدة “آدم”

************************************

وقف “عاصى” فى شرفة الشاليه الخاص به يمسك بيده كأساً من الخمر وفى اليد الأخرى الهاتف .. أرجع رأه للوراء وانفجر ضاحكاً وهو يقول :

– أيوة اظاهر كده .. قولتلك من الأول انه عيل غبي .. رايح يمنع الخمرة من القرية لأ وقلب الملهى الليلى لصالة ألعاب

انفجر فى الضحك مرة أخرى وهو يقول :

– احترس السيارة ترجع الى الخلف

قال “سراج” على الطرف الآخر :

– أنا مش عارف هو بيخطط لايه بالظبط

قال “عاصى” بحقد :

– هيكون بيخطط لايه يعني ده عيل تييييييييت ميتخفش منه

رشف رشفه من كأسه ثم قال :

– لا والتانى اللى اسمه “فؤاد” اللى رايح يأجر قرية جمب حيتان زينا .. أهو ده بأه غباؤه ملوش وصف .. واحد لسه بيقول يا هادى فى شغل السياحة مش يختار مكان مفيهوش منافسين كبار زينا .. لا جاى راشق فى النص .. يشرب بأه

ثم قال :

– ده حتى مش عارف يشيل الليلة لوحدة وبيدور على شريك

– هو لقى شرك ولا لسه ؟

قال “عاصى” بثقه :

– لا لسه .. متقلقش أنا بعرف الأخبار أول بأول .. واول ما هعرف حاجة هبلغك .. بس اطمن “فؤاد” هو آخر شخص نخاف منه

قال “سراج” وهو يوافقه الرأى :

– معاك حق

***********************************

جلست “آيات” فى مكتب سكرتيرة “فؤاد” وهى تتذكر بضيق قدوم “أحمد” ذالك اليوم ودسه لرزمة مالية فى يدها وأخبرها أنها ستخصم من مرتبها الأول .. حاولت بحرج وضيق رفض هذا المال لكنه أصر بشدة وتركها وانصرف .. التفتت اليها “أسماء” الجاله بجوارها وهى تقول :

– افرضى معجبوش الدراسة اللى عملتيها .. هنتصرف ازاى ؟

قالت “آيات” بحزم :

– مش هقبل الشغل طبعاً

بثت كلماتها الغيظ فى نفس “أسماء” التى قالت بتهكم :

– أول مرة أشوف واحدة رايحه تشتغل فى شركة وتفرض عليهم طريقتها فى الشغل .. وكمان مقرره انهم لو معجبهمش دراسة الجدوى بتاعتها ترفض الشغل معاهم

قالت “آيات” وقد تعبت من مناقشة “أسماء” فى هذا الأمر :

– قولتلك مليون مرة مش هعمل حاجة حرام .. ولو الموضوع متظبطش زى ما أنا عايزه مش هشتغل معاهم

سالتها “أسماء” بحده :

– ولما ترفضى الشغل هنعمل ايه ساعتها .. وهنرد لـ “أحمد” السلفة اللى ادهالنا من المرتب ازاى ؟

شعرت بالضيق وهى تفكر فى ورطتهما .. قطع عودة السكرتيرة حبل أفكارها لتشير لهما الى مكتب “فؤاد” قائله :

– اتفضلوا بس خلوا بالكوا ان الأستاذ “فؤاد” عنده اجتماع بعد 10 دقايق بالظبط

لم تكن “آيات” فى حاجة الا لهذه الدقايق لعرض الدراسة التى عكفت على كتابتها لمشروع القرية السياحية .. قام “فؤاد” وسلم على “أسماء” ثم التفت لـ “آيات” دون ان يمد يده قائلاً :

– ازيك يا “أسماء” .. ازيك يا “آيات”

– الحمد لله

– الحمد لله

أشار لهما بالجلوس وعقد كفيه فوق المكتب وقال :

– خير كنتوا عايزنى فى حاجة

تنحنحت “آيات” قائله :

