قطة في عرين الأسدبقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الخامسة

9 4٬571
 

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الخامسة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الخامسة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الخامسة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة الخامسة, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل الرابع عشر من رواية قطة فى عرين الأسد

قال “مراد” بلهجة آمرة دون أن ينظر اليها :

– اركبي

ظلت واقفه أمامه وهى فى حيرة من أمرها .. فأعاد ما قال بصوت أكثر قسوة :

– قولتلك اركبي

تنهدت “مريم” بعمق .. ثم لفت حول السيارة وأعادت الجلوس فى معقدها .. أدار “مراد” سيارته وعاد فى اتجاه القاهرة مرة أخرى .. صمت كلاهما .. كانت “مريم” تتنفس بسرعة وقلبها يخفق بإضطراب .. قال “مراد” بصرامة دون أن ينظر اليها :

– اياكى تكرريها تانى

لم تجيبه .. ولم ينتظر رداً .. وأكملا طريقهما فى صمت .. صمت لم يقطعه كلمة من أى منهما .. ولا حتى نظرة .

بعد عدة ساعات عبرت سيارة “مراد” بوابة الفيلا .. نظرت “مريم” حولها وهى تتطلع الى الفيلا والحديقة فى ظلام الليل .. أخرجت هاتفها واتصلت بجدها قائله :

– أيوة يا جدو .. وصلت الحمد لله

– طيب يا بنيتي طمنتيني .. خلى بالك من نفسك .. ولو احتجتى حاجه كلمينى طوالى

نزل “مراد” من السيارة وأخرج حقيبة “مريم” وحقيبته .. مدت “مريم” يدها لتأخذ منه حقيبتها لكنه لم يلتفت اليها وصعد الدرجات الى باب الفيلا .. لم يحتاج الى اخراج مفتاحه .. فلقد فتحت أمه الباب بمجرد أن سمعت صوت السيارة .. صعدت “مريم” الدرجات خلفه ببطء وهى تشعر بتوتر بالغ .. كعابر سبيل ضل طريقه .. عانقته أمه قائله :

– حمدالله على السلامة يا “مراد” اتأخرتوا أوى كده ليه ؟

قال “مراد” بصوت متعب :

– لا اتأخرنا ولا حاجه يا ماما المسافة كبيرة أصلاً

نظرت “ناهد” خلفه تتطلع الى “مريم” الواقفه أمام الباب .. ابتسمت اليها قائله :

– أهلاً بيكِ .. ألف مبروك

اومأت “مريم” برأسها وقالت بتوتر بالغ :

– أهلا بحضرتك

أشارت”ناهد” بيدها قائله :

– اتفضلى ادخلى

دخلت “مريم” وهى تشعر بالإضطراب وقفت بجوارهما وهى لا تدرى ماذا تفعل وماذا تقول .. تفحصتها “ناهد” ثم رسمت ابتسامه على شفتيها قائله :

– زمانكوا تعبانين من السفر يلا اطلعوا ارتاحوا

أشار لها “مراد بإتجاه السلم الداخلى قائلاً:

– اتفضلى

صعدت “مريم” معه وهى واثقه كل الثقه أنه لم يبقى الا لحظات وتقفد وعيها من فرط التوتر .. كانت فى موقف لا تُحسد عليه .. متزوجة من رجل لا تريده ولا يريدها .. لا تطيقه ولا يطيقها .. ومرغمة على البقاء معه فى غرفته .. وليس هذا فحسب بل مطلوب منها أيضاً تمثيل دور العروس الجديدة أما أمه وأخواته .. فتح “مراد” باب الغرف وسبقها فى الدخول .. وقفت أمام الباب فالتفت اليها قائلاً بنفاذ صبر :

– ادخلى واقفلى الباب .. ماما زمانها طالعه أوضتها دلوقتى

دخلت “مريم” وأغلقت الباب .. تفحصت الغرفة بنظرة سريعة .. كانت تتسم بالطابع الذكوري .. لا يوجد بها أى لمسه أنثويه .. شعرت بحرج بالغ واشتعلت وجنتيها خجلاً ظلت واقفة أمام الباب المغلق تمسك حقيبة يدها بتوتر .. وضع “مراد” الحقائب بجوار الدولاب ثم التفت اليها متفحصاً اياها ثم قال بسخريه :

– اللى يشوف كده يقول أول مرة تدخل أوضة راجل

شعرت “مريم” بالخجل والحنق الشديد .. لكنه لم يكتفى ولن يكتفى .. اقترب منها ناظراً اليها بتهكم قائلاً بوقاحه :

– آه صحيح نسيت انك بتفضلى البيوت اللى لسه بتتبنى جديد

رفعت “مريم” رأسها ونظرت اليه بشراسة كقطة برية تهم بالإنقضاض على فريستها لتلتهمها وقالت بغضب :

– كفاية بأه .. كفاية اهانة .. مش هسمحلك تهنى أكتر من كده

قال “مراد” بعنف :

– انتى اللى أهنتى نفسك .. واحدة زيك لا عندها دين ولا أخلاق المفروض تتكسف من نفسها مش ترد ببجاحه

قالت بحده وهى تنظر اليه بغضب :

– أنا معملتش حاجه غلط عشان أتكسف منها اللى المفروض يتكسف من نفسه هو ابن عمك الغير محترم .. وأهو ربنا خدلى حقى منه ومرمى دلوقتى فى المستشفى لان دعوة المظلوم مستجابة وابن عمك افترى عليا وظلمنى

نظر اليها “مراد” بشك وهو يستمع الى كلماتها فأكملت بحزم وصرامة :

– لو جبت سيرتى على لسانك تانى بأى كلمة تمس شرفى اتأكد ساعتها انى هدعى عليك زى ما بدعى عليه بالظبط

صمت “مراد” وهو ينظر اليها متفحصاً ثم قال ببرود :

– الحاجه الوحيدة اللى عايزها منك انك تفضلى بعيده عنى

قالت بعنف :

– ومين قالك انى عايزة أقرب منك أصلاً .. أنا مجبرة على الجوازة دى زى ما انت مجبر عليها بالظبط

نظر اليها قليلاُ ثم توجه الى فراشه وأخذ وسادة وغطاء وألقاهم على الأريكة الموجود فى الغرفة ونظر اليها قائلاً ببرود :

– هتنامى هنا

شعرت “مريم” بالمهانه .. آخر ما كانت تريده هو النوم بجواره لكن إشارته لذلك بتلك الطريقة جعلها تشعر بالمهانه .. أكمل قائلاً :

– وزى ما فهمتك لا عايز أمى ولا اخواتى يعرفوا حاجه عن الوضع بينا لحد ما عمتو تيجى ونشوف حل للمصيبة دى

صمتت فقال وهو يغادر الغرفة :

– فى حمام فى الأوضة ادخلى غيري هدومك لان أكيد ماما هتطلعلك دلوقتى

قال ذلك ثم خرج و أغلق الباب خلفه دون أن ينتظر ردها .. تنهدت “مريم” بأسى وتوجهت الى الأريكة وجلست عليها وهى شاردة وعلامات الحزن على وجهها .. نظرت الى ساعتها فعلت أنه لم يبقى الا نصف ساعة على آذان الفجر فأسندت ظهرها وجلست تنتظر ميعاد الصلاة

نزل “مراد” للأسفل فوجد والدته تهم بالصعود وهى تقول له :

– سايب عروستك ونازل ليه

قال بنفاذ صبر :

– رايح أجيب حاجه من العربية .. انتى منمتيش ليه

قالت أمه بعتاب :

– يعني أسيب البنت تنام من غير عشا فى أول ليلة ليها هنا .. تقول علينا ايه

أومأ “مراد” برأسه فقالت “ناهد” وهى تصعد :

– أنا قولت لدادة “أمينة” تحضرلكم العشا وتطلعه أوضتك وهروح دلوقتى أطمن عليها قبل ما أنام ..خرج “مراد” وتوجه الى سيارته وجلس أمام المقود وهو يزفر بضيق .. رفع نظره الى شرفة غرفته التى أصبحت محتلة.

طرقت “ناهد” باب غرفة “مريم” .. فنهضت “مريم” بتوتر وفتحت الباب .. ابتسمت “ناهد” قائله :

– خفت تكونى نمتى

ابتسمت “مريم” بصعوبة وقالت :

– لا لسه

نظرت الي ملابسها وقالت :

– ولا حتى غيرتى هدومك

صمتت “مريم” فقالت “ناهد” :

– أنا معرفتش اسمك

– “مريم”

– وأنا “ناهد” مامة “مراد” طبعاً .. و “سارة” و “نرمين” كان نفسهم يشوفوكى بس للأسف اتاخرتوا أوى وهما ناموا .. الصبح ان شاء الله تتعرفوا على بعض

أومأت “مريم” برأسها فقالت “ناهد” قبل أن تغادر :

– دادة أمينة هتحضر العشا وتطلعلك بيه .. تصبحى على خير يا “مريم” أشوفك الصبح

تمتم “مريم” بضعف :

– وحضرتك من أهل الخير

أغلقت الباب وعادت الى مكانها على الأريكة .. أذن الفجر فنهضت وتوجهت الى الحمام وتوضأت .. احتارت كيف يكون اتجاه القبلة .. لامت نفسها لأنها لم تسأل “ناهد” .. شعرت بالضيق والحنق .. لحظات وسمعت طرقات على الباب .. ظنت أنه “مراد” فارتدت حجابها لتخفى شعرها .. فتحت لتجد امرأة بسيطة يبدو عليها الطيبة ابتسمت ببشاشه وهى تدخل الغرفة قائلاً :

– أهلا وسهلاً بالغالية مراة الغالى .. نورتى بيتك

نظرت اليها “مريم” وهى تضع الطعام على احدى الطاولات الصغيرة .. فالتفتت لها المرأة وقالت ببشاشه :

– أنا دادة “أمينة” .. أنا اللى مربية سي “مراد” من وهو صغير .. بس واعى تفتكريني عجوزة لا أنا لسه شباب برده

ابتسمت “مريم” لتلك السيدة الطيبة .. فقالت “أمينة” :

– أسيبك بأه ترتاحى وتتعشى

همت بالخروج فأوقفتها “مريم” قائله :

– بعد اذنك ممكن تعرفيني اتجاة القبلة

أرتها “أمينة” الإتجاة الصحيح وتركتها لتصلى الفجر .. وجدت “مريم” نفسها تبكى كثيراً فى السجود وهى تتضرع اللى الله عز وجل أن يحفظها ويقدر لها الخير ويصرف عنها السوء وينتقم ممن ظلمها وافترى عليها .. أنهى “مراد” صلاته فى المسجد القريب وأعاد أدراجه الى الفيلا وهو واجماً .. رفع نظره الى شرفة غرفته ليجد الضوء ما زال مضاءاً .. زفر بضيق وحنق .. طرق الباب عدة طرقات همت بأن تقوم لفتحه لكنه فتحه ببطء .. دخل وألقى نظرة على الطعام الذى لم تمسسه .. ثم توجه الى شرفة غرفته .. كانت “مريم” تشعر بالإرهاق وبالتعب الشديد .. ولكنها خجلت من أن تنام أمام أعين هذا الرجل الغريب .. أسندت رأسها على ذراع الأريكة وظلت تقاوم النعاس الى أن غلبها .. وقف “مراد” فى الشرفة وهو يشعر بالغضب والضيق .. كان الزواج هو آخر ما يريده .. خاصة ان كان زواج بهذه الطريقة .. زواج لانقاذ الموقف .. زواج من فتاة بعيدة كل البعد عن طباعه وأخلاقه .. أكثر ما يشعره بالضيق هو اضطراره الى مشاركتها غرفته .. عالمه الخاص .. الذى يشعر فيه بالراحة والسكينة بعيداً عن اعين الناس .. هذا المكان الوحيد الذى يظهر فيه عجزه واعاقته لأنه بمفرده لا يتطلع عليه أحد .. لا يرمقه فيه أحد بنظرات الشفقة او السخرية .. هو أمام الناس شخص كامل لا فرق بينه وبين أى رجل غيره .. يسير ويتحرك بطريقة طبيعية .. لكنه بينه وبين نفسه يشعر بنقصه .. وبإعاقته .. وبذلك الفراغ فى قدمه اليمنى .. ولا يدع أحداً أبداً مهما كان أن يراه بدون ساقه الصناعية .. وبالتأكيد فآخر ما يريده هو أن يظهر اعاقته أمام تلك الفتاة الغريبة التى تشاركه غرفته رغماً عنه .. قضى ليلته على أحد المقاعد فى الشرفة .. الى أن لاح نور الصباح.

*********************************************

– شكلها ايه يا ماما ؟

نطقت “سارة” هذه العبارة وهى جالسه مع أمها وأختها فى احدى شرف المنزل .. قالت “ناهد” وهى تحتسي من فنجان الشاى فى يدها :

– بنت عادية .. هادية.. ملحقناش نتكلم كتير عشان أكون انطباع عنها

سألت “نرمين” قائله :

– “مراد” ماقالكيش هسيب البيت ولا لأ

قالت “ناهد” :

– لأ طبعاً ملحقناش نتكلم فى حاجه

ثم زفرت بضيق :

– كنت حسه بإحساس بشع وانا بسألها عن اسمها .. عروسة ابنى ومعرفش حتى اسمها

قالت “نرمين” بحده :

– سي “مراد” هو السبب .. حد يعمل عملته دى .. ولا كأن له أهل

نظرت اليها “ناهد” محذره اياها :

– “نرمين” مش عايزين مشاكل من أولها .. أنا ما صدقت ان “مراد” اتجوز .. مش عايزه أى حاجة تعكرله مزاجه فاهمة

قالت “نرمين” بتبرم :

– طيب أنا مالى هو أنا اللى اتجوزت ولا هو .. هو حر

استيقظ “مراد” على ضوء الشمس الذى يلفح وجهه .. اعتدل فى الجلوس وهو يشعر بألام بالغة فى ظهره .. نهض ودخل الغرفة فوقع نظره على “مريم” النائمة بكامل ثيابها على ذراع الأريكة .. فتح الدولاب وأخرج ملابسه وتوجه الى الحمام .. استيقظت “مريم” على صوت الدش .. قامت فزعة تنظر حولها بإستغراب وهى تتساءل أين هى .. ثم تذكرت فتنهدت بأسى .. توجهت الى حقيبتها التى وضعها “مراد” بالأمس بجوار الدولاب وأخرجت ملابسها وانتظرت خروجه .. خرج “مراد” وهو يرتدى حلة أنيقة .. تلاقت نظراتهما فى صمت ثم توجه الى باب الغرفة مغادراً اياها .

استقبلته “سارة” بالأسفل قائله بإبتسامه :

– حمدالله على السلامة يا أبيه والف مبروك

قالت “نرمين” :

– مبروك يا أبيه

رد “مراد” بإقتضاب :

– الله يبارك فيكم

قالت “ناهد” مبتسمه :

– أمال فين عروستك

قال وهو عابس :

– نازله كمان شوية

ابتسمت “ناهد” قائله :

– توقعت انك تتأخر فى النوم رجعتوا امبارح متأخر بعد سفر طويل

قال “مراد” وهو ينظر الى ساعته ويهم بالإنصراف :

– لا مضطر أخرج عشان عندى شغل

هتفت “ناهد” بدهشة :

– شغل ايه يا “مراد” .. ده انت مبقالكش يومين متجوز

قال “مراد” بضيق :

– وأقول للعملا ايه يعني معلش استنونى أصلى عريس جديد

قالت “ناهد” بضيق :

– يعني هتسيب عروستك وتنزل الشغل

قال وهو ينصرف :

– هى عارفه طبيعة شغلى متشغليش بالك .. مع السلامة

زفرت “ناهد” بضيق واستغرقت فى التفكير .. قالت “نرمين” بسخرية :

– وأنا اللى كنت فاكرة الجواز هيغيره .. لا الحمد لله كده اطمنت عليه

قالت “سارة” بإستغراب :

– ده غريب أوى .. ده حتى مش باين عليه انه مبسوط

قالت “ناهد” بشرود :

– يا خوفى يكون اتجوزها بس عشان يخلص من زنى عليه فى موضوع الجواز .. لو عمل كده يبقى بيظلم نفسه وبيظلمها معاه

نهضت وقالت وهى تغادر :

– أما أطلع أشوفها

خرجت “مريم” من الحمام لتسمع طرقات “ناهد” على الباب وهى تقول :

– “مريم” انتى صاحية ؟

قامت بسرعة بوضع الغطاء والوسادة فوق السرير وفتحت الباب .. ابتسمت لها “ناهد” قائله :

– صباح الخير

ابتسمت “مريم” :

– صباح النور

نظرت “ناهد” الى الطعام الذى لم يمسسه أحد وقالت بعتاب :

– ايه ده مكلتيش ليه يا “مريم”

– معلش مكنتش جعانه

– طيب يا حبيبتى انزلى يلا عشان نفطر سوا

أومأت “مريم” برأسها .. خرجت خلفها وتوجهت للأسفل .. قامت الفتاتان لاستقبالها .. ابتسمت لها “سارة” مرحبه :

– أهلا بيكي يا “مريم” ألف مبروك

قالت “نرمين” وهى تتفحصها :

– مبروك يا “مريم”

ابتسمت “مريم” وأومأت برأسها .. التف الجميع حول طاولة الطعام .. نظرت “مريم” الى الفتاتان فى محاولة ايجاد تشابه بينهما وبين “ماجد” .. قالت “ناهد” :

– مبتكليش ليه يا “مريم”

التفتت اليها “مريم” قائله :

– باكل يا طنط

قالت “ناهد” وهى تمعن النظر اليها :

– معلش هو “مراد” كدة بيحب شغله جداً وعلى طول مشغول .. فمتضايقيش انه سابك وراح الشغل

ابتسمت “مريم” فى نفسها بسخريه والتفتت الى المرأة قائله :

– لا أبداً أنا مقدره ان عنده شغل

ابتسمت “سارة” وقالت :

– شكلك عاقلة أوى أنا لو منك كنت زعلت

قالت “نرمين” وهى تتفحص “مريم” بنظراتها :

– أنا بأه لو منك كنت قومت الدنيا ما أعدتهاش

التفتت “ناهد” الى الفتاتان قائله :

– فى ايه يا بنات .. عندكوا كلمة حلوة قولوها .. مفيش يبقى اسكتوا

التفتت “ناهد” الى “مريم” قائله :

– برافو يا “مريم” الراجل يحب الست العاقلة اللى بتقدر ظروفه .. ربنا يبارك فيكي يا بنتى

ثم نظرت “ناهد” شزراً الى الفتاتان فأكملا طعامهما فى صمت

**********************************

توجه “مراد” الى شركته وانغمس فى عمله ليصرف تفكيره عن تلك الفتاة القابعة فى عقر داره والتى تحمل اسمه رغماً عنه .. فى منتصف اليوم سمع طرقات على الباب ثم انفتح الباب ليدخل “طارق” هاتفاً :

– ايه ده يا “مراد” يعني أعرف من بره انك جيت .. مهنش عليك تديني تليفون حتى

قام “مراد” وسلم عليه قائلاً :

– معلش يا “طارق” رجعت امبارح الفجر وأول ما جيت الشركة اتلخمت فى الشغل

جلس “طارق” قبالته وقال :

– ايه التأخير ده كله من قولت يومين وهترجع

زفر “مراد” بضيق وألقى القلم من يده بعصبيه .. نظر اليه “طارق” متفحصاً وقال :

– مالك فى ايه يا “مراد”

تنهد “مراد” بضيق وقال :

– وقعت فى مصيبة يا “طارق”

قال “طارق” بهلع :

– مصيبة ايه يا “مراد”

نظر اليه “مراد” قائلاً بحده :

– اتجوزت

نظر اليه “طارق” بدهشة مردداً :

– اتجوزت !

