جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر

10 4٬041
 

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر

جواد بلا فارس بقلم بنوتة اسمرة الجزء الثاني عشر, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

الفصل الرابع والعشرون

صلوا على النبي المصطفى

دخل “مدحت” بيته ليجد “مديحة” جالسه تبكى فوق الأريكة .. نظرت اليه ومسحت عبراتها وهى تحاول أن تتمالك نفسها .. اقترب منها وقال :

– فى حاجة

نظرت اليه ورفعت حاجبها بسخرية قائله :

– ومن امتى بتهتم يعني اذا كان فى حاجة ولا لأ

زفر بنفاذ صبر وتوجه الى غرفة النوم لتبديل ثيابه .. توجه الى بعد ذلك الى المطبخ وفتح الثلاجة يبحث عن طعام ليسد به رمقه .. أغلق الثلاجة بعنف بعدما وجدها خاليه الا من بعض الطعام الفاسد أو الذى أوشك على الفساد .. توجه الى غرفة المعيشة حيث تجلس “مديحة” وقال بغضب مكبوت :

– هو مفيش أكل

قالت وهى تفتح التلفاز :

– لأ مطبختش

– ليه مطبختيش

نظرت اليه بعناد قائله :

– مزاجى .. هو انت فاكرنى الخدامة بتاعك .. مش احنا متفقين على الطلاق .. أطبخلك بتاع ايه بأه .. انا لما بطبخ بطبخ لنفسى مش ليك ومكنش ليا مزاج النهاردة أطبخ

أطلق سبة بصوت منخفض وتوجه الى غرفة النوم يخرج هاتفه من جيب بنطاله ليطلب الطعام من أحد المطاعم .. لحقت به “مديحة” وقالت :

– انت بتشتمنى ؟

نظر اليها بأعين تشع غيضاً وقال :

– “مديحة” غورى من أدامى دلوقتى

نظرت اليه بشئ من الإحتقار ثم توجهت الى غرفة “أسماء” التى أصبحت غرفتها التى تقيم بها وأغلقت الباب بعنف .. اطلق “مدحت” سبة أخرى وجلس ينتظر عامل التوصيل .. أحضر العامل الطعام فوضعه على الطاولة وشعره فى تناول طعامه .. خرجت “مديحة” من الغرفة ونظرت اليه بغيظ وقالت :

– طول عمرك أنانى .. طيب على الأقل شوف الكلبة اللى أعده جوه دى عايزه تاكل ولا لأ

نظر اليه بغضب وصاح :

– مش قولتى اننا هنطلق وانك مش الخدامة بتاعتى عشان تطبخيلى .. أهو أنا بأه مش ولى أمرك عشان أصرف عليكي

صاحت قائله :

– طول عمرك كده وهتفضل كده مبتشوفتش نفسك غلطان أبداً .. دايماً أنا اللى غلط وانت باشا مبتغلطش

قام من فوره وأزاح الكرسى الى الخلف بعنف حتى وقع على الأرض وصاح :

– انتى بتقولى شكل للبيع .. انتى واحدة معندكيش دم ولا ذرة احساس .. سيبتى بنتك تضيع من ايدك والتيييييييييت ابن أختك يتحرش بيها ولا فتحتى بقك بكلمة .. ده انتى أفشل أم وزوجة على وجه الأرض

– لأ انت اللى زوج مثالى .. يا راجل يا شايب يا ياللى رايح تتجوز واحده أد بنتك .. أهى سبيتك زى التيييييييييت واطلقت منك

دفعها بقبضتيه فى كتفيها من شده غيظه وقال :

– أنا اللى طلقتها زى ما هطلقك وأرميكى فى الشارع تشحتى عشان تلاقى لقمة نضيفه .. اما خليتك تقولى حقى برقبتى مبقاش أنا “مدحت”

توجهت “مديحة” الى غرفة “أسماء” مرة أخرى وأغلقت الباب فى وجهه بعنف شديد حتى كاد أن ينخلع من مكانه .. جلس “مدحت” أمام الطاولة ثم ما لبث أن دفع الطعام بيده بعصبيه حتى تساقط وتناثر على الأرض

*****************************************

اتكأت والدة “آدم” على الأريكة وبيدها طبق من الأرز تنقى ما به من شوائب .. دخل “آدم” الشاليه واقترب منها قائلاً :

– ازيك يا ست الكل

ابتسمت فى وجه بطيبه وقالت :

– ان شاله تسلم يا ابنى

جلس “آدم” بجوارها .. رآها تضيق من عينيها وهى تعاود النظر الى الطبق فى يدها .. انحنى الى الأمام وسألها بإهتمام :

– ماما انتى حسه ان نظرك ضعف ولا حاجة

نظرت اليه وقالت وهى ترمش بعينيها :

– والله ما أنا عارفه يا ابنى بقيت أحس ان عيني مزغلله

قال بجديه :

– طيب وليه ما قولتليش يا ماما

ثم قال :

– طيب سيبى ده دلوقتى وتعالى نكشف أكيد هتبقى محتاجه لنضاره

قالت بلا مبالاة :

– لا ملهاش لازمه .. مش مهم

نهض “آدم” وأخذ الطبق من يدها ووضعه على الطاولة وقال :

– مفيش حاجة اسمها ملهاش لازمه .. اذا مكنتش صحتك مهمة أمال ايه اللى مهم يعني

قالت وهى مازالت جالسه لا تريد النهوض :

– يا ابنى ما أنا شايفه أهو .. ملهاش لازمه النضارة

جذبها من يدهل ووجها الى غرفتها قائلاً :

– يلا ادخلى البسى يا ماما لو سمحتى

لاحت ابتسامه على شفتيها تشى بسعادتها لإهتمام “آدم” بها .. انطلق بسارته الى احدى عيادات العيون .. أثناء انتظار دورها فى الكشف مالت عليه وقالت وهى تتطلع الى وجهه بتمعن :

– انت كويس يا ابنى

التفت اليها وابتسم بوهن وقال :

– أيوة متقلقيش عليا

نظر اليه بحزن وقالت :

– انت ندمان انك سيبت الشغل ؟

قال على الفور بثقة شديدة :

– لأ طبعاً مش ندمان أبداً

ثم أحاط كتفيها بذراعه وقربها منه قائلاً فى حنو :

– متقلقيش عليا .. أنا عارف انى هقدر أقف على رجلى تانى

قال وبقلب مخلص :

– ربنا يكرمك ويرزقك من وسع ويديلك على أد نيتك يا ابنى

قالت بحماس وبطيبة الأمهات المعهودة :

– عارف يا ابنى الحرام ده بياكل فى جسم الانسان وبيقلل بركة ماله وصحته وعفيته .. لكن الحلال حتى لو كان قليل بس ربك بيبارك فيه .. عارف يا “آدم” أبوك كان مرتبه قليل أوى أوى .. بس سبحان الله والله يا ابنى عمرنا ما ممدينا ايدنا لحد .. كنا أول كل شهر نعد نفكر ازاى هنقضى الشهر بالمرتب الصغير ده .. بس سبحان الله كنا بنحس ببركة ربنا فى كل حاجة وكان ربك بيسترها معانا لحد آخر الشهر وساعات كان يتبقى فلوس كمان .. كنت آجى أشيلها ألاقى أبوك الله يرحمه يقولى لازم نطلع منها صدقة عشان ربنا يباركلنا فى مالنا وصحتنا وابننا “آدم” .. كنت ساعات اقوله خليهم يمكن نحتاجهم فى وقت عوزه كان يقولى متقلقيش لو معاكى 10 جنيه وطلعتى منها لله 5 جنية يتبقى كام ؟ .. كنت أقوله يتبقى 5 جنية .. يقولى لا يتبقى 10 لأن الفلوس اللى بتطلعيها لله مبتقللش المال أبدا دى بتزود بركته

ابتسم “آدم” وهو ينظر الى أمه بتأثر .. قبل رأسها حتى انتبه اليه بعض الجالسين فى العياده .. وقال لها وهو مازال محيطاً كتفيها بذراعه :

– ربنا يرحمه .. ويبارك فيكي يا ماما .. انتى وبابا سبب اللى أنا فيه دلوقتى .. لانكوا بعملكوا الطيب ربنا كافئكوا وهدانى .. لو مكنتوش انتوا كده كان ممكن أفضل تايه طول عمرى

قبل رأسها مرة أخرى .. فنظرت اليهما احدى السيدات الجالسات بتأثر وقالت :

– ربنا يخليهولك يا حجه

التفتت اليها أم “آدم” وهى تشعر بسعادة غامر من معاملة ابنها البارة بها .. شعرت كأنها ملكته التى يدللها ويعتنى بها ويحث نفسه على نيل رضاها .. ربتت على قدميه وقالت بإبتسامه واسعة :

– انشاله يارب

**************************************

واجهت “أسماء” مشكلة مع أحد العاملين بالقرية فبحثت عن “على” الى أن وجدته واقفاً أمام أحد البوابة .. يتحدث الى أحد الحرس معطياً اياه بعض التعليمات .. اقتربت منه وقالت :

– لو سمحت يا أستاذ “على”

التفت اليها “على” ثم أخفض بصره وقال :

– ثوانى بعد اذنك

التفت الى الرجل وأنهى حديثه معه .. انصرف الرجل فالتفت اليها على ونظر الى الأرض قائلاً :

– اتفضلى

اقتربت منه “أسماء” لتريه المكتوب على احدى الورقات يديها .. غزى عطرها الفواح أنفه .. فابتعد خطوة الى الخلف .. نظرت اليه “أسماء” بشئ من الضيق وقالت :

– فى 2 من عمال البوفيه بتوع حفلة بكرة اعتذروا وطالبين أجاره بكرة وسلمونى طلبهم ده .. واحد تعبان والتانى مسافر وأنا مش عارفه هل نطلب اتنين غيرهم ولا الموجودين هيكفوا

قال “على” بهدوء وهو يأخذ منها الورقة ليقرأها :

– أصلاً دى مش شغلتك يا آنسة .. المفروض كانوا يجولى انا مباشرة

نظرت اليه “أسماء” بضيق وظنت أنه يهمش دورها فقالت بتحدى :

– لأ دى شغلتى الأستاذ “كريم” قال كده

طوى “على” الورقة وعض على شفتيه قليلا ثم قال بهدوء :

– حضرتك فهمتى كلام الأستاذ “كريم” غلط .. حضرتك مسؤلة عن السائحات ومشاكلهم اللى بيوجهوها فى القرية لو كانت مع أحد الموظفين حضرتك بترجعيلى .. ولو كانت مع أحدى الموظفات بترجعى للآنسة “آيات”

قالت بحنق وقد أيقنت أنها اساءت الفهم :

– طيب فهمت .. وبعدين اصلا عامل البوفيه هو اللى جالى وسلمنى الورقة وأنا جيت لحضرتك عشان معرفتش أتصرف

قال “على” بهدوء وهو يستعد للإنصراف :

– مفيش مشكلة .. بعد اذنك

غادر فى هدوء .. فالتفتت اليه “أسماء” ترمقه بنظراتها المتهكمة .. ثم ما لبثت أن عادت الى عملها من جديد

**************************************

انطلق “أحمد” بسيارته يشق طريقه الى العين الساخنة لحضور الإفتتاح المقام فى يوم غد .. كان يسير على الطريق بسرعة ولهفة .. لملاقاة “آيات” التى افتقدها فى الأيام الماضية .. قال “فؤاد” الجالس بجواره :

– فاضل كتير يا “أحمد”

التفت اليه “أحمد” قائلاً :

– لا يا بابا متقلقش نص ساعة ونوصل بالسلامة

قال “فؤاد” بإعجاب :

– تعرف .. “كريم” ده طلع راجل وقد المسؤلية .. أنا حاسس اننا هننجح جامد فى المشروع ده

قال “أحمد” وقد أسعده أن يشيد والده بـ “كريم” :

– ان شاء الله يا بابا .. هو فعلاً باين عليه راجل محترم

عبرت سيارته بوابة القرية فى تؤدة .. ابتسم “فؤاد” عندما رآى “كريم” واقفاً فى استقباله بصحبة أحد الرجال .. تبادل الجميع عبارات التحية وقدم “كريم” اليهم “على” قائلاً :

