قطة في عرين الأسدبقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثانية

11 4٬857

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثانية

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثانية

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثانية

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الثانية, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل الرابع من رواية قطة فى عرين الأسد

قضت “مريم” ليلتها وهى تشعر بالألم والحزن بسبب الإهانة التى تعرضت لها من “خالد” .. وعزمت على ترك حملته تماماً .. توجهت “مريم” فى الصباح الى مكتب “عماد” وقالت له :

– لو سمحت يا أستاذ “عماد” أنا مش حبه أمسك حملة شركة المقاولات

نظر اليها “عماد” بإستغراب قائلاً :

– ليه ؟

فكرت قليلاً ثم قالت :

– يعني مش حبه وخلاص .. ممكن أبدل الحملة دى مع أى حد من زمايلي وآخد الشغل بتاعه

صمت “عماد” قليلاً ثم قال:

– طيب .. بدلى مع “سهى” وخدى الحملة اللى هتبدأ فيها

شكرته قائله :

– شكراً يا أستاذ “عماد”

همت بالإنصراف لكنه أوقفها قائلاً:

– “مريم”

– أيوة

نظر اليها متمعناً ثم قال :

– انتى كويسة

أومأت برأسها قائله :

– الحمد لله

ظل ينظر اليها قليلاً ثم قال :

– لو احتجتى لأى حاجة عرفيني

نظرت اليه بإمتنان وقالت :

– شكراً يا أستاذ “عماد”

خرجت وعينا “عماد” تتابعانها فى أسى .. ثم انكب على عمله .

قالت “مريم” لـ “سهى” :

– “سهى” أستاذ “عماد” قالى أبدل معاكى حملة شركة المقاولات بالحملة اللى فى ايديكى

نظرت اليها كل من “مى” و “سهى” بدهشة .. قالت “سهى” :

– ليه .. اشمعنى

– مفيش هو قالى كده

– مفيش مشكلة هاتى الملف بتاع الحملة وخدى ملف حملتى أهو

بدأت “مريم” فى العمل على الحملة الجديدة .. وهى تحاول أن تتناسى كلمات “خالد” الجارحة التى قالها لها بالأمس

***************************

نظر “عثمان” الى أخته “صباح” التى وقفت تصفف شعرها أمام المرآة قائلاً :

– انتى مش هتبطلى وجوف جدام المرايه ولا اييه .. جومى شوفى أمك وساعديها فى تحضير الوكل

قالت بحنق :

– حاضر نازله

صاح قائلاً:

– يلا يا بت انجرى بلاش دلع وجلة حيا

صاحت قائله :

– هو آنى عملت اييه يعني .. حاجة غريبة صحيح

صاح “عبد الرحمن” قائلاً :

– هو انتوا مش هتبطلوا خناج أبداً .. لازمن كل يوم نسمع الخلج صوتنا

نزلت “صباح” وهى تتمتم بغضب .. جلس “عثمان” بجوار” أبيه على الأريكة ساهماً .. ثم قال :

– تفتكر مين اللى عمل اكده يا بوى

تنهدت “عبد الرحمن” وقال :

– علمى علمك يا ولدى .. علمى علمك

ثم قال بأسى :

– فجدت ابنى “ياسين” ومن جبله “خيري” الله يرحمهم التنين

– الله يرحمهم

التفت “عثمان” الى أبيه قائلاً :

– لسه مفيش أخبار عن ولاد “خيري” خوى الله يرحمه

قال “عبد الرحمن” بألم :

– لا والله ياولدى .. آنى ما خليت شئ إلا وعميلته .. آني حتى مخبرش بجيله كام ولد عايش .. آني معرفش غير ان بنته ماتت معاه فى الحادثة .. والناس جالولى انه مخلف غيرها .. لكن مخبرش ولاد ولا بنات عايشين ولا ميتين .. وين أراضيهم مخبرش

قال “عثمان” بحزم :

– لازمن نلاجيهم ونلم لحمنا يابوى

– ان شاء الله يا ولدى .. ان شاء الله هنلاجيهم ونجيبهم يعيشوا معانا اهنه

************************************

تقدم رجل الى مكتب سكرتيرة “مراد” قائلاً :

– أنا مندوب جمعية رسالة وعندى معاد مع الأستاذ “مراد خيري”

قالت له السكرتيرة :

– اتفضل استريح

قامت وتوجهت الى مكتب “مراد” لحظات وعادت وأشارت للرجل بالدخول قائله :

– اتفضل

تقدم الرجل الى مكتب “مراد” الذى قام ليصافحه .. قائلاً :

– أهلا بيك اتفضل اعد

قدم الرجل الكارنيه والبطاقة الى “مراد” قائلاً :

– أنا مندوب من جمعية رسالة .. أولاً أنا شاكر لحضرتك انك سمحتلى آخد من وقتك .. وآسف لو كنت هعطلك

قال له “مراد” :

– لا أبداً اتفضل

تحدث الرجل قائلاً :

– جمعية رسالة لو حضرتك مسمعتش عنها .. دى جمعية خيرية ليها أنشطة كتير جداً .. اتأسست فى مصر سنة 1999 .. بدأت كحركة طلابيه فى كلية الهندسة .. وبعدين نشاطها وسع لما تم لتبرع بقطعة أرض فى فيصل وقدرنا بمجهوداتنا اننا نشهر الجمعية .. وحالياً لينا أكتر من 50 فرع فى جميع أنحاء الجمهورية .. من نشاطاتنا .. مساعدات الأسر الفقيرة .. محو الأمية .. خدمات للمكفوفين .. كفالة اليتيم .. رعاية الصم والبكم .. رعاية المعاقين ذهنياً .. مستوصفات خيريه ..

صمت قليلاً ثم قال :

– وتوفير كراسى متحركة وأطراف صناعية للغير القادرين

أومأ “مراد” برأسه .. فتنحنح الرجل قائلاً :

– يعني أنا دايماً بشوف ان ميحسش بالناس دى غير اللى مر بظروفهم .. وعشان كدة جيت لحضرتك النهاردة .. لو تحب تساهم معانا فى مساعدة الناس دى

أومأ “مراد” برأسه ودون أن يتكلم أخرج دفتر شيكات من درج مكتبه وقلماً أنيقاً وذيل الشيك بتوقيعه وكتب مبلغاً اتسعت له ابتسامة الرجل وشكره بحراره وأعطاه وصلاً قائلاً :

– حقيقي متشكرين جداً يا أستاذ “مراد” .. وأنا كنت واثق من كرم اخلاقك .. ومتشكرين مرة تانية

أومأ “مراد” برأسه دون كلمه .. استأذن الرجل وانصرف .. شرد “مراد” قليلاً وعلامات الحزن على وجهه .. ثم ما لبث أن عاد الى الملفات التى أمامه واندمج فى عمله مرة أخرى

*********************************

توجهت “مريم” مع “مى” الى منزلها .. استقبلتها والدتها بترحاب شديد :

– ازيك يا “مريم” أخبارك ايه

ابتسمت “مريم” قائله :

– الحمد لله يا طنط ازى حضرتك

– بخير يا “مريم” الحمد لله

ثم التفتت الى “مى” قائله :

– يلا خدى صحبتك على أوضتك عمال ما أجهزلكوا الغدا

قالت “مريم” بحرج :

– معلش يا طنط تعبت حضرتك

ابتسمت والدة “مى” وقالت :

– لا يا حبيبتى أبداً مفيش تعب ولا حاجه

دخلت الفتاتان الى الغرفة .. قالت “مي” :

– فكى الطرحة متخافيش بابا مش بييجي دلوقتى

أومأت “مريم” برأسها .. اقتربت منها “مى” وجلست بجوارها على السرير قائله :

– حالك مش عاجبنى يا “مريم”

حاولت “مريم” رسم ابتسامة على شفتيها قائله :

– ليه مالى ما أنا كويسه أهو

نظرت اليها “مى” بحزن وقالت :

– لحد امتى هتفضلى عايشة لوحدك كده .. كده غلط عليكي يا “مريم” لا بتشوفى حد ولا بتتكلمى مع حد .. أنا مش عارفه ازاى طايقه تعيشي فى البيت لوحدك

ظهرت سحابة حزن فى عينيها وقالت :

– أعمل ايه قدرى كده

قالت “مى” بحماس :

– ما هو انتى لو تفكيها شوية .. يعني “أشرف” كان شكله باين عليه انه عايز …….

قاطعتها “مريم” بحده :

– تانى يا “مى” .. مش قولتلك مش عايزة أتكلم فى موضوع “أشرف” ده

قالت “مى” بحزم :

– يعني حضرتك ناوية تعيشي طول العمر لوحدك يعني

قالت “مى” بأسى :

– ياريت أموت وأرتاح

– ليه كده يا “مريم” .. ليه بتقولى كده

قالت والعبرات فى عينيها :

– تعرفى يا “مى” دى أكتر حاجه بتمناها .. او تعتبر الحاجة الوحيدة اللى بتمناها .. انى أموت وأرتاح .. أنا عايشة ليه أصلاً

تنهدت “مى” قائله :

– استغفرى ربنا يا “مريم” .. انتى متعرفيش الخير فين

تمتمت بصوت خافت :

– أستغفر الله .. مش قصدى .. بس ساعات بيطلع منى كلام غصب عنى

ابتسكت بضعف قائله :

– بس متخفيش عليا أنا كويسة .. كويسة أوى .. وبعدين خلاص أنا أخدت على الوحدة .. يعني لما بكون لوحدى فى البيت مش بكون مضايقة .. خلاص أنا اتعودت على كده

قالت ذلك ثم شردت .. راقبتها “مى” ثم أخرجتها من شرودها قائله :

– انتى ليه سبتى حملة شركة المقاولات

تنهدت “مريم” بحدة وكأنها لا تريد أن تتذكر ما حدث .. لكنها قصت على “مى” ما دار بينها وبين “خالد” بالأمس .. هتفت “مى” قائله :

– ده انسان مش محترم وقليل الذوق .. ازاى يقولك كده

قالت بأسى :

– أهو ده اللى حصل .. كل ده عشان بقوله ازاى تمسك ايدي كده

التفتت الى “مى” وقالت بغضب:

– كان ماسكنى من دراعى فى وسط الشارع .. عادى ولا أكن فى حاجه غلط بيعملها .. لا والبشمهندس كان عايزنى أركب عربيته ونعد فى مكان نتكلم فى الشغل .. حاجه هم صحيح

– سيبك منه .. وأحسن انك سبتى الحملة بتاعته .. بلاش حرقة دم الواحد مش ناقص الأشكال دى كمان

– مرضتش طبعاً أقول لأستاذ “عماد” على اللى حصل .. اتحرجت جداً أقوله الكلام اللى قالهولى .. وهو بصراحة كان ذوق أوى ووافق على طول انى أبدل مع “سهى” الحملة اللى هى مسكاها

ابتسمت “مى” قائله :

– “عماد” طول عمره ذوق ومحترم

قالت “مريم” بسرعة :

– جداً .. محترم جداً .. من الرجالة القليين اللى تقابليهم فى حياتك وتحسى فعلاً انهم ناس محترمة .. كفاية انه مش بيرضى يعمل حاجات غلط فى شغله رغم انه ممكن يكسب أضعاف أضعاف ما بيكسب .. لكنه مانع تماماً صور البنات على التصاميم أو صورة أى حاجة حرام .. وبيرضاش يعمل حملات دعائية لأى مكان فيه رقص أو خمرة أو أى حاجة حرام .. بجد ربنا يباركله

قالت “مى” بخبث :

– فينه ييجى يسمع الكلام اللى بيتقال عنه

نظرت اليها “مريم” بحده قائله :

– “مى” مفيش داعى للكلام ده .. انتى فاهمة انى بتكلم عادى ومش فى نيتى حاجه

هتفت “مى” قائله :

– ماهو المصيبة ان مفيش فى نيتك حاجه .. نفسي مرة أشوفلك نيه مش كويسة

ضحكت “مريم” قائله :

– انتى فظيعه على فكرة

– أنا فظيعة أمال انتى تبقى ايه .. أنا مش عارفه مستحملاكى ليه

ابتسمت “مريم” :

– عشان صحبتى وبتحبينى وعارفه ان أنا كمان بحبك أوى

بادلتها “مى” الابتسام قائله :

– ماشى يا ستى غلبتيني المرة دى

ثم نهضت قائله :

– أما أشوف الحجة دى اتأخرت فى الأكل كده ليه

توجهت “مى” الى المطبخ لمساعدة والدتها .. وقالت لها :

– متحرمش منك يا ماما

ابتسمت أمها قائله :

– ده مش عشانك ده عشان “مريم”

– ربنا يكرمك انك سمعتى كلامى ووافقتى نعزمها

قالت أمها بحزن :

– دى بنت غلبانه ربنا يصلح حالها والله قلبي بيتقطع عليها .. ربنا يرزقها بإبن الحلال اللى يعوضها

ثم التفتت الى “مى” قائله :

– هى لسه عايشة لوحدها

قالت “مى” :

– أيوة هتعيش مع مين يعني .. ملهاش حد تعيش معاه

– ولا حتى أهل أبوها أو أهل أمها .. يعني ملهاش أعمام خيلان خالات

– لأ ملهاش حد خالص .. أهل مامتها ميتين ومامتها كانت البنت الوحيدة ليهم .. وأهل باباها مش عايشين هنا

قالت أمها بسرعة :

-طيب يلا شيلي الأكل معايا نحطه على السفرة ..اتأخرنا فى الغدا أوى وعندنا ضيفه ميصحش

التف ثلاثتهم حول طاولة الطعام .. قالت والدة “مى” :

– “مريم” حبيبتى كلى مبتاكليش ليه

ابتسمت لها “مريم” بخجل قائله :

– باكل يا طنط

هتفت الأم :

– ده أكل عصافير يا بنتى .. كلى كويس يا حبيبتى ولا مكسوفة انتى زى “مى” بنتى

– لأ أبداً يا طنط مش مكسوفة .. بس أنا أكلى كده

– لا يا حبيبتى كده مينفعش لازم تاخدى بالك من أكلك وصحتك

هتفت “مى” :

– قوليلها يا ماما بدل ماهى بقت عاملة زى ستى الحجة كده

عاتبها أمها قائله :

– تؤ عيب يا “مى” متضايقيهاش

ثم التفتت الى “مريم” قائله بحنان :

– يلا يا حبيبتى كلى

نظرت اليها “مريم” بأسف قائله :

– معلش يا طنط بس بجد شبعت

– حبيبتى انتى مكلتيش حاجه

– والله يا طنط شبعت فعلاً .. تسلم ايدك الأكل حلو أوى

تنهدت قالت الأم فى استسلام :

– طيب قومى يا حبيبتى اغسلى ايديكي الحمام فاضى

قامت “مريم” فنظرت أم “مى” اليها وقالت بحزن :

– البنت دى وجعالى قلبي أوى

– أنا كمان مضايقة عشانها

قالت أمها مستفهمة :

– هو مفيش حد اتقدملها قريب

هتفت “مى” بصوت منخفض :

– وهى أصلاً مديه لحد فرصة .. وانتى فكرك ان حتى لو حد اتقدم هى هتوافق .. مستحيل توافق

قالت الأم بإستغراب :

– يعني هتعيش طول عمرها لوحدها كدة .. لو كان لها أهل كنا قولنا أهى فى بيت أهلها .. لكن دى عايشة لوحدها .. والناس مبترحمش

قالت “مى” بثقه :

– مستحيل “مريم” تفكر فى راجل تانى غير “ماجد” .. مستحيل

قالت أمها :

– بس “ماجد” ……..