– أيوة .. انا عملت دراسة جدوى لمشروع القرية السياحية

كانت نظرات “فؤاد” تنم عن دهشته مدت يدها بالملف فأخذه منها وارتدى عويناته الموضوعه فوق المكتب وأخذ يتفحصه .. مرت الدقائق تشعرها بالتوتر أكثر .. قبل أن ينتهى “فؤاد” من مطالعة الملف كاملاً دخلت سكرتيرته معلنة عن بدء الإجتماع .. تسرب شعور بالضيق فى نفس “آيات” التى كانت تتمنى أن تتاح لها الفرصة لمعرفة رأيه فى الحال .. قامت بحرج وقالت :

– معلش أنا أصلاً اللى غلطانه انى جيت من غير معاد .. ان شاء الله هحدد معاد مع السكرتيرة ونبقى نيجي مرة تانية

نزع “فؤاد” عويناته ونظر اليها قائلاً :

– تقدرى تشرحى الدراسة اللى علمتيها أدام ضيوفى اللى عامل معاهم الاجتماع ؟

تبادلت “آيات” نظرة دهشة مع “أسماء” ثم التفتت الى “فؤاد” قائله بإرتباك :

– مش عارفه

نهض “فؤاد” قائلاً :

– تعالوا معايا

تبعته الفتاتان فى استسلام .. كاد قلب “آيات” أن يتوقف من شدة التوتر والإرتباك .. دخل “فؤاد” قاعة اجتماعات صغيرة تضم طاولة كبيرة جلس عليها ثلاثة رجال بالإضافة الى “أحمد” الذى رفع حاجبيه فى دهشة لمرآى الفتاتين برفقة والده .. قدم “فؤاد” كل منهم للآخرين .. علمت بأن أحد هؤلاء الرجال هو محامى “فؤاد” أما الرجلال الآخران هما رجلى الأعمال المرشح أن يشارك أحدهما “فؤاد” فى مشروع القرية السياحية .. جلس “فؤاد” وظلت الفتاتان واقفتان .. قال “فؤاد” وهو يلوح بملف “آيات” فى يده :

– الآنسة “آيات” عملت دراسة جدوى لمشروع القرية وحابب انها تعرضه عليكوا بنفسها

طلب “فؤاد” من السكرتيرة ادارة البروجيكتور .. وقفت “آيات” بجوار الشاشة البيضاء تشعر بتوتر بالغ وقد أصبحت تحت محط أنظار الجميع .. كانت تثق بفكرتها وبمشروعها لكنها لم تسبق أن قدمت بريزينتيشن من قبل .. وأمام رجال أعمال ذو أهمية !

استعانت بالله وقامت بعرض الصورة الأولى التى كانت تمثل صورة لدائرة صفراء فى منتصفها دائرة صغيرة خضراء وتحدثت قائله :

– زى ما حضراتكوا عارفين المنطقة اللى فى الصورة ملك لمجموعة شركات مصرية وأجنبية ومتقسمة ل 3 قرى جمب بعض على شكل دايره .. ال 3 قرى بيشتركوا فى المنطقة الخضرا اللى فى النص ودى متقسمة لملعب جولف و اسطبل خيول لممارسة رياضة ركوب الخيل ولل 3 قرى حق الانتفاع المشترك بيها بحسب تقسم معين بيكون منصوص فى العقد

تقدمت من البروجيكتور لعرض الصورة التالية والتى كانت تمثل مثلث أصفر ثم التفتت اليهم تتحاشى النظر الى وجوههم حتى لا تتوتر أكثر وقالت :

– القرية الأولى هى قرية الفيروز .. رجل الأعمال اللى أجرها “سراج اليمانى” ومدير القرية هو ابنه “عاصى” .. ممبزات القرية دى هى انها أكبر ال 3 قرى فى المساحة وتقسيم الغرف والشاليهات ممتاز .. القرية التانية هى قرية جولدن بيتش رجل الأعمال اللى أجرها هو “شكرى ….. ” .. ومديرها …

