قطة في عرين الأسدبقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة السابعة

12 4٬221
 

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة السابعة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة السابعة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة السابعة

قطة في عرين الأسد بقلمي : بنوتة أسمرة الحلقة السابعة, معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,

الفصل التاسع عشر من رواية قطة فى عرين الأسد

استيقظت “مريم” فجراً .. لتجد نفسها نائمة فى الشرفة ومدثرة بالأغطية أزاحتهم وهى تنظر اليهم بدهشة .. قامت وهى تحملهم وتوجهت الى الداخل لتجد “مراد” نائماً على الأريكة بلا غطاء .. وقفت تنظر اليه بدهشة .. لحظات وانطلق منبه هاتفه .. فتركت الأغطية على الفراش ودخلت لتتوضأ .. خرجت لتجده مستيقظاً تجنبت النظر اليه تماماً .. قام وتوضأ ونزل للصلاة .. عاد “مراد” من المسجد ليجد “مريم” نائمة على الأريكة وقف بجوارها قائلاً بصرامة :

– مش قولتلك نامى على السرير

قالت دون أن تلتفت اليه :

– لأ

أزاح الغطاء عنها فالتفتت اليه بحده .. فأشار الى السرير قائلاً :

– هتقومى ولا أشيلك

نظرت اليه بدهشة .. فتحرك وكأنه سيهم بحملها فانتفضت تقوم بسرعة من مكانها وتوجهت الى الفراش فى تبرم وضيق .. تمتمت بصوت منخفض :

– عنيد

التفت اليها “مراد” قائلاً :

– بتقولى حاجه

نظرت اليه قائلاً :

– لأ

احتاجت لبعض الوقت قبل أن يستطيع النعاس أن يغلبها .

**************************************************

فى الصباح التقى الجميع على طاولة الطعام بإستثناء “نرمين” .. قالت “ناهد” برفق :

– “مراد” خلاص بأه .. خليها تعد تاكل معانا

قال “مراد” وهو يتفحص جريدته الصباحية :

– هو أنا قولتلها متعدش

قالت “ناهد” :

– هى مضايقة من نفسها ومكسوفة منك

قال “مراد” دون أن يرفع رأسه :

– والمطلوب منى ايه

قالت “ناهد” برجاء :

– اتكلم معاها

طوى “مراد” الجريدة ونهض قائلاً :

– لما أرجع ان شاء الله .. أنا خارج .. مع السلامة

قالت “ناهد” :

– مع السلامة

كانت “مريم” شاردة تماماً .. فظلت “ناهد” تنظر اليها بإمعان .. الى أن قالت :

– فى حاجه يا “مريم”

التفتت اليها “مريم” وابتسمت قائله :

– لا يا طنط مفيش حاجه

أومأت “ناهد” برأسها وغرقت فى شرودها هى الأخرى

**************************************************

– واثقة ان “حامد” متصلش بيكي وأنا مسافر ولا انتى اتصلتى بيه ؟

ألقى “مراد” هذا السؤال على مسامع سكرتيرته التى وقفت أمامه متوترة .. فقالت :

– أيوة واثقة يا فندم

قال “مراد” وهو يتفرس فيها :

– عارفه لو اكتشفت ان ده حصل منك هعمل فيكي ايه

قالت بإضطراب شديد :

– صدقنى يا أستاذ “مراد” متكلمتش مع أستاذ “حامد” ولا عرفته أى حاجه عن حضرتك

ظل “مراد” تنظر اليها بشك ثم صرفها قائلاً :

– طيب اتفضلى على مكتبك

خرجت السكرتيرة مسرعة .. التفت “طارق” الى “مراد” قائلاً :

– انت شاكك فيها ؟

قال “مراد” :

– أيوة .. مفيش حد غيرها يعرف انى خدت ملف مصنع الملابس معايا البيت فى اليوم ده بالذات

قال “طارق” :

– طيب هتعمل ايه

قال “مراد” بثقه :

– متشغلش بالك أنا هعرف أتصرف

قال “طارق” بدهشة :

– بس أنا مش فاهم انت بتقول ان فى حد بينقل لـ “حامد” أخبارك .. طيب هو أصلاً كان هيقدر ياخد الملف ازاى من جوه بيتك ؟ .. وايه اللى عرفك انه عارف أخبارك ؟

قال “مراد” وهو يعود لعمله :

– متشغلش بالك يا “طارق” .. بس ركز مع “سامر” لانى شاكك فيه هو كمان

قال “طارق” وهو لا يفهم شيئاً :

– طيب .. مش هقول أى معلومات مهمة أدامه

خرج “طارق” من مكتب “مراد” .. فترك “مراد” ما بيده .. أسند ظهره الى المقعد وقد بدا عليه التفكير .. أخرج هاتفه وبدا عليه التردد قليلاً .. ثم اتصل بـ “سارة” قائلاً :

– “سارة” بقولك ايه

– أيوة يا أبيه

– تحبوا تخرجوا النهاردة ؟

قالت “سارة” بفرح :

– أيوة طبعاً نحب أوى .. نروح فين ؟

قال “مراد” :

– زى ما تحبوا

قالت “سارة” بسعادة :

– خلاص هتكلم معاهم هنا فى البيت ونتفق على المكان وأتصل بيك يا أبيه

– تمام يا “سارة” .. هستنى اتصالك

انهت “سارة” المكالمة ثم توجهت الى الحديقة حيث يجلس الجميع وقالت بفرح :

– مش هتصدقوا .. “مراد” اتصل بيا وقالى هنخرج كلنا سوا وقالى كمان احنا اللى هنختار المكان

هتفت “نرمين” :

– تبهرجى .. يعني ميجيش يفسحنا الا وأنا وهو متخاصمين

قالت “سارة” بمرح :

– كويس هتبقى فرصة حلوة عشان تعتذريله وتصالحيه .. المهم دلوقتى هنروح فين

قالت “ناهد” لـ “مريم” :

– تحبي تروحى فين يا “مريم” ؟

قالت “مريم” بحرج :

– زى ما تحبوا انتوا

هتفت “نرمين” بمرح :

– بصوا بأه أنا شايفة اننا نستغل الفرصة دى أسوأ استغلال ممكن .. أصلها مبتتكررش كتير

قالت “سارة” ضاحكة :

– نعمل ايه يعني ؟

قالت “نرمين” :

– بصوا مش هو قال احنا اللى نختار المكان .. خلاص نقوله اننا عايزين نقضى يومين فى العين السخنة

قالت “سارة” :

– بتهرجى يا “نرمين” مستحيل يرضى طبعاً .. هو أكيد قصده انه هيفضيلنا ساعة ولا اتنين ونخرج فى أى حته هنا

قالت “نرمين” :

– يا عبيطة نقوله كده مش هيرضى فنقول حاجه أقل .. أما لو طلبنا الأقل على طول هيخليه هو أقل من الأقل بتاعنا .. فهمتوا حاجه

قالت “مريم” ضاحكة :

– تقصدى تعلى صقف تطلعاتك عشان لما يختار حاجه أقل تكون زى ما انتى عايزاها

قالت “نرمين” بمرح :

– عليكي نور .. هو ده اللى أقصده

قالت “ناهد” ضاحكة :

– شكلكوا هتخلوه يندم انه فكر يخرجكوا

قالت “نرمين” لـ “سارة” بلهفه :

– يلا يا “سارة” اتصلى قوليله عايزين نقضى يومين فى العين السخنة أكيد هيقولك لا مش هينفع .. تقومى قايلاله خلاص يوم واحد هيقولك برده مش هينفع قوليله خلاص هتخرجنا من دلوقتى لحد ما نتعب ونقولك خلاص كفاية

قالت “سارة” :

– انا مالى يختى قوليله انتى كده

قالت “نرمين” برجاء :

– عشان خاطرى يا “سارة” بأه انتى عارفه انى مش هعرف أتكلم مع “مراد” واحنا متخاصمين

أعطت “سارة” الهاتف لـ “مريم” قائله :

– قوليله انتى يا “مريم”

هتفت “نرمين” بلهفه :

– أيوة قوليله انتى يا “مريم”

قالت “مريم” بحرج شديد :

– لا مش هينفع قولوا انتوا

طلبت “سارة” الرقم ووضعت الموبايل على أذن “مريم” قائله :

– لا محدش هيكلموا غيرك بس نفذى الخطه اللى قولناها عشان يخرجنا اليوم كله بدل ما يضحك علينا بساعة ولا اتنين

شعرت “مريم” بالتوتر وهتفت قبل أن يرد :

– “سارة” كلميه انتى .. أنا مش هعرف ……..

لم تستطع أن تنهى جملتها لأنها سمعت صوت “مراد” يقول :

– أيوة يا “سارة”

نظرت “مريم” الى “سارة” برجاء وأبعدت يديها الممسكة بالهاتف .. لكن “سارة” أعادته الى أذنها مرة أخرى . كانت “ناهد” تتابع ما يحدث بصمت .. أمسكت “مريم” الهاتف ونظرت الى الجميع ثم قامت لتبتعد قليلاً فما كانت ستستطيع التحدث أمامهم حتى لا يلاحظ أحداً منهم مدى ارتباكها .. قال “مراد” :

– ألو “سارة”

قالت “مريم” وهى تنظر خلفها الى العيون المتطلعة اليها :

– أيوة .. أنا “مريم”

انتظرت أن يتحدث لكنه لم يفعل .. فقالت بتوتر :

– البنات أصروا انى أنا اللى أكلمك ومعرفتش أهرب

بقى صامتاً فأكملت بتوتر بالغ :

– هما بيقولوا انهم عايزين يطلعوا يومين العين السخنة

كانت تشعر بسخافة ما تفعل لكنها مضطرة حتى لا ينكشف أمرها أمام أخوته وأمام “ناهد” .. فأكملت قائله :

– هما أصلا عارفين انك هترفض بس هما ……..

قاطعها “مراد” قائلاً :

– خلاص مفيش مشكلة جهزوا نفسكوا وأنا هخلص اللى ورايا وأكلمكوا

قالت بدهشة :

– يعني أقولهم انك موافق

قال بهدوء :

– أيوة

صمت كلاهما .. ثم قال :

– أنا مضطر أقفل دلوقتى عشان معايا تليفون تانى

قالت “مريم” بسرعة :

– تمام .. وأنا هبلغهم

أنهت “مريم” المكالمة وتوجهت اليهم فقالت “نرمين” بلهفه :

– ها .. اوعى تكونى منفذتيش الخطة

قالت “مريم” مبتسمه :

– لا نفذتها

صفقت “سارة” بيديها بمرح طفولى قائله :

– يبأه هنخرج طول اليوم .. يلا نفكر هنروح فين

قالت “مريم” مبتسمه :

– مش انتوا قولتوا عايزين يومين فى العين السخنة

نظر الجميع اليها بصمت فشعرت بالتوتر وقالت :

– قالى انه موافق وجهزوا نفسكوا على ما يخلص اللى وراه

ساد الصمت لحظة والكل ينظر اليها بعدم تصديق ثم صاحت “نرمين” :

– انتى بتهرجى صح .. “مراد” هيسفرنا .. هيسيب شغله ويسفرنا

أومأت “مريم” برأسها وقالت بهدوء :

– هو قال كده

تعالت الضحكات الفرحه وأخذت يتحدثن عن ترتيبات الإستعداد لهذه الرحلة .. وعيون “ناهد” مسلطة على “مريم” والابتسامه على شفتيها

**************************************

قال “طارق” بإستغراب :

– مش مصدق .. “مراد” هيسيب الشغل يومين ومش بس كده هيسافر يتفسح كمان .. ده انت مبتغبش من الشغل الا فى الشديد الأوى

قال “مراد” وهو يسرع من انهاء الأوراق التى أمامه :

– البنات بقالهم كتير مخرجوش .. وهما اللى اختاروا العين السخنة

نظر “طارق” الى “مراد” بأعين متفحصه وقال بخبث :

– البنات برده

رفع “مراد” رأسه ونظر اليه قائلاً :

– قصدك ايه

قال “طارق” مبتسماً :

– ربنا يهنيك يا “مراد”

نظر اليه “مراد” دون أن يتكلم فأكمل “طارق” :

– بجد بدعيلك من قلبي .. لانك راجل محترم وتستاهل كل خير

صمت “مراد” قليلاً ثم قال :

– انت فهمت الموضوع غلط

نظر “طارق” فى عين صديقه قائلاً :

– لا أنا فاهم صح .. وصح أوى

هرب “مراد” من عيني صديقه .. فقال “طارق” بهدوء :

