قطة في عرين الأسد بقلم بنوتة أسمرة الحلقة الأولى

11 6٬232
 

قطة في عرين الأسد بقلم بنوتة أسمرة الحلقة الأولى

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الأولى

قطة في عرين الأسد بقلم بنوتة أسمرة الحلقة الأولى

قطة في عرين الأسد بقلم بنوتة أسمرة الحلقة الأولى , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

المقدمـــة الخيانــة .. هذا الخنجر الغادر الذى يطعن الإنسان فى غفله منه .. لا يتطلب سوى لحظات حتى يتمكن نصل الخنجر من الانغماس داخل قلبك ويسيل الدم منه أنهاراً .. لكنك تحتاج الى سنوات وسنوات للشفاء .. أحيانا تُشفى وأحياناً لا .. تظل مرارته ملازمة لك طيلة عمرك .. وترى كل الألوان حولك وقد دُبغت بالسواد .. فتعتاد عيناك على الأسود ولا تستطيع رؤية غيره من الألوان حتى لو كانت واضحة جلية أمام عيناك .. الوفــاء عملة نادرة .. لكنها ليست منعدمة الوجود .. ابحث عن الوفاء فى زمن الخيانة .. وعن الصدق فى زمن الكذب .. وعن الحب فى زمن الماديات .. فلا يخلو زمان ولا مكان من اللون الأبيض مهما ندر وعز وجوده .. ولولا السواد ما استطعنا تمييز البياض والنقاء.
الفصل الأول من رواية قطة فى عرين الأسد

أشرقت شمس الصباح وأخذت آشعتها الذهبية تتسلل الى السماء على  استحياء .. انه صباح يوم آخر .. يهرع فيه الناس الى أعمالهم و أشغالهم .. فترى زحمة السير فى الطرق وترى أطفالا يحملون حقائبهم ذاهبون الى مدارسهم صحبة وفرادى .. وترى المواصلات العامة وقد اكتظت براكبيها .. تتمعن فى تلك الوجوه .. فترى بعضها شارداً وبعضها مكتئباً وبعضها متأففاً وقليل منهم تحمل ملامحهم علامات الراحة والرضا .. ترى تلك السيدة الكبيرة التى صعدت الى الحافلة فيقوم هذا الشباب الشهم ويُجلسها مكانه اكراماً لسنها فينال دعوة طيبة .. وترى تلك الفتاة التى تسند رأسها على شباك الحافلة الزجاجى وتبدو مهمومة فتتمعن فيها محاولاً تخمين ما الذى يؤرق مضجع فتاة يافعة مثلها …

وترى هذا الرجل الواقف فى وسط الحافلة لا يجد مكاناً للجلوس تتمعن فى وجهه فتراه منهمكاً فى التفكير وكأنه يحمل هموم الدنيا فوق أكتافه .. وترى ذلك الطفل الصغير الذى اندس بين الكبار يبحث عن مكان يتسع لقدماه الصغيرتان وجسده النحيل .. تلك هى الدنيا .. كالساقية تدور وتدور .. وكل منا يعرف دوره فى هذه الحياة .. دوره الذى اختاره الله عز وجل له .. فمنا من يبرع فيه .. وينال أجر الدنيا والآخرة .. ومنا من يتكاسل عنه .. فيخسر أجر الدنيا والآخرة .. وسط تلك الوجوه المصرية التى تتباين فى الشكل واللون والملامح .. ترى فتاة خمرية البشرة متوسطة الوزن والطول ليست بالجميلة باهرة الحسن وليست بالدميمة .. فتاة مصرية عادية كملايين الفتيات اللاتى ترتطم بها عيناك وأنت تسير فى شوارع القاهرة .. لا يميزها سوى حجاب تخفى به شعرها .. وملابس محتشمة تخفى تفاصيل جسدها الأنثوى .. تسير الفتاة الى المترو لتركب فى العربة المخصصة للسيدات .. تجلس على أحد المقاعد الشاغرة وتُخرج من حقيبتها مصحف صغير .. تقضى معه تلك الدقائق التى تفصلها عن مكان نزولها .. يتوقف المترو ويستعد الركاب للمغادرة .. تغادر “مريم” العربة وتتوجه الى تلك البناية التى تقع فى مواجهة المترو .. تدلف اليها ويلقى عليها حارس العمارة نظرة .. ثم يعود لمطالعة جريدته الصباحية .. تركب “مريم” المصعد وتضغط رقم 5 .. يتوقف المصعد فى الطابق الخامس .. تسير “مريم” عبر الردهة الطويلة التى اعتادت السير فيها يومياً حتى تصل الى باب مفتوح ومزين بلافته أنيقة كًتب عليها ” شركة رؤية للدعاية والإعلان ” ..

توجهت “مريم” مباشرة الى احد المكاتب ووضعت حقيبتها على المكتب وجلست عليه .. وبدأت فى فتح جهاز الكمبيوتر الذى أمامها .. ماهى الا دقائق حتى دخلت احدى الفتيات .. كانت فتاة جميلة ممشوقة القوام .. تتميز بحجابها واحتشام ملابسها .. أقبلت بإبتسامه عذبه قائله :

– صباح الخير يا “مريم”

رفعت “مريم” رأسها ونظرت الى صديقتها قائله :

– صباح الخير يا “مى”

أخذت الفتاة مكانها على المكتب الآخر الموجود فى الغرفة .. و التى كانت تضم ثلاث مكاتب .. عادت “مريم” الى مطالعة حاسوبها .. نظرت “مى” الى المكتب الفارغ وقالت :

– هى الهانم لسه مشرفتش

– تؤ

قالت “مي” بحدة :

– كالعادة عادتها ولا هتشتريها

قالت “مريم” بهدوء دون أن ترفع عينها عن حاسوبها :

– ملناش دعوة .. كل واحد حر فى نفسه

قالت “مى” بحدة أكثر :

– اشمعنى احنا نلتزم بمواعيدنا .. والهانم لازم كل يوم تتأخر .. أنا هبلغ أستاذ “عماد” باللى بيحصل ده

رفعت “مريم” عينيها لتنظر الى صديقتها قائله :

– ملناش دعوة يا “مي” .. لو أستاذ “عماد” سأل نبقى نقوله .. لكن طالما ما سألش عليها خلاص بلاش نعمل معاها مشاكل بدون داعى .. انتى عارفاها

قالت “مى” بغيظ :

– ما هو عشان عارفاها .. أوف مش عارفه ليه مينقلوهاش مكتب تانى ويريحونا منها

قالت “مريم” ببساطة :

– حاولى متحتكيش بيها وخلاص .. وبعدين سبيني أركز بأه عشان عندى شغل كتير

قالت “مى” وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :

– شغاله على دعاية شركة دييبس ؟

– أها

– ربنا معاكى شغلهم صعب وصاحب الشركة مبيعجبهوش العجب بيعدل كتير

رفعت “مريم” ناظريها قائله :

– اشتغلتى معاهم قبل كدة

– أيوة من كذا سنة كنت ماسكه الحملة الدعائية بتاعتهم .. كانوا متعبين بجد

عادت “مريم” تنظر الى حاسبها وتمتمت :

– لحد دلوقتى ما قابلنيش مشاكل معاهم

– يارب دايماً

بعد نصف ساعة .. دخلت الى المكتب فتاة تصبغ وجهها بمكياج صارخ .. حتى سار وجهها وكأنه لوحه متداخلة الألوان .. وحجاب صغير جدا لا يكاد يغطى شعيراتها الثائرة من الأمام .. فتدخل يديها لتحاول عبثاً اخفاء تلك الخصلات .. دخلت ودون أن تلقى التحية توجهت الى المكتب الثالث وجلست عليه وبدأت فى تشغيل حاسوبها .. ثم أخرجت من حقيبتها مرآة وأخذت تتأكد من تمام زينتها ثم قامت وتوجهت الى الخارج .. تابعتها “مى” بعينيها وما كادت تخرج حتى هتفت قائله :

– شوفتى المولد اللى “سهى” عملاه فى وشها .. ده لو مش عشان حرام فعلى الأقل من باب ان مفيش واحدة تحط كمية الميك دى على الصبح .. شغل فلح صحيح

قالت “مريم” بنفاذ صبره ونظرة محذرة :

– “مى” بطلى تجيبي فى سيرتها .. هى حرة تعمل اللى تعمله .. لينا اننا ننصحها وبس لكن مش نتكلم عنها كده

قالت “مى”بغيظ :

– يعني عجبك منظرها

قالت فوراً :

– لأ طبعا مش عاجبنى .. بس بدل ما أنا وانتى نتكلم عنها فى غيابها .. الأحسن اننا ننصحها براحه أهو ناخد فيها ثواب .. ونتجنب احنا اننا ناخد سيئات عشان شوية نميمة

هتفت “مى” قائله :

– ما احنا ياما نصحناها ومفيش فايدة مبتحترمش نفسها أبداً .. واهى دلوقتى تلاقيها داخله عند أستاذ “أشرف” وهاتك يا تسبيل

قالت “مريم” بغضب :

– “مى” بجد كفاية لو سمحتى

قالت “مى” تحاول تهدئتها :

– خلاص متضايقيش مش هتكلم عنها تانى

عادت “مريم” الى عملها وهى تحاول تناسى غضبها من “مى”

فى المكتب المجاور وقفت “سهى” أمام مكتب الأستاذ “أشرف” قائله بإبتسامه :

– حقيقي بجد مش عارفه أشكرك ازاى يا أستاذ “أشرف” .. لولاك مكنتش عرفت أخلص الشغل ده كله لوحدى

قال “أشرف” مبتسماً :

– ولا يهمك يا آنسه “سهى” .. احنا زمايل وواجبنا اننا نساعد بعض

ازدادت ابتسامتها اتساعاً ونظرات عينيها جرئه قائله :

– بصراحة مش عارفة أودى جمايلك عليا فين .. من ساعة ما اشتغلت هنا وانت بتساعدنى ومرفضتليش أى طلب أبداً … حقيقي انت انسان ذوق أوى

ابتسم لمجاملتها قائلاً :

– متشكر يا آنسه “سهى”

قالت وهى تغادر :

– لو احتجت منى حاجه فى أى وقت عرفني وأنا عنيا لحضرتك

أومأ برأسها .. خرجت من المكتب وعادت الى مكتبها تحمل بعض الأوراق وابتسامتها على شفتيها ..راقبتها “مى” بغيظ .. فإنتبهت “سهى” لنظراتها فقالت لها بحده :

– ايه مالك بتبصيلي كدة ليه .. لو عايزة صورة عرفينى وأنا أجبلك بدل ما انتى عماله تاخدلى صورة 4 فى 6 من ساعة ما دخلت

قالت “مى” بسخرية :

– وأنا هحتاج صور جنابك فى ايه ان شاء الله .. تكونيش حد مهم وأنا معرفش

قالت “سهى” بمياعه :

– آه حد مهم ومهم أوى كمان

قالت “مى” ساخرة :

– والله .. تصورى مكنتش أعرف

نظرت اليهما “مريم” قائله بغضب :

– هو انتوا مش هتبطلوا بأه .. مش عارفه أركز فى الشغل .. لو سمحتوا كل واحدة تبص فى جهازها وتشتغل .. ده مكان شغل مش مكان نتساير فيه

التزمت الفتاتان الصمت وعادتا الى عملهما وكل منهما ترمق الأخرى بنظرات حنق .. عادت “مريم” الى عملها تضرب بأصابعها النحيلة فوق لوحة المفاتيح .. حانت منها التفاته الى تلك الدبلة الذهبية التى تزين أصابع يدها اليمنى .. أخذت تتحسسها بأصابعها لحظات .. ثم عادت الى اكمال عملها .

