جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الحادي عشر

28 4٬272
 

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الحادي عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الحادي عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الحادي عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الحادي عشر, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفصل الثاني والعشرون

نصلي على حبيبنا محمد صلى الله عليه وسلم .

أخذت “آيات” تتمشى بغير هدى سابحة فى أفكارها وأحلامها وطموحاتها .. أخذتها قدماها الى الفيلا .. التى شهدت كل ذكريات طفولتها وصباها .. نظرت الى الفيلا من البوابة الحديدية بنظرة اشتياق ممزوج بالحزن .. تنهدت وهى تتحسر على تلك الأيام التى ولت ولن تعود .. ترقرقت دموع الشوق فى عينيها .. الشوق لبيتها القديم .. لوالدها .. لـ “حليمة” .. لحياتها السابقة .. ثم ما لبثت أن نفضت تلك الذكريات عنها والتفت لتعود أدراجها .. لكنها فجأة وجدت من يمسك بذراعها من الخلف .. التفتت بحده .. فإصطدمت عيناها برجل سمح الوجه ذو لحية سوادء أنيق الملبس ارتسمت على ثغره ابتسامه عذبه وفى عينيه نظره سعادة ومرح .. نظرت اليه لبرهه ثم ما لبثت أن رسمت ابتسامة واسعة على شفتيها ونظرت اليه بشوق ولهفة وعدم تصديق وهتفت بسعادة بالغة :

– كــريــم !

اتسعت ابتسامته وهو يقول اليها :

– “آيات” .. مش مصدق .. كبرتى يا بنت انتى

أطلت الفرحة من عينيها وهى تقول بسعادة :

– أنا اللى مش مصدقه .. “كريم” انت جيت امتى .. وطنط و عمو جم معاك ولا لأ ؟

قال لها مبتسماً :

– لا محدش جه غيري .. هما لسه فى النمسا

ثم اخذ نفساً عميقاً وقال :

– أنا اللى اشتقت لمصر أوى .. فخدت بعضى وجيت

قالت “آيات” بفرحة كالأطفال :

– أنا فرحانه أوى انك جيت .. بجد فرحانة أوى

ثم قالت بعتاب :

– رغم انك مبتسألش عليا

قال معتذراً :

– معلش أنا عارف ان أنا قصرت معاكى .. بس بجد من يوم ما سافرت وأنا مطحون شغل .. لحد ما قولت ستوب كفاية أوى كده الواحد بأه ينزل بلده يعمله فيها مشروع صغير على أده ويتجوز ويستقر بأه

ابتسمت قائله بمرح :

– ايه ده انت لسه عانس ؟ .. مش عيب عليك ده انتى دلوقتى عندك يجي 33 سنة

أطلق “كريم” ضحكة عالية ثم قال :

– هو فى راجل بيعنس يا تحفه انتى

قالت “آيات” مازحه :

– أنا قولت بأه هترجع وفى ايدك واحده نمساوية مستوردة

ضحك قائلاً بمرح :

– لا مليش أنا فى المستورد .. البلدى يوكل برده

ابتسمت وقالت وهى تنظر اليه بسعادة :

– بجد لسه مش قادرة أصدق انى شوفتك

نظر اليها بسعادة وهو يقول :

– أنا اللى مبسوط أوى انى شوفتك .. ونفسى أشوف عمو “عبد العزيز” أوى .. هو فى الفيلا ولا فى الشركة ؟

ألقت “آيات” نظرة حزينة على الفيلا .. ثم ترقرقت عيناها بالعبارت وهى تقول :

– بابا اتوفى يا “كريم”

اختفت ابتسامة “كريم” لتحمل محلها تقطيبة جبينه وهو يهتف :

– لا حول ولا قوة الا بالله .. لا حول ولا قوة الا بالله

نظر اليها يتأمل عبراتها المتساقطة وشهقات بكائها قائلاً بأسى :

– طيب ادخلى دلوقتى ونتكلم بعدين عشان مينفعش تعيطى كده فى الشارع

مسحت عبراتها لتقول بمرارة :

– الفيلا اتابعت .. أنا مبقتش عايشة هنا

نظر اليها بدهشة .. ثم قال :

– ازاى يعني ؟

صمتت وهى تطرق برأسها أرضاً لتتساقط عبراتها من جديد .. جذبها من ذراعها وفتح باب احدى السيارات الواقفة أمام الفيلا المواجهة لفيلا “آيات” القديمة وقال :

– اركبي يا “آيات”

ركب خلف المقود وانطلق بها الى أحد المطاعم .. نظرت الى النيل بجوارها وهى شارده .. تأملها قائلاً :

– فاكرة لما كنت بفسحك وأجيبك هنا

التفتت تنظر اليه وهى تقول بإبتسامه حزينه :

– أيوة فاكرة

انحنى “كريم” على الطاولة واضعاً ذراعيه فوقها وهو ينظر اليها قائلاً :

– احكيلي يا “آيات” .. شكلك متغير كتير .. حسك بقيتي أكبر من سنك .. اتكلمى امتى عمو اتوفى وليه بعتى الفيلا وعايشه فين دلوقتى

قالت بأسى :

– أنا فعلاً حسه أكنى عندى 50 سنة يا “كريم” .. موجوعه أوى .. من كل حاجة

نظر اليها بإشفاق قائلاً :

– طيب اتكلمى .. ولا خلاص معدتيش بتعتبريني أخوكى الكبير

مسحت عبرة متساقطة وهى تقول :

– لأ طبعاً ازاى .. انت فعلاً أخويا يا “كريم” .. وطول عمرى بحب أحكيلك مشاكلى وبحب انك تنصحنى

– طيب اتكلمى أنا سمعك

أخذت نفساً عميقاً ..ثم .. روت عن وفاة والدها وعما قاسته من بعده من الديون والافلاس والبقاء بلا مأوى .. كان يعقد حاجبيه بقوة وهو يستمع اليها وينظر اليها بأسى .. انتهت من كلماتها فأعطاها منديلاً تكفكف به دمعها وهو يقول بحنان :

– مش عايزك تخافى طول ما أنا موجود يا “آيات”

نظرت اليه بإمتنان لما بثته كلماته القليلة .. الكثير من الأمان بداخلها .. فأكمل قائلاً بحزم :

– أول حاجة لازم تحصل انك تسيبي شقة زميلك دى .. ميصحش تعدى فى شقة واحد غريب وأخوكى موجود

ابتسمت ولم تعقب فأكمل بحيرة :

– وصحبتك دى اللى حكايتها حكاية .. كده مش هينفع تعدى معايا فى الفيلا .. بس مفيش مشكلة هسيبهالكوا وانزل أنا فى أى فندق مؤقتاً لحد ما نشوف الأمور هترسى على ايه

قالت “آيات” على الفور :

– لا يا “كريم” مش معقول نخرجك من بيتك .. وبعدين أنا خلاص هشتغل وهيبقى لى مرتب

قال “كريم” بجدية :

– ولحد ما تشتغلى ويبقى لك مرتب ازاى تفضلى عايشه فى شقة زميلك يا “آيات”

قالت بحرج :

– أنا اضطريت أعمل كده مكنش قدامى غير كده

تنهد قائلاً :

– عارف بس طالما فى بديل يبقى خلاص الوضع ده ميصحش يستمر أكتر من كده .. هتيجي تعدى انتى وصحبتك فى الفيلا .. لحد ما الأمور تتظبط

فكر قليلاً ثم نظر اليها وقال :

– شركة ايه اللى هتشتغلى فيها .. انتى بتقولى شركة والد زميلك .. طيب هتشتغلى ايه يعني

– هشتغل فى مكتب سياحى

رفع حاجبيه فى دهشة ثم قال :

– مكتب سياحى

صمت وعلامات الضيق على وجهه ثم قال :

– طيب مش وقت كلام فى الموضوع ده دلوقتى .. أهم حاجة دلوقتى انك تنقلى من الشقة دى النهاردة

أوصلها “كريم” الى بيت “أحمد” .. والتفت اليها قائلاً وهو ينظر الى العمارة والى المنطقة حولها :

– تحبي أستناكى

التفتت اليه وقالت :

– لا هناخد وقت على ما نرتب حاجتنا .. هتصل بيك لما أخلص

أخرجت هاتفها وقالت :

– قولى رقمك يا “كريم”

أمسك منها الهاتف ودون رقمه ثم اتصل به .. ثم قال :

– قوليلى رقم زميلك عشان أتصل بيه أشكره

قالت له “آيات” :

– مش معايا رقمه .. هو مع “أسماء” صحبتى

– طيب خلاص ابعتيهولى فى رسالة عشان أعرفه انكوا هتسيبوا الشقة و أشكره على اللى عمله معاكى

أومأت برأسها وتوجهت الى البناية .. استقبلتها “أسماء” قائله :

– كنتى فين يا بنتى ؟

أغلقت “آيات” الباب وعلامات الفرح على وجهها وقالت :

– “كريم” رجع من السفر

نزرت اليها “أسماء” بإسغراب وهى تقول :

– “كريم” مين ؟

قالت “آيات” بحماس وهى تضع حقيبة يدها فوق المقعد :

– “كريم” جارنا .. أخويا فى الرضاعة اللى حكتلك عنه

قالت “أسماء” وهى تمط شفتيها :

– مش فاكرة .. أنا فاكرة انك قولتيلى ليكى أخ بس مش فاكرة انتى قولتيلى ايه عنه

قالت “آيات” وهى تجلس على أحد المقاعد :

– ده ابن جيرانا اللى فى الفيلا اللى أصادنا .. مامته كانت صاحبة ماما الله يرحمها .. ولما ماما اتوفت بعد ولادتى طنط دى رضعتنى عشان كانت لسه والده جديد .. ومن كام سنة سافروا كلهم النمسا عشان عمو باباه جاله شغل هناك و”كريم” اشتغل هو كمان هناك

ثم أضافت بسعادة :

– بس هو دلوقتى رجع مصر لوحده .. فرحت أوى لما شوفته تانى .. بجد كنت مفتقداه جدا .. “كريم” ده يا بنتى أنا كنت بعتبره بابا التانى مش بس أخويا

ضحكت “أسماء” بتهكم وقالت :

– بابا !

قالت “آيات” بحما وهى تقف فى مواجهتها :

– تعرفى انه قالى اننا نسيب الشقة ونروح نعد عنده فى الفيلا

نظرت اليها “أسماء” بدهشة .. وبدت شاردة .. قالت لها “آيات” بقلق :

– ايه فى ايه مفرحتيش ليه افتكرتك هتفرحى

قطبت جبينها قائله :

– مش عارفه .. أنا طبعاً واثقة فيه لانك واثقة فيه .. بس أنا بقيت أخاف من الناس كلها .. وانتى بتقولى انه رجع لوحده يعني عايش لوحده

ثم استدركت :

– ولا هو متجوز ؟

– لا مش متجوز .. بس متقلقيش هو أصلاً قالى انه مش هيعد فى الفيلا وهيسبنى أعده فيها أنا اونتى لوحدنا لانه بدره شاف انه ميصحش انك تعدى فى الفيلا وهو موجود فيها

رفعت “أسماء” حاجبيها بدهشة وقالت مبتسمه :

– ده شكله طيب أوى

قالت “آيات” بحماس :

– طيب موووت ..بجد أكتر حد محترم ممكن تقاليه فى حياتك

ضحكت “أسماء” قائله :

– يا خسارة مامته دى عملت فيكي فصل بايخ أوى كان لازم ترضعك يعني حبكت

قالت “آيات” بمراره وفى عينها نظرة حزينه :

– لا كدة أحسن لان علاقة الأخوة هى اللى بتدوم .. لكن الحب بيخلص بسرعة

اختفت ابتسامة “أسماء” وهى تنظر الى “آيات” .. بدت على وشك البكاء لكنها تداركت نفسها بسرعة وهى تقول بمرح زائف :

– يلا بأه عشان نلم حاجتها هو مستنى اتصال منى

عكفت الفتاتان على تعبئة أغراضهما .. حانت من “أسماء” التفاته قائله :

– شكلة ايه “كريم” ده ؟

قالت “آيات” وهى تضع ملابسها فى حقيبتها :

– ريحى نفسك مش استايلك

– مش ستايلى ازاى يعني ؟

التفتت اليها “آيات” قائله :

– ملتحى وبيدقق فى كل حاجة .. يعنى بالنسبة لك هتشوفيه متشدد ورجعى

قالت “أسماء” بتهكم :

– آه قولتيلى

ابتسمت “آيات” وهى تقول شاردة :

– كان بينصحنى فى حاجات كتير وكنت على طول بسمع كلامه .. بس لما سافر ودخلت الجامعة .. معرفش .. حسيت انى لوحدى .. ونسيت كل اللى عملهولى واللى كان بيقولهولى

تنهدت بأسى قائله ونظرة حزن فى عينيها :

– ياريته فضل هنا .. خاصة لما بدأت أدخل الجامعة وأشوف ناس واختلط بناس .. أكيد كان هيغير نظرتى لحاجات كتير

لمعت عبرة فى عينها وهى تقول :

– وأكيد كان هيغير مشاعرى تجاه حاجات كتير

توقفت “أسماء” عن تعبئة أغراضها ثم نظرت الى صديقتها وسألتها بشك :

– “آيات” انتى لسه …….

