رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة التاسعة
رواية قطة في عرين الأسد بقلم الكاتبة بنوتة اسمرة الحلقة التاسعة
الفصل الثالث والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد
مينفعش كده .. لو سمحت اخرج
قال “مراد” بحده :
– بقولك قوليلى اللى حصل
قالت “مريم” بحده مماثله وهى تنظر اليه وتحاول التحكم فى تلك المشاعر التى تجتاحها بقوة :
– بقولك اخرج لو سمحت .. ميصحش كده انا عايشه لوحدى .. كده مينفعش
أطبق “مراد” على شفتيه بقوة وهو ينظر اليها ثم قال بهدوء :
– طيب أنا هخليه ينفع
صمت لبرهه وعيناه تنظر داخل أعماق عينيها .. ثم قال بحزم وبصوت رخيم :
– رديتك يا “مريم”
توقف قلبها عن العمل لثانيه ثم عاد ليخفق بجنون .. اتسعت عيناها دهشة وهى تنظر اليه وصدرها يعلو ويهبط من سرعة تنفسها .. صاح القلب ضاحكاً بإنتصار :
– أرأيت أيها العقل .. لقد كنت على حق .. ها أنا أخفق كالمجنون بسعادة .. اسكت أيها العقل ولا تملى على أوامرك مرة أخرى .. لقد انتصرت عليك هذه المرة.
صمتت طويلاً وقد هربت منها الكلمات .. تتطلع الى “مراد” بدهشة .. ويتطلع اليها بنظرات تحاول تفسير معناها .. أخيراً تحدثت وقال بصوت مضطرب :
– ليه .. ليه عملت كده ؟
بدا عليه التوتر .. وكأنه يخفى مالا يريد البوح به .. قال بشئ من العصبية :
– عشان اللى حصل النهاردة .. مش ممكن أسيبك لوحدك
لا تدرى “مريم” لما شعرت بالحنق والغيظ والغضب فصاحت :
– لا متقلقش عليا أنا أعرف أحمى نفسي كويس .. متشكرة أوى
قال “مراد” بتهكم :
– واضح انك بتعرفى تحمى نفسك كويس بدليل انك اتخطفتى النهاردة
امتقع وجهها وقالت بحده :
– ملكش دعوة أتخطف ولا متخطفش
قال “مراد” بغضب :
– مش فاهم انتي عقلك فين عشان تفتحى الباب لراجل غريب متعرفيهوش
قالت “مريم” بإستنكار :
– أنا مبفتحش الباب لحد غريب .. بس هو قالى انه من طرفك وعشان كدة اطمنتله ووثقت فيه وفتحت الباب
ساد الصمت للحظات .. رأت فى عيني “مراد” نظرة غريبة .. تساءلت أعيناه تبتسمان حقاً أم خيل لها .. قال بنبره حانيه :
– يعني معنى كدة انك بتثقى فيا و بتطمنيلى
شعرت بالحرج فأبعدت عيناها عنه وصمتت .. نظر اليها للحظات ثم قال بحزم :
– يلا لمى هدومك عشان هنرجع الفيلا
رفعت “مريم” رأسها ونظرت اليه بعناد قائله :
– لا مش راجعه
قال “مراد” بعناد مماثل :
– هترجعى .. انتى دلوقتى مراتى ومسؤلة منى
صاحت “مريم” بإستنكار :
– أصلاً مينفعش اللى حصل ده
قال “مراد” ببرود :
– هو ايه ده اللى مينفعش ؟
قالت بحده :
– مينفعش انك تردنى كده أصلاً أنا مليش عدة
سألها “مراد” ببرود :
– ليه بأه ملكيش عدة ؟
احمرت وجنتاها وأشاحت بوجهها وعقدت ذراعيها أمام صدرها بغيظ .. فقال “مراد” بحزم :
– أيوة محصلش حاجة بينا بس الناس عارفه انك مراتى وكنتى عايشة معايا فى بيت واحد وفى أوضة واحدة وشرعاً وقانوناً ليكي عدة اسمها عدة احترازية
نظرت اليه “مريم” بدهشة وقالت بشك :
– الكلام ده بجد ؟
قال “مراد” بعصبية :
– معتقدش انى هضحك عليكي فى حاجة خطيرة زى دى .. وعامة تقدرى تتأكدى بنفسك من المأذون واحنا رايحينله دلوقتى
قال “مريم” ببرود :
– ما قولتش انك بتضحك عليا .. بس أول مرة أعرف المعلومة دى
ثم قالت وقد انتبهت لكلامه :
– ليه هنروح للمأذون مش بتقول انك كده خلاص ردتنى ؟
قال “مراد” بنفاذ صبر :
– أيوة رديتك بس طالما اطلقنا عند المأذون وطلعنا ورقة طلاق .. يبقى لازم يتثبت انى رديتك عشان اثبات حقوقك .. ممكن بأه تتفضلى تحضرى شنطتك .. مش عايزك تستنى هنا لحظة وعايز أسمع منك اللى حصل بالتفصيل
شعرت “مريم” بالضيق لإضطرارها الى العودة اليه .. خاصة اذا كان السبب الذى جعله يرجعها هو احساسه بالمسؤلية تجاهها لأنها شاهدة فى قضية أخته ليس أكثر من ذلك .. شعرت بالضيق الشديد .. فقالت وهى تعلم أن قولها لن يجدى معه نفعاً :
– انت مش مضطر تعمل كده .. أنا كنت عايشة لوحدى سنين وأقدر ……..
لم يدعها “مراد” تكمل كلامها بل توجه من فوره الى غرفتها .. ليجد حقيبتها الفارغة موضوعه بجانب الدولاب أخذها ووضعها على الفراش بعنف وفتح دولابها وأخذ يضع الملابس بداخلها بإهمال .. لحقت “مريم” به وهتفت بإستنكار :
– انت بتعمل ايه ؟
لم يجيبها .. همت بأخذ ملابسها التى يحملها بيديه ليلقيها فى الحقيبة .. فأمسكت بيده دون قصد .. اضطربت .. و اضطرب .. وتلاقت نظراتهما لحظة .. لحظة واحدة فقط لكنها قالت الكثير .. ابتعدت فوراً .. فوضع الملابس فى الحقيبة ببطء وهو مازال يتطلع اليها .. يحاول النفاذ الى أعماقها ومعرفة ما بداخلها .. هم بأن يأخذ كومة أخرى من الملابس لكنها أوقفته قائله :
– طيب هلمهم أنا .. ممكن تتفضل تعد فى الصالون لو سمحت لحد ما أخلص
امتثل “مراد” لما قالت وتوجه الى الصالون وهو يتفحص ما حوله .. جمعت “مريم” أغراضها فى تبرم .. وقفت قليلاً تفكر فيما يصيبها عندما تكون قريبة منه .. نفضت تلك الأفكار من رأسها وأكملت مهمتها .. خرجت تحمل الحقيبة الثقيلة فبمجرد أن رآها “مراد” هب واقفاً وأخذها منها .. تأكدت “مريم” من اغلاق المحابس والشبابيك وتممت على كل شئ فى البيت ثم نزلت معه الى سيارته .. انطلقا فى طريقهما الى أن أوقف السيارة فى نفس المكان الذى أوقفها فيه منذ ما يقرب من اسبوعين .. نزل والتف حول السيارة وفتح لها الباب .. كانت تشعر بمشاعر كثيرة متضاربة ونزلت ببطء وهى تشعر أنها تود الهرب من كل شئ .. أتما اجراءات توثيق الزواج .. وانطقا فى طريقهما الى قسم الشرطة
قدما البلاغ واستمع “مراد” الى ما قصته “مريم” على الضابط وقد احمر وجهه وانتفخت أوداجه من الغضب .. بعدما انتهيا من تقديم البلاغ ركبا السيارة مرة اخرى وانطلق “مراد” بها فى صمت .. تطلعت “مريم” اليه فوجدته غارقاً فى شروده وعلامات الغضب على وجهه .. كانت تشعر وكأن عيناه جمرتا نار .. كان يسير بالسيارة فى سرعة وحركاته تشوبها العصبية .. شعرت بالخوف من أن يتهور ويفعل مالا يحمد عقباه .. رن هاتفه فرد قائلاً:
– وعليكم السلام .. أيوة يا ماما لقيتها .. احنا جايين فى الطريق .. أيوة هى معايا .. هتطلعلك هيا وأنا هروح مشوار وأرجع .. طيب مع السلامة
أنهى المكالمة دون ان ينظر الى “مريم” تزايد خوف “مريم” وقلقها فقالت :
– ليه مش هتروح معايا .. انت رايح فين ؟
التفت ونظر اليها .. متفرساً فيها .. شعرت بالخجل وندمت على تسرعها فى القاء السؤال .. لكنها قالت بقلق :
– بلاش تعمل حاجة غلط .. لو سمحت اوعى تروحله وتضربه تانى
نظر “مراد” أمامه قائلاً بصرامة :
– ده يستاهل القتل مش الضرب
قالت “مريم” بجزع :
– اوعى تقتله هتضيع نفسك
التفت “مراد” اليها يراقب تعبيرات القلق على وجهه قائلاً بتحدى :
– ايه المشكلة يعني لو ضعت .. مالك ومالى .. ايه اللى مخوفك كده
قالت “مريم” بتوتر :
– كدة عشان مامتك واخواتك محتاجينك
تفرس “مراد” فيها فأشاحت بوجهها .. عاد الى النظر أمامه بصمت .. توقفاً عند احدى الإشارات المزدحمة وكل منهما شارداً .. اقترب بائع متجول يحمل عقود طويلة من الفل من “مراد” قائلاً :
– فل يا بيه
هز “مراد” رأسه نفياً .. فقال الرجل بإلحاح وهو يلقى نظرة على “مريم” :
– فل للهانم يا بيه .. ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس
شعرت “مريم” بالحرج لظن الرجل بأنهما حبيبان .. وشعرت أيضاً بالحزن وهى تقول لنفسها ليتك تعلم أنه اضطر لمصاحبتى اليوم من أجل شعوره بالمسؤلية تجاهى فقط ..فلا شئ يجمعنى به منذ أن رأيته إلا المصالح المشتركة .. رأت بطرف عينيها “مراد” وهو يشترى عقداً من الرجل ويضعه أمامه على التابلوه .. بالتأكيد ليتخلص من الحاح الرجل عليه فى الشراء .. انفتحت الإشارة وسارا مرة أخرى فى طريقهما .. توقفت السيارة أمام بوابة الفيلا فقالت “مريم” وهى تلتفت اليه :
– ياريت متعملش حاجه تندم عليها سيب الشرطة تشوف شغلها وهما أكيد مش هيسيبوه
بدا عليه أنه منشغل فى التفكير فى شئ ما .. فقالت مرة أخرى وهى تنظر اليه :
– ياريت بجد تتحكم فى أعصابك لان أى حاجة هتعملها هتتاخد ضدك خاصة انك ضاربه مرة قبل كده
لم يجيب فالتفتت وهمت بالنزول من السيارة لكنها وجدته فجأة مطبقاً على يدها .. التفتت بإستغراب وهى تنظر الى يده الممسكه برسغها .. دون أن ينظر اليها وجدته يحمل عقد الفل ويلفه حول يدها ببطء .. شعرت بقلبها تتعالى دقاته .. وحبست أنفاسها وهى تتطلع الى يده التى تلف العقد على يدها .. انتهى فسار العقد كالإسورة يزين يدها اليسرى .. لم تنظر اليه .. ولم ينظر اليها .. لكن بدا وكأنهما يتحدثان الى بعضهما البعض .. بحديث تعجز الآذان عن سماعه .. لكن يفهمه القلب جيداً ..ظل ممسكاً يدها للحظات قبل أن يطلق سراحها ويعود الى النظر أمامه .. خرجت من السيارة وهى تشعر بإضراب شديد وبشعور لذيذ يغمرها .. سمعت صوت السيارة خلفها لتجده وقد رحل فتوجهت الى الحديقه بدلاً من الفيلا وجلست على أحد المقاعد للحظات .. أخذت خلالها تتطلع الى عقد الفل الذى يزين يدها .. تلمسته بأصابعها تداعب البتلات البيضاء .. ثم قربته من أنفها تتشمم عبيره .. ارتسمت ابتسامه على شفتيها وهى تتذكر كلام الرجل البائع : ” ده الفل عنوان المحبه .. ومعناه بحبك انتى وبس ” .. أخذت “مريم” تتسائل فى نفسها ..لماذا أهدانى اياه .. تُرى أيقصد ذلك بالفعل ؟!