– متخفش منها .. دى بالذات متخفش منها

نظر “مراد” اليه وقد بدا فى عينيه حيرة كبيرة .. فأكمل “طارق” :

– بس خلى بالك .. اللى أعرفه انها كانت بتحب خطيبها أوى .. وانها من يوم ما اتوفى وهى رافضة الإرتباط تماماً .. وانها مش من السهل انها تحب غيره

ثم أكمل :

– أنا مش بقولك كدة عشان أحبطك .. لا أنا بقولك كدة عشان أعرفك الوضع عامل ازاى .. عشان تتصرف على الأساس ده

ظل “مراد” محتفظاً بصمته فنهض “طارق” قائلاً :

– يلا أسيبك تخلص اللى وراك .. ومتقلقش سافر وانت مطمن أنا هبقى هنا فى الشركة

ابتسم له “مراد” قائلاً :

– تسلم يا “طارق”

خرج “طارق” وترك “مراد” ومشاعر كثيرة متضاربة تعتمل داخل صدره .. وحيرة كبيرة وخوف أكبر بداخله

***************************************

انطلق “مراد” بهم فى طريقهم الى العين الساخنة .. وصلوا الجميع الى الفندق الذى حجز فيه “مراد” لمبيتهم .. كانت “مريم” سعيدة للغاية وهى تتطلع الى الطبيعة الساحرة حولها .. فلم يسبق لها أن غادرت القاهرة يوماً الا عندما ذهبت الى أهل والدها فى الصعيد .. لم تكن “سارة” و “نرمين” أقل سعادة من “مريم” .. حجز “مراد” حجرة للفتاتان وحجرة لوالدته وحجرة له ولـ “مريم” .. ودت “مريم” ألبقاء مع الفتاتان لكنها لم تستطع البوح بذلك

صعد الجميع الى غرفهم اتفقوا أن يستريحوا من عناء السفر قليلاً ثم ينزلون لتناول طعامهم فى مطعم الفندق .. دخلت “مريم” الغرفة والتى كانت تحتوى على فراشان .. وتوجهت الى الشرفة كانت تنظر الى ما حولها وهى تردد :

– ما شاء الله .. سبحان الله

وقف “مراد” خلفها يتطلع اليها الى أن انتبهت والتفتت فأشاح بوجهه عنها بسرعة .. ووقف على بعد خطوات منها يطالع المشهد بدوره .. التفت اليها قائلاً :

– جيتي هنا قبل كدة ؟

قالت “مريم” مبتسمه :

– أنا مخرجتش من القاهرة الا عشان أروح الصعيد

قال وهو بنظر أمامه :

– البلد هنا هتعجبك أوى فيها أماكن خطيرة

ابتسمت وهى تتطلع الى الشمس التى بدأت فى الغروب .. خطفها المشهد فظلت تتطلع اليه ناسية كل شئ حولها .. التفت “مراد” يتطلع الى تلك النظرة فى عينيها والابتسامه الصغيرة على شفتيها .. بدا مستمتعاً بمشاهدتها بقدر استمتاعها بمشاهدة الغروب .. التفتت اليه فجأة فأشاح بوجهه بسرعة .. وقال وهو يدخل الغرفة :

– هشوف ماما والبنات هينزلوا امتى

توجه الجميع الى مطعم الفندق .. كانت “نرمين” تتطلع الى “مراد” بحزن وهى تتمنى اذابة الجليد بينهما .. أنهى الجميع تناول طعامه وقرروا التنزه فى القرية والتمتع بجمال وسحر الطبيعة ليلاً

فى صباح اليوم التالى .. استيقظ “مراد” ونظر الى فراش “مريم” ليجده فارغاً ومرتباً .. نهض ليجدها فى الشرفة .. وقفت “مريم” تستمتع بجمال المنظر فى الصباح .. دخل “مراد” الشرفة بعدما ارتدى ملابسه وسمعته يقول :

– صباح الخير

التفتت تنظر اليه وهى تشعر بالدهشة فهذه هى المرة الأولى التى يلقى عليها تحية الصباح .. تمتمت بخفوت :

– صباح النور

دخل الشرفة ووقف على بعد خطوات منها واستند الى سور الشرفة .. شعرت بالحرج فهمت بالدخول .. أوقفها قائلاً :

– “مريم”

راودها شعور غريب وهى تستمع الى اسمها بصوته الرخيم .. وقفت تتحاشى النظر اليه فقال :

– بخصوص الحملة الإعلانية بتاعة شركتنا .. كان المفروض أتكلم معاكى فى الموضوع ده من فترة بس كل شوية تحصل حاجات تخلينى أأجل الكلام .. بس احنا فعلاً مستعجلين جداً .. فياريت أول ما نرجع القاهرة تبتدى فيها

نظرت اليه “مريم” قائله بجديه :

– مفيش مشكلة .. عرفنى ايه اللى محتاجه بالظبط وأنا أبتدى في الشغل أول ما ارجع

قال لها :

– تمام .. طيب تحبي أتكلم مع مديرك .. ولا الاتفاق بيكون معاكى انتى

قالت “مريم” بإستغراب :

– مديري ؟ .. ليه ؟

قال “مراد” :

– عشان تكاليف الحملة

قالت “مريم” بجدية :

– لا طبعاً مش هاخد فلوس على شغلى

نظر اليها “مراد” قائلاً :

– ازاى يعني مش هتاخدى فلوس على شغلك

قالت “مريم” :

– انا أعدة فى بيتك وانت متكفل بمصاريف أكلى وشربي واقامتى .. ازاى عايزنى آخد منك فلوس تمن شغلى فى حملتك

قال “مراد” بحزم :

– دى حاجة ودى حاجة .. متدخليش الأمور فى بعض .. أنتى ملزمة منى طالما انتى على ذمتى .. أى ان كان سبب جوازنا .. انتى مراتى وكل حاجة تخصك ملزمة منى أنا

شعرت “مريم” بشعور غريب يغمرها وهى تستمع الى كلماته .. تجاهلت شعورها تماماً وقالت بهدوء :

– برده مش هينفع آخد فلوس على شغلى

قال “مراد” :

– تمام يبأه هتكلم مع مديرك وهو اللى هيوصلك فلوسك عن طريق البنك زى ما اتفق معاكى

قالت “مريم” وهى تتطلع اليه :

– انت ليه عنيد كده

نظر فى عينيها بثبات قائلاً :

– انتى اللى عنيده

ظلا ينظرات الى بعضهما للحظات .. بدا وكأن كل منهما يحاول أن يسبر أغوار الآخر .. ويغوص فى أعماقه ليستكشفه .. أشاحت “مريم” بوجهها فجأة وقالت :

– هشوف البنات صحيوا ولا لسه

تزل الجميع لتناول الفطار .. بدأووا فى التنزهة بالقرية وعلى شاطئ البحر

استنشقت “مريم” النسمات المنعشة التى تهب من البحر فى اتجاهها فى سعادة .. كانت القرية شبه خاليه فى هذا التوقيت من العام .. فشعرت “مريم” بالراحة أكثر وهى تقف أمام البحر والسماء وكأنه لا يوجد شئ فى الدنيا سواهما .. شعرت بالسكينة تغمرها .. خلعت حذائها لتضرب مياة البحر أقدامها برقه .. ابتسمت وهى تستمتع بمداعبة الماء بقدميها .. كانت “سارة” و “نرمين” تسيران معاً على الشاطئ .. و”ناهد” جالسه بجوار “مراد” .. التفتت لتتطلع اليه لتجد أنظاره معلقة بـ “مريم” .. شعرت بالأسى وهى تنظر اليه فى صمت .. ثم قالت له بحنان :

– أنا حبتها أوى يا “مراد”

التفت “مراد” اليها بحده وقال بإستغراب :

– تقصدى مين ؟

قالت أمه :

– “مريم”

نظر “مراد” الى البحر صامتاً .. فأكملت أمه :

– البنت كويسة فعلاً .. ليه متحاولش انك ….

قاطعها “مراد” وعلامات الضيق على وجهه :

– ماما لو سمحتى .. ياريت متفتحيش الموضوع ده تانى

قالت “ناهد” بشئ من العناد :

– “مراد” بالله عليك انت مش حاسس بحاجه نحيتها .. أنا أمك وأكتر واحدة فى الدنيا دى تحس بيك .. أنا عارفه ان مشاعرك بدأت تتحرك نحية “مريم”

التفت اليها “مراد” وقال بعنف :

– لا طبعا مين اللى قالك كده

قالت “ناهد” بعناد :

– مش محتاجه حد يقولى أنا ليا عنين بتشوف

نظر اليها “مراد” قائلاً بحده :

– لا مش حاسس بحاجه نحيتها .. ولا هحس فى يوم من الأيام .. ريحي نفسك بأه يا ماما

نهض من مكانه فى عصبية وأخذ يسير على غير هدى

***********************************************

قال المأمور للظابط الجالس أمامه :

– جضية غريبة .. آنى مخبرش كيف اللى طخ “جمال” جدر ياخد طبنجة “عبد الرحمن” اللى بيأكد انها كانت فى بيته وان محدش غريب دخل البيت

قال الظابط بثقه :

– آنى بعرف الحاج “عبد الرحمن” امنييح مستحيل يعمل اكده يا فندم .. وبعدين ايه مصلحته فى طخ “جمال” يوم كتب كتابه على حفيدته .. آنى متأكد ان اللى عيمل اكده عايز ينتجم من “جمال” ومش رايد الجوازه دى تتم

قال المأمور :

– تفتكر المعلومات اللى جتلنا عن علاقة “جمال” بـ “صباح” بنت الحاج “عبد الرحمن” صوح

قال الظابط :

– لازمن ناخد اذن من النيابة وناخد بصماتها .. مش بعيد تكون هى اللى طخته عشان تنتجم منيه .. ده لو المعلومات اللى وصلتنا فعلا صوح وفي حاجه بيناتهم

قال المأمور وهو يرفع سماعة الهاتف :

– النهاردة اذن النيابة هيكون عنديك .. الجضية دى لازمن تنتهى فى أجرب وجت جبل ما العيلتين يجعوا فى بعض

************************************************

جلست “مريم” على احدى الصخور أمام البحر تتطلع اليه بإستمتاع حينما اقتربت منها “سارة” قائله :

– أعد معاكى ولا هتضايقي

التفتت اليها “مريم” قائله بسرعة :

– لا طبعا يا حبيتبى اعدى

جلست “سارة” بجوارها وهى تتطلع الى البحر هى الأخرى .. ظلت الفتاتان فى حالة شرود .. قالت “مريم” :

– المكان هنا حلو أوى

ابتسمت “سارة” قائله :

– فعلاً ياخد العقل

قالت “مريم” وهى تتطلع الى البحر فى هيام :

– عارفه نفسي فى ايه

– ايه ؟

– نفسي أخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعش للشط أبداً

ابتسمت “سارة” ووكزتها فى كتفها قائله بخبث :

– و “مراد” معاكى طبعاً

أخرجتها كلمات “سارة” من حالة الإستمتاع التى كانت تشعر بها .. نظرت مرة أخرى الى البحر صامته واجمة .. قالت “سارة” وهى تتطلع الى البحر بدورها :

– أنا كمان نفسي آخد مركب وأمشى بيها فى البحر ومرجعتش للشط أبداً

قالت “مريم” بخبث :

– لوحدك ؟

ابتسمت “سارة” بحزن .. تأملتها “مريم” قائله :

– شكلك كدة بيقول مش لوحدك

قالت “سارة” بوجوم :

– لا لوحدى .. هيكون مع مين يعني

استمرت “مريم” فى النظر اليها وقالت :

– طيب عيني فى عينك كده

قالت “سارة” :

– سيبك .. كبرى

ثم تركتها وأخذت تتمشى على الشط

اقتربت “نرمين” من “مراد” الجالس على أحد الكراسي أمام البحر .. رفع “مراد” رأسه لينظر اليها ثم يعود ليتطلع الى البحر مرة أخرى .. جلست “نرمين” على المقعد المجاور له .. بدا عليها التوتر .. ثم حسمت أمرها قائله دون أن تنظر اليه :

– عارفة انى غلطت .. غلطت أوى .. أنا آسفه أوى يا أبيه

ظل يتطلع الى البحر .. فأجهشت فى البكاء وهى تقول :

– أنا عارفه انى صغرت فى نظرك أوى .. بس والله العظيم أنا محترمة .. أنا مش عارفه ازاى عملت كدة

تطلع اليها “مراد” لفترة ثم قال :