قاطعتها “آيات” على الفور وقالت بصرامة شديدة :

– لأ

ثم التفتت الى حقيبتها تعاود جمع أغراضها .. وقفت “أسماء” تنظر اليها للحظات .. ثم انهمكت هى الأخرى فيما تفعل

*************************

طرق “أحمد” باب مكتب والده فى المنزل .. دخل ليجد والده جالساً مستغرقاً فى التفكير .. ابتسم وهو يجلس قبالته قائلاً بمرح :

– كانت جامده صح ؟

نظر اليه والده فأكمل “أحمد” بحماس :

– بجد أفكارها روعة .. ولو اطبقت فعلاً هنبقى فعلاً كسبنا السوق .. انا رأيى ندخل بقلب جامد .. الاقتراحات اللى قالتها “آيات” بجد ممتازة

اختفت ابتسامته وهو ينظر الى والده الذى يجلس واجماً .. سأله “أحمد” بإهتمام :

– فى حاجة يا بابا

قال “فؤاد” وهو يخلع عويناته ليعبث بها :

– الرجلين اللى كانوا هيشاركونى .. رفضوا الفكرة اللى “آيات” طرحتها

ثم أطلق تنهديه وقال :

– للأسف الاتنين رفضوا

مط “أحمد” شفتيه فى تبرم ثم قال :

– مش مشكلة أكيد هنلاقى حد غيرهم يشاركنا

ثم نظر الى والده وقلا بحنق :

– وبعدين مش احنا اتفقنا اسبوع ويفكروا .. ايه اللى خلاهم يردوا دلوقتى ومفتش كام ساعة من الاجتماع

قال “فؤاد” بحيرة :

– مش عارف

ثم نظر الى “أحمد” وقال بحزم :

– أفكارها فعلاً عجبتنى .. خاصة انها هتريح ضمير الواحد من انه يضطر يسمح بحاجات مش مظبوطة .. يعني الواحد هيشتغل ويكسب وينافس وكمان هيكون ضميره مرتاح

أرجع ظهره الى اخلف قائلاً بحزم :

– أنا هنفذ افكارها كلها .. ومش بس كده . .أنا كمان هخليها تشتغل فى القرية نفسها مش فى المكتب السياحى هنا

ابتسم “أحمد” فقال والده مبتسماً :

– وان شاء الله هلاقى حد يشاركنى .. رجال الأعمال المحترمة كتير و أكيد حد فيهم هتعجبه الفكرة ان شاء الله

قال “أحمد” بلهفة :

– يعني أفرحها وأبشرها ؟

– أيوة .. خلاص “آيات” من النهاردة موظفة فى شركتى .. وطبعاً “أسماء” صحبتها

خرج “أحمد” متوجهاً الى سيارته عازماً على الذهاب الى “آيات” ليخبرها بتلك البشرى بنفسه يرى علامات السعادة على وجهها .. رن هاتفه فرد قائلاً وهو يستعد لركوب السياره :

– ألو

– أستاذ “أحمد فؤاد” ؟

– أيوة أنا يا فندم

– مع حضرتك “كريم” أخو “آيات”

توقفت يد “أحمد” على مفتاح السيارة وهو يعقد حاجبيه فى دهشة .. أكمل “كريم” قائلاً :

– أنا متشكر جدا على اللى حصرتك عملته مع أختى .. وهى وصحبتها هيسيبوا الشقة النهاردة .. فياريت نتقابل عشان أديلك مفتاح الشقة

صمت “أحمد” يحاول أن يتوعب ما يسمع ثم قال :

– مفيش مشكلة .. شوف تحب نتقابل فين ؟

– أنا مستنى تليفون من “آيات” لما هتخلص لم حاجتها هى وصحبتها هتكلمنى ساعتها هكلمك وأجيلك أسلمك المفتاح

أنهى “أحمد” المكالمة وهو شارداً ثم هتف بحنق ممزوج بالدهشة :

– ده مين “كريم” ده ان شاء الله

أدار سيارته وانطلق فى طريقه الى “آيات”

****************************************

رن جرس الباب .. فقالت “آيات” وهى تتوجه لفتحه :

– أكيد “كريم”

فتحت الباب لكنها شعرت بالدهشة لمرآى “أحمد” .. قال بوجوم :

– ازيك يا “آيات”

– الله يسلمك

بدا عليه الضيق وهو يقول :

– كنت جاى عشان أبشرك ان بابا عجبته افكارك اللى طرحتيها فى الاجتماع وان شاء الله هتشتغلى معاه انتى و “أسماء” .. وكمان هتشتغلوا فى القرية نفسها مش فى المكتب السياحي

اتسعت ابتسامة “آيات” وهى تتمتم :

– الحمد لله

قال لها فجأة :

– مين “كريم” ده ؟

– هو كلمك ؟

– أيوة وبيقولى انه أخوكى .. انتى أصلاً ملكيش اخوات

– ده أخوكى فى الرضاعة .. كان مسافر النمسا ورجع

أومأ برأسه وهو يقول بضيق :

– مفيش داعى تسيبي الشقة اصلاً محدش ساكن فيها ومحدش فينا بيروحها

فى تلك اللحظة انفتح باب المصعد ليخرج منه “كريم” .. امتقع وجهه لرؤية ذلك الغريب واقفاً مع “آيات” أمام باب البيت .. اقترب منهما فقالت “آيات” بتوتر :

– ازيك يا “كريم” .. ده “أحمد” زميلى اللى كلمتك عنه

مد “كريم” يده وسلم عليه قائلاً :

– أهلا وسهلا يا “أستاذ “أحمد”

نظر اليه “أحمد” بدهشة وهو يقول :

– الله يسلمك

– شكراً على اللى عملته مع أختى

– لا أبداً مفيش حاجة

التفت “كريم” الى “آيات” قائلاً :

– خلصتوا ؟

قالت وهى تدلف للداخل :

– أيوة ثوانى هجيب الشنط

دخلت للحظات كان “أحمد” يرمق خلالها “كريم” بدهشة وبدا وجهه كعلامة استفهام كبيرة .. كاد أن يفتح فمه للتحدث لكن أقبلت “آيات” فى تلك اللحظة ومعها “أسماء” .. أسرع “كريم” بحمل الحقيبتين .. وأخذ المفتاح من يد “آيات” وسلمه الى “أحمد” قائلاً وعلى ثغره ابتسامه :

– متشكر مرة تانية

ثم أشار الى الشقة قائلاً :

– تقدر تتمم على كل حاجة فى الشقة قبل ما نمشى

قال “أحمد” على الفور :

– لأ طبعاً

كانت “أسماء” ترمق “كريم” بنظراتها المتفحصة وقد اتسعت عيناها دهشة .. فتح لهما “كريم” باب المصعد وقال :

– اسبقونى وهنزل بعدكوا

بمجرد أن انغلق باب المصعد التفت “اسماء” الى “آيات” وقالت بحده :

– انتى بتستعبطى يا “آيات” .. انتى عايزه تفهمينى ان الراجل ده أدنا فى السن ؟

قالت “آيات” وهى تضحك بشدة :

– لأ طبعاً “كريم” أكبر منى ب 11 سنين يعنى عنده دلوقتى 33 سنة

صاحت “أسماء” بدهشة :

– يعني عايزة تفهمينى ان مامته كانت بترضعه وهو عنده 11 سنه

انخرطت “آيات” فى ضحك متواصل حتى انفتح باب المصعد .. خرجت منه ومازالت تضحك الى أن قالت “أسماء” بغيظ :

– يا بنتى فهميني .. ازاى أخوكى فى الرضاعة

قالت “آيات” من بين ضحكاتها :

– يا بنتى مامته كانت حامل وولدت بس البيبي مات .. عشان كده قدرت ترضعنى وقتها لانها ولدت بعد ما ماما الله يرحمها اتوفت بفترة صغيرة

هتفت “أسماء” :

– آه قولتيلى .. ده انا اتجننت لما شوفته لان شكله مش سنك خالص .. قولت البنت دى بتسرح بيا ولا ايه

صمتت قليلاً ثم قالت :

– بس كان معاكى حق .. مش ستايلى

ابتسمت “آيات” وهى تقول بتهكم :

– أيوة أنا فاهماكى كويس .. انتى عايزة واحد من أبو جل فى شعره وحظاظه فى ايده وسلسلة فى صدره وبيقول مامى وبابى

وكزتها “أسماء” بكوعها قائله :

– ها ها ها خفه .. مش للدرجة دى يعني .. بس على الأقل يكون ستايليش

نظرت اليها “آيات” بتحدى قائله :

– ليه هو انتى شايفه “كريم” مش ستايليش .. على فكرة طول عمره بيهتم بلبسه وبشكله جداً

قالت “أسماء” بتهكم :

– بس شكله عقد يا بنتى .. دى كفاية دقنه اللى مدياله سن أكبر من سنه .. مشوفتيش خد منك المفتاح ازاى واداه هو لـ “أحمد” .. لا وكمان مرضيش يركب معانا الأسانسير .. على أساس انى مرأة والمرأة عوره يعني

قالت لها “آيات” بغيظ وهى تنظر الى “كريم” و “أحمد” الخارجان من البوابة :

– عمل كده عشان مايضايقكيش يا متخلفة

اقترب “أحمد” منهما وقد بدا عليه الضيق قال لـ “آيات” :

– لو احتجتى اى حاجة كلمينى يا “آيات”

نظر اليه “كريم” بضيق .. فقالت “آيات” بتوتر :

– شكراً يا “أحمد”

التفت الى “أسماء” ومد يده قائلاً :

– سلام يا “أسماء” لو احتجتى حاجة كلمينى فى أى وقت رقمى معاكى

ابتسمت “أسماء” وسلمت عليه قائله :

– ميرسي يا “أحمد”

انطلق “كريم” بسيارته متوجهاً الى الفيلا .. كانت “أسماء” ترمقه من المقعد الخلفى بشئ من الفضول .. لاحظت انه لم ينظر اليها فى المرآة قط .. فأشاحت بوجهها تنظر من شباك السيارة وهى تبتسم بسخرية .. أوقف “كريم” سيارته والتفت الى “آيات” قائلاً بحنان :

– محتاجين نعد ما بعض أعده جامده .. يلا انزلى ارتاحى دلوقتى ولو احتجتى حاجة كلميني

ثم رفع حاجبه بحزم قائلاً :

– تكلميني أنا ها .. مش حد تانى

قالت “آيات” على الفور :

– أصلاً مكنتش هتصل بيه يا “كريم” .. وبجد ملجأتلوش غير لما مكنش فى حد أدامى غيره

ثم هتفت فجأة :

– آه على فكرة باباه قال انه خلاص موافق على شغلى عنده أنا و “أسماء”

– طيب يلا انزلى دلوقتى ونتكلم بعدين

***********************************

اقتربت الشمس من المغيب مودعة هذا اليوم واعدة بفجر يوم جديد .. جلس “آدم” فى شرفة الشاليه ماسكاً مصحفه .. خاشعاً قلبه .. دامعة عيناه .. اقترب منه “زياد” قائلاً :

– مساء الخير يا “آدم”

قاطع “آدم” التلاوة والتفت اليه قائلاً :

– أهلاً يا “زياد”

جلس “زياده” أمامه وهو ينظر الى هاتف “آدم” المغلق والموضوع فوق طاولة صغيره قائلاً :

– قافل موبايلك ليه ؟

– كنت مضايق شويه ومكنتش عايز وجع دماغ

زفر “زياد” بضيق وقال :

– أحسن انك قفلته

– فى حاجه حصلت ؟

قال “زياد” بحنق :

– “شكرى” اتصل وأعد يجعر عشان الخمرة اللى رجعناها المخازن وفضل يقول كلام ملوش لازمه وعايزك تفتح تليفونك عشان يكلمك .. كنت واثق انه هيعملنا مشاكل

مط “آدم” شفتيه وقال :

– أكيد “ساندى” اللى قالتله

– أكيد طبعاً

قال “آدم” بهدوء :

– أصلاً كان لازم هيعرف دى فى الأول والآخر قريته

– طيب ناوى على ايه .. هو شكله فعلاً مش هيتراجع عن موضوع الخمره ده مش فاهم ليه .. واخدها على قلبه أوى