– الأستاذ “على” .. أخويا وصحبى وأحد نوابى فى القرية

رحب به “فؤاد” قائلاً :

– تشرفنا يا أستاذ “على”

قال “على” بحررج :

– الشرف ليا يا فندم

دخل الجميع الى مكتب “كريم” وجار بينهم حديث عن العمل الى أن قال “أحمد” :

– طيب هستأذن أنا .. هخدلى لفه فى القرية

سار فى القرية يتأمل ما حوله بنظرة رضا .. أخذته قدماه شرقاً وغرباً .. الى أن توجه عائداً فى طريقه الى المكتب .. فجأة لمحها .. كانت واقفة تنظر الى أحد الملفات فى يدها وهى تخط بقلمها بعض الملاحظات .. علت الابتسامة ثغره وقال مقترباً منها :

– “آيات” ازيك

التفت “آيات” اليه ورسمت ابتسامه صغيره على شفتيها وقالت بحرج :

– الحمد لله .. حمد الله على السلامة

اتسعت ابتسامته وهو يتأملها بعيناه قائلاً :

– الله يسلمك .. ها ايه أخبار الشغل هنا طمنيني مرتاحه ؟

أومأت براسها وقالت ممتنة :

– أيوة الحمد لله

قال بحنان :

– فرحتيني كنت قلقان عليكي

شعر “أحمد” بيد تبت على كتف فإلتفت ليجد “كريم” .. ابتسم له فى حرج وقال :

– ما شاء الله يا “كريم” المكان هنا روعة زى ما شوفته على السى دى بالظبط .. قال “كريم” بهدوء وان كانت ملامحه تنم عن الضيق :

– الحمد لله انها عجبتك يا “أحمد” .. على فكرة باباك منتظرك فى المكتب .. “على” هياخدكوا على الأوضتين بتوعكوا

التفت “أحمد” الى “آيات” قبل أن ينصرف قائلاً :

– سلام يا “آيات” أشوفك بعدين

كادت “آيات” أن ترحل بدورها لكن “كريم” أوقفها .. نظرت اليه بحرج وقالت :

– عارفه انك هتقولى انك مضايق ان “أحمد” كان واقف يتكلم معايا .. بس هو اللى جه كلمنى وأنا يدوبك رديت على أد السؤال

صمت “كريم” وهو يتطلع اليها ثم قال :

– بصى يا “آيات” أنا ليا عنين وعقل بفكر بيه .. واضح جداً من نظرات “أحمد” ليكي ومن اهتمامه بيكى انه حاسس بحاجة نحتيك

ارتبكت “آيات” ونظرت أرضاً وهى لا تجرؤ على اخباره بأنها تعلم ذلك جيداً .. فأكمل “كريم” :

– أنا مقبلش ان راجل يبص لأختى كدة .. مركز عينه عليكي وواقف يتكلم معاكى أكنه محرم ليكي .. مينفعش يا “آيات”

بلعت ريقها بصعوبة ونظرت اليه قائله :

– طيب خلاص هحاول معدتش هقف معاه تانى

أحاطت كتفيها بذراعه وسار بها فى اتجار البحر يمشى بخطى بطيئة .. التفت اليها وقال بهدوء :

– بصى يا حبيبتى .. عايزك تعرفى انى بعمل كده عشان أحافظ عليكي .. أنا أخوكى الكبير وانتى رعية ربنا ائتمنى عليها وهيسألنى عنها يوم القيامة .. انتى لسه صغيرة وفى حاجات كتير ممكن تعمليها ببراءة بس هى بتكون غلط وغلط كبير كمان

أومأت “آيات” برأسها وهى شاردت تنظر الى الرمل الذى تخطوه بقدميها .. فأكمل “كريم” :

– مفيش حاجة اسمها صحوبيه بين ولد وبنت .. وأى ولد يقول لبنت احنا صحاب واصدقاء والكلام ده يبقى بيضحك عليها وعلى نفسه .. لأن ميل الذكر للأنثى والأنثى للذكر دى حاجة فطرية ربنا خلقنا عليها

ثم قال :

– وبعدين أى اتنين بيقولوا انهم صحاب أكيد هتحصل بينهم تجاوزات غصب عنهم .. زى مثلا انهم يبصوا لبعض ويركزوا نظرهم على بعض وهما بيتكلموا .. ربنا سبحانه وتعالى بيقول “قل للمؤمنين يغضوا من ابصارهم ويحفظوا فروجهم ذلك ازكى لهم ان الله خبير بما يصنعون * وقل للمؤمنات يغضضن من أبصارهن ” .. يعني زى ما الراجل مأمور بإنه يغض بصره .. البنت برده ربنا أمرها تغض بصرها

توقفا عن السير أمام الشط فالتفت اليها وأنزل ذراعه قائلاً بهدوء :

– وفى حاجة أنا لاحظتها فيكي يا “آيات” .. لما بتيجي تتكملى مع “أحمد” أو “على” أو أى راجل بتتكلمى وانتى بتبصيله

قالت “آيات” بتوتر وقد احمرت وجنتاها :

– بس أنا مبيبقاش قصدى حاجة .. أنا ببص عادى يعني مش قصدى أركز معاه

ابتسم “كريم” قائلاً :

– عارف انك مبيبقاش قصدك حاجه وحشة .. بس برده مينفعش .. لان ربنا هو اللى أمرك بكده .. حتى لو نيتك كويسة برده مينفعش

أطرقت “آيات” برأسها .. فقال “كريم” :

– النبي صلى الله عليه وسلم قال “ما تركت بعدى فتنة هي أضر على الرجال من النساء” .. عشان كده ربنا أمر النساء وقالهم “لا تَخْضَعْنَ بِالْقَوْلِ فَيَطْمَعَ الَّذِي فِي قَلْبِهِ مَرَضٌ” .. وأنا مش هقبل أن حد يطمع فى أختى

أومأت برأسها مرة أخرى وهى مازالت مطرقة .. ألقى “كريم” نظرة على البحر أمامه ثم التفت اليها قائلاً :

– ساكته ليه .. اضايقتى من كلامى

نظرت اليه قائله بصدق :

– لا والله بالعكس .. أنا فرحانه انك بتنصحنى .. لأن فى حاجات كتير أنا معرفهاش

ابتسم اليها وقال :

– لو فى اى حاجة حابه تعرفيها اسأليني فيها على طول

ابتسمت وقالت :

– ماشى

– يلا نرجع ورانا شغل كتير .. حفلة بكرة تخرج أحسن ما يكون

عادا ادراجهما .. وعقل “آيات” شارداً فى كلمات “كريم” .. تعيدها فى رأسها مرة أخرى كشريط المسجل

*********************************

فى المساء .. أطلقت “إيمان” ضحكة عالية وقالت وهى تنظر الى وجهها فى المرآة وقد كساه سائل لزج ذو لون أخضر :

– بقيت شبه الرجل الأخضر

ضحكت “آيات” الجالسه خلفها تضع على وجهها نفس السائل وقالت :

– معلش اللى عايز الورد يتحمل شوكه

نظرت “إيمان” الى “أسماء” الذى اكتسى لونها هى الأخرى باللون الأخضر وقالت بمرح :

– “أسماء” انتى حطه ايه فى البتاع ده .. عارفه لو اتشوهت هعمل فيكي ايه

قالت “أسماء” ضاحكة :

– يا ابنتى ما أنا و “آيات” حطين زيك أهو يعني لو فى حاجه وحشة مكناش حطيناه على وشنا

قالت “إيمان” وهى تجلس بجوارها :

– يعنى البتاع ده لما هشيله هبص فى المراية ألاقى نفسى بقيت مزه

ضحكت “آيماء” وقالت :

– ليه هو أنا عمله خلطة سحرية .. قال مزه قال

نظرت اليها “إيمان” بغيظ .. فقالت “آيات” :

– أصلاً انتى يا “إيمان” بشرتك رايقه أوى ما شاء الله يعني مش محتاجه ماسكات خالص .. بس أهو تجربى معايا العك بتاع “أسماء”

قالت “أسماء” بغيظ :

– طالما عك طلبتى منى أعملهولك ليه .. زى القطط صحيح

ثم نظرت اليهما وقالت بحماس :

– شكل الحفلة دى هتبقى جامده .. ناس ستايل وأجانب بأه ورجاله لوووووز

صاحت “إيمان” مستنكره :

– يخرب عقلك ايه رجالة لوووز دى .. خليتى ايه للولاد

قالت لها “أسماء” بمرح :

– خليكي انتى فى البتاع اللى حطاه على وشك ده .. كفاية عليا أخوكى

– ماله “على” بأه

– ممالوش يا ستى .. بس تحسيه عنده كلكيعه أد كده .. شكله كان بيحب واحده زمان وهى اللى كرهته فى الصنف

ضحكت “إيمان” وقالت :

– لا ” على ” مش كاره الصنف ولا حاجه

صاحت “أسماء” بإستنكار :

– أمال لو كان كاره كان عمل ايه .. ده بيتكلم من مناخيره وبالقطاره بيحسسنى انى بشحت منه مش بشتغل معاه .. على فكرة أخوكى بجد مغرور أوى

قالت “إيمان” بجديه :

– لا والله “على” مش مغرور خالص بالعكس هو حد بسيط أوى

مطت “أسماء” شفتيها وقالت :

– معرفش .. بس أنا شيفاه مغرور

ثم نظرت الى “آيات” قائله :

– وأخوكى انتى كمان مغرور وشايف نفسه

ألقت عليها “آيات” الوسادة فأصابت وجهها وقالت :

– احترمى نفسك ومتقوليش على “كريم” كده

نظرت “أسماء” بأسى الى الوسادة التى اتسخت بالماسك وهتفت :

– بوظتيلى الماسك ربنا على الظالم والمفترى

قالت لها “آيات” بتشفى :

– أحسن عشان متتكلميش عن أخويا تانى

نهض “أسماء” بتبرم لتضع الماسك مرة أخرى على وجهها فأطلقت “آيات” و “إيمان” الضحكات العالية وقالت “إيمان” بمرح :

– أحسن تستاهل

***********************************

فى مساء يوم حفل افتتاح قريــة الماســة .. استعد الجميع لهذا الحدث الكبير .. بدا التوتر على البعض منهم .. وبد الحماس والتفاؤل على آخرين .. كان الجميع يعمل كالنحل فى الخليه .. من أجل الخروج أمام الناس والصحافة الإعلام بأفضل صورة لائقة ..