– كنتى بتحبيه ؟ ولا كان تسليه ؟ ولا كان ايه بالظبط ؟

شعرت بالخجل .. فقالت بصوت خافت :

– أنا كنت حسه انه انسان كويس وكان الموضوع بالنسبة لى جد يعني مش تسليه .. بس بعد كدة فكرت بعقلى وقولت لو كان كويس كان جه كلمك على طول ومكنش عمل حاجه من وراك .. عشان كدة قولتله مش هرد عليك تانى ومتتصلش بيا تانى وعندك أخويا كلمه .. ساعتها هددنى بالصور

ثم نظرت اليه وهى تبكى قائله :

– والله قابلته مرة واحدة بس واعدت معاه عشر دقايق .. أنا مش بقول ان ده صح .. بس بقولك عشان تعرف ان ده بس اللى أنا عملته ومعملتش أكتر من كده .. حتى طلب يتكلم معايا على النت وأفتحله الكام وأنا رفضت

قام “مراد” وجذبها من يدها أوقفها أمامه وهى تنظر الى الأرض باكية وقال :

– مش عايزك تخبي عنى أى حاجة تانى يا “نرمين” .. أنا أخوكى الكبير وأنا أكتر واحد فى الدنيا دى بيحبك وبيخاف عليكي

قالت “نرمين” :

– عارفه يا أبيه .. أنا أسفه أوى .. عشان خاطرى سامحنى

قربها “مراد” منه وعانقها .. فأجهشت مرة أخرى فى البكاء وتعالت شهقاتها .. مسح على رأسها قائلاً :

– خلاص يا “نرمين” أنا هنسى الحكاية دى كأنها محصلتش .. بس توعديني انك متخبيش عنى حاجه تانى ولو أى حد كلمك تعرفيني

رفعت “نرمين” رأسها قائله بحماس :

– أوعدك يا أبيه .. أوعدك

ابتسم لها قائله :

– طيب يلا امسحى دموعك دى وناديلهم خلينا نروح نتغدى ونشوف مكان تانى نتفسح فيه مش هنفضل مقضينها اعاد على البحر

ابتسمت “نرمين” ومشت فى اتجاه أمها وأختها و “مريم” .

**********************************************

كانت “سهى” جالسه بين ذراعي “سامر” على ظهر اللانش .. كانت شاردة واجمة نظرت الى هاتفه الذى يمسكه بيده ويتصفح النت من خلاله فقالت بتبرم :

– انت على طول كده نت مبتفصلش

قال “سامر” :

– شيفانى بشيت يعني

قالت “سهى” :

– مش وقت جيم .. دى كلها ساعة وماشية

قال لها :

– متخليكي بايته معايا النهاردة

قالت “سهى” بضيق :

– مش هينفع المرة اللى فاتت نفدت منهم بصعوبة .. ده غير الكلام اللى بابا سمعهولى

قال “سامر” وهى يمط شفتيه :

– برحتك

رفعت “سهى” رأسها وقالت بضيق :

– “سامر” هى الظروف اللى عندكوا فى البيت هتطول يعني

أغلق “سامر” هاتفه وصاح غاضباً :

– انتى يا بنتى غاوية عكننه .. مزاج عندك أول ما تشوفينى مبسوط تروحى فاتحه أم الموضوع ده

قالت “سهى” بحنق :

– “سامر” انت ليه مش حاسس بيا ومش مقدر مشاعرى

قام “سامر” من مكانه ونظر اليها قائلاً بحده :

– بصى يا بنت الناس .. لو جبتى تانى سيرة الجواز أنا من سكة وانتى من سكة أنا مش ناقص خنقة

دخل الكبينه وتركها والدموع فى عينيها وفى داخلها ندم كبير .. لن تتمكن من تجاهله أبداً.

*********************************************

انتهت “مريم” من فرش أسنانها وخرجت لتجد “مراد” نائماً على فراشه ملتفاً بلحافه وينظر الى سقف الغرفة .. توجهت الى فراشها وأخذت أحد الكتب وأضاءت المصباح بجوارها وشرعت فى القراءة .. شعرت بنظراته مصوبة تجاهها فالتفتت تنظر اليه قائله :

– لو النور مضايقك أطفيه

هز رأسه نفياً فعادت الى كتابها .. سألها قائلاً :

– أجاثا كريستى برده ؟

ابتسمت قائله :

– لأ

اتكأ على مرفقه ومد يده الأخرى اليها .. نظرت الي يده الممدوده ثم أغلقت الكتاب ومدت يدها به اليه .. تفحص الغلاف و المقدمة ثم قال :

– استمتع بحياتك !

قالت “مريم” :

– بحبه أوى ما بملش من قرائته أبداً

قال “مراد” وهى يفر صفحات الكتاب :

– قرأت كتير لدكتور محمد العريفي بس الكتاب ده مقرأتوش

قالت بحماس :

– لو قراته مرة هتدمنه الكتاب فعلاً روعة

نظر اليها قائلاً :

– خلصيه وهاتيهولى أقراه

قالت له :

– مفيش مشكله اقراه .. انا اصلا قراته كتير قبل كده .. وبعدين معايا كتب تانية ممكن اقراها

نظر اليها “مراد” متفحصاً :

– شكلك بتحبي تقرى كتير

قالت مبتسمة وهى تنظر أمامها :

– بابا الله يرحمه كان بيحب يقرأ كتير .. وعودنى على كده

ابتسم “مراد” قائلاً :

– أنا كمان خدت العادة دى من والدى الله يرحمه

حملت “مريم” أحد الكتب بجوارها وشرعت فى قرائته .. الى أن غلبها النعاس فوضعته على الكمودينو وأغلقت المصباح وأولت “مراد” ظهرها ونامت .. ظل “مراد” ساهراً يستمتع بقراءه الكتاب الذى شعر بأنه يستحق القراءة بالفعل .. أثناء قراءته عندما أوشك على تقليب احدى الصفحات وجد ورقة تسقط من الكتاب .. أمسك الورقة ونظر الى “مريم” النائمة .. ثم نظر الى الورقة المطوية فى تردد .. لكن فضوله غلبه .. ترك الكتاب من يده وفتح الورقة ليجد فيها :

– حبيبتى “مريم” .. بل مهجتى “مريم” .. بل نور عيني ونبض قلبي .. انتِ قمر فى سماى .. ونوراً فى دنياى .. وبحر شوق فى عيناى .. ورحيق حبك هو مرساى .. أحبك يا من توغل حبك الى كل كيانى .. وملك روحى وأبعد عنى أحزانى .. وجعلنى فى بحار عينيك أغرق .. وبلمسة يديكِ أُهرب .. من نار الدنيا الى جنتك .. فلا تحرميني أبداً من بسمتك .. يا أرق “مريم” فى حياتي .. يا كل حياتى .. حبيبك “ماجد”.

قرأ “مراد” تلك الكلمات وهو يشعر بحرقة فى قلبه امتدت لجسده لتحوله الى جمرة مشتعله .. ألقى نظرة نارية على “مريم” النائمة .. وهو يشعر بغصة فى حلقة .. وضع الورقة فى الكتاب وأغلقه بعصبيه وألقاه على الكمودينو بجواره .. ثم نام على ظهره واضعاً يديه أسفل رأسه وهو يفكر وعلامات الضيق على وجهه

*******************************************

استيقظت “مريم” من نومها لتجد “مراد” غير موجود فى فراشه .. بعد نصف ساعة طرقت “سارة” الباب لتخبرها بأنهم سيتجمعون فى الأسفل لتناول الفطار .. حانت من “مريم” التفاته الى “مراد” الذى بدى واجماً .. اخذت تتساءل عن السبب فلقد كان يبدو مرتاحاً بالأمس .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وقالت لنفسها: وما شانى ان كان مرتاحاً أم متضايقاَ هذا أمر يخصه هو وأموره ليست من شأنى .. توجه الجميع الى البحر ومعهم مضارب الراكيت .. بدأت “سارة” و “نرمين” فى اللعب معاً وأخذا يضحكان ويمزحان فقد كانتا كلتاهما سيئتان جداً فى ضرب الكره وفى صدها .. قالت “سارة ” :

– تعالى يا “مريم” .. “نرمين” دى عاهة مش عارفه ألعب معاها

صاحت “نرمين” بغيظ :

– أنا عاهة أمال انتى ايه يا “سارة” مفيش مرة حدفتلك الكورة وعرفتى تصديها

قالت “سارة” :

– ما انتى اللى مش عارفه تحدفيها

وقفت “مريم” وأعطتها “نرمين” المضرب وأخذت تلاعب “سارة” .. كانت ضربات “مريم” موفقه لولا خبرة “سارة” الضئيلة فى اللعب .. قالت “سارة” بعد فترة وهى تنهج :

– تعبت

قالت “مريم” بحماس :

– لا عشان خاطرى نكمل لعب

قالت “سارة” :

– بتلعبي حلو اتعلمتيها فين ؟

قالت “مريم” :

– كنت دايماً بلعب أنا وأختى فى نادى قريب من البيت .. مش قادرة أقولك أنا بعشق الراكيت أد ايه

ثم صاحت بطريقة طفولية :

– عشان خاطرى يا “سارة” العبي شوية كمان

قالت “سارة” :

– لا يا ستى ايدي وجعتنى .. خلى “مراد” يلعب معاكى .. “مراد” .. “مراد” .. تعالى العب مع “مريم”

شعرت “مريم” بالحرج وهمت بأن تترك المضرب .. لكن “مراد” نهض وأخذ المضرب من “سارة” ووقف أمام “مريم” .. نظرت “مريم” اليه لترى نظراته الحادة المصوبة تجاهها .. وبدأ اللعب .. كانت ضربات “مراد” قوية وكأنه ينتقم من الكره .. أمسكت “مريم” الكره ووقفت تنظر اليه بثبات وتقابل نظراته المتحدية بثقه .. ثم قالت فى نفسها .. حسناً تريدها تحدى فليكن .. كانت ضربات “مريم” قوية بقدر ما كانت ضربات “مراد” قوية بدا وكأنهما لا يلعبان بل يفرغان شحنة بداخل كل منهما .. كان كل منهما يضرب الكره وكأنه يضرب كل ما يغضبه ويضايقه .. كانت ضرباتهما قوية قاسية واثقة تعرف وجهتها جيداً .. أخذت “ناهد” تتابع اللعب مع “سارة” و “نرمين” .. هتفت “نرمين” بدهشة :

– ايه ده ملهم بيلعبوا بعنف كده

قالت “سارة” وهى تنقل نظرها مع الكره :

– بس جامدين جداً فى اللعب هما الاتنين

أول من رفعت راية الإستسلام هى “مريم” التى شعرت بألم فى ذراعها .. رفعت كفها معلنة انتهاء اللعب .. فاقترب منها “مراد” قائلاً:

– بتلعبي حلو

قالت وهى تنهج بقوة وحبات العرق تتصبب منها :

– انت كمان بتلعب حلو

تلاقت نظراتهما للحظات .. ثم ترك “مراد” المضرب وتوجه الى حيث يجلس الجميع وعينا “مريم” تتابعانه.

أصر الجميع على “مراد” على أن يمد اقامتهم يومين آخرين .. فما استطاع تحت هذا الإلحاح من الجميع إلا أن يوافق.