قال “آدم” وهو يعاود النظر الى مصحفه :

– يعمل اللى يعمله .. أنا كمان مش هتراجع

كاد أن يبدأ فى التلاوة مرة أخرى .. لكنه نظر الى هاتفه الموضوع فوق الطاولة والتقطه وفتحه .. وقف يجرى اتصالاً فرمقه “زياد” بنظرات الفضول قائلاً :

– هتكلمه ؟

أومأ “آدم” برأسه .. كانت المكالمة عاصفه .. احتد فيها “شكرى” قائلاً :

– ازاى يعني يا دكتور ترحع الخمرة المخازن تانى .. انت عايز تضحك الناس علينا ولا ايه

قال “آدم” بحزم :

– لأ مش عايز أضحك الناس علينا .. بس أنا شايف ان ملهاش لازمه ونقدر نمشى القرية من غيرها

قال “شكرى” بحده :

– ازاى يعني يا دكتور .. ازاى نبقى قريه فايف ستارز من غير الخمره اللى السياح بيشربوها زى المايه .. كده احنا بننزل خطوة وبنسمح لـ “عاصى” وأبوه انهم يسبقونا .. لما قريتهم يقدموا فيها خمرة واحنا لأ كده احنا بنقول للسياح سيبوا قريتنا وروحوا لقريتهم

قال “آدم” بعناد وهو يشعر بالضيق من هذا الحوار :

– لأ مش لازم يكون فى خمره عشان السياح يتمسكوا بالإقامة فى قريتنا وبعدين احنا متميزين عن قرية الفيروز بحاجات كتير .. وكمان ………

قاطعه “شكرى” قائلاً بحزم :

– الخمرة اللى رجعت المخازن أنا هكلمهم دلوقتى يرجعوها القرية تانى وياريت تستقبل العربية اللى جايه أو تخلى حد يستقلبها

صمت “آدم” قليلاً ثم قال بصرامة :

– لو العربية جت همشيها يا “شكرى”

صاح “شكرى” محتداً :

– انت بتقول ايه

قال “آدم” بعناد وهو لا ينوى التراجع فى هذه النقطة :

– بقول اللى سمعته .. أنا مدير القرية مش انت .. وأنا اللى أديرها بطريقتى اللى شايفها صح

صاح “شكرى” محتداً بشدة :

– طيب أنا عندى اجتماع دلوقتى .. نتكلم بعدين يا دكتور .. بس اعمل حسابك انى مش هقبل أبداً انك تهد الإسم اللى عملناه فى الفترة اللى فاتت

انتهت المحادثة بينهما بطريقة عاصفة كما بدأت .. وقف “آدم” ينظر الى قرص الشمس الذى غرب بحيرة وتردد وخوف وحزن .. مشاعر كثيرة متضاربه وأفكار بداخله تأتى وتذهب .. التفت الى “زياد” قائلاً :

– يلا نصلى المغرب

**************************************

– زى ما بقولك كده .. اشتغلت مع “فؤاد” .. انا لسه الخبر واصلنى طازه

تفوه “عاصى” بذلك بحده عبر الهاتف .. فقال “ٍراج” بحزم :

– هى اتجننت ولا ايه .. هى مش عارفه انهم منافسين لينا

قال “عاصى” بغيظ وكأنه يتحدث الى نفسه :

– بأه حتت بت زى دى لا راحت ولا جت ترفض تشتغل معايا وتروح تشتغل مع اللى اسمه فؤاد ده

– أنا مش غايظنى الا الكلام اللى هيتقال دلوقتى .. لما بنت أخو “سراج اليمانى” تشتغل فى قرية منافس له معنى كده انها شافت القرية التانية دى أفضل من قرية عمها

قال “عاصى” بغضب :

– شكلها عايز تتقرص من ودنها عشان تتظبط

– استنى يا “عاصى” لما نشوف أخرتها ايه .. بلاش تهور

صاح “عاصى” :

– كل شوية استنى يا “عاصى” استنى يا “عاصى” لحد ما الناس هتركبنا يا بابا .. فى مواقف مينفعش فيها أستنى .. البت دى لو اشتغلت مع “فؤاد” هيستغل وجودها فى قريته لمصلحته .. ومش بعيد ينشرها فى الجرايد وبالبنط العريض .. بنت عيلة اليمانى بتشتغل فى قريته ورفضت الشغل فى قرية عمها

ضاقت عيناه ليقول :

– لازم قرصه ودن عشان تتظبط

*************************************

جلست “آيات” بصحبة “كريم” فى أحد المطاعم وقد بدا عليهما الاستغراق فى الحديث .. قالت :

– صدقنى يا “كريم” الراجل بجد محترم .. وأنا حبه أشتغل معاه

قال “كريم” بشئ من الضيق :

– اسمها أشتغل عنده مش معاه .. وبعدين انتى محتاجه الشغل فى ايه

قالت “آيات” بإستغراب :

– ايه اللى محتاجه في ايه .. محتجاه عشان أعيش واصرف على نفسي

نظر اليها “كريم” قائلاً :

– وأنا روحت فين .. وبعدين كفاية أوى احساسى الفظيع بالذنب انى مسألتش عنك الفترة اللى فاتت .. بس بجد دوامة الشغل كانت وخدانى ومعرفتش أبداً باللى حصل لوالدك الله يرحمه .. لو كنت عرفت صدقيني كنت هنزل مصر فورا واخدك وأرجع بيكى على النمسا مكنتش سيبتك أبداً لوحدك كده

ثم استطرد قائلاً :

– بس ملحوقه أديني رجعت أهو

– أنا كمان قصرت فى حقك وفى حق طنط وعمو .. بس معرفش ليه الاتصالات اتقطعت فجأة وكل واحد بأه فى وادى .. أنا حتى فقدت الأمل انكوا ممكن ترجعوا مصر تانى .. وقولت خلاص مش هشوفكوا تانى أبداً

نظر اليها بعتاب قائلاً :

– وليه متصلتيش بيا لما ده كله حصل

قالت “آيات” بشرود :

– معرفش كل حاجة حصلت بسرعة .. فى فترة صغيرة كان لازم أسيب البيت ولما دادة “حليمة” عرضت عليا اعيش معاها قولت بس الدنيا اتظبطت وهلاقى شغل وهعرف أعيش .. جه موضوع الزلزال ده وفجأة لقيت نفسي فى الشارع وكان لازم أتصرف فى نفس اليوم والا كنت هقضيه فى الشارع .. فكان أحمد” أقربلى وأسرع فى انه يساعدنى وبعدها على طول قالى على موضوع الشغل عند باباه قولت بس أهى اتحلت

قال “كريم” بإستغراب :

– معقول ملكيش صحاب خالص تلجأيلهم

تنهدت “آيات” قائله :

– أقرب واحده ليا هى “أسماء” وأنا وهى ظروفنا واحده .. فى بنتين كنت عارفاهم فى رحله وبجد بحبهم .. بس مكانوش هيقدروا يساعدونى انى ألاقى شغل .. هما عارفين من زمان انى محتاج شغل ولو كان حد فيهم أدامه شغل مناسب كان قالى على طول .. وبعدين أنا لما اتصلت بـ “أحمد” اتصلت عشان عارفه ان باباه عنده شركة وانه يقدر يشغلنى ولما قالنا على شقتهم واننا هنفضل لوحدنا قولت أحسن ما أفرض نفسى على “ايمان” اللى أنا عارفه ظروفها كويس .. ولا على “سمر” اللى ممكن مامتها تضايق من وجودنا .. لكن شقة “أحمد” كنا أعدين فيها لوحدنا

قال “كريم” بحزم :

– غلطانه طبعاً .. هو مش له جيران .. وشايفين بنتين فى الشقة .. وميعرفوش ايه القصة بالظبط .. ده غير ان من الواضح انه كان بيجي الشقة كمان

قالت “آيات” على الفور :

– لا والله مكنتش بدخله كان بيبقى واقف على الباب

قال “كريم” وينظر اليها بحزم :

– حتى لو مكنش بيدخل الوضع مكنش مظبوط أبداً يا “آيات”

دمعت عيناها وهى تقول بضيق :

– معرفش بأه هو ده اللى حصل وقتها .. أنا أصلا كنت طالعة من المشرحة ومكنتش عارفه أركز .. أصلاً أنا لما كلمته مكنتش عارفه أنا عايزه منه ايه بس قولت ممكن يساعدنى فى شغل أصرف منه

ربت “كريم” على كتفها قائلا :

– طيب خلاص متضايقيش نفسك اللى حصل حصل

قالت “آيات” وهى تعاود الحديث فى نقظة العمل :

– “كريم” انت مش ملزم تصرف عليا .. وبجد أنا متحمسة للشغل جداً

صمت “كريم” لبرهه ثم قال بضيق :

– “آيات” انتى عارفه يعني ايه شغل فى قرية سياحية .. عارفه ايه اللى بيحصل هناك

قالت “آيات” بحماس :

– لأ متخفش مفيش حاجة من اللى انت خايف منها دى خالص

– ازاى يعني ؟

شرحت له “آيات” أفكارها للقرية التى طرحتها على “فؤاد” ورجلى الأعمال .. فقال كريم” مبتسماً :

– كبرتى يا “آيات” وبقيتي بتعرفى تفكرى

قالت بغضب مصطنع :

– قصدك ايه بأه .. قصدك انى كنت غبية يعني

ضحك “كريم” وقال :

– لأ مش قصدى بس أنا فاكرك “آيات” البنوته بتاعة ثانوى .. آخر مرة شوفتك فيها فاكرة

– طبعاً فكرة ده أنا يوميها عيطت عياط .. ربنا يسامحكوا سيبتونى وسافرتوا

ابتسم قائلاً :

– خلاص أديني رجعت أهو .. وانتى كبرتى وبقيتي عروسة

ثم نظر اليها نظرة ذات مغزى وقال :

– رغم ان فيكي حاجات كدة مش عاجبانى

علمت “آيات” أنه يقصد ملابسها فقالت بحرج :

– أصلاً اللى انت شايفه ده تقدم

رفع حاجبيه وقال :

– تقدم ! .. ليه انتى كنتى بتلبسى ايه قبل كده ؟

لم تجيب وأشاحت بوجهها فقال بحنق :

– اوعى تقولى زى صحبتك ؟

قالت “آيات” وشعور بالضيق والندم يلازمها :

– بص يا “كريم” مش حبه أتكلم فى اللى فات .. ماشى

– خلاص ماشى .. زى ما تحبي

نظرت اليه وقالت :

– ها قولت ايه فى موضوع الشغل ده .. انا حبه آخد رأيك أوى

قال “كريم” بجدية :

– بصى يا “آيات” منكرش ان الفكرة رائعة وعجبتنى .. بس فى مشكلة انتى مينفعش تسافرى لوحدك وتعيشي لوحدك فى بلد غريبة ومن غير محرم كمان

هتفت “آيات” قائله :

– بس أنا لوحدى يعني ظروفى كده

– وأنا روحت فين

– مش قصدى يا “كريم” بس انت لو مكنتش جيت كنت هبقى لوحدى وكنت هسافر لوحدى

– بس أنا موجود خلاص

صمتت بضيق فقال :

– بصى أنا مش بفرض عليكي حاجة .. انتى سألتيني عن رأيي وقولتهولك .. أنا مش حابب انك تسافرى لوحدك وتعيشي لوحدك فى بلد متعرفيهاش ومن غير راجل معاكى .. وكمان صحبتك مش حابب سفرها لوحدها وأهلها موجودين

قالت “آيات” وهى تتذكر مأساة “أسماء” بحزن :

– “أسماء” مضطرة .. انت متعرفش اللى حصل ومش هقدر أحكيهولك .. بس فعلاً هى مضطرة لكده

تنهد “كريم” قائلاً :

– رأيى وقولتهولك .. الفيلا وخليكي عايشه فيها على الأقل هبقى مطمن عليكي .. وان كان على الشغل أنا قولتك راجع وعايز أعمل مشروع .. يعني لو صبرتى كام شهر ممكن تشتغلى معايا

قالت “آيات” بحيرة :

– بس أنا فعلاً متحمسة أوى لمشروع القرية

قال “كريم” وهو شارداً :

– بصراحة أنا كمان اتحمست .. خاصة انها فكرة مفياش أى حرمانيه .. وكمان هتبقى حاجة كويسة من باب الدعوة .. ويمكن القرى الباقية تقلدنا وتعمل زينا ويبقى احنا اللى كسبانين دين ودنيا

بدا شارداً وهو يفكر في أفكار “آيات” لمشروع القرية السياحية

نظر اليها قائلاً :

– اسمه ايه والد زميلك ؟ .. وشركته فين ؟

أخبرته “آيات” بالتفاصيل ثم نظرت الى ساعتها قائلاً :