كانت قاعة الإحتفال من الداخل تحتوى على طاولات للنساء فى جهة وطاولات للرجالة فى الجهة الأخرى .. راقب “كريم” كل شئ بدأ من جودة الطعام الى الفقرات الترفيهية والبيرزينتيش للتعريف بالقرية .. وقف “على” أمام باب القاعة يرتدى حلة أنيقة يرحب بالرجال ويرشدهم الى مكان القاعة .. ووقفت “أسماء” على بعد خطوات منه وقد ارتدت فستاناً أبرز بعض مفاتنها وزينت وجهها بالمكياج .. ولفت حجابها الى الخلف حتى بدت رقبتها عارية من الأمام .. حانت منها التفاته الى “على” الذى يقف بزاوية مولياً اياها ظهره .. رفعت حاجبيها فى دهشة وهى تنظر الى سيارة “ساندى” التى توقفت على بعد خطوات لتهبط منها متوجهة الى القاعة .. تسمرت “ساندى” فى مكانها وهى ترى “أسماء” .. اقتربت منها قائلة :

– ايه ده “أسماء” .. مش “أسماء” برده ؟

أومأت “آيات” برأسها مبتسمه فسألتها “ساندى” بإستغراب وهى تراها واقفة على باب القاعة :

– ازيك يا أسماء بتعملى ايه هنا ؟

اتسعت ابتسامة “أسماء” وهى تقول بنعومة :

– هاى “ساندى” .. أنا بشتغل هنا

رفعت “ساندى” حاجبيها فى دهشة فقالت “أسماء” بنظرات ماكرة :

– منورة قريتنا يا “ساندى”

تجاهلت “ساندى” حديثها وتوجهت الى داخل القاعة .. نظرت بمزيج من الدهشة والإمتعاض الى ترتيب الطاولات .. والى الصوانى المحملة بالعصائر التى تُقدم للضيوف .. ألقت نظرة سريعة ثم ما لبثت أن عادت أدراجها وانطلقت بسيارتها الى خارج القرية

أقبلت احدى الزائرات فابتسمت “أسماء” فى وجهها ورحبت بها .. قالت المرأة بإعجاب :

– القرية بتاعتكوا ممتازة .. أخدت جولة فيها بجد رائعة وكمان الأوفرز اللى عاملينها هايله .. ربنا يوفقكوا

قالت “أسماء” بأدب :

– شكراً لحضرتك وان شاء الله نكون دايماً عند حسن ظنك

قالت المرأة بحماس :

– يا ترى فين مدير القرية أو حد من المسؤلين هنا .. عايزه أشكرهم بنفسى

أشارت “أسماء” الى “علي” الذى كان مستمعاً الى الحوار وقالت :

– ده الأستاذ “على” نائب مدير القرية

التفتت المراة الى “على” وقالت ببشاشة وهى تمد له يدها للمصافحة:

– أهلا بحضرتك .. بجد بحييكوا على المجهود العظيم ده

نظر “على” الى يدها الممدومة ثم أبعد عينيه وقال بأدب :

– أهلا بحضرتك معلش آسف مبسلمش على ستات .. ان شاء الله تلاقى الإقامة عندنا فى القرية ممتعة

تلاشت ابتسامة المرأة وأعادت يدها بجوارها ودخلت القاعة دون أن تتفوه ببنت شفه .. زفرت “أسماء” بضيق وهى تتابع المرأة بعينيها ثم التفتت الى “على” قائله بحنق شديد :

– مكنش فيها حاجة يعني لو سلمت عليها بدل ما تحرجها كده

أطرق “على” برأسه دون أن يجيب .. شعرت “أسماء” بالحنق أكثر وهتفت :

– بقول مكنش فيها حاجة يعني لو سلمت عليها بدل ما تحرجها كده

تمتم “على” بهدوء دون أن ينظر اليها :

– سمعتك

زاد رده من حنقها أكثر و أكثر .. فقالت بحده :

– طالما سمعت جاوبنى

قال “على” وهو يعقد حاجبيه بضيق وهو لا يزال ينظر أمامه دون أن يلتفت اليها :

– حضرتك مسألتيش حاجة عشان أجاوبك

زفرت “أسماء” بحنق ونظرت أمامها صامته .. قال “على” فجأة بنبرات هادئة :

– النبي صلى الله عليه وسلم قال ” لئن يطعن في رأس أحدكم بمخيط من حديد خير له من أن يمس امرأة لا تحل له ” .. وأنا معنديش استعداد أتحمل العذاب ده عشان أرضى واحدة أو محرجهاش

ظلت “أسماء” صامته .. حانت منها التفاته اليه لتجده يقف كما هو لا ينظر اليها .. نظرت أمامها وقد بدا عليها الشرود .. فى تلك اللحظة أقبلت “آيات” بصحبة “إيمان” فهتفت “أسماء” بتهكم :

– ما لسه بدرى

قالت “آيات” بعجالة :

– كان ورايا شوية حاجات بخلصها

التفت “على” وألقى نظرة رضا على ملابس أخته المحتشمة وعلى وجهها الخالى من الزينه .. قالت “آيات” :

– ادخلى انتى يا “أسماء” .. هقف بدالك شوية

توجهت “أسماء” الى داخل القاعة بصحبة “إيمان” واهتمتا بالضيوف بالداخل .. جالت “إيمان” بعيناها فى القاعة تتفحص المكان فوقع نظرها على “كريم” الذى يمر بين طاولات بخفة مرحباً بهذا وضاحكاً مع هذا .. أشاحت بوجهها سريعاً وجلست على احدى الطاولات

وقفت “آيات” ترحب بالنساء .. عندما تقدم منها “أحمد” بحلته الأنيقة وعطره الراقى وقال مبتسماً :

– ايه الأخبار

قالت وهى تبعد عينيها عن وجهه متذكره كلمات “كريم” :

– تمام الحمد لله

نظر اليها قائلاً :

– لو تعبتى ادخلى وواحدة من البنات تقف مكانك

قالت على الفور دون ان تنظر اليه .. وقد بدأت تشعر بالضيق من تدخله المتزايد فى شئونها :

– لا متعبتش

دلف “أحمد” الى داخل القاعة وقام بمهمة مجالسه الضيوف والترحيب بهم شأنه شأن “كريم” الذى بدا نجم الإحتفال بأناقة ملبسه وعذوبة لسانه وبشاشة وجهه وثقته بنفسه وحديثه المرح

*************************************

عدلت أم “آدم” من وضع عويناتها الجديدة فوق أنفها وتوجهت الى غرفة ابنها تتطلع اليه وهو واقف أمام مرآته بحلته الأنيقة الفاخرة يصفف شعره فى تؤدة فابتسمت قائله :

– ربنا يحرسك من العين يا ابنى

ثم اقتربت منه ووضعت كفها على رأسه تقرأ له فاتحة الكتاب والمعوذتين .. بعدما انتهت التفت اليها مبتسماً .. فقالت له :

– على فكرة أنا خلاص يا ابنى جهزت الشنط

قال لها وهو يتوجه الى الكمودينو يحمل هاتفه ومفاتيحه :

– تمام .. أنا مش هتأخر عليكي ان شاء الله يا ماما .. يعني كلها ساعة ساعة ونص بالكتير

ثم نظر اليها وقال :

– برده مش عايزة تيجي معايا ؟

قالت وهى تجلس على فراشه :

– لا يا ابنى أنا مليش فى الحفلات والجو ده .. انا هستناك هنا

قبل راسها وقال :

– طيب شغلى التليفزيون اتسلى فيه على ما أرجع .. وأنا هاخد الشنط دلوقتى أحطها فى العربية

حمل “آدم” الحقائب ووضعها فى حقيبة السيارة .. اتصل بـ “زياد” وهو ينطلق بسارته وقال :

– ها انت فين .. انا فى الطريق

– وأنا كمان لسه طالع حالاً نتقابل هناك هستناك بره عشان ندخل سوا

**************************************

– التفت “على” يقول لـ “آيات” وهو غاضاً بصره :

– خلاص كده أعتقد مفيش حد جاى بعد كده .. ندخل أحسن

دخلت “آيات” ولحق بها “على” .. توجهت الى طاولات النساء ترحب بهن وتقدم لهن المشروبات الباردة المنعشة .. بدا على الجميع الرضا من الأنظمة المتبعة فى القرية ولكن الأمر لم يخلو من بعض الإنتقادات اللازعة !

توقفت سيارة “زياد” فى القرية وقبل أن يترجل من السيارة أتى “آدم” بسيارته .. تصافح الصديقان وقال “زياد” وهو ينظر حوله متأملاً :

– يلا بينا ندخل نشوف الناس دى بتعمل ايه بالظبط ده أنا سمعت عن قوانين غريبه عمر ما حد نفذها قبل كده

– يلا بينا

دخل الاثنان القاعة .. لأول وهله شعر كلاهما بالدهشة لوجود طاولات مخصصه للنساء وأخرى للرجال .. وبد كل قسم مندمجاً وشبه مستقل عن الآخر .. نظرا الى بعضهما البعض .. وتوجها الى طاولات الرجال .. أدار “آدم” عينيه فى المكان متفحصاً وجوه الرجال .. وقع بصره على “أحمد” .. فجأة صاح “زياد” قائلاً :

– مش ممكن

التفت اليه “آدم” ينظر اليه مستفهماً .. لكن “زياد” تركه وتوجه الى “كريم” الذى كان واقفاً مع رجلين يتحدثون بمرح .. وقف أمامه قائلاً بدهشة ممزوجة بالسعادة :

– “كريم ضياء” !

التفت “كريم” لينظر الى “زياد” ثم ما لبث أن اتسعت ابتسامته وصاح قائلاً :

– “زياد” .. مش ممكن .. وحشنى أوى يا ابن الايه

تعانق الاثنان وكل منهما ينظر الى الآخر بسعادة .. صاح “زياد” :

– انت بتعمل ايه هنا ورجعت من النمسا امتى ؟

قال له “كريم” مبتسماً :

– رجعت من أقل من شهر .. وبعمل ايه هنا فسيادتك أنا مدير القرية

هتف “زياد” بدهشة :

– والله العظيم .. ده ايه الصدفة الجميلة دى

أشار “زياد” لـ “آدم” الذى تركه واقفاً على بعد خطوات .. أقبل “آدم” ينظر الى “كريم” .. فقدم “زياد” كلاهما الى الآخر قائلاً :

– أعرفكوا ببعض .. “كريم ضياء” .. دكتور “آدم خطاب”

تصافح الرجلان ورحب كل منهما بالآخر .. قال “زياد” بمرح :

– “آدم” يا “كريم” يبقى أخويا وصحبى من واحنا صغيرين

ثم نظر الى “آدم” قائلاً :

– “كريم” اتعرفت عليه فى شرم لما كنت بشتغل فى القرية اللى هناك .. راجل محترم جداً .. وآخر مرة شوفته فيها قبل سفره النمسا بأيام

ثم عادر ينظر الى “كريم” وهو يقول :

– وأهو رجع أهو وبأه مدير قرية الماسة

نظر اليه “آدم” بدهشة قائلاً وهو يتأمله بلحيته التى لم يرى من قبل مدير قرية سياحيه يحملها :

– انت مدير القرية ؟

ابتسم “كريم” قائلاً :

– أيوة مدير القرية بس مش لوحدى معايا شريك .. “فؤاد ……”

– أيوة طبعاً أسمع عنه

فى تلك اللحظة اقترب “فؤاد” فعرف “كريم” كل منهم على الآخر .. فرفع “فؤاد” حاجبيه قائلاً وهو ينظر الى “آدم” :

– “آدم خطاب” ! .. مدير قرية جولدن بيتش

قال “آدم” مصححاً :

– سابقاً : أنا و “زياد” سيبنا الشغل من يومين

نظر اليه “كريم” بدهشة وقال :

– مكنتش أعرف انك سبتها

ثم نظر الى “زياد” وقال بدهشة :

– ولا كنت اعرف انك بتتشغل فى جولدن بيتش

قال “زياد” بضيق :

– دى قرية ما يعلم بيها الا ربنا كويس اننا خلصنا من الشغل فيها

قال “كريم” بإهتمام :

– نازلين فين دلوقتى ؟

قال “زياد” شارحاً :

– لا احنا راجعين النهاردة على القاهرة .. كان عندنا فضول بس نحضر الافتتاح ونتفرج على القرية اللى الناس ملهاش سيرة غير عنها

ابتسم “كريم” مرحباً وقال :

– القرية وصحاب القرية تحت أمركوا

قدم لهما واجب الضيافه وهو يتطلع حوله خوفاً من حضور “عاصى” .. حاول أن ينظر تجاه النساء للبحث عن “آيات” لكنه لم يجدها لأول وهله فأشاح بوجهه

هتفت “آيات” بإستغراب :

– طيب ومشيت بسرعة ليه

قالت “أسماء” ساخره :

– أنا عارفه يدوبك دخلت دقيقة وخرجت تانى تتمخطر وركبت عربيتها ومشيت

قالت “آيات” وهى تفكر :

– أكيد كانت جايه تشوف النظام ايه مش احنا نعتبر قرية منافسة لقرية باباها

فكرت “آيات” بقلق .. تُرى هل “ساندى” فقط من دفعها الفضول لحصور الإفتتاح .. أم أن “آدم” أيضاً لربما دفعه فضوله للحضور .. نفضت تلك الفكرة من رأسها وهى تقول .. لا تقلقى نفسك يا “آيات” .. وحتى لو حضر فلا شـأن لكِ به .. تناست أفكارها واندمجت فى الحديث مع احدى السيدات