صمتت برهة وهى تشعر بالتوتر لذكر اسمه .. ثم قالت :

– مديرها دكتور “آدم خطاب ” .. هى أصغر فى الحجم من قرية الفيروز لكن ميزتها الطابع المعمارى الأثرى اللى فيها .. القرية التالتة وهى قريتنا وهى أصغرهم مساحة لكن ميزتها وجود 2 بيسين بعكس القريتين التانيية اللى فيهم بيسين واحد

قال أحد الرجلين وهو يمط شفتيه :

– وايه الميزة فى كده ؟

قالت “آيات” بهدوء :

– هشرح دلوقتى .. قرية الفيروز وقرية جولدن بيتش بدأوا منافسة قوية بينهم .. القريتين بيسمحوا بوجود الخمور وكافة أنواع اللحوم .. وقرية جولدن بيتش فيها ملهى ليلي .. وفى المقابل قرية الفيروز فيها مساج للرجال والنساء والقائم عليه بيكون رجال فقط

قالت الجملة الأخيرة بشئ من التقزز .. ثم أردفت :

– زى ما حضراتكوا شايفين هما قريتين سياحيتين كبار بس زيهم زى أى قرية تانية مفيش حاجة بتميزهم غير فروقات بسيطة مبتأثرش كتير .. لو احنا فتحنا القرية التالتة وخدت نفس الطابع بتاع القريتين دول يبأه مستفدناش أى حاجة ومقدمناش أى حاجة جديدة .. وهتبقى منافسة روتينية مش أكتر

سألتهم فجأة :

– عارفين البطاطس الشيبسى ؟

ابتسم الجميع .. قال “أحمد” بمرح :

– أكيد عارفينها

قالت “آيات” بحماس :

– نتخيل ان اللى بياكل شيبسى فى مصر هما 3 مليون فرد .. اتعودوا على منتج بشكل ومواصفات ونكهات معينة .. وبعد فترة جت شركة جديدة نزلت منتج تانى بس المنتج ده بنفس مواصفات ونكهات وطعم المنتج الأول مجرد بس انهم سموه اسم جديد .. اللى هيحصل ان ال 3 مليون هيتقسموا نصين نص هيشترى المنتج الأول ونص هيشترى المنتج التانى .. لأن المنتجين زى بعض فمش فارقه كتير .. لو أنا جيت ونزلت منتج بنفس شكل ومواصفات المنتجين التانيين كل اللى هيحصل هو ان ال 3 مليون هيتقسموا على 3 .. لكن لو أنا جيت وقدمت منتج بإسم جديد .. وشكل جديد ونكهة جديدة وجودة أعلى وكمان عملت عليه تخفيض .. تفتكروا هيفضل عدد اللى بيشتروا الشيبسى هما هماهم ال 3 مليون ؟

أجابت على نفسها قائله :

– أكيد لأ .. لان فى ناس بتحب نكهات تانية ملقتهاش فى المنتجين الأول والتانى .. واللى أنا عملته هو انى وفرت للناس دى النكهة الجديدة اللى تجذبهم .. ده بالإضافة ان ال 3 مليون اللى اتعودوا على المنتج القديم أكيد الفضول هيدفعهم انهم يغيروا ويجربوا الجديد .. ولما أنا أهتم بالجودة وأخليها أعلى .. يبقى كسبتهم هما كمان فى صفى وأبقى فعلاً ملكت السوق بدون منازع

صمتت قليلاً تتأمل الوجوه التى تعلقت أنظارهم بها تبغى المزيد من التوضيح .. عرضت احدى الصور لأحد الشواطئ الخلابة ثم التفتت اليهم قائله :

– دى صورة من قرية فى تركيا .. اللى أنا بقترحه فى دراسة الجدوى بتاعتى اننا نعمل زى ما القرية دى عملت بالظبط

سألها أحد الرجلين بإهتمام :

– وايه اللى عملته القرية دى ؟

قالت “آيات” بثقة :

– أضافت مفهوم جديد للسياحة اسمه السياحة الحلال

رفع أحد الرجلين حاجبيه بسخرية قائلاً :

– سياحة حلال !