قال “مراد” بعصبية :

– أيوة .. اتجوزت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا

قال له “طارق” بإستغراب :

– احكيلي يا “مراد” مش فاهم حاجه

تنهد “مراد” وقال بحده :

– اختصار الكلام كان فى مشاكل بين عيلتى وعيلتها وتار ودم وقتل والحل الوحيد كان جوازى منها

قال “طارق” بدهشة :

– وبعدين؟

قال “مراد” بحنق :

– وبعدين ايه هو أنا بحكى حدوته .. جبتها معايا هنا لحد ما عمتى ترجع من الصعيد وتشوفلى حل فى المشكلة دى هى قالتلى الوضع ده مش هيستمر كتير .. وهى لو متصرفتش أنا اللى هتصرف .. أنا معنديش استعداد أبداً استمر فى جوازه بالطريقة دى

قاطعهم طرقات السكرتيرة على الباب ودلفت تقول :

– أستاذ “سامر” بره وعايز يقابل حضرتك يا فندم

– خليه يتفضل

دخل “سامر “وسلم على الرجلين ثم جلس قبالتهما قائلاً :

– ايه يا جماعة الشغل متعطل ليه كل ده

قال “مراد” معتذراً :

– معلش يا “سامر” كنت مسافر

قال “سامر” بضيق :

– المشكلة ان التأخير ده عملنا مشاكل جامده

قال “مراد” بإهتمام :

– ايه اللى حصل ؟

قال “سامر” بغضب :

– الزفت اللى اسمه “حامد” .. سرق كل الشغل اللى كنا عاملينه .. اللوجو والبروشورز وكل حاجه وغير بس اسم الشركة وسماها بإسم شركته ودخل شريك مع اتنين رجال أعمال وبينفذ نفس مشروعنا

صاح “طارق” بغضب :

– ابن التيييييييييت

زفر “مراد” قائلاً :

– أهو ده اللى كان ناقص

قال “سامر” :

– طبعاً هنتعطل تانى لحد ما الشغل ده كله يتعمل من أول وجديد يعني مش أقل من اسبوعين

التفت “مراد” الى “طارق” قائله :

– حالا يا “طارق” تكلم شركة الدعاية يبدأوا الشغل من جديد وهعد أنا وانت نشوف التفاصيل الجديدة وتبلغهالهم

قال “طارق” بيأس :

– الديزاينر بتاعة حملتنا مختفية

قال “مراد” بحده :

– يعني ايه مختفية ؟

– يعني محدش عارف يوصلها ولا حتى صاحبتها .. تليفونها مقفول ومبتدخلش ايميل الشركة

قال “سامر” بسرعة :

– خلاص نشوف حد غيرها

قال “مراد” و “طارق” فى نفس واحد :

– لأ

مع اختلاف أسباب كل منهما .. نظر اليهما “سامر” قائلاً :

– ليه لأ

قال “مراد” شارحاً :

– الشغل اللى سرقه “حامد” مننا كان ممتاز وأنا عايز شغل فى نفس المستوى وأعلى كمان .. ومفيش ديزاينر غيرها بيطلعلى شغل مظبوط كده زى ما أنا عايز بالظبط .. ده غير انها بتنجز الشغل فى وقت قياسي واحنا أى تأخير مش فى صالحنا أبداً

قال “طارق” مؤكدا كلام “مراد” :

– معاك يا “مراد” فى كلامك وأنا هوصلها متقلقش

خرج “طارق” و تركهما .. كان “مراد” يغلى من الغضب لفعلة “حامد” الخاليه من الأخلاق .. والتى ستتسبب فى تعطيل أعمالهم .

*******************************************

كانت “مريم” تتمشى فى حديقة الفيلا بمفردها .. كانت الطبيعة حولها ساحرة خلابة جلست على أحد المقاعد تتأمل الخضرة حولها .. ظلت ساكنه فى مكانها لفترة طويلة .. سرقها الوقت فهى معتاه على البقاء بمفردها دائماً .. سمعت صوتاُ خلفها يقول :

– أعدة لوحدك ليه .. دورت عليكي كتير

التفتت “مريم” الى “سارة” قائله بحرج :

– معلش محستش بنفسي

جلست “سارة” بجوارها وقالت مبتسمه :

– ولا يهمك .. أنا كمان بحب أعد فى الجنينة هنا وبنفسي نفسي فيها .. بحب الهدوء زيك

نظرت اليها “مريم” قائله بإهتمام :

– انتوا التلاته اخوات من نفس الأم والأب ؟

نظرت اليها “سارة” بإستغراب قائله :

– أيوة

قالت “مريم” بلهفة :

– يعني اسمك “سارة خيري الهواري” .. و”نرمين” كمان ؟

قالت “سارة” وهى مازالت تشعر بالدهشة :

– أيوة

نظرت اليها “مريم” بتأثر شديد .. لم تصدق أنها جالسه مع أخت “ماجد” .. جزء منه .. أقرب الأشخاص فى هذا الكون اليه .. اغرورقت عيناها بالعبرات رغماً عنها .. قالت لها “سارة” بدهشة :

– “مريم” انتى بتعيطى ليه

نظرت اليها “مريم” بشوق وكأنها ترى “ماجد” أمامها وقالت وهى تحاول التحكم فى بكائها :

– مفيش .. حسه بس ان فى ناس وحشونى

ابتسمت “سارة” بحزن قائله :

– تقصدى أهلك

قالت لها “مريم” والعبرات تتساقط من عينيها :

– دول أكتر من أهلى .. دول جزء منى .. وحشونى أوى .. حسه انى محتجالهم أوى جمبي .. حسه انى ضايعة من غيرهم .. بجد وحشونى أوى

كانت تقصد “ماجد” بكلامها .. بثت ما فى نفسها من كلمات محبوسة داخل صدرها .. أجهشت فى البكاء وتعالت شهقاتها .. تركتها “سارة” تفرغ ما بداخلها من شحنات عاطفية .. اقتربت منها وربتت على كتفها وقالت برقة :

– متقلقيش احنا برده خلاص نعتبر أهلك .. وانا و “نرمين” اخواتك .. مش كده ولا ايه

توقفت “مريم” عن البكاء ونظرت الى “سارة” وقالت بحنان :

– انتوا أكتر من اخواتى يا “سارة”

ابتسمت “سارة” قائله :

– خلاص يبقى متعيطيش طالما هتعتبرينا اخواتك

ابتسمت “مريم” وهى تمسح دموعها وتنظر الى “سارة” لا تريد مفارقتها .. كانت تشعر بسعادة بالغة وهى جالسه معها تنظر اليها .. لأنها أخته .. أخت “ماجد” .

******************************************

– “سامر” قولتلك ميت مرة أنا مبروحش بيت حد

قال “سامر” بضيق وهو يوقف سيارته على جانب الطريق :

– ليه يا “سهى” .. ايه المشكلة يعنى .. ايه الفرق بين البيت وأى مكان تانى بنعد فيه مع بعض

قالت “سهى” بحده :

– ازاى يعنى ايه الفرق .. طبعا فى فرق .. ازاى يعني أدخل بيتك كده .. وبأى صفه وكمان هتقول لأهلك ايه

قال “سامر” بنفاذ صبر :

– أنا أصلا مش آعد مع أهلى أنا ليا شقة منفصله فى عمارة بابا

قالت “سهى” بضيق :

– وكمان عايزنى أروح شقتك اللى آعد فيها لوحدك

التفت اليها “سامر” قائلاً :

– “سهى” .. انتى مبتحبنيش يا “سهى”

اغرورقت عيناها بالعبرات وقالت :

– والله العظيم بحبك يا “سامر” بس مش عايزة أعمل حاجه غلط

قال “سامر” برقه مقترباً منها :

– يا حبيبتى هو فين الغط ده .. ايه المشكلة يعني لما نعد نتكلم شوية .. اعتبرى نفسك فى أى مكان تانى مش فى البيت .. وأعدين بنتكلم زى ما بنتكلم فى أى كافى .. الفرق بس اننا هنكون على راحتنا ومحدش يضايقنا ويرخم علينا زى ما حصل آخر مرة

قالت “سهى” بعتاب :

– ما آخر مرة فعلاً زودناها يا “سامر” وكان شكلنا مش لطيف

قال “سامر” ببرود :

– والله أنا محدش له حاجه عندى .. اللى ليه حاجه ياخدها .. أنا وحبيبتى حرين مع بعض محدش يقولى يصح وميصحش

ثم أمسك يدها مقبلاً اياها وقال :

– مش انتى برده حبيبتى

ابتسمت قائله :

– طبعا يا “سامر” وانت كمان حبيبى

اقترب منها مقبلاً اياها .. وجدا فجأة طرقات على زجاج السيارة وأحد الرجال يصيح :

– اتقوا الله دى حتى لو مراتك ميصحش كدة فى الشارع

ثم رحل الرجل وهو يتمتم فى غضب .. فإغتاظ “سامر” وصاح :

– راجل قليل الأدب صحيح وهو ماله هو أعمل اللى يعجبنى

قالت “سهى” بتوتر :

– طيب يلا يا “سامر” نمشى من هنا أحسن

التفت اليها قائلاً بغضب :

– عرفتى بأه قولتلك ليه نروح البيت أحسن .. عشان الأشكال المتخلفة دى

ثم انطلق بسيارته فى ضيق.

********************************************

دخل “سباعى” الى غرفة “بهيرة” للإطمئنان عليها فوجدها ساكنة شاردة فقال :

– كيفك دلوجيت يا بنت بوى

التفتت اليه قائله بضعف :

– امنيحه يا “سباعى”

جلس على المقعد بجوار الفراش قائلاً :

– مالك يا “بهيرة” مش عجبانى واصل

تنهدت “بهيرة” فى أسى وقالت :

– حيرانه يا “سباعى” حيرانه .. معرفش أعمل اييه .. أخبر “مراد” بكل حاجه ولا أسيبه اكده ميعرفش حاجه واصل

قال “سباعى” بحده :

– انتى ليه بتدورى على المشاكل يا “بهيرة” ليه عايزه تفتحى فى الدفاتر الجديمة

قالت “بهيرة” بحده :

– “مريم” كانت مرت “ماجد” يا “سباعى” .. “ماجد” أخو “مراد”

صاح “سباعى” بدهشة :

– بتجولى اييه ؟ .. مرته

قالت “بهيرة” بحزن :

– ايوة كانت مرته .. ومات من سنة .. كان مرضان ومات

قال “سباعى” بأسى :

– لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يرحمه هو وأبوه

التفت الى “بهيرة” وسأل بإهتمام :

– و “زهرة” لساتها عايشه

نظرت اليه قائله :

– مخبرش .. آنى معرفتش أتكلم معها امنيح .. مستنية الدنيا تهدى اهنه وبعدين أسافرلها وأفهم منها كل حاجه .. وساعتها هقرر أذا كنت هجول لـ “مراد” كل حاجة ولا لأ

صمتت قليلاً ثم قالت وهى شارده :

– “مريم” في يدها الخيوط كلياتها .. وهى الوحيدة اللى تجدر توصلهم ببعض

********************************************

كانت “مريم” جالسه مع “سارة” و “ناهد” فى غرفة المعيشة يتبادلون المزاح والضحكات .. أقبلت “نرمين” وجلست معهم فالتفتت اليها “مريم” مبتسمه :

– انتى عندك كام سنة يا “نرمين”

قالت “نرمين” بلا مبالاة :

– 22 سنة

ابتسمت “مريم” بحزن وقالت :

– لو أختى الله يرحمها كانت لسه عايشة كانت هتكون أدك بالظبط

نظرت اليها “ناهد” بحنان قائله :

– حبيبتى انتى اختك اتوفت

نظرت اليها “مريم” وقالت بإبتسامه حزينه :

– أيوة اتوفت فى حادثة

ثم قالت :

– مع ماما وبابا

قالت “ناهد” بأسى وقد ظهر عليها التأثر :

– لا حول ولا قوة الا بالله .. ربنا يصبرك

قالت “سارة” وقد شعرت بالحزن لأجلها :

– الله يرحمهم يا “مريم”

ابتسمت لهم “مريم” قائله :

– اللهم آمين

قالت “نرمين” وهى تعبث بهاتفها :

– قوليلنا بأه عرفتى “مراد” ازاى واتجوزتوا بالسرعة دى ازاى

بلعت “مريم” ريقها وقد شعرت بالإضطراب قالت بخفوت :

– العيلتين عارفين بعض وهما اللى رتبوا الجوازه

قالت “نرمين” بسخرية وهى تنظر اليها :

– يعني مشفتوش بعض ولا أعجبتوا ببعض قبل الجواز

قالت “مريم” بإرتباك :

– لأ شوفنا بعض مرة

قالت “نرمين” بشك :

– مرة واحدة بس ؟ .. ومن مرة عرفتى ان “مراد” هو فتى أحلامك و “مراد” عرف انك فتاة أحلامه

نظرت اليها “ناهد” بعتاب قائله :

– “نرمين”

قالت “مريم” مبتسمه بتوتر :

– نصيب .. ربنا قدرلنا كده

نظرت “نرمين” الى هاتفها الذى يضئ ويطفئ فى صمت وقالت بلهفه :

– بعد اذنكوا

صعدت “نرمين” الى غرفتها وأغلقت الباب وردت برقه ممزوجه بالخجل :

– ألو

– وحشتيني

ابتسمت قائله :

– ما انت لسه شايفنى امبارح

– ونفسي أشوفك كل يوم وكل ساعة

صمتت فقال :

– “نرمين” عايز أشوفك تانى

– مش هينفع

– ليه مش هينفع امبارح ملحقتش أعد معاكى سبتيني ومشيتي على طول

قالت بأسف :

– أنا أسفة اضطريت أمشى بسرعة عشان متأخرش

– لو ليا غلاوة عندك عايز أشوفك

– قولتلك مش هينفع

– طيب اقفلى عشان هبعتلك هدية على موبايلك

قالت “نرمين” بشك :

– هدية ايه

– اقفلى بس وهى توصلك

أنهت المكالمة .. لحظات وسمعت صوت نغمة الرسائل .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيها عندما رأت صورة لـ “حامد” ومكتوب تحتها “عشان أفضل معاكى على طول” .. كانت تشعر بسعادة غامرة .. وضعت الصورة فى أحد الملفات بالموبايل وأغلقته بباسوورد .. ونزلت الى الأسفل وكأن شيئاً لم يكن .

***********************************

عاد “مراد” الى البيت فى المساء .. فتح الباب وأرهف أذنيه فلم يسمع صوتاً .. لحظات وتعالت الضحكات من غرفة المعيشة .. أخذته قدماه الى هناك وأخذ يتطلع الى “مريم” و “سارة” الجالستان على أرض الغرفة وأمامهما لعبة بازل يحاولان جمعها .. كانتا منهمكتان فلم تلاحظان دخوله .. قال بصوت رخيم :

– مساء الخير

شعرت “مريم” بالفزع مبجرد أن رأته أمامها وهبت واقفه .. نظرت الى حجابها الملقى على الأريكة ودت لو امتدت له يداها لتغطى به رأسها .. لكنها لم تكن لتفعل ذلك تحت أنظار “سارة” حتى لا تثير شكوكها .. وعلى الرغم من احتشام ملابسها إلا أنها شعرت بدون حجابها وكأنها عاريه .. قالت “سارة” وهى ماتزال جالسه فى وضعها :

– مساء النور يا أبيه

قال “مراد” لـ “سارة” بهدوء :

– فين ماما و “نرمين”

قالت “سارة” مبتسمه :

– ماما فى المطبخ و “نرمين” فى أوضتها كالعادة

أومأ برأسه ثم غادر متجاهلاً “مريم” تماماً .. شعرت “مريم” بالتوتر .. قالت “سارة” :

– لو عايزة تطلعيله اطلعى ونبقى نكمل بعدين

التفتت اليها “مريم” ورسمت ابتسامة على شفتيها قائله :

– لأ هو أكيد هيغير هدومة وينزل .. تعالى نكمل

جلست بجوارها مرة أخرى .. لكن هيهات .. فالشعور بالمرح انتهى بمجرد أن رأته أمامها.