وقف “آدم” ينظر بإعجاب شديد الى الشاشة التى تعرض صور للقرية ولأنظمة العمل بها .. اقترب منه “كريم” قائلاً :

– يهمنى أعرف رأى شخص خبرة زيك يا دكتور

التفت اليه “آدم” وقال بإعجاب ظاهر :

– بصراحة ممتاز .. أفكار جريئة محدش نفذها قبل كده .. وفى نفس الوقت تريح ضمير أى واحد شغال فى السياحة

ابتسم “كريم” قائلاً :

– وأنا سعيد ان ده رأيك يا دكتور

– بس انت دراستك ايه

ضحك “كريم” قائلاً :

– تقصد عشان الأنظمة اللى حطينها فى القرية والأفكار اللى نفذناها .. لا كل دى اقتراحات أختى .. هى اللى قدمت المشروع وبعدها كلمتنى عن أفكارها وعجبتنى جداً ودخلت شراكة مع الأستاذ “فؤاد”

قال “آدم” مبتسماً :

– بجد هايل ربنا يوفقكوا

بعد ما يقرب من الساعة استأذن “آدم” و “زياد” للإنصراف .. فهتف “كريم” :

– بتهرج يا “زياد” ملحقناش نعد ما بعض

– هجيلك تانى أكيد هتروح منى فين

– طيب ابقى اعملها انت بس وانت عارف القرية تحت أمرك انت ودكتور “آدم” .. منتظر ان شاء الله زيارة منكوا قريب عشان تشوفوها على الطبيعه

قال “آدم” مصافحاً اياه :

– أكيد ان شاء الله هيبقى فيه زيارة تانية .. بس اعذرنى عشان سايب والدتى منتظرانى فى الشاليه .. وعشان كمان السفر أدامنا 3 ساعات على الطريق

قال “كريم” مودعاً اياهما :

– ربنا يحفظوا ان شاء الله .. اتشرفت بمعرفتك يا دكتور

ثم عانق “زياد” قائلاً :

– مستني زيارتك ان شاء الله

رحل “آدم” بصحبة “زياد” متوجهاً كل منهم الى سيارتهما

كانت “آيات” مندمجة فى الحديث مع احدى السيدات .. وفجأة ارتطمت بها فتاة من الخلف .. فالتفتت الفتاة و “آيات”فى نفس الوقت ولترتطم يد الفتاة المحملة بكوب العصير بـ آيات” ويتساقط العصير على ملابسها .. صاحت الفتاة بحرج :

– أنا اسفة .. معلش بجد أنا اسفة أوى

قالت “آيات” وهى تنظر الى ملابسها التى اتسخت بالعصير :

– لا أبداً ولا يهمك

قالت الفتاة وهى تخرج منايلها من حقيبتها وتمسح آثار العصير عن ملابس “آيات” :

– أوف مش هيطلع .. طيب اعمليه فى الحمام بماية وشوية وهتنشف

نظرت اليها “آيات” مبتسمة وقالت :

– مفيش مشكلة هروح الشقة أغير

قالت الفتاة بأسف شديد :

– معلش والله مخدتش بالى أنا آسفة مرة تانية

– لا أبدا ولا يهمك

التفتت “آيات” لتقابل “أسماء” التى تحاول كتم ضحكاتها وقالت :

– شكلك فظيع بالعصير المدلوق عليكي ده .. تخيلى لو حد من الصحفيين صورك ونلاقى بكرة صورتك ومكتوب فوقها بالبنط العريض .. احدى المسؤلات فى قرية الماسة تسكب العصير على ملابسها كالأطفال

نظرت اليها “آيات” بغيظ وقالت :

– “أسماء” مش وقتك

قالت “أسماء” وهى مازالت تضحك :

– طيب روحى غيري هدومك بسرعة مش معقول هتقضى بقية الحفلة بالمنظر ده

لم تجد “آيات” حلاً آخر فتوجهت تشق طريقها بين النساء

ما كاد يصل “زياد” الى سيارته حتى هتف :

– أوبس نسيت آخد رقم “كريم”

نظر الى “آدم” قائلاً وهو ينصرف :

– ثوانى يا “آدم” هاخد منه الرقم بسرعة وأجيلك

أومأ “آدم” برأسها ووقف واضعاً يديه فى جيب بنطاله يتطلع الى المكان حوله منتظراً عودة “زياد” .. دخل “زياد” القاعة فكاد أن يصطدم بـ آيات” التى كانت تهم بالخروج .. رجع خطوة للخلف قائلاً :

– اتفضلى

خرجت “آيات” وهى تحاول بالمناديل مسح بقع العصير التى ترسبت فوق ملابسها .. كانت عينا “آدم” تدور فى المكان .. ثم التفت ينظر الى باب القاعة منتظراً خروج “زياد” .. توقف الزمن .. بل توقف كل شئ .. توقف قلبه عن مهمته فى ضخ الدماء الى جسده .. وتوقفت رئتيه عن امداد قلبه بالأكسجين .. .. وتوقف عقله عن التفكير .. لم تعمل سوى عيناه التى تعلقت بتلك الفتاة الخارجة من القاعة .. اتسعت عيناه وهو يراها تمر أمامه .. لم يتمكن من رؤية وجهها الا للحظة لكنها كانت كافيه ليتعرف عليها .. عادت أجهزته للعمل ولكن بسرعة جنونيه .. لم يشعر بنفسه الا وهو يسرع الخطا ليلحق بها .. هتف بلوعة وبصوت مرتجف وكأنه قادم من مكان سحيق :

– “آيات” !

توقفت .. لم يقل الا كلمة واحدة لكنها عرفت صوته .. وكيف تستطيع نسيان ذلك الصوت التى كانت تستمتع اليه فى محاضراته بالساعات .. حبست أنفاسها .. كرر ندائه .. الذى لم يكن نداءاً بقدر ما كان استفهاماً ملهوفاً ممزوج بالتعجب :

– “آيات” !

اضطرب تنفسها وتسارعت نبضات قلبها .. بلعت ريقها بعصوبة وأخذت نفساً عميقاً لتلتفت ببطء وتقف فى مواجهته .. غارت عينا “آدم” فى محجريهما وتحركتا بسرعة على وجهها بتفاصيله وكأنهما لا تصدقان ما تراه أمامها .. هربت الدماء من وجهه وكأنه يرى شبحاص أمامه .. اضطرب تنفسه بشدة وبدا كمن يجاهد ليبقى قلبه الذى يخفق بجنون حبيس صدره .. اقترب منها أكثر وقال بذهول ولهفة وجزع :

– آيات

بلعت “آيات” ريقها بصعوبة وهى تنظر اليه .. حاولت أن تفهم مشاعرها فى تلك اللحظة فلم تستطع .. بدا وكأن قلبها وعقلها يتحدثان معها بلغة لا تفهمها .. ثم .. استدارت لتغادر .. اندفع “آدم” بسرعة جاذباً اياها من ذراعها .. التفتت تنظر اليه بدهشة واستنكار .. فأمسك بيده الأخرى ذراعها الآخر وأدارها لمواجهته .. نظرت اليه بحدة وصاحت :

– سيبنى

لمعت الدموع فى عينيه وعلى شفتيه ابتسامة حائرة متردده وهو يقول بصوت مضطرب :

– “آيات” .. انا مش مصدق

تحولت دهشتها وسكونها الى غضب .. حاولت جذب نفسها من بين يديه الممسكة بذراعيها وهى تصيح :

– بقولك سيبنى

لكن “آدم” تشبث بها بقوة لم يترك لها فرصة للإفلات من بين يديه ..قربها منه أكثر واتسعت ابتسامته وهو يقول بصوت باكى وهو يتأملها بلهفة :

– حبيبتى .. مش مصدق .. “آيات” أنا مش مصدق

جذبت نفسها للخلف وقد بدأت تشعر بالخوف منه .. صاحت قائله بحزم :

– سيبنى لو سمحت

جذبت ذراعيها من يديه بعنف .. لم يتركها إلا ليمسك وجهها بين كفيه يتحسسه كما لو كان يتأكد من أنها حقيقيه .. قرب منها بوجهه قائلاً بحيرة ولهفة :

– ازاى .. انتى مكنتش معاها .. افتكرت معاها

تساقطت عبراته فوق وجنتيه وهو يقول بصوت باكى وهو يتذكر البناء المنهار والحريق والجثة المتفحمة التى دفنها ظناً منه أنها “آيات” :

– افتكرتك كنتى معاها .. “آيات”

صاحت بغضب وهى تحاول الابتعاد عن مرمى يديه :

– انت اتجننت .. سيبنى بقولك يا إما هنادى الأمن

بدا وكأنه لا يسمعها .. كل ما كانت ترسله حواسه الى عقله المضطرب هو أن “آيات” على قيد الحياة وأنها واقفة أمامه الآن .. نظرت “آيات” اليه وقد تزايد خوفها فضلاً ضيقها الشديد من اقترابه منها بهذا الشكل .. حاولت ابعاده عنها بعنف شديد .. فنبهه عنفها الى حالة الخوف التى اعترتها .. نظر اليها بدهشة وقال وهو ممسك ذراعها يأبى أن يتركها :

– “آيات” براحه متخفيش

فى تلك اللحظة خرج “زياد” يبحث عن “آدم” .. صُدم عندما وجده واقفاً على بعد عدة خطوات ممسكاً بفتاة تحاول افلات نفسها من بين يديه .. لمحته “آيات” فصرخت له قائله وهى تستنجد به بلهفة :

– لو سمحت تعالى .. خليه يسيبنى

اقترب “زياد” فى دهشة وأمسك “آدم” يبعده عنها وهو يقول بإستغراب مما يفعل صديقه :

– “آدم” سيبها يا “آدم”

صرخت “آيات” بحده وقد تقطعت أنفاسها بعدما نجحت فى افلات ذراعها من يده :

– انت معندكش دم ولا ذوق .. اياك تقرب منى تانى .. سامع

نظر اليها “آدم” مصدوماً وكأن عقله لا يستوعب كل ما يحدث وقال بإضطراب :

– مكنش قصدى أخوفك .. بس انتى متعرفيش أنا .. أنا كنت هناك فى القاهرة عند بيت ……..

لم تتوقف “آيات” لتستمع الى حديثه بل أولته ظهرها وانطلقت فى طريقها .. انطلق خلفها وجذبها مرة أخرى من ذراعها يوقفها فصرخت وهى تعنفه قائله :

– والله لو مسبتنى لهنادى الأمن أخليهم يرموك بره

لحق به “زياد” وجذبه الى الخلف وهو يصيح به :

– “آدم” .. مالك يا “آدم” .. سيبها بأه متعملناش مشاكل .. “آدم” فوق

جذب “زياد” ذراعها من قبضة “آدم” المتشبثة بها بقوة .. وجذبه فى اتجاه السيارة .. سار “آدم” للخلف وعيناه معلقتان بها وهى تجرى مسرعة فى اتجاه شقتها .. نزع “آدم” نفسه من “زياد” وود أن يلحق بها مرة أخرى .. فأوقفه “زياد” وصرخ به :

– “آدم” انت اتهبلت .. انت فيه ايه

نظر اليه “آدم” ومازالت الدماء هاربة من وجهه وقال بأعين دامعة وابتسامة مرتجفة :

– “آيات” يا “زياد” .. دى “آيات”

تجمد “زياد” فى مكانه للحظات ثم صاح :

– ازاى يعني

قال “آدم” وقد اتسعت ابتسامته وقال بلهفة :

– بقولك هى .. مماتتش يا “زياد” .. “آيات” عايشة ممتتش

التفت “زياد” ينظر الى الاتجاه الذى ذهبت منه “آيات” ثم جذب صديقه فى اتجاه السيارة .. توقف “آدم” قائلاً بحده :

– واخدنى على فين مش همشى .. أنا هروحلها .. مش هسيبها

صاح به “زياد” بعنف :

– تروحلها فين البنت مرعوبة منك لو طلبتلك الأمن هتبقى مشكلة .. تعالى نرجع الشالية وتهدى كدة وبعدين تفكر

بدا وكأن “آدم” لم يستمع اليه ..صاح مرة أخرة بسعادة :

– “آيات” عايشة يا “زياد” .. عايشة

ابتسم “زياد” وربت على كتفه وجذبه الى سيارته وسأله بقلق وهو يرى تعبيرات وجهة الغريبة وتنفسه المضطرب :

– هتعرف تسوق ؟

أومأ “آدم” برأسه وعيناه متعلقة فى الاتجاه الذى غادرت منه .. انطلق فى طريقه وقد اتسعت ابتسامته ودمعت عيناه بفرحة .. وخفق قلبه بجنون .. وهو يتمتم بشفين مرتجفتين :

– “آيات” !