أما الآخر فقال بإهتمام :

– ياريت تشرحى أكتر

أكملت “آيات” قائله :

– من كام سنة دخلت تركيا مفهوم السياحة الحلال للقرى والشواطئ بتاعتها .. كان الكل متوقع فى البداية فشل ذريع للنوع ده من السياحة .. لكن تركيا أثبتت ان الفكرة ناجحة وناجحة جداً .. عارفين قيمة المبيعات وصلت لكام فى خمس سنين ؟

قال أحد الرجلين بروتينيه :

– 100%

ابتسمت “آيات” قائله :

– لأ .. 200%

ساد الوجوه مزيج من الدهشة والإعجاب .. قال أحد الرجلين :

– طيب وايه مفهوم السياحة الحلال ده ؟ .. وايه الفرق بينه وبين السياحة اللى بنشوفها فى كل القرى اللى بنروحها

قالت “آيات” وهى تعرض صورة للقرية الثالثة مصورة بالأقمار الصناعية :

– أولاً قريتنا هيمنع فيها منعاً باتاً أى حاجة حرام .. من أول الخمور لحد البكيني

ضحك أحد الرجلين بصوت عالى وهو يرجع رأسه الى الخلف ويقول :

– حلوة دى .. هنمنع البكيني .. ازاى بأه ممكن أفهم .. أمال الناس هتلبس ايه

كظمت “آيات” غيظها وأكملت قائله :

– ثانياً بالنسبة لحمام السباحة .. زى ما قولت ان قريتنا فى حمامين سباحة ودى ميزة كويسة جداً .. لان اللى هيحصل هو اننا هنخصص بيسين للرجاله وبيسين للستات .. بيسين الرجاله هنسمح فيه بدخول الرجاله والصبيان و البنات تحت سن 7 سنين .. وبيسين السيدات هنسمح فيه بدخول السيدات والبنات الصغيرة والصبيان من تحت سن 7 سنين .. ومش بس كدة .. هيبقى فى حد أدنى للبس .. يعني فى حمام السيدات ممنوع لبس البكيني وهيلتزموا بالمواصفات الشرعية للبس اللى المفروض تلبسه السيدات أدام بعضهم وكذلك فى حمام الرجاله .. طبعاً القائمين على حمام الرجاله هيكونوا كلهم رجالة من أول عامل النظافه لحد المدير المسؤل .. ونفس الشئ فى حمام السيدات

اندفع أحد الرجلين يقول بحده :

– ها وبعدين .. هتعملى ايه بأه على البيلاج .. أظن هتقوليلنا نقفل البيلاج أحسن

قالت “آيات” بهدوء :

– لأ طبعاً ازاى نقفل البيلاج .. سياحة الشواطئ هتفضل زى ما هى .. دى متعة فى حد ذاتها .. مفيش حد بيسافر مصيف أو قرية الا وبيعشق انه يقعد على الشط وينزل البحر

صمتت قليلاً ثم قالت بحزم :

– بس برده هيبقى فى شروط للحد الأدنى من اللبس .. وأظن نوعية الناس اللى هتيجي القرية عشان يفصلوا بين الرجاله والستات فى حمامات السباحة مستحيل يقبلوا بعرى على الشط .. يعني واحد بيغير على مراته وجه قريتنا عشان تبقى بحريتها فى حمام السباحة بعيد عن عيون الرجاله مش معقول أبداً أول ما يقعد معاها على البيلاج يلبسها بيكيني أو لبس مكشوف !