**********************************************

فى المساء أخذت “مريم” قلم وبعض الأوراق وجلست على الأريكة تبدأ فى التخطيط والرسم الخاص بحملة “مراد” .. استغرقها الوقت حتى قال لها “مراد” .. الجالس على أحد المقاعد بجوارها يشاهد التلفاز :

– كفاية كدة وقومى نامى

قالت دون أن تنظر اليه :

– لا لسه شوية

قام من مكانه وأحضر الكتاب ووضعه أمامها على المنضده .. نظرت الى الكتاب ثم اليه وقالت :

– عجبك ؟

قال “مراد” وهو يجلس مكانه وينظر اليها ببرود :

– آه كويس

قالت “مريم” بإستغراب :

– كويس بس .. افتكرته هيعجبك

التفت اليها “مراد” وقال بنفس البرود :

-أنا ما قولتش معجبنيش

قالت “مريم” :

– شكلك بيقول انه معجبكش

قال “مراد” بتهكم وهو يتفرس فيها :

– بتحسي بيا للدرجة دى

شعرت “مريم” بالخجل والضيق من كلماته الساخرة وعادت الى رسمها مرة أخرى .. قام “مراد” وغادر الغرفة وأغلق الباب خلفه بحده .. نظرت “مريم” بإستغراب الى الباب المغلق وهى تحاول أن تصرف ذهنها عن التفكير فى “مراد” وتصرفاته

*******************************************

صفع “عثمان” “صباح” بحده فى مكتب المأمور وهو يقول :

– كيف ده حوصل .. كيف يا بنت بوى كيف

أجهشت “صباح” فى البكاء وقد أيقنت هلاكها .. قال المأمور :

– فحصنا البصمات بتاعتك يا آنسه “صباح” وقارناها بالبصمات الموجودة على الطبنجة اللى انطخ بيها “جمال” .. وكان التطابق تام

قال “عثمان” وهو يغلى من الغضب :

– والله لجتلك يا جليلة الرباية والله لجتلك

أمر المأمور أحد الحرس بأن يأخذ “عثمان” للخارج ..وما هى الا لحظات حتى خرج اليه “عبد الرحمن” الذى تم الافراج عنه .. قال “عبد الرحمن” بلهفه :

– اللى سمعته ده صحيح يا ولدى ؟ .. اللى طخ “جمال” “صباح” بنيتي

قال “عثمان” بغضب :

– اييوه يا بوى هى بنت التييييييييييييت دى

قال “عبد الرحمن ” :

– لا حول ولا قوة الا الله .. ليه تعمل اكده لييه

قال “عثمان” بغضب :

– واضح يا بوى ليه عيملت اكده .. واضح ان مافيش حرمه نضيفه فى عيلتنا

صاح به “عبد الرحمن” :

– اجفل خشمك يا “عثمان” ومتتكلمش عن أختك اكده

قال “عثمان” :

– أختى اللى جرسيتنا وسط الخلج .. والله لجتلها بيدي دول

لحظات وحضر “سباعى” الذى هتف قائله :

– صوح اللى سمعته ده يا “عبد الرحمن” .. بنتك “صباح” هى اللى طخت ولدى

قالت “عبد الرحمن” بدهشة :

– ولحجت تعرف يا “سباعى”

قال “سباعى” بحده :

– هو آنى جليل فى البلد دى ولا اييه يا “عبد الرحمن”

قال “عبد الرحمن” بوهن :

– آنى محجوجلك يا “سباعى” واللى انت رايده هيكون

قال “سباعى” بضيق :

– آنى مش عارف هلجيها منين ولا منين الخلج أول ما هيعرفوا هتجوم جومتهم .. ربك يسترها يا “عبد الرحمن”

****************************************

جلست “مريم” على احدى الصخور فى البحر تراقب الأسماء الصغيره التى تسبح تحت المياة الشفافة الصافية .. اقتربت منها “سارة” وجلست بجوارها .. ابتسمت الفتاتان لبعضهما البعض .. قالت “سارة” :

– تعرفى يا “مريم” أنا و “نرمين” كنا خايفين “مراد” يتجوز واحدة تخليه يسيبنا تانى ويبعد عنا

قالت لها “مريم” بدهشة :

– تقصدى ايه

قالت “سارة” :

– مش عايزة أضايقك وافكرك بحاجه أكيد مش حابه تفتكريها .. بس فعلا مراة “مراد” الأولانيه مكناش بنحبها خالص

شعرت “مريم” بالدهشة وهى تسمع لأول مرة بأن “مراد” كان متزوجاً من قبل فأكملت “سارة” :

– أصرت عليه ياخدلها فيلا بعيد عننا .. هو عمل اللى يريحها بس برده كان كل يوم عندنا .. خاصة ان مفيش معانا راجل .. أنا عارفه انه مكنش حابب يبعد بس هى كانت مصرة

شردت “مريم” فى كلمات “سارة” اذن “مراد” كان متزوجاً من قبل .. تُرى أين ذهبت أانتهى زواجهما بالموت مثلها أم بالطلاق .. أخرجتها “سارة” من حيرتها قائله :

– بعد ما اطلقوا “مراد” تعب أوى .. واتغير معانا .. بقه صعب أوى .. بس احنا برده بنحبه هو شاف كتير .. وعشان كدة فرحنا ان ربنا عوضه خير ورزقه بيكى .. وانك موافقه تعيشي معانا ومأصرتيش انه يسيبنا وتعيشوا لوحدكوا

كانت “مريم” تستمع لكلماتها فى شرود فأكملت “سارة” :

– انا بحبك بجد يا “مريم” وبحس فعلا انك أختى

التفت لها “مريم” مبتسمه :

– صدقيني أنا كمان بحبكوا جداً يا “سارة”

بدا على “سارة” التردد ثم قالت :

– فى حاجة عايزة أحكيلك عنها يا “مريم” بس ياريت الموضوع يفضل بينا ومتجبيش سيرة لـ “مراد” أبداً

قالت “مريم” :

– متقلقيش يا حبيبتى أى كلمة تقوليهالى مستحيل أقولها لأخوكى ابداً

ابتسمت “سارة” واطمئنت وقصت عليها مشكلتها .. واعجابها بـ “طارق” صديق “مراد” .. واشتكت لها من كونه لا يعيرها أدنى اهتمام ثم اختتمت حديثها قائله برجاء :

– قوليلى أعمل ايه يا “مريم” ..ألفت انتباهه زى ما “نرمين” قالتلى ؟

فكرت “مريم” قليلاً ثم قالت :

– بصى يا “سارة” لازم تعرفى وتتأكدى انك مش هتاخدى غير الراجل اللى ربنا كاتبهولك .. مهما عملتى مش هتاخدى حد غيره .. فلازم أى تصرف تعمليه تشوفى اذا كان صح ولا غلط .. حلال ولا حرام .. لانك كدة كدة مش هتقدرى تغيري قدر ومكتوب

ثم قالت :

– رأيي متعمليش حاجة أكتر من انك تدعى ان ربنا يرزقك الراجل اللى يسعد قلبك .. متدعيش انه يرزقك بـ “طارق” بالذات .. لا ادعى انه يرزقك بالراجل اللى يحافظ عليكي واللى يكون مناسب ليكي .. اللى فهمته من كلامك انك متعرفيش الأستاذ “طارق” أصلاً .. يعني محصلش أى حوار بينكوا ولا أى حاجة توضحلك شخصيته .. مجرد انه صاحب أخوكى وعارفه شكله .. وده مش كفاية عشان تحبيه .. انتى الاحساس اللى جواكى تعلق مش أكتر .. اتعلقتى بحد عارفه انه كويس .. بس مهما كان انتى متعرفيش شخصيته .. ويا ترى هيكون مناسب ليكي ولا لاء .. عشان كدة قولتلك لما تدعى ادعى ان ربنا يرزقك الراجل المناسب ليكي اللى يحافظ عليكي ومتدعيش انه يرزقك ب “طارق” بالتحديد لانك متعرفيهوش أصلاً .. ادعى ان ربنا يختارلك وخليكي واثقة ان اختيار ربنا ليكي هيكون أحسن مليون مرة من اختيارك لنفسك

أنهت “مريم” كلامها ونظرت الى “سارة” التى بدا عليها الإرتياح بعدما استمعت لتلك الكلمات .. قالت “سارة” مبتسمه :

– ياريتى كنت كلمتك من زمان كنتى خرجتيني من حيرتى دى

ابتسمت “مريم” وقالت :

– ادينا اتكلمنا أهو .. بس يارب فعلا يكون كلامى فادك

عانقتها “سارة” وقالت :

– فادنى كتير .. تسلمى يا “مريم”

********************************************

استطاع كبار العائلتين التحدث مع المأمور الذى كان يرغب أكثر منهما فى حل تلك القضية ودياً .. لأنه يعلم المشاكل التى كانت واقعة بين العائلتين منذ الأذل والتى تنتظر شرارة صغيرة لتبدأ نار الثأر فى الإشتعال مرة أخرى .. انتهت جلسة الصلح بـ :

– قبلتُ زواجها

والتى قالها “جمال” بحنق وضيق ويده موضوعه فى يد “عبد الرحمن” وهو يعلم جيداُ فى قرارة نفسه أنه وقع فى شر أعماله وبأن الله أعطاه ما يستحق

********************************************

فى المساء اجتمع الجميع امام حمام السباحة فى الفندق والذى كان فارغاً فى مثل هذا الوقت .. قامت “مريم” لتتمشى قليلا فقالت “ناهد” :

– متتأخريش يا “مريم” .. “مراد” زمانه جاى وهنتطلع كلنا بالعربية نتمشى شوية

أومأت “مريم” برأسها وسارت وهى تتهادى فى خطواتها وتتطلع الى الطبيعة يميناً ويساراً .. كانت مستغرقة فى التفكير فى حالها وفي مستقبلها الذى تجهله .. كانت تشعر فى قرارة نفسها بمشاعر غريبة عليها .. مشاعر متضاربة احتارت فى تفسيرها وفى فهمها .. لا تدرى الى كم من الوقت سارت .. لكنها نظرت فجأة حولها لتجد نفسها فى مكان تجهله .. كانت تحمل بيدها هاتفها لكنها لا تعرف الا رقم “ناهد” الذى حاولت أن تتصل به كثيراً دون رد .. ظلت تدور حول نفسها وهى تحاول تبين طريقها دون جدوى .. كان المكان حولها خالياً فلم تستطع أن تجد من يدلها على الطريق .. رأت البحر أمامها فسارت بمحازاته وهى تنظر الى الأنوار المضاءه على يسارها علها تتبين مكان تعرفه .. عاد “مراد” ليجد “ناهد” تهتف بقلق :

– “مراد” اتصل بـ “مريم” محدش في البنات معاه رقمها وموبايلى مش لاقياه

تسمر “مراد” فى مكانه .. فهو الى الآن لا يعرف رقم هاتفها .. قال “مراد” وهو يتطلع الى الفتاتان ليتأكد من أنهما لا تستمعان اليه :

– مش معايا رقمها

هتفت أمه بحنق :

– ازاى يعني مش معاك رقمها

عادت الى مكانها تبحث مع الفتيات عن هاتفها .. ثم قالت بلهفه :

– هطلع أشوفه فوق يمكن نسيته فى الأوضة

أخذ “مراد” يسير على غير هدى وعيناه تبحث عن “مريم” بلهفه ويسأل عنها كل من يجده أمامه .. شعر بالقلق من سيرها بمفردها فى هذا الليل وفى هذا المكان المنعزل .. خشى أن يصيبها مكروه .. فحث قدماه على السير وعيناه على البحث .. خفق قلبه بخوف وهو يتخيل أحد الأشخاص وهو يضايقها وهى تصرخ مستنجده دون أن يسمعها أحد .. اتصل بوالدته دون رد .. اتصل بـ “سارة” وقال بحده :

– أيوة يا “سارة” لسه ملقيتوش موبايل ماما ؟

– لا يا أبيه بندور عليه

صاح بغضب :

– هيكون فين بس دوروا كويس .. وأول ما تلاقوه كلميني

كانت “مريم” تنظر الى ما حولها وهى تشعر بالرعب كان المكان موحشاً .. وحتى الأنوار المضاءة على اليسار لا تشير الى أى مكان تعرفه .. تعالى صوت البحر الهادر ليزيد من خوفها .. اتصلت بـ “مى” قائله بلهفه :

– “مى” ازيك

هتفت “مى” بفرح :

– “مريم” ازيك أخبارك ايه

قالت “مريم” بلهفه :

– “مى” معاكى رقم استاذ “طارق”

قالت “مى” بدهشة :

– عايزاه ليه

قالت “مريم” وهى تتلفت حولها خوفاً :

– بصى أنا و “مراد” وعيلته سافرنا العين السخنه .. وأنا تهت ومش معايا غير رقم مامته ومبتردش عليا .. عايزاكى تتصلى بأستاذ “طارق” تجبيلى منه رقم “مراد”

قالت “مى” :

– طيب يا حبيبتى ثوانى وهكلمك

اتصلت “مى” بـ “طارق” وشرحت له الوضع وقالت :

– فلو سمحت اديني رقم أستاذ “مراد” عشان أبعته فى رسالة لـ “مريم”

قال “طارق” :

– لا مفيش داعى .. انا هكلمها

شعرت “مى” الضيق وقالت :

– ماشى .. مع السلامة

أنهت “مى” المكالمة وهى تشغر بغيرة شديدة .. اتصل “طارق” بـ “مريم” وطمأنها قائلاً :

– متخفيش يا مدام “مريم” اوصفيلي بس المكان اللى انتى فيه وأنا أقولك ترجعى ازاى .. انا اللى حاجز لـ “مراد” فى المكان ده وعارفهكويس

قالت “مريم” وهى تلتفت حولها :

– مش عارفه أنا جمب البحر بس معرفش أنا فين بالظبط

قال “طارق” :