**************************

من أهم محافظات صعيد مصر .. محافظة قنــا .. تلك المحافظة التى تتميز بموقع جغرافى رائع .. حيث تحدها شمالاً محافظة سوهاج .. وجنوباً محافظة الأقصر.. وشرقا محافظة البحر الأحمر .. وغربا محافظة الوادي الجديد .. تضم تلك المحافظة 11 مدينة .. أهمها مدينة نجع حمادى التى تُعرف بالصعيد الجوانى .. والتى تتميز بزراعة قصب السكر وبوجود العديد من مصانع الألومنيوم .. وتتميز بذلك المناخ الإقليمي الحار الذى يؤثر فى طباع أهلها .. تتشابه عادات أهل الصعيد مع عادات أهل الجزيرة العربية من حيث التكوين القبلى أو العشائرى فينقسم الناس بها الى عدة قبائل وكل قبيلة تتميز بالتماسك والترابط فيما بينهم فلا يستطيع غريب التسلل بينهم .. يتميزون أيضاً بغيرتهم الشديدة على كل ما يخص القبيلة ومصالحها .. توجد واحدة من كبرى القبائل ويطلق عليها قبيلة “تميــم” ..(اذا تشابه الإسم مع اسم قبيلة موجودة بالفعل فهو محض الصدفة) ..

توجد عائلتان من أكبر عائلات تلك القبيلة وهما عائلة “السمري” .. و عائلة “الهواري” .. كان بين العائلتان مصالح مشتركة كثيرة .. يشتركان معا فى العديد من الأعمال ويتميزان بسمعة و هيبة وسط أهل الصعيد .. عائلة “الهواري” .. كان كبيرها هو الحاج “سباعى” والذى يمثل رأس تلك العائله .. فى ذلك اليوم استيقظ “سباعى” من نومه ليترأس مائدة الطعام والتى وضع عليها ما لذ وطاب بدأ فى تناول الطعام ثم التفت الى ابنه الكبير “جمال” قائلاً :

– ايه أخبار المشكلة اللى كانت مع العمال يا “جمال”

قال “جمال” وهو يكمل طعامه بنهم :

– لا متجلجش يابوى حليناها ورضينا العمال .. مع انهم كانوا عايزين جطع رجابيهم

قال “سباعى” بحزم:

– اتعلم تسايس أمورك عشان المركب تمشى .. فى مواقف بتحتاج فيها الحزم وفى مواقف تانية بتعديها عشان مصلحتك

قال “جمال” بحنق :

– يعني شوية رجاله ميسووش يمشوا كلامهم علينا

قال “سباعى” بغضب

– الرجاله اللى بتقول عليهم ما يسووش هما من قبيلتك يا ولدى ولازم تطويهم تحت جناحك عشان قوتنا وعزتنا فى عددنا وعشان كده احنا من أكبر عائلات الصعيد كلياتها .. ولا عايزهم يجولوا عيلة “الهواري” مش عارفه تمشى شغلها زى باجى الخلج .. يعني هيا عيلة “السمري” أحسن منينا ولا ايه

قال “جمال” بسخرية :

– لا طبعا .. ده احنا نغلبهم بالعدد وبالنسب .. واحنا احسن منيهم مليون مرة .. وكل القبيلة عارفه اكده

– عفارم عليك ومادام اكده يبأه لازم الكل يتكلم عنا منيح وميجيبوش سيرتنا الا بالخير وعشان اكده رضينا العمال .. لكن مش معنا اكده اننا ضعاف .. لا .. اللى يتنمرد حدانا يا ويله منينا

صمت “سباعى” قليلاً ثم قال :

– أخبار المناجصة ايه .. لسه مفيش نتيجه

– لا يابوى أنى موصى ناس أكابر أول ما يعرفوا المناجصه رسيت على مين يبلغونا

ثم قال فى حبور :

– بس ما تجلجش واصل .. هترسى علينا يعني هترسى علينا .. مفيش حد حدانا يجدر يجدم مواصفات أحسن من اللى جدمناها .. متشيلش هم يابوى

قال “سباعى” وهى ينهض :

– ربنا يجدم اللى فيه الخير

************************

فى مكتب الأستاذ “عماد” صاحب ومدير شركة رؤية للدعاية والإعلان .. جلس أحد أصحاب الشركات وقال :

– بس يا أستاذ “عماد” احنا مش عايزين حملة عادية .. عايزين تغيير شامل فى كل شئ .. لوجو الشركة وبروشورز تعريف بنشاط الشركة تتوزع فى الشوارع وعلى الشركات الكبيرة .. ده غير البوسترات واعلانات أوت دور

قال “عماد” مبتسماً :

– ما تقلقش أبداً يا بشمهندس “خالد” .. احنا الدعاية عندنا على أعلى مستوى

قال “خالد” محذراً :

– مش عايز أى شغل يا أستاذ “عماد” .. لازم يبقى شغل من الآخر .. أنا مش مهم عندى الفلوس .. المهم النتيجة

طمأنه “عماد” قائلاً :

– متقلقش وهختارلك أحسن ديزاينر عندنا فى الشركة وهى اللى هتمسكلك الحملة

قال “خالد” مستغرباً :

– هى !

ابتسم “عماد” :

– أيوة .. ثوانى وهعرفك عليها

رفع سماعة الهاتف قائلاً :

– آنسة “صفاء” من فضلك ناديلى الآنسة “مريم”

– حاضر يا فندم

دخلت “صفاء” مكتب “مريم” قائله :

– “مريم” أستاذ “عماد” عايزك فى مكتبه

رفعت مريم رأسها قائله :

– متعرفيش عايزنى فى ايه؟

– لا مقاليش .. بس عنده عميل جديد

قامت مريم وعدلت هندامها .. وسارت الى مكتب أستاذ “عماد” وطرقت الباب بخفه ثم دخلت وتركته مفتوحاً خلفها .. توجهت الى المكتب قائله :

– أفندم يا أستاذ “عماد”

أشار “عماد” الى “خالد” قائلاً :

– البشمهندس “خالد” صاحب شركة مقاولات كبيرة .. وحابب يتعاون معانا عشان ننفذله حملة دعاية لشركته ونشاطها

قالت “مريم” بصوت خافت :

– أهلا بحضرتك

قال “خالد” بإقتضاب :

– أهلاً بيكي

نظر “عماد” الى “خالد” قائلاً :

– الآنسة “مريم” من أفضل الديزاينرز اللى فى شركتنا .. وأنا واثق ان شغلها هيعجبك

ثم التفت الى “مريم” قائلاً :

– يلا يا “مريم” عشان تتفقى مع البشمهندس “خالد” على تفاصيل الحملة

أومأت برأسها والتفتت الى “خالد” قائله :

– اتفضل معايا

توجهت “مريم” وخالد خلفها الى مكتبها .. تطلعت الفتاتان الى هذا الرجل الوسيم الأنيق الذى دخل الى مكتبهم .. قامت “سهى” على الفور بإخراج مرآتها تحت المكتب للتأكد من ضبط مكياجها .. جلست “مريم” على المكتب وقالت ل “خالد” :

– اتفضل

جلس “خالد” أمامها وهو يلقى نظرة على الفتاتان .. قالت “مريم” بروتينيه :

– حضرتك تحب تشرب ايه

قال “خالد” :

– قهوة سادة لو سمحتى

طلبت “مريم” له القهوة ثم قالت وهى تمسك بورقة وقلم :

– اتفضل حضرتك قولى طلباتك بخصوص الحملة الدعائية

استغرق الحديث بينهما قرابة النصف ساعة .. حتى قال “خالد” :

– وياريت اعلانات الأوت دور يكون فيها موديلز

قالت “مريم” بإقتضاب :

– آسفين يا بشمهندس .. مش بنستخدم صور الموديلز فى تصميماتنا

رفع “خالد” حاجبه بسخريه قائلاً :

– ازاى يعني .. كل الناس بتستخدم صور بنات فى الدعاية لشركتهم ومنتجاتهم

قال “مريم” بجديه :

– مش لازم نحط صور بنات على الإعلان عشان نجذب بيه انتباه الناس .. فى طرق تانية كتير أهمها شكل التصميم .. والكلام اللى مكتوب .. وحجم اليافته .. والألوان المستخدمه فى التصميم .. ونشاط الشركة نفسها وسمعتها فى السوق

أومأ برأسه وبدا غير مقتنعاً بكلامها .. وأخيراً نهض “خالد” للانصراف ومده يده اليها قائلاً:

– تمام يا آنسه “مريم” كده اتفقنا على كل التفاصيل ومنتظر الشغل يخلص خلال اسبوع زى ما اتفقنا

نظرت “مريم” الى يده الممدوده ثم نظرت اليه وقالت بجديه :

– آسفه مبسلمش .. حضرتك شرفتنا وان شاء الله خلال اسبوع كل التصاميم هتكون جاهزة .. وهعرضهم على حضرتك قبل التنفيذ

أعاد “خالد” يده ونظر اليها ساخراً ثم انصرف دون كلمه .. قالت “سهى” بعتاب :

– أحرجتى الراجل يا “مريم”

نظرت اليها “مريم” بجديه قائله :

– ما يتحرج وايه المشكلة

ثم عادت الى حاسبها لإكمال عملها

***************************

هتف “جمال” بغضب بالغ :

– يعني ايه المناجصة مرسيتش علينا .. يعني ايه الكلام ده

قال الرجل الواقف أمامه فى المكتب بتوتر :

– ده اللى حاصل يا “جمال” بيه .. خسرنا فى المناجصة

صاح بحنق :

– أمال رسيت على مين ؟

نظر اليه الرجل وبدا عليه الخوف ثم قال بإستسلام :

– على عيلة “السمري”

ضرب “جمال” على المكتب بكفيه وهب واقفاً وقال بغضب :

– عيلة “السمري” ؟ .. ازاى .. ازاى جدروا يجدموا عرض أحسن منينا .. ازاى

قال الرجل فى خوف :

– ماخبرش يا جمال “بيه” .. ده اللى حاصل

صرف الرجل الى عمله وجلس “جمال” يفكر وعلامات الغضب باديه على وجهه .. ثم هب واقفاً فجأة وذهب الى مكتب والده .. فتح الباب ووقف أمام والده قائلاً بغضب :

– شوفت يابوى .. عيلة “السمري” سرجوا المناجصة منينا

أسند “سباعى” ظهره الى المقعد قائلاً :

– ياولدى مفيش حاجة اسمها سرجوها منينا .. ده عرض وطلب واللى يجدم أحسن عرض هو اللى بيكسب المناجصة .. يعنى المنافسة شريفة

صاح “جمال” بحنق :

– المناجصة دى بتاعتنا .. احنا تعبنا ودفعنا دم جلبنا عشان ترسى علينا .. وفى الآخر ياخدوها ولاد “السمري” واحنا نطلع من المولد بلا حمص

قال “سباعى” فى غضب :

– انت دفعت رشوى يا “جمال” عشان المناجصة ترسى عيلنا

قال “جمالط بتوتر :

– ما اسمهاش رشوى يابوى .. دى …..