قال الرجل وهو مازال محتداً :

– انتى بتتكلمى عن مين بالظبط .. مين اللى هيحب سياحة زى دى .. وانه يعد فى قرية بالمنظر ده ؟

قالت “آيات” دون أن تسمح له بإخراجها عن طورها بإسلوبه :

– اللى هيحب النوع ده من السياحة هو كل راجل مصرى عنده نخوه وكرامه وبيغير على بنته ومراته وأمه وأخته .. وكل ست فى مصر بتغير على جوزها وابنها من انه يشوف مناظر مش كويسة .. المصريين بالفطرة عندهم نزعة دينية .. حتى لو الواحد بيعمل غلط برده بيفضل يغير على مراته وميقبلش عليها الهوا .. فى ناس كتير أوى فى مصر عندها امكانيات انها تروح قرى سياحية بس مبيرضوش عشان المناظر اللى هما متأكدين انهم هيشوفوها هناك .. الناس اللى أعده فى بيوتها دى ونفسها تصيف فى مكان محترم متشلش فيه ذنوب وفى نفس الوقت تستمتع بوقتها والمناظر الطبيعية أنا هوفرلهم كل ده .. قرية محترمة مفيش فيها حاجة حرام .. وأنا واثقة إن كتير أوى من رواد القرى التانية نفسهم فى كده بس للأسف مش لاقيين قدامهم إلا القرى اللى بيروحوها

قال أحد الرجلين :

– انتى بتتكلمى عن المصريين يعنى سياحة داخلية .. فين بأه السياحة الخارجية من الدراسة دى ؟

قالت “آيات” بحماس :

– طبعاً عامله حسابهم .. أولاً أكتر ناس هتحب النوع ده من السياحة هما دول الخليج .. اللى أصلا بيمشوا البنت بشكل معين ولبس معين .. واللى عندهم مولات كاملة من أولها لآخرها ستات فى ستات .. يعني لما أنا آجى أقولهم على قرية سياحية فيها فصل بين الرجالة والستات هتبقى ده شئ رائع بالنسبة لهم

قال الرجل الساخر :

– طيب والأجانب ملهمش نصيب ولا ايه ولا احنا هنشتغل على المصريين والعرب

التفتت اليه “آيات” وقالت :

– لأ طبعاً ازاى .. أنا بعمل مشروع سياحى يعني عايزة أجذب له المصريين وغير المصريين .. العرب وغير العرب

أخذت نفسهاً عميقاً ثم قالت :

– بالنسبة لحمامات السباحة هيلتزموا بالقوانين الرجالة فى مكان والستات فى مكان .. وممنوع الخمور فى القرية حتى لو للسياح الأجانب .. بالنسبة للشواطئ هيلتزموا بنفس القوانين اللى فرضتها على الكل وهى حد أدنى من الإحتشام

صاح الرجل غاضباً :

– انتى واثقة انك طبيعية .. مش ناقص غير تقوليلى هتسلبى الاجانب الحجاب

قال “فؤاد” بشئ من الضيق :

– براحة شوية هى بتشرح وجهة نظرها مش بتفرضها على حد

قال الرجل بغيظ :

– آسف .. اتفضلى كملى

ساد الصمت لبرهة ثم قالت وهى تجول بنظرها فى وجوههم :

– انتوا عارفين ملكة انجلترا عملت ايه لما زارت الإمارات ؟

نظر اليها الجميع فى حيرة فأجابت عن سؤالها قائله :

– لبست حجاب

ثم أردفت :

– احترمت البلد اللى هى رايحاها ولبست حجاب .. ودى مين ؟ .. ملكة بريطانيا .. لبسته ليه ؟ .. لأن ده من أبسط قواعد الإيتيكيت .. وهى انك تحترم المكان اللى انت فيه .. بقوانينه بأعرافه .. محدش من بلدها ولا من أى بلد أجنبية تانية طلع واستنكر اللى هى عملته لأنه بمنتهى البساطة .. اللى هى عملته ده يدل على انها انسانه راقية فعلاً

نظرت اليهم قليلاً ثم قالت :