– طيب مفيش أى حد أدامك تسأليه

التفتت حولها وقالت بخوف :

– لا مفيش خالص

قال “طارق” مطمئناً اياها :

– طيب متقلقيش أنا هكلم “مراد” وأديله رقمك .. بس متخفيش ان شاء الله “مراد” هيلاقيكي

اتصل “طارق” بـ “مراد” وأملاه الرقم فقال “مراد” بدهشة :

– انت عرفت منين ؟

قال “طارق” :

– مش وقته يا “مراد” .. كلمها شوف هى فين باين عليها انها مرعوبة أوى

اتصل بها “مراد” فأجابت بصوت قلق :

– أيوة

قال “مراد” بلهفه :

– “مريم” انتى كويسة

قالت بصوت مضطرب :

– أيوة كويسة

قالت “مراد” :

– انتى فين اوصفيلي المكان اللى انتى فيه

كان “مراد” يسير أثناء التحدث اليها وعيناه تبحث عنها .. نظرت حولها وأجابت :

– أنا ورايا البحر .. بس مش عارفه أنا فين بالظبط

قال بلهفه :

– طيب لما خرجتى من حمام السباحة مشيتي ازاى ؟

قالت بصوت مضطرب :

– معرفش مكنتش مركزة

هتفت قائلاً بعصبية :

– ازاى يعني مكنتيش مركزة

أجابت بصوت كمن يوشك على البكاء :

– كنت سرحانه ومخدتش بالى

حاول “مراد” التحكم فى أعصابه وقال بصوت أهدأ :

– أنا آسف .. بس أنا عايز أعرف مكانك .. حاولى توصفيلي المكان حواليكى

لكن “مراد” هتف فجأة :

– خلاص يا “مريم” شوفتك

هتفت غير مصدقة :

– بجد .. الحمد لله

أغلقت الخط وبحثت حولها لتجد “مراد” قادماً اتجاهها .. شعرت بالفرحه بمجرد أن رأته وابتسمت وقالت بأعين دامعه :

– كويس انك لاقيتنى .. كنت خايفة أوى

نظر اليها بلهفه بأعين متفحصه وقال :

– انتى كويسة

أومأت برأسها وهى تمسح العبرات الى تساقطت من عينيها رغماً عنها .. نظر اليها بحنان قائلاً :

– طيب يلا نرجع الفندق ..

رن هاتفه فقال :

– أيوة يا ماما .. خلاص لقيتها .. أيوة احنا فى الطريق .. ماما الموبايل هيفصل شحن حالاً

وبالفعل لحظات وانقطع شحن الهاتف .. قال “مراد” بجدية :

– بعد كدة لما تمشى وتحسى انك توهتى اقفى فى المكان اللى انتى فيه ومتمشيش أكتر عشان متتوهيش أكتر

أومأت برأسها مد يده وأمسك بهاتفها تحت نظراتها .. تلامست أيديهما فشعرت بالإضطراب وأبعدت يدها سريعاً .. دون رقمه وسجله بإسمه على هاتفها وقال :

– لما نرجع اديني رقمك .. مينفعش نبقى مش عارفين أرقام بعض

أعطاها هاتفها فأخذته .. كانت “مريم” تسير معه وهى تحاول أن تهدئ من خفقات قلبها التى كانت تتسارع من شدة الخوف .. التفت اليها “مراد” قائلاً :

– أحسن دلوقتى

قالت بصوت أكثر ثباتاً :

– أيوة الحمد لله

سارا عدة دقائق قبل أن يظهر لها المكان الذى تعرفه .. كان مقبلاً اتجاههما مجموعة من الفتيات الاتى يضحكن ويتمازحن وهن مرتدات ملابس غير محتشمة .. رغماً عنها التفتت “مريم” تجاه “مراد” لتتبع نظراته .. كان ينظر بجواره فجذبت انتباهه الضحكات فنظر أمامه لحظة قبل أن يخفض بصره أرضاً .. تسلل اليها شعور بالسعادة .. لحظات قبل أن تشعر بالضيق من نفسها وأخذت تحدث نفسها .. ما شأنك أنتِ يا “مريم” نظر أم لم ينظر ما شأنك به لماذا تهتمين ما يخصه ليس من شأنك .. عقدت ما بين حاجبيها فى ضيق أفاقت من شرودها على صوت الهاتف فى يدها .. رأت رقم “طارق” الذى اتصل منه منذ قليل .. نظر “مراد” الى هاتفها فالتفتت اليه ومدت له يدها بالهاتف قائله :

– ده الأستاذ “طارق” .. ممكن يكون كلمك ولقى موبايلك مقفول

أخذ “مراد” الهاتف من يدها ورد :

– أيوة يا “طارق” .. فصل شحن .. أيوة لقيتها خلاص .. لا كله تمام .. متشكر يا “طارق” .. سلام

أنهى “مراد” المكالمة وهى ينظر الى “مريم” بإمعان قائلاً :

– انتى اتصلتى بيه لما تهتى

قالت “مريم” بسرعة :

– لا اتصلت بـ “مى” صحبتى وهى زميلتى فى الشركة .. قولتلها تتصل بيه

صمت “مراد” ثم عاد يتفرس فيها قائلاً :

– رقمك معاه من زمان

قالت “مريم” وهى تنظر اليه :

– لأ أنا مدتهوش رقمى اصلاً .. ومبديهوش لأى عميل .. ممكن يكون خده من “مى”

أومأ “مراد” برأسه .. تلاقت أنظارهما فى صمت .. كل منهما ينظر الى عين الآخر بحذر وقلق وخوف .. كانت نظرات كل منهما تصرخ فى الآخر قائله .. ابتعد عنى لن اسمح لك بإختراق أسوار قلبي .. لكن نفس السؤال أخذ يتردد فى أعماق كل منهما .. تُرى هل سأستطيع حقاً الصمود ؟

الفصل العشرون من رواية قطة فى عرين الأسد

– أنا كنت شاكك فيها من الأول

قال “مراد” هذه العبارة بعصبية .. فقال “طارق” :

– وايه مصلحتها فى كدة

قال “مراد” بغضب :

– الهانم أكيد كانت بتاخد منه فلوس .. ماهى مش هتعمل كده لله فى لله

قال “طارق” بحده :

– حسبي الله ونعم الوكيل فيها .. انسانه معندهاش ضمير

قال “مراد” بحنق :

– لولا التسجيل اللى حطيته فى المكتب مكنتش اكتشفت ان سكرتيرتى عميلة عند “حامد” وبتنقله كل تحركاتى

قال “طارق” بحنق :

– بس يا “مراد” مكنش المفروض تكتفى بطردها .. كان المفروض توديها فى ستين داهية بالتسجيل اللى معاك

قال “مراد” :

– هى بنت برده .. صحيح تتساهل قطم رقابتها عشان خاينة للأمانة بس بردة بنت مينفعش أبلغ عنها وأدخلها اقسام

قال “طارق” وهو ينهض :

– طيب هروح أشوف مكتب توظيف محترم يبعتلنا سكرتيرة محترمة

زفر “مراد” بضيق .. فأكثر ما يكرهه فى حياته .. الخيانة .. بكل أشكالها وأنواعها

*******************************************

دخل “جمال” منزله وعلامات الضيق على وجهه فإستقبلته “صباح” قائله :

– كنت فين يا “جمال”

قال “جمال” بضيق :

– كنت بشم هوا يا “صباح”

قالت بعتاب :

– فى عريس يسيب مرته فى البيت ويخرج ولسه مفاتيش اسبوع على جوازهم

هتف “جمال” بغضب :

– كانت جوازه ما يعلم بيها الا ربنا

هتفت “صباح” بحنق :

– ليه بجه ان شاء الله .. مش انت اللى كنت بتجولى انك نفسك فى اليوم اللى تتجوزنى فيه يا “جمال” نسيت كلامك الحلو اللى كنت بتسمعهولى

قال “جمال” بتهكم :

– كنت مغفل يا “صباح” .. ياريتنى كنت انشكيت فى لسانى جبل ما أجول كلمة واحدة منه يا “صباح”

قال ذلك ثم زفر بضيق ودخل حجرة النوم يشاهد التلفاز تحت نظرات “صباح” الغاضبة

**************************************

أمسكت “سهى” هاتفها الذى لم يفارق يديها الا نادراً طيلة اليومين الماضيين .. لكن كالعادة رفض “سامر” الإجابة على أى من اتصالاتها .. كآخر حيلة لديها اتصلت بمكتبه فأخبرتها السكرتيرة أنه منشغل ولديه اجتماع .. فقالت “سهى” بصوت كمن أوشك على البكاء :

– طيب لو سمحتى لما يخلص اجتماع قوليله “سهى” اتصلت بيك وعايزاك ضرورى

– حاضر يا فندم

أنهت السكرتيرة المكالمة وتوجهت الى مكتب “سامر” قائله :

– الآنسه “سهى” اتصلت يا فندم وقولتلها زى ما حضرتك قولتلى

قال “سامر” بلامبالاة :

– طيب لو اتصلت تانى قوليلها سافر يومين ولو سألتك فين قوليلها متعرفيش

– حاضر يا فندم

***************************************

عاد “مراد” الى البيت فى المساء ليجده ساكناً .. توجه الى غرفة المعيشة ليجدها فارغة .. صعد الى غرفته وطرق الباب ليجد “مريم” جالسه على الأريكة تتطلع الى حاسوبها الموضوع على قدميها :

– السلام عليكم

نظرت اليه قائله :

– وعليكم السلام

أغلق الباب وهو يتطلع اليها قائلاً :

– أمال فين ماما واخواتى ؟

قالت “مريم” بهدوء :

– راحوا لخالتك .. هما كلموك أدامى انت نسيت

قال “مراد” وقد بدا عليه التذكر :

– أيوة أيوة .. معلش نسيت

عادت “مريم” الى عملها مرة أخرى أمام الحاسوب .. دخل “مراد” الحمام وأخذ دشاً واستبدل ملابسه ثم نظر اليها قائلاً :

– اتغديتي

قالت :

– أيوة

أخرج هاتفه يتفحصه .. فنظرت اليه “مريم” قائله :

– لو مكنتش اتغديت أقول لدادة “أمينة” تحضرلك الغدا

نظر اليها مبتسماً :

– مبحبش آكل لوحدى .. لو هتاكل معايا ماشى

قالت بحرج :

– انا اتغديت

قال وهو يغادر الغرفة :

– أنا نازل المكتب

توجه “مراد” الى مكتبه .. بعد ما يقرب من ساعة ذهبت اليه “مريم” وطرقت الباب أذن لها بالدخول .. وقفت أمامه قائلاً :

– خلصت تصميم اللوجو ياريت تشوفه عشان لو محتاج تعديل أعدله قبل ما أحطه على البروشورز وباقى التصميمات

أشار “مراد” الى المنضدة أمام الأريكة فوضعت عليها حاسوبها وجلس “مراد” ينظر الى التصميم .. تابعت تعبيرات وجهه بإهتمام وقالت :

– لو محتاج أى تعديل مفيش مشكلة قولى وأنا أعدله

قال “مراد” دون أن ينظر اليها :

– لا ممتاز .. بجد ممتاز

ابتسمت “مريم” وقد أسعدها اطراءه ..رفع رأسه ونظر اليها مبتسماً :

– شكلى هستغلك وأعمل تجديد لكل تصميمات الشركة والمصنع

قالت بحماس :

– ما فيش مشكلة … أصلاً أنا بحب شغلى جداً وبعتبره هواية مش حاجة مفروضة عليا

سألتها “مراد” :

– اتعملتى فين ؟

قالت “مريم” وقد اختفت ابتسامتها :

– جوزى الله يرحمه هو اللى علمنى

اختفت ابتسامة “مراد” هو الآخر وأشاح بوجهه عنها .. لاحظت “مريم” التغير الذى طرأ عليه واستغربت من ذلك .. حملت الحاسوب قائله بتوتر :

– هبتدى فى البروشورز من النهاردة ان شاء الله وما أخلصها هوريهالك

قال “مراد” دون أن ينظر اليها :

– ارتباطكوا استمر أد ايه ؟

بلعت “مريم” ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت :

– سنتين

نظر “مراد” اليها متفرساً فيها وقال :

– وليه متجوزتوش .. ليه استنيتوا ده كله ؟

قالت “مريم” بشئ من الضيق :

– حصلت ظروف خلتنا نضطر نأجل جوازنا

هربت من نظراته المتفحصه قائله :

– بعد اذنك

غادرت “مريم” غرفة المكتب لتترك “مراد” غارقاً فى التفكير .. تُرى الى أى مدى أحبته ؟ .. أأحبته الى درجة أن تخلص له حتى بعد موته ؟ .. تُرى لماذا أحبته ؟ .. كيف جعلها تحبه لدرجة ألا تستطيع رؤية رجلاً غيره ؟ .. لم ينسى ما أخبره اياه “طارق” من رفضها الزواج بسبب حبها لخطيبها الراحل .. تُرى هل من الممكن أن يدق قلبها للحب مرة أخرى ؟ .. هل من الممكن أن تقبل العيش مع رجل …… !! .. عند هذه النقطة أرغم عقله على التوقف عن الإسترسال و قام الى مكتبه وجلس يطالع أوراقه وملفاته ليصرف عقله عن التفكير فيها وفيما يخصها .