قطعت كلامها عندما أتت “مريم” من الداخل .. جلست الفتاتان لتجاذب أطراف الحديث .. حاولت “مى” اضفاء جو من المرح لتخرج “مريم” من قوقعة الأحزان التى حاوطتها من كل جانب

*****************************

كان “مراد” فى طريقه الى بيته عندما أوقف سيارته أمام احدى الإشارات فى انتظار أن يُفتح الطريق .. التفت الى الجانب ليجد شاباً يتحدث الى فتاة توليه ظهرها .. كانت الفتاة ترتدى بدى ضيق للغاية على بنطلون سكيني التصق بجسمها تماماً حتى ظهرت كل تفاصيله واضحة للعيان .. كان من الواضح أن الفتاة متضايقه من حديث الشاب .. لكنه ظل يلف ويدور حولها .. التفتت اليه لتحدثه بحده .. لكنه ظل يضايقها حتى تطاول عليها بيده .. انتفض “مراد” وخرج من سيارته مسرعاً .. وتوجه الى الشاب وجذبه من ملابسه وقال بغضب :

– لم نفسك يله .. لو انت مش متربي وملقتش حد يربيك أنا أعرف ازاى أربيك

نظر اليه الفتى فى دهشة وصاح :

– وانت مالك ومالى أنا كلمتك

لكمه “مراد” فى كتفه بقبضة يده قائلا بغضب هادر :

– بتمد ايدك على واحده فى الشارع وأدام الناس عينى عينك كده .. ليه .. فاكر ان البلد دى مفيهاش رجاله

تجمع المارة وحاولوا تهدئة “مراد” الذى يبدو وكأنه قد استشاط غضباً .. فقال الفتى بخوف :

– خلاص محصلش حاجه .. أنا آسف

قال “مراد” بغضب بالغ :

– امشى من أدامى دلوقتى بدل ما أشلفطلك وشك

شعر “الفتى بالخوف من نظرات “مراد” النارية وتعبيرات الغضب التى حولته الى وحش كاسر يكاد أن يفتك بالفتى .. رحل الفتى وهم “مراد” بأنه يتوجه الى سيارته التى تسد الطريق فوقفت الفتاة أمامه قائله :

– ميرسي أوى لحضرتك على اللى انت عملته عشانى

نظر اليها “مراد” بإحتقار قائلاً بحده :

– ماهو العيب مش عليكي .. العيب على الراجل اللى سابك تنزلى من بيته بالمنظر ده .. واللى المفروض ميتقالش عليه راجل أصلاً

تركها وتوجه الى سيارته وقد اشتعلت وجنتاها من الخجل .

*****************************

جلس “حامد” فى بيته يشاهد احدى قنوات الرقص .. وصوت التلفاز يكاد يصم الآذان .. عندما رن جرس الباب .. توجه ليفتحه فوجد أمامه امرأة تكشف من جسدها أكثر مما تستر .. نظرت اليه بحده قائله :

– مفاجأة مش كدة

ظهرت عليه علامات الغضب وترك الباب مفتوح ودخل وعاد الى مكانه فوق الأريكة .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت تنقل بصرها من التلفاز اليه وقالت :

– ممكن لو سمحت نتكلم شوية

قال بلامبالاه :

– مفيش حاجة نتكلم فيها

أمسك الريموت غاضبة وأغلقت التلفاز بعصبيه وقالت :

– لأ فى يا “حامد”

وقف وقال لها بغضب :

– انتى عايزه ايه يا “هايدى” بالظبط فى ليلتك اللى مش فايته دى

صاحب بغضب هى الأخرى :

– عايزه نتكلم فى المصيبة اللى أنا فيها دى

قال ببرود :

– اديكي قولتى المصيبة اللى انتى فيها .. انا دخلى ايه بأه

هتفت قائله :

– لا انت ليك وليك كمان .. مش انت السبب .. ولا أنا حملت لوحدى

صاح بسخرية :

– وأنا مضربتكيش على ايدك يا “هايدي” .. ومحدش قالك بتقى غبية ومتعمليش حسابك عشان حاجه زى كده متحصلش

قالت بتوتر بالغ :

– يعني ايه يا “حامد” اتصرف ازاى دلوقتى .. وايه اللى يمنع اننا نتجوز

صاح ضاحكاً :

– نـــ ايه ؟ .. سمعيني تانى كده .. نتجوز .. ليه شيفانى عيل برياله هتعرفى تضحكى عليه بكلمتين .. أنا مش بتاع جواز يا كتكوته .. وانتى عارفه كده من الأول

قالت وهى تبكى :

– بس أنا دلوقتى فى مصيبة

قال ببرود :

– اتصرفى عندك مليون طريقة تنزلى بيها اللى فى بطنك

ازداد بكائها قائله :

– بس أنا خايفه يا “حامد” .. خايفة يجرالى حاجه

زفر بضيق وصاح بحده :

– بقولك ايه بطلى قلة مزاج على المسا .. روحى شوفى هتتصرفى فى مصيبتك دى ازاى وحلى عن سمايا

نظرت اليه بإحتقار قائله :

– مكنتش أعرف انك حقير للدرجة دى

قال بسخرية :

– وآديكي عرفتى .. يلا بأه الباب يفوت جمل

جلس مكانه على الأريكة وأعاد تشغيل التلفاز مرة أخرى .. فتوجهت “هايدى” بإنكسار الى الباب وفتحته وخرجت

******************************

بعد عدة أيام “طارق” الى مكتب الدعاية .. ودلف الى مكتب “مريم” قائلاً :

– ازيك يا آنسه “مريم”

نظر اليه الثلاث فتيات .. أومأت “مريم” برأسها قائله :

– الحمد لله .. اتفضل يا فندم

جلس “طارق” فى مواجهتها ووجهت شاشة الحاسب تجاهه لتريه التصميمات قبل طبعها .. قال لها مبتسماً :

– شغلك ممتاز فعلاً .. والتعديلات زى ما طلبتها بالظبط .. شكلك فعلاً بروفيشنال

شكرته قائله :

– شكراً لذوق حضرتك

تمعن فى وجهها قائلاً :

– انتى مضايقة منى فى حاجه

نظرت اليه فى دهشة وقالت :

– لأ

قال بإستغراب :

– أمال ليه بتتكلمى معايا ناشف كده .. أنا اعتذرتلك المرة اللى فاتت عن تعبك معايا فى الحملة وأكيد هراعى ده لما آجى أدفع الدفعة التانية من الفلوس

قالت بجديه :

– أنا مش مضايقه من حضرتك فى حاجه .. وأنا مش قصدى أتكلم ناشف بس دى طريقتى وده اسلوبى

ثم عادت تنظر الى الحاسوب قائله :

– ان شاء الله التصميمات هتدخل المطبعه من بكرة .. وخلال 3 أيام بالظبط هتكون كل حاجة جاهزة وتقدر حضرتك تستلمهم فى أى وقت

وقف قائلاً :

– تمام أوى .. حابب أتكلم مع أستاذ “عماد” شوية .. متعرفيش هو فى مكتبه ولا لا

نظرت اليه قائله :

– لأ معرفش .. تقدر حضرتك تسأل السكرتيره

أومأ برأسه قائلاً :

– تمام .. ومتشكر مرة تانية

بعد ربع ساعة .. قامت “مريم” وحملت حقيبتها قائله :

– سلام بأه أنا ماشية

قالت “مى” دون أن ترفع عينيها عن حاسوبها :

– سلام يا “مريم”

سألتها “مريم” :

– مش هتروحى

قالت “مى” بحنق :

– شوية كده .. لسه عندى شغل

قالت وهى تتوجه الى الباب :

– طيب سلام أشوفك بكرة

خرجت “مريم” من باب العمارة لتجد “خالد” يقوم بركن سيارته .. شعرت بالضيق من تلك الصدفة التى جمعتها به ثانياً .. حاولت السير فى طريقها .. لكنه رآها وأقبل عليها يوقفها قائلاً بغضب :

– بأه حته بتاعه زيك ترفض تمسكلى الحملة بتاعتى .. ليه فاكره نفسك مين .. انتى متعرفيش أنا مين ولا ايه يا بت انتى

نظرت اليه بحده ائله :

– مسمحلكش تتكلم معايا بالإسلوب ده

قال بسخريه :

– نعم .. متسمحيليش .. هو أنا محتاج اذنك .. أنا حالا هطلع لمديرك وأخليه يشوف شغله معاكى .. عشان تعرفى ازاى تبقى محترمة وازاى تتكلمي مع الناس المحترمة

قالت بصرامة :

– أنا محترمة غصب عنك .. ومش محتاجة حد يعلمنى ازاى أبقى محترمة

استشاط غضباً وقال :

– انتى ازاى تتكملى معايا كده .. انتى اتجننتى فى عقلك

سمع “طارق” جزء من الحوار عندما خرج من بوابة العمارة وهم بالتوجه الى سيارته لكن صوت الصراخ جذب انتباهه واسمتع الى جزء من الحوار واقترب منهما قائلاً :

– فى حاجه يا آنسه “مريم”

نظر اليه “خالد” قائلاً :

– انت مين انت كمان .. متخليك فى حالك

همت “مريم” بالمغادرة لكن “خالد” وقف أمامها قائلاً :

– استنى أنا لسه مخلصتش كلامى

قالت بصرامة :

– وأنا معنديش استعداد أسمع منك حرف واحد .. عندك مشكلة اعرضها على أستاذ “عماد” ومتضطرنيش أتصرف معاك تصرف ميعجبكش

صاح غاضباً :

– انتى فعلا اتجننتى فى عقلك .. انتى فاكرة نفسك مين يا بنت انتى ما تفوقى لنفسك

وقف “طارق” فى وجهه قائلاً :

– لأ لحد كدة وكفاية .. ازاى تتكلم معاها كده

التفت اليه “خالد” قائلاً :

– وانت مالك انت .. مالك وملها

قال “طارق” بحزم :

– انا خطيبها عندك اعتراض .. يلا اتفضل امشى

شعرت “مريم” بالدهشة لادعائه بأنها خطيبته .. لكن كان هذا كفيل بأن يرحل “خالد” وهو يرمقها بنظرات غيظ .. همت “مريم” بالمغادرة لكن “طارق” أوقفها قائلاً :

– هو بيضايقك ليه

قالت بتوتر :

– عشان رفضت أمسك الحملة الإعلانيه بتاعة شركته

نظر اليها مستفهماً :

– ورفضتى ليه

قالت بإقتضاب :

– عشان انسان مش محترم

ثم قالت دون أن تنظر اليه :

– بعد اذنك

أوقفها قائلاً :

– طيب تعالى اتفضلى معايا وأنا أوصلك

وجهت اليه نظرات نارية لكنها حافظت على هدوء صوتها قائله :

– آسفة مبركبش مع حد .. بعد اذنك

انصرفت “مريم” فى طريقها وعينا “طارق” تتابعانها لفترة ثم ركب سيارته وانطلق فى طريقه

****************************

جلست “مريم” كالعادة على الأريكة أمام التلفاز دون أن ترى حقاً ما يتم عرضه أمامها .. كانت فى عالم آخر .. تلقى نظرة كل فترة على الساعة المعلقة على الحائط .. وكالعادة تأهبت عندما اقتربت الساعة من الثانية عشر بعد منتصف الليل .. وتوجهت الى حقيبة الرسائل وأخذت تبحث عن الخطاب الذى يحمل رقم 54 .. دقت الساعة لتعلن الوقت الثانية عشر فتحت الخطاب بلهفة وشغف .. وعيناها تلمعان وبسمة صغيره على شفتيها .. قرأت بعينيها وقلبها وروحها :

– حبيبتى “مريم” .. كيف أنتِ الآن .. أتهتمين بنفسك حبيبتى .. أم عدتِ الى اهمال نفسك وطعامك مرة خرى .. أعلم أنكِ لا ترفضين لى طلباً ولا تعصين لى أمراَ .. لذلك إن كنتى تحبينني بالفعل فستهتمين بنفسك أكثر .. كيف حالك مع الله .. أتواظبين على قراءة وردك أم تتكاسلين .. أعرف جيداً أن حبيتى لا تتكاسل عن فعل الخير .. لكنى أذكرك فحسب .. لا تقطعين خيراً تفعليه .. وارمى سهماً فى كل خير تجديه .. حبيبتى طلبى هذا الإسبوع هو زيارة صغيرة منكِ الى والدتى .. التى أشفق عليها وعلى حالها .. أعلم أنها زيارة لا تفيد .. لكنى أريدك أن تقومى بها .. من أجلى يا “مريم” .. حبيبك : ماجد

ضمت الجواب الى صدرها واستنشقته لعلها تجد رائحة “ماجد” وقد علقت به .. ثم أضافته الى باقى الخطابات فى درج الكمودينو .. أنهت قراءة وردها ووضعت المصحف بجوارها وأغلقت النور .. ظلت شاردة قليلاً .. وعزمت فى الصباح على تنفيذ ما طلبه منها “ماجد” .. زيارة والدتــه التــى تعيـــش فى أحــد دور المسنيـــن .