الفصل الخامس والعشرون

صلوا على رسول الله

عادت “آيات” الى غرفتها وهى ترتعش بشدة .. وقلبها يخفق بقوة .. توجهت الى النافذة تتأكد من كون “آدم” لم يتبعها .. جلست على فراشها ومازالت يداها ترتعشان .. أعادت فى عقلها ما حدث منذ قليل .. تملكها شعور بالخوف والغضب فى آن واحد .. خوف من أن يتعرض لها مرة أخرى وظلت تتساءل فى نفسها .. ماذا يريد .. لماذا تصرف هكذا .. يا لجرأته .. بل يا لوقاحته .. شعرت بالغضب من امساكه بها وقربه منها على هذا النحو .. لم تشعر الا والعبرات تتساقط فوق وجنتيها .. ماذا يظننى .. كيف يتعامل معى بهذا الشكل .. أيظننى سهلة الى هذه الدرجة .. يقترب منى وقتما شاء وكيفما شاء .. كيف يجرؤ على الاقتراب منى ولمسى بهذا الشكل .. أبدلت ملابسها بملابس النوم .. فلم تشعر فى نفسها بأى رغبة فى العودة للحفل .. كانت تخشى أن تواجهه مرة أخرى .. وحتى وإن لم تواجهه .. لن تستطيع التحدث مع أى شخص الآن .. فالشى الوحيد الذى تشعر به الآن .. هو الرغبة فى البكاء .. لا تعرف تحديداً لماذا تبكى .. لكنها فقط كانت تريد أن تبكى .. وبكت !

***************************************

فتح “آدم” باب الشاليه ولحقه “زياد” .. استقبلته أمه قائله :

– خلاص يا حبيبى أنا جاهزة وتممت على كل حاجة فى الشاليه

لكنها فوجئت به يقبل عليها ويمسك كتفيها قائلاً وابتسامة واسعة على محياه :

– “آيات” عايشه يا ماما .. مماتتش

اتسعت عينا أمه من الدهشة وقالت :

– بتقول ايه يا ابنى

هزها بيديه وقال بحماس والسعادة فى عينيه :

– بقولك “آيات” .. الحمد لله عايشة .. شوفتها يا ماما

نقلت أمه نظرها بينه وبين “زياد” فقد ظنت أن حزنه عليها جعله يتخيل رؤيتها .. قال “زياد” مبتسماً :

– شكلها فعلاً ممتتش .. واللى ماتت دى كانت واحدة تانية

التفت اليه “آدم” وقال بلهفة :

– أنا مش قادر أصبر عايز أروح أشوفها تانى وأتكلم معاها

قال “زياد” محذراً :

– اهدى شوية يا “آدم” .. البنت كانت هتطبلك الأمن .. مش عايزين مشاكل

شهقت أم “آدم” قائله :

– تطلبلك الأمن .. ليه يا ابنى

فال “زياد” بمرح :

– ابنك لما شافها فضل ماسك فيها مش عايز يسيبها والبنت كانت يا عيني مرعوبة ومخضوضة وده برضه متبت فيها بإيده وسنانه

ابتسم “آدم” قائلاً :

– أعمل ايه يعني .. كنت هتجنن لما شوفتها أدامى

ثم قال بحزن :

– بس مدتنيش أى فرصة أتكلم معاها .. ولا انى أشرحلها أى حاجة

قال “زياد” مطمئناً اياه :

– متقلقش بكرة تتكلموا مع بعض وتقولها كل الكلام اللى جواك .. بس اهدى كده واعقل عشان الأمور دى متتاخدش الا بالهداوة

لم يستطع “آدم” النوم .. ظل ممدداً فوق فراشه واضعاً اللاب توب فوق قدميه يتأمل صورتها والابتسامه على شفتيه لا تغادرهما .. لم يصدق حتى تلك اللحظة أن “آيات” مازالت على قيد الحياة .. تمنى أن يذهب اليها ويتحدث معها فما كان يطيق هذا الانتظار .. لكنه خشى أن يسبب لها المزيد من الخوف .. اختفت ابتسامته وهو يتذكر كيف كانت خائفه منه .. فزعه .. تحاول افلات نفسها من بيد يديه بعنف .. تنهد وهو يعلم أن الأمر لن يتم بسهولة .. فبالتأكيد مازالت تحمل له فى نفسها البغض والرفض .. لكنه لن يدع الأمور على حالها .. يجب أن يقنعها بأنه تغير .. وأنه ترك كل ما يغضب ربه .. وبأنه عاد مرة أخرى انساناً نقياً .. وأنه نادم على كل ما فات ..تذكر جرمه فى حق نفسه .. وفى حق ربه .. فتساءل فى نفسه .. هل تقبلت توبتى يارب .. هل عدت فعلاً انساناً نقياً .. هل أمازلت غاضباً على .. شعر بالتكاسل لكنه أجبر نفسه على النهوض من فراشه .. توضأ وصلى ركعتين لله عز وجل .. يستغفره فيها ويرجو مغفرته .. ويرجو أن يقربه من “آيات” .. وأن تكون له دون سواه

***************************************

جلس “عاصى” فى بار قريته .. فى احدى يديه كأساً وفى الأخر فتاة ! .. رن هاتفه فرد بلهفه :

– ايه الأخبار

قال الشخص على الطرف الآخر :

– ازيك يا أستاذ “عاصى” .. الحلفة خلصت دلوقتى

سأله بإهتمام :

– ها ايه اللى حصل

– مفيش حفلة زى أى حفلة .. بس كانوا مقسمين الستات فى جهه والرجاله فى جهه عشان كده معرفش أدخل وسطيهم وأدور على “آيات”

زفر “عاصى” بضيق قائلاً :

– وبعدين .. معملتش حاجة يعني .. زى ما روحت زى ما جيت

قال الرجل :

– لا طبعاً ودى تيجي .. صحيح أنا معرفتش أخدلها صورة كدة ولا كدة وهى جوه الحفلة .. بس لما طلعت خدتلها شوية صور فى الجون

سأله “عاصى” بلهفه وهو يبتعد عن الفتاة التى معه :

– ها كمل

قال الرجل بحماس :

– فى الأول افتكرتها هتمشى وتسيب الحفلة .. فمشيت وراها .. ولما لقيت واحد جاى نحيتها استخبيت وراقبتهم

– واحد مين ؟

– “آدم خطاب” اللى كان شغال فى جولدن بيتش

رفع “عاصى” حاجبيه قائلاً :

– كمل

– كان باين عليهم بيتخانقوا .. هو ماسكها وعايز يحضنها وهى بتزعق فيه وبتبعد عنه .. بس خدت صورة فى الجووون مش واضح فيها انها كانت بتزقه أو بتحاول تبعد نفسها عنه

ضحك “عاصى” قائلاً :

– حلو أوى كده .. الصورة دى هتعمل بيها زى ما اتفقنا

قال الرجل :

– متقلقش يا أستاذ “عاصى” .. بكرة الصبح هتلاقى الخبر منور من الجرنال بتاعنا

شعر “عاصى” بالإنتصال ولمعت عيناه وهو يقول :

– أما نشوف أنا ولا انتى يا بنت عمى .. ابقى خلى أخوكى ينفعك

*************************************

سمعت “آيات” ضحكات صديقتيها تتعالى بعدما دخلتا البيت .. مسحت دمعاتها المتساقطة على وجهها بظهر يدها .. سمعت “إيمان” تقول لـ “أسماء” :

– شكلها نامت النور مطفى

قالت “أسماء” بمرح :

– هربت من الحفلة وسابتنا نتعجن لوحدنا

طرقت “أسماء” الباب ثم فتحته لـ .. تُصدم من وجه “آيات” الباكى .. كانت جالسه فى منتصف فراشها الصغير وعينيها ممتلاتان بالدموع .. أقبلت الفتاتان عليها وقال “إيمان” بدهشة :

– “آيات” انتى كنتى بتعيطي

جلست “أسماء” بجوارها قائله :

– مالك يا “آيات” حد ضايقك فى الحفلة ؟

قالت “آيات” بصوت مبحوح :

– شوفت “آدم”

قالت “أسماء” :

– دكتور “آدم” ؟ .. وبعدين .. كلمك ؟

أخذت تقص عليهما ما حدث بعدما غادرت الحفل .. فصاحت “أسماء” بحنق :

– هو فاكر نفسه ايه .. ازاى يعمل كده

قالت “إيمان” وهى تشعر بالغضب هى الأخرى :

– بجد راجل مش محترم

قالت “آيات” بصوت مرتجف وقد شعرت برغبة فى البكاء مرة أخرى :

– لما نادى عليا وشوفته محستش بأى حاجة .. عارفه أكنه واحد غريب عنى معرفوش .. لكن لما عمل معايا كده ومسكنى بالشكل ده بجد حسيت انى بكرهه .. ازاى يتجرأ ويعمل كده

قالت “أسماء” بحيره :

– بس أنا مش فاهمة كان عايز منك ايه

قالت “آيات” بحده :

– ولا أنا فاهمة .. كل اللى طالع عليه .. “انتى مكنتيش معاها” .. مفهمتش هو بيقول ايه خوفت منه أوى شكله مكنش طبيعي خالص .. لولا ان كان فى واحد خارج من القاعة وندهتله مكنتش عرفت أهرب منه

قالت “إيمان” بحزم :

– لازم تقولى لأخوكى يا “آيات” .. لازم يعرف ان فى معاكى راجل .. ممكن يكون عمل كده عشان فاكرك لوحدك وملكيش حد

قالت “أسماء” بإستغراب :

– أنا أصلاً مش فاهمة ليه يقرب منك كدة ويمسكك مش عايز يسيبك .. هو عارف كويس أوى ان خلاص كدة الموضوع انتهى وكمان هو أصلاً مكنش بيحبك .. ايه بأه اللهفة اللى ظهرت عليه فجأة دى

قالت “آيات” بحنق :

– معرفش ومش عايزة أعرف

سألتها “أسماء” :

– هتقولى لأخوكى ؟

تنهدت “آيات” قائله :

– أيوة بكرة ان شاء الله هعرفه بموضوع خطوبتى القدمة .. بس خايفة أقوله على اللى حصل النهاردة يروح يتشاكل معاه

قالت “إيمان” بتشفى :

– أحسن خليه يتشاكل معاه عشان يتربى ويتعمل الأدب .. أنا اصلا مش عارفه انتى ليه ما قولتيش لأخوكى انك كنتى مخطوبة لـ “آدم”

قالت “آيات” بمرارة :

– مجتش فرصة للكلام وبعدين محبتش أتكلم فى الموضوع ده وأفتحه تانى .. وكمان متخيلتش أبداً انه ممكن ييجي الحفلة أنى أشوفه .. أنا عارفه انه فى قرية منافسه لينا فقولت مستحيل نتقابل أبداً

ربتت “أسماء” على قدمها قائله :

– طيب يا حبيبتى نامى دلوقتى وبكرة نفكر هنعمل ايه

حاولت “آيات” النوم لكن النوم خاصم جفونها .. ظلت مستيقظة حتى قبل الفجر بقليل .. قامت وصلت ركعتى قيام الليل .. وصلت الفجر ووضعت جسدها على فراشها وغطت فى نوم عميق

*************************************

استيقظ “كريم” وخرج من غرفته ليسمع أصوات فى المطبخ .. توجه اليه ليرى “على” يعد الفطار .. فإبتسم له قائلاً بصوت ناعس :