****************************************
– حبيبتى “مريم” حمدالله على سلامتك
هتفت “ناهد” بتلك العبارة وهى تعانق “مريم”
قالت “سارة” وهى تعانقها هى الأخرى :
– “مريم” حبيبتى أنا فرحانه أوى أوى انى شوفتك تانى
قالت “نرمين” وهى تجرى تجاهها لتعانقها :
– “مريم” أنا مصدقتش لما ماما قالتلى انك جايه وحشتيني أوى
شعرت “مريم” بالتأثر وهى ترى المشاعر الفياضة التى تغمرها بها كل منهن .. قالت لهم بتأثر و بأعين دامعة :
– والله أنا اللى افتقدتكوا جداً
أخذتها “ناهد” من يدها وجلست معها فى حجرة المعيشة وبجوارهها “سارة” و “نرمين” .. قالت “نرمين” بلهفه :
– قوليلنا ايه اللى حصل
قصت عليهم “مريم” ما حدث .. فهتفت “ناهد” بغضب :
– حسبي الله ونعم الوكيل فيه .. ايه البنى آدم ده .. مش خايف من ربنا
قالت “مريم” بأسى :
– قالى ان قلبه ميت ومبيخفش من حاجه .. ربنا ينتقم منه
قالت “سارة” بحزن :
– أكيد كنتى مرعوبة يا “مريم”
قالت “مريم” وهى تشعر بالخوف من مجرد تذكرها ما حدث :
– كنت ميته من الرعب .. بس الحمد لله
قالت “نرمين” بأسى :
– أنا السبب فى كل ده .. سامحيني يا “مريم”
ربتت “مريم” على كفها قائلاً :
– أنا مش زعلانه منك يا “نرمين” .. وبعدين انتى كنت هتعرفى منين ان معندوش ضمير كدة وانه هيعمل كل ده
قالت “نرمين” بغضب شديد :
– ربنا ينتقم منه بجد ربنا ينتقم منه
قالت “سارة” مبتسمه :
– بس تعرفى أحلى حاجة فى الموضوع ان انتى و “مراد” رجعتوا لبعض
شعرت “مريم” بالحرج .. فقالت “نرمين” :
– فعلا دى أحلى حاجه فى الموضوع أنا مش عارفه انتوا ايه اللى خلاكوا تطلقوا أصلاً
ارتبكت “مريم” ولم تدرى ماذا تقول فأنقذتها “ناهد” موجهه حديثها الى الفتاتان :
– دى حاجة تخصها هى و “مراد” مينفعش نسألها عنها .. وبعدين سيبوها ترتاح شوية
ثم التفتت الى “مريم” قائله بحنان :
– اطلعى يا حبيبتى غيري هدومك وارتاحى وأنا هبعتلك دادة “أمينة” بالفطار تفطرى وتنامى شكلك مرهق
ابتسمت “مريم” قائله بوهن :
– حاضر يا طنط
صعدت “مريم” ودخلت حجرة “مراد” .. شعرت بحنين جارف تجاه كل جزء فى تلك الغرفة وكأنها كانت غرفتها منذ الأزل .. شعرت بسعادة وهى تلف حول نفسها وتتأمل كل ما حولها وكأن هذا هو بيتها ومكانها .. شعرت بالدهشة من هذا الشعور .. تذكرت أن حقيبتها فى سيارة “مراد” نسيت بأن تأخذها .. فتحت الدولاب لتجد ملابسها التى اشتراها لها “مراد” والتى تركتها يوم أن رحلت عن هذا البيت .. شعرت بالألم وهى تتذكر اليوم الذى طلقها فيه “مراد” .. والى اللحظة التى نطق فيها بتلك الكلمة .. نفضت تلك الأفكار من رأسها ودخلت لتأخذ دشاً ساخناً وتناولت طعامها وغطت فى نوم عميق وابتسامة راحة وأمان على شفتيها .. فهنا هو أكثر مكاناً تشعر فيه بالراحة و بالأمان .
***************************************
توجه “مراد” الى المحامى الخاص به ليعلمه بكل تلك التطورات .. فطمأنه المحامى :
– متقلقش يا أستاذ “مراد” .. كده هو بيلف الحبل حولين رقبته وأخطاءه بتزيد أكتر و أكتر
قال “مراد” بغضب :
– مش عايزه يقرب منى ولا من أى حد من أهلى والا قسماً بالله لأقتله بإيدي
قال المحامى :
– ياريت يا أستاذ “مراد” متتصرفش أى تصرف متهور عشان ميستخدموش ضدك فى القضية
قال “مراد” بصرامة :
– هحاول أتحكم فى نفسي عشان مديش فرصة للكلب ده انه يهرب من اللى بيعمله .. بس لازم اشوفه محبوس وفى أقرب وقت
طمأنه المحامى :
– متقلقش قريب أوى ان شاء الله
***************************************
عاد “مراد” الى البيت .. فوجد الجميع فى الحديقة فتوجه تجاههم .. هبت “سارة” واقفة وقالت بفرح :
– أبيه ألف مبروك .. فرحت أوى انكوا رجعتوا لبعض
قالت “ناهد” مبتسمه :
– حمدالله على السلامة يا “مراد”
قال “مراد” وعيناه تبحث عن “مريم” :
– هى فين “مريم” ؟
قالت “نرمين” :
– طلعت ترتاح فى اوضتكوا يا أبيه
أومأ برأه وجلس معهم .. فسألته أمه قائله :
– كنت فين ؟
زفر بضيق وقال :
– كنت عند المحامى هكون فين يعني
قالت “ناهد” :
– خفت تكون روحت للزفت ده تانى .. وموبايلك أفله معرفش ليه .. بتجنن لما نكون فى مشكلة كدة وألاقى اللى بكلمه قافل موبايله
ٌال “مراد” وهو ينهض :
– أنا ما قفلتوش .. فصل شحن
توجه “مراد” الى غرفته .. طرق طرقه صغيره خشية أن يوقظها إن كانت نائمة .. فتح الباب .. ليجدها نائمة تتوسط فراشه .. دخل وأغلق الباب .. اقترب من الفراش ينظر اليها بحنان مبتسماً .. كم افتقد وجودها .. والنظر اليها .. اقترب منها وجلس بجوارها ومسح على شعرها برفق .. اتسعت ابتسامته وهو يرى عقد الفل مازال يزين يدها .. تلمسه بأصابعه ثم نظر اليها وعيناه تشعان .. حبــاً .. فجأة استيقظت وفتحت عيناها لتجده جالساً بجوارها .. شعر “مراد” بالإضطراب ونهض من مكانه بسرعة .. كذلك اضطربت هى وجلست مكانها .. قال “مراد” بتوتر وهو يتحاشى النظر اليها :
– كنت عايز أتكلم معاكى بس لقيتك نايمة
أزاحت “مريم” ونهضت وهى تقول :
– أنا كنت نايمة بس صحيت
وقفت قابلته وقالت :
– فى حاجة حصلت ؟
قال “مراد” :
– لا مفيش بس كنت عايز أطمنك انى كلمت المحامى ..وهيحتاج يتكلم معاكى شوية
قالت “مريم” :
– مفيش مشكلة
قال “مراد” بضيق وهو ينظر اليها :
– معلش يا “مريم” .. بس هو مضطر يتكلم معاكى عشان يسمع منك انتى التفاصيل
كررت بهدوء :
– مفيش مشكلة
قال برقه :
– انتى كويسه
أومأت برأسها صامته .. نظر الى عقد الفل ثم نظر اليها .. فشعرت بالخجل .. وقالت لتخفى ذلك :
– الشنطة بتاعتى فى العربية
قال بهدوء وهو يتوجه الى الباب :
– حاضر هجيبهالك
خرج وتركها تتساءل تُرى هل ما تراه في عينيه موجود بالفعل أم أنها تتوهم ذلك .. واذا كان موجوداً بالفعل فلماذا لا يصارحها به ؟!