***************************

حاول “مراد” النوم لكنه شعر بالأرق ففتح الشرفة ووقف فيها .. همت والدته بغلق شباك غرفتها عندما رأته .. فتوجهت الى غرفته وطرقت الباب .. فتح لها “مراد” ودعاها للدخول .. قالت :

– شوفتك من شباك أوضتى عرفت انك صاحى

– مش جايلى نوم

جلست أمه على أريكة فى الغرفة وجلس بجوارها قائلاً :

– عمتو عامله ايه دلوقتى

نظرت اليه بتمعن قائله :

– كويسة .. بس مش هى اللى قلقانى

قال بقلق :

– “سارة” و “نرمين” كويسين

قالت بنبرة ذات معنى :

– أيوة كويسين بس انت اللى مش كويس يا “مراد”

قال “مراد” بهدوء :

– ليه مش كويس ليه ما أنا زى الفل أهو

نظرت اليه أمه بعتاب قائله :

– مش ناوى تفرحنى يا “مراد” و تتجوز وأشوف ولادك وأطمن عليك قبل ما أموت

قال “مراد” على الفور :

– ربنا يبارك فى صحتك وفى عمرك يا أمى

قالت بإصرار :

– رد على سؤالى .. ناوى تتجوز امتى .. ناوى تفرحنى بيك امتى

قال “مراد” بضيق :

– أمى لو سمحتى مش حابب أتكلم فى الموضوع ده

قالت أمه بحده :

– يعني ايه مش حابب .. انت هتفضل دافن نفسك بالحيا كده لحد امتى .. مفيش فى حياتك غير شغل وبس

قام “مراد” بعصبيه وقال :

– وأنا مش حابب يكون فى حياتى غير الشغل وبس

نهضت ووقفت فى مواجهته قائله :

– لأ .. أنا مش ممكن أسمحلك تضيع شبابك كده

قال “مراد” بنفاذ صبر :

– أنا مبسوط كده

هتفت أمه :

– بس أنا مش مبسوطة يا “مراد” .. ولا انت مبسوط .. ده أنا حتى مبشوفكش بتبتسم .. انت مفيش حاجه بتعملها ولا بتفكر فيها غير شغلك .. حياتك فاضية يا “مراد”

قال “مراد” بحزم :

– لأ مش فاضية انتى و”سارة” و “نرمين” وعمتو ملينها عليا

قالت أمه بحده :

– “مراد” .. دور على عروسه .. ولو مش لاقى قولى وأنا أدورلك .. عايزه أشوفك متجوز يا “مراد” وعندك بيت واسرة

قال “مراد” بمرارة :

– ما أنا اتجوزت يا أمى .. اتجوزت

رقت ملامح أمه وقالت بحزن :

– مش كل البنات يا ابنى زى ……

قاطعها قائلاً بعنف :

– لأ كلهم زى بعض .. ميفرقوش حاجة عن بعض .. كلهم عينه واحده .. وأنا مش ممكن أذل نفسي لواحده فيهم .. ولا يبقى لأى ست تأثير عليا

قتربت أمه منه تحاول تهدئته فقال بحده :

– لو سمحتى يا أمى .. متفتحيش الموضوع ده تانى معايا .. أنا مش هتجوز أبداًً .. مهما قولتى ومهما عملتى .. وده قراري ومش ممكن أغيره أبداً

نظرت اليه أمه بأسى وأستسلام .. ثم غادرت الغرفـة فى صمـــت .. جلس “مراد” على فراشه وهو يغطى وجهه بكفيه ثم قام ودخل الشرفة مرة أخرى وجلس على أحد المقاعد شــارداً .. فى ظلمــة الليــل البهيـــم .

.

.

.

الفصل الخامس من رواية قطة فى عرين الأسد

استيقظت “مريم” فى الصباح التالى وقد عزمت على زيارة والدة “ماجد” كما طلب منها فى خطابه الذى قرأته بالأمس .. خرجت وركبت المترو كالعادة وتوجهت الى أحد دور المسنين .. دخلت غرفة والدة “ماجد” لتجدها مستلقية على فراشها تنظر الى سقف الغرفة فى صمت .. شعرت بالألم يغزو قلبها وهى تراها على هذه الحالة .. اقتربت منها .. لم تحرك المرأة ساكناً .. لم تنظر حتى اليها .. ظلت تنظر الى سقف الغرفة وكأنها لا تعى ما يدور حولها .. اقتربت منها “مريم” أكثر ومسحت بكفها على رأسها .. والعبرات تترقرق فى عينيها لحال المرأة النائمة على الفراش أمامها .. اقتربت منها احدى العاملات بالدار .. فالتفتت اليها “مريم” قائله :

– هى عاملة ايه دلوقتى ؟

قالت العاملة فى اسف :

– زى ما انتى شايفه .. مبتتكلمش ولا بتستجيب لأى علاج

قالت “مريم” بحزن :

– مواظبين على العلاج بتاعها

– أيوة من يوم ماجت واحنا بنهتم بيها وبحالتها .. ودكتور الدار كمان مهتم بيها لانها صعبانه عليه .. بس اظاهر انها هتقضى باقى أيامها وهى كده .. لانه بيقول انها مبتستجبش للعلاج نهائى

ألقت عليها “مريم” نظرة متألمه ثم التفتت للمرأة قائله :

– طيب ورجلها

– برده يا بنتى لسه ما بتقدرش تمشى عليها .. لا بتتكلم ولا حتى بتتحرك من مكانها .. ربنا يكون فى عونها

جلست “مريم” قبالتها على الفراش وتحدث اليها قائله :

– ماما .. ازي صحتك .. انتى مش عارفانى .. أنا “مريم”

لم تجد أى استجابه من المرأة .. فانحنت عليها تقبل رأسها وملامح الألم مرسومة على وجهها ثم توجهت “مريم” الى غرفة مديرة الدار وقالت لها :

– مينفعش أخدها تعيش معايا

قالت مديرة الدار :

– لو خدتيها يبأه تخلى بالك انها محتاج معاملة خاصة .. واهتمام 24 ساعة لانها مبتقدرش تعمل أى حاجه لنفسها .. انتى متفرغة

قالت “مريم” بأسف :

– لأ بشتغل .. وللأسف مضطرة أشتغل

قالت مديرة الدار :

– يبقى مش هتعرفى تهتمى بيها يا بنتى .. مينفعش تتساب لوحدها .. لازم مرافق ليها 24 ساعة .. من رأيى خليها هنا أفضل .. لانك مش هتعرفى تهتمى بيها الإهتمام المطلوب

قالت “مريم” بألم :

– طيب وحالتها الصحية .. مش ممكن تتحسن

– والله ده علمه عند ربنا .. بس هى مفيش عندها أى استجابة للعلاج .. ولا بتتفاعل حتى مع غيرها من المقيمين هنا .. ولا بتحاول حتى تتفاعل معاهم .. على طول لوحدها .. هى سامعة وشايفة كل حاجة .. بس مفيش استجابة .. واضح ان صدمتها كانت شديدة أوى

شكرها “مريم” ونهضت بأسى .. خرجت من الدار وهى تحاول أن تغالب دموعها التى انهمرت من عينيها رغماً عنها

******************************

دخلت “سهى” مكتب سكرتيرة “خالد” وقالت لها :

– أنا عندى معاد دلوقتى مع البشمهندس “خالد”

بعد عدة دقائق أدخلتها السكرتيرة .. توجهت الى مكتب “خالد” مبتسمة وقالت :

-ازي حضرتك يا بشمهندس

قال ببرود :

– الحمد لله اتفضلى

جلست وأخرجت ملفاً من حقيبتها وقالت :

– أستاذ “عماد” قالى آجى لحضرتك وأشوف تفاصيل الشغل اللى حضرتك عايزه

قال بنبرة متعالية :

– أيوة لانى مش هاجى شركتكوا تانى.. يعد كدة حد منكوا هو اللى يجيلى هنا وأشرحله اللى أنا عايزه .. لان اظاهر انكوا مبتعرفوش تختاروا الناس اللى بتشتغل فى الشركة .. وأنا لولا سمعتكوا فى السوق وجودة شغلكوا أنا مكنتش اتعاملت معاكوا تانى

ابتسمت “سهى” قوالت :

– أنا مش عارفه حضرتك مضايق مننا ليه .. بس عامة أنا واثقه ان حضرتك مش هتضايق من شغلك معايا

ثم ضحكت قائله :

– هى “مريم” معلش قفل شوية فممكن يكون ده ضايقك

قال بهدوء :

– دى مش قفل .. دى قليلة الأدب

ابتسمت قائله :

– معلش يا بشمهندس حقك علينا .. وان شاء الله هعملك أحسن من الشغل اللى كانت هتعمله “مريم”

ابتسم قائلاً :

– اما نشوف

********************************

جلس الأربعة رجال معاً على طاولة الإجتماعات فبدأ “طارق” فى الحديث قائلاً :

– أنا شايف ان هى دى مواصفات المنتج اللى احنا عاوزينه

أخذ الجميع يتفحص ما أمامهم من قطع ملابس .. قال “سامر” :

– انا كمان رأيي كدة يا “طارق” وكمان دراسة الجدوى اللى عملناها بتقول ان الأرباح هتكون مضمونة ان شاء الله

قال “حامد” :

– يعني رغم انى لسه عند رأيي الأولانى اننا نريح دماغنا ونشتغل للطبقة الراقية .. بس دراسة الجدوى اللى اتعملت شجعتنى بصراحة .. وأنا شايف زيكوا ان المنتج ممتاز زى ما احنا عايزين

التفت “طارق” الى “مراد” قائلاً :

– وانت يا “مراد” ايه رأيك

قال “مراد” :

– ممتاز يا “طارق” .. بس معلش لازم نهتم بالفينيشينج أكتر من كدة

قال “حامد” بسخرية :

– أكتر من كدة ايه يابنى أنا شايف انه مناسب للطبقة المتوسطة دى .. يعني كويس أصلا اننا بنقدملهم منتج بالجودة دى والسعر ده

قال “مراد” بحزم :

– يا نشتغل صح يا منشتغلش .. وأنا بحب أهتم بالتفاصيل الدقيقة دى .. الفينيشينج كويس بس لازم يكون أفضل من كدة

قال “طارق” :

– خلاص مفيش مشكلة نهتم بالفينيشينج أكتر .. وأنا هبلغهم كدة فى المصنع .. بس مبدأياً أنا شايف انه كله تمام

قال “سامر” مستفهماً :

– مش المفروض نبتدى الدعاية .. يعني مش عايزين نتأخر لان الأيام اللى جاية موسم وعايزين نستغلها

أومأ “مراد” برأسها قائلاً :

– فعلاً معاك حق يا “سامر” .. أنا هتكلم مع مدير شركة الدعاية اللى بتعامل معاها ونبدأ فوراً ان شاء الله

قال “طارق” :

– لأ أنا أعرف شركة كويسة وتعاملهم ممتاز ومواعيدهم مظبوطة

التفت اليه “مراد” قائلاً :

– شركة ايه ؟

– اسمها رؤية

فكر “مراد” قليلاً ثم قال :

– مسمعتش عنهم قبل كدة

أخرج “طارق” من حقيبته أحد الملفات وأعطاها الى “مراد” قائلاً :

– دى تصميمات الدعاية اللى عملتها عندهم لشركتى

أخذ “مراد” الملف يتفحصه .. ثم قال مستفهماً :

– أخد منهم وقت أد ايه الشغل ده ؟

قال “طارق” مبتسماً :

– اسبوع

قال “مراد” بدهشة :

– اسبوع .. فترة صغيرة جدا على شغل عالى زى ده

– أيوة الديزاينر الى عملته واضح انها مجتهدة جداً

قال “سامر” مندهشاً :

– فعلاً الشغل ممتاز فى وقت قياسى

قال “مراد” بإعجاب وهو مازال يتفحص التصميمات التى أمامه :

– تنسيق التصميم ممتاز ومكان اللوجو والألوان نفسها والفونت .. بصراحة شغل عالى جداً

ثم التفت الى “طارقٌ” قائلاً :

– وجودة التصاميم بعد التنفيذ

قال “طارق” :

– لسه مستلمتش الشغل بعد يومين هستلمه ان شاء الله بس أنا اتعاملت معاهم قبل كدة من كذا سنة وخامات الورق كانت ممتازة

قال “مراد” بإهتمام :

– طيب تمام يبقى هاتلى رقمهم أو قولى عنوانهم وأنا هتواصل معاهم

صمت “طارق” قليلاً ثم قال :

– كدة كدة أنا بتعامل معاهم .. سبنى أنا اتفق معاهم على الحملة بتاعة شراكتنا .. وعامة احنا الاتنين ذوقنا فى الشغل واحد

قال”حامد” ساخراً :

– وأنا و “سامر” ملناش رأي فى القصة دى ولا ايه

التفت اليه “سامر” وهو ينظر الى التصميمات قائلاً :

– ديزاينر زى دي تسلمها نفسك وانت مطمن .. بجد شغلها راقى جداً

التفت الي “طارق” قائلاً :

– اسمها ايه يا “طارق”

نظر اليه “طارق” قائلاً :

– “مريم”

لوك “سامر” الاسم فى لسانه قائلاً :

– “مريم” .. بس ليه مش ماضيه على التصميمات بإسمها

هز “طارق” كتفيه قائلاً :

– معرفش بس أكيد عشان بتشتغل تبع شركة دعاية فالامضاء بتكون باسم الشركة مش بإسمها هى

قال “سامر” بحماس :

– على فكرة لو اشتغلت لوحدها هتعمل اسم جامد

قاطعهم “مراد” وهو يقف قائلاً :

– خلاص زى ما اتفقنا .. “طارق” اهتم بموضوع الفينيشينج والحملة .. سلام أنا راجع المكتب عشان عندى معاد دلوقتى

خرج “مراد” فهتف “حامد” قائلاً :

– الراجل ده مبيريحش نفسه أبداً .. ده ماكنة شغل

قال “سامر” وهو ينهض :

– وعشان كدة دماغه جامدة فى الشغل .. وتدخل معاه أى مشروع وانت مطمن .. يلا سلام يا شباب

قال له “حامد” مبتسماً :

– امتى افتتاح الجاليري بتاعك

ابتسم “سامر” قائلاً :

– يعني لسه شوية .. بظبط فيه .. بس قريب أكيد

قال “طارق” مبتسماً بحماس :

– ايه ده أخيراً نويت تعرض أعمالك على الناس

قال “سامر” :

– أيوة يا سيدى خلاص نفذت الفكرة اللى كنت بأجل فيها

قال “طارق” مشجعاً ايه :

– متقلقش يا “سامر” ان شاء الله هينجح نجاح كبير لانك فنان موهوب

قال “حامد” ساخراً :

– آه موهوب أوى هتقولى على مواهبه

التفت اليه “سامر” بحده :

– هو انت مبتعرفش تقول كلمة كويسة أبداً .. كل كلامك سخرية كده

نهض “حامد” وتوجه الى الباب قائلاً :