– صباح الخير يا “على”

التفت له “على” قائلاً :

– صباح النور

توجه “كريم” الى الحمام بينما أعد على الطاولة ووضع فوقها الطعام المعد .. فتح الباب وتناول الجرائد الموضوعه أمامه ثم وضعها فوق الطاولة .. التفت الاثنان حول طاولة الطعام فقال “على :

– الحفلة كانت حلوة امبارح أنا شايف ان الناس كانت مبسوطة

قال “كريم” وهو يلوك الطعام فى فمه :

– أنا برده شايف كده .. طبعاً كان في ناس مش عاجبها الوضع بس ده طبيعي .. لولا اختلاف الأراء لبارت السلع .. كل واحد بيدور على الحاجة اللى مناسبه له ولمبادئه ولتخليه مبسوط وضميره مرتاح

قال “على” وهو يتناول احدى الجرائد من فوق الطاولة :

– عجبنى فكرة الجرايد اللى بتتوزع على كل القرية كل يوم الصبح

ابتسم “كريم” قائلاً :

– فكرة “آيات” .. ما شاء الله عليها دماغها جامدة

تجمدت نظرات “على” على أحد العناوين فى الجريدة ثم ما لبث أن تغيرت ملامحه .. نظر اليه “كريم” بتمعن قائلاً :

– ايه ؟ .. متقولش بدأووا هجوم .. أصلاً دى حاجة متوقعة .. أكيد فى ناس كتير مش هيعجبها الإسلوب المحترم اللى احنا شغالين بيه

بدا على “على” الوجوم وهو يعطى الجريدة لـ “كريم” .. أخذ “كريم” الجريدة ونظر اليها ليتقلى الخبر الصاعقة .. تمتم يقرأه بصوت خافت :

– مشهد عاطفى يجمع بين مدير قرية جولدن بيتش السابق و شقيقة مدير قرية الماسة

امتقع وجه “كريم” واحتقنت به الدماء عندما رآى الصورة المنشورة تحت الخبر .. “آدم” ممسكاً بوجه “آيات بكفيه مقترباً منها بوجهه وكلاهما ينظر الى عين الآخر .. أطرق “على” برأسه وقد أصابه الحزن لما يشعر به “كريم” الآن .. وضع نفسه موضع “كريم” فول كانت الصور المنشورة لـ “إيمان” أخته لكاد أن يجن الآن .. نهض “كريم” دون أن يتفوه بكلمة وأحضر هاتفه واتصل بـ “آيات” وهو مازال ممسكاً بالجريدة فى يده

صاحت “أسماء” النائمة :

– “آيات” ردى على موبايلك أو افصليه

استيقظت “آيات” .. وشعرت بالتوتر لإتصال “كريم” .. ظنت انها يريد أن يسألها لما غادرت الحفل مبكراً .. وستضطر الى أن تقص عليه كل شء .. ردت قائله :

– السلام عليكم .. أيوة يا “كريم”

سمعته يقول بحزم شديد :

– وعليكم السلام .. واقف مستنيكي أدام باب الشقة اطلعيلى فوراً

ازداد توتر “آيات” واضطرابها .. لماذا يتحدث اليها بجفاء هكذا .. ليس معقولاً أن هذا بسبب مغادرتها الحفل مبكراً .. تمتمت وهى ترتدى اسدالها :

– استر يارب

فتحت باب الشقة وهالها وجه “كريم” المحتقن .. خرجت وواربت الباب خلفها ونظرت الي قائله :

– خير يا “كريم”

رفع الجريدة أمام عينيها .. تجمدت الدماء فى عروقها وبردت أطرافها وهى تتطلع الى صورتها مع “آدم” والى العنوان الذى يشى بوجود علاقة بينها وبينه .. شهقت بقوة وهى تضع كفها على فمها .. طوى “كريم” الجريدة وأبعدها عن ناظريها وهو يقول بصرامة :

– أنا عايز أسمع منك انتى كمان قبل ما أروح أربي الكلب ده

ثم أغمض عينيه للحظة وتمتم بخفوت :

– أستغفر الله

تساقطت العبارت من عينيها .. ثم ما لبثت أن تعالت شهقاتها بالبكاء وهى لا تصدق أن عرضها أصبح شئ يُلاك فى الصحف وعلى ألسن الناس .. أغمضت عينيها بشدة وجسدها يرتجف بقوة .. نظر اليها “كريم” بتمعن .. ثم ما لبث أن جذبها لحضنه وهو يقول لها :

– فهميني يا “آيات” .. ازاى الصورة دى اتاخدت

لم تستطع الرد الا بمزيد من البكاء .. ربت على رأسها قائلاً :

– طيب اهدى .. اهدى عشان نعرف نتكلم

فى تلك اللحظة خرج “على” من السقة المجاورة واشار الى “كريم” قائلاً :

– ادخلوا هنا أنا نازل

جذبها “كريم” الى الشقة وأغلق الباب .. وجهها للجلوس على الأريكة وجلس بجوارها وهى مازالت تبكى .. ربت على ظهرها قائلاً :

– ممكن تهدى شوية .. عايز أفهم منك اللى حصل .. عشان الموضوع ده مستحيل أعديه بالساهل كده

توقفت عن البكاء وقالت بصوتها الباكى ووجهها الممتلئ بالعبرات :

– هو الىل مسكنى غصب عنى ومكنش راضى يسيبنى .. أصلاً اللى متعرفوش انه كان خطيبي

صمت “كريم” قليلاً من وقع الخبر عليه .. ثم بإنفعال :

– ازاى يعنى .. “آيات” اتكلمى وقوليلى كل حاجه متخبيش عنى حاجة

صمتت “آيات” قليلاً لتتمالك نفهسا .. ثــم .. قصت عليه كل شئ .. كل شئ .. وانتهت بقولها :

– مكنتش فاكره انى هيكون موجود فى الحفلة .. ولما نادى عليا افتكرته هيحاول يتكلم بس .. لكنه مسكنى من دراعى ومكنش راضى يسيبنى أمشى وفضل يقرب منى غصب عنى

انتهت من حديثها ورفعت عينيها تنظر الى “كريم” فلم تجد وجهه الا محتقناً أكثر وفى عينيه نظرة غضب شديد .. أوقفها قائلاً :

– ارجعى انتى وأنا هتصرف

نظرت اليه بقلق قائله :

– هتعمل ايه ؟

قال بحزم وهو يسوقها الى شقتها :

– قولتلك هتصرف

عاد الى شقته وبدل ملابسه فى عجاله ومازالت نظرة الغضب فى عينيه ثم توجه الى الخارج وهو يحمل هاتفه ومفاتيح سيارته .. اتصل بـ “على” وقال :

– “على” هتعرف تتصرف النهاردة من غيري ؟

سأله “على” بقلق :

– أيوة .. بس انت مش هتيجي الشغل يعني ؟

قال “كريم” بإقتضاب :

– مسافر القاهرة .. وهتابعك فى التليفون

– ماشى .. ترجع بالسلامة ان شاء الله

انطلق “كريم” يشق طريقه خارج القرية .. اتصل بـ “زياد” .. فلم يجد اجابة .. حاول مرات ومرات الى أن استيقظ “زياد” من نومه وأجاب بعينين نصف مفتوحتين :

– ألو

قال “كريم” بحزم :

– “زياد” قولى عنوان صحبك

هرب النوم من عيني “زياد” وجلس على فراشه قائلاً :

– صحبى مين ؟

– دكتور “آدم”

قال “زياد” بقلق :

– ليه عايز عنوان فى ايه ؟

– أنا فى طريقي للقاهرة عايزه فى حاجه مهمة

شعر “زياد” بالتوتر .. هل من الممكن أن تشتكى “آيات” من “أدم” الى “كريم” .. بإعتباره مدير القرية والمسؤل عنها ! .. رد قائلاً :

– احنا مسفرناش يا “كريم” .. احنا هنا فى العين السخنة

– طيب ثوانى

أوقف “كريم” سيارته على جانب الطريق ثم قال :

– اديني رقم الشاليه بتاعه

أخبره “زياد” عن رقم الشاليه .. فأنهى “كريم” المكالمة سريعاً .. حاول “زياد” الإتصال بـ “آدم” دون جدوى فارتدى ملابسه وتوجه الى الشاليه يطرق بابه .. فتحت له والدة “آدم” فسألها بلهفة :

– “آدم” هنا يا خالتى ؟

– أيوة يا ابنى نايم جوه

انطلق “زياد” الى غرفة “آدم” ليوقظه قائلاً :

– “آدم” .. “آدم” قوم .. “آدم”

استيقظ “آدم” وهو ينظر الى “زياد” بدهشة .. ثم أغمض عينيه مرة أخرى قائلاً :

– عايز بأه يا “زياد” .. أنا منمتش الا الصبح

قال “زياد” بقلق :

– “كريم” اتصل بيا وكان مسافرلك على القاهرة وطلب منى عنوانك .. قولتله اننا لسه هنا مسفرناش فطلب رقم الشاليه بتاعك

فتج “آدم” عينيه ونظر اليى “زياد” بدهشة وقال :

– مش فاهم .. كان هيسافرلى القاهرة ؟ .. ليه ؟

– مش عارف يا “آدم” بس مش مرتاح .. خايف تكون “آيات” دى حاكتله على اللى حصل امبارح

جلس “آدم” على فراشه وهو يقول بإمتعاض :

– وهو ماله هو .. دى حاجه بيني وبينها

فتح “زياد” فمه للرد عليه لكن صوت جرس الباب قاطعه .. نظر كلاهما الى وجه الآخر .. ثم نهض “آدم” وتوجه الى الباب وهو يقول لأمه :

– ماما ادخلى جوه بعد اذنك

دخلت والدته غرفتها وهى تقف خلف الباب تستمع الى ما يدور فقد شعرت بالقلق ينتابها .. فتح “آدم” الباب وهو يغمض عينه ليحميها من نور الصباح الذى غزاها .. نظر اليه “كريم” بحزم وصرامة وقال :

– ممكن نتكلم شوية

شعر “آدم” بالدهشة فالرجل الضاحك المرح الذى قابله بالأمس تحول 180 درجة وصار وجهه كحجر صوان .. ونظرات غاضبة يصوبها تجاهه .. أدخله “آدم” الى غرفة الصالون وأشار له بالجلوس قائلاً :

– اتفضل

تحدث زياد” قائلاً :

– خير يا “كريم” فى ايه ؟

رفع “كريم” الجريدة أمام ناظريهما .. خطف منه “آدم” الجريدة وهو يتطلع الى الخبر المنشور والى صورة “آيات” .. اتسعت عينا “زياد” فى ذهول ثم ما لبث أن هتف “آدم” بغضب :

– ولاد التييييييييييييييت

رفع عينيه ليرتطم بنظرات “كريم” الغاضبة .. قال “كريم” بعنف :

– ممكن أفهم ايه اللى انت عملته مع “آيات” امبارح ده .. ازاى تتهجم عليها كده

هتف “آدم” وهو يشغر ببركان غضب بداخله بسبب ما نُشر عن “آيات” :

– وانت مالك انت ومال “آيات” .. انت مدير القرية لكن مش من حقك تدخل فى حاجة تخص النزلاء اللى عندك

قال “كريم” بحزم وهو يعقد ذراعيه أمام صدره :

– انا أخوها .. يعني ليا الحق انى أتدخل فى كل حاجة تخصها .. وليا الحق انى أحاسبك دلوقتى على اللى عملته امبارح .. عايز أمسع منك حالاً تفسير للى حصل امبارح

قال له “آدم” بدهشة :

– أخوها ازاى يعني .. “آيات” ملهاش اخوات

قال “كريم” بحده :

– أخوها فى الرضاعة مش بالنسب .. ودلوقتى منتظر منك اجابة لانى مش هعدى الموضوع ده بالساهل .. حتى اللى نشر الخبر ده لازم هيتعاقب على السب والقذف اللى عمله