صعدت “مريم” الى غرفة “مراد” وجلست على الأريكة وهى غارقة فى التفكير هى الأخرى .. تُرى لماذا حدث الطلاق بينه وبين زوجته ؟ .. تُرى كيف كان شكلها ؟ .. أأحبها ؟ .. لماذا اذن انفصلا ؟ .. هل مازال يتذكرها ؟ .. أيتمنى العودة اليها ؟ .. كم دام زواجهما ؟ .. ومنذ متى انفصلا ؟ .. ظلت الأسئلة تتقافز على عقلها الى أن أرغمت عقلها عن الإنشغال بعملها الذى بين يديها.

عاد الجميع الى البيت والتفوا حول طاولة الطعام .. قالت “نرمين” بمرح :

– كانت أعدة حلوة أوى يا ريتك كنتى جيتي معانا يا “مريم”

قالت “مريم” مبتسمه :

– معلش كان عندى شغل

قالت “سارة” لـ “مراد” :

– خالتو عزمتنا كلنا يا أبيه آخر الاسبوع .. حاول تفضى نفسك

قالت “سارة” بحماس :

– وأنا يا أبيه حاول تفضيلي نفسك عايزه أشترى لبس جديد وشوية حاجات كدة عشان الكلية

قال “مراد” :

– خلاص نخرج بكرة ان شاء الله تشترى انتى حاجتك وكمان “سارة” و “مريم” يخرجوا ويغيروا جو

قالت “سارة” بحماس :

– تمام أوى .. بس خلى بالك يا أبيه أنا ليا زى ما “نرمين” هتشترى بالظبط .. مش معنى انى خلصت كلية انى مش هشترى لبس جديد

ابتسم “مراد” قائلاً :

– ماشى يا “سارة” عنيا ليكي

ابتسمت “مريم” وهى تراقبهم .. سعدت كثيراً للعلاقة الودودة بينهم .. قالت “ناهد” مبتسمة :

– أنا بأه بتخنق من اللف كتير سيبونى بأه أنعم بيوم من الراحة والإستجمام

قالت “نرمين” ضاحكة :

– تقصدى يا ماما ان احنا عملينلك ازعاج يعني .. ده احنا التلاته قطط صغننه

ضحكت “ناهد” قائله :

– “مريم” آه قطة .. أما انتى و “سارة” لما بتتجمعوا مع بعض بتقلبوا بغبغانات وبتصدعولى دماغى

قال “مراد” لأمه :

– متيجي معانا يا ماما

قالت “ناهد” :

– لا يا حبيبى اخرجوا انتوا واتبسطوا

*************************************

دخلت “صباح” غرفة النوم وجلست بجوار “جمال” الذى بدا مندمجاً فى مشاهدة أحد الأفلام .. اقتربت منه وقد تزينت وتعطرت .. قالت له :

– متجفل البتاع ده يا “جمال” وتيجى نجعد نتكلم شويه

قال “جمال” وهى ينظر اليا شذراً :

– هتكلم في اييه يعني .. خلينى مع الفيلم أحسن

قالت “صباح” بحنق :

– يجطع الفيلم على بيتفرجوا عليه .. آنى عروسة يا “جمال” المفروض تهتم بيا أكتر من اكده

صاح “جمال” :

– يجطع الجواز على البيتجوزوا .. آنى دماغى مش فيا يا “صباح” روحى شوفيلك حاجة تشغلك بعيد عنى أحسن العفاريت بتتنطط أدام عيني السعادى

قالت “صباح” بغضب :

– ماشى يا “جمال” بكرة تندم وتجول آنى معرفتش أجدر جيمتها

قام “جمال” من مكانه ووقف بجوار الفراش قائلاً بتهكم :

– حوش حوش .. ليه ان شاء الله فاكره نفسك مين يا “صباح” السفيرة عزيزة .. ده لولا انى اتنازلت عن المحضر وجفلنا على الجضية كان زمانك دلوجيت نايمة فى البورش يا “صباح” والبراغيت بتشغى فى جتتك

وقفت “صباح” بمواجهته قائله بغضب :

– ماهو لو مكنتش انت ناجص وجليل الأصل مكنش ده كله حوصل .. جولتلك يا “جمال” مش “صباح” اللى يدحك عليها .. ده آنى ألففك البحر كعب داير وأرجعك عطشان

دفعها بيدها الى الفراش قائلاً :

– طيب اكتمى .. اكتمى أحسن أديكى كف يكتمك للأبد يا “صباح”

*********************************

فى اليوم التالى خرج “مراد” مع الفتيات الى أحد المولات التجارية .. تقدمت الفتاتان فالتفتت “مريم” قائله لـ “مراد” بحرج :

– آسفه انك اضطريت تاخدنى معاك

قال “مراد” وهو ينظر اليها :

– مين قالك انى واخدك معايا غصب عنى

قالت بإرتباك :

– يعني .. المفروض كنت تخرج مع اخواتك بس .. لولا انهم الصبح أصروا انى أخرج معاهم

قال “مراد” ببرود :

– أظن انا من بالليل وأنا قايل انك هتخرجى معانا

أشار بيده قائلاً :

– اتفضلى

أخذت الفتاتان وقتاً طويلاً فى المشاهدة والشراء توجه “مراد” الى الملابس المعروضة وانتقى بعضها وحملها بيده ثم توجه الى “مريم” قائلاً :

– ادخلى قيسيهم

نظرت “مريم” اليه بدهشة وحرج قائله :

– لا شكراً أنا مش عايزة أشترى حاجه

قال “مراد” بحزم :

– مبحبش أكرر كلامى مرتين

قالت “مريم” بحنق :

– و أنا مش عايزة أقيسهم

قال بعند :

– هتقيسيهم

زفرت بضيق .. لاحظت أن البائعة تقف بجوار “مراد” فلم ترد التمادى أكثر فى هذا النقاش فأخذتهم من يده وتوجهت الى أحد الكبائن المخصصه للبروفة وبمجرد أن أغلقت الستارة فتحها “مراد” فنظرت اليه بدهشة .. فقال بحزم :

– قيسيهم فوق هدومك.. متقلعيش هدومك لأن فى ناس معندهاش ضمير بتحط فى البروفة كاميرات مراقبة

أومأت برأسها وهى تشعر بشعور غريب يسيطر عليا وهى ترى هذا الحرص والإهتمام منه .. أغلقت الستارة مرة أخرى ونفذت ما قال .. خرجت بعد عدة دقائق قائله :

– أيوة مظبوطين .. بس لو سمحت أنا اللى هدفع تمنهم

نظر اليها بحده وأخذهم منها وأعطاهم للبائعة قائلاً :

– هناخد دول كمان

شعرت “مريم” بالضيق فلا ينقصها الا أن يدفع ثمن ملابسها أيضاً .. وقف الجميع فى الخارج يتفقون على المكان التالى الذى سيذهبون اليه .. كانت “مريم” شارده فلم تتابع حديثهم .. مر من خلف “مريم” بعض الشباب الذين كانوا يتحدثون ويمزحون معاً .. فرجع أحد الشباب الى الخلف وهو يضحك مع أصدقائه ولم ينتبه الى أنه سيصطدم بـ “مريم” التى توليه ظهرها .. فجأة وجدت “مريم” “مراد” يحيطها بأحد ذراعيه ويجذبها اليه بقوة فإرتطمت بصدره وهى تشعر بالدهشة مما فعل .. وبيده الأخرى دفع الشاب الذى كان مازال يرجع للخلف دون أن ينتبه .. التفت الشاب بعدما ارتطم بيد “مراد” ونظر اليهما قائلاً :

– أنا آسف والله مخدتش بالى .. معلش أنا آسف

قال “مراد” بجديه :

– خلى بالك وانت ماشى

تمتم الشاب مرة أخرى :

– أنا آسف معلش

شعرت “مريم” بالحرج من وجودها فى أحضان “مراد” بهذا الشكل فإبتعدت عنه ودفعته عنها بشكل أثار انتباه “سارة” و “نرمين” .. كانت تشعر بإرتباك شديد .. فقال “مراد” :

– يلا تعالوا على العربية وبعدين نبقى نشوف هنروح فين تانى

صعدت “مريم” بجوار “مراد” فى السيارة وهى تتحاشى النظر اليه ..

*******************************************

قال “حامد” للظابط الذى يحقق معه فى البلاغ الذى قدمه “مراد” ضده :

– “نرمين” هى اللى ركبت معايا بمزاجها يا حضرة الظابط

قال الظابط :

– بس يا “حامد” بيه فى شاهد شافك وانت بتخدرها فى العربية

قال “حامد” :

– شاهد مين ؟

قال الظابط :

– زوجة “مراد” بيه .. هى اللى شافتك وانت بتخدر الآنسه “نرمين” وبتفقدها الوعى

قال “حامد” ببرود :

– كدابه .. وبتحاول تدارى على أخت جوزها .. “نرمين” أغمى عليها فى العربية وكانت راكبة معايا بمزاجها

قال الظابط :

– طيب ليه زقتها ووقعتها من العربية ومشيت

قال محامى “حامد” :

– محصلش .. كل الحكاية ان مراة أخوها لما شافتها أغمى عليها فى العربية و “حامد” بيه بيحاول يفوقها أصرت انه ينزلها وفعلا نزلها من العربية وشالها لحد ما دخلها الفيلا وبعدين مشى

قال الظابط بشك :

– أمال ليه “مراد” بيه قدم البلاغ ده

قال المحامى :

– غيرة ومنافسة غير شريفه .. لأن “حامد” بيه خرج من الشراكة معاه وشارك رجال أعمال تانيين .. فحب “مراد” بيه يردهاله بسبب الخسارة اللى خسرها من انسحاب “حامد” بيه

***************************************

جلست “مريم” فى المساء مع “ناهد” فى حجرة المعيشة يلعبان الشطرنج .. صاحت “مريم” مبتسمه :

– كش ملك

قالت “ناهد” :

– ياربي .. مفييش ولا مرة أكسبك فيها

ضحكت “مريم” قائله :

– قولت لحضرتك انى بعرف ألعبها كويس

قالت “ناهد” ضاحكة :

– مش محتاجة تقوليلى أديني شوفت بنفسي

ثم قامت قائله :

– ظبطيهم تانى مكانهم على ما أروح أعمل فنجان قهوة

نهضت “مريم” قائله :

– خليكي يا طنط وأنا هروح اعملها لحضرتك

قالت “ناهد” مبتسمه :

– لا دى قهوة عربي مش هتعرفى تعمليها .. يلا رتبي اللعبة على ما أرجعلك

جلست “مريم” تعيد القطع الى مكانها على لوح الشنطرنج .. دخل “مراد” الغرفة ونظر اليها والى ما تفعله .. ثم قال :

– بيقولوا بتعرفى تلعبي كويس

ابتسمت ابتسامه صغيره وقالت :

– يعني .. بيقولوا

فوجئت به يجلس قبالتها على الأريكة قائلاً بتحدى :

– طيب وريني شطارتك

تلاقت نظراتهما للحظات قبل أن تخفض “مريم” بصرها وتبدأ اللعب .. عادت “ناهد” لتجد “مراد” جالساً قبالة “مريم” يلعب معها فابتسمت وانسحبت الى غرفتها بهدوء .. بعد فترة من اللعب كانا كلاهما ينظر الى لوح الشنطرنج ويركز تركيزاً شديداً .. قال “مراد” دون أن يرفع رأسه :

– انتى ملكيش صحاب ؟

اندهشت “مريم” لسؤاله ونظرت اليه قائله :

– أيوة ليا

قال “مراد” وهو ينظر الى القطع المرصوصة أمامه بتركيز :

– أصلك لا طلبتى تزوريهم ولا طلبتى يزوروكى

قالت “مريم” بحرج وهى تنظر اليه :