– لما بييجى السياح يزوروا المساجد الأثرية زي السلطان حسن والأزهر ومسجد محمد علي و …….. لما بييجوا يدخلوا المسجد بيعملوا ايه ؟ .. بيخلعوا الشوز أو بيلبسوا فوقيها أكياس مش كدة ؟

نظر اليها الجميع فى صمت فأكملت :

– لان من قوانينا كمسلمين ان مينفعش حد يدخل المسجد بالشوز بتاعه .. وهما عارفين القانون ده وبيحترموه .. أنا مبجبرش أى سايح انه يدخل المسجد او انه يعمل حاجة مخالفه لمعتقداته لانه طبعا بيدخل الكنيسة بتاعته بالشوز .. بس كل اللى أنا بقوله هو اذا كنت عايز تدخل المكان ده يبقى تلتزم بالقانون ده .. ولانهم ناس بتحترم القوانين وعقلها متفتح جداً بيلتزموا بالقانون ده وبيدخلوا المسجد بالطريقة اللى احنا حطينها مش كده ؟

أخذت نفساً عميقاً ثم قالت وهى تنظر الى أحد الرجلين بتحدى :

– لما حضرتك بتروح تزور حد فى بيته بتحترم البيت اللى حضرتك فيه بقوانينه وقواعده .. يعنى مثلا لو زورت واحد صحبك مبيسمحش ان مراته تعد مع صحابه .. حتى لو كنت انت غير كده ومينفعش أبدا تقوله ادخل نادى مراتك من جوه أنا متعود أعد مع مرتات صحابى .. مش كده برده ؟

أكملت قائله :

– لانك ببساطة لو عملت كدة يبقى أخليت بقواعد الاتيكيت واللياقة لان اللى بيروح مكان بيحترم صحاب المكان وبيحترم قوانينه .. ولما يرجع بيته يبقى يعمل كل اللى هو عايزه .. حريتك تنتهى عندما تبدأ حرية الآخرين .. وده اللى أنا هعمله فى القرية .. اللى عايز يشرفنى فى القرية يلتزم بقوانين بسيطه مش هتضره فى شئ وفى نفس الوقت هتحمى أهلى وناسى وولاد بلدى وتحافظ عليهم .. وأنا واثقة ان النقطة دى مش هتشكل أى مشكلة مع السياح الأجانب لانهم ببساطة عارفين وفاهمين كويس أوى ان ده قانون والقوانين ليها احترامها .. السايح اللى جاى من ألمانيا ولا استراليا وقطع نص الكره الأرضية عشان يتمتع بشمس مصر وبشواطئ مصر مش هيبقى صعب عليه يستغنى فى الكام يوم اللى هو قاعدهم عن الخمرة اللى بيشربها فى بلده وغرقان فيها وزهقان منها ليل نهار .. ولا هيضره فى شئ انه يلتزم بحد ادنى من الاحتشام .. مبقولش الستات الاجانب تتحجب بس بقول على الأقل متبينش جسمها على البيلاج .. لكن فى الشاليه بتاعها او فى غرفتها هما حرين .. وكمان ممكن أعمل زى شاطئ خاص بالإيجار للسياح الأجانب .. يأجروا الشاطئ ده ويعملوا فيه كل اللى هما عايزينه .. لانى ساعتها هكون زى صاحب البيت اللى بيأجر شقه لمجموعة سياح

ثم قالت :