تنهد “آدم” وهو يشعر بعلقه قد توقف عن العمل لا يستطيع التفكير بوضوح فمنذ الأمس وهوي تلقى الصدمات واحدة تلو الأخرى .. قال “زياد” محاولاً تهدئه الأمور :

– “آدم” مكنش قصده يا “كريم” .. هو بس انفعل لما شافها .. مكنش مصدق نفسه .. لأنه كان فاكرها ماتت

قال “كريم” بدهشة شديدة :

– ماتت .. وايه اللى خلاه يفتكرها ماتت

قال “آدم” بوهن وهو يشير الى الأريكة :

– اعد وأنا احكيلك

توجه “آدم” الى غرفته ليحضر شهادة الوفاة التى استخرجها لـ “آيات .. والتى شعر “كريم” بالصدمة وهو يتطلع اليها .. ثــم .. تحدث “آدم” ليخبره بجانبه من القصة .. ران الصمت طويلاً الى أن قال “آدم” بخجل :

– أنا آسف انى اتصرفت كده .. بس حط نفسك مكانى .. واحدة انت مستلمها من المشرحة ودافنها بإيدك وعملت لها شهادة وفاة وفجأة لقيتها أدامك .. غصب عنك مش هتعرف تتحكم فى مشاعرك ومش هتعرف تفكر بوضوح

تنهد “كريم” بضيق وهو يقول :

– المشكلة دلوقتى فى الخبر اللى اتنشر ده

ظهر الغضب عى وجه “آدم” وهو يقول :

– متقلقش أنا هعرف شغلى مع اللى عمل كده .. سيبهولى

قال “كريم” بحزم وهو ينهض :

– أنا هعذرك بس عشان الكلام اللى قولته دلوقتى وعشام الموقف الصعب اللى اتعرضتله .. بس مش هسمحلك انك تقرب من أختى تانى .. الرابط اللى كان بينكوا خلاص انتهى .. مش عايز أشوفك تضايقها تانى

ثم قال بغضب مكبوت :

– أما اللى نشر الكلام ده فأنا لازم أرفع عليه قضية سب وقذف

أومأ “آدم” برأسه وهو يقول بصرامة :

– معاك حق .. ارفع عليه القضية عشان يتربى على اللى عمله ده .. بس أنا برده مش هسيبه

خرج “كريم” دون أن يضيف كلمة أخرى .. ألتقط “آدم” الجريدة التى تركها “كريم” على الطاولة وأخذ يتطلع الى تفاصيل الخبر والتى كانت تتحدث عن علاقة خفيه بينهما .. امتقع وجهه والتفت يغادر الشاليه .. لحق به “زياد” وهو يسأله :

– على فين يا “آدم”

قال وهو يركب سيارته بسرعة :

– رايح الجريدة اللى نشرت الخبر ده

انطلق “زياد” خلفه بسيارته .. كانت جريدة محلية لم يجد صعوبة فى الوصول الى مقرها .. نزل “آدم” وهو يحمل بيده الجريدة وأخذ يسأل عن صاحب الاسم الموضوع فى بداية المقال الى أن وجده .. دفعه “آدم” فى كتفه وهو يهتف :

– ايه الكلام اللى انت نشرته ده

شعر الرجل بالخوف لأول وهلة ثم ما لبث أن قال :

– ايه .. خبر زى أى خبر

صاح “آدم” بعنف :

– الخبر ده تنزله تكذيب دلوقتى حالاً انت فاهم

قال الرجل ضاحكاً بسرخة :

– لا مش فاهم .. تكذيب ايه انت بتحلم

كان رد “آدم” وهو لكمة قمية سددها الى وجه الرجل مع تعالى صيحات الاستنكار من الجميع .. جذبه “زياد” قائلاً :

– خلاص يا “آدم” كفايه

ألقى “آدم” الجريدة فوق الرجل الملقى على الأرض وقال بإشمءزاز :

– أنا هعرفك ازاى تنشر خبر زى ده .. أنا والبنت اللى فى المقال هنرفع عليك قضيتين سب وقذف ومش هسيبك الا وانت محبوس

هم بأن يضربه مرة أخرى لكن “زياد” أحكم قبضته عليه وهو يجذبه الى خارج المبنى .. هتفت “زياد” قائلاً :

– مش هتجيبها لبر يا “آدم” .. مش هترتاح الا لما تجيب لنفسك مصيبة

ركب “آدم” سيارته وهو يشعر بالحمق الشديد فسأله “زياد” :

– رايح فين ؟

قال “آدم” وهو ينطلق فى طريقه :

– رايح فى داهية

أخذ ينطلق بسيارته لا يلوى على شئ وهو يفكر فى مدى الأذى الذى سببه الى “آيات” .. شعر بالضيق الشديد وهوي فكر فى حالها الآن بعد نشر هذا الخبر وهذه الصورة التى تجمعه بها .. زفر بضيق وضرب على الموقد بقبضته بقوة شديدة وهو يهتف :

– الله يخربيتك كنت ناقصك انت كمان

***********************************

– ايه اللى منشور فى الجرنال ده يا “آيات” ؟

شعرت “آيات” بالخجل الشديد وهى تستمع الى تلك العبارة عبر الهاتف .. لم تكن تعلم أن المتصل هو “أحمد” والا ما كانت قامت البرد عيه .. صمتت فحثها قائلاً بصوت غاضب :

– “آيات” قوليلى معناه ايه الكلام ده .. ازاى تتصوروا مع بعض كده .. انتى رجعتيله تانى يا “آيات”

صاخت “آيات” بحنق :

– دى حاجة ملكش انك تتدخل فيها .. ولو سمحت أنا هقفل دلوقتى عشان مش قادرة أتكلم

انفجرت “آيات” فى البكاء .. جلست “أسماء” بجوارها تطيب خاطره .. دخلت “إيمان” حاملة كوب عصير لمون وأعطته الى “آيات” قائله :

– اشربى ده يا حبيبتى

قالت “آيات” من بين بكائها :

– أنا عملت ايه عشان يحصلى ده كله .. ربنا يسامحه طلعلى منين ده معرفش .. بسببه بقت الناس تتكلم عنى وسمعتى بقت زى الزفت

صاحت “أسماء” بقوة :

– محدش يقدر يتكلم عن سمعتك .. ده جرنال حقير أصلاً محدش بيصدق كلام الجرايد

قالت “آيات” بصوت باكى :

– والصورة .. والصورة اللى منشورة .. لو مصدقوش الكلام الصورة هتخليهم يصدقوا

زفرت “إيمان” بحنق شديد وهى تقول :

– الناس دى معندهاش دين ولا أخلاق ده قذف محصنات وخوض فى الأعراض .. ربنا ينتقم منهم

قالت”آيات” وهى تحاول السيطرة على بكائها :

– اعمل ايه دلوقتى ؟ .. مش هقدر أطلع من البيت واشوف حد .. أكيد كل اللى فى القرية شافوا الصورة

فى تلك اللحظة رن جرس الباب .. فإرتدت “إيمان” اسالها وتوجهت لفتحه .. خفق قلبها بقوة عندما وجدت “كريم” الذى خفض بصره بمجرد أن رآها .. وكذلك فعلت هى ووقفت متوترة ..فقال بهدوء :

– لو سمحتى قولى لـ “آيات” تلبس وهستناها تحت

قالت “إيمان” بصوت مضطرب :

– حاضر

نزل “كريم ينتظرها بالأسفل .. عدة دقائق ووجدها أماه تنظر يميناً ويساراً .. قال وهو يشعر ينظر الى عينيها التى بدا عليهما آثار البكاء :

– انتى كويسة

ارتجفت شفتاها وأطرقت برأسها والدموع تتجمع فى عينيها من جديد .. تنهد “كريم” بأسى وربت على كتفها قائلاً بحنان :

– متخفيش أنا هعرف أجيبلك حقك منه .. كلمت المحامى بتاع أستاذ “فؤاد” وان شاء الله هنمشى فى اجراءات القضية

رفعت “آيات” رأسها ونظرت اليه فى اضطراب .. شعرت بشئ من الحزن والألم وهى تقول :

– بس الموضوع مش مستاهل قضية .. يعني .. يعنى هو كده هيدخل السجن ؟

قال “كريم” بحزم :

– ازاى مش مستاهل قضية يكتب عنك خبر زى ده وينشر صورة ليكي ومن غير ما يتأكد من أى معلومة فى الخبر بتاعه .. لازم طبعا يتعاقب ده قذف

قالت “آيات” وقد فهمت ما يعنيه :

– آه آه يستاهل طبعاً .. أنا افتكرتك بتتكلم عن .. عن … “آدم”

قال “كريم” وهو يتنهد بضيق :

– ده حكايته حكايه هو كمان

نظرت اليه قائله :

– ايه اللى حصل ؟ .. انت روحتله ؟

قال “كريم” بتهكم :

– الأستاذ مطلعلك شهادة وفاة

فغرت “آيات” فاها بدهشة .. فروى لها “كريم” ما سمعه من “آدم” .. تجمعت الخيوط فى عقلها واستطاعت تفسير تصرفاته الغريبة ليلة أمس وطريقته فى التعامل معها والتى أشعرتها وقتها بالخوف منه .. لم تستطع انكار شعورها بالتفهم لمتصرفاته التى ضايقتها بالأمس .. فبالتأكيد كانت الصدمة شديدة عليه .. نظر اليها “كريم” بتمعن وقال :

– مش عايزك تشيلى هم حاجة .. خلاص أنا تكلمت معاه ومش هيقربلك تانى .. والصحفى برده مش عايزك تشيليى همه

التفت اليه وهى تقول بمرارة :

– بعد ايه .. الناس خلاص قرأت اللى موجود فى الجرنال انت ناسى ان الجرايد بتتوزع على القرية كلها .. يعنى كل الناس قراته

دمعت عيناها فقال لها بحنان :

– احتسبي يا “آيات” أجر الأذية دى .. انتى مش هتكونى أحسن من أم المؤمنين عائشة اللى خاضوا فى عرضها .. وهى من هى .. وربنا سبحانه وتعالى قال “إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ عُصْبَةٌ مِنْكُمْ لَا تَحْسَبُوهُ شَرًّا لَكُمْ بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَكُمْ ” .. قولى الحمد لله وادعى انه يرفع عنك البلاء ده .. ومتقلقيش حتى لو متحاسبش فى الدنيا فربنا هيتولى عقابه فى الآخره

تمتمت “آيات” وهى تكفكف دمعها :

– الحمد لله

تمددت “آيات” على فراشها وهى تشرد فى كلام “كريم” الذى رواه لها عن “آدم” وعن ظنه أنها فارقت الحياة .. تذكرت “آيات” نظرات عينيه يوم أمس ولهفته عليها .. ودموعه التى كانت تملأ عينيه .. شعرت بالدهشة .. لماذا يهتم بدفنها وبدفن “حليمة” و بإستخراج شهادة وفاة لها .. لماذا شعر بهذه السعادة لدرجة أنه بكى عندما وجدها حية أمامه .. لماذا هذا الإهتمام ؟! .. ظل السؤال فى عقلها بلا اجابة

********************************

التفت “زياد” ليقول لـ “آدم” الجالس بجواره على الشط :

– “آدم” أنا رأيى تسيب العين السخنة دلوقتى لان بجد الدنيا مولعه على الأخر

صمت “آدم” لبعض الوقت وهو ينظر الى البحر ثم قال :

– مش همشى

نظر اليه “زياد” قائلاً :

– طيب هتعمل ايه ؟ هتفضل آعد هنا فى قرية “شكرى” ؟

لمعت عينا “آدم” واحتفظ بصمته .. فهتف “زياد” :

– أنا مش حابب استنى فى القرية المقرفة دى

ثم أشار الى بعض الفتيات والشباب على بعد عدة أمتار منهما والذين يلهون معاً بجرأة قائلاً :

– مش شايف المناظر .. الواحد حاسس انه فى مكان موبوء

ثم زفر بحده وقال :

– أنا خلاص قرفت بأه من الشغلانه دى .. حاسس بجد انى عايز أسيب المكان ده .. انا بقالى سنين بشتغل فى السياحة لما جبت أخرى خلاص

قال “آدم” بثقه :

– متقلقش هلاقى حل

التفت اليه “زياد” قائلاً :

– حل ايه ؟

قال “آدم” وقد لمعت عيناه بلؤم :

– بكرة تعرف

ثم عاد ينظر الى البحر أمامه وهو عازم على التمسك بـ “آيات” بكل ما أوتى من قوة

**************************************

حاولت “آيات” فى الأيام التاليه اشغال نفسها بعملها ونسيان ما حدث .. كانت تشعر بالحزن والألم عندما ترى اثنان ينظران اليها ثم تنحى احداهما وتهمس فى أذن الأخرى .. لكنها حاولت أن تحتسب أجر ذلك البلاء الذى وقع بها .. كانت تعمل بهمة ونشاط لكى ترهق عقلها وجسدها حتى لم يعد لديها قدرة على التفكير فى همومها .. لكن السؤال عن سر اهتمام “آدم” بها ظل فى رأسها بلا اجابة ..