هب “سباعى” من مكانه قائلاً :

– لو قررتها تانى مرة يا “جمال” لا تلوم الا نفسك .. من امتى عيلة “الهوارى” ليها فى سكة الرشاوى .. على آخر الزمن يجي عيل زيك يفضحنا وسط القبيلة ويجولوا عيلة “الهوارى” ماتعرف تكسب الا بالرشاوى

قال “جمال” بإستسلام :

– آنى آسف يابوى ما عاد كررها

أشاح “سباعى” بيده قائلاً بضيق :

– يلا على مكتبك .. باعد عنى وشك عاد .. جبر يلمك

غادر “جمال” وهو يتأفف ويتلوى من الغضب

**************************

– ما تزوجيني يا ماما أوام يا ماما ده عريسي هياخدنى بالسلامة يا ماما

– الله الله .. واجفه تتزوجى أدام المرايه واحنا تحت ملبوخين تحت فى تحضير الوكل .. سيبي المراية اللى فى يدك عاد وانزلى شوفى النسوان تحت وساعديهم

قامت “صباح” ذات الاثنا والعشرين ربيعاً من فراشها وتركت المرأة قائله بضيق :

– ماشى يا اماى .. نازله دلوجيت

رمت الأم نظره محذره وهى تبتعد قائله :

– أما نشوف عاد

نزلت “صباح” لتساعد النساء فى تحضير الوليمة التى أعدها جدها كبير عائلة “السمري” من أجل فوزهم بالمناقصة .. تعالت ضحكات الرجال .. هتف “عبد الرحمن” كبير العائله بسعاده :

– الحمد لله والشكر ليك يارب .. فوزنا بالمناجصة اللى هتنجلنا ناجله تانية بعون الله

قال ابنه الأوسط “ياسين” بفرح :

– صح جولك يا بوى هتنجلنا ناجلة تانية .. وهيبقى اسم عيلة “السمري” هو الأول فى سوج الألومنيوم بعون الله

– الحمدلله .. الحمدلله يا ولدى .. ده فضل من عند ربك .. هو اللى بيعطى وهو اللى بيرزج

قال ابنه الآخر “عثمان” بشماته :

– نفسى أشوف دلوجيت وش “جمال” ابن “سباعي” زمانه جلبه جايد نار .. وبيتحسر على المناجصة

قال “عبد الرحمن” بنبرة صارمة :

– ايه اللى جاب السيرة دى دلوجيت يا “عثمان” .. احنا ولاد قبيلة واحدة .. وميصحش حدا فينا يشمت فى التانى .. اكده ولا مش اكده

قال “عثمان” يمتص غضب والده :

– اكده يابوى

– يلا جوموا شوفوا الوكل خلص ولا لسه عاد

كان “ياسين” و “عثمان” هما أحد أبناء “عبد الرحمن” الأربع .. “ياسين” فى العقد الرابع من العمر .. و “عثمان” فى أوائل العقد الثالث .. الإبن الأكبر “خيري” توفاه الله منذ زمن بعيد .. والابنه الصغرى “صباح” ذات الثانية والعشرين من العمر

التف الرجال حول طاولات الطعام وقد علقت الزينه .. وشرعوا فى تبادل المزاح وتجاذب أطراف الحديث .. ولم يخلو الأمر من اطلاق الأعيرة النارية فى الهواء تعبيراً عن فرحهم واحتفالهم

*****************************

فى أحد القاعات الكبرى فى احد فنادق القاهرة .. تم اعداد الحفل الذى يضم نخبة من رجال الأعمال فى مصر .. وكان على رأس الحضور محافظ القاهرة والذى توجه الى الميكروفون للإدلاء بكلمته قائلاً :

– بسم الله الرحمن الرحيم .. السادة الحضور .. يسعدنا انضمامكم معنا الليلة ونحن نحتفل ونكرم أربعة من أكبر رجال الأعمال فى مصر .. والذين كان لهم الفضل بعد الله عز وجل فى توفير آلاف فرص العمل للشباب المصري .. واستثمارهم لما يملكون من أموال فى بلدهم الحبيب مصر .. وكان لهذا أثر بالغ فى تنشيط الإقتصاد والصناعة المصرية وارتفاع أسهم البورصة .. واضفاء الثقة على الصناعة المصرية وجودتها .. ولذلك فأتشرف بنفسي بتقديم أوسمة الشكر من المحافظة الى هؤلاء الرجال الأربعة الذين تعاونوا معاً لخدمة بلدهم الحبيب مصر

صمت قليلاً ثم قال :

– الأستاذ “سامر فخرى”

تعالى تصفيق الحضور .. نهض من أحد مقاعد الصف الأول رجل وسيم الملامح ذو بشرة بيضاء وعينين عسليتين .. كان يتميز بوسامة لافتة .. تقدم وصعد الدرجات التى تفصله عن المنصة .. تقدم من المحافظ الذى سلم عليه وبجوار احدى الفتيات التى تحمل الوسام .. قدمت له الوسام مبتسمه فتسلمه منها وبادلها الابتسام .. ثم عاد مرة أخرى الى مقعده .. تحدث المحافظ مرة أخرى قائلاً :

– الأستاذ “حامد زيدان ”

نهض من المقعد لمجاور ل “سامر” .. رجل يتميز بالوسامة وله نظارت خبيثة واثقة .. صعد المنصة وسلم على الحافظ .. غمز بعينيه للفتاة التى تقدمت لتعطيه الوسام .. اقترب المحافظ مرة أخرى من الميكروفون قائلاً :

– الأستاذ “طارق عبد العزيز”

نهض “طارق” من مقعده كان رجلاً متوسط الطول هادئ الملامح .. سلم بدوره على المحافظ واستلم وسامه .. قال المحافظ:

– وأخيراً وليس آخراً الأستاذ “مراد خيري”

نهض من المقعد الرابع رجل فارع الطول ذو ملامح رجولية صارمة ونظرة حادة كنظرة الصقر تقدم ليتسلم وسامه هو الآخر

بعد انتهاء الحفل تعالت القاعة بالأصوات .. حيث كانت هذه من المرات القليلة التى يجتمع فيها كل هذا الكم من رجال الأعمال .. وقف الرجال الأربع ملتفين حولهم بعض المهنئين .. ثم انفض الحفل وخرج الرجال الأربع من القاعة وتوجهوا الى احدى الطاولات فى مطعم الفندق .. صاح “حامد” بمرح :

– عايزين بأه بالمناسبة الجميلة دى نعمل حاجه مطرقعة

ابتسم له “سامر” قائلاً :

– حاجه زى ايه ؟

– مش عارف فكروا معايا عايزين نشوف نفسنا شويه .. احنا اتطحنا شغل الشهور اللى فاتت عايزين ناخد بريك بأه ونطلع أى مكان

قال “طارق”مفكراً :

– طيب ايه رأيكوا فى رحلة سافارى

صاح “سامر” :

– سفارى ايه يا طارق .. بيقولك هلكانين شغل

– طيب عايزين ايه يعني

قال “سامر” بخبث :

– يعني عايزين حاجات طريه

صاح “طارق” قائلا :

– اااااه حاجات طريه قولتلى .. لا يا حبيبى مليش فيه

قال “حامد” بسخريه :

– والله انت هتنقطنى يا “طارق” .. المزز بتترمى حواليك يمين وشمال وتقولى ملكش فيه .. يا ابنى مترفصش النعمة لتزول

ضحك “طارق” بسدة قائلاً :

– طول عمرك بتاع تلت ورقات يا “حامد” .. وتحور فى الكلام عشان يبقى فى صالحك .. نعمة ايه يا ابنى الله يهديك .. روح انت و “سامر” واعملوا اللى انتوا عايزينه أنا مليش فى الجو ده

نظر “حامد” الى “مراد” قائلاً :

– ولا انت طبعاً ليك فى الكلام ده

نظر اليه “مراد” ولم يعقب فأكمل “حامد” :

– رجالة معقدة صحيح

قال “مراد” بجدية :

– انتوا مش هتتعشوا ولا ايه.. يلا انجزوا نطلب الأكل عشان راجع المكتب

قال “طارق” بدهشة :

– ليه راجع المكتب دلوقتى

قال “مرد” وهو يتفحص المنيو :

– عندى شغل

صاح “سامر” :

– يا ابنى حرام عليك متعبتش .. ده احنا طلعت عنينا الفترة اللى فاتت .. خد بريك مش كده

نظر اليها “مراد” بحده قائلاً :

– ولما احنا الأربعة ناخد بريك مين اللى يمشى الشغل ؟

قال “حامد” :

– يا “مراد” الدنيا فيها حاجات كتير أوى أهم من الشغل .. مش كله شغل يا ابنى .. وبعدين الجيش اللى احنا موظفينه عندنا ده بيقبضوا مرتبات على ايه .. مش عشان يشتغلوا واحنا نرتاح شوية

قال “مراد” بجدية وهو يعاود النظر الى المنيو :

– يلا انجزوا عايز أمشى

قال “سامر” بإستسلام :

– مفيش فايدة فيك

أثناء انهماكهم فى تناول الطعام قال “حامد” :

– آه صحيح يا شباب .. فى بنوته عايز أشغلها فى العلاقات العامة .. بنت شيك وجميلة وموزة وخريجة الجامعة الأمريكية .. يعني هتكون واجهة كويسة للشركة

قال “مراد” بهدوء :

– مفيش مشكلة نعملها انترفيو ولو مناسبة نشغلها

قال “حامد” ضاحكاً :

– انترفيو ايه يا “مراد” بقولك البنت موزه شكل وجسم تقولى انترفيو

قال “مرد” بصرامة موجهاً اليه نظرات نارية :

– احنا شركة محترمة يا “حامد” مش بيت دعارة .. يعني المؤهلات اللى تخلينا نشغل أى اوحدة عندنا ملهاش علاقة لا بشكلها ولا بجسمها

قال “حامد” بحنق وغضب مكبوت :

– مفيش مشكلة هشغلها عندى فى الشركة مع انى كنت حابب انها تشتغل فى شركتنا الجديدة اللى بينا احنا الأربعة .. بس مفيش مشكلة

قال “مراد” بهدوء :

– أنا ما قولتش مش هنشغلها أنا قولت هنعملها انترفيو ونشوف مؤهلاتها وخبرتها

قال “حامد”بضيق :

– خلاص يا “مراد” انسى

قال “طارق” مازحاً موجهاً حديثه الى “سامر” :

– ايه يا فنان قولنا ايه اخر أعمالك الفنية

ابتسم “سامر” قائلاً :