– سيبنالكوا انتوا الكلام الحلو .. يلا سلام أنا كمان مش فاضيلكوا

********************************

اقتربت “مى” من “مريم” الجالسه على مكتبها وقالت :

– ايه اللى حصل امبارح ؟

نظرت اليها “مريم” بدهشة وقالت :

– مش فاهمة .. ايه اللى حصل فى ايه

ألقت “مى” نظرة على “سهى” المندمجة فى عملها وقالت ل “مريم” بخفوت :

– نزلت امبارح بعدك على طول أجيب حاجة من السوبر ماركت اللى أدم العماره .. لقيتك واقفة مع الأستاذ “طارق” بتتكلموا وبعدين سبتيه ومشيتي

قالت “مريم” وهى تضرب بأصابعها فوق لوحة المفاتيح :

– مفيش اللى اسمه “خالد” ده وقفنى وكان بيغتت عليا .. فجه أستاذ “طارق” يشوف فى ايه

نظرت اليها “مى” وقالت بإهتمام :

– قالك ايه يعني

قالت “مريم” بنفاذ صبر وهى تنظر اليها :

– ما قاليش حاجه يا “مى” هيقولى ايه يعني سأل بس هو فى ايه .. واللى اسمه “خالد” ده عمال بيتغابي فى الكلام فأستاذ “طارق” حاشه عنى واضطر يقوله انى خطيبته عشان يسيبنى ويمشى

قالت “مى” بضيق :

– قال انك خطيبته ؟

قالت “مريم” بصوت خافت :

– أيوة اضطر يقول كده عشان “خالد” يحترم نفسه ويمشى

أومأت “مى” برأسها وعادت الى مكتبها ويبدو عليها علامات الضيق والحنق

**************************

– مش عايز جنس مخلوج يعرف .. وحجك محفوظ

تفوه “جمال” بتلك العبارة وهو جالس مع أحد الرجال فى مكتبه .. قال الرجل بتوتر :

– بس آنى خايف يا “جمال” بيه

قال “جمال” بحده :

– خايف من اييه دلوجيت .. انت كل اللى مطلوب منيك انك تجبلى نسخه من الملف بس اكده ولا من شاف ولا من درى

قال الرجل بخوف :

– بس لو “عثمان” بيه درى بالموضوع والله ليطوخنى

هتف “جمال” :

– واييه اللى هيخليه يدرى بس .. انت لو عملت اللى جولتلك عليه مفيش حد هيعرف شئ واصل

ثم أخرج عدة رزم نقدية من الخزينه الموضوعه بجوار مكتبه وألقاها على الرجل قائلا:

– خد دول .. ولما تجبلى نسخة من الملف هعطيك زييهم

نظر الرجل الى المال وقد لمعت عيناه وقال :

– انت تأمر يا “جمال” بيه آنى خدامك وخدام عيلة الهوارى

نظر اليه “جمال” بسخرية قائلا :

– وعشان اكده بتشتغل عند عيلة السمرى مش اكده

قال الرجل بحرج :

– أصلهم بيدفعوا امنيح يا “جمال” بيه

أشار “جمال” الى الباب قائلاً :

– طب يلا روح اعمل اللى جولتلك عليه .. بس اوعى حسك عينك حد يدرى بالكلام اللى دار بيناتنا دلوجيت .. انت مش جد الوجوف جدامى ها

قال الرجل بسرعة :

– طبعا يا “جمال” بيه طبعا

*************************

دخل “طارق” مكتب “مراد” الذى كان يجلس بصحبة “سامر” .. قال “طارق” :

– سلام يا “مراد” أنا ماشى عايز حاجه

تطلع اليه “مراد” قائلاً :

– هتروح شركة الدعاية

أومأ “طارق” برأسه قائلاً :

– أيوة .. هتفق معاهم على الحملة بتاعة مشروعنا الجديد

فكر “مراد” قليلاً ثم قال :

– عرفت اللى احنا محتاجينه تحديداً مش كدة

– أيوة أيوة متقلقش .. يلا سلام

خرج “طارق” وتوجه الى سيارته لكنه وجد “سامر ” خلفه يقول :

– جاى معاك يا باشا

ركب “سامر” بجوار “طارق” الذى سأله بدهشة :

– جاى معايا ليه

نظر اليه “سامر” بخبث قائلاً :

– عايز أشوف الفنانه اللى عملت التصميمات بتاعة شركتك .. يعني .. هى فنانه وأنا فنان فممكن نفهم بعض من أول نظرة

وغمز “سامر” بعينه .. انطلق “طارق” بسيارته صمت لفترة ثم قال بهدوء :

– متتعبش نفسك لأنها مش تيمك

ضحك “سامر” قائلاً :

– وعرفت منين انها مش تيمي

– لما تشوفها هتعرف وتتأكد ان كلامى صح

– سيبنى أنا اللى أحكم

قال “طارق” بهدوء :

– براحتك .. بس أنا حذرتك .. تاعب نفسك فى المشوار على الفاضى

دخل “طارق” و “سامر” الى مكتب “مريم” .. اقترب “طارق” من مكتبها قائلاً :

– مساء الخير يا آنسه “مريم”

رفعت “مريم” رأسها قائله :

– مساء النور يا أستاذ “طارق” .. اتفضل

جلس “طارق” و “سامر” .. ألقت “مريم” نظرة على “سامر” ثم وجهت الكلام الى “طارق” قائله :

– أنا قولت لحضرتك آخر مرة ان الشغل هيكون جاهز بعد بكرة مش النهاردة

ابتسم “طارق” قائلاً :

– لأ أنا مش جاى عشان الشغل بتاعى .. أنا جاى عشان عايزك تمسكى حملة تانية .. خاصة بمصنع ملابس وماركة جديدة نازلة السوق

قالت “مريم” بهدوء :

– بس الكلام عن جملة جديدة بيكون مع أستاذ “عماد” وهو بيختار الديزاينر اللى بيقوم بالحملة

رفع “طارق” حاجبيه قائلاً بتأكيد :

– لازام انتى اللى تمسكلى الحملة دى .. لاننا عجبنا شغلك انتى .. وبصراحة شريكى لما شاف شغلك انبهر بيه وعشان كدة عايزينك انتى اللى تمسكى حملة الدعاية بتاعتنا

كان كل من “مى” و “سهى” تتابعان الحوار الدائر بإهتمام .. قالت “مى” بشئ من الحنق :

– مفيش مشكلة يا أستاذ “طارق” .. حضرتك كلم الأستاذ “عماد” وأنا عن نفسي خلصت الحملة اللى شغاله عليها وممكن أمسك حملة حضرتك وأظن حضرتك جربت شغلى وعارفه كويس

التفت لها “طارق” وقال مبتسماً :

– طبعاً وشغلك ممتاز .. بس شريكي أعجب بشغل الآنسة “مريم” عشان كده عايزها تحديداً اللى تمسك حملتنا

فى هذه الأثناء كان هناك نظرات وابتسامات متبادلة بين “سامر” و “سهى” .. قال “طارق” لـ “سامر” :

– مش كدة يا “سامر” ؟

نظر اليه “سامر” وبدا وكأنه لم ينتبه للكلام فقال :

– ايه .. بتقول ايه

– بقولك اننا عايزين الآنسة “مريم” تحديدا اللى تمسك حملتنا مش كدة ؟

قال “سامر” بسرعة :

– أيوة أيوة طبعا .. شغلها ممتاز فعلاً

قالت “مريم” بهدوء :

– طيب حضرتك قول الكلام ده للأستاذ “عماد” وأنا عن نفسي معنديش مشكلة انى أشتغل فى الحملة الدعائية لحضرتك

ابتسم “طارق” قائلاً :

– تمام كدة . .هنروح حالا نتكلم مع أستاذ “عماد” .. وبكرة ان شاء الله هرجعلك تانى عشان نتكلم فى التفاصيل

قالت “مريم” :

– ممكن نتكلم فيها النهاردة بدل ما حضرتك تروح وتيجي تانى

ابتسم لها “طارق” مرة أخرى قائلاً :

– معلش خليها بكرة .. يلا سلام أشوفك بكرة ان شاء الله

خرج الاثنان وتوجها الى مكتب “عماد” للاتفاق على الحملة الجديدة .. ثم توجها الى سيارة “طارق” .. انطلق “طارق” فى طريقة فابتسم له “سامر” بخبث قائلً :

– هو فيه ايه بالظبط يا “طارق”

التفت اليه “طارق” بدهشة :

– مش فاهم تقصد ايه

– كان ممكن تقولها تفاصيل الحملة الموضوع مكنش هياخد 10 دقايق

نظر “طارق” أمامه ولم يعلق فضحك “سامر” قائلاً :

– معاك حق هى مش تيمي خالص

ثم التفت اليه بخبث قائلاً :

– بس خدت بالك من الموزه اللى كانت معاها فى المكتب

قال له “طارق” :

– مين قصدك .. انهى فيهم

– اللى كانت لابسه بدرى روز

مط “طارق” شفتيه قائلاً :

– مخدتش بالى منها

رفع “سامر” حاجبه قائلاً :

– آه صح .. ما انت كنت مركز فى حتة تانية

التفت اليه “طارق” قائلاً :

– “سامر” يا حبيبى .. خليك فى حالك أحسن

ابتسم “سامر” ونظر أمامه .. أما “طارق” فقد بدا عليه الشرود والتفكير

********************************

عاد “مراد” الى بيته وتوجه الى غرفة الطعام حيث كان الجميع مجتمعاً :

– مساء الخير يا جماعه

– مساء النور

مساء النور يا أبيه

قال “مراد” وقد بدا عليه الإرهاق :

– أنا طالع أغير هدومى وأنام

قالت له أمه بحده :

– مش هتتعشى يعني

– لأ مليش نفس .. تصبحوا على خير

دخل غرفته فوجت والدته خلفه .. دخلت وأغلقت الباب ووقفت أمامه . ثم .. أخرجت احدى الصور من جيبها ومدت يدها اليه .. أخذ الصورة بدهشة .. فوجدها صور لفتاة جميلة محجبة .. نظر الى والدته قائلاً :

– ايه ده ؟

قالن له “ناهد” بحزم :

– عروسة .. بنت واحدة صحبتى .. بنت عيلة كبيرة ومحترمة و مهندسة و …..

قاطعها “مراد” وهو يلقى بالصورة على الكمودينو قائلاً بضيق :

– تانى يا أمى .. تانى

صاحت بغصب :

– تانى وتالت ورابع وعاشر لحد ما تريح قلبي وتتجوز

صاح بحده :

– يعني هو جوازى اللى هيريح قلبك

– أيوة يا “مراد”

صمت قليلا وبدا وكأن عيناه تشتعل غضباً ثم قال بصرامة :

– ماما.. أنا مش هتجوز .. أنا مش هتجوز .. فاهمة معنى كلامى . أنا .. مش .. هتجوز .. أبداً

نظرت اليه أمه بغضب .. ثم تركت الغرفة وخرجت وأغلقت الباب خلفها بشدة .. زفر “مراد” بضيق وجلس على فراشه وقد بدا عليه الغضب .. التفت للصورة الموضوعه على الكمودينو بجواره ودون أن يلقى عليها نظرة أخرى مزقها قطع صغيرة ثم قام وألقاها فى سلة المهملات .

******************************

عادت “مريم” الى بيتها .. وحضرت لنفسها الطعام وجلست تتناوله فى صمت وهدوء .. ألقت نظرة على باب الغرفة المغلقة بجوار غرفتها .. نهضت وكأن شيئاً يسحبها تجاه تلك الغرفة .. فتحت بابها ببطء .. وأضاءت النور .. وقفت تتطلع الى أثاث الغرفة بأعين دامعة .. اقتربت ببطء وجلست على الفراش .. وأخذت تتحسسه بأصابع يدها فى رقه .. نهضت وأغلقت الضوء والباب .. وتوجهت الى اللاب توب الخاص بها حملته الى فراشها وتدثرت بغطائها .. وفتحت أحد الملفت التى كُتب عليها “عائلتى” .. أخذت تتطلع لبعض الصور الموجودة فى الملف .. صورتها منذ عدة سنوات وقد بدت أصغر سناً وأكثر اشراقاً وبهجة .. وصورة تجمعها بفتاة تصغرها ببضع سنوات وكل منهما تعانق الأخرى وتبتسم للكاميرا .. وصورة تجمعها بإمرأة كبيرة وقد لفت “مريم” ذراعها حولها وقبلتها على وجنتها .. وصورة تجمعها بالمرأة وبالفتاة وبرجل كبير بدا عليه سماة الرجولة والصلابة .. أخذت تتحسس بأصابعها تلك الصورة على الشاشة وعيناها تزرف الدموع فى صمت .. وشفتيها ترتجفان وهى تطبق عليهما بشدة وكأنها تحاول حبس صرخة ألم كادت أن تخرج من أعماق روحها .. ثم توجهت الى ملف آخر عنوانه “حبيبى” .. أخذت تتطلع لعشرات الصور التى تجمعها بشاب طويل نحيل خمرى البشرة ذو ملامح مليحة .. عشرات الصور فى أماكن وأوضاع عديدة .. فى احدى البواخر فى النيل .. على أحدى الكبارى .. على شط البحر .. فى أحدى الحدائق .. عشرات الصور التى تبدو فيها “مريم” وكأنها فتاة أخرى .. فتاة تشع بهجة وسعادة وابتسامتها الجميلة لا تفارق ثغرها أبداً .. سقطت عبرة خلف عبرة .. وضعت الاب توب بجانبها على السرير ونامت بجواره وهى تنظر الى صورة تجمعها بذلك الرجل وهو يجلس على كرسي بجوارها وكلاهما يلبس دبلة بيده اليمنى .. وكانت هذه آخر صورة رأتها قبل أن تغمض عينيها وتغط فى النوم .

.

.

.