– يلا روحنى بأه عشان متأخرش على “أسماء” أكتر من كده

*********************************

دخلت سكرتيرة “فؤاد” قائله :

– فى واحد اسمه “كريم ضياء” عايز يقابل حضرتك .. بيقول بخصوص قرية العين السخنه

شعر “فؤاد” بالدهشة وطلب منها السماح له بالدخول .. دخل “كريم” فوقف “فؤاد” ستقبله بالترحاب .. بعد تبادل عبارات المجاملة .. بدأ “كريم” حديثه قائلاً :

– على فكرة أنا أخو “آيات اليمانى” .. وكلمتنى عن المشروع وعن الأفكار اللى حضرتك تبنتها للمشروع .. انا كنت مسافر النسما من سنين .. ورجعت وأنا عايز أعمل مشروع ف بلدى وأستقر هنا .. ولما سمعت من “آيات” اتحمست جداً لمشروع القرية .. انا عارف ان مع حضرتك شريك بالفعل .. بس كنت حابب انى أدخل فى المشروع ده ولو بنسبه بسيطة

ابتسم “فؤاد” وعقد كفيه فوق المكتب وهو يقول :

– لا أنا مليش شريك لحد دلوقتى

رفع “كريم” حاجبيه بدهشة قائلاً :

– ده اللى فهمته من “آيات” .. بس عامة طالما مفيش شريك لحد دلوقتى .. أنا بعرض على حضرتك انى أشاركلك فى المشروع ده .. بس عشان تكون حضرتك عارف أنا مش هقدر أشارك بنسبة عالية .. لان المشروع ضحم وراس المال اللى معايا مش هيكفى انى أدخل مناصفه فى الشراكه

قال “فؤاد” على الفور :

– وأنا مش شرط عندى انك تدخل معايا مناصفة .. هنعد أنا وحضرتك والمحامى ونشوف النسبة اللى مناسبة بالنسبه لك وده بعد ما تدرس كل بيانات المشروع والدراسة اللى علمناها للأرباح والنفقات وغيره

ابتسم “كريم” ببشاشه وقال :

– على خيره الله

ثم قال :

– بس فى نقطة مهمة بالنسبة لى

– اتفضل

– أشارك فى ادارة القرية .. يعني أنا مش عايز ارمى فلوسى فى مشروع ويطلعلى أرباح وخلاص .. لأ أنا عايز أشرف عى المشروع ده من الألف للياء .. لأن اللى عجبنى فى المشروع ده هو الأفكار المحترمه اللى نقدر بيها نعمل قرية سياحية فى مصر من غير محرمات ومن غير ما نشيل ذنوب .. وفى نفس الوقت هنغير مفهوم ناس كتير عن السياحة والقرى السياحية و نقدملهم مكان يستغنوا بيه عن الأماكن اللى بيروحوها واللى بيكون فيها من المعاصى ما الله به عليم

ابتسم “فؤاد” وقال :

– وأنا مفيش مشكلة بالنسبة لى .. بس محتاجين نعد مع بعض الفترة الجاية عشان نوصل لشكل محدد وثابت فى ادارة القرية عشان متحصلش مشاكل مستقبلاً ان شاء الله

اتسعت ابتسامة “كريم” قائلاً :

– اتفقنا

*************************************

وقف “آدم” مع أحد العاملين بالقرية يعطيه بعض التعليمات عندما وجد سيارة تقف بداخل القرية وتتوجه اليها “ساندى” وتأمر العمال بتحميل الصناديق الى الداخل .. توجه مسرعاً اليها وقال :

– فى ايه يا “ساندى” ؟

نظر الى الكراتين التى يحملها العمال ولما مكتوب عليها فصاح فجأة :

– انتى يا ابنى رجع الكراتين دى العربية

قالت له “ساندى” بتحدى :

– لأ مش هترجع بابا اللى قالى أعمل كده

ثم نظرت الى العمال قائله بنره متعالية :

– دخلوا الحاجة دى جوة

صرخ “آدم” فى الرجال قائلاً :

– بقولك سيب اللى فى ايدك انت وهو

نظر الرجال الى بعضهم فى حيرة ثم ما لبث أن استجابوا لأوامر “آدم” متجاهلين “ساندى” تماما .. التفتت اليه “ساندى” وقد أغاظها تجاهل العمال لأوامرها وقالت :

– انت ايه اللى عملته ده يا “آدم” .. بقولك بابا اللى قالى أنزل الحاجات دى فى مطبخ القرية

قال “آدم” بصرامة وعيناه تشعان غضباً :

– أولا اسمى دكتور “آدم” .. ثانياً أنا قولت لأبوكى انى مش هدخل خمره للقارية تانى

صاحت بحده :

– وده اسمه ايه ان شاء الله ازاى يعني .. انت عايز تخسرنا ولا ايه

ثم صاحت بسخرية :

– آه فهمت .. شكلك اتفقت مع عيلة اليمانى علينا .. هما اللى قالولك تعمل كده وتبوظ شغلنا مش كدة .. وانت طبعا مقدرتش ترفض طلب لعيلة حبيبة القلب اللى ماتت

تجمدت الدماء فى عروقه وهو ينظر اليها نظرة ثاقبة أشعرتها بالخوف .. قال بصرامة شديدة :

– اياكي تجيبي سيرتها على لسانك تانى

أولاها ظهره وانصرف .. حث الخطى لا يدرى الى أين هو ذاهب .. كعادته لم يجد مكان أكثر راحة من الجلوس فوق الرمل ومطالعة البحر أمامه .. تنهد فى ضيق وهو يشعر بأنه أجل كثيراً قراراً لابد من أخذه .. نعم لا يوجد حل آخر .. حاول كثيراً استخدام اسلوب الترقيع لكن ذلك لم يجدى نفعاً .. لم يعد هناك حل سوى البتر ! .. نعم مؤلم وصعب وقاسى .. لكن ليس أمامه سواه حتى يتخلص من الداء الخبيث الى غير رجعه !

*************************************

تقبلت “آيات” خبر مشاركة “كريم” لـ “فؤاد” بسعادة غامرة .. خاصة بعدما عملت بأمر ادارة “كريم” للقرية السياحية .. توطدت علاقة قوية وثقة لا بأس بها بين كل من “فؤاد” و “كريم” بعدما لمس كل منهما فى الآخر نقاء السريرة .. استخار “كريم” ربه وعزم على التوكل عليه فى هذا الأمر .. سجدت “آيات” لله شكراً على تحسن أوضاعها وعدم اضطرارها لأن تعيش عالة على أحد .. ستعمل وتكد وتكسب قوتها .. تذكرت “إيمان” ومشاكل أخيها مع البطالة وعدم ايجاد عمل مناسب له .. وعلمت منها أيضاً بتركها لعملها .. فتحدثت مع “كريم” عن رغبتها فى عمل الفتاة وأخيها فى القرية .. رحب “كريم” بذلك ففى الفترة القادمة سيحتاج الكثير من العماله فى القرية وحبذا لو كان أشخاص موثوق بهم .. كان رد “إيمان” فى بادئ الأمر :

– انتى اتجننى يا “آيات” .. لا ماما ولا بابا ولا “على” هيوافقوا على كده

لكن “آيات” أخبرتها:

– أنا مش عايزاكى انتى لوحدك .. أنا عايزه “على” كمان

كانت سعادة والدة “إيمان” غامرة .. أما “على” بدا قلقاً فى البداية الى أن شرحت له “إيمان” الطريقة التى سيعتمد عليها أصحاب القرية فى ادارتها وخلوها من اى محرمات .. تحمس كلاهما وكان ردهما بالموافقة .

لم يمضى الا اسبوع حتى استعد الجميع لمغادرة القاهرة والتوجه الى العين الساخنة لبدء العمل فى القرية التى تحتاج الى الكثير من العمل الدؤوب والصبر حتى يجنون ثمرة عملهم

وفى اليوم الموعود توقفت سيارة “كريم” تحت منزل “على” ثم ما لبث أن تعرف الرجلان وكل منهما يتطلع الى وجه الآخر مستبشراً خيراً .. التفت الى الجميع وذكرهم بقوله :

– متنسوش يا جماعة دعاء السفر

التفت اليه “على” قائلاً :

– جزاك الله خيراً على التذكير

تمتمت “إيمان” بدعاء السفر .. أما “آيات” و “أسماء” نظرت كل منهما الى الأخرى .. ثم ما لبثت أن قالت “آيات” لـ “كريم” :

– “كريم” قوله عشان مش حفظاه .. قال “كريم” ببطء :

– الله اكبر, الله اكبر, الله اكبر, سبحان الذي سخر لنا هذا وما كنا له مقرنين , وانا الى ربنا لمنقلبون , اللهم انا نسالك في سفرنا هذا البر والتقوى , ومن العمل ما ترضى, اللهم هون علينا سفرنا هذا , واطو عنا بعده ,اللهم انت الصاحب في السفر , والخليفه في الاهل ,اللهم اني اعوذ بك من وعثاء السفر , وكآبة المنظر ,وسوء المنقلب في المال والأهل

فرددت الفتاتان الدعاء خلفه .. جلس “على” بجوار “كريم” وأخذ نفساً عميقاً يعبئ رئتيه بهواء الصباح المنعش وقد ارتسمت باتسامة أمل على ثغره .. شعر بإنشراح فى صده وبفرحة غامرة لإستجابه دعاؤه فأخذ يتمتم بلا كلل :

– الحمد لله

تشارك الثلاث فتيات فى المقعد الخلفى .. بدت “آيات” سعيدة ومتحمسة لبدء حياتها العملية وتنفيذ أفكارها على أرض الواقع .. كانت تشعر ببعض التوتر لوجود “آدم” بنفس البلد .. لكنها تجاهلت ذكراه ووجوده وحذفت أى فكرة عنه من عقلها .. لا يهمها ان كان موجوداً أم غير موجود .. تراه أم لا تراه .. لم تعد تشعر تجاهه بأى شئ .. ولن يفرق وجوده من عدمه .. بالنسبة لها هو كالهواء .. موجود لكنه غير محسوس !

أما “أسماء” فشعرت بالراحة لمغادرة القاهرة وبدء حياة جديدة خالية من المشاكل وعزمت على نسيان كل ما مرت به .. وان كان رغم عنها تشعر بشئ من الحزن والقهر لنسيان أبويها أمرها ..تنهدت فى حسرة ونفضت تلك الصور الحزينه من عقلها وعزمت على ترك الماضى حيث هو .. حانت منها التفاته الى “كريم” من ثم الى “على” .. للمرة الأولى تتعامل مع أشخاص بهذه الخصال التى اشعرتها بمزيج من الدهشة والحنق .. نظرت من الشباك ونظرة حائرة فى عينيها

تطلعت “إيمان” الى الطريق وهى تتساءل أسيكون هذا التغيير فى صالحها أم ضدها .. كانت شارده لا تعرف تحديد مشاعرها .. لا تعرف ان كانت سعيدة أم غير سعيدة .. كل ما كانت تشعر به هو الخوف .. الخوف من المجهول .. الخوف من ألا تتحسن حياتها قط .. وان تظل فى دوامة أحزانها ومشاكلها ولا تخرج منها أبداً .. التقت عيناها بعيني “كريم” الذى كان يتابع الطريق خلفه فى مرآة السيارة ثم ما لبث أن ابعد كل منهما عينيه بسرعة .. لم تكن سوى أقل من ثانيه .. لكنها أحدثت فى نفس إيمان” الكثير !

تطلع “كريم” الى الطريق أمامه وهو يفكر بحماس فى مشروعه الجديد .. لم يكن هدفه هو العمل وجنى الأرباح فحسب .. بل ما شجعه لهذا المشروع هو فكرته الدعوية التى يتمنى فعلاً تطبيقها فى بلده الحبيب مصـر .. تمنى أن يجعله الله سبباً لتغيير مفهوم الناس عن السياحة .. ولدرء مفاسد الأفكار الهدامة التى يبثها من أرادوا أن تشيع الفاحشة بين المسلمين عن السياحة وما يجب أن تكون عليه .. عزم على السير فى هذا الطريق ومحاولة انجاحه بكل ما أوتى من قوة .