– خلال أيام هتشوفوا تحفتى الفنية الجديدة

قال “حامد” بمرح :

– اوعى تكون زى اللى فاتت .. مفهمتش منها أى حاجه أكنك جايب شوية ألوان وملغوص بيها ايدك وآعد تطبع على اللوحة زى العيال الصغيرين

قال “سامر” بحده :

– وانت ايه يفهمك انت فى الفن والرسم الراقى .. انت اخرك السهرات الحمرا بتاعتك

قال “حامد” بسخريه :

– وسهراتك انت ايه ؟ .. خضرا

قال “طارق” مبتسماً :

– اللى يشوفكوا بتتكلموا مع بعض مايقولش رجال أعمال .. يقول شوية أطفال فى الحضانة

قال له “حامد” ساخراً :

– خلينالك انت العقل انت وسى “مراد” .. اهو اتنين طاقين واتنين عاقلين عشان يبقى فى توازن

****************************

بعد انتهاء الوليمة التى أقامتها عائلة “السمري” احتفالاً بنجاحهم .. وقبل أن يوشك “عبد الرحمن” على النوم توجه الى ابنه “ياسين” قائلاً :

– “ياسين” يا ولدى .. روح المخزن وطل طله على الشحنة بتاعة المناجصة اللى المفروض تتسلم بكرة ان شاء الله

قال “ياسين” فى تكاسل :

– آنى رجعت عليها ميت مرة يابوى .. واتاكدت من كل حاجه الكمية والجودة

قال الأب بحزم :

– اتاكد تانى وتالت ورابع .. المناجصة كبيرة ولازم كل شئ يمشئ مظبوط عشان سمعتنا فى السوج تكبر .. وميلاجوش لينا ولا غلطة

قال “ياسين” مستسلماً :

– أمرك يابوى .. هروح دلوجيت

توجه “ياسين” بسيارته الى المخازن التى تحتوى على شحنة الألومنيوم والتى من المفترض أن يتم ترحيلها فى الصباح الى الشركة التى قبلت عرضهم فى المناقصة .. أوقف سيارته وأوشك أن يفتح باب المخزن لكنه دُهش عندما وجد القفل مكسور .. فتح الباب ودخل .. سمع بعض الأصوات فى الخلف .. توجه الى حيث مصدر الصوت ليُصدم برجل ملثم يقوم بإسكاب البنزين الذى اخترقت رائحته أنف “ياسين” على الكونتينرز التى تحتوى على شحنة الألومنيوم .. حانت التفاته من الرجل الملثم الى “ياسين” .. وقف الرجلين فى مواجهة بعضهما البعض .. قال “ياسين” فى نفسه تباً لتلك العينين وهاذان الحاجبان الكثيفان .. لم يظهر سوى نصف وجه لكن تمكن من معرفته .. تباً لك يا رجل أتجرؤ على معاداة عائلة “السمري” .. ستكون الحرب اذن .. دار هذا الحديث الصامت قبل أن يلتفت “ياسين” ويهرول فى اتجاه باب المخزن .. حتى يتمكن من احضار الرجال للقبض على هذا الملثم الذى عرفه حق المعرفة .. لكن قبل أن يتوجه “ياسين” الى باب المخزن انطلقت رصاصة من مسدس كاتم للصوت لتستقر فى رأس “ياسين” ويسقط قتيلاً والدماء تنفجر من رأسه على أرض المخزن.

***********************

جلست “مريم” فى غرفة المعيشة فى بيتها المتواضع للغاية .. تشاهد التلفاز .. بعينين بدتا وكأنهما فى عالم آخر .. تنظر الى اشياء لا وجود لها .. بدت ساهمة هادئة .. متقوقعة على نفسها تحتضن قدميها بذراعيها وتستد بذقنها على ركبتيها .. عينيها على ساعة الحائط .. تنظر اليها كل خمس دقائق .. وكأنها على موعد هام .. موعد لا يمكن تفويته .. موعد أهم من اى شئ آخر فى حياتها .. بمجرد أن تحركت عقاب الساعة لتقترب من الثانية عشر .. حتى هبت واقفه .. وتمنت أن تتحرك بسرعة أكبر .. تباً لكِ أيتها العقارب .. لماذا تسيرين كالسلحفاه .. هيا أريدك أن تصلى بى الى موعدى .. موعدى الذى أنتظره بشوق ولهفة .. دقائق قليلة وأعلنت الساعة وصولها أخيراً الى الثانية عشر بعد منتصف الليل .. لاحت ابتسامة صغيرة على شفتيها .. توجهت الى غرفة نومها وأخرجت حقيبة من دولاب ملابسها .. جلست على السرير وفتحت الحقيبة الممتلئة بخطابات مغلقة .. وأخذت تبحث بسرعة ونهم عن الخطاب الذى يحمل رقم 53 .. ظلت تبحث عنه حتى وجدته قابعاً بين الخطابات والتى يحمل كل منها رقماً خاصاً به .. اتسعت ابتسامتها ولمعت عيناها وحضنته بين كفيها وكأنها وجدت كنز ثمين .. أسرعت بلهفة تفتح الخطاب وتقرأ ما به :

– حبيبتى “مريم” .. كيف حالك اليوم حبيبتى .. أأنتِ بخير .. أأنتِ مريضة ..أتشكين من شئ حبيبتى .. أتمنى أن تكونى بخير حال .. “مريم” .. حبيبتى .. معشوقتى .. سأطلب منكِ هذه المرة شيئاً .. وأعلم أنكِ ستنفذين طلبي .. أريدك أن تختارى احدى صديقاتك المقربات .. وتذهبين معها غداً فى نزهة نيلية على ظهر مركب .. وسط النيل .. أريدك أن تغمضى عيناك الجميلتين وتتمتعين بالهواء المنعش وهو يلفح وجهكِ الجميل .. أتذكرين كيف كانت نزهاتنا النيلية .. كيف كنتى تطيرين فرحاً باللعب فى الماء بيدك .. كنت تبدين كطفلة صغيرة مشاكسة وأنتِ تحاولين رش الماء على ملابسي .. أتذكر جيداً ضحكاتك الجميلة .. وسعادتك فى تلك اللحظات .. أريدك أن تقومى بتلك النزهة يا “مريم” .. استمتعى بوقتك حبيبتى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً وستمتثلين لما أطلبه منكِ .. حبيبتى الجميلة .. القريبة البعيدة .. حبيبك ماجد

أنهت قراءة الخطاب وضمته الى صدرها بشدة وأغمضت عيناها لتتساقط عبرة على الخطاب .. وتقول هامسه :

– حاضر يا حبيبى .. حاضر.

.

.

.

الفصل الثاني من رواية قطة فى عرين الأسد

أنهت “مريم” قراءة الخطاب وضمته الى صدرها بشدة وأغمضت عيناها لتتساقط عبرة على الخطاب .. وتقول هامسه :

– حاضر يا حبيبى .. حاضر

طوت الخطاب وأعادته بداخل الظرف برفق ثم فتحت درج الكمودينو بجوار الفراش .. كان الدرج يحتوى على العديد من الخطابات .. ضمت اليهم الخطاب الذى بيدها وتوجهت الى فرشها وتدثرات بالغطاء .. ألقت نظرة حزينة على الفراش الآخر الخالى ثم أمسكت مصحفها وشرعت فى القراءة وعيناها تشعان حزناً وألماً .. بعد نصف ساعة أغلقت النور وأمسكت وسادتها وحضنتها وضمتها بشدة الى صدرها وأسندت عليها رأسها وأغلقت عينيها بعدما رددت أذكار النوم

************************

أنهى “مراد” عمله بالشركة ونظر الى ساعته ليجدها الثانية بعد منتصف الليل .. حمل الجاكت وارتداه ثم خرج من الشركة وتوجه بسيارته الى احدى الفلل الأنيقة فى أحد الأحياء الراقية .. دخل الفيلا وما كاد يصعد أول درجة من السلم الداخلى حتى سمع صوت من خلفه قائلاً :

– كل ده تأخير يا “مراد”

التفت “مراد” الى المرأة التى تبدو فى العقد السادس من العمر .. أنيقة .. تبدو علامات الطيبة جلية على وجهها .. أخذت تنظر اليه بعتاب فإقترب منها وقبل يدها قائلاً :

– أنا آسف يا أمى كان عندى شغل كتير

قالت بعتاب :

– وآفل موبايلك ليه .. ومبتردش على تليفون الشركة ليه

قال شارحاً :

– الموبايل فصل شحن والشاحن كان فى العربية كنت مشغول جدا فمعرفتش أنزل أجيبه وفصلت تليفون الشركة عشان أعرف أشتغل براحتى بدون ازعاج

ثالت محذره :

– اياك تعمل كده مرة تانية .. أنا كنت هموت من قلقلى عليك وكنت هكلم “أحمد” ابن خالتك يدور عليك

قال “مراد” بضيق :

– هو انا عيل صغير يا أمى عشان تكلمى حد يدور عليا

قالت “ناهد” بحزم :

– كلمة واحدة معدتش تعمل كده تانى وتقطع كل وسايل الاتصال بيك

أومأ برأسه قائلاً :

– حاضر يا أمى

نظرت اليه بحنان قائله :

– مش هتتعشى

قال وقد ظهر عليه علامات التعب :

– لأ اتعشيت بره بعد الحفلة .. أنا جعان نوم

ابتسمت أمه قائله :

– ألف مبروك يا حبيبى مرة تانية .. انت تستاهل كل خير

قبل يدها قائلاً :

– تسلمي يا أمى .. وتصبحى على خير

– تصبح على خير يا حبيبى

صعد “مراد” الى غرفته وغير ملابسه وجلس على فراشه ليستطيع …. نزع الساق الصناعية التى تملء الفراغ الموجود من بعد ركبته اليمنى .. ثم تمدد على فراشه وراح فى سبات عميق

*****************************

كان المخزن يعج برجال الشرطة الذين بدأوا فى التحقيق .. قال “عبد الرحمن” باكياً :

– كبدى عليك يا ولدى .. روحت منى يا ولدى

ثم التفت الى أحد رجال الشرطة قائلاً بألم :

– مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى له صالح يجتل ولدى .. “ياسين” كان خيرة الرجال .. عمره ما ضايج حد وعمره ما ظلم حد .. ليه يجتلوا ولدى ليه

اقترب منه “عثمان” وربت على كتفه قائلاً بصرامة :

– متجلجش يابوى .. هنجيب اللى عمل اكده فى اخوى ونخليه عبره للبلد كلياتها

قال الضابط بحزم :

– ده شغل الشرطة يا “عثمان” متدخلش نفسك فى المشاكل .. احنا هنعرف نوصل للجاتل وياخد عقابه

نظر “عثمان” الى الضابط ساخراً وقال بمرارة :

– أما نشوف يا حضرة الظابط .. أما نشوف .. بس اذا معرفتوش توصلوا للى جتل اخوى أنا هوصله وهجتله بيدي التنين دول

قال الضابط بحزم :

– “عثمان” مفيش داعى للكلام ده دلوجيت .. متحطش البنزين على النار وهى جايده

نظر “عثمان” بأسى لجثة أخيه الراقد على أرض المخزن واقترب منه قائلاً ثم جثا علي ركبتيه وقال بصرامة :