*************************************
كانت “مريم” جالسه فى الحديقه وقد شردت بخيالها .. نظرت “مريم” الى هاتفها الذى يرن والموضوع على الطاولة .. ردت قائله :
– السلام عليكم .. ازيك يا “سهى”
قالت “سهى” بهدوء :
– وعليكم السلام ورحمة الله وبركاته .. بخير الحمد لله .. ازيك يا “مريم”
قالت “مريم” بحنان :
– تمام يا حبيبتى الحمد لله المهم طمنيني عليكي انتى
قالت “سهى” :
– الحمد لله بخير .. بس كنت عايزة أشوفك .. محتاجه أتكلم معاكى شوية يا “مريم”
صمتت “مريم” فليلاً فقالت “سهى” :
– عارفه ان جوزك ممكن ميرضاش انك تشوفيني أو تعرفيني تانى .. بس فعلاً أنا محتاجة أتكلم معاكى .. حاولى تقنعيه وهستنى تليفونك
تمتمت “مريم” بخفوت :
– ماشى يا “سهى”
توجهت “مريم” الى غرفة مكتب “مراد” طرقت الباب ودخلت وقفت أمامه بحرج قائله :
– هعطلك عن حاجة
قال لها مبتسماً :
– لا أنا أصلاً تعبت شغل وكنت عايز آخد بريك
همت بأن تتحدث لكنه أوقفها بإشاره من يده وهو ينهض قائلاً :
– استنى دادة “أمينة” بتحضرلى الأكل هقولها تعمل حسابك ونتكلم واحنا بناكل سوا
لم يعطيها فرصة لإبداء رأيها وخرج .. خرجت خلفه وتوجهت الى حجرة الطعام فى انتظاره .. ونظرت الى المائدة التى يتم اعدادها .. دخلت “أمينة” تحضر باقى الأطباق وخلفها “مراد” الذى ترأس المائدة فى مكانه المعتاد .. جلست “مريم” بجواره وهى تقول :
– أصلاً أنا مش جعانه هعد أتكلم معاك بس
قال “مراد” بتحدى وهو يرفع حاجبيه بمرح :
– لو مكلتيش يبقى مفيش كلام .. انا مبحبش آكل لوحدى
ابتسمت له وقالت :
– خلاص هاكل شوية صغيرين
ابتسم لها .. كانت تلك من المرات النادرة التى يبتسم كلاهما فى وجه الآخر .. فشعرا بشعور ألفة يجمعهما .. أخفضت “مريم” بصرها لكنها لم تستطع اخفاء ابتسامتها .. عادت “أمينة” حاملة طبق “مريم” ووضعته أمامها مبتسمه وهى تقول :
– نورتى البيت والله .. كان مضلم من غيرك
ابتسمت “مريم” لمجاملة المرأة قائله :
– شكراً يا دادة “أمينة” بس البيت دايماً منور بصحابه
هتفت “أمينة” قائله :
– مش بجاملك .. والله كان مضلم فعلاً
ثم نظرت الى “مراد” قائله :
– وسى “مراد” مكنش على بعضه من ساعة ما سيبتى البيت .. وحتى مكنش بياكل ولا بيشرب ولا بيعمل أى حاجة غير انه قاعد فى أوضته او فى الجنينة
نظرت “مريم” الى “مراد” الذى بدا عليه التوتر انشغل بالطعام أمامه فأكملت “أمينة” :
– كان مبوز ومكشر على طول كان ميتله حد .. ومشفتش الابتسامة على وشه الا لما انتى نورتينا امبارح
التفت “مراد” لأمينه قائلاً بحرج :
– مش هناكل ولا ايه يا دادة
قالت “أمينة” وهى تغادر :
– معلش الكلام خدنى .. يلا بالهنا والشفا
أمسكت “مريم” ملعقتها وهى تفكر فى كلام “أمينة” .. تُرى أحزن حقاً لفراقها ؟ّ! .. أم أن “أمينة” تهول الأمر ؟! .. قال “مراد” بخفوت دون أن ينظر اليها :
– كلى
بدأت فى تناول طعامها وهى مستغرقة فى التفكير .. فنظر اليها “مراد” قائلاً :
– كنتى عايزة تكلميني فى ايه
تذكرت “مريم” أمر “سهى” فقالت :
– “سهى” كلمتنى النهاردة وقالتلى انها محتاجة تتكلم معايا ضرورى
بدا على “مراد” الإمتعاض .. فقالت بحماس :
– أنا عارفه انها اتصرفت غلط .. بس أنا حسه انها محتجانى جمبها .. “سهى” مفيش فى حياتها صحبة كويسة تقدر تاخد بإيدها .. والديب مبيقدرش الا على الغنمة الشاردة عن القطيع
نظر “مراد” اليها وبدا وكأنه اقتنع بكلامها وقال بحزم :
– طيب مفيش مشكلة .. بس هى اللى تجيلك هنا .. انتى ما تروحيلهاش
ابتسمت “مريم” قائله :
– خلاص تماما هقولها كدة .. متشكرة أوى
نظر اليها “مراد” للحظات وقال فجأة بحنان :
– انتى طيبة أوى على فكرة
شعرت “مريم” بالإحمرار يغزو وجنتيها وابتسمت وهى تنظر الى طبقها قائله :
– عادى يعني
قال “مراد” وهو مازال ينظر اليها بحنان وابتسامه صغيره على شفتيه :
– لا مش عادى .. اللى بتعمليه مش عادى
قالن بتوتر دون أن تنظر اليه :
– أنا مبعملش حاجة
قال “مراد” بهدوء وهو ينظر اليها بإعجاب شديد :
– لا بتعملى .. بتهتمى بكل اللى حواليكي .. وبتنغمسى فى مشاكلهم أكنها مشكلتك انتى .. وبتحبى الخير لكل الناس .. خاصة الناس اللى بتحبيهم .. ولما بتحبي بتخلصى أوى .. لدرجة صعب ان الواحد يلاقي زيها فى الزمن ده .. ولما بتخصلى بتدى كل حاجة .. قلبك وعقلك ومشاعرك وكيانك كله .. وفى نفس الوقت انتى حطه لنفسك خطوط حمرا كتير فى حياتك .. رغم انك عايشة لوحدك ومفيش حد يحاسبك ومفيش حد يقولك الصح من الغلط .. أو يلومك لو عملتى الغلط .. لكن انتى بفطرتك السليمة بتعرفى تميزى بين الصح والغلط .. وبتراعى ربنا فى كل حاجة بتعمليها .. ورغم انك وحيدة ومفيش حد معاكى .. بس دايماً بتكونى قوية وواثقة من نفسك .. وبتعرفى تتحملى المسؤلية وانسانه يعتمد عليها .. وناجحة فى شغلك .. وفى نفس الوقت عارفه حدودك .. وعارفه انك بنت مش راجل .. يعني رغم نجاحك وثقتك فى نفسك وقوة شخصيتك واعتمادك على نفسك الا انك أنثى بجد .. بتقدرى تحسسى الى أدامك برجولته وبقوامته عليكي
كانت وجنتيها تشتعلان خجلاً وتنظر الى طبقها وتلعب بعصبيه بالملعقة وهى لا تستطيع النظر اليه .. أمرها عقلها بأن تستأذن وتنصرف .. لكن قلبها أمرها بالبقاء ..فإمتثلت لأوامر هذا الأخير .. مرت لحظات صامته بيهما .. لا تستطيع أن ترفع نظرها اليه .. لحظات لم يقطعها الا صوته الحزين وهو يسألها :
– لسه بتحبيه ؟
خفق قلبها وهى تعرف معنى سؤاله .. شعرت بالحيرة .. بماذا تجيبه .. حثها قائلاً :
– “مريم” بصيلي
لم تفعل .. لم تستطع .. قال “مراد” بهدوء :
– كان محظوظ أوى على فكرة .. انه لقى واحدة زيك وحبته وأخلصت له حتى بعد ما مات
ثم تمتم بحزن :
– الله يرحمه
رفعت “مريم” رأسها ونظرت اليه ترقب تعبيرات الحزن على وجهه .. نظر اليها بحزن وسألها بألم :
– اوصفيهولى يا “مريم” .. شخصيته أخلاقه طباعه .. كلميني عنه .. هو أخويا بس معرفش عنه أى حاجة .. ومش فاكر عنه غير لقطات بسيطة فى دماغى واحنا صغيرين
شعرت “مريم” بالألم وهى تسمع نبرات صوته المتألمه .. شعرت بالحزن لأجله لحرمانه من أخوه دون سبب واضح .. فقالت بهدوء :
– كان انسانه محترم .. ويعرف ربنا .. كان طيب .. وهادى .. وكان كل الناس بتحبه
كان يتأملها وهى تتحدث عنه .. بدت شارده وهى تقول :
– كان الأطفال قبل الكبار بيحبوه .. كان طيب مع كل الناس .. وقف جمبي كتير أوى .. وهى دى طبيعته .. كان بيحب يساعد الناس ويقف جمبهم
صمتت .. راقب “مراد” تعبيرات الحزن على وجهها متألماً من أجلها فقال بصوت متهدج :
– كان نفسي أقابله أوى
نظرت اليه “مريم” بأعين دامعه وهى تقول مبتسمه بضعف :
– كنت هتحبه
قال “مراد” وقد بدت الدموع فى عيناه :
– أكيد كنت هحبه
ظل ينظران الى بعضهما البعض وعيناهما تغشاها العبرات .. شعرت وكأنها تتقاسم معه آلامها .. وشعر وكأنه يتقاسم معها آلامه .. امتدت يده من فوق الطاولة تتلمس طريقها الى كفها ليحتضنه فى حنان .. لم تبتعد عيناهما عن بعضهما البعض لحظه .. شعرت “مريم” بالدهشة بداخلها .. نعم هى تنظر الى ملامح تشبه ملامح “ماجد” الى حد كبير .. لكنها لا ترى “ماجد” فى تلك الملامح .. وكأن “ماجد” كان بملامح أخرى وشكل آخر .. وكأنهما لا يشبهان بعضهما البعض على الرغم من وجود هذا الشبه بالفعل .. شعرت بأنها .. تنظر الى رجل آخر تماماً .. ولدهشتها .. فهى تشعر بشعور عميق تجاه هذا الرجل .. الذى شعرت أنه لا يشبه أى رجل آخر قابلته فى حياتها .. تركته يحتضن كفها فى استسلام وعبناه مركزتان عليها .. لكنها لمحت فى عينيه نظرة خوف و تردد و ألم .. ثــم .. أبعد يده عن كفها وأبعد عينيها عن عينيها .. شعرت “مريم” بالحرج .. وبالضيق من تغيره المفاجئ .. ودون كلمه .. نهضت لتغادر الغرفة.
******************************************
قالت “نرمين” فى دهشة :
– “أحمد” ابن خالتى
أومأ “مراد” برأسه ثم أكمل قائلاً :
– بصراحة يا “نرمين” أنا شايف انه انسان مناسب وكمان عارفينه كويس وعارفين أخلاقه .. يعني بصراحة أنا شايف انه الشخص المناسب ليكي
صمتت “نرمين” فأكمل “مراد” :
– بس طبعاً دى حياتك انتى .. انا ليا انى أنصحك واقولك رأيي بس مش ممكن أفرضه عليكي لو كنتى انتى رفضاه أو مش حسه نحيته بقبول .. لان الجواز أهم حاجة فيه القبول
صمتت “نرمين” فحثها “مراد” قائلاً :
– ها يا “نرمين” .. هل انتى رفضاه رفض قاطع .. ولا فى قبول ومحتاجه فترة تفكرى فى قرارك ؟
قالت “نرمين” بخجل وهى تنظر أرضاً :
– سيبنى شوية أفكر يا أبيه
ابتسم “مراد” وقبل جبينها قائلاً :
– ماشى يا “نرمين” فكرى براحتك .. واستخيرى ربنا قبل كل شئ
أومأت برأسها دون أن تنظر اليه وغادرت غرفة المكتب وأغلقت الباب خلفها وابتسامة سعادة تتكون على شفتيها ببطء
******************************************
دخلت “مريم” المطبخ وابتسمت لـ “أمينة” قائله :
– طنط “ناهد” والبنات عايزين نسكافيه يا دادة
ابتسمت “أمينة” وهى تعطيها صانية موضوع عليها فنجان شاى :
– طيب ادخلى دخلى دى لجوزك على ما أكون عملتكوا كلكوا النسكافيه
أخذت “مريم” الصينية وطرقت باب غرفة المكتب بتوتر سمعته يقول :
– اتفضلى
دخلت “مريم” .. فنظر اليها بدهشة وهى حاملة صينية الشاى ظل يتابعها بنظراته الى أن وضعتها بجانيه على مكتب .. لاحت ابتسامه صغيره على شفتيه .. همت بأن ترحل لكنه أوقفها قائلاً بخبث :
– مش هتصبيه ؟ .. مش اللى يقدم شاى لحد يصبهوله ويحطله السكر
ابتسمت “مريم” بحرج وصبت الشاى ثم سألته :
– أد ايه السكر
ابتسم لها قائلاً :
– اتنين
وضعت السكر وقلبته ثم قدمت له الفنجان .. همت بالإنصراف لكنها عادت تلتفت اليه وتقول بحرج :