أمةَ الإسلامِ بشرى إننا نلمحُ فجراً

في شبابٍ قد أشادوا صحوةٌ للدينِ كبرى

وبإذن الله تأتي وثبة تجلبُ نصرا

وثبةٌ عُظمى لجيلٍ يملؤ الأكوان ذكرا

يقرأ القرآن دوما خاشعا سراً وجهراً

يحملُ الدينَ شعاراً فعلى بالدين قدرا

فحباه الله توفيقاً و تسديداً و أجرا

أمةَ الإسلامِ بشرى إننا نلمحُ فجراً

في شبابٍ قد أشادوا صحوةٌ للدينِ كبرى

رغم طوفان المآسي شق في الطوفان مجرى

أسرج العزم جواداً صاهلاً يمنى و يسرى

صاهلاً يسكب لحن النصر في الأسماع سحرا

و العدى ترنوا إليه تغتلي حقداً و قهرا

أمةَ الإسلامِ بشرى إننا نلمحُ فجراً

في شبابٍ قد أشادوا صحوةٌ للدينِ كبرى

أمة الإسلام سيري و اشمخي عزاً و فخرا

واكسري قيد التراخي و الخنوع اليوم كسرا

وانشري الدين ضياء وانثري الأخلاق عطرا

فإذا أُعطيت نصراً فاسجدي لله شكرا

أمةَ الإسلامِ بشرى إننا نلمحُ فجراً

في شبابٍ قد أشادوا صحوةٌ للدينِ كبرى

الفصل الثالث والعشرون

نصلي أولا على رسولنا محمد عليه الصلاة والسلام.

عبرت سيارة “كريم” بوابة القرية التى كانت تحمل لافته أنيقة كبيرة كتب عليها “قريــة الماســة” .. نظرت “آيات” حولها تتطلع الى الطبيعة الساحرة .. اتسعت أعين الجميع فى انبهار ولاحت ابتسامه على شفتى “كريم” وهو يدعو ربه أن يجعل له فى هذا المكان خيراً كثيراً وأن يرزقه السداد والتوفيق .. توقفت سيارته وهبط الجميع .. صاح “على” بإنبهار :

– ما شاء الله لا حول ولا قوة الا بالله

قالت “إيمان” مبهورة وهى تتطلع حولها حيث المساحة الخضراء والهواء المنعش القادم من البحر محمل برائحة اليود الذكية المنعشة :

– ما شاء الله المكان حلو أوى

توجه الجميع الى الداخل .. وبدأ “كريم” فى استيلام مهامه كمدير للقرية .. اجتمع الجميع فى الغرفة التى اصبحت مكتباً له .. ابتسم “كريم” ووجه حديثه الى “على” قائلاً :

– تعالى نتكلم بأه فى تفاصيل الشغل بس الأول عايزين نشوف اقامتنا هتبقى ازاى عشان البنات تروح ترتاح من السفر

قال “على” بحرج :

– اللى تشوفه حضرتك

نظر “كريم” الى كل من “على “و “آيات” وقال :

– فى اقتراحين الاقتراح الأول اننا ناخد 3 شقق جمب بعض واحدة ليك يا “على” انت وأختك وواحدة ليكي يا “آيات” انتى وصحبتك وواحدة ليا .. والاقتراح التانى ان أنا و انت يا “على” نكون فى شقة واحدة .. والبنات مع بعض و طبعاً الشقتين هيكونوا جمب بعض

قالت “آيات” بحماس وهى تنظر الى “إيمان” و “أسماء” :

– أيوة الإقتراح التانى أحسن ياريت نكون كلنا فى شقة واحدة

ابتسم “أسماء” وقالت :

– أيوة ياريت أنا و “آيات” و “إيمان” نكون مع بعض

نظر “كريم” الى “على” وقال :

– ها ايه رأيك

التفت “على” الى “إيمان” يعرف رأيها فابتسمت له وأومأت برأسها .. فقال لـ “كريم” :

– خلاص تمام كده .. بس زى ما قولت الشقتين يكونوا جمب بعض

توجه الجميع الى المنزلين الذى اختارهما “كريم” لإقامتهم .. ترك الفتيات يرتحن من عناء السفر وتوجه هو مع “على” الى القرية للبدء فى عملهم .. هتفت “أسماء” بسعادة وهى تجلس على أحد الأسرة :

– أنا فرحانه أوى القرية تحفة

قالت “إيمان” مبهورة :

– تحفة بس دى روعة بجد مكان خيالى

قالت “آيات” بمرح طفولى :

– أنا كمان فرحانه أوى .. وفرحانه أكتر ان احنا التلاته مع بعض

ما لبث أن رن هاتف “إيمان” فأخرجته من الحقيبه قائله بمرح :

– والله اللمه دى ناقصاكى

تظاهرت “سمر” بالبكاء وقالت :

– اهئ اهئ يلا يا وحشه سبتيني ومشيتي

قالت “إيمان” بحزن :

– والله العظيم بجد وحشتيني من دلوقتى يا “سمر”

هتفت “آيات” بمرح :

– هاتيهالى هاتيهالى

أخذت منها الهاتف وقالت :

– “سمر” حبيبتى وحشتيني

– بس بأه يا “آيات” متغيظونيش .. انتوا التلاته مع بعض وفى العين السخنة وأنا هنا مطحونة فى المستشفى

فى تلك اللحظة دخلت الممرضة لتقول لـ “سمر” :

– أدخل الكشف يا دكتورة

أشارت لها “سمر” بأصبعها قائله :

– لا استنى شوية

قالت “آيات” بمرح :

– اسكتى يا “سمر” المكان رهيب بجد .. لا وايه أنا و “اسماء و”إيمان” نازلين مع بعض فى شقة واحدة

هتفت “سمر” مغتاظه :

– بس بأه يا “آيات” متغيظينيش

ضحكت “آيات” فالتقطت “إيمان” الهاتف منها وقالت :

– أيوة يا حبى

– حبك ايه بأه ما نتى ناسيانى وعايشه حياتك .. يلا يا “إيمان” اقفلى

ضحكت “إيمان” قائله :

– والله العظيم وحشانى

قالت “سمر” بحزن :

– والله انتى أكتر .. خلاص بأه عشان عيني دمعت وكمان فى كشف ملطوع بره .. هقفل واكلمك بالليل

– ماشى يا حبيبتى

قالت “إيمان” بحزن :

– “سمر” هتوحشنى أوى

هتفت “اسماء” :

– يا ستى ما هى أكيد هتجيلنا

قالت “آيات” وهى تتناول ملابسها من الحقيبة :

– يلا بأه عشان نرتاح وبعد كده نتكلم فى البيزنيس

أطلقت “إيمان” ضحكة عالية وقالت :

– طيب انتوا خريجي تجارة وتتكلموا فى البيزنيس .. أنا بأه طب أسنان هتشغلونى ايه فى القرية دى

قالت “آيات” بمرح :

– يا ابنتى هو انتى مصدقة انك دكتورة سنان بجد .. ده احنا عملنا خير كبير وثواب عظيم فى العيانين اللى كانوا بيبقوا تحت ايديكى .. وبعدين متقلقيش القرية كبيرة وأكيد هنلاقى فيها حاجة مناسبة لدكتورة سنان فاشلة زيك

قذفتها “إيمان” باحدى الوسائد مفتاظة وقالت :

– قولتلك متقوليش عليا فاشلة تانى

صاحت “أسماء” بغيظ :

– والله لو أخوكى وأخوكى شافوكوا كده هيرحلوكوا على القاهرة عدل .. بأه ده منظر ناس هتشتغل فى قرية سياحية كبيرة .. هى السياحة خربت من شوية

التفت اليها “آيات” قائله :

– سبنالك انتى العقل يختى .. وبعدين بكرة تشوفى هبقى بيزنيس وومان محصلتش

ساد بينهم جو من المرح افتقده ثلاثتهم منذ فترة طويله .. شعرت كل منهن بالأمل والسعادة والتفاؤل بداخلها .

*************************************

عاد “كريم” مع “على” الى المكتب وقال :

– ايه رأيك ؟

قال “على” منبهراً :

– ما شاء الله بجد .. وكمان الأفكار اللى هتتنفذ رائعة .. انا متحمس جدا للشغل

ابتسم “كريم” وهو يجلس على مكتبه وقال :

– وأنا بحب أوى الناس اللى بتبقى متحمسه لشغلها

ابتسم “على” وقال بحماس :

– بجد أنا حابب الشغل هنا أوى ..أولا فرصة كبيرة بالنسبة لى .. ثانياً حاسس انى فى المكان ده هقدر أطلع كل الطاقة اللى جوايا .. بجد أنا متحمس جداً يا أستاذ “كريم”

قال “كريم” وهو يشمر ساعديه :

– بص من البداية كده أنا بجد حبيتك لله فى لله ومتسألنيش ليه .. بس سماهم فى وجوههم .. من أول ما شوفتك وأنا استبشرت بيك خيراً .. فبلاش بأه أستاذ و الألقاب العقيمة دى .. اعتبرنى واحد صحبك

قال “على” بإمتنان :

– على فكرة بأه أنا كمان ارتحتلك .. وطبعاً يشرفنى انى يبقى فى صداقة بينا بعيداً عن الشغل .. يعني حتى لو مكملتش شغل هنا أو استغنيت عن خدماتى فى أى وقت فيكفى انى اتعرفت على أخ محترم زيك

قال “كريم” بمرح وهو ينهض :

– طب يلا بأه نبعت أكل للبنات احسن زمانهم بياكلوا فى بعض من الجوع .. وناكل احنا كمان أحسن خلاص أنا واقع

توجها الى مطبخ القرية .. نظر “على” فى أحد قوائم الطعام ليجده خالياً من الخمور ومن أى لحوم محرمة أو مطبوخة بشئ محرم .. نظر اليه “كريم” وقال وقد فهم ما يبحث عنه فى القائمة :

– عيب عليك

ابتسم “على” بحرج وهو يترك القائمه من يده وقال :

– يعني الواحد حابب يطمن بس .. زيادة اطمئنان مش أكتر

التفت اليه “كريم” وقال بجدية :

– بص يا “على” .. اوعى تفتكر انى واحد راجع من بره ومعاه فلوس وهمه يعمل مشروع يكسب منه وخلاص .. لا أنا مش كده .. أنا لما قررت أرجع مصر قررت أرجع عشان أعمل حاجة أفيد بيها البلد دى .. والناس اللى فيها .. حتى لو كانت حاجه بسيطة .. بس أهم حاجة عندى انها تقربنى من ربنا مش بتعدنى عنه .. حبيت فكرة القرية لانها فكرة دعوية ممتازة وهقدر أخدم بيها ديني .. أنا محتسب فى المشروع ده حاجات كتير أوى .. منها انى أبين للناس ان مش عشان الواحد يتفسح ويرفه عن نفسه انه يلجأ لحاجات مش هينوبه منها غير المعاصى والذنوب .. لا احنا ممكن نعيش ونتمتع ونتفسح ونعمل كل اللى احنا عايزينه بس برضا ربنا علينا ومن غير ما نغضبه .. ربنا لما حرم كل المحرمات اللى فى ديننا حرمها عشان بتضرنا وبتأذينا .. وعشان نجاتنا فى البعد عنها .. ومش معنى اننا نلتزم بكلام ربنا يبأه احنا ناس مكلكعة ومعقدة ومبتعرفش تضحك ولا تستمتع بحياتها .. لأ .. احنا بنعرف نعمل كل ده من غير ما نغضب ربنا .. أنا عايز بجد الناس كلها تعرف ان مش عشان أكسب فلوس وأزود دخلى ألجأ للى يغضب ربنا وأقول مضطر عشان أعيش .. لا مفيش حد مضطر على الحرام .. مفيش حد بيترك شئ لله الا وربنا بيعوضه باللى أحسن منه .. عشان كده أنا ميهمنيش كسبت كام أد ما يهمنى انى معملش أى حاجة غلط .. وأنا زى ما قولتك التمست فيك انك شاب محترم .. صحيح لسه متعرفين من ساعات بس أنا اتعاملت مع ناس كتير أوى جوه مصر وبره مصر وبقيت أقدر أفهم الانسان اللى أدامى من نظرة .. عشان كده رفعت التكليف بينى وبينك لانى حابب اننا نعين بعض .. يعني لو شوفتنى فى مرة غلطت تقولى حاسب يا “كريم” خلى بالك .. لان الانسان دايما لازم يحيط نفسه بصحبة صالحة لان هو ده اللى بيقومه لما بيحيد عن الطريق وربنا عز وجل حثنا على ده فى سورة الكهف لما قال ” وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُم بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ وَلا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَلا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَن ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا ” .. وضح فى الآية دى أهمية الصحبة الصالحة وحذرنا من صحبة السوء .. عشان كده لما لقيت سمتك طيب .. واهتميت واحنا بنعمل جولة فى القرية انك تسألنى عن تفاصيل الشغل والاختلاط فى القرية .. ولما العصر أذن وسألتنى عن مكان المسجد .. ودلوقتى وانتى بتبص على المنيو بتدور هل فيها حاجة حرام ولا لأ .. استبشرت خيرا وحسيت انك بجد هتكون خير معين ليا ان شاء الله ..