– متخفش يا ولد أبوى .. آنى لا هسكت ولا هيرتاحلى بال إلا لما أجيبلك حجك من اللى عمل فيك اكده .. حتى لو كان آخر يوم بعمرى .. نام فى جبرك واطمن .. أخوك راح ياخد بتارك من اللى جتلك .. ومش هيكفيني فيه حبل المشنجة .. لازمن أجتله بيدي .. اطمن يا ولد أبوى

فى بيت عائلة “السمري” تعالى صوت المذياع على محطة القرآن الكريم .. وعج البيت بالنساء اللاتى ارتدين السواد وأخذن فى النواح .. أخذت والده “ياسين” تلطم وجهها وتنوح قائله :

– جتلوك يا ولدى .. جتلوك وانت بعز شبابك .. ولدى راح منى يا ناس .. ولدى .. خدوك منى ليه يا ولدى

أخذت “صباح” أخته هى الأخرى تبكى وتنوح هى الآخرى قائله :

– اخوه .. جتلوك ياخوى

فجأة دخل “عبد الرحمن” وصاح بغضب بالغ فى النساء :

– يمين بالله أى حرمة هسمعها بتصوت ولا بتنوح لأكون جتلها بيدي دول .. مش عايز جنس حرمة تفتح خشمها وتصوت على ولدى اللى بيتعذب دلوجيت من نواحكوا ده

شعرت النساء بالخوف الشديد وكتمت والده “ياسين” فمها بيادها .. فقال “عبد الرحمن” بغضب واحتقار وهو يغادر :

– جبر أما يلمكم كلياتكم .. حريم ناجصه عجل بصحيح

*****************************

فى صباح اليوم التالى اجتمعت العائله على مائدة الطعام .. ترأس “مراد” رأس الطاولة .. ووالدته على المقعد المقابل .. وعلى يمينه أخته “نرمين” .. وعلى يساره أخته “سارة” .. قالت “سارة بمرح :

– بقولك ايه يا أبيه متفكك من الشغل النهاردة وتعالى خرجنا .. نخرج كلنا ونروح لأى مكان مع بعض

قال “مراد” وهو منهمك فى قراءة أخبار البورصة فى الجريده الصباحية :

– مشغول يا “سارة” مش هينفع

قالت “نرمين” بتأفف :

– كل يوم مشغول يا أبيه والمصيبة انك مش بتسمحلنا أصلاً نخرج من غيرك .. طيب نعمل ايه يعني زهقنا من الحبسة دى

نظر اليها “مراد” قائلاً :

– ان شاء الله نخرج فى الويك اند مع بعض

قالت “نرمين” بتحدى :

– كل مرة تقولنا كده وتيجي فى الويك اند تقول مشغول

قالت “ناهد” بنبرة محذرة :

– “نرمين” عيب تتكلمى مع أخوكى الكبير كده

التفتت “نرمين” الى أمها قائله :

– يا ماما مش قصدى بس زهقت من الأعده فى البيت ولسه شهر بحاله على الجامعه .. مش معقول هقضى الشهر ده محبوسه

قالت “سارة” مبتسمه :

– طيب أنا بأه أعمل ايه اللى خلصت كليتى خلاص يعني محبوسه محبوسه

نظر اليهما “مرد” وتنهد قائلاً :

– خلاص هحاول بجد أفضى نفسي وأخرجكوا .. بس مش عايز زن

قالت “ساره” مبتسمه :

– أنا عن نفسي مبحبش الزن .. قول لـ “نرمين” الكلام ده

التفتت اليه “نرمين” قائله برجاء :

– خلاص مش هزن بس حضرتك يا ابيه التزم بكلامك المره دى

قال “مراد” بصرامة :

– “نرمين” اتكلمى معايا بإسلوب أحسن من كده

قالت “نرمين”بخفوت :

– أنا آسفه يا أبيه مش قصدى

نظر اليها وقال بجديه :

– يلا افطروا

شرعت الفتاتان فى تناول طعامهما فى صمت

************************

دخلت “مريم” مكتبها وألقت السلام على “مي” :

– السلام عليكم .. ازيك يا “مى”

– وعليكم السلام يا “مريم”

جلست “مريم” وشرعت فى فتح حاسوبها .. اقتربت منها “مي” قائله :

– خلصتى تصميمات شركة دييبس ولا لسه

– أيوة هفنشها بس وأرفعها على الميل وأبعتها لصاحب الشركة

– ممممممم كويس

التفتت “مى” لتعود الى مكتبها .. لكن “مريم” أوقفتها قائله :

– “مى” عايزة أطلب منك خدمه

التفتت “مى” قائله :

– خير أأمرى

صمتت “مريم” قليلاً ثم قالت :

– بصى .. عايزاكى تيجي معايا النهاردة مشوار مهم

قالت “مي” بإستغراب :

– مشوار ايه

بدا على “مريم” التردد .. ثم عزمت أمرها قائله :

– هنركب مركب ونتفسح فى النيل

ضحكت “مى” وقالت :

– انتى حلمتى بمركب ولا .. اشمعنى يعني ايه اللى طلعها فى دماغك

ظهت سحابة حزن فى عينيها البنيتين .. وتبللت عينيها قليلاً وقالت بتأثر :

– “ماجد” طلب منى كده

اختفت ابتسامه “مى” ونظرت الى “مريم” فى أسى .. فحاولت “مريم” التماسك وقالت :

– ها هتيجي معايا ؟

قالت “مي” بإستسلام :

– ماشى هاجى معاكى

قالت “مريم” وهى تعاود الإلتفات الى حاسوبها :

– تمام .. نروح بعد الشغل ان شاء الله

أومأت “مى” برأسها وعادت الى مكتبها وهى ترمق “مريم” بنظرات مشفقه

****************************

اجتمع رجال القبيلة لتقديم العزاء فى “ياسين” .. توجه “سباعى” الى “عبد الرحمن” وسلم عليه قائلاً:

– شد حيلك يا “عبد الرحمن” .. والبقاء لله

قال “عبد الرحمن” فى خفوت :

– البقاء لله وحده .. ربنا أعطى ودلوجيت بياخد عطيته

ربت “سباعى” على كتفه قائلاً :

– متجلجش ان شاء الله هنعرف مين اللى جتله .. والشرطة مش ساكته .. وان شاء الله جريب هتبرد نارك على ابنك لما يتمسك التيييييييت اللى عمل اكده

قال “عبد الرحمن” بأسى :

– على الله يا “سباعى” .. على الله .. هو اللى جادر يكشف الظالم اللى جتل ابنى وحرج جلبي عليه .. انا لله وانا اليه راجعون اللهم اجرنى فى مصيبتى واخلف لى خيرا منها

بعدما انصرف الرجال اجتمع كبراء عائلة “السمرى” معاً .. قال أحد الرجال فى غضب :

– مين اللى يجدر يعمل اكده .. مين اللى يجدر يجف أدام عيلة “السمري” ويعاديها

قال آخر :

– مفيش الا عيلة “الهواري” أكيد حدا منهم هو اللى عيملها

أكد آخر :

– اييوة مفيش الا عيلة “الهواري” .. جلبهم اتحرج اكمننا كسبنا المناجصة .. وهناكلهم فى السوج .. عشان اكده بعتوا حدا من حداهم يحرج المخزن ويجتل “ياسين” ولد عمى

قال “عبد الرحمن” بحزم :

– مش هنتهم الناس من غير دليل .. طول عمر العيلتين واجفة جمب بعضيها .. وبينا مصالح اكتير .. مش هنظلم حدا منهم طالما مفيش دليل .. ان بعض الظن اثم .. ومش عايز كلام فى الموضوع ده كتير .. ولسانكم يرطرط فيه .. لان لو الكلام وصل لعيلة “الهوارى” أكيد النفوس هتشيل

ثم قال بحزم أكبر وهو يمعن التفكير :

– ربنا جادر يكشف المستور .. وينتجم من الظالم

************************

جلس “سباعى” مع ابنه “جمال” وبعض رجال العائله .. وقال فى أسى :

– ضاع الراجل فطيس .. لا حول ولا قوة الا بالله

قال أحد الرجال :

– هتجنن مين اللى يعمل حاجه بشعة زى اكده ويجتل “ياسين” المسكين .. كان راجل طيب والله

قال آخر :

– الله يرحمه .. فعلاً كان راجل طيب

قال “سباعى” :

– اللى عمل اكده حدا من الجبيلة

قال أحد الرجال بدهشة :

– ايه اللى خلاك تجول اكده يا حاج

قال “عبد الرحمن” بحزم :

– لان لو كان حدا غريب كان زمان حدا شافه واتعرف عليه وسطينا .. لكنه واحد من الجبيلة وعرف يندس وسطينا لما الناس اتلمت والشرطة اجت

قال “جمال” بحده :

– يمكن استخبى منينا يابوى .. ومشى من البلد من غير ما حدا يشوفه

قال “سباعى” فى حيرة :

– الله أعلم يا ولدى .. بس أكيد الشرطة هتعرفه وتمسكه

ثم قال بغضب :

– لازمن يتجتل فى ميدان عام على عملته دى .. بجلنا سنين طويلة ما حدا احدانا فى الجبيلة مات بطلجة رصاص .. ودلوجيت هنرجع لمرار الجتل والتار عاد .. ربنا ينتجم منييه

ثم قال بقلق :

– ياخوفى يتهموها فينا ولاد “السمري”

قال “جمال” بحده :

– وليه جولت اكده يابوى .. واحنا ايه دخلنا فى جتل ابنهم

– يخوفى يا “جمال” الشيطان يوزهم بسبب موضوع المناجصة ويفتكروا اننا عملنا اكده عشان خسرنا .. خصوصى اللى عمل اكده كان جاصد يحرج المخزن .. لولا “ياسين” اللى راح وكشفه ولد التييييييييت ده

قال أحد الرجال يطمئنه :

– لا اطمن يا حاج .. الحاج “عبد الرحمن” عاجل ودماغه توزن بلد .. مستحيل يسيب الشيطان يلعب فى دماغ حدا من عيلته .. خصوصى ان مفيش دليل ضدينا

تنهد “عبد الرحمن” قائلاً :

– على الله يا ولدى .. على الله

**************************

هتفت “مريم” بحنق :

– ده بيستهبل ده ولا ايه بالظبط

نظرت اليها “مى” قائله :

– خير فى ايه

قالت “مريم” بعصبيه :

– صاحب شركة دييبس بعتله التصميمات على الميل .. رد عليا وطالب ليستت تعديلات هتاخد منى على الأقل اسبوع .. والمفروض أبدأ من دلوقتى فى حملة شركة المقاولات

قالت “مى” مبتسمة :

– قولتلك انه متعب

قالت “مريم” بضيق :

– أوف .. كان لازم أعد معاه من الأول ويقولى على اللى عايزه .. بدل ما يسيبنى أشتغل وبعدين ييجي يعدل كل التصميمات ويحط التاتش بتاعه .. ما كان من الأول

قالت “مى” مقترحه :