********************************

توجه “مراد” الى غرفته وأخذ شاور وغير ملابسه .. تطلع الى حقيبة “مريم” التى مازالت بجوار الدولاب .. نزل ليتقابل مع والدته فى آخر السلم ابتسمت قائله :

– “مراد” انت جيت امتى

قبلها قائلاً :

– من شوية

ابتسمت قائله بمرح :

– طيب كويس تعالى احنا لسه متعشيناش .. تعالى نتعشى كلنا سوا

دخلا غرفة المعيشة فوجد “مريم” جالسه كما كانت بجوار “سارة” لكنها هذه المرة مرتدية حجابها .. قالت لها “ناهد” :

– يا حبيبتى قولتك مفيش راجل غريب هنا .. حتى كل اللى بيشتغلوا هنا ستات “مراد” مبيخليش راجل يدخل هنا خالص

شعرت “مريم” بالتوتر ورسمت ابتسامة على شفتيها قائله :

– لأ أنا لبسته عشان حسيت بالبرد وكسلت أطلع أجيب حاجه ألبسها

نادت “ناهد” الخادمة لتحضر شالاً من غرفتها لـ “مريم” .. أحضرت الخادمة الشال .. ألبستها اياه قائله بإبتسامه :

– لو لسه بردانه روحى البسى حاجة أتقل

ابتسمت “مريم” واغرورقت عيناها بالدموع بسبب تلك المعاملة الحانية التى افتقدتها منذ أن رحل أبواها وأختها .. لكم أمضت الليالى مريضة فى فراشها لا تقوى على النهوض لإحضار كوب ماء .. لكم أمضت الليالى ساهرة من ألم فى رأسها دون أن تجرؤ على النزول ليلاُ لإحضار الدواء .. أبعدت “مريم” عينيها بسرعة حتى لا يرى أحداً عبراتها التى تجمعت داخل عينيها مهددة بالإنهمار

تجمعت الأسرة حول مائدة الطعام .. جلس “مراد” على رأس الطاولة و “ناهد” قبالته و “نرمين” على يمينه و “سارة” على يساره .. همت “مريم” بالجلوس بجوار “نرمين” فقالت “ناهد” :

– “نرمين” بدلي الكرسى بتاعك مع “مريم”

قامت “نرمين” متبرمة وأجلست “مريم” مكانها .. شعرت “مريم” بالحرج والضيق لجلوسها بجوار “مراد” الذى لم يعيرها أى انتباه .. نظرت “سارة” الى “مراد” قائله بمرح :

– أخيراً لقيت حد مدمن البازل زيي .. بس “مريم” ايه ما شاء الله عليها حريفه

ابتسمت “مريم” ..فالتفتت اليها “سارة” قائله بتهكم :

– اللى أعرفه ان البازل دى لعبة أطفال

ابتسمت لها “مريم” قائله :

– لا فيها درجات صعوبة عالية متنفعش للأطفال

أومأت “نرمين” برأسها ببرود ثم عادت لتكمل طعامها .. قالت “ناهد” بمرح :

– أنا بأه مليش روح للبازل ده .. بس عارفه يا “مريم” هوايتي المفضلة ايه

نظرت اليها مبتسمه وقالت :

– ايه يا طنط

ضحكت “ناهد” قائله :

– لعبة الشطرنج .. عارفه انها لعبة رجالى بس أعمل ايه جوزى الله يرحمه خلانى أدمنها .. و “مراد” الله يسامحه بأه على طول مشغول ومحدش من البنات بيعرف يلعبها

قالت “مريم” بمرح :

– على فكرة بأه أنا كمان بموت فيها

قالت “ناهد” بدهشة :

– بجد

– أيوة بابا الله يرحمه علمهالى وكنت بلعبها معاه

قالت “ناهد”بمرح وهى تنظر الى “مراد” :

– ولا الحوجه ليك يا سى “مراد” خلاص معدتش هترجاج تلاعبنى شطرنج تانى

ثم نظرت الى “مريم” قائله :

– خلاص يبأ هطلعها بكرة من الدولاب وتورينى شطارتك .. بس خلى بالك حماتك جامدة أوى أنا بحذرك أهو

ضحكت “مريم” قائله :

– أكيد طبعاً يا طنط مش هاجى جمب حضرتك حاجه

نهض “مراد” فجأة وقال بوجوم :

– تصبحوا على خير

خرج من الغرفة وتتبعته عيون الجميع بإستثناء “مريم” .. نظرت “ناهد” الى “مريم” قائله :

– حبيبتى قومى شوفى جوزك ماله ..شكله مضايق من حاجه

استثقلت “مريم” المهمة بشدة .. ودت لو قالت لها أن آخر شئ يريده ابنك الآن هو أن يرانى .. لكن ما باليد حيلة لا يمكن اخبارها بذلك .. صعدت “مريم” وهى تقدم رجلاً وتؤخر الأخرى .. طرقت “مريم” على الباب طرقات صغيرة .. ثم أتاها صوته آذناً اياها بالدخول .. فتحت الباب ببطء ودخلت على استحياء . كان “مراد” جالساً على فراشه ويدت ملامحه جامده .. دخلت وأغلقت الباب وجلست على الأريكة لا تدرى ماذا تقول وماذا تفعل .. لحظات والتفت ينظر اليها قائلاً بحده :

– أولا شنطة هدومك بتعمل ايه جمب الدولاب

نظرت الي حقيبتها ثم نظرت اليه قائله :

– أمال أحطها فين ؟

قال ببرود :

– تفضى لنفسك مكان فى الدولاب وتحطى هدومك فيه .. لو ماما دخلت الأوضة وشافت شنطتك كده هتقول ايه

أومأت برأسها قائله بإقتضاب :

– حاضر هفضيها بكرة

قال بتهكم :

– ثانياً الحجاب اللى انتى لبساه ده أسميه ايه بالظبط .. فى واحدة تلبس حجاب فى بيت المفروض انه مفيهوش راجل الا جوزها

شعرت بالتوتر وأشاحت بوجهها فقال بغلظة :

– بلاش تمثيل واقلعى حجابك ده

نظرت “مريم” اليه بحده قائله :

– أنا مش بمثل

قال “مراد” بسخرية :

– عايزة تفهميني انك مكسوفه تقلعيه أدامى يعني

أشاحت بوجهها وهى تحاول كظم غيظها فأكمل بغلظة :

– ثالثاً بأه اذا كنتى فاكرة ان بقربك من ماما واخواتى ده ممكن يأثر عليا ويخلى جوازنا يستمر تبقى غلطانه مش أنا اللى أتحط أدام الأمر الواقع

هبت واقفة وقالت :

– قصدك ايه ؟

وقف هو الآخر فى مواجهتها .. زاد فرق الطول بينهما من شعورها بضألتها أمامه .. كان كالأسد المهيمن على من حوله مجبراَ اياهم على الخضوع لسطوته .. قال بقسوة وهو ينظر الى أعماق عينيها :

– يعني جوازى منك انقاذ للموقف بس .. مش أكتر من كدة .. ولا فى يوم من الأيام هيكون أكتر من كدة .. مهما كان السلاح اللى هتستخدميه .. فمصيره الفشل .. أنا ابتديت أفهمك كويس .. وأفهم انتى بتخططى لايه .. واللى فى دماغك ده مش هيحصل ابداً .. طلاقك أمر مفروغ منه .. بمجرد ما تيجي عمتى وأتأكد ان المشكلة اتحلت هتلمى هدومك وتسيبى البيت ده وتنسى انك دخلتيه أصلاً

واجته “مريم” بنظراتها .. كان مصراً على اذلالها واشعارها بالمهانة فقالت له بثقه :

– على فكرة اليوم اللى هطلق فيه منك وأسيب البيت ده هيكون يوم عيد بالنسبة لى

قالت ذلك ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها بهدوء.

نزلت الدرج فقابلت “سارة” التى قالت لها :

– نزله ليه يا “مريم” .. عايزة حاجه

قالت “مريم” بتوتر :

– لا مفيش .. هروح المطبخ أشرب

ثم قالت :

– طنط و “نرمين” تحت ؟

ابتسمت “سارة” قائله :

– لأ طلعوا يناموا وأنا كمان طالعه أهو

ابتسمت “مريم” قائله :

– طيب يا حبيبتى تصبحى على خير

– وانتى من أهل الخير

توجهت “مريم” للأسفل دخلت غرفة المعيشة التى لا ينيرها الا ضوء القمر المتسلل من الشرفة .. فتحت الشرفة وخرجت الى الحديقة ومشيت قليلاً ثم جلست على المقعد الذى جلست عليه فى الصباح .. أحاطت جسدها بذراعيها تلتمس الدفء .. لا تدرى الى كم من الوقت بقيت جالسه هكذا دون حراك .. شعرت بالنعاس لكنها كرهت الصعود الى غرفة “مراد” والنوم أمامه .. تمددت على المقعد وتوسدت ذراعها وأحاطت نفسها جيداً بالشال وأغمضت عينيها واستسلمت للنوم .

استيقظ “مراد” على صوت منبه الموبايل منبهاً اياه لصلاة الفجر .. قام فلم يجد “مريم” على الأريكة فتوضأ وصلى .. هم بأن ينزل ليبحث عنها لكنه عزف عن ذلك .. فبالتأكيد اختارت النوم فى أى غرفة أخرى بالمنزل .. سيتركها اليوم تنام حيث تريد ثم سيلفت نظرها فى الصباح الى ضرورة النوم داخل الغرفة حتى لا يشك أحداً بأمرهما .. واستسلم للنوم مرة أخرى على فراشه الوثير .

***********************************

فى صباح اليوم التالى استيقظ “مراد” على صوت هاتفه .. رد على “طارق” قائلاً :

– السلام عليكم أيوة يا “طارق”

– وعليكم السلام .. انت نايم ولا ايه

قال “مراد” وهو يحاول أن يفيق :

– أيوة لسه صاحى

قال “طارق”بعجاله :

– طيب أنا هعدى عليك دلوقتى عشان فى ورق مهم لازم يتمضى قبل ما أطلع على الجمارك

قال “مراد” وهو يجلس فى فراشه :

– طيب مستنيك

قام “مراد” ونظر الى الأريكة الفارغة والى الحقيبة التى مازالت بجوار الدولاب ثم زفر بضيق .

اتصل “طارق” بـ “مى” التى ردت قائله :

– السلام عليكم

قال “طارق” بلهفه :

– وعليكم السلام أخيراً فتحتى الموبايل

قالت بدهشة :

– مين معايا

– أنا “طارق” .. “طارق عبد العزيز”

خفق قلبها وشعرت بالتوتر وقالت :

– أيوة يا أستاذ “طارق”

– بكلمك بقالى يومين موبايلك مقفول حتى الشركة قالولى واخده أجازة

قالت بصوت خافت :

– معلش كان عندى ظروف وكنت أفله الموبايل

قال “طارق” :

– مش خير ان شاء الله

– أيوة خير مفيش حاجة

قال “طارق” بإهتمام :

– أنا بتصل بـ “مريم” كتير أوى بس موبايلها على طول مقفول

– أنا كمان بحاول كتير بس مش عارفة أوصلها

– طيب قوليلى اسمها بالكامل أنا ليا واحد صحبى من عيلة كبيرة فى الصعيد .. أنا رايحله دلوقتى وان شاء الله هيساعدنى أوصلها لاننا كمان محتاجينها فى شغل مهم جداً خاص بشركتنا

– اسمها “مريم خيرى عبد الرحمن السمري”

ابتسم قائلاً :

– ما شاء الله حافظه اسم صحبتك رباعى

قالت بصوت خافت :

– احنا صحاب من زمان

ابتسم قائلاً :

– ربنا يخليكوا لبعض .. ومتشكر أوى

– العفو

فى الأسفل استيقظت “مريم” على صوت العصافير التى تغرد على الشجر .. قامت واعتدلت فى جلستها وهى تشعر بألم فى كل أنحاء جسدها وبوغز كالشوك فى حلقها .. وقفت بصعوبة وأحكمت لف الشال حولها .. توجهت الى شرفة غرفة المعيشة فوجدتها مغلقة فلم تستطع الدخول .. فدارت حول الفيلا لتدخل من الباب الأمامى .. وجدت “مراد” واقف مع رجل آخر فأخفضت بصرها .. لكنها عندما اقتربت منهما رفعت رأسها فإرتطمت نظراتها بنظرات “طارق” .. وقفت تحدق فيه بدهشة .. وبادلها هو الآخر نظراتها المندهشة التى كانت أضعاف دهشتها .. كان يبحث عنها فى كل مكان ولم يتخيل أن يجدها فى بيت صديقه .. وقف كلاهما ينظر الى الآخر فى دهشة و “مراد” يراقب نظرات الإثنان لبعضهما البعض .. لم ينطق “طارق” إلا بكملة واحدة :

– “مريم” !

تمتمت بصوت خافت :

– أهلا بحضرتك يا أستاذ “طارق”

اقترب “مراد” من “طارق” وقال وهو ينقل نظره من “مريم” اليه :

– انتوا تعرفوا بعض ؟

قال “طارق” مبتسماً وهو يشعر بالسعادة لعثوره عليها أخيراً :

– أيوة طبعاً .. دى الآنسة “مريم” الديزاينر بتاعة حملتنا

صُدم “مراد” لما سمع والتفت بحدة ينظر الى “مريم” بدهشة .. اقترب “طارق” من “مريم” قائلاً :

– كنتى فين قلقتيني عليكي وموبايلك مقفول على طول .. حتى “مى” مش عارفه توصلك

قالت بصوت مضطرب :

– كان عندى ظروف

ابتسم “طارق” قائلاً :

– المهم انك كويسه

بدا وكأنه انتبه لوجودها فى آخر مكان كان يتوقع أن يجدها فيه .. فقال بإستغراب شديد :

– بس انتى بتعملى ايه هنا ؟

جاءت الإجابة من “مراد” الواقف خلفه :

– مراتى

التفت “طارق” الى “مراد” بحده وقال له :

– ايه ؟

ردد “مراد” ما قاله ببرود :

– مراتى

نظر “طارق” الى “مريم” وهو لا يصدق ما يسمع .. نظر اليها وكأنه يرجوها أن تكذب ما قاله “مراد” .. كانا الرجلين ينظران الى “مريم” بدهشة .. “طارق” مصدوم من كونها أصبحت زوجة لأعز أصدقائه .. و “مراد” مصدوم من كونها ديزاينر حملته الإعلانية .. شعرت بالخجل من نظرات الرجلين اليها فأخفضت بصرها وقالت بصوت خافت :

– عن اذنكوا

صعدت الدرج وهى لا تدرى أن الرجلين فى الأسفل كانت أعينهما متعلقتان بها تتابعانها فى صمت .

الفصل الخامس عشر من رواية قطة فى عرين الأسد

مراتى

نظر “طارق” الى “مريم” وهو لا يصدق ما يسمع .. نظر اليها وكأنه يرجوها أن تكذب ما قاله “مراد” .. كانا الرجلين ينظران الى “مريم” بدهشة .. “طارق” مصدوم من كونها أصبحت زوجة لأعز أصدقائه .. و “مراد” مصدوم من كونها ديزاينر حملته الإعلانية .. شعرت بالخجل من نظرات الرجلين اليها فأخفضت بصرها وقالت بصوت خافت :

– عن اذنكوا

صعدت الدرج وهى لا تدرى أن الرجلين فى الأسفل كانت أعينهما متعلقتان بها تتابعانها فى صمت .

ران الصمت عليهما وكل منهما يحاول استيعاب صدمته .. أول من فاق من صدمته هو “طارق” الذى التفت الى “مراد” ينظر اليه بحده وهو يقول :

– انت مكنتش تعرف ان “مريم” ديزاينر حملتنا وانى بدور عليها ؟

التفت اليه “مراد” الذى بدا شارداً وقال له :

– وهعرف منين انها الديزاينر اللى بندور عليها .. أنا معرفش هى بتشتغل ايه أصلاً .. ولا أعرف أى حاجه عنها

نظر اليه “طارق” بحده وزفر وهو يحاول أن يكظم غيظه وقال :

– انت قولتلى امبارح ان جوازك منها كان انقاذ للموقف وانك مستنى عمتك عشان تطلقها .. مش كدة ؟

أومأ “مراد” برأسه بصمت .. فانفعل “طارق” قائلاً :

– حرام عليك يا “مراد” حرام عليك

نظر اليه “مراد” بدهشة .. فأكمل “طارق” بغضب :

– يعنى حضرتك متجوزها عشان تقضيلك معاها يومين وبعدين ترميها وتطلقها اتقى الله يا “مراد” ترضى يحصل لواحده من اخواتك كده .. أى ان كان سبب جوازك منها حرام تطلقها وتتحسب عليها جوازه

نظر اليه “مراد” بغضب وقال :

– ايه اللى انت بتقوله ده .. انت فاهم الموضوع غلط يا “طارق” .. أنا قولتلك امبارح انى اضطريت أتجوزها عشان الدم اللى كان هيسيل .. وأنا مش معتبرها مراتى اصلاً دى مجرد واحدة أعده فترة مؤقته وهتمشى تروح لحالها وأنا معرفها كدة ومتفق معاها على كدة يعني مخدعتش حد

صمت “طارق” وهو يفكر فى كلام “مراد” ثم قال :

– يعنى هى عارفه انك هتطلقها ؟

قال “مراد” بحده :

– ايوة طبعا عارفه وده كان اتفاقى مع عمتو من الأول أكتب عليها عشان المشاكل مش أكتر من كده

– تقصد انكوا عايشين منفصلين ؟

قال “مراد” بحده :

– أيوة أنا مش طايق أشوفها أصلاً .. كل اللى حصل انى كتبت عليها وجبتها هنا لحد ما عمتو تتأكد ان الأمور هديت ساعتها هطلقها

هدأ “طارق” قليلاً .. فتفرس فيه “مراد” قائلاً :

– وانت ايه يهمك أصلاً فى الموضوع ده .. مالك انت أظلمها لا مظلمهاش

حاول “طارق” التحكم فى أعصابه وقال ببرود :

– لانى اتعاملت معاها كتير فى الشغل والبنت كويسة جداً فصعب عليا انها تتظلم كده بس بعد ما انت شرحت الوضع .. فكده الموضوع أهون شوية

نظر اليه “مراد” وقال بإهتمام :

– انت تعرف ايه عنها بالظبط ؟

نظر “طارق” الى ساعته ثم قال ببرود :

– أنا مضطر أمشى دلوقتى عشان الحق الجمارك

لم ينتظر رداً من “مراد” وتوجه الى سيارته وانطلق بها تحت نظرات “مراد” المتمعنه.