ثم ابتسم بعذوبه وقال :

– بجد أنا مبسوط انى اتعرفت عليك

ابتسم “على” وقال بتأثر :

– أنا اللى مبسوط انى عرفتك يا “كريم” .. ويارب فعلاً أكون عند حسن ظنك

****************************************

أنهى “آدم” صلاة العشاء ثم نهض وطوى سجادة الصلاة ووضعها على أحد المقاعد .. خرج من غرفته وتوجه الى والدته الجالسه فى حجرة المعيشة تشاهد التلفاز وقال :

– أنا خارج شوية يا ماما

– ماشى يا حبيبى

خرج “آدم” من الشاليه .. وتطلع الى اتجاه البحر للحظات ثم سار اليه سيراً فى تؤدة .. وقف أمامه ينظر الى ارتفاع امواجه وقد وضع يديه فى جيبي بنطاله .. كان بدو ساكناً كالتمثال .. ثم ما لبثت عيناه أن لمعت بالدموع .. أخذ نفساً عميقاً يحاول به التخفيف من حرارة النيران المشتعلة بقلبه .. تمتم بشفتيه وكأنه يتحدث الى شخص أمامه :

– خلاص يا “آيات” هسيب كل حاجة وأرميها ورا ضهرى .. هخرج من دوامة الانتقام اللى دخلت نفسى فيها .. هسيب كل حاجة عشان أبقى انسان كويس زي ما كنتى شايفانى .. كنتى شايفانى انسان محترم .. أنا هرجع محترم تانى يا “آيات”

تساقطت عبرة على وجنته وأكمل هامساً :

– كان نفسى أفرحك وأقولك انى اتغيرت .. كان نفسى نرجع لبعض تانى .. أنا كنت عايش فى نار .. النار كانت محوطانى من كل نحيه .. بس مكنتش عايز أخرج منها .. كنت واقف وسطها بمزاجى.. وانتى كنتى عامله زى النسمة الهادية اللى دخلت حياتى واللى غصب عنى اتمنيت انى أخرج من النار وأقرب منها

انتفض فجأة بعدما شعر بيد تربت على كتفه التفت ليجد “زياد” فى وجهه .. مسح عبراته المتساقطة بسرعة .. قال “زياد” :

– رحتلك الشاليه خالتى قالتلى انك خرجت .. وأنا راجع شوفتك وانت واقف أدام البحر

أومأ “آدم” برأسه فى صمت .. تنهد “زياد” بحزن وقال :

– انسى بأه يا “آدم” .. ربنا يرحمها

لمعت عيناه مرة أخرى بالعبرات وهو قول بصوت مرتجف :

– وحشتنى أوى

التفت ينظر الى “زياد” والدموع تتساقط مرة أخرى على وجهه وقال :

– لما جيت هنا جيت بمزاجى .. كانت بتوحشنى بس على الأقل كنت عارف انها موجودة .. انى هرجعلها .. كنت حاسس من جوايا انى هلف ألف وأرجعلها .. بس دلوقتى هى معدتش موجودة يا “زياد” .. معدتش أقدر أرجعلها .. بجد وحشانى أوى .. وحشتنى ابتسامتها .. وحشتنى نظرة عنيها .. وحشتنى رقتها .. وحشتنى طيبتها .. كانت طيبة أوى .. كانت بتحبنى أوى

أعاد النظر الى البحر وهو يقول بمرارة :

– يوم كتب الكتاب لما كنت ماسك ايدها اتمنيت ساعتها اننا منفترقش أبداً .. ساعتها حسيت انى بحبها بجد .. لما قولتلها ان فى حاجات فيها محتاجه تتغير .. بصتلى وابتسمت ووافقتنى على طول .. لما ادتنى دهبها حسيت انها مستعدة تعمل أى حاجة عشانى .. حسيت انها بتحبنى بجد بصدق بإخلاص .. رغم كل الشر والحقد اللى كان جوايا لكنها قدرت تدخل قلبي وتبرجلى عقلى .. لو كنت فضلت معاها كنت هقدر أرجع معاها تانى انسان محترم وكنت هنسى كل الأفكار الحقيرة اللى كنت بفكر فيها ..

هتف به “زياد” وقال :

– “آدم” انت بتعذب نفسك بنفسك .. خلاص هى الله يرحمها ماتت ومش هترجع .. انسى بأه عشان تقدر تكمل حياتك ..

نظر اليه “آدم” بأعين متألمه حائرة وقال :

– قولى ازاى .. قولى أنساها ازاى .. أزاى أبطل أحس انها وحشانى .. ازاى أخرجها من قلبي وعقلى .. قولى يا “زياد” .. قولى وريحنى لانى فعلاً نفسى أرتاح .. ازاى أبطل أحس انها وحشانى ؟

لم ينتظر من “زياد” اجابه .. التفت وغادر المكان أخذ نفساً عميقاً مرة أخرى يحاول به تهدئه نيرانه .. لكن هيهات

************************************

وقفت “آيات” فى شرفة غرفتها .. أخذت نفساً عميقاً تنعش به رئتيها .. نظرت الى دوران القمر واكتماله .. ثم التفتت تنظر الى البحر أمامها .. تأملته الى أن شعرت بوخز الدموع تحرق عينها .. خرجت من تاملها لتحاول السيطرة على تلك الرغبة القوية فى البكاء التى اجتاحتها .. سألت نفسها : ما هذه الغصة التى تشعرين بها فى حلقك يا “آيات” .. انها بالتأكيد لفقدك والدكِ الحبيب .. و”حلمية” الطيبة المخلصة .. ارحمهما يا الهى واغفر لهما وتجاوز عنهما .. تألمت كثيراً لفقدهما لكنها حكمتك .. هكذا أردت .. وهكذا حكمت .. تنهدت بقوة ودخلت من الشرفة .. مرت على “أسماء” النائمة فى فراشها المجاور .. ثم خرجت من الغرفة .. نظرت الى غرفة “إيمان” وتوجهت اليها .. وجدتها واقفة تصلى ماسكة مصحفها .. كانت الساعة قد تجاوزت منتصف الليل .. شعرت براحة وسكينة وهى تراها تصلى قيام لله عز وجل .. أنهت “إيمان” صلاتها فى تلك اللحظة لتفاجئ بـ “آيات” الواقفة على باب الغرفة .. تقدمت منها “آيات” وقالت :

– ما شاء الله “إيمان” انتى بتصلى قيام على طول ؟

قالت “إيمان” مبتسمه :

– لا بصراحة مش على طول .. فى أيام مبصليش فيها قيام .. نفسى أواظب أوى

قالت “آيات” وهى تنر اليها بإعجاب :

– ما شاء الله عليكي .. تعرفى أنا مصلتش قيام خالص .. مصلتوش غير مرتين تلاته بس

قالت “إيمان” بحماس :

– ليه يا “آيات” .. على فكرة هتحسى براحة عجيبة وانت بتصلى قيام .. كفاية انك تعرفى ان ربنا سبحانه وتعالى بيتنزل الى السماء الدنيا فى التلت الأخير من الليل وبيقبل الدعاء فى الوقت ده

استشعرت “آيات” تلك الكلمات بقلبها فأكملت “إيمان” بنفس الحماس :

– ربنا سبحانه وتعالى بيقول “أَقِمِ الصَّلاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ اللَّيْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُوداً , وَمِنَ اللَّيْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَاماً مَحْمُوداً ” .. وكمان بيقول “أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِداً وَقَائِماً يَحْذَرُ الآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الأَلْبَابِ ” .. وكمان بيقول ” إِنَّمَا يُؤْمِنُ بِآيَاتِنَا الَّذِينَ إِذَا ذُكِّرُوا بِهَا خَرُّوا سُجَّدًا وَسَبَّحُوا بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَهُمْ لَا يَسْتَكْبِرُونَ تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُنٍ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ ” .. وفى آيات كتير أوى بتحث على قيام الليل .. كان النبي صلى الله عليه وسلم بيصلى قيام الليل لحد ما رجله تتورم .. فسألوا النبي ليه بيصلى كده رغم انه ربا غفرله ما تقدم وما تأخر من ذنبه فرد وقال: “أفلا أكون عبدا شكورا” .. تعرفى كمان ان أمنا عائشه رضى الله عنها قالت عن النبي صلى الله عليه وسلم ” لا يدع قيام الليل ، وكان إذا مرض أو كسل صلى قاعدا ” .. تخيلى ده النبي اللى ربنا غفرله كل ذنوبه .. ما بالك احنا بأه بذنوبنا دى وبأعمالنا دى مش احنا برده أحوج لقيام الليل من النبي صلى الله عيه وسلم ؟

قالت “آيات” بتأثر :

– أكيد .. ده احنا عندنا بلاوى مش ذنوب .. على الأقل بتكلم عن نفسى

قالت “إيمان” :

– تعرفى ان النبي صلى الله عليه وسلم قال “من الليل ساعة لا يوافقها عبد مسلم يسأل الله خيرا إلا أعطاه إياه , وهي كل ليلة ” .. يعني كل ليلة فى ساعة لو دعيتي فيها ربنا يستجيب لدعائك .. تخيلى باه واحنا بنام ونسيب الساعة دى تضيع مننا

عقد “آيات” ما بين حاجبيها وقالت :

– يااه ده احنا مقصرين أوى

نظرت اليها “إيمان” قائله :

– أنا كنت زيك كده يا “آيات” وأمر منك كمان .. بس “على” أخويا ربنا يكرمه كان بيفضل يزن عليا ويتكلم معايا لحد مرة ورا مرة حسيت انى بدأت أتغير من جوايا

نظرت اليها “آيات” وقالت بحماس مبتسمة :

– أنا كمان ان شاء الله هصلى قيام من بكرة

– من بكرة ليه متخليش الشيطان يعطلك .. اتوضى وصلى دلوقتى لسه شوية على الفجر

توجهت “آيات” على الفور الى الحمام وتوضأت .. فرشت سجادة الصلاة فى غرفتها وأمسكت مصحفها .. شعرت بسكينة وراحة وفرحة لا تدرى سببها وهى تبدأ فى صلاتها .. وقفت تقرأ طويلاً الى أن بدأت تشعر بتعب فى قدميها .. مر على خاطرها كلام “إيمان” عن تورم قدم النبي صلى الله عليه وسلم الشريفتين .. فشعرت بسعادة فى قلبها .. شعرت بلذة هذا الألم .. وخشع قلبها أكثر .. قال ابن رجب الحنبلي رحمه الله: “أصل الخشوع لين القلب ورقته وسكونه وخضوعه وانكساره وحرقته،فإذا خشع القلب تبعه خشوع جميع الجوارح والأعضاء،لأنها تابعة له ” .. انتهت من القيام لتخر ساجدة .. دعت الله كثيراً فى سجودها .. شعرت ولأول مرة بلذة الطاعة .. صلت طوال عمرها .. لكنها لم تشعر من قبل بأن للصلاة لذة لا يشعر بها الا من خشع قلبه وتعاظم اسم الله فى داخله .. لا يشعر بها الا من فصل مشاعره وحواسه عن العالم من حوله .. ودخل الصلاة مستشعراً كل حركة .. وأنه الآن واقف بين يدى الله .. ينظر اليه .. ويسمعه .. بل ويشاركه صلاته ! .. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:”إذا صليتم فلا تتلفتوا فإن الله ينصب وجهه لوجه عبده في الصلاة ما لم يلتفت” .. وقال صلى الله عليه وسلم : ” قال الله عز وجل قسمت الصلاة بيني وبين عبدي نصفين ولعبدي ما سأل، فإذا قال: الحمد لله رب العالمين قال الله: حمدني عبدي فإذا قال: الرحمن الرحيم، قال الله: أثنى عليّ عبدي، فإذا قال: مالك يوم الدين، قال الله: مجّدني عبدي، فإذا قال: إياك نعبد وإياك نستعين، قال: هذا بيني وبين عبدي ولعبدي ما سأل، فإذا قال: إهدنا الصراط المستقيم، صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين، قال الله: هذا لعبدي ولعبدي ما سأل ”

انتهت من صلاتها بعدما تنامى الى مسامعها آذان الفجر فقد سرقها الوقت ولم تشعر بدنوه .. جلست “آيات” فى مكانها تردد الآذان خلف المؤذن .. كانت تشعر براحة كبيرة فى نفسها وكأنها أمضت معاهدة سلام مع نفسها ومع العالم أجمع .. عاهدت نفسه ألا تترك القيام قط .. وأن تواظب عليه كل ليلة

******************************************

فى الصباح .. توجه “زياد” الى مكتب “آدم” قائلاً :

– صباح الخير يا “آدم”

رد “آدم” التحية وهو يضع بعض الأغراض فى حقيبة .. نظر اليه “زياد” بإستغراب وقال :

– بتعمل ايه ؟

أطرق “آدم” قليلاً ثم نظر الى “زياد” وقال بحزم :