– خلاص روحيله الشركة بدل ما تتعبى فيهم تانى والآخر برده يعدل

قالت “مى” بحزم وهى تنهض :

– انا هعمل كده فعلاً .. هروح أقول لأستاذ “عماد” على اللى حصل .. وهطلب اذن عشان أروح أشوف أخرتها مع الراجل ده

طبعت “مريم” صور التصميمات على الطابعة ووضعتهم فى أحد الملفات وتوجهت الى مكتب “عماد” الذى نظر الى تصميماتها ثم قال :

– تصميمات ممتازة يا “مريم”

قالت بضيق :

– بس معجبتش صاحب الشركة وطالب تعديلات هتاخد منى وقت كبير

– كان لازم من الأول تعدوا مع بعض ويقولك على اللى عايزه بدقه عشان ميضيعش وقتك ومجهودك على الفاضى

– وعشان كده يا فندم بطلب من حضرتك اذن انى أمشى دلوقتى عشان أروحله الشركه

رفع “عماد” مساعة الهاتف قائلاً :

– لأ خليكي يا “مريم” أنا هتكلم معاه وأخليه يبعتلنا حد من عنده يقولنا على الطلبات بالظبط ويكون الكلام أدامى عشان ميرجعش ويطلب تعديلات تانى

ذهبت “مريم” الى مكتبها دقائق وكلمتها “صفاء” سكرتيرة “عماد” قائله :

– أستاذ “عماد” بيقولك مدير تسويق شركة دييبس هييجى بكرة يتفق معاكى على التصميمات يا “مريم”

– خلاص ماشى فى انتظاره

*********************

التف الرجال الأربعه حول طاولة الإجتماعات لمناقشة مشروعهم الجديد .. قال “طارق” :

– بصوا يا جماعة .. زى ما اتفقنا عايزين نهتم بنقطتين .. الأولى ان السعر يكون مناسب للطبقه المتوسطة .. وتانى نقطة نهتم برده بالجودة .. يعني مش عشان نقلل فى السعر نقوم ننزل بمستوى الجودة بدرجة كبيرة .. يعني عايزين توازن ونجمع بين الجودة والسعر وبكده هنتميز عن غيرنا فى السوق

وافقه “مراد” على كلامه قائلاً :

– بالظبط كده يا “طارق” .. هى دى المعادلة اللى لو حققناها هنهزم كل منافسينا فى السوق .. لان كل المصانع والشركات المنافسه اما بيهتموا بالجودة على حساب السعر أو بالسعر على حساب الجودة .. لكن احنا ان شاء الله هنقدر نحقق المعادلة الصعبة دى ونهتم بالسعر والجودة مع بعض

قال “حامد” بإستخفاف :

– طيب بدل تعب القلب ده ليه منحددش الطبقة الراقية كفئة نوجه انتاجنا ليهم

قال “مراد” شارحاً :

– لان أغلب المصانع الكبيرة والماركات العالمية وأغلب المستوردين بيهتموا بالطبقة دى .. يبقى ايه الجديد اللى احنا هنقدمه لو عملنا زيهم ؟ .. الفكرة هى اننا نعمل اسم وماركة بس تكون فى مستوى العامل والموظف والطبقة العاملة دى .. وفى نفس الوقت جودة معقولة وتصميم راقى

هز “سامر” رأسه قائلاً :

– كلامك صح يا “مراد” .. احنا عايزين يبقى لنا اسم فى السوق ونتجاوز كل النافسين فى فترة صغيرة وده مش هيتحقق الا لو تميزنا عنهم

قال “حامد” مبتسماً :

– ماشى يا شباب وأنا معاكوا ان شاء الله .. امتى بأه هتبدأ ساعة الصفر

قال “طارق” :

– لما ننتهى من أول خط انتاج ونتأكد اننا وصلنا للمواصفات المطلوبة للمنتج ساعتها هنبدأ الحملة الدعائية على طول

*************************

توجهت “مريم” مع “مى” الى المصعد لمغادرة الشركة فأوقفها “أشرف” قائلاً :

– آنسه “مريم” لو سمحتى

التفتت “مريم” اليه وهى تشعر بالضيق .. وقف أمامها قائلاً :

– سمعت ان شركة دييبس تاعبينك فى شغلهم

قالت “مريم” بهدوء :

– لأ مفيش مشاكل .. شوية تعديلات بسيطة

قال وهو ينظر اليها :

– يعني لو تحبي أساعدك فيها .. مفيش عندى مشكلة أنا فاضى حالياً

قالت “مريم” بجديه :

– شكراً يا أستاذ “أشرف .. زى ما قولت التعديلات بسيطة .. بعد اذنك

خرجت مع “مى” من العمارة وركبا المترو .. قالت لها “مي” الجالسه بجوارها :

– ليس دايماً بتقطمى معاه الراجل حابب يساعدك

قالت “مريم” بحده :

– وأنا مش محتاجة مساعدة .. دى مش أول مرة عميل يطلب تعديلات على الشغل

– “مريم” واضح ان الراجل مهتم بيكي

نظرت اليها “مريم” وقالت بعصبية :

– قصدك ايه بمهتم بيا

قالت “مى” بنبرة ذات معنى :

– مهتم بيكي يا “مريم” أشرحهالك ازاى يعنى .. وبعدين “أشرف” انسان محترم وكويس وابن حلال و ……..

قاطعتها “مريم” بحده :

– “مى” لو سمحتى اسكتى .. مش حبه أبداً أتكلم فى الموضوع ده

نظرت اليها “مى” بأسى قائله :

– لحد امتى ؟ .. لحد امتى يا “مريم”

لم تجيبها “مريم” بل التفتت لتنظر من الشباك فى صمت

***************************

دخل “طارق” الى مكتب “مراد” المنهمك فى عمله قائلاً :

– ها يا “مراد” مش هتمشى ؟

قال “مراد” دون أن يرفع نظرة من الورق الذى أمامه :

– لأ .. لسه عندى شغل

– طيب خد بريك طيب

– الشغل كتير يا “طارق”

– طيب خلاص براحتك أنا ماشى

– ماشى سلام

– سلام أشوفك بكرة

خرج “طارق” وترك “مراد” المنهمك فى عمله .. بعد لحظات دخلت السكرتيرة وقالت :

– أستاذ “مراد” لو سمحت عايزه أمشى بدرى النهاردة

رفع نظرها اليه قائلاً بحده :

– ليه ؟

قالت بتردد :

– يعني عندى حاجه مهمة

– ايه هى الحاجه المهمة اللى أهم من شغلك

صمتت قليلاً ثم قالت :

– بصراحة عيد ميلادى النهاردة وخارجه مع صحابي عايزين يحتفلوا بيا .. وأنا اصلا خلصت كل الشغل اللى ورايا

صاح بها غاضباً :

– امشى يا آنسه على مكتبك بلاش دلع

بُهتت الفتاة وقالت بإضطراب :

– أنا مش قصدى يا أستاذ “مراد” .. أنا بس ….

قاطعها قائلاً بصرامة :

– هنفضل فى تضييع الوقت ده كتير .. اتفضلى على مكتبك .. لما ييجى معاد الإنصراف ابقى اخرجى اعملى اللى انتى عايزاه

أومأت الفتاة برأسها وخرجت .. جلست على مكتبها فى عصبية قائله بغضب :

– راجل قليل الذوق.

***********************

داعبت “مريم” الماء حول المركب بيدها وهى تبتسم فى حبور .. أخذت تجمع الماء بيدها ثم تتركه ليتسلل من بين أصابعها .. راقبتها “مي” فى صمت .. وفى عيناها نظرة أسى .. اختفت ابتسامة “مريم” لتحل محلها عبرة فلتت من عينينها فأسرعت بمسحها بأصابعها .. اقتربت منها “مى” وجلست بجوارها قائله :

– تحبي نمشى

قالت “مريم” متصنعة المرح :

– لأ خلينا شوية كمان .. انتى زهقتى منى ولا ايه

– لأ طبعا .. بس حساكى مضايقه

قالت “مريم” وهى تحاول الابتسام :

– لأ بالعكس أنا مبسوطة .. أنا بحب أوى ركوب المركب فى النيل .. بفرح أوى .. لأن بابا كان بياخدنى أنا وماما وأختى ويفسحنا فى المركب .. وكنت ببقى فرحانه أوى

اغرورقت عيناها بالدموع رغماً عنها وشعرت بغصة فى حلقها وقالت بصوت مرتجف :

– و “ماجد” عارف كده.

.

.

.

الفصل الثالث من رواية قطة في عرين الأسد

عاد “مراد” الى منزله .. استقبلته والدته قائله :

– حبيبى اطلع شوف عمتك لانها كانت تعبانه شوية النهاردة

قال “مراد” بقلق :

– خير مالها يا أمى ؟

– مفيش الضغط على شويه عليها وكانت تعبانه بس الحمدلله هى أحسن دلوقتى

صعد “مراد” درجات السلم وتوجه الى غرفة عمته طرق الباب ففتحت أخته “سارة” وهى تشير له أن يصمت خرجت وأغلقت الباب خلفها قائله :

– متصحيهاش دلوقتى يا أبيه هى نامت بالعافية

قال بقلق :

– هى عاملة ايه دلوقتى ؟

– لا متقلقش كويسة .. بس مكنش جايلها نوم .. وأخيراً نامت

– متابعة معاها الدوا يا “سارة”

– أيوة طبعا متخافش يا أبيه

– أمال الضغط على ليه ؟

– تلاقيها افتكرت حاجة ضايقتها ولا حاجه

أومأ “مراد” برأسه وتوجه الى غرفته .. اتصل به “طارق” قائلاً :

– “مراد” انت فين

قال “مراد” بصوت مرهق :

– فى البيت يا “طارق” خير فى حاجه

– لا كنا طالعين أنا و “سامر” و “حامد” نسهر برة وكنا بنشوفك فين عشان تيجي معانا .. هعدى عليك ناخدك

– بلاش مش حابب أخرج النهاردة

– ليه يا ابنى تعالى نغير جو أنا من زمان ما خرجتش وانت كمان .. يلا فرصة نسهر سهرة حلوة

رفض “مراد” بإصرار قائلاً :

– لأ يا “طارق” .. قولتلك مش حابب أخرج

– خلاص برحتك .. سلام

– سلام

قال “حامد” الجالس بجوار “طارق” فى السيارة :

– هييجى ؟

– لأ قال مش حابب يخرج

قال “حامد”بسخرية :

– ده لو بنت مش هتحبس نفسها فى البيت كدة

– سيبه على راحته

هتف “حامد” بغيظ :

– أنا نفسي أفهم هو البنى آدم ده ايه بالظبط .. مفيش وراه غير الشغل وبس .. أنا عمرى ما شوفت حد صعب زيه كده

قال “طارق” بهدوء :

– “مراد” طول عمره بيحب شغله

قال “سامر” الجالس بالخلف :

– بس مش كده .. يعني محسسنى ان الدنيا شغل وبس .. يشتغل ماقولناش حاجه بس يشوف مزاجه برده .. ده لما واحدة بتعدى من أدامه مبتتهزش فيه شعره مهما كانت مزه طحن