انطلق “طارق” بسيارته بعصبيه وهو يشعر بغضب كبير بداخله لتلك العادات المتخلفة التى أجبرت “مريم” على الزواج من “مراد” .. “مراد” الذى يعلم جيداً بالظروف النفسية العصيبة التى مر بها والتى ستجعله بالتأكيد أن يكون قاسياً مع “مريم” ضرب المقود بيده بعصبيه وهو يتخيل المعاناة التى تشعر بها “مريم” فى بيت “مراد” الذى من الواضح من كلامه عنها أمس واليوم أنه لا يطيق وجودها فى حياته

توجهت “مريم” الى غرفتها وهى تشعر بالدوار .. لحظات وسمعت طرقات على الباب فتحت لتجد “سارة” مبتسمه وهى تقول :

– صباح الخير يا “مريم” يلا عشان نفطر سوا

ابتسمت “مريم” بتعب وقالت :

– ماشى هغير هدومى وأنزل

نظرت “سارة” بإستغراب الى ملابس “مريم” والتى كانت نفس ما ارتدته ليلة أمس .. فقالت بدهشة :

– انتى نمتى كده

قالت “مريم” بإضطراب وهى تحاول تجنب الكذب :

– كنت الصبح فى الجنينة

أومأت “سارة” برأسها قائله وهى تنصرف :

– خلاص منتظرينك ان شاء الله

بدلت “مريم” ملابسها بصعوبة وهى تشعر بالوهن فى كل عضلة فى جسدها .. توضأت وصلت الفجر الذى فاتها وهى تشعر بالضيق الشديد لأنها لم تصليه فى ميعاده .. لم ترتدى حجابها لئلا تسمع تعنيفاً آخر من “مراد” .. عقصت شعرها للخلف وارتدت عباءة استقبال محتشمة .. فتحت الباب لتخرج لكنها فزعت عندما وجدت “مراد” أمامها كان يهم بطرق الباب .. ابتعدت لتفسح له الطريق للدخول .. همت بالخروج من الغرفة لكن “مراد” قال لها بحزم :

– استنى عايزك

أغلقت الباب ووقفت خلفه .. وقف “مراد” فى مواجهتا وهو يتفحص وجهها شعرت بالخجل فأشاحت بوجهها الى أن قال :

– انتى تعرفى “طارق” من زمان ؟

قالت “مريم” بهدوء :

– أستاذ “طارق” عميل فى شركتنا

– شركة ايه ؟

– اسمها رؤية للدعاية والإعلان

صمت “مراد” وهو مازال ينظر اليها بإمعان .. ثم قال :

– كنتى عارفه ان الحملة اللى انتى مسكاها هى حملة شركتى ؟

نظرت اليه “مريم” بدهشة وقالت :

– حملة شركتك ؟.. لا معرفش أنا افتكرتها شركة أستاذ “طارق”

أخجلها تفحصه فيها فأشاحت بوجهها مرة أخرى وقالت بإرتباك :

– أنا هنزل عشان مستنيينى تحت

قال ببرود :

– اتفضلى

خرجت من الغرفة وتبعها “مراد” .. توجها الى حجرة الطعام وجلس كل منهما فى مكانه .. ابتسمت “مريم” قائله :

– صباح الخير

قالت “ناهد” بمرح :

– صباح النور .. النهاردة صحيتى بدرى

قالت “مريم” وهى تشعر بوخز كالإبر فى حلقها :

– أنا متعودة أصحى بدرى .. بس امبارح اتأخرت لانى كنت تعبانه من السفر

قالت “سارة” التى كانت تجلس فى مواجهتها بمرح :

– قوليلي صحيح يا “مريم” انتى بتشتغلى

ابتسمت “مريم” قائله :

– أيوة بشتغل ديزاينر فى شركة دعاية

قالت “ناهد :

– بتعرفى ترسمى كويس ؟

– أيوة يا طنط

قالت “ناهد” بمرح :

– كويس أوى عشان ترسميني

قالت “مريم” بتوتر :

– معلش يا طنط أنا أسفه مش برسم أشخاص أو أى حاجه فيها روح

قالت “ناهد” بهدوء :

– ليه ؟

أجابت “مريم” :

– عشان حرام .. رسم حاجه فيها روح حرام

ألقى “مراد” نظرة عليها ثم عاد يكمل طعامه بصمت .. ابتسمت “ناهد” قائله :

– مكنتش أعرف انه حرام

قالت “مريم” بأسى :

– اوعى تكونى زعلتى منى يا طنط

طمأنتها “ناهد” قائله :

– لا يا حبيبتى أبداً .. انتى صح .. طالما حرام يبأه ربنا يباركلك انك مبتعمليهوش

عادت “مريم” لتكمل طعامها عندنا قالت “نرمين” :

– انسى بأه موضوع الشغل ده خالص لان “مراد” مستحيل يسمحلك انك تشتغلى

قالت “ناهد” :

– دى حاجة متخصكيش يا “نرمين”

بدا “مراد” لا مبالياً وكأن الحوار الدائر لا يعنيه فقالت “مريم” بهدوء :

– أنا اتفقت مع مديري انى أشتغل عن طريق النت ويحولى مرتبي على البنك يعنى مش محتاجة أروح الشركة

نهض “مراد” وقال :

– أستأذن أنا عشان اتأخرت

رحل دون أن يلتفت ل “مريم” التى كانت “ناهد” ترمقها بأسى وهى تشعر بالحنق من معاملة ابنها لزوجته .

**********************************

لم يستطع “مراد” التركيز على عمله .. كانت هناك أسئلة كثيرة تشغل باله لخصوص “مريم” .. اتصل بـ “طارق” وأخبره بضرورة الحضور الى مكتبه .. بعد عدة ساعات حضر “طارق” الذى بدا عليه الوجوم جلس قباله “مراد” دون أن يوجه له كلمة .. سأله “مراد” :

– ايه الأخبار

– كله تمام الحاجة فى الطريق

أومأ “مريم” برأسه وقام ودار حول المكتب ليجلس فى المقعد المواجه لـ “طارق” .. نظر اليه قائلاً :

– انت اتعاملت مع “مريم” كتير ؟

قال له “طارق” بحده :

– مش فاهم السؤال

قال “مراد”ببرود :

– أقصد كنت بتشوفها كتير لما بتروح الشركة

قال “طارق” بهدوء :

– تعاملى كان معاها هى بس يا “مراد” يعني مكنتش بتعامل فى الشركة مع حد غيرها لانها المسؤلة عن شغلنا

أومأ “مراد” برأسه ثم نظر اليه قائلاً :

– متعرفش عنها حاجه .. يعني أمور شخصية

قال له “طارق” بنفاذ صبر :

– لأ معرفش

ثم نهض قائلاً أنا مضطر أمشى دلوقتى عشان عندى معاد مهم

خرج “طارق” وترك “مراد” غارقاً فى شروده

**********************************

كانت “مريم” تشعر خلال النهار بتعب شديد لكنها كعادتها كانت تتظاهر بالتماسك .. ظنت أنه برد من نومها ليلة أمس فى الحديقة طلبت من دادة “أمينة” دواء للبرد أخذته وأمضت نهارها بصحبة “سارة” و “نرمين” .. أما “ناهد” فقد خرجت فى ذلك اليوم لزيارة أختها .. فى المساء كان التعب قد أخذ منها مبلغه توجهت الى دادة “أمينة” مرة أخرى وأخذت منها دواء للبرد مرة أخرى .. ثم توجهت الى الفتاتان فى غرفة المعيشة قائله :

– أنا هطلع أنام يا بنات .. تصبحوا على خير

هتفت “سارة” :

– هتنامى بدرى كدة

قالت “مريم” بوهن :

– أيوة معلش .. هشوفكوا بكرة ان شاء الله

قالت “سارة” بإهتمام :

– طيب مش هتتعشى ؟ .. لو مش عايزة تستنى “مراد” خلاص نتعشى سوا أنا وانتى و “نرمين”

قالت “مريم” وهى بالكاد تستطيع الوقوف على قدميها :

– لا مليش نفس .. تصبحوا على خير

– وانتى من أهل الخير

توجهت “مريم” الى غرفة “مراد” .. حاولت أن تستبدل ملابسها بملابس أكثر راحة لكن أقل حركة كانت تشعرها بالألم الشديد فنامت كما هى على الأريكة ودثرت نفسها جيداً واستسلمت للنوم العميق

قالت “سارة” ل “نرمين” بعتاب :

– ليه حساكى بارده مع “مريم” ؟

التفتت اليها “نرمين” التى كانت تعبث بهاتفها قائله :

– مش بارده ولا حاجه

أصرت “سارة” :

– لأ بارده

قالت “نرمين” بنفاذ صبر :

– بصراحة حساها خنيقة أوى .. مشفتيش لبسها عامل ازاى .. فى عروسة جديدة تلبس اللى هى لابساه ده

قالت “سارة” بحده :

– وانتى مالك هو انتى جوزها .. هى حرة .. وبعدين يمكن عشان لسه مخدتش علينا وهى أصلاً شكلها بتتكسف

هزت “نرمين” كتفيها بلا مبالاة قائله :

– هى حرة على رأيك أنا مش جوزها

قالت “سارة” :

– ابقى اتعاملى معاها كويس يا “نرمين” .. حرام دى يتيمة وكمان طيبة أوى

قالت “نرمين” :

– طيب مع انى حساها جد أوى وكئيبة أوى زيادة عن اللزوم وأنا بتخنق من كده أوى

قالت “سارة” بعتاب :

– والله حرام عليكي دى عسولة أوى

قالت “نرمين” بتهكم :

– يختى مالك طالعه بيها السما كده .. أنا شايفاها عادية جدا مش عارفه “مراد” أعجب بيها ليه .. ده ان كان أعجب بيها اصلا .. بصراحة هى وأخوكى لايقين على بعض الاتنين عينة واحدة

قالت ذلك ثم نهضت وتوجهت الى غرفتها وأغلقت الباب جيداً وجلست على فراشها وهى تنظر الى صورة “حامد” على هاتفها وتبتسم لها .

*********************************

عاد “مراد” فى المساء وجلس على طاولة الطعام مع “ناهد” و ” سارة” و “نرمين” .. بدأ الجميع فى تناول الطعام .. قالت “ناهد” :

– خالتك زعلانه منك أوى يا “مراد” عشان مبتسألش عليها انت والبنات

نظر اليها “مراد” قائلاً :

– خلاص تعالوا نروحلها آخر الإسبوع ونقضى اليوم معاها

قالت “ناهد” :

– أنا فعلاً اتفقت معاها على كده و كمان عشان تتعرف على “مريم”

حانت من “مراد” التفاته الى المقعد الفارغ بجواره .. ثم عاد ليكمل طعامه مرة أخرى .. قالت “نرمين” :

– أبيه نفسنا نخرج .. ما تاخودنا بكرة أى حته

قالت “ناهد” بسرعة :

– أيوة يا “مراد” ياريت تفضى نفسك يوم ونطلع كلنا أى مكان بصراحة أنا كمان عايزة أغير جو

أومأ “مراد” برأسه قائلاً :

– ان شاء الله أحاول أفضى نفسي يوم الإسبوع ده أو الاسبوع الجاى

قالت “سارة” بمرح :

– كويس أوى .. بحب أوى الخروجة اللى بنكون فيها كلنا مع بعض

نظرت اليها “نرمين” بغيظ قائله :

– على أساس اننا بنخرج لوحدنا يعني .. فالتغيير اننا نخرج مع بعض

حانت من “مراد” التفاته أخرى الى المقعد الفارغ بجواره .. ثم سأل وهو يتناول طعامه وكأن الأمر لا يعنيه :

– هى “مريم” فين ؟

قالت “ناهد” :

– رجعت لقيت البنات بيقولولى انها نامت بدرى النهاردة

أومأ برأسه ونهض قائلاً :

– انا داخل المكتب شوية

قالت “ناهد” :

– ماشى يا حبيبى

رحل “مراد” فالتفتت اليهم “نرمين” قائله بسخريه :

– ده حالهم ولسه مكملوش اسبوع جواز أمال بعد سنة هيحصل ايه

قالت “ناهد” بنبرة محذرة :

– “نرمين” لو سمحتى متدخليش فى خصوصيات “مراد”

دخل “مراد” مكتبه وحمل أحد الكتب من المكتبة ثم توجه الى أحد المقاعد الوثيرة وأخذ يقرأ الى أن سرقه الوقت .. بعد عدة ساعات توجه الى غرفته .. طرق على الباب بخفة ثم فتحه ببطء .. استطاع أن يرى “مريم” فى ظلام الغرفة نائمة على الأريكة متدثرة بغطائها .. دخل وأغلق الباب بدل ملابسه وهم بأن يتوجه الى فراشه عندما سمع صوت أنين .. التفت الى “مريم” فوجدها تأن بصوت خافت وبدت ملامحها كما لو كانت تعانى من خطب ما .. اقترب منها فرآى حبات العرق تنبت على جبينها سمعها تهمس بشئ ما .. فاقترب منها قائلاً :

– بتقولى حاجه

فتحت عينيها بصعوبة شديدة بدت وكأنها فى عالم آخر تمتمت بصوت متحشرج :

– عايزة “ماجد”

اقترب “مراد” منها أكثر وأرهف سمعه قائلاً :

– بتقولى ايه ؟

أغمضت عينيها قليلا ثم فتحتهما ببطء ونظرت اليه تتطلع الى وجهه قائله بصوت مبحوح :

– انت “ماجد” ؟

سألها بإهتمام :

– “ماجد” مين ؟

أبعدت وجهها واستسلمت للنوم مرة أخرى .. وضع “مراد” يده على جبينها ووجههاً ليجد حرارتها مرتفعه للغاية .. حاول ايقاظها :

– “مريم” .. “مريم”

التفتت اليه ببطء وبدا وكأنها لا تستطيع فتح عينيها .. نزل مسرعاً الى الأسفل ونادى دادة “أمينة” وأخبرها بأن حرارة “مريم” مرتفعة توجهت معه الى غرفتها وتحسستها ثم قالت :

– يا حبيبتى دى قايده نار .. شكلها خدت دور جامد .. انا افتكرته برد عادى لما طلبت منى الدوا

قال لها “مراد” بإهتمام وهو يلقى نظرة على “مريم” :

– هى طلبت منك دوا

قالت “أمينة” بأسى :

– أيوة قالتلى جسمها واجعها وخدت برد فادتلها دوا أنفلونزا .. لو كانت قالتى حرارتها عاليه كنت ادتلها خافض حرارة كمان

توجه “مراد” الى هاتفه واتصل بأحد الأرقام .. لم يجب فعاود الاتصال مرات ومرات الى أن أجاب الطرف الأخر :

– ألو

قال “مراد” بإهتمام :

– أيوة يا “أحمد” أنا “مراد”

قال “أحمد” بصوت ناعس :

-أيوة يا “مراد” خير فى حاجة خالتى والبنات كويسين

– أيوة بس مراتى تعبانة شوية حرارتها مرتفعة جداَ ومش عارف أعمل ايه

قال “أحمد” وقد أفاق :

– طيب متقلقش أنا هلبس وأجيلك حالاً

جلست “أمينة” بجوار “مريم” تقوم بعمل كمادات لها علها تخفض حرارتها .. كانت “مريم” مازالت فى عالم آخر لا تعى ما يدور حولها .. قالت “أمينة ” :

– هروح أعملها كوباية لمون دافيه وآجى

توجهت للأسفل .. كانت “مريم” تتمتم بكلمات غير مفهومة .. اقترب منها متفحصاً اياها .. سمعها تقول :

– “ماجد” .. “ماجد”

ظلت تردد الإسم كل فترة وأخرى .. الى أن حضر “أحمد” ابن أخت “ناهد” .. فإستيقظت “ناهد” على صوت سيارته .. نظرت “ناهد” الى “مريم” بعطف واقتربت منها لتتحسس وجهها وقالت :

– دى سخنة أوى

أخرج “أحمد” سماعته واقترب منها متفحصاً اياها .. وجد “مراد” نفسه وقد شعر بالضيق عندما تكشف جزء من جسدها ليستطيع “أحمد” وضع سماعتها ليتفحص رئتيها .. تعجب من هذا الشعور الذى راوده وهو الذى لا يهمه أمرها على الإطلاق ويعتبرها مجرد ضيفة فى بيته .. قال “أحمد” :

– شكلها خدت برد جامد .. عايزكوا تحطوها زى ما هى كده تحت الدش عشان الحرارة تنزل شوية

وأخذ يكتب الأدوية المطلوبه وأعطى الروشته الى “مراد” وأخرج حقنة من حقيبته قائلاً :