– أنا خلاص يا “زياد” هسيب القرية دى .. أنا خلاص خدت قرارى ومش هرجع فيه

أومأ “زياد” برأسه وبدا غير مندهش .. وهذا ما أصاب “آدم” بالدهشة فقال :

– شكلك مش مستغرب يعني .. مع انى متكلمتش معاك فى الموضوع ده .. ولا قولتلك انى ناوى أسيب الشغل فى القرية

ابتسم “زياد” بوهن وقال :

– أيوة متكلمتش بس أنا كنت حاسس انك هتعمل كده .. من يوم ما “شكرى” عرف بموضوع الخمرة واتكلم وزعق وأنا عارف انها كده قفلت وانكوا مش هتتفقوا مع بعض

قال “آدم” بضيق :

– مش بس الخمرة .. رفض موضوع صالة الألعاب وأصر على الملهى .. ده غير القمار اللى بيحصل عيني عينك .. ده غير المناظر المقرفة كل شوية الواحد يتكعبل فيها .. حاولت أقنعه ومفيش فايدة .. وأنا خلاص مش عايز أعد فى الأرف ده كفاية بأه

أومأ “زياد” برأسه صامتاً فسأله “آدم” :

– وانت ناوى على ايه

– أصلاً يا “آدم” انا مكنتش مرتاح من البداية .. بس كنت محتاج اللى يشجعنى عشان آخد الخطوة دى .. وبقالى فترة عارف انك هتعمل كده

ثم قال :

– طبعاً رأيي من رأيك نبعد أحسن عن الأرف ده .. كفاية الاحساس بالذنب اللى كان خانق الواحد وهو حاسس انه بيعمل حاجة غلط

قال “آدم” مبتسماً :

– كنت عارف على فكرة انك هتقول كده .. وانك هتسيب القرية زيي

هتف”زياد” بحنق :

– تبقى تنفعه بأه خلي “شكرى” يشبع بيها وبالأرف اللى فيها

ثم قال :

– طيب وناوى تعمل ايه ؟ .. هترجع للجامعة تانى ؟

قال “آدم” بحيرة وهو يكمل جمع أغراضه :

– مش عارف .. لسه مقررتش

ثم نظر اليه قائلاً :

– وانت ناوى تعمل ايه

قال “زياد” بمرح :

– مش عارف .. لسه مقررتش

ابتسم “آدم” فأكمل “زياد” :

– هترجع القاهرة ؟

– أيوة .. بس مش هرجع الجامعة دلوقتى .. عايز أصفى ذهنى من كل حاجة .. محتاج أبعد عن كل حاجة فترة لحد ما أقرر أنا عايز أعمل ايه

– أجازة مفتوحة يعني

– أيوة بالظبط كده

– طيب قشطة أنا كمان هستجم .. الواحد اطحن الفترة اللى فاتت فى القرية دى

ثم نظر الى “آدم” مستفهماً :

– صحيح ايه أخبار القرية الجديدة

– مش عارف .. كل اللى أعرفه ان الافتتاح بتاعهم كمان يومين

قال “آدم” بدهشة :

– ايه ده بالسرعة دى

– يا ابنى ما أنا قايلك من أول يوم وهما شغالين الله ينور .. وكمان اللى سمعته انهم عملين نظام جديد خالص .. سمعت انهم فصلين بين الرجالة الستات فى القرية وحطين قوانين فى اللبس

– قوانين فى اللبس ازاى يعنى ؟

– معرفش التفاصيل أنا مبقتش بتابع من يوم ما حست اننا خلاص أيامنا معدودة فى القرية دى

قال “آدم” وهو يفكر :

– شوقتنى أشوف القرية دى .. متيجى نروح الافتتاح بتاعهم

قال “زياد” بلا مبالاة :

– خلاص تعالى نروح

قال “آدم” بحماس :

– ماشى يبأه نحضر الافتتاح ونسافر على طول

صمت “آدم” وهو يفكر فيما قاله “زياد” عن الأنظمة والقوانين الجديدة التى لم يسمع بها من قبل والتى وضعها أصحاب القرية الجديدة .. شعر بفضول كبير لمعرفة تلك القوانين تفصيلياً والى رؤية سير العمل فى تلك القرية

**************************************

اجتمع “كريم” و “على” و “آيات” و “إيمان” و “أسماء” معاً فى مكتب “كريم” .. التف الجميع حول الطاولة .. ترأس “كريم” الإجتماع وتحدث قائلاً :

– عايزين نحدد شغل كل واحدة فيكوا فى القرية

نظر الى “آيات” قائلاً :

– بالنسبة ليكى يا “آيات” هتكونى حلقة الوصل بيني وبين كل البنات اللى بتشتغل فى القرية يعنى انتى اللى هتتعاملى معاهم تعامل مباشرة مشاكلهم اقتراحاتهم كل حاجة خاصة بيهم هتكون معاكى انتى .. بالإضافة لمتابعتك لسير عملهم .. عارف انها شغلانه صعبة بس انتى أدها وكمان انتى الوحيدة اللى شايف انها تقدر تقوم بالهمة دى لان مش هيكون بيني وبينك حرج من أعادنا مع بعض وكلامنا .. يعني انتى تعبرى نائبة ليا فى القرية ودراعى اليمين فى كل حاجة تتعلق بالبنات اللى شغالين فى القرية

ابتسمت “آيات” وقالت بحماس :

– تمام يا “كريم”

– يعني مستعدة للموضوع ده

– أيوة مستعدة

قال برضا :

– طيب تمام .. نيجي للآنسة “أسماء”

نظرت اليه “أسماء” فتحدث اليها واضعاً عيناه فى الأوراق التى فى يده :

– حضرتك هتكونى مسؤلة عن أى مشكلة أو شكوى بتواجهها نزلاء القرية من السيدات .. طبعا لو كانت الشكاوى من أحد العاملات بالقرية هترجعى فيها ل “آيات” .. ولو كانت المشكلة متعلقة بعامل فى القرية هترجعى فيها لـ “على” لانه هو كمان يعتبر نائب ليا بس مهمته هو كل العماله الرجال فى القرية .. هيكون مسؤل عنهم ومشرف عليهم بصفة مباشرة … شايفه انك تقدرى على المهمة دى ؟

قالت “أسماء” بتوتر :

– بصراحة انا خايفة لانى أول مرة أشتغل

قال “كريم” وهو مازال يتطلع الى أوراقه :

– على فكرة الموضوع مش صعب والا مكنتش رشحتك ليه وانتى بدون خبره .. كل اللى مطلوب منه استقبال شكاوى النزلاء من السيدات وارائهم وإما انك توجهيها ل “آيات” أو ل “على”

صمتت قليلاً ثم قال بحماس وهى تنظر اليه :

– خلاص موافقة

– شايفه نفسك تقدرى تسدى فى الشغلانه دى

– أيوة ان شاء الله

– تمام .. نيجى للآنسة “إيمان”

توترت “إيمان” وحانت منها التفاته الى “على” ثم نظرت الى يديها المتعرقتين من فركها اياهما بتوتر .. قال “كريم” :

– حضرتك هتشاركى فى الاشراف على صاله الألعاب الرياضية الخاصة بالسيدات

شعرت “إيمان” بالإحمرار يغزو وجنتيها .. وقع كلامه على مسامعها كإهانه لم تحتملها .. لماذا اختارها هى بالذات لهذه المهمة .. ألأنها …. ؟! .. شعرت بوخز الدموع فى عينيها .. لم تشعر بنفسها الا وهى تنهض لتغادر غرفة المكتب وسط أعين الجميع المندهشة .. أغلقت الباب خلفها لتنهمر دموعها كالمطر .. كتمت شهقاتها وتوجهت مسرعة الى المنزل .. ران الصمت على الجميع وعيونهم معلقة بالباب الذى خرجت منه “إيمان” .. التفت “كريم” لـ “آيات” قائلاً وهو مقطب الجبين :

– هو أنا قولت حاجة غلط

قالت “آيات” بدهشة :

– لا .. أنا معرفش هى مشيت ليه

قال “على” وهو ينهض :

– طيب أنا هروح أشوفها مالها

قالت “آيات” وهى تسارع بالنهوض :

– لا خليك هى أكيد راحت الشقة أنا هروحلها

نهضت “أسماء” لتغادر بصحبة “آيات” .. فوجئت الاثنتان بـ “إيمان” الباكية فى غرفتها .. قالت لها “آيات” بلهفة وهى تجلس بجوارها على الفراش :

– “إيمان” مالك فى ايه

صاحت “إيمان” بحدة :

– أخوكى بيهزأنى يا “آيات”

نظرت اليها “آيات” بدهشة وهى تقول :

– ازاى يعني .. “كريم” ما قالش حاجة غلط ما احنا كنا أعدين وسامعين

قالت ودموعها مازالت تنهمر على وجهها :

– اشمعنى أنا اللى اختارنى عشان أشارك فى الاشراف على الجيم .. اشمعنى يعني المكان ده .. ليه محطنيش فى الاشراف على البسين .. أو أى مكان تانى فى القرية

ثم صاحت بصوت باكى :

– قصده يعني انه يقولى انى تخينه ومحتاجه أخس .. هو ماله ومالى أنا حره بأه أنا عجبنى نفسى كدة

انخرطت فى بكاء حار .. تبادلت “آيات” مع “أسماء” النظرات المندهشة .. اقتربت منها “أسماء” قائله :

– “إيمان” انا واثقه انه مكنش يقصد كده

قالت بغضب :

– انا أصلا غلطانه انى جيت .. لو كنت أعرف انى هتهزأ كده مكنتش جيت

قالت “آيات” بحزم :

– “إيمان” انتى مكبرة الموضوع

– طبعاً هتد

افعى عنه ما هو أخوكى

– لا مش بدافع عنه عشان أخويا بس أنا مش شايفه انه غلط لما حطك فى الاشراف على الجيم .. عادى يعني

قالت “إيمان” بصرامة وهى تكفكف دموعها بظهر يدها :

– لأ مش عادى .. هو قصده يهزأنى ويحرجنى .. مش عارفه ليه .. بس أكيد هو قاصد

صمتت “آيات” وهى تتطلع اليها ثم قالت :

– على فكرة يا “إيمان” .. عارفه ايه مشكلتك ؟ .. مشكلتك انك مش حسه بأنوثتك .. وعلى طول فاقدة الثقة بنفسك

قالت “إيمان” بسخرية مريرة :

– أنوثة ايه يا بنتى .. انتى مش شايفه البرميل اللى أدامك

فوجئت “آيات” بـ “كريم” يتصل بها فقالت :

– “كريم” بيتصل

نظرت اليها “إيمان” بألم وكأنها تتذكر الجملة التى قالها منذ قليل والتى أعادت اليها الشعور بالمهانه .. نهضت “آيات” وتوجهت الى غرفتها وقالت :

– أيوة يا “كريم”

– السلام عليكم

– وعليكم السلام

قال “كريم” بإهتمام :

– خير .. عرفتى هى اضايقت ليه ؟

صمتت “آيات” لا تدرى ما تقول .. فحثها :

– “آيات” معايا

– أيوة معاك

– كلمتيها .. عرفتى هى اضايقت ليه ؟

قالت بتردد :

– انت ليه اخترتها هى بالذات عشان تمسك الجيم ؟

قال “كريم” بإستغراب :

– يعني ايه اخترتها هى بالذات .. أنا حطيت كل واحدة فى مكانها اللى أنا شايف انها هتكون مناسبه فيه .. وبعدين اقتراح انها تمسك الجيم ده كان اقتراح “على” مش اقتراحى

قالت بدهشة :

– “على”

– أيوة .. قالى انها اشتركت كتير فى جيم قبل كده .. وفى أماكن مختلفه .. وانها أكيد هتمون عارفه الألعاب كويس وتقدر تساعد البنات هناك .. فشوفت كلامه مناسب .. بس هى دى كل القصة

– خلاص يا “كريم” هفهمها كده

– أمال هى فهمت ايه بالظبط ؟

قالت “آيات” بتردد :

– افتكرتك قاصد تهزأها

قال بدهشة شديدة :

– لا حول ولا قوة الا بالله وأهزأها ليه ؟

– مفيش هى فهمت كده .. يعني عشان هى مليانه شوية افتكرتك تقصد تهزأها

قال “كريم” وقد تقطب جبينه فى ضيق :

– ايه اللى يوصلها انها تفكر كده .. وأنا مالى أنا اذا كانت مليانه ولا رفيعه .. وايه اللى يخلينى أتريق عليها وأهزأها يعني وأنا معرفهاش أصلاً .. وبعدين ههزأها أدام أخوها يعني .. تفكيرها غريب

– خلاص يا “كريم” بأه نقفل على الموضوع ده .. انا مش عايزاها تمشى من هنا بجد محتجاها معايا