الفصل السادس من رواية قطة فى عرين الأسد

خرج “مراد” من غرفته فى الصباح ومر قبل نزوله على غرفة عمته .. طرق الباب فسمحت له بالدخول .. اقترب منها قائلاً :

– صباح الخير يا عمتو

قالت بوجوم :

– صباح الخير يا “مراد” يا ولدى

ابتسم وقال :

– ايه اخبار صحتك النهاردة

– تمام يا ولدى الحمد لله

تمعن “مراد” فى النظر اليها ثم قال :

– فى حاجة مضايقاكى يا عمتو ؟

صمتت طويلاً ثم نظرت اليه قائله بقلق :

– فى خراب هيحل علينا يا ولد أخوى .. جلبي مش مطمن وبحلم بأحلام جلجه منامى

جلس على الفراش بجوارها ونظر اليها قائلاً :

– ليه بتقولى كده يا عمتو .. وحلمتى بإيه

قالت “بهيرة” بجدية بالغة :

– جلبي متوغوش جوى يا ولدى .. ومجدرش أحكيلك الأحلام البشعة اللى بشوفها .. لأن سيدك وحبيبك النبي جال “لا تحدّث الناس بتلعُّب الشيطان بك في منامك ”

قال “مراد” :

– عليه الصلاة والسلام .. ممكن تكون أطغاث أحلام يا عمتو .. متشغليش بالك بيها

لمست كفه قائله بجديه :

– خلى بالك من نفسك يا ولدى ومن أمك واخواتك

وضع “مراد” كفه الأخرى فوق كفها قائلاً بإبتسامه :

– متقلقيش يا عمتو .. كلكوا فى عنيا

– ربنا يبارك فيك وينورلك طريجك وما يشمت حدا فيك

******************************

أدخلت سكرتيرة “خالد” “سهى” الى مكتبه فقالت مبتسمه :

– ازيك يا بشمهندس

مدت له يدها فقام وسلم عليها مبتسماً :

– ازيك انتى يا آنسه “سهى”

قالت برقه :

– تمام الحمد لله .. معلش هعطلك شوية بس فى حاجات مش واضحة ومحتاجه أعرفها من حضرتك قبل ما أبدأ شغل

ابتسم لها بخبث وقد شعر بأنها حجه ليس إلا .. وقال :

– لا أبداً مفيش مشكلة اتفضلى استريحى

جلست “سهى” فقال :

– تحبي تشربي ايه بأه

قالت بمرح :

– أنا مبشربش غير عصير .. لا ليا فى الشاى ولا فى القهوة

ضحك قائلاً :

– فى حد ميشربش شاى ولا قهوة

قالت بدلع :

– أنا يا بشمهندس .. كل الناس بتستغرب لما بقول كده .. بس أنا مبحبهمش

نظر اليها بخبث قائلاً :

– حظهم وحش

ابتسمت بسرور .. وقد أخذ الإثنان يتطلعان لبعضهما البعض وعيناهما تقول الكثيــر.

******************************

جلس “طارق” قبالة “مريم” على مكتبها وأخذ يشرح لها طلباته فى الحملة الإعلانيه .. كنت تستمع اليه بإهتمام وتدون ما يقول .. لم يرفع عينيه عن وجهها .. شعر بالحيرة من نظرة عينيها الحزينة .. دائماً يرى الحزن فى عينينها .. أخذ يسأل نفسه .. تُرى ما سبب حزنها ؟ .. انتهى من الحديث .. فنظرت اليه “مريم” وقالت بجديه :

– تمام يا أستاذ “طارق” .. بس الشغل المرة دى هياخد وقت أطول يعني نقول من 10 أيام لاسبوعين

ابتسم قائلاً :

– مفيش مشكلة خالص .. وطالما انتى اللى ماسكة الحملة يبأه أنا مطمن جداً .. بصراحة شغلك ممتاز ودخل دماغى أوى .. وباين عليكي موهوبة فعلاً

شعرت بالخجل لإطرائه ولاحت ابتسامه صغيره على شفتيها وخفضت بصرها قائلاً :

– متشكره لذوق حضرتك

قال لها فجأه :

– تعرفى دى أول مرة أشوفك مبتسمه من يوم ما بدأت الشغل معاكى

اختفت ابتسامتها الصغيرة سريعاً ليحل محلها تعبيراً جاداًُ .. كانت “مى” ترمقهما شزراً .. وازدادت عصبيتها بعدما سمعت جملة “طارق” الأخيره .. قالت “مريم” بجدية :

– فى أى اضافات تحب حضرتك تضيفها

قال”طارق” :

– لأ كده تمام .. ومتشكر جداً انك وافقتى تمسكى الحملة بتاعتنا .. وان شاء الله مش هيكون آخر تعامل بينا

ثم قال:

– صحيح قوليلي اسمك “مريم” ايه ؟

قالت بخفوت :

– “مريم خيري”

نهض من مقعده ومد يده اليها قائلا بإبتسامه :

– تمام .. أشوف بعد 10 أيام ان شاء الله

قامت من مكانها وقالت بهدوء :

– أنا آسفه مبسلمش .. ان شاء الله الشغل يخلص فى معاده

أعاد “طارق” يده بجواره وابتسم قائلاً :

– برافو عليكي .. بتعملى الصح حتى لو كان صعب ومحرج

لم ترد وتجنبت النظر اليه .. قال قبل أن يغادر :

– مع السلامه وشكرا مقدماً على الشغل

خرج “طارق” .. فجلست “مريم” مرة أخرى على مكتبها .. التقت عيناها بعين “مى” التى بدا عليها الحنق والضيق .. قالت “مى” بتهكم :

– ما شاء الله عليه لماح أوى .. واخد باله اذا كنتى بتبتسمى ولا مبتبتسميش

قالت “مريم” بضيق وهى تلتفت الى حاسوبها :

– مفيش داعى للكلام ده يا “مى”

كتمت “مى” غيظها ثم عادت الى عملها وهى تحاول التركيز .. لكن عبثــاً

********************************

توجه “أشرف” الى مكتب “عماد” .. فقال له :

– تعالى اتفضل يا “أشرف”

جلس “أشرفف .. فسأله “عماد” قائلاً :

– أخبار شغل مكتب الديكور ايه ؟

قال “أشرف” بحماس :

-لا حضرتك متقلقش الشغل عجبهم جدا وطالبين كميات تانية

ابتسم “عماد” وقال :

– ممتاز

تنحنح “أشرف” وقال :

– بصراحة أنا كنت عايز أتكلم مع حضرتك فى موضوع شخصي

– اتفضل يا “أشرف”

بدا عليه التردد وهو يقول :

– يعنى .. بصراحة .. أنا عايز أتقدم للآنسه “مريم”

اتسعت ابتسامة “عماد” وهو يقول :

– يازين ما اخترت .. مش هتلاقى أحسن منها يا “أشرف”

ابتسم “أشرف” وقال :

– عارف يا أستاذ “عماد” .. وبصراحة أنا مش عارف أتقدم لمين ..يعني حضرتك عارف ظروف “مريم” .. وأنا بصراحة اتحرجت أكلمها مباشرة .. ومبقتش عارف أعمل ايه .. ففكرت ان حضرتك تعرض عليها الموضوع وترفع عنى الحرج ده

قال “عماد” بسعادة :

– متقلقش أنا هعرض عليها الموضوع وان شاء الله خير

قال “أشرف” بتوتر :

– بصراحة أنا خايف ترفض

صمت “عماد” قليلاً ثم قال :

– مظنش ترفض يا “أشرف” انت انسان كويس وأى واحدة تتمناك

قال “أشرف” ببعض الضيق :

– بس حضرتك عارف موضوع “ماجد” .. يعني أنا خايف تكون لسه متعلقه بيه

قال “عماد” بجديه :

– “مريم” لازم تشوف حياتها .. اكيد مش هتفضل طول عمرها كده ..متخفش أنا أظن انها هتوافق ان شاء الله

قال “أشرف” بلهفه :

– يارب ان شاء الله

********************************

– انت مش هتيجي تتجدملى بجه يا “جمال”

قالت “صباح” هذه العبارة وهى تلتقى بـ “جمال” سراً فى مكانهما المعتاد .. قال بضيق :

– انتى شايفه الظروف عامله ازاى يا “صباح”

قالت بحزن :

– ظروف ايه يا “جمال” .. آني لما بخرج أجابلك ببجى مرعوبه لحدا يشوفنى .. ونفسى ما يبجاش اللى بينا فى السر كاننا بنسرج

قال “جمال” بحنق :

– انتى عارفه كويس العداوة اللى بين عيلتى وعيلتك يا “صباح” أنا خايف من اكده

هتفت “صباح” بحده :

– عداوة ايه اللى بتتكلم عنها يا “جمال” خلاص دى راحت لحالها .. من يوم اللى حصل والعيلتين اتحدوا سوا وجربوا من بعض

– بس لسه النفوس شايله يا “صباح”

– لأ يا “جمال” بيتهيجلك .. احنا خلاص معدش فى بينا وبينكوا أيتها عداوة .. ازاى يبجى فى عداوة بعد ما العيلتين حموا بعض وداروا على بعض عشان التار اللى عليهم

قال “جمال” وهو شارد :

– اه بس لو أعرف الحجيجه

تنهدت “صباح” بحسره قائله :

– خلاص “خيري” مات الله يرحمه .. ومات السر معاه

قال “جمال” مفكراً :

– تفتكرى مين فعلاً اللى كان ظالم ومين اللى كان مظلوم

قلت “صباح” بإباء :

– أخوى ما جتلش حدا يا “جمال” .. أخوى ميعملش اكده واصل

صاح “جمال” بحده :

– وآني عمى ميعملش اكده واصل .. آني متأكد ان أخوكى هو اللى عيميلها يا “صباح” .. وعمى هو اللى دفع التمن

قالت “صباح” بغضب :

– وليه ميكنش عمك اللى عيميلها وأخوى هو اللى دفع التمن

صاح “جمال” بغضب مماثل :

– جولتلك عمى ميعملش اكده واصل .. عمى كان راجل يعرف ربنا وكان سيد الرجاله وكل الناس كانت تحكى عن جدعنته ورجولته

قالت بتعالى :

– وآني كمان أخوى كان راجل من ضهر راجل .. وزبيبة الصلاه فوج جبينه

قال “جمال” بغضب وهو ينصرف :

– فتك بعافيه يا “صباح” .. كلامك بجه سم بيهري فى جتتى

نظرت اليه “صباح” بحزن وهو يبتعــد

***********************************

دخلت “مريم” مكتب “عماد” بعدما أرسل “صفاء” سكرتيرته فى طلبها .. تقدمت قائله :

– أفندم يا أستاذ “عماد”

أشار “عماد” الى المقعد أمام المكتب قائلاً :

– اتفضلى اعدى يا “مريم”

جلست “مريم” ونظرت اليه بإنتباه .. بدا وكأنه يفكر فى طريقه لعرض الموضوع عليها .. انتظرت أن يتحدث حتى قال :

– “مريم” .. فى واحد زميلك هنا فى الشركة .. طلب انه يتقدملك

شعرت “مريم” بالخجل والإحمرار بدأ فى غزو وجنتيها وأطرقت برأسها .. فأكمل “عماد” :

– هو عارف ظروفك .. وعشان كده معرفش يتكلم مع مين .. وجالى

ثم ابتسم قائلاً :

– أنا بعتبرك أخت صغيره ليا يا “مريم” وعشان كده بكلمك كأخ وبقولك .. الشاب ده ممتاز وفعلاً راجل محترم و …

قاطعته “مريم” قائله بضيق :

– بعد اذنك يا أستاذ “عماد” .. انا معنديش استعداد للارتباط حالياً

قال فى هدوء :

– مش تعرفى هو مين الأول

قالت بحزم :

– مش هتفرق

صمت قليلاً ثم قال :

– “أشرف”

نظر اليه بدهشة .. وصمتت لحظات ثم عادت لتقول بحزم :

– زى ما قولت لحضرتك الموضوع ده مبفكرش فيه حالياً

بدا عليه الجزن لردها .. ثم قال :

– خلاص يا “مريم” اتفضلى على مكتبك .. بس أتمنى انك تفكرى كويس الأول .. انا مش هديله رد الا لما تفكرى وتردى عليا

قالت بجديه بالغه :

– أنا مش هغير رأيي أبداً يا أستاذ “عماد” .. فياريت حضرتك تبلغه من دلوقتى بدل ما ينتظر على الفاضى

ثم نهضت وقالت :

– بعد اذنك

عادت الى مكتبها وهى شارده تماماً ومقطبة الجبين .. انتبهت “مى” لحالها فاقتربت منها قاله :

– خير مالك .. كان أستاذ “عماد” عايزك فى ايه

قالت بضيق :

– مفيش

التفتت الى الحاسوب تكمل عملها فى صمت .. أخذت “مى” تمعن النظر اليها وقالت :

– لأ فى .. واضح على وشك انه فى .. قالك ايه ضايقك

نظرت اليها “مريم” وقالت بحده :

– تصورى ان “أشرف” قال لأستاذ “عماد” انه عايز يتقدملى

ابتسمت “مى” وصفقت بيدها بمرح وقالت :

– كنت واثقه ان احساسى صح .. يا سلام عليكي يا “مى” تفهميها وهى طايره

قالت “مريم” بضيق :

– “مى” قفلى على الموضوع

جذبت “مى” احدى الكراسى وجلست بجوارها وقالت بحده :

– ممكن أفهم انتى ليه رافضه .. “أشرف” راجل ممتاز بجد .. والكل بيشكر فيه

قالت “مريم” بنفاذ صبر :

– أنا ما قولتش انه وحش

– أمال ايه ؟ .. رفضاه ليه ؟

صمتت “مريم” فقالت “مى” بحده :

– “مريم” فوقى بأه .. انسى “ماجد” بأه .. راح ومش هيرجع تانى

نظرت اليها “مريم” بألم وقد تجمعت الدموع فى عينيها .. رق قلب “مى” لحالها وقالت بهدوء :

– مش قصدى أضايقك .. بس لازم تعيشي حياتك بأه

تساقطت العبرات من عينيها قائله :

– مش قادرة يا “مى” .. مش قادره أنساه .. مش قادره

نظرت اليها بحنان وقالت :

– لازم تحاولى تنسيه .. وتعيشي حياتك

قالت “مريم” بشفتين مرتجفتين :

– أنساه ازاى يا “مى” .. ازاى أنساه .. “ماجد” كان روحى .. كان حياتى .. كان مستقبلى .. كان الحاجه الوحيدة اللى بتخليني مبسوطه وفرحانه .. كان الحضن الدافى .. كان الانسان الوحيد اللى بحس معاه بالأمان .. كان الهوا اللى بتنفسه يا “مى” .. فاهمه يعني ايه الهوا اللى بتنفسه .. يعني أنا دلوقتى ميته

قالت “مى” بحزم :

– لأ انتى عايشه مش ميته .. هو اللى مات يا “مريم” .. “ماجد” اللى مات مش انتى

انفجرت “مريم” فى البكاء قائله :

– أنا مت يوم ما مات يا “مى”

اقتربت منها “مى” وحضنتها قائله بأسى :

– الموضوع ده فات عليه أكتر من سنة يا “مريم” .. لازم تحاولى تنسى بأه

قالت “مريم” من بين شهقاتها :

– حتى لو مر عشر سنين مش ممكن أنساه أبداً .. ومش ممكن أتجوز واحد غيره .. أنا مراته هو وبس .. وان شاء الله ربنا هيجمعنى بيه فى الجنه .. وأبقى مراته هناك

رفعت “مريم” رأسها ونظرت الى “مى” بوجه مبلل بالدموع وقالت بصوت مرتجف :

– الواحده فى الجنة بتكون لآخر راجل اتجوزته .. وأنا مش عايزه أكون فى الجنه مرات حد تانى غيره .. انا عايزة أبقى مرات “ماجد” فى الجنة يا “مى” .. دى الحاجه الوحيدة اللى مصبرانى .. عشان كدة مش ممكن أتجوز واحد غيره .. مش عايزه أتجوز غيره يا “مى”

كانت “مريم” تبكى وترتجف بشدة .. نظرت اليها “مى” بأسى وحضنتها مرة أخرى لتهدئ من روعهــا .