– “سهى” هتجيلى بعد بكرة ان شاء الله
قال بهدوء :
– تمام
التفتت لتغادر لكنه أوقفها بسؤال مفاجئ :
– الجواب اللى كان على السرير ده من “ماجد” مش كده ؟
التفتت لتنظر اليه بدهشة .. فأكمل قائلاً :
– لما جتلك البيت عشان أخدك وأنا بحط الشنطة على السرير شوفت جواب .. ده من “ماجد” مش كده
شعرت بالإضطرب وقالت بصوت خافت :
– أيوة
أشاح بوجه وبدا عليه الجمود قائلاً :
– شكراً على الشاى
وقفت تنظر اليه فى حيرة .. قال “مراد” بحزم دون أن ينظر اليها :
– لو فى حاجة حابه تتكلمى فيها أجليها دلوقتى لانى مشغول
بلعت “مريم” ريقها بصعوبة وقالت بصوت خافت متوتر :
– أنا مفتحتوش
رفع “مراد” رأسه بحده وأخذ يتفرس فيها .. فأكملت قائله :
– مفتحتش الجواب
ظل ينظر اليها للحظات وقد ضاقت عيناه .. ثم قال :
– ليه ؟ .. ليه مفتحتيهوش ؟
لم تستطع الإجابة ولم تستطع المكوث أكثر .. فغادرت الغرفة بسرعة وأغلقت الباب خلفها وهى تشعر بالغيظ من نفسها .. ما الذى دفعها لتخبره بأنها لم تقرأ خطاب “ماجد” .. لماذا فعلت ذلك .. أخذت تلوم نفسها بشدة .. وشعرت بالحنق .. خرجت لتجلس فى الحديقة وقد عقدت ما بين حاجبيها فى غضب وهى تتمتم :
– غبية يا “مريم” .. غبية
جلس “مراد” فى مكتبه شارداً .. اخذ يتساءل ما الذى منعها من قراءة خطابات “ماجد” .. حبيبها .. الذى كانت تتألم لعدم استطاعتها قراءة خطاباته .. لقد طلقها .. وحررها من قيده .. فلماذا لم تعود لقراءة تلك الخطابات مرة أخرى .. ما الذى منعها ؟ .. وما الذى دفعها لأن تخبره الآن أنها لم تقرأه .. طالما الخطاب كان على السرير اذن فلقد أخرجته لتقرأه .. ما الذى منعها إذن ؟ .. أممكن أن …… ؟! .. لا غير ممكن .. كاد أن يجن من فرط التفكير .. لكنه عقد ما بين حاجبيه فى ضيق وقد انتبه الى أمر هام .. وأخذ يحدث نفسه .. كيف تفعل ذلك يا “مراد” كيف سمح لك ضميرك لأن تفعل ذلك .. اعترف بأنك تحاول التقرب منها .. تحاول جذبها اليك .. لكن كيف تريد السيطرة على مشاعرها وهى لا تعلم حقيقتك .. “مريم” لا تعرف شيئاً عن اعاقتك .. كيف تقربها منك دون أن تخبرها الحقيقة .. كيف تحاول أن تعلق قلبها بك لتصدمها بعد ذلك بإعاقتك .. أتحاول أن تضعها أمام الأمر الواقع ؟ .. أهذه رجوله يا “مراد” .. ؟ تجعلها تحبك ثم تخبرها بأمر اعاقتك .. حتى تضمن ألا تتركك .. كيف تفعل ذلك بها .. بـ “مريم” ؟! .. أخذ يلوم نفسه بشدة .. وهو يشعر بأنه أخطأ خطأً جثيماً عندما حاول التقرب اليها دون علمها بأمر اعاقته
******************************************
استيقظ “مراد” فزعاً على صوت صرخة مكتومة .. قفز من مكانه لينظر الى “مريم” الجالسه فى فراشها وجسدها ينتفض بقوة وتخفى وجهها بكفيها وتبكى .. اقترب منها “مراد” وجلس قبالتها وقال بهلع :
– “مريم” فى ايه ؟ .. انتى كويسه
لم تجيبه “مريم” .. كانت تبكى وهى تخفى وجهها بكفيها .. فخمن أنها رأت كابوساً .. كانت تنتفض بشدة ..أحطاها بذراعيه وقربها الى حضنه دون مقاومة منها .. ضمها اليه بشدة ليوقف ارتجافتها وليبث فيها الطمأنينه .. قال بصوت حانى :
– متخافيش .. استعيذى بالله
تمتمت بصوت مرتجف وهى مازالت تخفى وجهها بكفيها :
– أعوذ بالله من الشيطان الرجيم
ظلت ترددها كثيراً .. كانت تعلم بأنها يجب أن تبتعد عنه .. لكنها كانت تشعر بأمان كبير لا تريد مفارقته وحرمان نفسها منه .. هدأت شيئاً فشيئاً .. مسح “مراد” على شعرها وقال بحنان :
– خلاص .. متخفيش .. تلاقيكي نسيتي تقولى الأذكار قبل ما تنامى
رفعت “مريم” رأسها ببطء لتبتعد عنه وقالت دون أن تنظر اليه :
– فعلاً نسيت أقولها النهاردة
مسح بكفيه العبرات التى تغرق وجهها وقال :
– لسه خايفه ؟
هزت رأسها نفياً ومازالت لا تستطيع النظر اليه .. فقال :
– طيب نامى وهصحيكي على الفجر
التفتت “مريم” ونظرت الى الساعه خلفها وقالت :
– لا هقوم اصلى قيام
أزاحت الغطاء ونهضت وتوجهت الى الحمام .. نظرت فى المرآة الى وجهها الباكى توضأت وخرجت وارتدت الإسدال .. نظر اليها “مراد” الجالس يقرأ فى مصحفه قائلاً بإهتمام :
– كويسه دلوقتى
قالت بصوت أكثر ثباتاً :
– أيوة الحمد لله
قال بإهتمام :
– متقوليش لحد اللى انتى حلمتى بيه طالما حلم وحش
قالت بخفوت :
– عارفه
قالت وهى تتوجه الى الباب :
– هصلى تحت
نهض بسرعة قائلاً :
– لا خليكي انتى هنا هقرأ أنا تحت
قالت “مريم” وهى تنظر اليه :
– متصلى انت كمان .. احنا فى التلت الاخير من الليل متضيعش فضل القيام فى الوقت ده
وقف أمامها وهو يبتسم لحرصها على ألا يفوته الأجر وقال لها :
– على فكرة القيام مش شرط يكون صلاة .. القيام ممكن يكون قراءة قرآن أو دراسة علم شرعى أو حتى دعاء وذكر
نظرت اليه بدهشة وقالت :
– بجد ؟
أومأ برأسه وقال وهو مازال محتفظاً بإبتسامته :
– أيوة بجد
ابتسمت قائله :
– مكنتش أعرف
شعرت بالألفة وهى واقفة تتحدث معه ويبتسمان لبعضهما البعض .. فجأة تغيرت ملامحه الى الجديه وغادر الغرفة مسرعاً .. تابعته “مريم” بعينيها وهى تحاول أن تفهم ما الذى يحدث له ويجعله يتغير تجاهها فجأة .. أيشعر بالذنب لكونها كانت زوجة لأخيه الراحل .. أهذا ما يجعله ينأى بنفسه عنها .. أهذا ما يفصل بينهما .. جلست على الأريكة وملامح الأسى على وجهها .. كيف لها هى الأخرى أن تنسى أنه شقيق زوجها الراحل .. كيف تسمح لنفسها بأن تشعر بشئ تجاهه .. أخذ عقلها يلومها بشدة .. لكن قلبها قال لها :
– لا تستمع الى عقلك أيها الجسد .. فأنا لا أفعل شئ يغضب ربك .. لا شئ يمنعنى من أن أحب هذا الرجـــل .
****************************************
دخلت “مى” منزلها لتستقبلها والدتها بإبتسامه واسعة ..قالت “مى” :
– السلام عليكم
قالت أمها بحماس :
– وعليكم السلام .. تعالى عايزاكى
دخلت خلفها المطبخ وهى تلقى نظرها على والدها الجالس أمام التلفاز .. قالت لأمها :
– ايه يا ماما فى ايه ؟
قالت أمها بحماس :
– جالك عريس
امتقع وجه “مى” وقالت ببرود :
– طيب
ثم التفتت ودخلت غرفتها .. دخلت أمها خلفها وأغلقت الباب وقالت :
– مالك مش فرحانه ليه
قالت “مى” بوجوم :
– عادى يعني
اقتربت منها أمها وقالت :
– “مى” احنا مش قولنا نشيل الموضوع ده من دماغنا
قالت “مى” بأعين دامعه :
– غضب عنى
قالت أمها :
– حبيبتى ممكن الراجل اللى جاىي تقدملك ده يطلع أحسن من “طارق” ده مليون مرة .. اعدى معاه واتكلمى معاه وان شاء الله لو ليكي خير فيه أكيد ربنا هيفتح قلبك ليه
قالت “مى” بصوت باكى :
– مش عايزة يا ماما مش هقدر صدقيني
قالت أمها بإصرار :
– حبيبتى جربي مش هتخسرى .. مش بقولك وافقى عليه .. بقولك اعدى واتكلمى معاه
صمتت “مى” حائرة فقالت أمها وهى تغادر الغرفة :
– اعملى حسابك انه هييجى آخر الاسبوع ان شاء الله
*****************************************
شعرت “مريم” بتصرف “مراد” معها ببرود وبأنه يتحاشى النظر اليها أو الكلام معها .. أشعرها هذا بالضيق الشديد .. جلست مع الجميع على طاولة الطعام وهى شاردة تحاول تخمين ما يصيبه .. أحياناً تشعر بإهتمامه بها وبنظراته التى تقول الكثير وأحياناً تشعر أنه بعيد بارد .. كانت تشعر بالحيرة من تغير معاملته ونظراته .. قالت “ناهد” بـ “مريم” :
– كلى يا “مريم” مبتاكليش ليه
باتسمت “مريم” بضعف قائله :
– باكل يا طنط
عادت لتكمل طعامها .. حانت منها التفاته لـ “مراد” لتجده منشغلاً بطعامه .. فأبعدت عينيها عنه .. قالت “نرمين” بمرح :
– ايوة كدة رجعتى وسطينا تانى يا “مريم” .. كنا بجد مفتقدينك أوى
ابتسمت “مريم” قائله :
– أنا كمان افتقدتكوا اوى
قالت “نرمين” بخبث :
– طيب مين أكتر حد فينا افتقدتيه
فهمت “مريم” تلميح “نرمين” فارتبطت قائله :
– انتوا كلكوا
ضحت “نرمين” بخبث وقالت :
– ماشى هفوتها المرة دى
نهض “مراد” فجأة فقالت “ناهد” بإستنكار :
– مش هتكمل أكلك
قال ببرود :
– شبعت
رمقته “مريم” وهو ينصرف وهى تشعر بالحيرة والغضب فى آن واحد
فى المساء كانت “مريم” جالسه فى غرفة “سارة” تتحدثان وتتمازحان .. ثم قالت “سارة” مبتسمه :
– نفسي نعد نتكلم مع بعض للصبح
قالت “مريم” :
– احنا فيها
قالت “سارة” بحماس :
– بجد مش بهزر .. تعالى نسهر سوا النهاردة لانى جبت لعبة بازل انما ايه هتعجبك جدا
قالت “مريم” بحماس :
– هاتيها بسرعة شوقتيني
قالت “سارة” وهى تشير الى دولابها :
– طلعيها من الدولاب على ما أخلى داده تعملنا نسكافيه
قالت “مريم” وهى تتزجه للباب :
– لا خليكي انتى زمانها نايمة هعمله أنا
خرجت “مريم” من الغرفة وهمت بالنزول لتتلاقى بـ “مراد” الذى كان يصعد الى غرفته .. تحاشت النظر اليه وهى تنزل فأوقفها قائلاً :
– مفيش حد تحت كلهم طلعوا يناموا
التفتت اليه وقالت ببرود :
– عارفه .. أنا نازله اعمل نسكافيه ليا ولـ “سارة” عشان هنسهر سوا
قال “مراد” وهو ينظر لساعته :
– تسهروا أكتر من كدة
قالت بنفس البرود :
– أيوة .. واحتمال أنام فى أوضتها كمان .. فرصة تاخد راحتك فى أوضتك النهاردة
قالت ذلك ثم نزلت الى الأسفل ونظراته النارية تتابعها .. دخل “مراد” غرفته وبدل ملابسه وافترش الأريكة للنوم .. قضى ساعة ونصف من الأرق الى ان أزاح الغطاء وجلس على الأريكة .. أخذ ينظر الى السرير الخالى .. شعر بأنه يفتقد وجودها معه .. بالرغم من أنه لا يفصل بينهما إلا جدار واحد الا أنه يشعر بأنها بعيدة عنه أميال .. شعر بالضيق وهو يتذكر قولها بأنها ستقضى الليل فى غرفة “سارة” .. هو يريدها هنا .. فى غرفته .. وعلى فراشه .. يتأملها نائمة .. يطمئن لكونها بجواره .. ماذا لو رأت كابوساً آخر ..يريد أن يكون بجوارها يهدئها كما فعل بالأمس .