قال “طارق” مبتسماً :

– سبنالك انت المزز دول

قال “حامد” بسخرية :

– وانت كمان غريب .. عايش فى المدينة الفاضلة .. يعني عايز تفهمنى انك عمرك ما غلطت أبداً

قال “طارق” فوراً :

– أكيد غلطت بس غلط عن غلط يفرق

– آه .. أنا قولت كده برده

قال “طارق” بإستغراب :

– قولت ايه ؟

قال “حامد” بنفس السخرية :

– المرء على دين خليله .. انت وصحبك فوله واتقسمت نصين .. بس هو قفل أكتر منك

تنهد “طارق” بحسرة قائلاً :

– “مراد” مكنش كده خالص .. بس حصلت ظروف غيرته

قاطعهم “سامر” قائلاً :

– كفاية بأه كلام عن “مراد” وقولولى ناويين تسهرونا فين

***************************

عادت “مريم” من عملها .. توجهت الى المطبخ وأخرجت من الثلاجة جبنة وخبز وشرعت فى عمل سندوتش وتناوله .. ثم توجهت الى غرفتها لتغير ملابسها .. فتحت الدولاب الذى كان مقسم من الداخل لنصفين قسم يحوى ملابسها وقسم آخر يحوى ملابس أصغر سناً توقفت أما الملابس الصغيرة جذبت احداها وظلت تتحسسها فى ألم وكأنها تشتاق الى صاحبتها .. تنهدت وانتهت من تغير ملابسها ثم جلست على فراشها صامته لا تفعل شيئاً سوى النظر الى فراغ الغرفة .. ظلت قرابة النصف ساعة جالسة دون حراك .. ثم نهضت وتوضأت وصلت وفتحت التلفاز لا لتشاهد ما به .. بل لتسمع صوتاً .. أى صوت .. يخترق هذا الصمت القاتل الذى تعيش فيه .. وأخيراً استسلمت للنعاس امام التلفاز وهى تحضن مخدتها وتسند رأسها اليها

فى الصباح توجهت الى عملها عن طريق المترو مثلما تفعل كل صباح .. قالت لها “مى” وهى تتمعن فيها :

– نمتى امبارح كويس ؟

قالت “مريم” وهى تبدأ فى تشغيل حاسوبها :

– أيوة الحمد لله

قالت “مى” بحده :

– يبأه رجعتى تانى متكليش كويس .. شوفى وشك فى المراية بأه عامل ازاى يا “مريم”

قالت “مريم” مدافعه عن نفسها :

– والله باكل يا “مى” .. هعيش من غير أكل يعني

– طيب بصى شوفى فى المرايه وشك أصفر ازاى

قالت “مريم” بحنق :

– خلقة ربنا أعمل ايه يعني

هتفت “مى” :

– لا مش خلقة ربنا يا “مريم” .. حرام عليكي اللى بتعمليه فى نفسك ده يا بنتى انتى لسه صغيره مكملتيش 30 سنة قالت “مريم” بحنق :

– لأ كملتهم من شهرين

قالت “مي” بعناد :

– برده صغيره .. بس اللى يشوفك يقول دى واحدة عندها 60 سنة مش 30 سنة

قالت “مريم” بنفاذ صبر :

– “مى” شوفى شغلك وفكك منى .. انا عندى شغل كتير

قالت “مى” بغيظ :

– ماشى يا ست “مريم” أما نشوف أخرتها معاكى

ثم استطردت قائله :

– واعملى حسابك ان ماما عزماكى على الغدا عندنا بكرة

قالت “مريم” بحرج :

– اشكرى طنط كتير بس مش هقدر اجى

هتفت “مى” :

– ليه سياتك مش هتقدرى تيجي .. وراكى ايه .. انتى من البيت للشغل ومن الشغل للبيت

نظرت اليها “مريم” بلوم قائله :

– انتى اللى قولتيلها تعزمنى

هتفت “مي” بغيظ :

– يا ست انتى الست عايزة تشوفك وتعزمك على الغدا انتى مكلكعة الدنيا ليه

قالت “مريم” مبتسمه :

– خلاص ماشى هاجى ان شاء الله

ابتسمت “مى” :

– أيوة كده فكيها ربنا يفكها فى وشك ووشى يارب

– آمين

ماهى الا دقائق حتى دخلت “سهى” التى قالت :

– صباح الخير

قالت “مريم” :

– صباح النور

قالت “مى” بإستغراب :

– مش عادتك يعني تقولى صباح الخير وانتى داخله .. أخيراً خدتى بالك ان فى بشر معاكى فى نفس المكتب

قالت “سهى” مبتسمه :

– مفيش أصلى مبسوطة شوية

قالت “مريم” :

– ربنا يسعدك دايماً

تنهدت “سهى” قائله :

– يارب وينويلى اللى فى بالى

ردن هاتف “سهى” فإتسعت ابتسامتها وقفزت من المكتب قائله :

– استنا خليك معايا هطلع أكلمك من بره المكتب

وغادرت الغرفة لتتحدث بالخارج .. تابعتها “مى” بعينيها ثم قالت ل “مريم” :

– شايفه .. اهى رجعت للتليفونات تانى .. شكلها علقت مع حد جديد

قالت “مريم” دون أن ترفع نظرها عن حاسوبها :

– يمكن بتكلم حد من أهلها أو واحدة صحبتها

هتفت “مى” :

– والله .. وبتتكلم بره المكتب ليه .. وعماله تتسهوك وترقق فى صوتها .. ومسمعتيهاش وهى بتقوله استنا خليك معايا

نظرت اليها “مريم” بحزم قائله :

– ملناش دعوة يا “مى”.. وعلى فكرة اللى انتى بتقوليه ده بدايه الطريق للقذف

ارتبكت “مى” وشعرت بالخوف من وقع الكلمة وقالت :

– أنا مش قصدى يا “مريم”

قالت “مريم” بحزم :

– قصدك ولا مش قصدك .. اللى انتى بتقوليه فيه شبهة قذف محصنات وانتى واحدة عارفه ربنا .. عارفه عقاب قذف المحصنات ايه

ثم قالت :

– ربنا بيقول فى سورة النور

{إِنَّ الَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ الْغَافِلَاتِ الْمُؤْمِنَاتِ لُعِنُوا فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَلَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ }

{وَالَّذِينَ يَرْمُونَ الْمُحْصَنَاتِ ثُمَّ لَمْ يَأْتُوا بِأَرْبَعَةِ شُهَدَاء فَاجْلِدُوهُمْ ثَمَانِينَ جَلْدَةً وَلَا تَقْبَلُوا لَهُمْ شَهَادَةً أَبَداً وَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ }

قالت “مى” وقد شعرت بالندم :

– أستغفر الله العظيم .. الواحد مش ناقص ذنوب .. خلاص معدتش هجيب سيرتها تانى .. هى حره تعمل اللى هى عايزاه

قالت “مريم” بهدوء :

– أيوة كده .. بلاش نتكلم على أى بنت وحش عشان ربنا مش يبتلينا بواحده تتكلم عننا وحش .. لان كله سلف ودين

– ماشى يا “مريم” خلاص مش هتكلم عنها تانى

ابتسمت “مريم” قائله :

– اوعى تكونى زعلتى منى أنا بنصحك عشان بحبك

ابتسمت “مى” قائله :

– عارفه .. ولو معملتيش كده تبقى مش بتحبينى

عادت الفتاتان الى عملهما .. دخلت “سهى” بعد فترة .. لم تلتفت اليها الفتاتان .. وبدأت هى الأخرى فى أداء عملها

استيقظ “مراد” من نومه .. وارتدى ملابسه وثبت الساق الصناعية فى قدمه اليمنى ثم خرج من غرفته وتوجه الى غرفة عمته .. طرق الباب فأذنت له بالدخول

فتح الباب .. كانت جالسه فى الفراش ومتدثرة بغطائها .. وتمسك أحد الكتب فى يدها ونظارة كبيرة على عينيها .. امرأة فى العقد السادس من العمر .. ورغم كبر سنها الا أن ملامحها وبنيتها تتميز بالقوة والصلابة .. لها نظرات حادة قوية .. تشعر بأنها تسبر أغوارك .. اقترب منها قائلاً :

– صباح الخير يا عمتو

رسمت ابتسامه خفيفة على شفتيها وقالت :

– صباح الخير يا ولدى

ابتسم قائلاً :

– أخبار صحتك ايه النهاردة .. أمى قالتلى ان حضرتك تعبتى امبارح .. جيت عشان أشوفك بس كنتى نايمة محبتش أزعجك

قالت عمته “بهيرة” :

– ربنا يبارك فيك يا ولدى .. ويعينك وينورلك طريجك .. آني منيحه الحمدلله والشكر ليه

جلس بجوارها قائلاً :

– خدى بالك من صحتك يا عمتو ولو اتجتى أى حاجة عرفيني

ربتت على كتفه قائله :

– تسلم يا ولد أخوى .. انت مش مخليني محتاجه لحاجه واصل .. ربنا يديك على أد نيتك .. ويبارك فيك وفى اخواتك البنات

– مش هتنزلى تفطرى معانا

– لا سبجتك يا ولدى .. انزل انت افطر وشوف مصالحك .. الله يعينك ويوفجك

نزل “مراد” وترأس مائدة الطعام كالمعتاد

قالت “نرمين” بتحدى :

– ها يا أبيه هتخرجنا بكرة ولا لأ

نظر اليها “مراد” قائلاً بإتستلام :

– حاضر يا “نرمين” هخرجكوا ان شاء الله

تنفست الصعداء قائله :

– أخيرا هنخرج

نظر اليها “مراد” بإستغراب قائلاً :

– اللى يسمع كده يقول محبوسة فى البيت .. عندك جنبنة طويلة عريضة بره اتمشى فيها براحتك .. وعندك العربية والسواق اطلعى انتى و “سارة” واتمشوا بيها

قالت “نرمين” بدهشة :

– وهى دى اسمها فسحة يا أبيه .. أنا عايزة أروح مولات .. أعمل شوبينج .. نسافر مكان .. شرم .. اسكندرية .. مطروح .. أى مكان تغيير يعني

قال “مراد” وهى يتفحص جريدته :

– لما افضى ان شاء الله هنسافر سوا

قالت “نرمين” برجاء :

– طيب وليه منروحش انا و “سارة” لوحدنا شرم مثلا .. والسواق هيكون معانا .. يوصلنا ويجبنا فى نفس اليوم

نظر اليها “مراد” بحدة قائلاً :

– فى بنت محترمة تسافر لوحدها من غير أهلها

قالت مرتبكة :

– احنا مش هنبات .. يوم بس ونرجع

قال بغضب :

– وافرضى حد ضايقك انتى ولا أختك هتتصرفوا ازاى .. افرضى حصلكوا حاجه .. لازم يبقى فى راجل معاكوا .. مينفعش بنتين يسافروا لوحدهم .. انتوا ما بتقروش جرايد وتسمعوا عن الحوادث اللى بتحصل والبلطجية اللى ملوا البلد

قالت “سارة” لتلطف الجو :