– وفى نفس الوقت أنا هتميز فى القرية من كل شئ .. الروم سيرفيس .. جودة الأكل فى مطعم القرية هجيب طباخين على أعلى مستوى .. النضافة ههتم بيها جداً .. وأظن كلكوا عارفين المشكلة اللى واجهتها قرية الفيروز مع موضوع النظافة وده اللى انتبهتله قرية جولدن بيتش واهتموا بمستوى النضافة فى القرية جداً عشا يتميزوا عن قرية الفيروز .. وكمان أنا ممكن أوفر ميزات مش موجودة فى القرى اللى حوليا .. زى مكان صغير يتعمل عيادة أطفال وتبقى خدمة بتقدمها القرية لنزلائها مع طبعاً دفع أجر للكشف لكن مخفض لنزلاء القرية عن اللى خارج القرية .. أنا لو أم وأدامى 3 قرى سياحية واحدة منهم فيها عيادة للأطفال أكيد هختار القرية اللى فيها العيادة عشان لو ابنى تعب ألاقى اللى يسعفه .. كمان ممكن أعمل سحب وقرعة ورحلات ترفيهية مجانية كدعاية للقرية .. كمان ههتم جدا جدا بالدعاية سواء فى التى فى أو الأوت دور وكفاية انى هكون أول قرية بتحط القوانين دى فى مصر .. كمان أقدر أوفر زى ملعب صغير للأطفال مجهز بكل الألعاب اللى تجذب انتابههم .. ده غير صالة بلاى ستيشن وبلياردو وبولينج .. ممكن كمان أخصص جزء من المساحة الخضرا ويبقى فى زى ملاهى مصغره .. ده الإضافة الى مسجد صغير عشان الناس الحريصة على صلاة الجماعة فى المسجد

أخذت نفس عميق ثم قالت :

– فى مليون ألف طريقة أأقدر أجذب بيها النزلاء لقريتي من غير ما أضطر انى أدخل فيها خمرة وأسمح فيها بالعرى .. مش لازم أغضب ربنا عشان أنجح فى شغلى وأتفوق فيه .. الذكى فعلاً هو اللى يقدر يجمع بين النجاح ورضى ربنا

ساد الصمت لفترة طويلة .. كانت أعين الجميع سابحة فى مكان آخر كل منهم غارق فى شروده .. لكن عيني “أحمد” سُلطت على “آيات” بنظرات اعجاب مفضوحه .. أول من قطع الصمت هو “فؤاد” الذى قال :

– بصراحة أنا مندهش من الأفكار اللى طرحتيها .. كبيزنس مان أقدر أقول ان كلامك عقلانى جداً ومنطقى جداً .. وفعلاً لو اتنفذ هيبقى قنبلة الموسم

قال أحد الرجلين :

– بس محتاجين نفكر كويس لانها خطوة مش سهلة

قال الآخر :

– أنا كمان محتاج وقت للتفكير

قال “فؤاد” بحماس :

– تمام يبقى نجتمع هنا بعد اسبوع يكون كل واحد فكر كويس فى الكلام اللى اتقال

ابتسمت “آيات” والحماس والأمل يداعب أحلامها .. كانت عازمة على النجاح فى هذا الأمر .. تمنت من الله أن تكون إجابة الرجلين أو أحدهما .. هى الموافقة

**************************************

أخذت “آيات” تتمشى بغير هدى سابحة فى أفكارها وأحلامها وطموحاتها .. أخذتها قدماها الى الفيلا .. التى شهدت كل ذكريات طفولتها وصباها .. نظرت الى الفيلا من البوابة الحديدية بنظرة اشتياق ممزوج بالحزن .. تنهدت وهى تتحسر على تلك الأيام التى ولت ولن تعود .. ترقرقت دموع الشوق فى عينيها .. الشوق لبيتها القديم .. لوالدها .. لـ “حليمة” .. لحياتها السابقة .. ثم ما لبثت أن نفضت تلك الذكريات عنها والتفت لتعود أدراجها .. لكنها فجأة وجدت من يمسك بذراعها من الخلف .. التفتت بحده .. فإصطدمت عيناها برجل سمح الوجه ذو لحية سوادء أنيق الملبس ارتسمت على ثغره ابتسامه عذبه وفى عينيه نظره سعادة ومرح .. نظرت اليه لبرهه ثم ما لبثت أن رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها ونظرت اليه بشوق ولهفة وعدم تصديق وهتفت بسعادة بالغة :

– كــريــم !

………يتبع

عرض التعليقات (31)