كانت “مريم” جالسه مع “سارة” تمزحان وهما يكملان الأحجية أمامهما .. عندما دق الباب .. فتحت “سارة” وسمعتها “مريم” تقول :
– أبيه
التفتت “مريم” بسرعة تنظر الى “مراد” الواقف على الباب .. كان الفتاتان تنظران اليه فقال لـ “مريم” بهدوء :
– تعالى يا “مريم” عايزك
ثم غادر .. قامت “مريم” وهى تتساءل عما يريد .. توجهت خلفه الى غرفته وأغلق الباب .. انتظرت أن يتحدث لكنها وجدته يزيح الغطاء عن الأريكة وينام عليها .. اقتربت منه وقالت فى دهشة :
– خير .. كنت عايزنى فى ايه ؟
أشار الى الفراش برأسه قائلاً :
– نامى كفاية سهر
ثم أشاح بوجهه .. فقالت بعناد :
– مش عايزة أنام هروح أكمل لعب مع “سارة” ولو حبيت أنام هبقى أنام معاها
التفتت لتغادر لكنها قام وجذبها من ذراعها قائلاً بحده :
– ازاى يعني تنامى معاها “سارة” تقول ايه المفروض اننا متجوزين
قالت بتحدى :
– عادى يعني مش شرط كل اتنين متجوزين يناموا مع بعض كل يوم .. عادى يعني أما أنام مع “سارة”
قال بحزم :
– لا مش عادى .. قوليلها انك عايزة تنامى واتفضلى تعالى نامى
قالت بعناد وهى تعقد ذراعيها أمام صدرها :
– مش عايزة أنام دلوقتى ايه هتنيمنى غصب عنى
تبدلت نظراته من الحزم الى اللين .. لانت ملامحه وبدا وكأنه يعاني من صراعاً كبيراً بداخله .. رأت فى عينيه خوف وألم ودت لو تعلم سببهما .. لماذا هو خائف .. مما هو متألم .. شعرت بأنه يخفى شيئاً بداخله .. شيئاً كبيراً يعذبه .. بدا وكأنه تعب من النقاش .. أو مما يدور فى عقله .. التفت وتوجه الى الأريكة وتمدد عليها وأولاها ظهره .. مرت لحظات وهى واقفة تنظر اليه ثم غادرت الغرفة وأغلقت الباب خلفها .. تنهد “مراد” وهو يغمض عينيه فى ألم .. كان يتمنى وجودها بجواره .. لكن وجودها بجواره يعذبه .. كان يشعر بخوف شديد .. خوف من اخبارها بأمر اعاقته .. شعر بأنه لن يتحمل خسارتها .. يعلم أن الوضع لن يستمر هكذا .. وعليه التحدث .. لكنه يجد صعوبة فى ذلك .. سمع باب الغرفة يفتح ويغلق مرة أخرى .. سمع صوت السرير وهى تجلس عليه .. تمددت “مريم” ونامت ووضعت رأسها على وسادتها وهى تنظر الى ظهر “مراد” النائم .. ابتسم “مراد” رغماً عنه .. شعر بأنه يريد التوجه اليها الآن .. ويأخذها بين ذراعيه .. ويخبرها بأنها أحلى ما فى حياته .. ويرجوها ألا تغادر حياته .. لكنه لم يستطع .. التفت لينظر اليها .. فوجد أنظارها معلقة به .. تلاقت نظراتهما وكلاهما نائماً فى مكانه .. شعرت وهى تنظر اليه بأنه مصدر آمانها و أمنها .. تشعر بالطمأنينه بمجرد سماع صوته .. بمجرد ذكر اسمه .. شعر بالحنان يملء قلبه .. ويفتت قسوته شيئاً فشيئاً .. معها يشعر بقلبه ينبض كما لم ينبض من قبل .. ظلت أنظارهما معلقة ببعضهما البعض .. الى أن غلبها النعاس ونامت .. وبعدها بلحظات نام هو .. وآخر صورة رآها كل منهما .. هى صورة الآخــر .
الفصل الرابع والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد
جلست “مريم” فى حديقة الفيلا فى انتظار قدوم “سهى” .. التفتت الى البوابة لترى سيارة أجرى تتوقف أمامها .. دققت النظر لترى فتاة تعبر البوابة فى طريقها الى الداخل .. شعرت بالدهشة ونهضت من مكانها وذهبت فى اتجاهها وهى مندهشة تلاقت الفتاتان .. وقفت “مريم” أمام “سهى” تنظر الى العباءة المحتشمة التى ترتديها .. والى الحجاب الطويل الذى ترتديه فوقها وتخفى به شعرها كله .. تأملت ملامحها التى ظهرت بريئة بدون أى أصباغ صناعيه .. ابتسمت “سهى” وقالت :
– اتصدمتى مش كده ؟
ابتسمت “مريم” واقتربت منها معانقة اياها وقالت :
– بصراحة أيوة
ثم ابتعدت خطوة لتنظر اليها مرة أخرى بإمعان قائله :
– ايه التغيير ده
قالت “سهى” مبتسمه :
– تعالى نعد وبعدين نتكلم
توجهتا الى الحديقه وجلستا على أحد المقاعد الكبيرة .. نظرت “مريم” الى “سهى” مبتسمه وهى تقول :
– ما شاء الله شكلك حلو أوى يا “سهى” بجد وشك منور
ابتسمت “سهى” وقالت :
– الحمد لله .. كنت عارفه انك هتشجعيني .. خفت أتكلم مع حد تانى غيرك يحبطنى ويرجعنى لوره
قالت “مريم” :
– بس ايه التغيير ده .. ايه اللى خلاكى تاخدى الخطوة دى
تنهدت “سهى” وقالت بحزن :
– للأسف ربنا بعتلى رسايل كتير بس مكنتش بفهمها .. او كنت بفهمها وبطنشها .. لحد ما حصل اللى حصل .. كان أدامى ساعتها حلين .. إما انى أفوق وأرجع لربنا .. وإما انى استمر فى الغلط وحياتى تتدمر أكتر ما هى
نظرت الى “مريم” قائله :
– وقررت أفوق
ابتسمت “مريم” بسعادة وقالت بحماس :
– ما شاء الله .. ربنا يثبتك يا “سهى”
قالت “سهى” وقد تجمعت العبرات فى عينيها :
– “مريم” انا جتلك عشان محتاجه اتكلم معاكى .. محتاجه أسمع منك كلام يطمنى
قالت “مريم” بقلق :
– خير يا “سهى”
قالت “سهى” والعبرات تتساقط من عينيها :
– “سامر” رفض انه يتجوزنى
شعرت “مريم” بالأسى من أجلها فأكملت “سهى” بألم :
– أنا خلاص مش هطلب منه حاجه .. أنا هطلب من ربنا بس .. مش هطلب تانى أى حاجة من أى انسان .. بس يا “مريم” أنا مش عارفه حياتى هتكون عاملة ازاى .. مش عارفه أعمل ايه .. انا قررت مردش على “سامر” أبداً مهما اتصل بيا .. بس أنا مش عارفه .. انا كده ضعت .. ريحيني يا “مريم” .. محتاجه أسمع كلام يريحنى شوية .. يحسسنى ان فى أمل .. يحسسنى ان ربنا معايا .. يحسسنى انى مش هضيع .. يحسسنى انى هبقى كويسة .. ان ربنا ممكن يسامحنى
شعرت “مريم” بألم “سهى” وبمدى معاناتها .. فقالت بحنان :
– “سهى” يا حبيبتى المفروض متيأسيش من رحمة ربنا أبداً .. كل واحد فينا بيغلط .. بس لازم نصلح الغط ده ومنتماداش فيه .. وده الى انتى عملتيه دلوقتى .. عملتى وقفة مع نفسك وغيرتى الحاجه اللى غلط فى لبسك وشكلك وفى تصرفاتك .. وبدأتى تقربي من ربنا أكتر وتهتمى ايه بيرضيه وايه بيغضبه .. صدقيني يا “سهى” لو فضلتى كده مستحيل ربنا يضيعك أبداً .. طول ما انتى مع ربنا مستحيل تخسري .. بس لو ربنا ابتلاكى اعرفى انه بيبتليكي عشان يختبرك .. عشان يمتحن صبرك وقوة ايمانك .. عشان يمتحن توبتك هل هى فعلاً صادقة ومن قلبك ولا لأ .. اعرفى ان ربنا هيرزقك باللى فيه الخير ليكي .. انتى شايفه ان جوازك من “سامر” هو الخير .. بس انتى متعرفيش .. يمكن جوازك منه شر وربنا بيصرفه عنك .. أو ربنا بيمتحنك زى ما قولتلك .. المهم دلوقتى انك فعلا تكونى توبتى بجد .. وتغيري من نفسك بجد .. وتعرفى ان ربنا هو اللى بإيده كل شئ .. بإيده قلب “سامر” .. وبإيده قلوب البشر دى كلها .. يقدر يقلبهم زى ما هو عايز .. اطلبى منه هو .. متطلبيش من انسان ضعيف زيك .. وخليكي واثقه ان ربنا مش هيضيعك طالما لجأتيله .. طالما رجعتيله وسلمتيله أمرك .. طالما هترضى باللى كاتبهولك أى ان كان ايه هو .. سلمى نفسك ليه .. وانتى مش هتخسري .. وخليكي واثقه فيه يا “سهى” .. واثقه انه أحن وأرحم من الأم بابنها .. خلي عندك حسن ظن فى ربنا .. ربنا بيقول “أنا عند حسن ظن عبدى بي ” .. أحسنى الظن فى ربنا .. وربنا سبحانه وتعالى هيكون عند حسن ظنك بيه
تنهدت “سهى” فى ارتياح وعلامات الراحة على وجهها وهى تستمع الى كلمات “مريم” التى نزلت عليها برداً تبرد نار قلبها .. نظرت اليها وقالت مبتسمه :
– بجد أنا بحبك أوى يا “مريم” .. ريحتى قلبي بكلامك ربنا يريح قلبك
ابتسمت “مريم” وعانقتها قائله :
– و انا بحبك أوى يا “سهى” .. وأتمنى أشوفك فى أحسن حال
ابتعدت عنها “سهى” وقالت بلهفه :
– ادعيلى يا “مريم” ادعيلي ان ربنا يهديني ويقبل توبتى
ابتسمت “مريم” وقالت :
– حاضر يا حبيبتى .. هدعيلك من قلبي
***************************************
دخل “حامد” مكتبه وهو يحمل بيده ورقة بدت له فى غاية الأهمية مذيلة بأحد الأرقام .. اتصل بالرقم المكتوب فرد عليه صاحب الرقم :
– ألووو
قال “حامد” :
– ألو .. “حسن” بيه “المنفلوطى”
قال “حسن” :
– اييوه آنى .. ميين بيتكلم
قال “حامد” وهو يرجع ظهره الى الوراء ويضع ساقاً فوق ساق :