********************************

خرج “عثمان” من سيارته مسرعاً وصعد سلالم الشركة بسرعة ودخل مكتبه ليجد رجلين ينتظراه بالخارج فأشار لهما بالدخول .. جلس أما مكتبه وقال لهما :

– فى اييه .. اييه اللى حصل

قال أحدهما :

– لجينا راجل يا “عثمان” بييه عم بيدور فى مكتبك على ورج .. بعد ما كل الموظفين روحوا بيوتهم .. كشفناه بكاميرات المراجبه .. ومسكناه وحبسناه فى المخزن

نهض “عثمان” وسبقهما قائلاً :

– تعالوا معايا

نزل “عثمان” الى المخزن وفتح الرجال الباب .. نظر الى الرجل المربوط الى الكرسي وقال بغلظة :

– انت ميين .. وميين اللى باعتك .. وكنت عم بتدور على اييه فى مكتبي

نظر اليه الرجل بخوف دون أن يتحدث .. فلكمه “عثمان” على وجه وسال دمه .. وصرخ به قائلاً :

– يمين بالله لو متكلمتش وجولتلى كل حاجه لكون طخك بيدى

قال الرجل بخوف :

– أبوس يدك يا “عثمان” بييه .. انا معرفش كيف الشيطان وزنى خلانى أعلم اكده

صرخ به “عثمان” قائلاً :

– جاوبنى يا ولد التيييييييييييت اييه اللى دخلك مكتبي ومين اللى وزك

بلع الرجل رقه بصعوبه وهو محتار أيتحدث أم يصمت .. فجأة أخرج “عثمان” سلاح من ثيابه وصوبه الى الرجل قائلاً :

– اتشاهد على روحك يا ولد التيييييييييييييت

أغمض الرجل عينيه وقال بسرعة :

– هجولك كل شئ يا “عثمان” بييه بس أبوس يدك ما تجتلنيش أنا راجل عندى مره وعيال

– جول انطج

بلع الرجل ريقه وقال بخوف :

– كنت عم بدور على ملف تبع مواعيد شحنات الألومنيوم اللى طالعه من المخزن عشان طلبيات المناجصة

صمت “عثمان” قليلاً ثم قرب وجهه من الرجل قائلاً :

– مين اللى جلك تعمل اكده ؟

قال الرجل بتوتر :

– “جمال” بييه

بدا وكأن “عثمان” تحول الى تمثال لا يتحرك .. ثم بدت ملامح وجهه وكأنه تحول الى وحش كاسر .. وقال بصرامة :

– أني هعرف كيف أربيك يا “جمال” الـتييييييييت

*******************************

جلس “مراد” مع “طارق” فى أحد المطاعم .. قال “طارق” :

– مش عارف ليه مش مرتاح ل “حامد” ده خالص

قال به “مراد” وهو يفكر بتمعن :

– أنا كمان مش مرتاحله كشخص .. بس فى الشغل هو كويس .. واحنا محتاجين علاقاته فى شراكتنا الجديده

قال “طارق” :

– على رأيك فعلا هو هيخدمنا جامد

صمت قليلاً ثم سأله “مراد” :

– عملت ايه فى موضوع شركة الدعاية

ابتسم “طارق” :

– لا متقلقش كله تمام .. اتفقت معاهم على كل حاجه وهستلم التصاميم بعد 10 أيام ان شاء الله

شرد “طارق” قليلاً ثم قال :

– عارف يا “مراد” .. البنت المسؤلة عن الحملة .. بنت محترمة أوى .. واحدة كدة تحس انها جد أوى وشخصيتها قوية وفى نفس الوقت تحس انها رقيقه اوى وضعيفه أوى .. مش عارف ازاى جامعه بين القوة والضعف فى وقت واحد

صمت “مراد” وقد بدا وكأن الحديث لا يعنيه .. فأكمل “طارق” :

– مش عارف ليه لفتت انتباهى مع انها عاديه جداً

ظل “مراد” يتناول طعامه وهو محتفظ بصمته .. فنظر اليه “طارق” قائلاً بمرح :

– وانت بأه مفيش واحدة عارفه تلفت انتباهك ولا ايه

قال “مراد” بجدية:

– لا مفيش

تمعن “طارق” النظر اليه ثم قال :

– على فكرة يا “مراد” انت غلط .. ليه بتعمم حكمك .. مش كل البنات زى بعضها .. زى ما مش كل الرجاله زى بعضها .. فى اللى زي “حامد” وفى اللى زي “سامر” وفى اللى زيك وزيي وغيرنا كتير .. كل واحد غير التانى

نظر اليه “مراد” وقال بحزم :

– أنا مش بعمم حكمى .. أنا بقول ان معظمهم معندهمش أصل وميعرفوش يحبوا ولا يخلصوا فى حبهم .. معظمهم أنانى عايز يتحب وبس .. تديلها كل ما عندك .. ومتخدش منها الا اللى تتفضل بيه عليك .. تديلها حياتك كلها .. وتستخسر فيك انها تكون جمبك

هتف “طارق” قائلاً :

– ليه النظرة السوداويه دى يا “مراد” .. ليه متديش لنفسك فرصة تانية

قال “مراد” بحزم :

– اديت نفسي فرصة تانية يا “طارق” وانت عارف كده كويس .. وبرده مفرقتش حاجه عن اللى قبلها

– “مراد” انت مليون واحدة تتمناك مش بقول كده عشان أجاملك بس فعلا انت من أرجل الناس اللى عرفتها فى حياتى

قال “مراد” بمراره :

– بس دايماً اللى بعوزها بترفضنى واللى بحتاجلها بتسيبنى .. أنا معنديش استعداد أذل نفسي لواحده مرة تانية .. أو أنتظر من واحدة تانى انها تقولى آسفه أنا مش هقدر أرتبط بيك أنا عايزه واحد طبيعي

تنهد “طارق” قائلاً :

– قولتلك مش كل البنات رد فعلها واحد .. زى ما فى دى .. فى دى

قال “مراد” بصرامة :

– وأنا بأه لا عايز دى ولا عايز دى .. أنا مرتاح كده .. أحسن ما تحصلى حاجه تانية وألاقى اللى بتطعنى فى ضهرى وتقولى مش هقدر أعيش معاك وعايزه أتطلق

صمت قليلاً ثم قال بجمود :

– انت مجربتش يعني ايه تمر بأزمة وتبقى محتاج لمراتك جمبك وتلاقيها بتفكر انها تسيبك .. مجربتش يعني ايه تترجاها انها تفضل جمبك وتلاقيها مكسوفه منك ومن اصابتك .. وتشوف في عنيها نظره تتمنى انك تتعمى ومتشوفهاش .. مجربتش يعني ايه تتقدم لواحده وأول ما تعرف ان رجلك مبتوره ترفضك .. انت مجربتش الاحساس ده يا “طارق” احساس مميت .. تحس أكن سكاكين بتقطع فيك .. تحس أن حد جاب سكينه تلمه وبيدبحك بيها ببطء .. أنا مش ممكن أهين نفسي تانى .. أو انى أقبل ان واحدة تعيش معايا وهى حسه بالنقص .. أو شايفه انى أقل من غيري .. وحسه انها مكسوفه منى .. مكسوفه تعرف الناس انى جوزها .. وانى عندى اعاقه .. مش ممكن أبداً هسمح لنفسي انى أضعف وأحتاج لواحده جمبي .. أو انى أترجاها تفضل جمبي ومتسبنيش .. وألاقيها رغم احتياجى ليها تصدنى بكل برود .. مش هقبل على نفسي الاهانة دى تانى

صمت “طارق” وقد أيقن أن كلامه مع “مراد” لن يفيد .. لأن جرحه أكبر من أن يُشفي ببضع كلمات للمواساه.

*****************************

عاد “مراد” الى بيته ليجد والدته فى استقباله قائله بعجاله وهى تشير الى الصالون :

– عروستك ومامتها أعدين جوه يا “مراد” يلا تعالى سلم عليهم

قال بإندهاش :

– عروستى مين

– بنت صحبتى اللى وريتك صورتها

قال بحزم :

– ماما احنا انتهينا من الكلام فى الموضوع ده

قالت بحزم هى الأخرى :

– أنا مش هبطل كلام فى الموضوع ده يا “مراد” .. شوفها واعد معاها يمكن تعجبك

قال بحده :

– مش هتعجبنى ومش عايزها تعجبنى

نظرت اليه أمه بغضب قائله :

– “مراد” لو مدخلتش ورايا الصالون تسلم على الضيوف اعرف انى غضبانه عليك

ثم تركته وانصرف .. كبح جماح غضبه بصعوبه .. ثم دخل الصالون .. نظر الى المرأتين وهز رأسه قائلاً :

– أهلا وسهلا

قالت المرأة الكبيرة مبتهجه :

– أهلا بيك انت يا “مراد” ازيك وازى صحتك

جلس على أحد المقاعد قائلاً :

– الحمد لله

كان يشعر وكأن بداخله بركان غضب على وشك الإنفجار .. كان حانقاً بسبب ذلك المأذق الذى زجته فيه ولدته .. ظل صامتاً .. ولم يوجه نظرة واحدة الى الفتاة الجالسه .. نظرت اليه أمه بعتاب ثم ابتسمت للفتاة قائله :

– منورانا يا “بسمة” دى أول مرة تيجي عندنا

ابتسمت الفتاة قائله :

– ده نورك يا طنط .. معلش انتى عارفه ان دراستى كانت فى محافظة تانية ومكنتش بنزل القاهرة كتير كنت ببقى مشغولة طول الاسبوع .. وفعلاً مبسوطة اني جيت مع ماما النهاردة

ابتسمت “ناهد” قائله :

– شوية وهييجوا البنات ولازم أعرفكوا على بعض ان شاء الله

قالت بمرح :

– وأنا كمان حابه اتعرف عليهم .. مع انى سمعت ان واحدة فيهم دماغها لاسعه يعني شكلى انا وهى هنبقى صحاب لانى أنا كمان لاسعه وبحب اللى دماغهم لاسعه

نظر اليها “مراد” متهكماً ثم نظر الي أمه وكأنه يقول (هى دى اللى انتى جيبهالى ) .. تظاهرت أمه وكأنها لم تفهم معنى نظراته .. وقالت للفتاة :

– انتى ما شاء الله عليكي عاقلة جدا وكمان بتتحملى السؤلية .. عرفت من ماما انك كنتى معتمدة على نفسك طول فترة سفرك

قالت “بسمة” بفخر ضاحكة :

– طبعا يا طنط .. وكمان انا اجتماعية جدا وقدرت اكون صداقات كتير اوى فى المحافظة اللى كنت فيها يعني انا بقيت هناك اشهر من النار على العلم .. امشى فى الشارع بس قولى “بسمه” هتلاقى الناس تقول اه البنت الموزه اللى مفيش منها اتنين دى

ألقى عليها “مراد” نظرة أخرى متهكمة .. قالت والدة “بسمة” :

– مالك يا “مراد” يا حبيبى ساكت ليه

قال مراد” بهدوء :

– بسمعكوا

التفت “بسمة” اليه قائله بمرح :

– شكلك جد أوى فكها شوية .. وبعدين أنا اللى يعد معايا لازم يموت على روحه من الضحك .. لان عليا خفة دم محصلتش

نظر اليها “مراد” ببرود وقال :

– معلش اظاهر أنا اللى مبفهمش فى خفة الدم

تدخلت “ناهد” قائله :

– طبعا يا حبيبتى ده انتى زينة البنات .. ما شاء الله عليكي أدب وجمال وتعليم وكل حاجة .. ده انتى تتخطفى خطف

ضحكت الفتاة قائله :

– والله يا طنط هو على الخطف فأنا بتخطف فعلاً .. انا بيتقدمولى كتير أوى ما أقولكيش بس أنا اللى مش عجبنى حد .. اللى أتجوزه ده لازم يكون واد مخلص مفيش منه اتنين

قال “مراد” ساخراً :

– واد !

أكملت “بسمة” قائله بمرح :

– وبما ان عنيا عسلى فياريت يبقى عنده أوبشن العيون الزرقا أو الخضرا عشان نكون لايقين على بعض .. بس لو مفيش الا بنى خلاص مفيش مشكلة هرضى بالأمر الواقع

كانت نظرات “مراد” مليئة بالتهكم والسخرية .. نظرت اليه الفتاة وقد تضايقت من نظراته الساخرة .. قام “مراد” قائلاً :

– بعد اذنكوا

توجه الى غرفته فلحقت به أمه قائله :

– رايح فين والناس تحت .. هما جايين عشانى ولا عشانك

التفت اليها “مراد” قائلاً ببرود :

– والله مكنتش أعرف ان البنت هى بتتقدم دلوقتى وبتروح تشوف الراجل فى بيته .. ومع ذلك أعدت معاها عشان أريحك .. بالله عليكي انتى شايفه انها مناسبه ليا ؟

قالت بحده :

– مالها يعني ماهى بنت زى الفل أهى

تنهدت “مراد” قائلاً :

– ماما أنا بجد مرهق جداً وتعبت مناهده معاكى فى الموضوع ده .. تروح تشوفلها واد مخلص بأوبشن العيون الملونه .. تتجوزه وتفكها منى خالص

خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل “مراد” الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى “بسمة” وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :

– مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى

شعر “مراد” وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.

.

.

.