– الدوا ده تاخده هو والحقنة دى وان شاء الله الصبح هتكون أحسن

شكره “مراد” وتوجه معه الى سيارته مودعاً .. ثم اتصل “مراد” بالصيدلية وطلب منهم احضار الدواء .. عاد الى الغرفة ليجد “أمينة” و “ناهد” قد أخذا “مريم” ووضعاها تحت الدش كما أمرهم الطبيب عادا بها الى الداخل وشرعت “ناهد” فى تغيير ملابسها فإلتفتت “ناهد” له قائله :

– ساعدنى يا “مراد”

فتنحنح “مراد” وقال وهو يغادر الغرفة مسرعاً :

– هروح أشوف الدوا

بعد نصف ساعة تسلم “مراد” الدواء وصعد به الى غرفته ليجد “ناهد” جالسه بجوار “مريم” النائمة فى فراشه وتحتسى شيئاً ساخناً .. أخرج الدواء وقرأ الروشته ثم التفت الى أمه وأعطاها التعليمات .. قالت “مريم” وهى تشعر بالحرج لوجودها فى فراش “مراد” :

– أنا أسفه يا طنط تعبتك معايا

ابتست لها “ناهد” قائله :

– لأ أبداً يا حبيبتى لا تعب ولا حاجه بس قلقتينا عليكي أوى ليه مقولتيش انك تعبانه

تمتمت “مريم” بصوت خافت :

– أنا قولت شوية برد وخلاص

أعطتها “ناهد” الدواء .. ثم نهضت قائله :

– الحمد لله شكل الحقنة ريحتك كتير .. نامى واتدفى وان شاء الله تكونى بكرة أحسن .. لو احتجتى حاجه خلى “مراد” يناديلى

قالت “مريم” بتأثر :

– شكراً يا طنط

خرجت “ناهد” من الغرفة وتابعتها “مريم” بنظرها الى أن أغلقت الباب خلفها فأسرعت “مريم” بإزاحة الغطاء ونهضت من الفراش تحت أنظار “مراد” التى تراقبها وأخذت أحد الأغطية ووسادة فقال لها “مراد” :

– مفيش مشكلة خليكي نايمة هنا النهاردة

لم ترد “مريم” ولم تلتفت اليه وتوجهت الى الأريكة ونامت عليها ودثرت نفسها وأشاحت بوجهها عنه .. جلس “مراد” على فراشه يتطلع اليها بين الحين والآخر .. الى أن شعر بأنها استسلمت للنوم .. فتمدد على فراشه وظل يفكر فى صاحب الإسم الذى كانت تتفوه به أثناء مرضها الى أن شعر بالإرهاق فألقى نظرة عليها قبل أن يستسلم للنوم هو الآخر .

**********************************

استيقظ “مراد” من نومه فجراً كعادته أطفأ المنبه وما كادت قدماه تطأن الأرض حتى وقع نظره على “مريم” الساجدة فى أحد أركان الغرفة .. ظل ينظر اليها للحظات ثم توجه الى الحمام توضأ وخرج ليجدها وقد أنهت صلاتها وتوجهت الى الأريكة لتعاود النوم .. ألقى عليها نظرة قبل أن يخرج .. صلى فى أحد المساجد القريبه وعاد ليجدها تغط فى النوم .. جلس على فراشه وظل يتأملها بإستغراب .. شعر بأن هذه الفتاة كاللغز الذى يكبر كل يوم شيئاً فشيئاً .. نفض تلك الأفكار من رأسه واستسلم للنوم .

فى الصباح استيقظ “مراد” على صوت الباب وهو يُغلق .. نهض وهو يلقى نظرة على الأريكة الفارغة .. نزلت “مريم” لتجد “ناهد” و “سارة” جالستان معا أمام التلفاز .. قامت “سارة” وتوجهت نحوها قائله بلهفة :

– “مريم” عاملة

قالت “ناهد” بإهتمام :

– قمتى ليه يا حبيبتى خليكى مرتاحه النهاردة

ابتسمت “مريم” وقد سعدت لهذا الإهتمام منهما :

– الحمد لله أنا كويسة جداً

ثم التفتت الى “ناهد” وقالت بتأثر :

– متشكره جدا يا طنط على تعبك معايا امبارح

أشارت لها “ناهد” لتجلس بجوارها .. ربتت على ظهرها قائله :

– انتى دلوقتى عندى زى “نرمين” و “سارة” بالظبط فمتقوليش كده تانى

قالت “سارة” وهى تنصرف :

– هقول لدادة تحضرلك الفطار

التقت بـ “مراد” الذى كان متوجهاً اليهم فقالت له مبتسمه :

– صباح الخير يا أبيه كويس انك صحيت عشان “مريم” متفطرش لوحدها

قال “مراد” :

– صباح النور يا “سارة” .. هى فين ؟

أشارت “سارة” الى غرفة المعيشة وقالت :

– مع ماما بتتفرج على التى فى

دخل “مراد” الغرفة قائلاً :

– صباح الخير

ابتسمت له “ناهد” قائله :

– صباح النور يا “مراد”

ألقى “مراد” نظرة على “مريم” التى بدت أفضل حالاً قبل أن يجلس على أحد المقاعد .. لم تلتفت اليه “مريم” وظلت تتظاهر بمتابعتها للتلفاز .. قالت “ناهد” فجأة وهى تضحك :

– ايه ده “مراد” ملبسك الدبلة فى اليمين

اضطربت “مريم” وهى تنظر الى دبلتها .. تطلع “مراد” الى يدها فى صمت .. قامت “ناهد” بنزع الدبلة من يدها اليمنى ووضعتها فى اليسرى قائله بمرح :

– أيوة كدة بدل ما الناس تضحك علينا

شعرت “مريم” بالتوتر وهى ترمق دبلتها التى أصبحت فى يدها اليسرى .. دقائق وحضرت “سارة” لتخبرهما بأن فطورهما معداً .. قالت “مريم” وهى تشعر بالضيق :

– أنا شبعانه على فكرة .. شوية ولو جعت هاكل

قالت “ناهد” بإصرار :

– لا يا حبيبتى انتى تعبانه وبتاخدى دوا تعالى على نفسك معلش .. وبعدين “مراد” هيفطر معاكى عشان يفتح نفسك للأكل

سخرت “مريم” فى نفسها .. واضطرت مرغمة للتوجه خلفه الى غرفة الطعام .. ران عليهما الصمت .. الى أن قطعه “مراد” فجأة :

– انتى مش المفروض كنتى متجوزة ؟

صمتت “مريم” قليلاً ثم قالت دون أن تنظر اليه :

– كان مكتوب كتابى

طال صمته وبدا عليه التفكير .. ثم قال فجأة :

– مين “ماجد” ؟

خفق قلب “مريم” بشدة وهى تنظر اليه بدهشة .. فنظر اليها قائلاً ببرود :

– كنتى امبارح عماله تقولى اسمه طول الليل

توترت “مريم” وعادت الى اكمال طعامها دون ان تجيب .. فأعاد سؤاله بتهكم :

– مين “ماجد” ؟ .. ويا ترى ده قبل “جمال” ولا بعده ؟ .. مظنش انه بعده ملحقتيش يا دوبك عرفتى “جمال” من هنا واتدبستى فيا من هنا

نظرت اليه “مريم” وقالت بتحدى :

– وهتفرق معاك ايه عرفته قبل “جمال” ولا بعد “جمال” .. ولا حتى عرفته وأنا عارفه “جمال” .. ما هو اللى معندهاش أخلاق لدرجة انها تسمح لنفسها انها تعمل علاقة مع راجل غريب مش هيفرق معاها لو عملت علاقة مع راجلين فى نفس الوقت

ثم نهضت بعصبية وفتحت باب الشرفة ووقفت فيها .. كانت تغلى من الغضب .. ظل جالساً فى مكانه للحظات ثم توجه الى الخارج .. نظرت اليه “مريم” و هو يفتح باب سيارته ويهم بالركوب .. حانت منه التفاته فتلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تتوجه “مريم” الى الداخل .

************************************

– وحشتيني ونفسى أشوفك

تسللت تلك العبارة عبر الهاتف الى أذن “نرمين” فردت بضيق :

– أنا مش فاهمة انت عايز ايه بالظبط

قال “حامد” بهيام :

– نفسي أشوفك تانى يا “نرمين” بجد وحشتيني

قالت “نرمين” بحده :

– انت مش شايف ان الحكاية سخفت أوى .. قولتلى عايز أقابلك مرة عشان محرجش نفسي مع أخوكى .. وقابلتك رغم ان دى أول مرة أعمل حاجه زى كده وبجد انت مش متصور أنا حسه بايه دلوقتى .. حسه انى مضايقة أوى من نفسي

قال “حامد” ببرود :

– انت معملتيش حاجه غلط احنا أعدنا فى مكان عام حتى مطولناش

قالت “نرمين” بضيق :

– بس أنا مش كده .. أنا مش بقابل حد ومش يتكلم مع حد .. ولو “مراد” عرف انت مش متصور ممكن يعمل فيا ايه .. انت متعرفش “مراد”

قال “حامد” بسخرية :

– لا عارفه كويس .. عقليه متخلفة

قالت “نرمين” بغضب :

– لو سمحت مسمحلكش تقول على أخويا كده .. “مراد” مش متخلف “مراد” راجل وبيخاف علينا

قال “حامد” بسرعة :

– حبيبتى أنا مش قصدى أنا بس من ضيقي قولت كده

قالت “نرمين” بحزم :

– بص يا “حامد” .. أنا مش هقدر أتكلم معاك فى التليفون تانى .. لو انت فعلاً زى ما بتقول عايز تتقدملى خلاص عندك أخويا اتكلم معاه

قال “حامد” :

– طيب عايز أطلب منك طلب واحد بس

– ايه هو

– انتى عندك ايميل ؟

قالت وهى تشعر بريبه :

– أيوة

قال “حامد” :

– طيب تعالى نتكلم على الميل وافتحى الكام

قالت “نرمين” بعصبية :

– لأ مش هفتح الكام ومش هكلمك على الميل

قال “حامد” بإصرار :

– عشان خاطرى مرة واحدة بس

قالت “نرمين” فى حنق :

– قولت لأ .. ومعلش لو سمحت مضطرة أقفل

أنهى “حامد” المكالمة و قد اغتاظ مما فعلت فتمتم لنفسه :

– مش “حامد” اللى يتقاله لأ

*****************************************

جلس “طارق” واجماً فى مكتبه .. يشعر بالحزن والأسى .. يحاول أن يبحث عن مخرج لـ “مريم” من تلك الورطة .. امتدت يده الى هاتفه واتصل بـ “مى” .. اضطربت “مى” عندما رأت رقمه وخرجت من غرفتها وتوجهت الى أمها فى المطبخ وقالت :

– ماما أستاذ “طارق” بيتصل

التفتت الها أمها وقالت :

– طيب ردى عليه

وقبل أن تتحدث “مى” أخذت منها أمها الهاتف وردت بدلاً منها أمام نظرات “مى” المندهشة :

– السلام عليكم

رد “طارق” بإستغراب :

– وعليكم السلام .. ممكن أكلم الآنسه “مى”

قالت أمها :

– حضرتك الأستاذ “طارق” مش كده ؟ .. أنا مامتها

قال “طارق” بحرج :

– أهلا بحضرتك

قالت والدة “مى” :

– لحظة واحدة

أعطت الهاتف لـ “مى” المندهشة فقالت :

– ألو

قال “طارق” :

– أيوة يا آنسه “مى” .. آسف لو كنت أزعجتك

– لا اتفضل

قال بحزن :

– انا عرفت مكان “مريم” وحبيت أطمنك عليها

قالت “مى” بلهفة :

– هى فين ؟

– هى فى مشكلة وبما انك صحبتها فأكيد محتجاكى جمبها أنا مش هقولك على تفاصيل هسيبها هى تحكيلك .. بس أرجوكى خليكي جمبها .. ده رقم البيت اللى هيا فيه ……….

دونت “مى” الرقم وشكرته قائله :

– متشكره أوى

تمتم بخفوت :

– العفو .. خلى بالك منها .. مع السلامه

أنهت “مى” المكالمة ونظرت الى أمها قائله بإستغراب :

– انتى ليه رديتي قبلى ؟

قالت أمها وهى تحضر الطعام :

– عشان يعرف انك مبتخبيش حاجه عن أهلك وبتقوليلهم كل حاجه مهما كانت صغيره

ابتسمت “مى” فقالت أمها :

– كلمى “مريم” بأه وطمنينى عليها عشان البنت دى قلقانى أوى

اتصلت “مى” الرقم الذى أعطاها اياه “طارق” جاءها صوت أنثوى يقول :

– ألو

قالت “مى” :

– السلام عليكم .. لو سمحتى ممكن أكلم “مريم”

– طيب ثوانى

لحظات وردت “مريم” على الهاتف وهى تشعر بالريبة فهتفت “مى” :

– انتى فين يا بنتى كنت هموت من القلق عليكي

قالت “مريم” بإستغراب :

– عرفتى رقم البيت ده منين

قالت “مى” :

– من الاستاذ “طارق”

قالت “مريم” بدهشة :

– واداهولك ليه

قالت “مى” :

– قالى انك فى مشكلة ومحتجانى جميك .. خير يا “مريم” طمنينيى عليكي

قالت “مريم” بأسى :

– مش هعرف أكلمك دلوقتى يا “مى” ولا حتى هعرف أشوفك مع انك وحشانى أوى .. بالليل ان شاء الله هنتكلم سوا براحتنا هفتح موبايلي وأتصل بيكي على موبايلك ماشى ؟

تمتمت “مى” :

– ماشى يا حبيبتى منتظرة اتصالك

************************************************

– “بهيرة” يا “مراد”

تفوه “سباعى” بهذه العبارة عبر الهاتف فقال “مراد” :

– ملها عمتو

صاح “سباعى” بغضب :

– مصره تسافرلك بكرة على مصر .. والدكاتره منعينها من أجل حركه خد كلمها اهى يمكن تسمع كلامك

قالت “بهيرة” بصوت متعب :

– اييوه يا “مراد” يا ولدى

قال “مراد”بقلق :

– انتى عاملة ايه دلوقتى يا عمتو

قالت بضعف :

– امنيحه يا ولدى امنيحه جوى وان شاء الله بكره هكون عندك فى مصر

قال “مراد” بإصرار :

– عمتو متجيش الا لما الدكاتره يسمحولك بالسفر ولما يسماحولك أنا بنفسى هاجى آخدك

– لازمن آجى يا ولدى فى حاجات كتير لازمن أعملها

قال “مراد” :

– كل حاجه تتأجل عشان صحتك يا عمتو .. وأى حاجه محتجاها تتعمل هنا قوليلى وأنا اعملها

قالت “بهيرة” بصوت ضعيف :

– كيفها “مريم” امنيحه يا ولدى؟

تمتم “مراد” :

– أيوة كويسة

قالت “بهيرة” :

– خلى بالك منيها .. البنية مظلوكة .. ولد عمك هو اللى افترى عليهايا ولدى متصدجش كلام “جمال” .. دى حكاية جديمة هبجى أحكيلك عليها لما آجى وأتكلم مع “مريم” .. أهم حاجة عندى دلوجيت متظلمش البنيه الظلم وحش يا ولدى وآخرته سوده اسألنى آنى

قال “مراد” بضيق :

– مش فاهم ليه انتى الوحيدة اللى مقتنعه انها مظلومة على الرغم من ان فى شهود وعلى الرغم من كلام “جمال” نفسه

قالت “بهيرة” بحزم :

– آنى حلفتها تجولى الحج وجالتلى انها مظلومة

قال “مراد” ساخراً :

– قالوا للحرامى احلف

قالت “بهيرة” بحدة :

– آنى مش بنت امبارح يا “مراد” آنى أعرف امنيح اذا كان اللى جدامى بيكذب عليا ولا بيجول الحج

ثم تمتمت بضعف :

– آنى هجفل دلوجيت يا ولدى وهبجى أكلمك بعدين

قال “مراد” بقلق :

– انتى كويسه يا عمتو

قالت وهى تجاهد ليخرج صوتها متوازناً :

– ايوة امنيحه .. لو مش عايزنى آجى الا لما صحتى تتحسن يبجى تخلى بالك من “مريم” امنيح وتحطها جوه عنيك .. سامعنى يا ولدى

قال “مراد” ببرود :

– متقلقيش يا عمتو هى كويسة ومش بتأخر عنها فى حاجه

– ربنا يبارك فيك يا ولدى .. فى حفظ الله .. أشوفك بخير

***************************************

فتح “سامر” باب بيته وأشار الى “سهى” قائلاً ك

– منورة البيت اتفضلى

دخلت “سهى” البيت وهى تبتسم بتوتر .. أشار “سامر” الى أحد الأرائك قائلاً :

– ادخلى يا بنتى مالك متخشبة كده

دخلت “سهى” وجلست .. ذهب “سامر” الى المطبخ وأحضر كوبين عصير .. وجلس بجوارها قائلاً :

– ياه أخيراً مخك لان ورضيتي تيجي

قالت “سهى” بتوتر :

– بصراحة أنا كنت مرعوبة كنت خايفة ان حد يشوفنى وأنا طالعة العمارة

ضحك “سامر” قائلاً :

– يا بنتى جمدى قلبك متبقيش خفيفة كدة

مسك الريموت وأخذ يقلب فى الفنوات قائلاً :

– ها تحبي نتفرج على ايه

توقف عند احدى المحطات قائلاً :

– الفيلم ده كويس هيعجبك أوى

ابتسمت “سهى” وقد بدأ يقل توترها .. قال “سامر” :

– نطلب بأه الأكل عشان منضطرش ننزل

بعد قرابة الساعتين من الكلام والضحك والمزاح نظرت “سهى” الى ساعتها وهبت واقفه وقالت :

– ياااه اتاخرت أوى يا حبيبى .. همشى بأه

وقف “سامر” قائلاً وعلامات الحزن على وجه :

– حبيبتى خليكي شوية كمان

قالت بأسف :

– معلش يا حبيبى بجد اتأخرت أوى

ابتسم لها قائلاً :

– طيب بس دى متعتبرش زيارة مستنيكي تانى بكرة

قالت بحيرة :

– بكرة

قال “سامر” بمتسماً :

– اديكي شوفتى أهو .. اعادنا هنا أحلى كتير من بره .. أعدين براحتنا ومحدش بيضايقنا .. ولا أنا عملت حاجه تضايقك ؟

قالت بسرعة :

– لا يا حبيبى أبداً

– طيب يبقى تيجى بكرة به ان شاء الله وهكون محضر كام فيلم حلوين نشوفهم سوا

ابتسمت قائله :

– خلاص اتفقنا .. يلا سلام

قبلها على الباب مودعاً .. خرجت “سهى” وركبت الأسانسير .. خرجت منه لتجد امرأة فى وجهها ظلت تتفحصها وتنظر اليها بإحتقار .. نظرت اليها “سهى” ببرود ثم غادرت المبنى .. صعدت المرأة الى شقة “سامر” وضربت الجرس .. فتح “سامر” قائلاً:

– ماما

قالت المرأة بحده :

– ميت مرة قولتلك متجبش الأشكال دى بيتك بطل الأرف ده يا “سامر” متنجسش بيتك يا ابنى

قال “سامر” بنفاذ صبر :

– ماما بقولك ايه مش عايز عكننه .. روحى شقتك يلا

قالت أمه بغضب :

– يا ابنى اتقى ربنا بدل ما ربنا يبتليك بمرض

قال “سامر” وهى يخرج ويغلق الباب بعنف :

– سايبهالك مخضرة

نزل وعين أمه تتابعانه بأسى وهى تدعو له بالهداية .