– اتكسف اطلب انهم يجولى هنا .. وبعدين هى واحدة بس هى اللى قريبة منى وصحاب من زمان

قال “مراد” :

– “سهى” ولا “مى” ؟

اندهشت “مريم” لتذكره أسم الفتاتين فقالت بهدوء :

– “مى”

رفع “مراد” رأسه ونظر اليها قائلاً :

– و “سهى” ؟

قالت “مريم” بهدوء :

– زميلتى فى الشركة ومع بعض فى نفس المكتب بس مش صحاب أوى

أومأ برأسه وأعاد النظر الى اللعبة .. قال “مراد” بهدوء :

– تحبي تزوريها ؟

ابتسمت “مريم” قائله :

– أكيد .. دى “مى” وحشتنى أوى بجد

نظر اليها “مراد” مراقباً ابتسامتها وهو يقول :

– عندها اخوات شباب ؟

قالت “مريم” :

– لا هى بنت وحيدة

قال “مراد” :

– طيب ممكن أخدك ليها بعد بكرة لو تحبي

قالت بسعادة :

– خلاص تمام وأنا هتفق معاها على كدة

صمت “مراد” قليلاً ثم قال :

– مع انى شايف ان الأحسن هى تجيلك وممكن أبعتلها العربية بالسواق يجيبها لحد هنا ويوصلها تانى .. أقصد عشان تكونى أعدة براحتك معاها .. وأساسا أنا طول اليوم مش موجود يعني محدش فى البيت الا ماما والبنات

ثم قال وهو ينظر اليها بحنان :

– عشان أكون مطمن عليكي

شعرت “مريم” بخفقات قلبها تتسارع وهى تتطلع الى تلك النظرة الحانية فى عينيه .. وجدت الخوف يتسلل الى قلبها .. نهضت مسرعة وقالت :

– أنا تعبت وعايزة أنام تصبح على خير

غادرت الغرفة ونظرات “مراد” تتابعها .. لم تشعر برغبة فى النوم .. فوقفت فى الشرفة شاردة وهى تشعر بالضيق من نفسها ومن تلك المشاعر التى تعتريها بين الحين والآخر .. توجه “مراد” الى مكتبه وهو يفكر فى “مريم” وفى ردود أفعالها تجاهه .. حانت منه التفاته الى الدرج الذى يحوى قسيمة الزواج .. فتحه وأخرج القسيمة وفتحها وهو شادراً وأخذ يتطلع اليها لأول مرة منذ أن استلمها من المأذون .. كانت عيناه تمر على الكلمات فى تكاسل .. وفجأة اتسعت عيناه وتجمدت ملامحه وأخت دقات قلبه تتعالى بسرعة .. مرر عينيه على أحد السطور مرات ومرات الى أن تأكد بأن تلك الكلمات مكتوبة بالفعل وليس محض تهيآت .. هب من مقعده فجأة توجه الى غرفته وأغلق الباب خلفه بعنف .. كانت “مريم” لا تزال فى الشرفة دخلت فزعة من صوت الباب الذى انغلق بقوة .. نظرت الى “مراد” قائله :

– فى ايه ؟

نظر اليها “مراد” بحدة شديدة ورفع الورقه أمام عينيها دون أن يتفوه بكلمه .. قالت “مريم” بدهشة :

– ايه ده ؟

قال “مراد” بصوت يشوبه الغضب :

– قسيمة جوازنا

شعرت “مريم” بالخوف الشديد .. أيقنت بأنه اكتشف حقيقة كونها كانت زوجة لأخيه .. اقترب منها وعيناه تلمع غضباَ .. رجعت للخلف فى خوف فقال بصوت هادر :

– “ماجد خيري الهواري” .. انتى كنتى مراة أخويا ؟ .. مراة “ماجد” أخويا ؟

صمتت وهى لا تدرى ما تقول فصاح بغضب :

– انطقى .. انتى كنتى عارفة ان “ماجد” أخويا ؟

أومأت برأسها ايجاباً فازداد اشتعال النار فى عينيه وصرخ قائلاً :

– وليه ما قولتليش من الأول انك كنتى مراته

قالت “مريم” بإضطراب شديد وهى على وشك البكاء من شدة الخوف :

– عمتو .. عمتو “بهيرة” قالتلى متكلمش الا لما هى ترجع من السفر .. قالتلى مجبلكش سيرة أبداً عن الموضوع ده وهى هتقولك بنفسها

أخذ “مراد” يتطلع الى القسيمة مرة أخرى .. وكأنه لا يصدق ما يرى .. ولا يصدق ما يسمع .. قالت “مريم” بصوت خافت :

– أنا مش فاهمة هى ليه قالتلى مجبلكش سيرة .. بس حسيت ان فى حاجه خطيرة فى الموضوع وعشان كدة متكلمتش

ثم أكملت :

– انت كنت تعرف ان عندك أخ ؟

نظر اليها “مراد” بحده وقال بعنف :

– أيوة كنت عارف ان عندى أخ

صمت قليلاً ثم قال بجمود :

– بس اللى أعرفه انه مات من زمان .. من واحنا صغيرين

نظرت اليه “مريم” بدهشة وقالت :

– مين قالك كده .. مين قالك انه مات وهو صغير

قال “مراد” بحيرة مشوبة بالحدة :

– بابا اللى قالى كده .. وعمتى كمان قالتلى كده .. اللى أعرفه ان عندى أخ ومات واحنا صغيرين

شعرت “مريم” بالدهشة .. نظر اليها “مراد” قائلاً :

– كان عايش مع مين طول السنين اللى فاتت ؟

شعرت “مريم” بالتوتر .. تُرى أتخبره الحقيقة أم لا ؟ .. أتخبره بأمر أم “ماجد” الموجودة حاليا فى دار المسنين ؟ أم تخبره بالسر الأكبر والذى لم تطلع عليه أحد حتى الآن ؟ .. تًرى لماذا أخفوا عليه أمر أخوه ؟ .. لماذا أخبروه بأنه مات وهو صغير ؟ .. لماذا تجاهلوا وجوده وكأنه لم يولد أصلاً؟ .. ألهذا الأمر علاقة بوالدها ؟ .. قالت فى نفسها لا لن أخبره بأننى أعرف مكان أم “ماجد” ولن أخبره عن سرى الذى أحتفظ به لنفسى الى أن أفهم جيداً ما يدور حولى .. أخشى أن أخبره بكل ما أعرف فتنقلب الطاولة ضدى وأنا لا أفهم شيئاً مما يحدث .. لماذا كل هذه الأسرار؟ .. لابد من وجود سبب .. سبب جعل عمته تشدد عليها ألا تخبر “مراد” بنفسها عن أمر أخيه .. يجب أن أسبر أغوار الحقيقة وأصل اليها .. يجب أن أكشف كل تلك الأسرار التى تحيط بـ “مراد” و عائلته .. قالت بتوتر وهى تتحاشى النظر الى عينيه :

– معرفش كان عايش مع مين وهو صغير .. بس لما عرفته كان عايش لوحده

أومأ “مراد” برأسه وأشاح بوجهه عنها .. بدا وكأنه لا يستطيع النظر اليها .. غادر الغرفة .. وغادر المنزل كله .. ركب سيارته وهو يشعر بالإختناق .. يشعر بشئ ثقيل يجثم على صدره .. الفتاة التى تزوجها هى زوجة أخيه الراحل .. أخيه الذى ظن أنه مات وهو صغير .. لماذا أخفوا عنه أنه مازال على قيد الحياة .. لماذا يشعر بأن “مريم” مازالت تخفى عنه الكثير .. لماذا شعر وهو ينظر فى عينيها بأن هناك سر خطير تخفيه .. سر أكبر من أمر أخوه الذى لم يعلم عنه شيئاً طول تلك السنوات التى ظن فيها أنه ميت .. يجب أن يكتشف الحقيقة .. يجب أن يرغم “مريم” على اخباره بكل ما تعرفه .

*********************************************

أوقف “مراد” سيارته أمام النيل ولم يشعر بنفسه الا وآذان الفجر يصل الى مسامعه .. صلى الفجر وتوجه الى البيت .. كان الجميع نيام .. هم بالصعود الى غرفته لكنه أحجم عن ذلك توجه الى غرفة المكتب وافترش الأريكة ونام فوقها .. فى الصباح التف الجميع حول طاولة الطعام .. كان “مراد” يتحاشى النظر الى “مريم” الجالسه بجواره ويبدو على وجهه علامات الضيق .. أخذت “مريم” تختلس النظر اليه الى أن قام فجأة وقال :

– أنا ماشى

فى المكتب شعر الجميع بتوتر “مراد” وعصبيته فى القاء الأوامر على الموظفين .. حتى “طارق” لم يسلم من تلك العصبية .. صاح “مراد” :

– يعي ايه الشحنة تتأخر فى الجمارك .. أمال بس فالح سافر يا “مراد” وأنا فى الشركة بدايلك يا “مراد”

قال “طارق” بهدوء :

– انا مليش ذنب يا “مراد” وبعدين راجلنا اللى فى الجمارك بيقول ان التأخير على الكل

صاح “مراد” بغضب وهو يلقى بأحد الملفات على المكتب بعصبيه :

– وراجلنا ده مش قادر يتصرف .. وهى دى أول مرة نشحن فيها .. عمرنا ما اتأخرنا كده .. هو لو مش عارف يعمل شغله يقول واحنا نشوف حد غيره يعرف يمشى الشغل

نظر اليه “طارق” قائلاً :

– “مراد” انت مالك فى ايه بتشاكل دبان وشك ليه .. الراجل مغلطش وقولتلك التأخير على الكل

صمت “مراد” قليلاً ثم أخذ مفاتيحه وهاتفه وغادر المكتب فى عصبيه .. توجه الى سيارته ومشى بها على غير هدى .. كان يسير بسرعة عالية وهو يشق طريقه بين السيارات .. كان يشعر بغضب وضيق كبير بداخله .. شعر بأنه ناقم على “مريم” بشدة .. لأنها لم تخبره بأمر زواجها من أخيه .. وتركته يــ …..! حرك رأسه لينفض تلك الأفكار منه .. ظل يردد لنفسه .. هى كغيرها لا تساوى عندى شيئاً .. لا فرق عندى بينها وبين أى فتاة أخرى .. لم ولن اشعر باى شئ تجاهها .. قلبي كما هو لم يمسسه أحد .. ولن يستطيع أحد اقتحام أسواره

*********************************************

مرت عدة أيام كان يتحاشى فيها “مراد” ملاقاة “مريم” أو الحديث معها أو حتى النظر اليها .. وذات مساء عاد “مراد” الى البيت ودخل غرفة المكتب وأغلق الباب خلفه .. قالت “ناهد” بدهشة :

– مش عارفه ماله بقاله كام يوم عصبي جداً ومش طايق حد

قالت “نرمين” :

– أنا كمان لاحظت كده

قالت “سارة” :

– أكيد مشاكل فى الشغل .. انتوا عارفين “مراد” أى حاجه تهمه بياخدها على أعصابه

شردت “مريم” وهى تشعر بالضيق .. تًرى لماذا هو غاضب .. أغاضب لأنه لم يكن يعلم بأمر أخيه وبأنه مازال على قيد الحياة ؟ .. أم غاضب لأن “مريم” كانت زوجة أخيه الراحل ؟ .. ثم ما شأنه ان كانت زوجة أخيه أم لا .. فزواجها بـ “مراد” مؤقت وليس زواجاً حقيقياً .. نهضت “مريم” وأحضرت حاسوبها كانت تؤجل تلك المحادثة لكن الوقت قد حان ويجب أن تنهى عملها الذى طلبه منها .. طرقت باب غرفة المكتب فظنها والدته فقال :

– اتفضلى يا ماما

ظهرت الحدة فى نظراته عندما رفع رأسه ليجد “مريم” واقفه أمامه .. قالت “مريم” بصوت حاولت أن يبدو ثابتاً :

– انا خلصت الشغل ياريت حضرتك تشوفه قبل ما نوديه المطبعه

مد يده فأعطته الحاسوب وضعه على المكتب أمامه وظل ينظر اليه بعينان بدتا وكأنهما لا تريان ما أمامها ثم قال بقسوة :

– زى الزفت

شعرت “مريم” بالضيق من تعليقه الخالى من الذوق وقالت وهى تحاول التحكم فى أعصابها :

– ايه بالظبط اللى مش عاجبك فيه

قال “مراد” بعنف وهو ينظر اليها :

– كله .. كله مش عاجبنى

تنهدت “مريم” وحاولت كظم غيظها وقالت :