– أنا واحد هيقدملك خدمة عمرك
صاح “حسن” بعصبية :
– خدمة اييه ؟ .. وانت ميين ؟
قال “حامد” وعيناه تلمعان خبثاً :
– انا مين مش مهم .. أما خدمة ايه أقولك .. ايه رأيك أوصلك لـ “مراد خيري الهواري” ؟
ساد الصمت للحظات قبل أن يقطعه “حسن” قائلاً :
– انت بتعرفه ؟
قال “حامد” :
– أيوة أعرفه .. أعرفه كويس أوى
قال “حسن” بشك :
– وانت ايه مصلحتك فى اكده
قال “حامد” وقد تبدلت تعبيرات وجهه لتشى بحقد دفين وهو يتلمس أسنانه الصناعية ويتذكر يوم تهجم “مراد” عليه فى المكتب :
– عشان عايز أنتقم منه .. وعشان عايز أشيله من طريقي تماماً
قال “حسن” بحماس :
– جولى عايز كام وآنى أدفعهملك فوراً و كاش
قال “حامد” بإبتسامه خبيثه :
– لا مش عايز فلوس .. زى ما قولت دى مجرد خدمه .. والباقى عليك
قال “حسن” بلهفه :
– جولى ألاجيه فين
قال “حامد” والشرر يتطاير من عينيه :
– هقولك
************************************
كانت “مريم” تجلس بمفردها فى الحديقة بعد رحيل “سهى” فإقترب منها “مراد” قائلاً :
– “مريم” ممكن نتكلم شويه
التفتت اليه بسرعة و قالت :
– أيوة اتفضل
جلس بجوارها وترك مسافة بينهما .. نظرت اليه وقالت بقلق :
– خير فى حاجة حصلت ؟
نظر اليها “مراد” قائلاً :
– انتى كنتى عارفه ان “جمال” ابن عمى اتجوز “صباح” عمتك ؟
قالت “مريم” يهدوء :
– أيوة عارفه
قال “مراد” وهو يتفرس فيها :
– وعارفه اتجوزوا ليه ؟
قالت “مريم” بحيرة :
– يعني ايه اتجوزوا ليه ؟
قال “مراد” مستفهماً :
– انتى عرفتى ايه بالظبط ؟
قالت بإستغراب :
– عرفت انهم اتجوزوا بس .. تيته اللى قالتلى واتصلت بـ “صباح” باركتلها .. ليه بتسأل السؤال ده
تنهد “مراد” فى أسى ثم قص عليها أن “صباح” هى من أطلقت النار على “جمال” وأنها هى من أوقعت بها ليحقق “جمال” انتقامه .. شعرت “مريم” بالصدمة وقالت بعدم تصديق :
– معقول .. معقول “صباح” تعمل فيا كده .. ده أنا بنت أخوها
ثم نظرت اليه قائله :
– مين قالك الكلام ده
قال “مراد” بحنق :
– عمى اللى قالى .. ومن ساعتها وأنا قرفان أتصل بـ “جمال”
غشت عينيها العبرات وهى تشعر بالألم لتلك الخيانة التى تعرضت لها من أقرب الناس اليها .. قال “مراد” بندم شديد :
– أنا آسف يا “مريم” .. ظلمتك أوى وقسيت عليكي أوى .. أنا آسف بجد
نظرت اليه “مريم” والعبرات فى عينيها .. فأكمل قائلاً بألم :
– لو كان فى أى حاجة اقدر أعملها عشان أكفر بيها عن كلامى ليكي ومعاملتى ليكي قوليلى وأنا أعملها
قالت “مريم” وهى تحاول منع عبراتها من السقوط :
– أنا مش زعللنه منك .. انت معذور مكنتش تعرف .. كان مستحيل ييجي فى بالك اللى حصل ده .. زى ما هو مستحيل كان ييجى فى بالى
ثم قالت بدهشة ممزوجة بالألم :
– بس ليه ابن عمك يعمل فيا كده وهو ميعرفنيش ؟
تنهد “مراد” قائلاً :
– عمتى الله يرحمها قالتلى انه عمل كده عشان ينتقم .. وانه بيصفى حساب قديم
قالت “مريم” بدهشة :
– حساب ايه ؟
قال “مراد” بحيره :
– معرفش .. صدقيني معرفش .. بس أكيد حاجه تخص المشاكل اللى كانت بين العيلتين زمان
صمتا وكل منهما غارق فى تفكيره .. رأت “مريم” حمامة حطت على غصن شجرة وهى تحرك جناحاً واحداً أما الآخر فيبدو أن به خطباً ما .. حاولت الطيران فوقعت من على الغصن لتسقط على الأرض .. هبت “مريم” مسرعة اليها و “مراد” ينظر اليها .. رآها تمسك بالحمامة وتحتضنها بين يديها وتقربها منها .. وقف “مراد” وتوجه تجاهها ليجدها تمسح بأصابعها على رأس الحمامة فى حنان .. رفعت رأسها لتنظر الى “مراد” قائله بأسى :
– جناحها شكله في مشكلة .. مش عارفه تطير
أخذت “مريم” تمسح عليها بأصابعها و “مراد” ينظر اليها متأملاً .. قالت “مريم” :
– أعمل ايه ؟
قال “مراد” بحيرة :
– مش عارفه
قالت “مريم” وهى تشعر بالأسى لأجلها :
– هدخل أشوف أى حاجة عشان أأكلها ممكن تكون جعانه .. وبعدين نشوف دكتور بيطري أو نوديها محل عصافير أكيد اللى بيبيع هيكون فاهم
ابتسم “مراد” ونظر اليها بحنان قائلاً :
– شكلك بتحبي الحمام أوى
قالت “مريم” وهى تتأمل جناح الحمامه بإهتمام :
– لا أنا أول مرة أمسك حمامه .. بس صعبت عليا عشان جناحها مكسور ومش قادره تطير
اختفت ابتسامه “مراد” ليحل محلها الوجوم .. تُرى كيف سيكون رد فعلها ان أخبرها بإعاقته .. أستشفق عليه مثلما أشفقت على تلك الحمامة .. لا وألف لا .. لن يتقبل منها أى شفقه .. لن يسمح لها بالشعور بالشفقة من أجله .. آخر ما يريده منها هو شفقتها .. نظرت اليه “مريم” وقالت كمن تذكرت شيئاً هاماً :
– صحيح كنت عايزة أزور وحدة قريبتى فى دار المسنين
أفاق “مراد” من شروده وسألها :
– تقربلك ايه ؟
شعرت “مريم” بالتوتر واحتارت أتخبره أم لا .. فقال “مراد” وهو يتفرس فيها :
– أنا سألتك لانك قولتيلى قبل كده انك ملكيش قرايب هنا
تلعثمت “مريم” وهى تقول :
– ليا قريبة واحدة بس
أعاد “مراد” سؤاله :
– تقربلك ايه ؟
قاطعهما صوت “نرمين” التى أقبلت نحوهما تقول :
– يلا يا جماعة الأكل جاهز ومستنيينكوا على السفرة
حمدت “مريم” ربها على قدوم “نرمين” الذى أنقذها من سؤال “مراد” .. فلم تكن تتوقع أن يسألها هذا السؤال .. وهى ليست مستعدة لإخباره الحقيقة بعد .. لانها لا تستطيع النبؤ برد فعله ان علم .. سبقتهما “مريم” الى الداخل وهى تحمل الحمامه فى يدها .. التفتت “نرمين” لتدخل هى الأخرى فأوقفها “مراد” قائلاً :
– “نرمين” .. فكرتي فى الموضوع اللى كلمتك فيه
ارتبكت “نرمين” واحمرت وجنتاها خجلاً .. واسرعت الى الداخل وهى تقول :
– ماما هتقولك ردى يا أبيه
ابتسم “مراد” وقد توقع موافقتها .. التف الجميع حول طاولة الطعام مبتسمين لبعضهما البعض .. قالت “مريم” بحزن :
– لقيت حمامه ياعيني جناحها مكسور فى الجنينة وقعت من على الشجرة مكنتش عارفه تطير
قالت “سارة” بتأثر :
– يا حرام
قالت “ناهد” :
– وبعدين ؟ طارت
قالت “مريم” :
– لا مش عارفه تطير خدتها المطبخ وحطتلها أكل
قالت “نرمين” فجأة بحماس :
– صحيح ما قولتلكوش .. النهاردة وأنا فى الجامعة .. قالوا ان ادارة الجامعة عاملة دورة فى الإسعافات الأولية واشتركت فيها
ابتسمت “مريم” قائله :
– أنا كمان كنت اشتركت فى دورة زى دى لما كنت فى الكلية
ابتسمت “نرمين” قائله :
– بجد ؟
أومأت “مريم” برأسها وقالت :
– أيوة .. مفيدة على فكرة وبيدوكى شهادة فى نهاية الدورة بعد ما بتحلى الإمتحان
قالت “نرمين” بحماس :
– عرفت فعلاً ان فى امتحان .. أكيد هيبقى نظرى بس مش كدة ؟
قالت “مريم” وهى تتناولى طعامها :
– لا .. عملى ونظرى
قالت “نرمين” بدهشة :
– ازاى يعني عملى ؟
قالت “مريم” شارحه :
– الفصل بتاع التنفس الصناعى بيكون عملى
توقف “مراد” عن تناول طعامه ثم التفت الى “مريم” قائلاً بحده :
– ازاى يعني عملى .. انتى امتحنوكى عملى فى التنفس الصناعى ؟
نظرت اليه “مريم” لترى نظرة غاضبة فى عينيه .. تساءلت فى نفسها .. أهذه غيره ؟ً .. أم أنها تتوهم ذلك .. قالت بهدوء :
– على مانيكان
هدأت حدة نظراته .. وأشاح بوجهه يكمل طعامه .. التقت نظراته مع نظرات “ناهد” الجالسه فى المقعد المقابل له .. فنظرت اليه مبتسمه بخبث شديد .. فأشاح بوجهه عنها هى الأخرى .. قالت “نرمين” مستفهمه :
– انتى يا “مريم” فصيلة دمك ايه ؟
قالت “مريم” :
-AB
قالت “نرمين” بمرح :
– ما شاء الله احنا مجمعين فى بيتنا كل أنواع فصائل الدم .. انا A زى ماما وبابا .. و “سارة” O .. و “مراد” B .. وانتى يا “مريم” AB
سقطت الملعقة من يد “مريم” فى طبقها لتصدر صوتاً عالياً .. نظر اليها الجميع فأدارت بعينيها فى وجوههم .. بدا وكأنها رأت شبحاً أمامها .. كان يبدو عليها الصدمة .. الرعب .. الخوف .. الحيرة .. سألتها “سارة” بإهتمام :
– انتى كويسة يا “مريم” ؟
حاولت التحدث فخرج صوتها مرتعشاً وقالت :
– أيوة بس شبعت .. بعد اذنكوا
نهضت “مريم”وغادرت مسرعة .. وأخذ “مراد” يتابعها حتى اختفت وقد ضاقت عيناه .