الفصل السابع من رواية قطة فى عرين الأسد

خرجت أمه وهى ترمقه بنظرات غاضبة .. دخل “مراد” الى شرفة غرفته .. ووقف شادراً وقد بدا عليه الإستغراق فى التفكير .. لم يشعر بمضى الوقت .. بعد فترة رآى “بسمة” وأمها تخرجان من البيت .. وقفا قليلاً أما سيارتهما التى أوقفاها أمام الباب .. سمع الفتاة تقول لأمها :

– مش كفايه انه معاق .. لأ وكمان راسم نفسه وعايش فى الدور .. قولتلك من الأول مش هينفعنى انتى اللى أصريتي انى آجى معاكى

شعر “مراد” وكأن خنجراً مسموم انغرس فى جراحه مرة أخرى .. ليسيـل الــدم منـه أنهـاراً.

لحظات وسمع طرقات على باب غرفته .. لم يحرك ساكناً .. وقف واجماً مقطب الجبين سمع والدته من خلفه تقول :

– عجبك كده أهم مشيوا بسرعة ومرضيوش يعدوا أكتر من كده

التفت “مراد” اليها ببطء .. كانت النار تشتعل داخل عيناه .. زأر كأســـدٍ غاضب:

– مش عايز أبداً .. أبداً .. أسمع كلام فى موضوع الجواز ده تانى .. أنا مش عايز أتجوز .. ولا محتاج انى أتجوز

ثم أكمل بصرامة :

– لو جبتيلى سيرة الجواز تانى أنا هسيب البيت وأخد شقة أعد فيها لوحدى

قالت امه بحده :

– وليه متديش لنفسك فرصة انك تعرف البنت

قال بعنف :

– البنت اللى أول ما خرجت من باب بيتنا قالت لمامتها كفاية انه معاق .. هى دى اللى عايزانى أتجوزها .. عشان تتكبر عليا وتحسسنى بالنقص طول عمرى .. أنا لا هسمحلها ولا هسمح لغيرها انها تقلل منى أو تمس كرامتى .. عرفيها ان أنا اللى رافضها مش هى

قال ذلك ثم خرج من الغرفة بغضب .. تنهدت أمه بحسرة وحيرة وضيق .

توجه “مراد” الى سيارته وأغلق الباب بعصبيه وانطلق بأقصى سرعة .. كان الغضب بادياً على وجهه وهو يسير مسرعاً بدون وجهة محدده .. وكلما زاد افراز الأدرينالين فى دمه .. زاد من سرعة سيارته .. حتى كادت أن تنحرف عن الطريق .. كان يشعر بأن بداخله بركان ثائر .. يريد أن يفرغه ليرتاح .. لكن هيهات .. لا طريقه لإفراغه أبداً .. وصل الى الطريق الصحراوى .. ثم أوقف سيارته على جانب الطريق كان يلهث وكأن خرج من سباق للعدو .. استغرق الأمر ساعة ونصف حتى استطاع التحكم فى غضبه .. أدار مقود السيارة وعاد فى طريقه مرة أخرى .. أدار المسجل ليستمع الى ترتيل آيات الله .. فشعر بسكينه داخل قلبه .. ولانت ملامحه قليلاً .. وأصبح أكثر هدوءاً .. أثناء توجهه الى بيته .. سمع آذان العشاء ينطلق من مكبر أحد المساجد الصغيرة على الطريق .. أوقف سيارته وتوجه الى المسجد توضأ ووقف يصلى .. كان يطيل كثيراً فى سجوده وكأنه لا يريد لجبينه أن يفارق أرض المسجد .. ثم يبتعد عنه ليعود اليه مرة أخرى فى لهفه .. أنهى صلاته ورحل الجميع لكنه ظل فى المسجد .. أسند ظهره على أحد الأعمدة .. بدا عليه الوجوم والشرود .. اقترب منه الإمام قائلاً :

– مالك يا ابنى فى حاجه

نظر اليه “مراد” قائلاً :

– لا يا شيخ مفيش حاجه

تفرش الشيخ الأرض بجوار “مراد” وقال له :

– ارمى حمولك على الله .. هو وحده اللى بإيده الحل

تمتم “مراد:

– ونعم بالله

أكمل الشيخ :

– ضاقت ولما استحكمت حلقاتها فرجت وكنت أظنها لا تفرج .. الدنيا دى دار ابتلاء .. ولازم الواحد يصبر ويحتسب

ثم نظر الى “مراد” قائلاً :

– تعرف ان أى حاجه بتصيبك فى الدنيا بتكفر من سيئاتك وحملك فى الآخره .. تعرف ان حتى الشوكة لما تشكك بتكفر عنك سيئاتك .. ده مش كلامي أنا ده كلام النبي صلى الله عليه وسلم “لا يصيب المؤمن من هم، ولا غم، ولا أذى إلا كفر الله به عنه حتى الشوكة”.. شوف رحمة ربنا بيك أد ايه

بدا على “مراد” التأثر فأكمل الشيخ قائلاً :

– الصبر يا ابنى نعمة من ربنا وثوابه عظيم .. بس أهم حاجه تصبر صبر جميل .. يعني تكون راضى .. مش تصبر بسخط ولأن مش قدامك حاجه الا انك تصبر .. لا .. تصبر وانت راضى وبتقول الحمد لله .. ربك بيقول {‏ فَصَبْرٌ جَمِيلٌ وَاللَّهُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ‏ }‏‏

أومأ “مراد” برأسه وابتسم للشيخ قائلاً :

– شكرا يا شيخ كنت محتاج أسمع الكلمتين دول .. ربنا يباركلك

ربت الشيخ على كتفه ثم نهض .. سكن “مراد” قليلاً ثم غادر المسجد وتوجه الى سيارته وهو يشعر بأنه أصبح أفضل حالاً وأكثر راحة .

***********************************

جلست “سارة” على فراشها تتأمل احدى الصور ولاحت على شفتيها ابتسامه صغيره .. اقتحمت “نرمين” أختها الصغرى الغرفة دون استئذان .. ارتبكت “سارة” وحاولت اخفاء الصورة خلفها قائله بحنق :

– فى حد يفتح الباب كده من غير ما يخبط

نظرت اليها “نرمين” بخبث قالئه :

– ايه اللى مخبياه ورا ضهرك

قالت “سارة” بتوتر :

– ملكيش دعوة حاجه متخصكيش

ثم اكملت بغضب :

– “نرمين” متفتحيش الباب كده وتهجمى على الأوضة .. ابقى خبطى الأول زى الناس المحترمة

قفزت “نرمين” اتجاهها وفى لحظة خطفت الصورة من يدها .. حاولت “سارة” انتزاع الصورة منها .. لكن “نرمين” كانت قد رأتها بالفعل .. فصاحت :

– يا حلاوة يا ولاد .. يادى الفضيحة ام جلاجل يادى الجرسه أم حناجل

قالت “سارة” بإرتباك وهى تخطف الصورة من يدها :

– فضيحة ايه متحترمى نفسك

أمسكتها “نرمين” من يدها وأجلستها على الفراش وجلست بجوارها قائله :

– قوليلى بأه ومن الأول وواحدة واحدة كدة .. صورة “طارق” بتعمل معاكى ايه .. وجبتيها منين

قالت “سارة” بتوتر وهى تنظر الى الباب المفتوح :

– قومى اقفلى الباب الأول

فعلت “نرمين” وعادت لتجلس بجوارها مرة أخرى .. قالت “سارة” بخجل :

– دى صورة كان “مراد” و “طارق” متصورينها مع بعض بس أنا قصيت الجزء اللى فيه “طارق” .. يعني مش هو اللى ادهالى أو حاجه عشان دماغك متروحش لبعيد

ابتسمت “نرمين” بخبث وقالت :

– آه جولتيلي يا بنيتى .. وبتعملى ايه بأه بصورة سي “طارق”

نظرت اليها “سارة” بحزن وقالت بصوت خافت :

– بحبه يا “نرمين” .. ومش عارفه أعمل ايه

قالت “نرمين” بجديه :

– طيب انتى حسه ان فى حاجه من نحيته

هتفت “سارة” بحنق :

– هو أنا بشوفه أصلا .. وبآله كتير مجاش عندنا .. مش عارفه “مراد” ليه مبقاش يعزمه كتير زى الأول

قالت “نرمين” بسخريه :

– قال يعني لو جه كتير هتعرفوا تتكلموا سوا

قالت “سارة” بحزن وهى تنظر الى الصورة :

– عارفه ان مفيش أمل

ابتسمت “نرمين” وقالت بمرح :

– بس بصراحة لو جيتي للحق يعني هو مش أمور .. “مراد” عنده صحاب كتير أحلى منه

نظرت اليها “سارة” بجديه وقالت :

– بس راجل وانسان محترم وذوق وأخلاقه كويسة وبعدين مش وحش .. هو مش وسيم أوى ماشى .. بس مش وحش

ابتسمت “نرمين” بخبث وقالت :

– أنا مالى يا ستى هو بتاعى ولا بتاعك

قالت “سارة” بحده :

– ايه بتاعى وبتاعك دى متحترمى نفسك يا “نرمين”

– يا ستى متزعلش كده بهزر .. هو لا حد يعرف يهزر معاكى ولا مع أخوكى .. ايه يارب البيت العقد ده

صمتت قليلا ثم قالت :

– وناويه تعملى ايه يا ست الكتكوته

قالت “سارة” بإستغراب :

– أعمل ايه يعني .. ولا حاجه طبعا

هتفت “نرمين” :

– يا فرحتى بيكي يا “سارة” .. عايشه فيلم حب من طرف واحد .. وحتى معندكيش استعداد تحاولى يبقى من طرفين

قالت “سارة” بدهشة :

– انتى عجيبة فعلا عايزانى اعمل ايه يعني اروح أقوله أنا بحبك ممكن لو سمحت تحبنى وتيجي تتقدملى

– لأ طبعا ما قولتش كده .. بس حاولى مثلا تلفتى نظره .. يعني مثلا روحى ل “مراد” الشركة .. وبصى ل “طارق” بصات ليها معنى و كمان ممكن ……….

قاطعتها “سارة” قائله بغضب :

– بس كفايه .. أنا غلطانه انى حكتلك أصلا ايه العك اللى بتقوليه ده .. أنا مستحيل طبعاً أعمل كده

صاحت “نرمين” وهى تنهض وتغادر الغرفة :

– براحتك بأه أنا نصحتك وانتى حره

خرجت من الغرفة لتترك “سارة” التى أخذت تتأمل الصورة مرة أخرى فى حزن

****************************

جلست “مريم” تراقب ساعة الحائط .. ها هى على موعد مع خطاب آخر من خطابات “ماجد” .. دقت الساعة معلنة منتصف الليل ففتحت الخطاب رقم 55 فى لهفة وقرأت :

– حبيبتى “مريم” .. أتذكرين الزهرة التى أهديتها لكِ يوم أن كُتب كتابنا .. قلت لكِ يومها انها تشبهك فى رقتك وبراءتك .. ليس عندى ذرة شك فى أنك مازلتى تحتفظين بتلك الزهرة .. لم تخبريني أبداً أنكِ تحتفظين بها لكننى على يقين من ذلك .. حبيبتى طلب منكِ هذا الاسبوع سيكون صعباً قليلاً .. أريدك أن تتخلصى من تلك الزهرة .. تخلصى منها بالشكل الذى يريحك .. تخلصى منها اليوم يا “مريم” .. اليوم .. حبيبك ماجد

انهمرت العبرات من عينيها بغزارة وصاحت بغضب :

– ليه يا “ماجد” كده .. ليه

توجهت الى أحد الأدراج وأخرجت حقيبة صغيرة فتحتها وأخرجت منها ذهرة قد تجففت .. أخذت تنظر اليها بحسرة وكأنها شخص غالى لا تبغى مفارقته .. وضعتها بجوارها على الوسادة ونامت بأعين دامعه .. فى الصباح توجهت الى أحب مكان اليها .. كانت تقف فى هذا المكان مع “ماجد” يمزحان ويمرحان وهو يعلمها كيف تصطاد السمك .. وقفت قليلاً ثم أخرجت الزهرة من حقيبتها وألقتها فى المــاء وهى تنظر اليها فى ألم .

****************************

رن جرس هاتف “سهى” فاتسعت ابتسامتها عندما رأت اسم المتصل وردت بلهفه :

– ألو

– ألو ازيك يا “سهى”

قالت برقه :

– الحمد لله يا بشمهندس “خالد”

التفت كل من “مريم” و “مى” الى “سهى” التى تتحدث فى الهاتف .. التقت النظرات فقامت “سهى” من فورها وقالت :

– ثوانى يا بشمهندس هطلع أتكلم من بره عشان الشبكة

خرجت “سهى” فقالت “مى” بسخرية :

– عشان الشبكة ولا عشان الاتنين اللى كاتمين على نفسك فى المكتب

التفتت “مريم” الى حاسوبها تكمل عملها فى وجوم .. اقتربت منها “مى” قائله :

– مالك .. فى حاجه مضايقاكى

– تؤ

– ده العادى بتاعك يعني

ابتسمت “مريم” بمرارة قائله :

– بالظبط كده

عادت “سهى” مرة أخرة وعلى شفتيها ابتسامة واسعة لم تستطع مداراتها .. الفتت اليها “مى” قائله :

– متفرحينا معاكى

قالت “سهى” بفخر :

– مفيش .. البشمهندس “خالد” كان بيعزمنى على حفلة عيد ميلاده

نظرت الفتاتان الى بعضهما البعض .. ثم قالت “مي” :

– بشمهندس “خالد” مين ؟

قالت بدلع :

– صاحب شركة المقاولات اللى بنفذله الحملة بتاعة شركته

قطبت “مريم” جبينها وقالت :

– خلى بالك يا “سهى” .. ده انسان مش محترم

قالت “سهى” بسخرية :

– انتى اللى معقده يا “مريم” .. فكيها شوية يا بنتى مش كده .. مش هتتجوزى بطريقتك دى

نهضت “مريم” بعصبية وقالت :

– و أنا مش عايزة أتجوز أصلاً

ثم غادرت المكتب فالتفت “مى” الى “سهى” قائله :

– على طول كدة مبتعرفيش تنقى كلامك

هتفت “سهى” :

– أنا مالى اذا كانت صحبتك معقدة نفسياً تروح تشوفلها دكتور يعالجها .. أنا مقولتش حاجه غلط .. هى اللى منفسنه

خرجت “مى” للبحث عن “مريم” لكنها صدمت عندما رأتها واقفة مع “طارق” خارج المكتب .. وقفت بجوار الباب الخارجى للمكتب تتخفى وتستمع الى حديثهم .. سمعت طارق يقول :

– أيوة عارف انك قولتيلى انهم هيخلصوا بعد 10 ايام مش اسبوع بس قولت يمكن تكونى خلصتيهم بدرى

قالت “مريم” بجديه :