********************************************

عاد “مراد” الى بيته فى وقت متأخر .. لم يسمع صوتاً قى البيت فصعد الى غرفته .. طرق الباب طرقات خفيفه ثم دخل .. لم يجد “مريم” فى الغرفة .. هم بأخذ ملابسه من الدولاب عندما سمع صوتاً قادماً من الشرفة .. اتجه الى الشرفة وأزاح الستارة قليلاً ليرى “مريم” واقفه تستند الى السور وتتحدث فى الهاتف .. فتح باب الشرفة قليلاً .. فسمعها تقول بعصبيه :

– بقولك كل حاجه حصلت بسرعة طبعا ملحقتش أصرخ .. لما حضنى أصلا اتخضيت لانى كنت فاكرة انى واقفه فى المكان ده لوحدى ولما حاولت أزقه لقيت فجأة رجاله حوليا وهو طلع يجري وأعدوا يسألونى انتى بنت مين

ثم أكملت بحده :

– يعني لو أنا واحدة وحشة أكيد مكنتش هقولهم أنا مين وكنت سيبتهم وجريت .. لكن أنا كنت مصدومة ولما عرفوا اسمى لقيتهم فجأة بيزعقوا جريت وروحت البيت وجم ورايا وحصل اللى حصل

– ———————

– تفتكرى .. لا طبعاً مكانوش هيسيبونى أهرب واحتمال كانوا موتونى ..

ثم قالت “مريم” بأسى :

– صعب أوى ما “مى” لما تحسي انك مظلومة والناس عماله تقطع فيكي بلسانها ومحدش مصدق انك بريئة .. أكتر حاجة وجعتنى لما قالى فى العربية متتكلميش كتير مع اخواتى دول بنات محترمة ومتربيين حسسنى كأنى واحدة من الشارع حسيت انى عايزة أعيط بس مسكت نفسي بالعافية عشان ميشمتش فيا

– ———————

– أعمل ايه مضطرة أتحمل لحد ما عمتو تيجي وتخلصنى منه هى وعدتنى انها هتخليه يطلقنى

ثم قالت بصوت كمن يوشك على البكاء :

– أول امبارح سمعنى كلام زى السم عشان كنت بتكلم وأضحك مع مامته واخواته فكرنى بعمل كده عشان ميطلقنيش .. قالى كلام صعب أوى خلانى نزلت أنام فى الجنينة مكنتش طايقة أنام معاه فى نفس الأوضة لحد ما تعبت وسخنت أوى

ثم أكملت بصوت مرتجف وأعين دامعه :

– تعرفى أكتر حاجه بتوجع هى انك تبقى عايشة مع حد يحسسك كل شوية انك واحده مش محترمة ورخيصة ودايرة على حل شعرك

أجهشت فى البكاء قائله :

– بيقولى كلام وحش أوى يا “مى” عمر ما حد أهانى كده

وضعت “مريم” كفها على فمها تكتمه حتى لا يصل صوت بكائها لأحد فى المنزل .. كان “مراد” يراقبها من خلف الزجاج ويستمع الى بكائها وقد عقد ما بين حاجبيه .. وقف الى أن سكنت وهدأ بكائها ثم التفت وغادر الغرفة وتوجه الى مكتبه بالأسفل جلس شارداً يسترجع كلماتها التى بثتها منذ قليل وهو يشعر بمزيج من الحيرة والأسى.

الفصل السادس عشر من رواية قطة فى عرين الأسد

استيقظ “مراد” قبل الفجر بنصف ساعة ليجد الأريكة فارغة .. توضأ وأرتدى ملابسه وخرج يبحث عن “مريم” .. ظن انها فعلت كما فعلت من قبل ونامت فى الحديقة .. نزل الى الأسفل ليسمع تمتمه من غرفة المعيشة .. اقترب ببطء فرآى “مريم” تصلى حاملة مصحفها .. لم يصدر صوتاُ خشية من أن تنتبه اليه وتفقد تركيزها وخشوعها .. لا يدرى لما ظل ينظر اليها وشعور بالراحة والسكينة يغمر نفسه .. ظل دقائق واقفاً يراقبها .. ثم انصرف وغادر المنزل الى المسجد القريب .. أنهت “مريم” صلاة القيام قبل الفجر بلحظات ثم صلت الفجر وصعدت الى الدور العلوى طرقت باب غرفة “سارة” طرقات خفيفة .. فلم تجد استجابة فطرقته بقوة أكبر فتحت “سارة” الناعسة وهى تقول :

– فى حاجه يا “مريم”؟

ابتسمت “مريم” قائله :

– أيوة الفجر أذن قومى صلى يلا

فركت “سارة” عينيها وقالت :

– ماشى يا حبيبتى كويس انك صحتيني بقالى كتير مش بصليه

قالت “مريم” :

– بس اوعى تنامى تانى

ابتسمت “سارة” ابتسامه ضعيفه وهى تقول :

– لا فوقت خلاص

فعلت “مريم” المثل مع “نرمين” التى أجابت بحده قائله :

– كنت نايمة ربنا يسامحك

قالت “مريم” مبتسمه :

– صلى وكملى نوم

قالت “نرمين” بضيق :

– لما بصحى مبعرفش أنام تانى

ابتسمت “مريم” :

– أصلاً الافضل انك متنميش تانى البركة بتبقى فى الوقت ده .. يلا متكسليش وصلى

أومأت “نرمين” برأسها فى تبرم .. توجهت “مريم” الى غرفة “ناهد” فى تردد وطرقت الباب .. رأتها “سارة” وهى خارجة من غرفتها فإبتسمت قائله :

– لا متتعبيش نفسك ماما على طول بتصلى الفجر فى معاده

فتحت “ناهد” وهى مرتدية إسدال الصلاة وابتسمت وهى تنظر الى “مريم” و “سارة” قائله :

– ايه ده البيت كله صاحى ولا ايه

قالت “سارة” :

– آه “مريم” صحتنا عشان نصلى الفجر

قالت “ناهد” بعتاب :

– أخيراً .. طيب الحمد لله يا ست “سارة” ان فى حد قدر عليكي انتى و “نرمين” أنا فقدت فيكوا الأمل من زمان

ابتسمت “مريم” قائله :

– خلاص يا طنط سيبى صحيانهم عليا وأهو أخد ثواب من وراهم

قالت “ناهد” بمرح :

– ماشى يا قطة هعتمد عليكي فى الموضوع ده ربنا يعينك عليهم

عاد “مراد” من الخارج ليجد الثلاثة واقفين يتحدثون معاً فقال بإستغراب :

– فى حاجه

توترت “مريم” لرؤيتها اياه .. رؤياه دائماً تشعرها بالتوتر والإرتباك .. فقالت بصوت خافت :

– تصبحوا على خير

وهربت الى .. غرفته .. شعرت بالحنق .. فلا مهرب منه الا اليه .. قالت “ناهد” مبتسمه :

– مراتك ربنا يباركلها كانت بتصحينا عشان نصلى الفجر .. يلا روح نام بأه معدش الا كام ساعة وتقوم لشغلك

تمتم “مراد” :

– تصبحى على خير

– وانت من أهل الخير

دخل “مراد” غرفته .. حيث كانت “مريم” واقفة فى الشرفة يداعب وجهها نسمات الصباح الباردة .. وقفت شاردة تنظرالى الحديقة وما حولها .. فتح “مراد” باب الشرفة وقال لها بلهجة آمره :

– ادخلى

التفتت “مريم” التى فوجئت بوجوده .. نظرت اليه دون حراك فنظر اليها وأعاد ما قال :

– ادخلى

امتثلت لكلامه وتوجهت الى اريكتها أغلق “مراد” الشرفة بإحكام وأحكم غلق الستارة جيداً .. ثم توجه الى فراشه .. نامت “مريم” وقد أولته ظهرها .. أما “مراد” فقد غرق فى تفكير عميق .

**********************************

كان “مراد” غارقاً فى أعماله عندما وجد “طارق” أمامه .. شعر “مراد” بتغير صديقه فقال وهو ينظر اليه :

– مش عاجبنى على فكرة

قال “طارق”بتهكم :

– ليه بأه

ترك “مراد” القلم من يده ورجع بظهره الى الخلف ونظر الى صديقه متفحصاً وقال :

– حسك متغير .. معرفش ليه .. فى حاجة مضيقاك يا “طارق”

زفر “طارق” بضيق ثم قال بعصبيه وهو يتحاشى النظر الى عيني “مراد” :

– لا أبداً بس يمكن ضغط الشغل تعبلى أعصابي شوية

ابتسم “مراد” قائلاً :

– ماشى هحاول أقنع نفسي بكده

أمسك “مراد” قلمه مرة أخرى وعاود تفحص أوراقه عندما نظر اليه “طارق” وقال بشئ من التردد :

– انت بأه أخبارك ايه ؟

قال “مراد” دون أن يرفع رأسه :

– الحمد لله

قال “طارق” بصوت حاول أن يبدو عادياً :

– وأخبار عمتك ايه متعرفش هترجع امتى

رفع “مراد” رأسه ونظر الى “طارق” بتمعن وقال :

– لأ هى تعبانه شوية ومش هتقدر تيجي دلوقتى

قال “طارق” بشئ من الضيق :

– أنا مش عارف انت ليه مستنيها أصلاً يعني هى اللى هتطلق ولا انت .. طالما المشاكل فى الصعيد مش هنا خلاص طلقها وسيبها تشوف نصيبها

قال “مراد” بحزم :

– مستنى أتأكد ان المشاكل انتهت وان الطلاق مش هيسبب مشاكل تانية .. وبعدين لو سمحت يا “طارق” أنا مش حابب اسلوبك فى الكلام عن الموضوع ده

قال “طارق” وهو يحاول التحكم فى أعصابه :

– معلش يا “مراد” بس البنت فعلاً صعبانه عليا وحاسسها اتظلمت

قال “مراد” بهدوء :

– سألتك انت تعرف عنها ايه قولتلى متعرفش حاجه

قال “طارق” وهو ينهض :

– أيوة معرفش غير انها كان مكتوب كتابها وخطيبها مات

سأل “مراد” بإهتمام :

– اسمه ايه ؟

قال “طارق” بتهكم وهو يغادر الغرفة :

– معرفش اسألها

***********************************

قال “سامر” لـ “سهى” وهما جالسان معاً فى بيته ..

– حبيبتى ايه رأيك نسافر اسبوع مع بعض

قالت “سهى” بحنق :

– انت بتستهبل يا “سامر” وأقولهم ايه فى البيت

قال “سامر” ببساطة :

– قوليلهم طالعة رحلة مع صحابك

قالت “سهى” بعصبية :

– لا طبعا مستحيل يوافقوا انى أبات بره .. أسافر ماشى لكن من غير بيات

قبلها وابتسم قائلاً :

– خلاص يبأه نروح تقضى يوم فى أى مكان أنا وانت وبس يا جميل

نظرت اليه “سهى” قائله :

– وبعدين يا “سامر”

قال بدهشة :

– وبعدين ايه

قالت بأسى :

– وبعدين اخرة اللى احنا فيه ده .. مش ناوى تاخد خطوة بأه

قلبها قائلاً :

– أنا عايز آخد خطوات مش خطوة واحدة

أبعدته عنها قائله :

– “سامر” لو سمحت أنا بتكلم بجد

زفر “سامر” بضيق واعتدل فى جلسته قائلاً :

– مش فاهم قصدك يا “سهى”

قالت بعصبيه :

– ايه اللى يمنع ان ارتباطنا يبقى رسمى يا “سامر” .. احنا الاتنين بنحب بعض ومفيش بينا مشاكل وانت ظروفك كويسة قولى بأه ايه يمنع

قال وهو يخرج سيجارة ويشعلها :

– للأسف يا حبيبتى مضطرين نأجل الموضوع ده شوية

قالت بحده :

– ليه يا “سامر” نأجله ليه

قال وهو ينظر اليها ويمرر أصابعه فى خصلات شعرها :

– عشان فى مشاكل دلوقتى فى البيت وعندنا حالة وفاة وطبعا مينفعش أخطب دلوقتى

قالت “سهى” بحزن :

– بس أنا نفسي ارتباطنا يبقى رسمى يا “سامر” .. نفسي ما أحسش انى بعمل حاجه غلط

اقترب منها أكثر وقبلها قائلاً :

– حبيبتى انتى مبتعمليش حاجه غلط وهو انتى مع واحد غريب انتى معايا انا ..

“سامر” اللى بكرة يبقى جوزك وتبقى مراته

قالت بلهفه :

– نفسي بأه يا “سامر” ده يحصل

عانقها قائلاً :

– هيحصل يا حبيبتى وقريب أوى بس مش طالب منك أكتر من انك تتحمليني شوية وتتحملى ظروفى لحد ما أقدر أتكلم معاهم فى البيت

ابتسمت قائله :

– ماشى يا حبيبى ولا يهمك

نظر اليها قائلاً :

– يعني هتقفى جمبي ومش هتتخلى عنى أبداً

قالت :

– أيوة طبعا يا حبيبى

ابتسم ونظر اليها بهيام قائلاً :

– طيب أنا عايز أطلب منك طلب والطلب ده هيثبت اذا كنتى فعلاً بتحبينى ومقدرة ظروفى ولا لاء

قالت له :

– اطلب يا حبيبى

قال “سامر” وهى ينظر اليها بخبث :

– تقبلى تتجوزيني

ضحكت بسعادة قائله :

– طبعاً موافقة

قال “سامر” :

– طيب قولى ورايا زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله

ضحكت “سهى” بمرح وقالت :

– زوجتك نفسي على سنة الله ورسوله

قال “سامر” بخبث :

– وأنا قبلت زواجك

ثم قال :

– على فكرة احنا كدة خلاص يعتبر اتجوزنا

صاحت “سهى” :

– نعم .. لأ طبعا

قال “سامر” بثقه :

– لأ يعتبر اتجوزنا لأن الجواز عرض وقبول وانتى جوزتيني نفسك وأنا قبلت

قالت “سهى” بقلق وهى تبتعد عنه :

– انت بتهزر صح

– لأ طبعاً مبهزرش ده الكلام اللى بيقوله أى مأذون لما بييج يجوز اتنين لبعض واحنا قولناه يبقى خلاص متجوزين

هبت “سهى” واقفه وقالت بحده :

– انت بتستهبل يا “سامر” لا طبعا فى حاجات كتير ناقصة

جذبها من يدها وأعدها الى جواره ووضع ذراعه على كتفها وقال :

– طيب قوليلى ايه اللى ناقص

قالت بحيرة :

– ناقص ان يبقى فى مأذون وقسيمة جوازويبقى فى شهود

قال “سامر” :

– حبيبتى أولا تقدرى تقوليلى الناس زمان كانت بتتجوز ازاى .. قبل ما يكون فى مأذون وقبل ما يعملوا السجل المدنى .. هاا يعني ايام الرسول كان فى سجل مدنى ؟ طبعا لا .. كان فى مأذون .. طبعا لا .. كانت الناس بتتجوز بطريقتنا دى وبيكتبوا ورقة بينهم وبيبقى فى شهود وبيمضوا عليها كمان

صاحت “سهى” بحده :

– جواز عرفى ؟

قال “سامر” :

– الناس هى اللى أطلقت عليه الاسم ده لكن ده جواز طبيعى جدا

قالت “سهى” :

– لا طبعا مش طبيعى

قال “سامر” :

– يعني عايزه تفهميني ان كل الناس اللى كانت بتتجوز من قبل ما بخترعوا السجل المدنى كل دول جوازهم باطل ؟

صمتت “سهى” فى حيرة وهى لا تدرى ما تقول فأكمل قائلاً :

– لا طبعا .. ليه .. لان الجواز هو اللى احنا عملناه دلوقتى واحدة بتعرض نفسها وواحد بيقبل وربنا بيكون شاهد عليهم .. وعشان حقوق الطرفين بيكتبوا ورقة ويعملوا منها نسختين وبيكون عليها شهود وده اللى احنا هنعمله بالظبط

قالت “سهى” بأسى :

– وليه منتجوزش طبيعى زى ما كل الناس بتتجوز ونفرح أهلك وأهلى

قال “سامر” وهو يعانقها :

– حبيبتى أنا نفسي فى ده أكتر منك بس أعمل ايه فى الظروف اللى مضطرين نستحملها احنا الاتنين .. وقريب أوى المشاكل اللى عندى فى البيت هتتحل

نظر الى وجهها قائلاً :

– هااا يا حبيبتى ايه رأيك .. أنا فكرت فى كده لما لقيتك بتضايقي من وجودك هنا من غير ما يكون فى بينا حاجه رسمى .. جوازنا هيقلل احساسك بالذنب لانك مش هتبقى بتعملى حاجه غلط .. هتكون فى بيت جوزك يعني فى بيتك

نظرت اليه “سهى” بحيرة وصراع نفسي كبير بداخلها .. فأكمل “سامر” بهمس :

– أنا لو مكنتش بحبك مكنتش أصلا دخلتك البيت ده .. البيت ده مفيش أى واحدة بتدخله .. انتى الوحيدة اللى دخلته .. عارفه ليه .. لان ده بيتك يا “سهى” .. بيتك انتى وأنا جوزك انتى

نظرت “سهى” حولها تتطلع الى البيت ومازالت الحيرة فى عينيها فأكمل قائلاً :

– لو تحبي أنا ممكن أتصل بصحابي حالاً ييجوا ويشهدوا على جوازنا

قالت “سهى ” بصوت خافت :

– لا يا “سامر” مش هينفع .. نستنى أحسن لما مشاكلك فى البيت تتحل

ابتعد “سامر” عنها ببرود وهب واقفاً وقال :

– يلا عشان عندى شغل ومضطر أمشى دلوقتى

وقفت ونظرت اليه بأسى اقتربت منه وحاولت أن تلمس ذراعه فنفضه بعيداً عنها توجه الى باب البيت وفتحه فى انتظار خروجها اقتربت منه “سهى” وقالت بأسى :

– “سامر” عشان خاطرى متزعلش منى .. بس مش هقدر بجد

قال ببرود دون أن ينظر اليها :

– يلا يا “سهى” لو سمحتى عايز أغير هدومى عشان ألحق معادى

قالت “سهى” بصوت حزين :

– طيب هنتقابل تانى امتى

قال ببرود :

– معرفش على حسب ظروفى

– طيب هكلمك أول ما أروح

لم يجيبها .. خرجت “سهى” وهى تشعر بالحزن والأسى.