– يعني تحب أغير التصميم كله من أوله لآخره ؟

قال ببرود :

– أيوة .. واللوجو كمان

نظرت اليه “مريم” بحده وهى تقول :

– بس حضرتك قولتلى من كام يوم ان اللوجو ممتاز

قال “مريد” بعناد :

– غيرت رأيي .. عيدي كل حاجة تانى

صاحت “مريم” بحنق :

– وطالما مكنش عاجبك قولتلى ممتاز ليه كنت قولى انه وحش

قال “مراد” بحده :

– انتى مش هتعمليني أقول ايه وما أقولش ايه

قالت “مريم” بعصبيه وهى تحمل حاسوبها من أمامه :

– شوفلك ديزاينر غيري

نهض “مراد” من مكانه وأمسكها من ذراعها بعنف وصاح بغضب :

– يعني ايه أشوف ديزاينر غيرك وهو لعب عيال

قالت “مريم” بغضب مماثل وهى تتطلع الى عينيه :

– انتى ليه بتتعامل معايا كده .. مش ذنبي انى كنت مراة أخوك

ازدادت قوة قبضته على ذراعها الى أن ظهر الألم على ملامحها .. لحظات وخفف من قبضته ثم أزاحها تمام وتوجه الى مكتبه وجلس عليه وهو يسند رأسه الى قبضتى يده .. قال بحزم :

– اخرجى لو سمحتى

غادرت “مريم” المكتب وهى تشعر بالأسى صعدت الى غرفته فما كادت تفتح الشرفة لتقف فيها الا ووجدت “سهى” تتصل بها وتهتف وهى تبكى بحرقة :

– أنا ضعت يا “مريم”

هتفت “مريم” بدهشة :

– “سهى” بتقولى ايه

قالت “سهى” وشهقات بكائها تتعالى :

– أنا اتجوزت “سامر” عرفى

صاحت “مريم” :

– يا مصيبتى .. بتقولى ايه .. عرفى يا “سهى”

قالت “سهى” :

– المصيبة انه منفضلى خالص وبيخلى السكرتيرة تقولى انه مش فى المكتب ومسافر مع انى استنيته تحت الشركة وشوفته وهو بيركب العربية

ثم أخذت تصرخ وتصيح وقد بدا أن أعصابها قد انهارت تماماً :

– أنا ضعت يا “مريم” ضعت خلاص .. مش هيرضى يتجوزنى

كانت “مريم” تشعر بالألم وهى تستمع الى صرخات “سهى” وبكائها فأخذت العبرات تسقط على وجنتيها وهى تقول :

– حبيبتى اهدى هيحصلك حاجه

صاحت “سهى” وهى تصرخ :

– أنا مش عارفه أعمل ايه .. اعمل ايه دلوقتى .. لو أهلى عرفوا هيموتونى

قالت “مريم” بأسى :

– طيب انتى فين وأنا أجيلك

قالت “سهى” بصوت منهار :

– أنا خلاص قررت أموت نفسي فى المكان اللى ضيعنى فيه “سامر” ..هحرق اللانش اللى حياتى اتدمرت عليه .. اللانش اللى قالى انه أول مكان يشهد حبنا .. ده مكنش حب يا “سامر” ضحكت عليا يا “سامر”

ثم قالت بصوت باكى :

– ياريتنى كنت سمعت كلامك من زمان مكنش ده كله حصل .. ادعيلى يا “مريم” ان ربنا يرحمنى ويغفرلى .. بالله عليكي ادعيلى

أنهت “سهى” المكالمة فشعرت “مريم” بالفزع وأخذت تردد :

– “سهى”

عاودت “مريم” الإتصال بها بأصابع مرتجفة لكنها على ما يبدو أغلقت هاتفها .. نزلت “مريم” ببسرعة واقتحمت مكتب “مراد” وهتفت وهى تبكى :

– “مراد” الحقنى

هب “مراد” وقفاً والتف حول المكتب ووقف أمامها قائلاً :

– مالك يا “مريم” فى ايه ؟

قالت وهى تبكى :

– “سهى” زميلتى فى المكتب كلمتنى وقالتلى انها هتموت نفسها .. أنا خايفة أوى

قال “مراد” وهو يحاول استيعاب ما قالت :

– تموت نفسها .. ازاى يعني

قالت “مريم” بأسى :

– “سامر” صحبك اتجوزها عرفى

شعر”مراد” بالصدمة مما سمع فأخذت “مريم” تقول :

– قالتلى ان عنده لانش أخدها عليه وهى هتروح هناك دلوقتى وتولع فيه وفى نفسها

ثم قالت باكيه :

– أرجوك يا “مراد” ساعدنى

جذبها “مراد” من ذراعها وأمرها قائلاً :

– طيب اطلعى بسرعة غيري هدومك على ما أتصل بـ “سامر”

حاول “مراد” الاتصال بـ “سامر” مرات عديدة دون جدوى .. نزلت “مريم” مسرعة فقالت بلهفه :

– رد عليك

قال “مراد” :

– لا .. بس أنا عارف مكان اللانش بتاعه خدنا هناك قبل كده

انطلق “مراد” بسيارته وبصحبته “مريم” التى أخذت تستغفر ربها وتدعوه أن يحفظ “سهى” وينجيها .. كانت مضطربة للغاية وترتجف من شدة الخوف والفزع .. التفت اليها “مراد” يتطلع اليها .. أمسك كتفها بيده قائلاً :

– متخافيش هنلحقها ان شاء الله

أومأت برأسها وهى مازالت تدعو الله عز وجل .. سار “مراد” بأقصى سرعة الى أن وصل الى المرفأ .. أوقف سيارته فى الخارج ومن حسن حظهما أن “مراد” كان يمتلك زورقاٌ فى هذا المرفأ فأظهر التصريح للمسؤل ودخل الإثنان وهما يسرعان الخطى نظر “مراد” يميناً ويساراً ثم قال :

– مش فاكر هو يمين ولا شمال

قالت “مريم” بسرعة :

– كل واحد فينا يروح من طريق

نظر “مراد” الى “مريم” التى تبتعد وهو يشعر بالضيق لإضطراره تركها بمفردها .. ولكن حياة انسانه فى خطر ويجب انقاذها قبل فوات الأوان .. أخذت “مريم” تتطلع الى الزوارق واللانشات على جانبيها وهى تبحث بعينيها عن “سهى” .. الى أن توقفت فجأة .. كانت “سهى” واقفة على ظهر اللانش وتنظر الى البحر وتوليها ظهرها ..تمتمت “مريم” :

– الحمد لله .. الحمد لله

نادتها “مريم” :

– “سهى” .. “سهى”

لم تلتفت اليها “سهى” بل بدت وكأنها لا تسمعها

قفزت “مريم” بحذر الى ظهر اللانش وهى تشم رائحة نفاذه تنبعث من اللانش .. اقتربت من “سهى” قائله :

– “سهى”

لكن كل شئ حدث فى لحظه .. فى لحظة تركت “سهى” عود الثقاب المشتعل الذى تحمله لتحيط النيران باللانش من جميع الجهات وتتوسطه “سهى” و “مريم” التى أخذت تنظر الى النيران المشتعلة على حواف اللانش والتى تمنعها من المغادرة .. توجهت “مريم” مسرعة الى “سهى” وصاحت :

– ايه اللى عملتيه ده يا “سهى”

جذبتها “مريم” من ذراعها وصعدت لها الى سطح اللانش العلوى .. أمسكتها “مريم” من ذراعيها وصرخت فيها قائله :

– هو ده الحل فى نظرك .. انك تموتى بالشكل ده .. بدل ما تحاولى تستغفرى ربنا وتكفرى عن ذنبك .. عايزة تنتحرى يا “سهى”

بدت “سهى” وكأن قواها قد خارت من شدة البكاء فصاحت بها “مريم” وهى تقربها من الحافة :

– يلا نطى .. نطى بسرعة اللانش بيولع

فى تلك اللحظة اقترب “مراد” من اللانش ليرى “مريم” و “سهى” واقفتان على ظهر اللانش الذى تشتعل النيران به من جميع الجهات .. قفز قلبه من مكانه وشعر بالهلع وهو يرى “مريم” وسط النيران .. جرى فى اتجاه اللانش وهو يصيح :

– “مريم” .. “مريم”

صاحت “مريم” فى “سهى” :

– نطى يا “سهى”

نظرت اليها “سهى” بأسى ثم نظرت الى المياة وقفزت فيها ثم سبحت الا أن استطاعت الخروج من الماء

وقف “مراد” أمام اللانش الذى يحترق وهو يصيح بـ “مريم” الواقفة بالأعلى :

– نطى فى البحر يا “مريم”

نظرت اليه “مريم” ثم الى البحر تحتها .. شعرت بالخوف الشديد .. فهى لا تعرف السباحه .. وتخشى الماء .. ظلت متجمدة مكانها وهى لا تدرى ماذا تفعل .. النيران تحيط باللانش وتمنعها من الخروج .. وان لم تقفز فستطال النيران الدور العلوى الذى تقف فيه .. صاح “مراد” فيها :

– “مريم” .. نطى بسرعة

نظرت “مريم” مرة أخرى الى البحر المظلم تحتها وهى تبكى بصمت وتمتم :

– يارب ساعدنى

تقدمت خطوة لكنها خافت ورجعت الى الخلف وهى تمسك فى أحد الأعمدة وتبكى .. نظر “مراد” حوله فلم يجد أحداً يستنجد به .. ثم نظر الى “مريم” التى تقف تستند الى العمود باكيه .. ثم نظر الى النيران المشتعلة والتى كان أهون عليه من فقدانها .. خلع الجاكيت وغمره فى الماء ثم أمسكه من الخلف ورفعه الى رأسه يحتمى به ثم قفز وسط النيران المشتعلة والتى تتصاعد ألسنتها الى عنان السماء .. صعد الى الدور العلوى واقترب من “مريم” التى كانت ترتجف خوفاً .. نظرت اليه “مريم” بدهشة وتوقف بكائها وهى تقول :

– انت ازاى نطيت للمركب

وأمسك “مراد” رأسها بين كفيه ونظر اليها بفزع وقال لهفه :

– انتى كويسة ؟

أومأت برأسها وعيونها معلقة به لا تصدق أنه قفز فى النار من أجلها .. وجهها الى الحافة قائله :

– نطى يا “مريم”

قالت بخوف وهى تعاود البكاء :

– أنا خايفة .. مبعرفش أعوم

أحاطها “مراد” بذراعيه وطمأنها قائلاً :

– متخفيش أنا معاكى .. هنعد ل 3 وننط سوا

قبل أن يبدأ بالعد .. تمسكت به بشدة ونظرت اليه بخوف قائله :

– اوعى تسيبنى

قفز كلاهما الى الماء ثم أوقفها “مراد” وأحاطها بذراعه الى أن خرجت من الماء وقد تبللت ملابسهما تماماً .. أدارها اليه وصاح فيها بغضب وصدره يعلو ويهبط بسرعة :

– انتى مجنونة ازاى تعملى كده ؟

قالت بضعف وبصوت مرتجف ومازال قلبها يخفق بجنون :

– أنا طلعت المركب قبل ما هى تولع فيه .. مكنتش أعرف انها رشت فيه بنزين ومخدتش بالى من الكبريت اللى هيا مسكاه

قال “مراد” بألم وهو ينظر الى عينيها وقد غشت عيناه الدموع :

– مفكرتيش هعمل ايه لو كان جرالك حاجه .. مفكرتيش فيا

تطلعت اليه “مريم” ترقب تعبيرات وجهه الخائفه المتألمه ونظرات عينيه المصوبه تجاهها والتى تتأمل وجهها فى لهفة ونبرة صوته المضطربه وقطرات الماء التى تتصبب من وجهه .. فجأة وجدت نفسها بين ذراعيه يضمها اليه بشدة كما لو كان يخشى أن تفلت منه .. شعرت بدقات قلبه المتسارعه وبأنفاسه المتلاحقه .. سمعته يتمتم بصوت خافت :

– الحمد لله .. الحمد لله

حاولت “مريم” التحرر من بين ذراعيه لكن “مراد” كان يطبق عليها بشدة ويداه تتشبثان بها بإحكام .. شعرت “مريم” بمشاعر كثيرة متضاربة .. لكنها أسكتت كل تلك المشاعر وسمحت لشعور واحد فقط أن يطفو ويسيطر على كل كيانها .. شعور الأمان الذى شعرت به وهى بين ذراعيه .. أغمضت عينيها لتنعم بهذا الشعور الذى لطالما افتقدته.

….يتبع

عرض التعليقات (12)