قال “كريم” بحده :

– يا بنتى أنا ما قولتش تمشى .. ده انتوا الستات عليكوا مخ الله المستعان .. فهميها اللى أنا كنت أقصده بكلامى وان ده أصلا اقتراح أخوها مش اقتراحى .. وقوليلها ده شغل مش لعب عيال .. يعني لو فى حاجة مضايقاها تتكلم مش تمشى وتسيب الاجتماع كده

– طيب خلاص هقولها

تنهد قائلاً :

– طيب حلى انتى المشكلة دى أنا فى دماغى مليون حاجة عشان الافتتاح بتاع بكرة

– خلاص انت ربنا يعينك أنا هشوف الموضوع ده

فهمتى بأه يا ستى .. يعني “على” اخوكى هو صاحب الفكرة مش “كريم”

نظرت “إيمان” بحرج الى “آيات” وقالت :

– وقالك ايه تانى ؟

قالت “آيات” الجالسه بجوارها على فراشها :

– قالى ده شغل مش لعب عيال مينفعش تسيب الاجتماع وتمشى كده

زفرت “إيمان” بضيق وهى تقول بصوت باكى :

– شكلى بأه زبالة أدامه

– لا يا بنتى لا زبالة ولا حاجة .. بس بطلى الحساسية دى

نظرت “آيات” ايلها بحزن وقالت :

– “إيمان” انتى ليه بتعملى فى نفسك كده .. انتى مش وحشة .. عارفه لو خسيتى حبه صغيرين هتبقى قمر والله

قالت “إيمان” بتهكم :

– حبه صغيرين

قالت “آيات” بحماس وحزم :

– بصى أهم حاجة تبقى انتى راضية عن نفسك .. مش مهم تخسى كتير ولا قليل المهم تبقى واقفة بتتفرجى على نفسك فى المرايا وانتى حسه انك مبسوطة .. وانتى حسه انك بنوته

تطلعت “إيمان” اليها بحزن فأكملت :

– يا بنتى لازم يبقى عندك ارادة أقوى من كده عشان تغيريى من نفسك .. مشكلتك انك كارهه نفسك ومش حباها يا “إيمان”

تساقطت العبرات من عينى “إيمان” فنظرت اليها “آيات” بحنان وقالت :

– بتعيطي ليه دلوقتى

قالت “إيمان” وهى تبكى :

– عارفه يا “آيات” .. انا عمرى ما حسيت انى بنوته زى ما بتقولى .. عارفه البنات فى ثانوى لما بيهتموا بنفسهم وبشعرهم وبجسمهم .. أنا مكنتش كده .. كانت ماما دايما بتحسسنى انى ولد مش بنوته ودلوعة .. لأ .. تعرفى انها كانت بتخليني ألبس لبس “على” فى البيت .. مكنتش بحب أبص لنفسى فى المرايا .. هى برضه معذورة الظروف كانت على الأد .. فكانت بتشترى من صغرنا لبس يليق عليا وعلى “على” .. عشان نلبسه من بعض .. حتى فى ثانوى شراباتى اللى كنت بروح بيها المدرسة كانت شرابات “على” .. كان صحابي بيتريقوا عليا عشان لابسه شرابات رجالى . .بس مكنتش بتكلم ولا أقول لماما لانى عارفه ظروفنا فمكنتش بحب أقولها اشتريلى ولا هتيلى .. كنت بتكسف .. وكنت فاكرة انى لما هشتغل ويبقى معايا فلوس هجيب اللى نفسى فيه وأحس انى بنوته .. بس لما كبرت حسبت ان فى حاجة ماتت جوايا .. حاجة محسسانى انى كائن هلامى ملوش جنس محدد .. مش عارفه أهتم بنفسى زى أى بنت .. مش عارف احس أصلا انى بنت .. لما بسمع البنات بتتكلم عن وصفة للشعر أو لتنعيم الجسم بحس اكنى من عالم تانى ..بحس انى نفسى أكون زيهم وأتكلم زيهم واهتم باللى بيهتموا بيه .. بس مش عارفه .. مش عارفه اكون زيهم

قالت “آيات” وهى تشعر بحجم ما تعانيه “إيمان” من آلام حبستها بداخلها :

– “إيمان” انتى مشكلتك الوحيدة هى عدم ثقتك بنفسك .. بجد انتى محتاجه شوية ثقه مش أكتر

ثم هتفت بمرح :

– وبعدين يا ستى لو كان على خلطات الشعر والبشرة فالبت “أسماء” دى فظيعه أستاذة خلطات .. بالليل هخليها تضربلنا كام خلطة من بتوعها وأهو الواحد يبقه وشه منور فى حفلة بكرة

صاحت “إيمان” بمرح وهى تمسح دموعها :

– لا يختى أنا مش هحط حاجة على وشى وخاصة “أسماء” اللى عملاها

نادت “آيات” “أسماء” فأتت .. قالت لها بمرح :

– “سمسم” متشوفيلنا خلطة من بتوعك تجهزيهالنا بالليل عشان نبقى مزز بكرة فى الحفلة

صاحت “أسماء” قائله بتهكم :

– يختى اتنيلى .. اخوكى وأخوها قسموا الستات فى حته والرجالة فى حته .. حفلة ايه دى بس يا ربي اللى محشططين فيها كل نوع فى حته .. الناس بتروح الحفلات عشان تتشاف وتتخبط .. أخواتكوا انتوا الاتنين على فكرة خنقونى آخر خنقة

أطلقت “إيمان” و “آيات” الضحكات العالية فنظرت اليهما “أسماء” بغيظ وهى تقول :

– آه اضحكوا اضحكوا .. بكرة نلاقيهم مقسمين الهوا اللى فى القرية .. هوا للرجاله وهوا للستات .. واللى يشم من هوا التانى يقيموا عليه الحد

قالت “إيمان” من بين ضحكاتها :

– والله انتى رهيبة يا “أسماء” .. لا بجد مسلية الواحد يتفرج عليكي بدل التليفزيون

ثم التفتت الى “آيات” قائله :

– هى من زمان كده

ضحكت “آيات” وهى تقول :

– آه للأسف من يوم ما عرفتها وهى صواميل مخها مفكوكه محتاجه تتربط

قالت “أسماء” بغيظ وهى تهم بمغادرة الغرفة :

– كده طيب مفيش ماسكات .. خليكوا معفنين كده

نهضت “آيات” بسرعة وقبلتها قائله :

– لا يا “سمسم” مقدرش على زعلك .. متحرميناش من خلطاتك الرهيبة .. حتى عشان البنت الغلبانه دى

– طيب على الله يطمر

*********************************

عبرت سيارة “عاصى” بوابة قرية الماسة لتتوقف أمام المبنى الإدارى .. خرج من سيارته ونظر حوله بأعين متفحصه .. اقترب من احد العاملين وقال :

– لو سمحت ألاقى فين الآنسة “آيات” ؟

أشار له الى المبنى وقال :

– هتلاقيها فى مكتبها .. ولو ملقتهاش تبقى بتلف على الموظفين فى القرية

دخل “عاصى” البناية وأخذ ينظر الى الأسماء المعلقة على الغرف حتى وجد اسم “آيات” نظر اليه بسخرية ثم طرق الباب .. لم يسمع صوتاً ففتحه ليجده فارغاً .. اقترب منه أحد العاملين وقال :

– حضرتك تؤمر بحاجة يا فندم

التفت اليه وقال بترفع :

– عايز الآنسة “آيات”

– هى مش موجودة فى مكتبها بس ممكن تسأل عنها الأستاذ “كريم”

قال “عاصى” وهو يرفع حاجبه :

– “كريم ضياء” مدير القرية ؟

– أيوة يا فندم .. ده مكتبه

أشار العامل الى المكتب .. فالتفت “عاصى” متوجهاً اليه دون أن يوجه كلمة شكر الى العامل .. طرق الباب فأذن له “كريم” بالدخول .. دخل “عاصى” يرمى عينيه فى محيط الغرفة .. وقف “كريم” قائلا :

– اتفضل

نظر اليه “عاصى” بتهكم ممزوج بالدهشة لما رآى عليه من سمت أدهشه .. سأل ليتأكد من هويته :

– انت “كريم ضياء” ؟

– أوية أنا يا فندم اتفضل

جلس “عاصى” ثم قال بتعالى :

– كنت عايز أقابل الآنسة “آيات اليمانى” .. ملقتهاش فى مكتبها وقالولى أسألك عنها

ضاقت عينا “كريم” وهو ينظر الى “عاصى” قائلاً :

– وحضرتك مين ؟

– أنا “عاصى اليمانى” .. ابن عمها

نظر اليه “كريم” متفحصاً ثم قال :

– مدير قرية الفيروز مش كده .. اهلا بيك

– وبيك .. ممكن تشوفلى هى فين ؟

أخرج “كريم” هاتفه واتصل بـ “آيات” وطلب منها الحضور الى مكتبه .. شعرت “آيات” بالدهشة وهى تنظر الى “عاصى” الجالس فى مكتب “كريم” .. نظر اليها “عاصى” قائلاً :

– ازيك يا “آيات”

قالت بإقتضاب :

– الحمد لله

– تعالى نتكلم بره شوية

قال “كريم” بحزم :

– اتفضل اتكلم معاها هنا

نظر اليه “عاصى” بحدة ثم قال بشئ من الغضب :

– عايز أقول لبنت عمى حاجة خاصة

قال له “كريم” بصرامة :

– اللى انت عايز تقوله لأختى قوله أدامى

نظر اليه “عاصى” بدهشة وقال بتهكم :

– أختك

– أيوة أختى .. “آيات” أختى فى الرضاعة .. اتفضل قولها اللى انت عايزه أدامى

التفت “عاصى” الى “آيات” بحده قائله :

– قوليله ميتدخلش بيني وبينك .. عايز أكلمك لوحدك

قالت “آيات” بحزم وهى تعقد ذراعيه فوق صدرها :

– اللى عايز تقوله قوله أدام “كريم” .. أنا مفيش بيني وبينك مواضيع خاصه

اشتعل “عاصى” غضباً وصاح قائلاً :

– انتى ليه مصره كل شوية تتحديني .. انت مش عارفه أنا مين ولا ايه

قالت بحزم :

– مفش داعى للكلام ده

نظر اليها بغضب قائلاً :

– بصى يا بنت عمى .. من الاخر كده شغلك فى القرية دى ينتهى قبل الافتتاح بتاع بكرة .. ومن بكرة هتيجي تشتغلى معانا فى القرية بتاعتنا ده لو انتى لسه محتاج لشغل لكن شغل فى القرية دى لأ

صاحت “آيات” بتهكم :

– يا سلام .. ده ايه الثقة دى .. انت ملكش حكم عليا انت فاهم .. مش من حقك تقولى أعمل ايه ومعملش ايه

– لأ هقولك وهتسمعى كلامى وإلا مش هيحصل كويس يا بنت عمى

وقف “كريم” ودار حول مكتبه ليقف أمام “عاصى” قائلاً بصرامة :

– كفاية لحد كده

رمق “عاصى” كيهما بنظرات غيظ ثم غادر المكتب .. زفر “كريم” بضيق ثم قال :

– لو كان زود فى الكلام عن كده مكنتش قدرت أمسك أعصابي

قالت “آيات” بلامبالاة :

– سيبك منه

– أنا قبل كده سألت باباكى الله يرحمه ليه مقاطع أخوه وقالى ان فى مشاكل بينهم وانهم ناس شغلها مش مظبوط .. أول ما شوفت ابن عمك دلوقتى مرتحتلوش نهائي .. له حق باباكى يبعد ويبعدك عنه

– خلاص انسى .. أهو عرف ان ملوش حكم عليا وان ليا أخ يقف جمبي ويحميني

نظر اليها “كريم” قائلاً :

– متخفيش منه

ابتسمت قائله :

– مش خايفه

صمت “كريم” لبرهه ثم نظر الى “آيات” وقال :

– “آيات” مش عايزك تحضرى افتتاح بكرة

قالت بضيق :

– ليه يا “كريم” نفسى أحضر الافتتاح

– أنا قلقان من ابن عمك

قالت “آيات” بحماس تبث فيه الطمأنينة :

– ميقدرش يعملى حاجه

تنهد قائلاً :

– خلاص ماشى وعامة كده كده القاعة هتبقى متقسمة ترابيزات للرجاله وترابيزات للستات .. يعني مش هيقدر يدخل وسط الستات ويكلمك .. وأنا هكون جمبك وعيني عليكي

عادت “آيات” الى عملها .. وتركت “كريم” يشعر بالقلق ..رغم الأمان الذى حاول أن يبثه فى نفس “آيات” الى أنه فشل فى أن يشعر به فى داخله

………….يتبع

عرض التعليقات (28)