صعدت “مريم” الى غرفة “مراد” وأغلقت الباب خلفها ووقفت خلفه يعلو صوت تنفسها .. كيف .. كيف ذلك .. من غير الممكن أن تكون فصيلة دم “مراد” B .. هذا غير معقول .. من غير المعقول أن يكون أبواه A وهو B هذا مستحيل .. بل من رابع المستحيلات .. اذن فـ “ناهد” ليست أمه .. ليست أم “مراد” .. أخذ عقلها يعمل بسرعة جنونية .. من أم “مراد” اذن ؟ .. هل من المعقول أن “خيري” والده تزوج من ثلاث نساء .. “ناهد” و “زهرة” و امرأة أخرى هى أم “مراد” .. أم …………؟! .. توجهت مسرعة الى الدولاب وأخرجت منه حقيبتها فتحتها بأيدي مرتجفه وأخرجت منها قسيمة زواجها .. أخذت تنظر اليها بلهفة حتى توقفت عند نقطة ما .. فاتسعت عيناها دهشة ووضعت كفها على فمها تكتم صيحة الدهشة التى خرجت رغماً عنها .. انفتح الباب فجأة فالتفتت لتجد “مراد” خلفها .. اقترب منها فأخذت تنظر اليه وعيناها متسعتان على آخرهما وهى تمسك بيدها قسيمة الزواج .. نقل “مراد” بصره من القسيمة اليها وقال :
– فى ايه يا “مريم” ؟ .. مالك ؟
لم تستطع التحدث .. هربت الكلمات منها .. اقترب “مراد” أكثر وأخذ الورقة من يدها ونظر اليها ثم رفع نظره فى حيرة قائلاً :
– قسيمة جوازنا
قالت “مريم” بصوت مرتجف وهى تمعن النظر اليه :
– انت .. انت توأم “ماجد” ؟
نظر اليها يرقب تعبيرات وجهها .. فأخذت القسيمة منه بعصبية وأشارت الى تاريخ ميلاده وقالت بعصبيه :
– تاريخ ميلادك ..نفس تاريخ ميلاده ..
ثم أشارت الى اسم الأم وقالت بصوت مرتجف :
– واسم الأم واحد .. “زهرة”
ثم نظرت اليه وقالت بحيرة ودهشة وصدمة :
– انت توأمه ؟ .. انت توأمه مش كده ؟
كانت تعبيرات “مراد” هادئة .. قال :
– أيوة توأمه
شعرت “مريم” بالصدمة وهى تسمع هذا الإعتراف منه .. أخذت تحاول استعاب ما يحدث وما تكتشفه .. قالت بحده :
– ليه ما قولتليش .. ليه خبيت عليا ؟
قال “مراد” بحيره :
– أنا مخبتش عليكي .. انا كنت فاكرك عارفه
تمتمت “مريم” بحده ومازالت عيناه تتسعان من الصدمة :
– هعرف منين ؟ .. هعرف منين يعني ان طنط “ناهد” مش مامتك .. وانك توأم “ماجد” .. وان …….
صمتت ثم قالت بألم :
– وان ماما “زهرة” تبقى مامتك
نظر اليها “مراد” متفرساً وقال بدهشة :
– ماما “زهرة” ؟
تزايدت سرعة تنفسه وسرعة ضربات قلبه أمسكها من ذراعيها بعنف وهو يقول :
– “مريم” .. فى ايه قوليلى .. ليه بتقولى ماما “زهرة” .. ليه بتقولى ماما ؟
نظرت اليه “مريم” بألم ودموعها تتساقط على وجنتيها وهى تقول :
– أنا مش فاهمة حاجة .. أنا مبقتش فاهمة حاجة .. انت ازاى تسيب مامتك كده .. ازاى سايبها كده ؟
قال “مراد” بحده وعيناه تملأهما الحيرة والخوف :
– يعني ايه سايبها كدة .. ماما متوفيه من زمان
اتسعت عيناها دهشة وهى تصيح قائله :
– مين اللى فهمك كده .. قالولك أخوك مات .. وكمان ان مامتك ماتت ؟!! .. ليه كدبوا عليك كده
قال “مراد” وهو يشعر وكأن الدنيا تدور به :
– تقصدى ايه يا “مريم”
هتفت “مريم” بغضب وألم ودموعها تتساقط :
– مامتك عايشه فى دار مسنين يا “مراد”
وقع الخبر على رأس “مراد” كالصاعفة .. ظل ينظر الى “مريم” غير مصدقاً .. أخذ صدره يعلو ويهبط بسرعة وكأنه كان يبذل مجهوداً شاقاً .. اعاد كلماتها ليستطيع اتيعابها :
– ماما عايشة فى دار مسنين
قالت ودموعها تبلل وجنتها :
– حرام عليهم ليه حرموك منها وحرموها منك
قال “مراد” بغضب :
– ليه ما قولتليش .. من أول ما جيتي هنا وانتى عارفه انى أخوه .. ليه ما قولتليش ان ماما عايشه
هتفت بإستنكار :
– أيوة عارفه انك أخوه بس معرفش انك توأمه .. افتكرت انكوا اخوات بالأب بس .. لو كنت أعرف أكيد كنت قولتلك .. بس متخيلتش أبداً انكوا تكونوا توأم
صمتت قليلاً ثم قالت بإهتمام :
– وطنط “ناهد” عارفه انك مش ابنها
قال “مراد” وقد بدأ يفيق من صدمته :
– أيوة عارفه طبعاً
جذبها من ذراعها الى الدولاب وقال بلهفه :
– البسى بسرعة .. عايز أروحلها حالاً
خرجا معاً وذهبا الى دار المسنين .. قالت له “مريم” وهى تقف خارج الغرفة :
– “مراد” خليني أدخلها الأول لوحدى .. ماما “زهرة” تعبانه .. صدمة موت “ماجد” كانت كبيرة أوى عليها .. وانت نسخة منه .. سيبنى أتكلم بس معاها الأول
أومأ “مراد” برأسه ايجابا وقال بصوت متهدج :
– ماشى ادخليلها انتى الأول .. بس متتأخريش عليا
شعرت “مريم” بلهفته عينينه تعبيرات وجهه لملاقاة أمه .. أمه التى حُرم منها سنين طويلة .. دخلت “مريم” الى غرفة “زهرة” .. لتجدها جالسه فى فراشها والمرافقة تطعمها بيدها .. اقتربت منها مقبلة رأسها ويديها وقالت :
– حبيبتى ماما “زهرة” عاملة ايه دلوقتى
التفتت اليها “زهرة” مبتسمه وهى تتطلع اليها .. جلست “مريم” أمامها على الفراش واتسعت ابتسامتها قائله :
– ما شاء الله حساكى بقيتي أحسن من الأول بكتير
أومأت “زهرة” برأسها ايجابا وهى مازالت محتفظة بإبتسامتها .. قالت لها “مريم” وهى تمسح على شعرها فى حنان :
– ماما فى عندى ليكي مفاجأة .. مفاجأة مكنتيش تتوقعيها
نظرت اليها “زهرة” بإستغراب تحاول تخمين المفاجأة .. فقالت “مريم” بحماس وهى ترقب تعبيرات وجهها :
– “ماجد” كان له أخ توأم مش كده ؟ .. “مراد”
ظهرت سحابه حزن فى عيني “زهرة” وتوقفت عن الأكل .. ثم نظرت الى “مريم” بدهشة وألم .. وعيناها تسألانها كيف عرفت بأمر توأم “ماجد” … قالت “مريم” بتأثر وبحنان بالغ :
– تحبي تشوفيه .. تشوفى “مراد” ابنك
اتسعت عينا “زهرة” ونطقت ملامحها باللهفة .. وهى تتطلع على “مريم” .. ابتسمت “مريم” والعبرات فى عينيها وهى تقول :
– هو معايا بره .. أدخلهولك تشوفيه ؟
التفتت “زهرة” بحده الى باب الغرفة المغلق وكأنها تريد اختراقه لتصل الى ابنها .. “مراد” .. ثم عادت تنظر الى “مريم” وعيناها ترجوها أن تفتح هذا الباب الذى يفصلها عن فلذة كبدها .. قامت “مريم” وفتحت باب الغرفة وقالت لـ “مراد” :
– تعالى
شعر “مراد” بقلبه يخفق بجنون .. اقترب من الغرفة شيئاً فشيئاً وتوقف أمام الباب .. أخذ ينظر الى تلك المرأة النحيلة التى تتوسط الفراش .. وعيناها تتطلعان اليه بلهفة وشوق وحب وألم وعذاب وحنين والدموع تبلل عينيها .. أخذ يلهث وهو يتطلع اليها .. ويحتويها بعينيه بلهفه مماثلة للهفتها .. تساقطت العبرات من عينيها وهى تتطلع اليه وترجوه أن يقترب .. اقترب”مراد” منها وجلس أمامها .. وقد بدأت العبرات تعرف طريقها الى عينيه .. اخذ كل منهما يتطلع الى وجه الآخر وكأنه يعوض شوق وحرمان السنين الماضية .. وقفت “مريم” تراقبهما والعبرات تغرق وجهها .. أطبقت “زهرة” على شفتيها لتوقف ارتجافتها .. وكأنها لم تعد تحتمل بعده عنها قيد انمله لفت يديها حول عنقه وجذبته اليها بلهفه .. لفت “مراد” ذراعيه حولها يضمها الى وقد أغمض عينيه لتتساقط العبرات منهما .. تعالت “شهقات “زهرة” وهى تضمه اليها بقوة خشية أن تُحرم منه مرة أخرى .. أخذ جسدها النحيل يرتجف بين ذراعيه من شدة البكاء .. قبل كتفها و شعرها وقال بصوت متهدج :
أبعدت رأسها لتنظر اليه بلهفه وهى تسمعه لأول مرة ينطق بكلمة “ماما” .. ثم تعالت شهقاتها مرة أخرى وهى تحتضن وجهه بكفيها وعيونها تنظر الى كل ملمح من ملامحه بشوق ولهفة .. احتضن هو الآخر وجهها بين كفيه وقبل جبينها مرات عدة وقال بصوت مرتجف :
– مش مصدق انى شوفتك وانى فى حضنك .. مش مصدق انك عايشه
ثم صاح بألم :
– يااااه اشتقتلك أوى .. كنتى بتيجي فى أحلامى كتير .. كان نفسي أشوفك وأتكلم معاكى وأرمى نفسى فى حضنك .. كان نفسي أشوفك أوى يا أمى
ابتسمت “زهرة” من بين دموعها وحاولت التحدث فلم تستطع .. التفت “مراد” الى “مريم”يمسح العبرات التى تساقطت على وجهه وقال لها بلهفه :
– هى مبتتكلمش ؟
قالت “مريم” من بين دموعها بصوت مرتجف :
– لأ .. من يوم ما عرفت ان “ماجد” مريض وهى مبتتكلمش
ثم قالت بحماس :
– بس أنا واثقة ان صحتها هتتحسن
التفتت لتجلس أمام “زهرة” على الفراش من الجهة الأخرى وقالت لها مبتسمه بحماس :
– مش كده يا ماما .. مش انتى هتتحسنى بعد ما شوفتى “مراد”
ابتسمت لها “زهرة” وأومأت برأسها وجذبتها فى حضنها تقبل رأسها .. فعلت “مريم” المثل وقبلت رأسها ويدها قائله :
– ربنا يخليكى لينا يا ماما وميحرمناش منك أبداً
نظر “مراد” مبتسماً الى العلاقة التى تجمع “مريم” بأمه .. والتفت الإثنتان تنظران اليه مبتسمتان .. شعر وهو ينظر اليهما بأنهما أغلى امرأتين فى حياته .. قام “مراد” وقال بلهفه :
– عايز أقابل مديرة الدار .. لازم أنقل ماما عندى فى الفيلا مستحيل أسيبها هنا أبداً
ابتسمت “زهرة” وهى تنظر اليه بتأثر وقد اغرورقت عيناها بالعبرات مرة أخرى
خرج “مراد” ليتحدث مع مديرة الدار التى اشترطت وجود مرافقه مع والدته لتلبية طلباتها وعلاجها .. عاد “مراد” الى أمه بلهفه وجلس أمامها قائلاً بإبتسامه واسعة :
– أمى حبيبتى .. خلاص اتكلمت مع مديرة الدار وهاخدك من هنا النهاردة .. بس هروح الأول أرتب مكان اقامتك وأجيب عربية اسعاف تنقلك من هنا .. مش هتأخر عليكي .. ماشى
ابتسمت “زهرة” وهى تجذبه لها لتحتضنه مرة أخرى .. قبل رأسها والتفت الى “مريم” قائلاً بحماس :
– “مريم” تعالى معايا
قالت “مريم” لـ “زهرة” قبل أن تنهض :
– ماما متقلقيش هنرجعلك تانى
ابتسمت لها “زهرة” .. فغادر الإثنان الغرفة .. خرجا من الدار .. توقفت “مريم” تراقب السيارات ليعبرا الطريق الى سيارة “مراد” التى أوقفها على الجانب الآخر .. فجأة شعرت بيده وهى تتلمس الطريق الى يدها .. التفتت تنظر اليه بسرعة .. رأت فى عينيه نظرة حانية .. و .. نظرة حب .. خفق لها قلبها بقوة .. شبك أصابعه بين أصابع يدها و احكم قبضته عليها يحتضن كفها فى كفه بقوة وكأنه يعدها بأن يظلا متلازمين طيلة العمر .. وكأنه يعدها بحياة مشتركة بينهما لا يستطيع أن يفرقهما أحد .. ورغماً عنها .. بادلته نظرة بنظرة .. ووعد بوعد .. ابتسم “مراد” لها وابتسمت له .. عبرا الطريق بأيدى متشابكة الى أن أوصلها للسيارة وفتح لها الباب جلست ومازالت أيديهما متشابكة وقف أمامها وكأنه لا يريد ترك يدها .. نظر حوله يتفقد ان كان يراهما أحد .. ثم انحنى ليطبع قبلة حانيه على كفها .. ورمقها بنظرة حانيه قبل أن يترك يدها ويغلق الباب .. شعرت “مريم” بقلبها يقفز فرحاً .. جلس بجوارها فى السيارة كانت تبتسم لا ارادياً وهى لا تستطيع النظر اليه خجلاً .. امتدت يده لتمسك يدها الاخرى .. وانطلق بسيارته وهو يشعر بسعادة كبيرة تغمر قلبه.