مارست” إيمان” عملها المعتاد فى صالة الألعاب الرياضية .. كانت تشعر بسعادة بالغة لممارسة هذا العمل لانه يشجعلها على اللعب هى الأخرى ومشاركة هؤلاء الفتيات فى محاولة انزال وزنها .. علمت منهم وصفات مجربة فى فقدان الوزن وكونت مجموعة من الفتيات ليشجعوا بعضهن البعض على السير على أحد الأنظمة الغئاشية لفقدان الوزن .. وكانت هى قائدة تلك المجموعة .. شعرت بالحماس الشديد فى مواصلة النظام الغذائي هذه المرة .. فلكم بدأت فى الأنظمة والتى كان مصيرها الفشل الذريع لقلة حماستها ولقلة عزيمتها .. اما هذه المرة فالأمر مختلف .. كانت ولأول مرة منذ فترة طويلة تشعر بالسلام الداخلى مع نفسها .. وكأنها تصالحت معها .. وبدأت فى النظر الى نفسها بشئ من الإيجابية .. انهت كتابة التقرير الإشرافى الذى طلبه “كريم” من كل مشرفى القرية وتسليمه له فى نهاية كل اسبوع .. ذهبت فى اتجاه مكتبه تقدم قدماً وتؤخر الأخرى .. لا تعلم لما يعتريها هذا التوتر الشديد كلما صادفته أو تحدثت معه .. حاولت البحث عن “آيات” لإعطائها الملف لتسلمه بدلاً منها .. لانها شعرت أنها لان تملك الجراة لموادهته وخاصة بعدما حدث فى الإجتماع .. توجهت “آيات” الى مكتب “كريم” وسلمته تقرير “إيمان” عن صالة الألعاب الرياضية .. تفحص الملف بنظرة سريعة وقبل أن تغادر “آيات” أوقفها قائلاً :

– هى لسه مضايقة منى ؟

قالت “آيات” على الفور :

– لا بالعكس .. دى محرجة منك جداً .. عشان اللى حصل وانها فهمتك غلط فى الإجتماع

أومأ “كريم” برأسه وغادرت “آيات” المكتب

**************************************

أنهت “أسماء” عملها وشعرت بالإرهاق والجوع فتوجهت الى الإستراحة المخصصة للموظفين .. جلست على احدى الطاولات وبدأت فى تناول طعامها .. سمعت فتاتين فى الطاولة بخلفها تقول احداهما للاخرى :

– لا بس فى ناس محترمة برده

ردت الاخرى قائله :

– أيوة فى ناس محترمة بس اللى اسمه “على” ده راجل قليل الأدب بيبص للبنات بصات وحشه واتحرش بيا قبل كده

انحشر الطعام فى حلق “أسماء” .. امتدت يدها الى كوب الماء وتناولت عدة رشفات منه وهى تسمع التاة تقول :

– معاكى حق أنا برده مبرتاحلوش خالص حتى بفكر نشتكيه للأستاذ “كريم” .. هو راجل محترم وأكيد هيمشيه

قال الفتاة :

– يا ستى مش عايزين مشاكل .. ممكن “على” ده يقول اننا بنتبلى عليه وشكلنا احنا اللى هيكون وحش

بدا الدموع فى عيني “أسماء” وتجعد جبينها بقوة وهى تتذكر تحرشات “هانى” بها والتى كادت أن تتنساها وتنسى كل ما حدث قبل قدومها الى القرية .. لكن ها هى تلك الذكريات الكريهة تعود لتطفو على سطح ذكرياتها مرة أخرى .. قامت من فورها وألقت نظرة على الفتاتان ثم توجهت منطقة كالسهم تبحث عن … “على” !

كانت تشعر ببركان غضب بداخلها .. كادت أن تأتى بما فى معدتها وهى تتذكر اضطرارها للإستسلام لـ “هانى” بسبب خوفها وجبنها .. اعادت كلمات الفتاة فى عقلها وشعورها بالخوف من الكلام والتحدث بما يحدث معها .. تخيلت “على” وهو يفعل مع الفتاة كما فعل “هانى” معها .. أخذ غضبها فى التزايد الى أن وصل لقمته .. ها هى وجدت مبتغاها .. “على” جالس على أحد المقاعد فى الحديقة .. انطلقت فى اتجاهه .. وقفت أمامه وهى تصرخ فيه بغضب هادر :

– عامل فيها راجل محترم .. هو ده بأه الدين اللى ربنا قال عليه

نظر اليها “على بدهشة شديدة وهو يحاول استيعاب ما تقول .. فأكملت بغضب :

– انت انسان حقير ومعندكش أخلاق وأنا مش هسكت أنا هقول لأستاذ “كريم” ولو معملش حاجة وطردك من هنا أنا هسيب القرية دى لان ميشرفنيش انى أشتغل مع واحد سافل زيك

قالت ذلك ثم غادرت مسرعة .. امتقع وجه “على” بشدة وهو يستمع الى تلك الكلمات التى انهالت بها عليه .. هب واقفاً وركض خلفها ثم وقف أمامها يمنعها من التحرك ونظر اليها بغضب قائلاً :

– ايه اللى انتى بتقوليه ده

صاحت بغضب متهكمة :

– أيوة مثل مثل .. ما انت رائع أوى فى التمثيل .. انت عارف كويس أنا بتكلم عن ايه

كاد “على ” أن يجن من حديثها واسلوبها فصاح بغضب :

– والله ما فاهم انتى بتتكلمى عن ايه بالظبط .. ولا فاهم انتى ليه بتشتميني كده

قالت “أسماء” وهى تنظر الييه بإشمئزاز :

– سمعت بنتين وهما بيتكلموا مع بعض فى الكافيتيريا عن اللى انت بتعمله فى البنات وتحرشاتك بيهم ونظراتك ليهم .. انت بجد انسان حقير أوى بجد .. وراسم نفسك وعامل انك محترم بس أهو ربنا كشفك على حقيقتك

نظر اليها “على” بأعين تشع غضباً وهو يضم قبضتى يده بقوة حتى ابيضت أصابعه وهرب الدم منها .. قال بصرامة :

– والله العظيم لو مكنتيش بنت أنا كنت عرفت شغلى معاكى .. مين البنتين اللى بتقولى انك سمعتيهم بيتكلموا عنى ؟

نظرت اليه “أسماء” وقد شعرت ببعض الخوف من نظرات عينيه الغاضبة فلم يسبق لها أن رأته غاضباً هكذا .. قالت بتوتر :

– أعدين فى الكافيتيريا

أشار لها بحزم أن تلحق به وقال :

– وريهملى

ذهبت معه فى اتجاه الكافيتريا .. حمدت الله أن الفتاتان مازلتا فى معقديهما .. أشارت “أسماء” فى اتجاه طاولتهما فإتجه اليهما “على” .. بمجرد أن رأوه توقفوا عن الكلام .. نظر اليهما “على” بغضب قائلاً وهو يحاول أن يتحكم فى أعصابه :

– أنا عملت ايه بالظبط ؟ .. ايه اللى قولتوه عنى ؟

وقفت “أسماء” تراقب ما يحدث بإهتمام وقد عقدت ذراعيها أما صدرها .. قالت احدى الفتيات بإرتباك :

– ما قولناش حاجة عنك يا أستاذ “على”

صاحت أسماء” بحده وقد ظنت الفتاة خائفة من “على” :

– متخفيش منه .. قولى اللى حصل

قالت الفتاة وهى تنظر الى “اسماء” بإستغراب :

– مفيش حاجة حصلت .. أنا متكلمتش على أستاذ “على” خالص

قالت “أسماء” بحدة وهى تقترب من الفتاة :

– ازاى يعني أنا سمعتك بتقولى انه بيبص للبنات بطريقة وحشه وانك اتحرش بيكي

احمر وجه الفتاة بشدة وأطرقت برأسها وهى تقول :

– أنا مكنش قصدى الأستاذ “على” .. انا كان قصدى “على” اللى بيشتغل فى الروم سيرفيس

اضطربت “أسماء” وهو تشعر بالخطأ الفادح الذى وقعت فيه .. قال “على” بصرامة :

– اسمه ايه بالظبط ؟

أخبرته الفتاة عن اسمه كاملاً .. فطلب منها الحضور معه .. توجه بالفتاة الى مكتب “كريم” وقصت الفتاة عليه ما حدث .. و طلبت حضور فتاة أخرى والتى أكدت أن هذا هو ما حدث معها هى الأخرى .. لم يكن مصير “على” هذا سوى الطرد من القرية .. فرحل وهو مطرق الرأس بعدما سمع تعنيفاً شديداً من كل من “كريم” و “على” .. خرج “على” من مكتب “كريم” بعد انتهاء المشكلة متوجهاً الى شقته .. ما كاد يصل الى البناية حتى وجد “أسماء” واقفة أسفلها وقد بدا عليها التوتر .. تجاهلها تماماً وأطرق برأسه وهو يهم بدخول البناية لكنها أوقفته قائلاً :

– لو سمحت

توقف دون أن ينظر اليها .. صمتت لبرهه ثم قالت بإضطراب :

– أنا آسفة

لم يتحدث بشئ .. فأكملت :

– لما سمعتها بتقول “على” .. افتكرت انها تقصدك انت

قال “على” بهدوء :

– كان لازم تتأكدى الأول قبل ما توجهيلى الاتهام .. “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ” .. وانتى متبينتيش انتى هاجمتى على طول

قالت بحده :

– قولت خلاص أنا آسفة .. أنا لما سمعت كده حسيت ان دمى اتحرق لان الموقف ده صعب ان أى بنت تتعرضله .. عشان كده اتكلمت معاك بالاسلوب ده

صمت “على” لبرهه ثم أخذ نفساً عميقاً وقال بهدوء دون أن ينظر اليها :

– أنا مش ممكن اعمل كده أبداً .. مش ممكن هأذى بنت لا بلمسة ولا بكلمة ولا حتى بنظرة لانى عارف كويس ان كما تدين تدان .. لو عملت كده فى أى بنت أكيد فى يوم من الأيام ربنا هيردهالى فى أختى أو أمى أو مراتى لما أتجوز .. عشان كده أنا بخاف أعمل أى حاجة غلط مع أى بنت وبحافظ عليهم أكنهم اخواتى .. مش عشان بس خايف من عقاب ربنا .. لأ .. عشان ربنا يحافظلى على الانسانه اللى هتكون مراتى

دخل “على” البناية .. ظلت “اسماء” واقفة وقد شعرت بوخزات الدموع فى عينيها .. تؤلمها وتحرقها .. حاولت السيطرة على نفسها فلم تستطيع .. حاولت وقف عبراتها ومنعها من الإنهمار فلم تستطع .. حاولت التحرك من مكانها فلم تستطع .. ما كانت تشعر به بداخلها شل حركتها تماماً .. تساقطت على وجنتيها العبرات ساخنة حارقه .. ثم التفتت تنظر الى البوابه الخالية والتى عبر منها “على” منذ قليل .. ولأول مرة فى حياتها .. شعرت بقلبها يخفق بطريقة لم تعهدها من قبل !

عرض التعليقات (10)