***********************************

– قولتلك متتصلش بيا تانى لو سمحت

هتفت “نرمين” بهذه العبارة وهى تتحدث الى “حامد” عبر الهاتف فقال “حامد” بشئ من الحده :

– متبقيش عنيدة يا حبيبتى

قالت بحزم :

– بقولك متتصلش تانى .. ومقابلة مستحيل أقابلك .. بجد أنا مش فاهمة ازى كنت غبية كدة .. أنا اطمنتلك لما عرفت انك صاحب “مراد” ومتخيلتش أبداً انك ممكن تلعب بيا لأنك أكيد هتعمل حساب لأخويا .. بس بجد مش عارفه أقولك ايه أنا بجد بحتقرك أوى وبحتقر نفسي قبل منك لانى سمحتلك انك تتمادى معايا كده .. بجد لو سمحت كفاية كدة ومتتصلش بيا تانى

قال “حامد” بغلظة :

– ماشى يا “نرمين” .. مش هتصل تانى .. بس انتى اللى هتتصلى .. سلام

أنهت المكاملة وهى تشعر بتوتر بالغ .. جلست على فراشها مهمومة وحزينه .. طرقت “مريم” باب غرفتها ففتحت قائله :

– أيوة يا “مريم” فى حاجه

ابتسمت لها “مريم” قائله :

– أعده لوحدك ليه .. كلنا أعدين تحت تعالى اعدى معانا

قالت “نرمين” شارداه :

– لا مش عايزة

نظرت اليها “مريم” وقالت بقلق :

– مالك يا “نرمين” فى حاجة تعباكى

قالت “نرمين” بسرعة :

– لا مفيش حاجه مصدعة بس

قالت “مريم” بحنان :

– طيب يا حبيتبى هنزل أجبلك حاجه للصداع

قالت “نرمين” بسرعة :

– لا أنا أخدت خلاص شكرا يا “مريم” بس عايزة أنام شوية

– ماشى يا حبيبتى

أغلقت “نرمين” الباب ورمت بنفسها على فراشها وهى تشعر بالهموم تثقل كتفيها

بعد ما يرقب من ربع ساعة وجدت رسالة من “حامد” على هاتفها فتحتها وهبت من على فراشها واقفة وهى تردد :

– يا مصيبتي

سمعت بعدها صوت نغمة رسائل متتتالية .. كانت الصور تجمعها بـ “حامد” يوم أن تقابلا .. لكن الصور كانت معدلة أو بمعنى آخر محرفة .. فظهرت “نرمين” فى احدى الصورة و “حامد” ممسكاً بيدها عندما كانا جالسان معاً فى المطعم .. وفى صورة أخرى تُظهر “حامد” وكأنه يهم بتقبيلها .. وصورة التاكسى وهو يميل برأسه من الشباك لتقبيلها .. شعرت بقلبها يقفز من مكانه من شدة الفزع .. أتصلت به بأصابع مرتجفة .. لم يجيب من أول مرة ولا ثانى مرة أجاب فى الثالثه وقال بمرح :

– حبيبة قلبي .. كنت عارف انى مش ههون عليكي تحرمينى منك

قالت بصوت مرتجف :

– ايه الصور دى .. انت ازاى عملت فى الصور كده

قال “حامد” بمرح :

– دى صورى أنا وانتى يا حبيبتى لأول مقابلة بينا لحقتى تنسيها يا “نرمين”

قالت بصوت أوشك على البكاء :

– بس اللى فى الصور ده محصلش .. انت عملت ايه فى الصور .. وازاى صورتها أصلا

قال “حامد” ضاحكاً :

– ازاى صورتها فدى استعنت فيها بصديق .. أما ايه اللى عملته فى الصور فأنا ضفت عليها لمساتى .. ايه رأيك مش كدة أحلى .. آه صحيح يا “نرمين” كنت عايز أسألك تفتكرى هتعجب “مراد”

أجهشت فى البكاء قائله :

– حرام عليك .. أرجوك امسحهم لو “مراد” شافهم هيقتلنى

قال “حامد” :

– اسمعى كلامى وأنا أمسحهم

قالت من بين شهقاتها :

– مستحيل أقابلك أبدا مش هيحصل

قال “حامد” :

– وأنا مطلبتش أقابلك يا “نرمين” .. عايز منك حاجه تانية

توقفت عن البكاء وقالت بريبه :

– عايز ايه ؟

قال “حامد” :

– مش دلوقتى .. هقولك بعدين .. سلام يا حبي

أنهى المكالمة .. حاولت الاتصال به مرة أخرى لكنه لم يرد .. ألقت بنفسها على فراشها وقد أجهشت فى بكاء مرير

***********************************

عاد “مراد” من عمله ليجد أمه فى استقباله وهى تشير الى غرفة المعيشة قائله بحزم :

– عايزاك يا “مراد”

شعر “مراد” بالقلق ولحق بها قائلاً :

– فى حاجه يا ماما .. البنات كويسين ؟

وقفت أمه فى مواجهته وقد عقدت ذراعيها أمام صدرها وقالت بغضب:

– ملقتش الا بنت الراجل اللى قهر أبوك وتتجوزها يا “مراد”

صمت “مراد” قليلاً ثم قال :

– هى قالتلك

صاحت “ناهد” بغضب :

– هتقولى ازاى وانتوا من الواضح انكوا اتفقتوا مع بعض ان محدش يجبلى سيرة .. اكنى مكنتش هعرف فى يوم من الأيام

قال “مراد” بإستغراب :

– أمال عرفتى منين ؟

قالت “ناهد” بحده :

– اتصلت أطمن على عمتك .. مراة “سباعى” ردت عليا ولقتها بتقولى ربنا يكون فى عونك ازاى مستحملة بنت الراجل اللى جوزك اتظلم بسببه

نظر اليها “مراد” وقال مستفهماً :

– قالتلك حاجه تانى ؟

قالت “ناهد” ببرود :

– لا قالت كده بس واضطريت انى أعمل قدامها أكنى كنت عارفه ماهو مش معقول أحسسها انى آخر من يعلم ومش عارفه مين البنت اللى دخلت بيتي

شعر “مراد” بالراحة لأن أمه لم تعلم طريقة زوجه من “مريم” .. قال لها بهدوء :

– هى ملهاش ذنب فى اللى أبوها عمله زمان .. ربنا بيقول {وَلَا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى} وحضرتك عارفه كده كويس

نزلت “مريم” الدرج وهمت بان تتوجه الى غرفة المعيشة عندما سمعت “ناهد” تقول بضيق :

– أيوة عارفه كده .. بس كنت اتمنى أعرف ده منك بدل ما أعرف من بره .. وكمان مش متخيلة ان مفيش بنت عجبتك فى البلد غيرها ده انا ياما جبتلك عرايس وتروح فى الآخر تتجوز بنت راجل زى ده

شعرت “مريم” بالألم وهى تستمع الى تلك الكلمات .. وتوجهت مسرعة الى غرفة “مراد” .. جلست على الأريكة وهى تستغفر الله عز وجل والدموع فى عينيها وتتمتم لنفسها :

– يا ربي أول ما بدأت أحس انى فى حد حنين عليا تتقلب الدنيا كده

تنهدت “مريم” بعمق وهى تحاول أن تتخيل معاملة “ناهد” لها بعدما علمت بمن تكون .. كان تلاقى من “مراد” الأمرين .. شعرت بأن أعصابها لن تتحمل ضغوطاً أخرى .. جلست تستغفر الله عز وجل عله يفرج كربها .. دقائق ورأت “مراد” يدخل الغرفة بعدما طرق الباب .. أغلق الباب خلفه فهبت واقفة وقالت :

– لو سمحت .. أنا عايزة أروح أعد فى شقتى

نظر اليها “مراد” صامتاً .. ثم قال :

– ليه ؟

قالت دون أن تنظر اليها :

– أنا غصب عنى سمعت جزء من كلام طنط “ناهد” .. مكنش قصدى أسمع .. وأنا شايفه ان معدش ينفع أستنى هنا

اقترب منها “مراد” فرفعت وجهها وابتعدت للخلف .. كان ينظر اليها بحده وقال بجديه بالغة :

– طول ما فى ورقة جواز بينا مش هسمحلك تسيبي البيت ده

علمت من نظراته ونبرة صوته أن الموضوع منتهى بالنسبة له .. قالت بحنق :

– طيب أنا كدة كدة لازم أروح هناك لانى محتاجة حاجات ليا فهروح بكرة ان شاء الله

قال “مراد” ببرود :

– مفيش مشكلة هروح معاكى

نظرت اليه قائله :

– لا مفيش مشكلة هروح لوحدى

قال بإصرار :

– قولت هروح معاكى .. جهزى نفسك على الضهر هرجع من المكتب أخدك

**********************************

فى الصباح حاولت “مريم” تجنب ملاقاة “ناهد” الى أن حضر “مراد” بسيارته وانطلقا معاً الى بيتها .. صعد “مراد” خلفها الدرجات المتهالكة .. توقفت أحد الأبواب التى يبدو عليها القدم .. دلفا معاً الى الداخل .. شعرت “مريم” بالتوتر الشديد لوجود “مراد” معها فى هذا المكان الخاص .. الذى يحوى ذكرياتها مع أسرتها .. أغلقت “مريم” الباب وقالت بتوتر :

– هخلص بسرعة

توجهت الى غرفتها و اخذت حقيبة من تحت الفراش وأخذت فى جمع ما أرادته .. فوجئت بـ “مراد” واقفاً أمام باب الغرفة المفتوح .. شعرت بالإضطراب .. نفس الإضطراب الذى يراودها كلما نظرت اليه .. أخذت عينا “مراد” تدوران فى الغرفة كعين الصقر .. يتفحص كل ما فيها .. وقع نظرة على الفراشين المتجاورين .. فنظر الى “مريم” قائلاً :

– انتى عندك اخوات

مرت سحابة حزن أمام عينيها قالت وهى تكمل حزم أشيائها :

– أيوة .. بس متوفية

لانت ملامح “مراد” قليلاً وهو ينظر اليها .. صمت قليلاً ثم قال :

– هى مامتك فى الصعيد مع أهل باباكى ولا عايشة هنا فى القاهرة ؟

بلعت “مريم” ريقها بصعوبة .. تباً لذلك لماذا يذكرها بكل ما فقدت .. قالت بصوت مرتجف دون أن تنظر اليه :

– اتوفت

قال “مراد” وهو يمعن النظر اليها :

– مامتك كمان متوفيه

أومأت برأسها فنظر اليها متفرساً :

– وانتى كنتى عايشة هنا ولا فى الصعيد ؟

– هنا

قال “مراد” بإستغراب :

– انتى كنتى عايشة هنا لوحدك

التفتت تنظر اليه وقالت بنفاذ صبر :

– أيوة أهلى كلهم ماتوا فى حادثة وأنا كنت عايشة لوحدى .. طبعا زمانك دلوقتى بتفكر ان أكيد كل الحاجات اللى سمعتها عنى صح وانى عملت اسوأ منها كمان .. ما هو مفيش واحدة عايشة لوحدها تبقى محترمة وعارفة ربنا

قالت ذلك ثم التفتت مرة أخرى توضب أغراضها .. ظلت نظرات “مراد” معلقة بها وشعور غريب يراوده .. أنهت ما تقوم به ثم التفت اليه قائله ببرود :

– خلصت

سبقها الى الخارج .. أثناء نزولهما فتحت احدى الجارات الباب وقالت :

– ايه ده مش معقول “مريم” .. فينك يا بنتى قلقتيني عليكى

اقتربت “مريم” من المرأة وقبلتها قائله :

– ازيك يا طنط وحشانى أوى

قالت المرأة بطيبة :

– وانتى كمان يا بنتى وحشتينى أوى انتى قولتى هتتصلى تطمنينى عليكي ولا اتصلتى ولا حاجه

قالت “مريم” بأسف :

– معلش يا طنط والله حصلت ظروف واتلبخت

ألقت المرأة نظرة على “مراد” الواقف خلف “مريم” .. ثم قالت لـ “مريم” :

– مين الأستاذ ؟

اضطربت “مريم” وشعرت بالتوتر .. لم يطاوعها لسانها على قول “زوجى” حاولت النطق بها لكنها لم تستطع .. تمتمت بصوت خافت :

– قريبي

ابتسمت له المرأة قائله :

– اتفضل يا ابنى تعالوا ادخلوا شوية

قالت “مريم” بسرعة :

– معلش يا طنط عشان مستعجلين هاجى لحضرتك تانى ان شاء الله

قالت المرأة بطيبة :

– طيب يا حبيبتى ربنا يوفقك .. زى ما قولتلك لو مش هتحتاجى الشقة عرفيني وأنا عندى اللى ياخدها

قالت “مريم” بهدوء :

– لا يا طنط محتجهاها أنا هرجع تانى بعد فترة ان شاء الله

قالت المرأة بحزن :

– ليه يا بنتى مرتحتيش مع أهل أبوكى ولا ايه

قالت “مريم” بأسى :

– يعني حصلت ظروف وهضطر أرجع تانى .. بس شوية كدة

ثم قبلت المرأة وعانقتها قائله :

– ان شاء الله هتصل أطمن عليكي .. مع السلامة

ودعتها جارتها قائله :

– مع السلامة يا حبيبتى خلى بالك من نفسك .. مع السلامة يا أستاذ

أومأ “مراد” برأسه وهو ينزل الدرجات خلف “مريم” .. انطلق “مراد” بسيارته ساد الصمت لدقائق الى أن قطعه قائلاً :

– كانت “جوزى” هتكون أفضل من “قريبي” خاصة وهى شيفانا نزلين مع بعض من شقتك

اضطربت “مريم” وخفق قلبها بشدة .. فتمتمت بصوت مضطرب :

– كدة أحسن عشان لما أرجع مضطرش أشرحلها ليه اتجوزت وليه اطلقت

ألقى نظرة عليها ثم عاود النظر الى أمامه مرة أخرى .. أوصلها “مراد” الى البيت ثم عاد الى مكتبه مرة أخرى .

دخلت “مريم” الفيلا وهمت بالصعود الى غرفتها عندما استوقفتها “ناهد” قائله :

– “مريم” عايزاكى لو سمحتى

توترت “مريم” وسارت خلفها حتى التفتت اليها “ناهد” قائله :

– بصى يا بنتى انتى دخلتى البيت ده وأنا مكنتش أعرف انتى مين يمكن لو كنت عرفت من الأول كان هيبقى رد فعلى معاكى مختلف .. بس أنا عرفتك وحبيتك يا “مريم” .. وبجد لما بقولك انى مش بفرقك عن “نرمين” و “سارة” فتأكدى انى بقول الحيقة

اغرورقت عينا “مريم” بالعبرات وحمدت الله فى سرها فأكملت “ناهد” مبتسمه :

– معلش اعذريني امبارح كنت منفعله واللى زود انفعالى انكوا خبيتوا عليا .. يعني كنت مضايقة جدا لان مراة “سباعى” عرفتنى انتى مين وأنا اللى عايشة معاكى فى بيت واحد معرفش

قالت “مريم” بسرعة :

– معاكى حق يا طنط انك تزعلى وتضايقى

ابتسم “ناهد” وربتت على ذراعها قائله :

– أنا أهم حاجه عندى سعادة “مراد” وأنا شايفاكى بنت مؤدية ومحترمة وطيبة ومش هلاقى لـ “مراد” أحسن منك

اتسعت ابتسامت “مريم” ومسحت العبرات التى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. شعرت “ناهد” بالتاثر لمرآى عبراتها فعانقتها .. أغمضت “مريم” عينيها ودموعها تنهمر كالشلال .. كانت تخشى أن تعاملها “ناهد” بقسوة بعدما عرفت من تكون .. كانت “مريم” تشعر بإفتقادها لهذا الحضن الحانى الذى يحتويها برقه .. رفعت “ناهد” رأسها وقد اغرورقت عيناها قائله :

– بقولك ايه أنا مبحبش العياط ماشى

ابتسمت “مريم” وهى تمسح عبراتها قائله :

– ماشى

ربتت على ظهرها قائله :

– يلا يا حبيبتى اطلعى غيري هدومى عشان تاكلى انتى خرجتى من غير ما تفطرى

أومأت “مريم” برأسها وصعدت الى غرفتها وعينا “ناهد” تتابعانها فى حنو.