– معاك حق يا أبيه .. هى بس “نرمين” من زهقها بتقول كده .. بس هى أكيد عارفه ان مينفعش نسافر من غيرك

قالت الأم وهى تنظر اليهم :

– هو مينفعش فى يوم نفطر بدون نقاش وكلام كتير .. يلا افطروا وسيبوا أخوكوا يفطر عشان هو مشغول مش فاضى زيكوا

نظرت “ناهد” الى مراد قائله :

– شوفت عمتك يا “مراد”

رفع نظره من الجريدة وقال :

– أيوة يا أمى عديت عليها قبل ما أنزل .. واطمنت عليها

– ماشى يا حبيبى

******************************

جلس “عبد الرحمن” على سريره ساهماً لا يشتهى حتى تناول الطعام .. اقتربت منه زوجته وجلست بجواره قائله بصوت باكى :

– جلبي حارجنى جوى على ولدى يا حاج

تنهد قائلاً :

– ربنا يرحمه ويغفرله ويرزجه الجنه .. يارب

قالت زوجته ودموعها تنهمر :

– كان أحن واحد فى اخواته ..فجدت الكبير بدرى بدرى .. ودلوجيت فجت “ياسين” .. يا كبدى عليكوا يا ولادى التنين

قال “عبد الرحمن” بحده :

– ادعيلهم ان ربنا يرحمهم بدل النواح ده يا وليه

قالت زوجته بحزم :

– آنى مش ههدى ولا يرتاحلى بال إلا لما أشوف اللى جتل ولدى وهما بيعدموه وبيشنجوه .. اللهى ربنا ينتجم منه

قال “عبد الرحمن” بحزم :

– ان شاء الله هيمسكوه ويتعاقب على عيملته

ثم قال بحيره :

– بس أموت وأعرف هو مين .. آنى واثج انه حدا من الجبيلة .. بس مين العلم عند الله

تنهد وقال :

– ربنا جادر يكشف المستور .. انا وكلته وهو حسبي

****************************

دخلت “صفاء” سكرتيرة “عماد” الى مكتب “مريم” قائله :

– “مريم” .. أستاذ “عماد” عايزك فى مكتبه

نظرت اليها قائله :

– هو وصل ؟

– تقصدى صاحب شركة دييبس .. أيوة وصل

قالت “مريم” بإستغراب :

– مش قولتيلى امبارح ان اللى هييجى مدير التسويق

هزت “صفاء” كتفيها قائله :

– أستاذ “عماد” قالى كده امبارح .. بس الراجل اللى جه عرف نفسه على انه صاحب الشركة

قامت “مريم” وحملت الملف الذى يضم تصميماتها الخاصة بحملة الشركة وتوجهت الى مكتب “عماد”

قال لها “عماد” :

– تعالى يا “مريم” اتفضلى

ألقت “مريم” نظرة على الرجل الجالس فقدمها “عماد” للرجال قائلاً :

– الآنسه “مريم” الديزاينر المسؤلة عن حملة شركة حضرتك

ثم نظر الى “مريم” قائلاً :

– الأستاذ “طارق عبد العزيز” مدير شركة دييبس

قالت “مريم” بخفوت :

– أهلا وسهلاً

نظر اليها الرجل قائلاً :

– اهلا بيكي

أشار “عماد” لـ “مريم” قائلاً :

– اتفضلى اعدى يا “مريم”

جلست “مريم” فى المقعد المواجه لـ “طارق” .. الذى نظر اليها قائلاً :

– أولاً أنا آسف على التعديلات الكتير اللى طلبتها .. لان من البداية دى غلطتى انى موضحتش اللى عايزه الظبط .. وعشان كده جيت بنفسي بدل مدير التسويق لانى خفت ميقدرش يشرح اللى أنا عايزه بالظبط

قالت “مريم” بهدوء :

– مفيش مشكلة حضرتك

ثم أعطته الملف قائله :

– اتفضل حضرتك دى كل التصميمات الخاصة بالحملة عرفنى التعديلات تحديداً وأنا هنفذها فوراً

دخلت فى تلك اللحظة “صفاء” قائله :

– أستاذ “عماد” .. فى عميل عايز يقابل حضرتك ضرورى

نظر “عماد” الى “مريم” قائلاً :

– “مريم” خدى أستاذ “طارق” وناقشوا التعديلات فى مكتبك

أومأت “مريم” برأسها وقالت لـ “طارق” :

– اتفضل معايا حضرتك

سار “طارق” خلفها .. ودخلا مكتبها .. رفعت الفتاتان رأسيهما لتنظران الى الرجل القادم .. جلس فى مواجهتها وقدمت له شئ يشربه وبدأ فى توضيح التعديلات التى يريدها .. ثم قال :

– أنا آسف مرة تانية لو التعديلات كتير

قالت “مريم” بهدوء وهى تتفحص ما كتبت :

– مفيش مشكلة .. بس الموضوع هياخد وقت .. يعني ممكن اسبوع من دلوقتى .. لان عندى شغل تانى بخلصه

قال “طارق” مبتسماً :

– مفيش مشكلة هستنى كفاية انى تعبتك وعطلتك معايا

نظرت اليه وقالت بجديه :

– ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات قبل ما نبعتها المطبعة

تمعن فيها “طارق” قائلاً :

– واضح انك مضايقه منى أوى

قالت مندهشة :

– لأ أبداً

قال معتذراً :

– أنا بجد آسف انى تعبتك

قالت بجديه :

– مفيش مشكلة

قام ليغادر فوقع نظرة على “مى” فقال وكأنه يحاول أن يتذكر شيئاً :

– احنا اتقابلنا قبل كده ؟

قالت بإرتباك :

– أيوة أنا كنت نفذت لحضرتك حملة اعلانية من فترة طويلة

قال وكأنه تذكر :

– أيوة تمام افتكرتك

ضحك وهو ينظر الى الفتاتان قائلاً :

– ووقتها تعبتك معايا برده .. اظاهر انى طلعت عينكوا انتوا الاتنين

ابتسمت “مى” قائله :

– لا مفيش مشكلة .. احنا معرضين فى شغلنا للتعديلات اللى العميل بيطلبها بعد ما بيشوف التصميم

ابتسم قائلاً :

– شكرا لذوقكم .. مع السلامة

ردت “مى” :

– مع السلامة

بمجرد أن انصرف قالت “سهى ” :

– يا ربي على الذوق والأدب والشياكة .. هو النوع ده تفصيل ولا جاهز .. ومنشأه ايه بالظبط .. ده يتاكل أكل .. يا بختك يا “مريم”

نظرت اليها “مى ” وهى تنفخ بحدة ثم عادت لتكمل عملها دون أن تلتفت اليها .. وفعلت “مريم” مثلها بعدما رمتها بنظرة صارمة

خرجت “مريم” من الشركة بعد انتهاء عملها .. لفت نظرها “خالد” الذى أوقف سيارته أمام العمارة فأكملت طريقها .. لكنه انتبه اليها فأوقفها قائلاً :

– آنسة “مريم” لو سمحتى

التفت اليه بضسق وهى تنظر للمارة حولها .. اقترب منها قائلاً :

– ازيك أخبارك ايه .. وأخبار حملتنا ايه

قالت بضيق :

– تمام الحمد لله .. وزى ما قولت لحضرتك ان شاء الله هعرض على حضرتك التصميمات فى المعاد اللى اتفقنا عليه .. بعد اذنك

همت بالمغادرة لكنه اعترض طريقها قائلاً :

– أنا كنت جاى عشان شوية اضافات محتاج أضيفها فى الأعداد وحجم يفط الأوت دور .. بس طالما انتى هنا خلاص

أشار الى سيارته قائلاً :

– تعالى نروح أى مكان نتكلم فيه سوا وأوصلك فى طريقى

نظرت اليه بحده قائله :

– آسفه مبركبش عربية حد .. بعد اذنك

همت بالمغادرة لكنه أمسك ذراعها يوقفها قائلاً:

– حيلك حيلك انتى بتتكملى معايا كده ليه

جذبت ذراعها من يده بعنف قائله بغضب :

– انت ازاى تسمح لنفسك تمسكنى كده .. ملكش عندى غير شغل وبس وأنا دلوقتي مش فى ساعات العمل بتاعتى

نظر اليها بسخرية من رأسها الى أخمص قدمها قائلاً :

– فى ايه .. اوعى تكونى شايفه نفسك حاجه .. أنا كل اللى قصدته انى اتكلم فى الشغل .. دماغك راحت فين هو انتى مبتشوفيش نفسك فى المرايه ولا ايه .. فكرانى هبص لواحده لوكل زيك

احمر وجهها من الغضب والتفتت تنصرف بدون أن ترد عليه .. كانت تشعر بالحنق والضيق لتلك الإهانة التى تعرضت لها .. ركبت فى المترو وهى تقاوم انهمار دموعها بصعوبة .. لكنها تركت لعبراتها العنان بعدما عادت الى بيتها .. وعزمت على اخبار “عماد” فى الصباح بقرارها بعدم رغبتها فى العمل على الحملة الدعائية لشركة “خالد”

*****************************

فى سكون الليل .. وفى احد الأماكن الهادئة التى تخلو من المارة .. وقف رجل ملثم ينظر يميناً ويساراً .. وهو متململاً قلقاً .. حتى رآى فتاة مقبلة فى اتجاهه وهى تنظر خلفها .. جذبها من ذراعها ووقفا خلف أحد الأبنية .. أنزل “جمال” اللثام عن وجهه قائلاً :

– حبيبتى وحشتيني جوى

أزاح بيده الطرحة التى كانت تمسكها لتخفى بها نصف وجهها وقال :

– وحشتيني جوى يا “صباح”

ارتبكت “صباح” وقالت بخجل :

– وانت كمان يا “جمال” وحشتنى جوى .. مكنتش عارفه آجى النهاردة خرجت بالعافية بعد ما أبويا نام

نظر اليها محاولا تقبيلها فابعدته قائله بحزن :

– شوفت اللى صاير فينا يا “جمال” .. “ياسين” أخوى اتجتل

قال “جمال” وهو يقترب منها أكثر :

– معلش يا حبيبتى .. بكرة يمسكوا باللى جتله .. انتى وحشانى جوى جوى

قبلها .. ثم أبعدته قائله :

– أنا همشى لحدا يشوفنا ..

– هشوفك تانى امتى

– ماعرفش .. هبجى أكلمك زى كل مرة .. يلا انا ماشية يا “جمال”

مشت الفتاة وهى تلتفت خلفها وسارت فى طريقها الى منزلها .. فوجدت والدتها تقول :

– كنتى فين يا “صباح”

قالت بإرتباك :

– مكنتش فى حتى يامه .. كنت بتمشى شويه

قالت أها بغضب :

– فى الوجت ده .. انتى اتجننتى فى عجلك يا “صباح” .. امشى انجرى على اوضتك جبر يلمك قليلة الربايه صحيح

دخلت “صباح” غرفتها وأغلقت الباب بعصبيه ثم جلست على فراشها تتذكر مداعبات حبيبها “جمال” وتلك اللحظات التى اختلستها فى سكون الليل للالتقاء به.

….يتبع

عرض التعليقات (11)