– لأ يا فندم مخلصتهمش ولو كنت خلصتهم كنت بعت لحضرتك ايميل .. عن اذنك

أوقفها “طارق” ونظر اليها قائلاً :

– انتى اضايقتى منى ولا ايه

قالت بنفاذ صبر :

– لا يا فندم وهضايق من ايه

قال “طارق”:

– يعني عشان ………

قطع “طارق” كلامه وهو ينتبه لأول مرة الى الدبلة التى تزين أصابع يدها اليمني .. بُهت للحظات ثم سألها بصوت خافت :

– انتى مخطوبة

تتبعت “مريم” نظراته الى أصابع يدها ثم قالت بحزم :

– لا مش مخطوبة .. مكتوب كتابى

ظهر الضيق على وجه “طارق” .. فقالت “مريم” :

– بعد اذن حضرتك

ثم التفتت ودخلت المكتب دون أن تنتبه الى “مى” التى ظهرت علامات الحزن على وجهها

***********************************

– المسخرة دى متحصلش فى شركتى يا “حامد” انت فاهم

تفوه “مراد” بهذه العبارة فى غضب وهو يجتمع بـ “حامد” فى مكتبه بالشركه .. هتف “حامد” :

– مسخرة ايه وبتاع ايه .. انت اللى قفل يا “مراد”

قال “مراد” بغضب هادر :

– لما أشوفك انت وواحدة من الموظفين فى مكتبها وعمالين بتبوسوا فى بعض دى متبقاش مسخرة .. امال المسخرة تبقى ايه بالظبط

هتفت “حامد” بحده :

– انا حر أعمل اللى أنا عايزه أنا مش عيل صغير

قال “مراد” بصرامه وعيناه تشعان غضباً :

– تعمل اللى انت عايزه بره الشركة بتاعتى لكن طول ما انت فى الشركة تحترم نفسك يا “حامد”

قال “حامد” بغضب :

– انا محترم غصب عنك يا “مراد”

قال “مراد” بسخريه :

– ماهو واضح أوى .. ولعلمك البنت دى أنا هرفدها فوراً البنت اللى متكنش أمينة على نفسها عمرها ما هتكون أمينه على الشغل

دخل “طارق” المكتب وصاح قائلاً :

– فى ايه يا جماعة صوتكوا جايب لحد الأسانسير

قال له “حامد” بغضب :

– فى انه بيتدخل فى خصوصياتى وبيتكلم معايا أكنى عيل صغير

قال “مراد” فى غضب مماثل :

– خصوصياتك دى تبقى فى شركتك او بيتك او ان شاله فى الشارع لكن مش فى شركتى .. مش هاجى أسمح على آخر الزمن ان قذاره زى دى تحصل فى شركتى

صاح “حامد” بسخريه وتهكم :

– قذاره .. ده قصر ديل يا “مراد”

أسرع “طارق” قائلاً بحده :

– “حامد”

أكمل “حامد” وهو ينظر الى “مراد” ودون ان يلتفت لـ “طارق” وقال بقسوة:

– ماهو عشان مفيش واحدة راضيه تعبرك غيرت لما شوفتنى معاها .. وعمال دلوقتى تفش غلك فيا

ساد الصمت للحظات .. صاح “طارق” فى “حامد” :

– انت بجد زودتها أوى

بدا وجه “مراد” جامداً .. لا يحمل أى تعبيرات .. وبدت نظراته جامدة بارده .. وقال بهدوء :

– بكرة الصبح المحامى بتاعى هيكون عندك فى شركتك عشان فض الشراكة اللى بينا

صاح “حامد” بغضب :

– والله لأخليك تندم يا “مراد” .. مبقاش “حامد” ان مخلتكش تندم يا “مراد”

قال ذلك ثم خرج بعصبيه وأغلق الباب خلفه بعنف .. جلس “مراد” على مكتبه ووجه مازال جامداً .. جلس “طارق” قائلاًً :

– قولتلك قبل كدة انى مبرتحلوش .. سبحان الله من أول ما شوفته وأنا قلبي مقبوض منه .. أحسن اننا هنفض الشراكه معاه .. واحد مقرف زى ده مش عايزين نتعامل معاه أصلاً

صمت “مراد” ولم يرد .. ثم قام وحمل موبايله ومفاتيحه وغادر المكتب .. تنهد “طارق” بضيق وقد شعر بالغضب لكلمات “حامد” الجارحه التى وجهها لـ “مراد”.

*********************************

دخل “عثمان” مكتب والده فجأة وهو يصيح قائلاً:

– بوى بوى .. لجينا ولد “خيري” أخوى يابوى

هب “عبد الرحمن” واقفاً وقال بلهفه :

– بجد يا ولدى .. كام ولد عنديه .. وهما فين عرفت طريجهم كلياتهم

قال “عثمان” بحماس :

– ايوة عرفت كل حاجه يا بوى .. ولد “اسماعيل المنصورى” عرفنا انه عم يشتغل فى المباحث ومركزه بجه كبير جوى جوى .. كلمته ووصيته يجيبلى أرار الموضوع بس مرضيتش أجيبلك سيره الا لما أوصل لنتيجة

قال “عبد الرحمن” بلهفه :

– جولى بسرعة عرفت ايه عن ولد أخوك يا ولدى

قال “عثمان” :

– عرفت ان هو ومرته وبنته الصغيره عيملوا حادثه .. كانوا راكبين تاكسي وخبطوا فى شاحنة كبيره .. الشاحنة انجلبت وانفجرت ومات اللى اللى في العربيتين

قال “عبد الرحمن” بتأثر :

– لا حول ولا جوة الا بالله

أكمل “عثمان” :

– ادفنوا كلياتهم فى القاهرة .. والراجل اللى كان معاه فى الشغل واللى رد علينا وجالنا انه مات هاد مكنش يعرف اى شئ عن عيلته .. بس ولد “اسماعيل المنصورى” عرف يوصل لكل شئ

قال “عبد الرحمن” :

– كمل يا ولدى باجيله كم ولد

قال “عثمان” :

– مش ولد يا بوى .. بنت .. بنت واحده وعايشه لحالها

صمت “عبد الرحمن” قليلاً .. فقال “عثمان” بحزم :

– مينفعش تعيش وحديها فى القاهرة يا بوى .. لازمن تيجى تعيش بيناتنا

أومأ “عبد الرحمن” برأسه قائلاً:

– عندك حج يا ولدى لازمن نلم نلحمنا مينفعش نسيبها تعيش لحالها

ثم التفت اليه قائلاً بحماس :

– من بكرة الصبح جهز العربية والسواج عشان هنطلع آنى وانت على القاهرة .. أنا مالى صبر حتى شوف حفيدتي بنت “خيري” ولدى الله يرحمه ويحسن اليه

*********************************

قال “خالد” وهى يتطلع الى عيني “سهى” :

– النهاردة عيد ميلادى والنجوم فى السما والقمر بين ايديا

كانا يرقصان معاً فى شرفة منزله الذى تقام فيه حفلة عيد ميلاده .. كانت “سهى” تشعر بالحرج لكنها أيضاً كانت تشعر بسعادة بالغه لكلمات الإطراء الذى يلقيها هذا الرجل الغني الوسيم على مسامعها .. ابتسمت قائله :

– ميرسي يا بشمهندس

ابتسم قائلاً :

– لأ بشمهندس ايه بأه خليها “خالد” على طول .. أنا شايف ان خلاص الرسميات معدتش تنفع بينا

ثم قال بخبث وهى يتطلع الى عينيها :

– ولا انتى شايفه ايه

ابتسمت قائله بدلع :

– ماشى يا “خالد”

قال بهيام :

– الله مكنتش أعرف ان اسمى حلو كده الا لما نطقتيه

– من الواضح انك بتعرف تتكلم كويس يعني شكلك مش سهل خالص

نظر اليها بجرأة قائلاً :

– هو فى حد يشوف القمر ويسكت .. قمر ايه هو أصلا القمر ييجى حاجه جمبك .. ده انتى جامده طحن

ضحكت بدلال وقالت :

– ميرسي يا “خالد”

توقفت نغمات الموسيقي ..فقال لها :

– خليكى هنا يا قمر هروح أجيب حاجه نشربها وآجى

أومأت برأسها مبتسمة .. دخل وتركها وهى تنظر الى السماء وتشعر أن أبواب الحظ انفتحت لها أخيراً .. عاد “خالد” وهو يحمل كأسين من الخمر وأعطاها واحداً .. نظرت بريبه الى كأسها وقالت :

– ده عصير ؟

افنجر “خالد” ضاحكاً وقال :

– عصير .. آه عصير .. عصير قصب .. بوزع فى حفلة عيد ميلادى على الضيوف عصير قصب

ابتسمت بتوتر وقالت :

– لو خمره فأنا مبشربهاش

أخذ “خالد” رشفة من كأسه وقال :

– ليه مبتشربيهاش

هزت كتفيها وقالت بإرتباك :

– مش عارفه .. عشان حرام

مط “خالد” شفتيه وقال :

– سيبك من الشيوخ اللى مفيش وراهم حاجة الا انهم يحرموا كل حاجة مش على مزاجهم .. ناقص يقولوا الهوا اللى بنتنفسه هو كمان حرام

قالت “سهى” بإرتباك :

– بس أنا بيتهيألى ان فى آيه بتقول ان الخمره حرام .. انا مش عارفه الآيه .. بس بيتهيألى كده

قال “خالد” وهو ينظر اليها :

– الحرام هو انك تشربي كمية كبيرة .. لكن لو كمية صغيرة مفيهاش مشكلة مش هتضرك .. تعرفى أصلاً ان الخمرة مفيدة جداً وليها فوايد كتيرة وان فى آيه فى القرآن بتقول كده

قالت “سهى” بدهشة :

– بجد

أومأ “خالد” برأسه وقال :

– أيوة بجد .. الآية فى سورة البقرة وبتقول : ” يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما منافع للناس ”

لم يكن ما قاله “خالد” سوء تأويل للآيه فقط بل تحريف للآية الكريمه التى تقول {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَآ أَكْبَرُ مِن نَّفْعِهِمَا} .. بدا على “سهى” شئ من الاقتناع بكلامه .. فحثها قائلاً :

– اشربي هتعجبك أوى

قربت “سهى” الكأس من شفتيها وأخذت رشفة صغيرة وهى تسمع صوتاً بداخلها يخبرها بأنها ترتكب اثماً ثم ما لبثت أن أسكتت هذا الصوت وتجاهلته واندمجت مع “خالد” فى الضحك والمزاح

دخلت “سهى” الى بيتها وهى تسير على أطراف أصابعها حتى لا يستيقظ أهلها .. دخلت غرفتها وهى تشعر بنشوة وسعادة بالغة .. لقد قضت سهرة رائعه مع فتى أحلامها والذى يبدو أنه أعجب بها هو الآخر

************************************

فى اليوم التالى سافر كل من “عبد الرحمن” و “عثمان” الى القاهرة للبحث عن ابنتهم “مريم” .. ذهبا الى العنوان الذى حصلا عليه .. لم يجدا أحداً فى المنزل .. انتظراها قرابة الخمس ساعات أمام الباب لا يتحركان من مكانهما .. أكد لهما الجيران أنها تبيت فى بيتها كل يوم .. ولا تبيت برة البيت أبداً .. وأنها تعود قبل المغرب من عملها .. انتظراها حتى رآى فتاة تصعد درجات السلم وتقف أمامهما فى دهشة وهى تراهما يجلسان على السلم أمام باب شقتها .. وقف “عبد الرحمن” بمجرد أن رآها .. أخذ يمعن النظر فيها وقد اغرورقت عينا بالدموع .. قالت “مريم” بدهشة :

– أفندم .. فى حاجة حضرك .. دى شقتى

اقترب منها “عبد الرحمن” فرجعت للخلف فى خوف وقالت :

– فى ايه حضرتك

قال “عبد الرحمن” بتأثر شديد :

– انتى بنت “خيري” .. بنت “خيري ولدى

نظرت اليه “مريم” بدهشة وقد عقد لسانها .. فقال بصوت مرتجف :

– ايوة انتى بنته .. أنا واثج انك بنته .. عرفتك بجلبي يا بنت ابنى .. آني جدك “عبد الرحمن” يا بنتى .. آنى جدك

ازدادت دهشت “مريم” واضطرابها وهى تنقل نظرها بين الرجلين .. فأشار “عبد الرحمن” الى “عثمان” قائلاً :

– هاد عمك “عثمان” يا بنتى .. عمك أخو بوكى الله يرحمه ويحسن اليه

كانت “مريم” تشعر وكأن لسانها عقد من الصدمة .. اقترب منها “عبد الرحمن” فتوترت .. فقال “عثمان” :

– وريها بطاجتك والصور يابوى يمكن تطمن شوى

أخرج “عبد الرحمن” من جيبه بطاقته وأعطاها لـ “مريم” أخذت تتفحص الاسم وقلبها يخفق بشدة .. مد يده وأعطاها عدة صور قائلاً :

– دى صور بوكى يا بنتى .. صورى آنى وهو وعمك “عثمان” وعمتك “صباح” وعمك” ياسين” الله يرحمه ويحسن اليه

تطلعت “مريم” الى الصور وقد أغرورقت عيناها بالعبرات وهى تتطلع الى صورة والدها وعائلته .. كانت تنظر صور والدها بشوق ولهفة .. تساقطت عبراتها الصامته .. لم يتحمل “عبد الرحمن” أكثر فضمها بشدة الى صدره وهو يردد :

– بنت ولدى .. ما عاد سيبك واصل .. احنا اهلك يا بنتى .. احنا منك وانتى منينا .. وحشتينى كتير .. دورت عليكي كتير .. على ولاد الغالى .. والحمدلله لجيتك .. الحمد لله .. الحمد لله

رغم العبرات التى كانت تتساقط من عينيها وشهقات بكائها الصغيرة التى خرجت منها رغماً عنها .. إلا أنها وجدت ابتسامة صغيرة وقد رسمت على شفتيها وأخذت تتمسك بيديها بملابس هذا الرجل الذى يعانقها .. تشبثت به وكأنها تخشى أن يتركها .. كالغريق الذى يتعلق بطوق نجاته .. لكم افتقدت هذا الحضن الحانى .. حضن عائلتها التى فقدتها منذ سنوات .. وذاقت بعدهم مرارة الوحدة واليتم والحرمان .. وها هو الله الآن قد رزقها بعائلة والدها .. لتعوضها عن فقدان عائلتهــا .. ولتخرجها من وحدتها القاتلــة المميتـــة .

……….يتبع

عرض التعليقات (11)