***********************************

– هتروح الجاليري بتاع “سامر”

تفوه “طارق” بهذه العبارة وهو فى مكتب “مراد” الذى قال :

– أيوة هروح عشان ميزعلش شدد عليا أوى

قال “طارق” متكاسلاً :

– مع انى مليش فى الرسم والمعارض بس مضطر أنا كمان أروح

نظر اليه “مراد” قائلاً :

– أيوة ضرورى تيجي ده أول معرض له وشدد علينا فعلاً

– طيب خلاص نتقابل هناك

أومأ “مراد” برأسه وعاد الى عمله .

فى المساء توجه “مراد” الى منزله وصعد الى غرفته وارتدى حلة أنيقة لحضور الجاليري .. أثناء نزوله توجه الى غرفة المعيشة .. فقالت “سارة” بمرح :

– ايه الشياكه دى يا أبيه

التفتت “مريم” بدون قصد الى حيث تنظر “سارة” فالتقت نظراتها بنظرات “مراد” فأشاحت بوجهها بسرعة .. قالت “ناهد” بدهشة :

– رايح فين يا “مراد” ؟

قال “مراد” بهدوء :

– فى واحد شريكى بيفتتح الجاليري بتاعه النهاردة و عزمنى عليه .. يلا مع السلامة

التفت ليغادر فأوقفته “ناهد” قائله :

– “مراد”

التفت ينظر اليها فاكملت بحزم :

– ومراتك يعنى ملهاش نفس تخرج

شعرت “مريم” بالحرج فأسرعت تقول :

– لا يا طنط أنا حبه أعد معاكوا

لم تلتفت اليها “ناهد” بل أكملت وهى تنظر الى “مراد” :

– استناها لحد ما تلبس وخدها معاك

قال “مراد” بضيق :

– أنا مستعجل يا ماما

قالت “مريم” بحرج شديد :

– أنا فعلا مش عايزه أروح يا طنط أصلا معرفش حد هناك

قالت “ناهد” :

– تتعرفى لو متعرفيش حد تتعرفى وكفاية انك راحه مع جوزك مينفعش مناسبة زى دى يروح لوحده .. يلا قومى البسى

ثم التفتت الى “مراد” قائله :

– استناها مفيهاش حاجه لو اتاخرت شوية

التفت “مراد” الى “مريم” وقال بهدوء :

– يلا وحاولى متتأخريش

شعرت “مريم” بالضيق لوقوعها فى هذا المأذق .. نهضت متثاقله وارتدت ملابسها .. نزلت لتجد “مراد” ينتظرها فى البهو فقالت له بصوت خافت :

– أنا أسفة

لم يجيبها “مراد” ركبت بجواره وهى تشعر بالحنق والضيق الشديد لأن “ناهد” دون أن تدرى فرضتها عليه فرضاَ .

أخذ “سامر يرحب بضيوفه خاصة أولئك الذى أشادوا بلوحاته .. فجأة وجد يداً تربت على كتفه من الخلف التفت مبتسماً ثم تلاشت ابتسامته عندما وجد “سهى” أمامه .. قالت مبتسمه :

– مبروك يا “سامر”

قال “ببرود :

– الله يبارك فيكي

قالت بعتاب :

– ليه مبتردش عليا بتصل بيك كتير يا “سامر”

قال ببرود وهو يتحاشى النظر اليها :

– كنت مشغول

– يعني مشغول لدرجة انك متردش عليا ولا حتى تتصل بيا .. دى مش عادتك يا “سامر”

التقت اليها قائلاً بغلظة :

– اتعودى على كدة من هنا ورايح .. مش انت معتبرانى واحد غريب عنك .. خلاص خلينا أغراب كده

قال ذلك ثم تركها وتوجه الى احدى الفتيات ولف ذراعه حول خصرها وأخذ يهمس لها شيئاً بأذنها فانفجرت الفتاة ضاحكة .. ألقى “سامر” نظرة خبيثة على “سهى” التى وقفت تنظر اليهما وعلامات الاسى على وجهها .. اقترت منهما فى عصبية وقالت لـ “سامر” :

– لو سمحت يا “سامر” عايزه أتكلم معاك شوية

ترك “سامر” الفتاة متلكئاً ثم وقف أما “سهى” ينظر اليها دون أن يتحدث فقالت بحزن :

– ليه بتعمل فيا كده

قال “سامر” :

– انتى اللى عايزه كده .. مش انتى عايزة ميكنش فى حاجة بينا الا لما أتقدملك رسمى وتعاملينى زى ما بتعاملى أى راجل غريب خلاص خلينا كدة بأه لحد ما الظروف تتحسن

قالت “سهى” بعتاب :

– أنا ما قولتش نبعد عن بعض .. انا قولت نفضل مع بعض بس من غير الجواز ده

قال “سامر” بحده :

– ما هو مش بمزاجك يا “سهى” .. يا نقرب يا نبعد معنديش حلول وسط

قالت “سهى” والدموع فى عينيها :

– انت ليه بتعمل كده

-عشان انتى لحد دلوقتى مش عارفه تحبيني يا “سهى” ولا عارفه تثقى فيا .. انا أدامى مليون بنت لكن اخترتك انتى وانتى مش مقدرة ده

قالت برجاء :

– والله يا حبيبي مقدرة .. بس أنا…

بسط كفه أمامها وقاطعها قائلاً :

– كلمة واحدة .. عايزة تكونى معايا ولا لأ ؟

نظرت الى كفه الممدودة ثم اليه .. صمتت فحثها قائلا :

– كلمة واحدة عايزها منك .. آه ولا لأ

حسمت أمرها بعد حيرة ومدت كفها لتتشابك أيديهما قائله :

– أه .. آه عايزة أكون معاك

ابتسم لها “سامر” مقبلاً يدها .. فى تلك اللحظة لمح “مراد” وهو يدخل من الباب بصحبة “مريم” التى كانت تشعر بالحرج وهى تسير بجواره توجه “سامر” بصحبة “سهى” تجاه “مراد” لكنه توقف فجأة عندما رآى “مريم” بصحبته ونظر اليها بدهشة .. كانت دهشة “مريم” كبيرة عندما رأت “سهى” بصحبة “سامر” فقالت بدهشة :

– سهى !

قالت “سهى” بدهشة وهى تتطلع من “مريم” الى “مراد” :

– “مريم” !

قال “سامر” :

– ازيك يا “مراد” منور .. كنت هزعل منك أوى لو مكنتش جيت

ثم وجه حديثه الى “مريم” قائلاً :

– ازيك يا آنسه “مريم” ؟

نظر “مراد” الى “سامر” بحدة ثم نقل نظرة الى “مريم” قائلاً :

– انتوا تعرفوا بعض ؟

قال “سامر” بمرح :

– أيوة طبعاً دى الآنسة “مريم” ديزاينر حملتنا

قال “مراد” بسخرية :

– اظاهر ان الناس كلها عارفه انها ديزاينر حملتنا الا أنا

كان تركيز “مريم” مع “سهى” التى كانت ملابسها ملتصقة بجسدها بشدة .. وقد صبغت وجهها بالمكياج الصارخ ولا يخلو الأمر من ظهور جزء كبير من شعرها مع تساقط العديد من الخصلات على وجهها .. قالت “مريم” :

– “سهى” لو سمحتى عايزاكى شوية

انزوت الفتاتان فى أحد الجوانب وعينا “مراد” تتابعانهما .. نظر “مراد” الى “سامر ” قائلاً بصرامة :

– انت عرفها من زمان ؟

قال “سامر” بلا مبالاة :

– روحت مكتبهم مرة مع “طارق”

ثم ابتسم بخبث قائلاً :

– بصراحة كنت رايح أظبطها لما شوفت شغلها قولت أكيد دى فنانة

ازدادت حدة نظرات “مراد” فأكمل “سامر” وهو يمط شفتيه :

– بس بصراحة ملقتهاش استايلى خالص

قال “مراد” وهو ينظر اليه بإمعان :

– يعنى ايه ؟

قال “سامر” متهكماً :

– جد أوى زيادة عن اللزوم .. متكلمتش فى كلمة واحدة بره الشغل حتى مكنش هاين عليها بتتسم فى وشنا

ثم وكزه “سامر” بكوعه بخفه وهو يغمز له بعينيه ويبتسم بخبث قائلاً :

– بس انت طلعت أسد .. عرفت توقعها .. انا كنت حاسس انك مش سهل

كانت نظرات “مراد” معلقة بـ “مريم” وقد شعر بشئ غريب يسيطر على كيانه كله .. كانت “مريم” تتحدث الى “سهى” قائله :

– ازاى يا “سهى” تخرجى معاه

قالت “سهى” بتأفف :

– “مريم” مش عايزة مواعظ الله يخليكي أنا اللى فيا مكفيني .. كل الحكاية انى جيت أباركله على الجاليري

قالت “مريم” :

– لما دخلت شوفتك ماسكة ايده يا “سهى” .. بس براحتك انتى أدرى بمصلحتك .. بس أحب أقولك عشان أكون خلصت ضميري أدام ربنا .. ان الراجل ده من ساعة ما شوفته قلبي اتقبض منه ومرتحتلوش أبداً فخلى بالك من نفسك

قالت “سهى” بنفاذ صبر :

– قولى لنفسك الكلام ده ما انتى داخله مع صحبك

قالت “مريم” بصرامة :

– ده مش صحبى .. ده جوزى

نظرت اليها “سهى” بدهشة وقالت :

– انتى اتجوزتى

أومأت “مريم” برأسها .. فقالت “سهى” بحدة وعصبية :

– طيب يلا عشان اتاخرنا عليهم

عادت الفتاتان .. وجه “سامر” حديثه الى “مريم” قائلاً بإبتسامه :

– “طارق” كان بيدور عليكي وقلب الدنيا عليكي كنتى مختفية فين ؟

لم يترك لها “مراد” فرصة للرد وأمسكها من ذراعها قائلاً لـ “سامر” :

– عن اذنك يا “سامر”

شعرت “مريم” بالحرج فنزعت ذراعها بهدوء من يده .. وقفا أمام احدى الصور .. تطلعت اليها “مريم” .. فى حين كان “مراد” يتطلع الى “مريم” .. التفتت “مريم” فتلاقت نظراتهما .. كان ينظر اليها متفحصاً كما يتفحص رواد الجاليرى اللوحات المعروضة أمامهم بأعين متفحصة .. أشاحت بوجهها خجلاً .. رن هاتفه فسمعته يقول :

– ماشى يا “طارق” خلاص هقوله .. لا أكيد مش هيضايق طالما الموضوع كده .. خلاص أشوفك بكرة فى المكتب

نظر “مراد” الى “مريم” قائلاً :

– خليكي هنا راجعلك

أومأت برأسها .. ذهب “مراد” ليخبر “سامر” بإعتذار “طارق” عن الحضور

اقترب أحد الرجال من “مريم” التى كانت تتفحص احدى اللوحات وقال لها :

– عجبتنى أنا كمان .. رقيقة أوى مش كدة

نظرت اليه “مريم” وتمتمت بخفوت :

– بعد اذنك

تركته ووقفت أمام لوحة أخرى وهى لا تدرى بأن عينا “مراد” كانت تراقب سكناتها قبل حركاتها .

عادا الى المنزل فى وقت متأخر لم يتحدثا معاً لا فى الحفلة ولا فى السيارة .. كان “مراد” يبدو شارداً متسغرقاً فى التفكير .. صعدا الى الغرفة فتوجهت الى الحمام وغيرت ملابسها وخرجت ليتبادلا الأدوار .. نامت “مريم”و تدثرت بغطائها وأولته ظهرها حاوت اغماض عينيها لكن النوم جفاها .. بدا على “مراد” أيضاً عدم الرغبة فى النوم .. أزاح الغطاء وجلس على فراشه يرمق “مريم” وقد بدا عليه التفكير العميق .. شعرت “مريم” بحركته فالتفتت لتراه جالسا على فراشه يتطلع اليها .. شعرت بالخجل فجلست فى مكانها .. التفت اليها “مراد” قائلاً بحزم :

– احكيليى اللى حصل فى الصعيد

نظرت اليه “مريم” بدهشة ثم قالت بسخرية:

– ليه مش حضرتك عارف كل حاجه .. كنت على علاقة بإبن عمك لحد ما الناس شافتنا سوا

ازدادت حدة نظرات “مراد” وقال بلهجة آمرة :

– مبحبش أكرر كلامى مرتين .. قولت احكيلى اللى حصل فى الصعيد

بلعت “مريم” ريقها وهى لا تفهم سبب طلبه لذلك وما الفائدة ان كان لن يصدقها أبداً .. تحاشت النظر اليه وقصت عليه ما حدث من أول خروجها مع “صباح” حتى قدوم الرجال الى بيت جدها .. مرت لحظات صمت من كليهما .. نهض “مراد” فجأة وأمسك بمصحفها الموضوع على الطاولة أمام الأريكة .. جلس على الطاولة وبدا قريباً منها .. ازداد خجلها واعتدلت فى جلستها أكثر .. أخذ “مراد” يفر صفحات المصحف ونظراته مركزة على “مريم” كنظرات أسد يتفحص فريسته قبل الإنقضاض عليها .. قال بصوت رخيم :

– تعرفى ايه عقاب اللى يحلف بالله كذب

نقلت “مريم” نظرها من المصحف فى يده اليه دون أن تتكلم .. فأكمل وهو مازال ينظر اليها نظرات بدت وكأنها تخترقها وتنفذ الى أعماقها :

– ده يبقى اسمه يمين غموس .. وده يمين كاذبه فاجرة .. وده من الكبائر وملوش كفاره .. تعرفى ليه اسمه يمين غموس ؟

لم يرف لـ “مريم” رمش نظرت فى عمق عيناه بثبات فأكمل قائلاً :

– لان صاحبه بيبقى مغموس فى الإثم .. ويوم القيامة بيتغمس فى النار بسببه .. ربنا بيقول فى سورة آل عمران { إن الذين يشترون بعهد الله وأيمانهم ثمنا قليلا أولئك لا خلاق لهم في الآخرة ولا يكلمهم الله ولا ينظر إليهم يوم القيامة ولا يزكيهم ولهم عذاب أليم }

ظلت تنظر اليه بثبات فأكمل “مراد” بهدوء و بحزم :

– احلفى ان اللى قولتيه دلوقتى هو الحقيقة وانك مكدبتيش فى حرف واحد

صمتت “مريم” لحظات وكلاهما يتطلع الى الآخر بثبات ثم قالت بثقه شديدة :

– والله العظيم ما كدبت فى حرف واحد ومفيش حاجه حصلت أكتر من اللى حكيتها دلوقتى .. ولو كنت كدبت فى حرف واحد يارب أتغمس فى نار الدنيا قبل ما أتغمس فى نار الآخره

ظلت عينا “مراد” تنظرات فى عينيها والى تعبيرات وجهها بتمعن .. ثم أخفض بصره وقال :

– ليه “جمال” عمل كده .. يعني لو كان عايز يتجوزك ليه ميروحش يتقدم لأهلك

قالت “مريم” بحماس وقد شعرت بأنه بدأ يصدقها :

– أصلاً هو ميعرفنيش عشان يتقدملى .. أنا واثقه انه كان قاصد ان ده كله يحصل

نظر اليها “مراد” قائلاً وهو يفكر :

– يمكن شافك وعجبتيه وخاف يتقدم أهلك يرفضوه عشان المشاكل بين العيلتين

أزاحت “مريم” الغطاء وأنزلت قدماها على الأرض فقد كانت تشعر بالخجل من جلوسها أمامه بهذا الوضع ثم قالت بحزم :

– أصلاً أنا مروحتش الصعيد الا قبل المشكلة دى بكام يوم لحق فين شافنى وعجبته واتعلق بيا لدرجة انه يعمل كل الفيلم ده عشان يتجوزنى

قال “مراد” وهو يمعن التفكير:

– يبأه زى ما عمتو قالتلى .. حساب قديم كان بيصفيه

قالت “مريم” بدهشة :

– حساب ايه

قال “مراد” بحزم :

– مش عارف .. بس هعرف .. لازم أكلم عمتو وأفهم منها كل حاجه

أومأت “مريم” برأسها وشردت قليلاً .. نظرت الى “مراد” فوجدته يتطلع اليها بنظراته فاحمرت وجنتاها واشاحت بوجهها .. نهض “مراد” قائلاً :

– نامى دلوقتى وأنا بكرة ان شاء الله هكلم عمتو

توسد كل منهما وسادته وكل منهما يفكر فى هذا الوضع الذى وصلا اليه .. ترُى ماذا ستكون نهاية المطاف ؟!

….يتبع

عرض التعليقات (9)