*****************************************
استقبل الجميع خير وجود “زهرة” على قيد الحياة بصدمة شديدة .. واضطر “مراد” الى اخبار أختاه بأن “مريم” كانت خطيبة أخوه التوأم الذى لم يكن يعلم أنه مازال على قيد الحياة .. انفرد “مراد” بـ “ناهد” وسألها قائلاً وهو يمعن النظر اليها :
– ماما .. انا عارف ان ممكن الموضوع يكون صعب عليكي .. بس أنا مستحيل أسيب أمى مرميه فى دار مسنين .. إما انى أجيبها تعيش معانا هنا .. وإما انى أسكنها فى مكان تانى
صمت قليلاً ثم قال :
– بس مش هقدر اسيبها عايشة لوحده .. وهعيش معاها هناك
كانت “ناهد” تستمع اليه صامته .. اقترب”مراد” منها وأمسك ذراعيها قائلاً :
– انتى أمى .. اللى ربتنى وكبرتى وعلمتى لحد ما بقيت راجل .. وأفضالك عليا ملهاش حصر .. عمرك ما حسستيني انك مش أمى اللى ولدتنى .. عمرك ما فرقتى فى المعاملة بيني وبين اخواتى البنات .. عمرى ما حسيت للحظة انك مراة أب .. كنتى فعلاً أمى ومازلتى أمى وهتفضلى أمى على طول
اغرورقت عينا “ناهد” بالعبرات وهى تنظر اليه .. ثم أجهشت فى البكاء فعانقها “مراد” وقبل رأسها .. ثم نظر اليها قائلاً :
– اللى هتقولى عليه هعمله .. شوفى ايه اللى يريحك وأنا هعمله يا ماما .. بس مقدرش أسيب أمى فى دار مسنين .. مستحيل مبقاش راجل لو عملت كده
كفكفت “ناهد” دموعها وقالت وهى تنظر اليه :
– لو مكنتش قولت كده مكنتش هتبقى “مراد” اللى ربيته وكبرته وعلمته لحد ما بقى راجل .. دى أمك يا ابنى .. ليها حق فيك زى ما أنا ليا حق فيك .. هى اللى ولدت وأنا اللى ربيت .. ومش ممكن أبداً أحطك فى اختيار بيني وبينها
أخذت نفساً عميقاً ثم قالت :
– هاتها تعيش معانا هنا .. كفاية اللى شافته فى حياتها .. وانها اتحرمت منك طول السنين دى .. من حقها تعيش مع ابنها اللى اتحرمت منه
عانقها “مراد” وابتسم بسعادة قائلاً :
– ربنا يخليكي ليا يا ماما كنت واثق ان قلبك كبير
ابتسمت “ناهد” وهى تشعر بالسعادة لسعادة ابنها .. فمضى الكثير من الوقت الذى لم ترى فيه “مراد” سعيداً بهذا الشكل.
*****************************************
بعد منتصف الليل وبعدما نام الجميع وقفت تناجى ربها وتتساقط دموعها على سجادة الصلاة وهى ساجدة .. تبكى بحرقة وينتفض جسدهاً ألماً وندماً .. أخذت تلهج بالدعاء وبالاستغفار .. ترجوه ولا ترجو سواه .. وقفت بين يداه الى أن شعرت بالآلام تشتد فى قدميها .. لكنها كانت آلام لذيذة لأنها فى سبيل طاعة .. شعرت وكأنها تُغسل من ذنوبها و من آلامها ومن عذابها .. شعرت وكأنها تولد من جديد .. فتاة أخرى .. بقلب آخر .. بروح أخرى .. بجسد آخر .. شعرت بأن اليوم هو يوم ميلادها .. وكأنها لم تعش قط .. وكأنها لم تحيا قط .. وكأنها اليوم فقط .. علمت معنى الحياة .. أنهت “سهى” صلاتها وأمسكت مصحفها وظلت تتلو من كتاب الله .. كلما قرأت آيات العذاب استعاذت منها وبكت .. وكلمها قرأت آيات النعيم استبشرت بها ودعت .. أغلقت مصحفها عندما سمعت آذان الفجر يتردد فى المسجد القريب .. أغمضت عينيها وهى تسمع ذلك النداء الذى كانت تصم آذانها عنه طيلة أعوام طويلة .. ها هى الآن تسمعه بقلبها قبل أذنها .. وتستشعره بكل حواسها .. فتحت عينيها عندما انتهى المؤذن وقفت لتصلى بلهفة وشوق .. وأخذ قلبها ينبض بقوة وكأنها على ميعاد يقفز قلبها لهفه له .. رفعت كفيها وقالت من أعماق قلبها :
– الله أكبــر.
****************************************
استيقظت “مريم” فجراً لتجد الأريكة فارغة .. خرجت وتوجهت الى الغرفة التى خصصها “مراد” لـ “زهرة” فسمعت صوته بالداخل .. طرقت الباب برفق .. فتح الباب مبتسماً لها .. ابتسمت له قائله :
– جيت أطمن عليها
أفسح لها “مراد” المجال للدخول .. دخلت “مريم” لتجد “زهرة” جالسه على الفراش ووجهها يشع نوراً وسعادة .. فتحت لها ذراعيها فاقتربت منها “مريم” وألقت بنفسها بين ذراعيها .. مسحت “زهرة” على شعرها وهى تنظر الى “مراد” مبتسماً .. فقال بمرح :
– أنا بصراحة بدأت أشك أنا اللى ابنك ولا هى
قالت “مريم” بدلع وهى تنظر اليه :
– ماما “زهرة” دى حبيبتى
ثم رفعت رأسها ونظرت اليها قائله :
– مش كده يا ماما
أومأت “زهرة” برأسها فنظرت “مريم” الى “مراد” بتحدى .. فعقد ذراعيه أمام صدره وقال لـ “زهرة” :
– يعني أطلع منها أنا
مدت له يدها فأقبل تجاهها فى الجانب المقابل لـ “مريم” وعانقته هو الآخر .. أحاطت “مريم” بذراع و “مراد” بذراع وهى تنظر الى السماء والعبرات فى عينيها لتحمد الله عز وجل .. شعرت “مريم” بالحرج لاقترابها من “مراد” الى هذا الحد .. كانت نظراته مركزه عليها مبتسماً أبعدت نفسها من حضن “زهرة” .. وقالت لهما :
– هروح أصلى الفجر
قبل أن تنصرف .. حضرت الممرضة التى أحضرها “مراد” لملازمة والدته .. وخصص لها غرفة بجوار غرفة “أمينة” .. قال “مراد” للممرضة بإهتمام :
– ده معاد الدوا
قالت الممرضة مبتسمه :
– أيوة يا فندم
قال “مراد” بتأكيد :
– ركزى فى مواعيد الدوا كويس .. تاخدها كلها فى معادها وبإنتظام .. وخلال يومين ان شاء الله هدخلها المستشفى تعمل تشيك أب كامل .. بس لحد ما ده يحصل استمرى على الأدوية اللى وصفها دكتور الدار
ابتسمت وقالت برقة :
– حضرتك تؤمر
شعرت “مريم” بالحنق الشديد من الطريقة التى تنظر بها الممرضة الى “مراد” ومن تبسمها الدائم فى وجهه .. غادرت الغرفة فى ضيق .. نظر “مراد” الى “مريم” التى غادرت بعصبيه ملحوظة .. دخلت “مريم” غرفة “مراد” وتوضأت وهى تستعيذ بالله من الشيطان .. أنتهت من صلاة الفجر وجلست مكانها تغلى من الغضب .. لقد انتبهت لابتسامات الممرضة ونظراتها وركزت معها الى درجة أنها لم تنتبه إذا كان “مراد” بادلها اياهما أم لا .. دخل “مراد” غرفته بعدما عاد من صلاة الفجر .. قامت “مريم” وطوت السجادة وخلعت اسدالها وتوجهت الى الفراش .. تابعها “مراد” وهو يرى العصبية فى تصرفاتها فسألها قائلاً :
– فى حاجة مضايقاكى يا “مريم” ؟
قالت “مريم” وهى تفرد الغطاء على السرير بعنف دون أن تنظر اليه :
– لا وأنا ايه اللى هيضايقنى
اقترب منها قائلاً :
– بس حاسس ان فى حاجه مضايقاكى
جلست فى الفراش وتدثرت بالغطاء وهى تقول بغيظ :
– كنت فاكراك هتهتم بمامتك أكتر من كده
قال “مراد” بدهشة :
– قوليلى أنا قصرت معاها فى ايه .. تقصدى موضوع التشيك أب اللى أجلته ليومين .. أنا كان قصدى انى أدور على أحسن مستشفى واحسن دكاتره فى جميع التخصصات عشان هى مش حقل تجارب كل دكتور يكتبلها علاج شكل فلازم أوديها عند دكاترة ممتاة كل واحد فى تخصصه
قالت “مريم” بعصبيه وهى تنظر اليه بحده :
– أنا مش بتكلم عن كده
قال “مراد” بدهشة :
– أمال بتتكلمى عن ايه ؟
قالت بعصبية :
– رايح جايبلها حتت ممرضة صغيرة وواضح أوى ان معندهاش خبرة فى أى حاجة أنا مش عارفه انت اخترتها ازاى
قال “مراد” بإستغراب وهو يمعن النظر اليها :
– أنا مخترتهاش أنا طلبت من واحد صحبي دكتور انه يرشحلى ممرضة كويسة ومقيمة وهو بعتهالى .. وبعدين ايه اللى عملته غلط فهميني ؟
قالت “مريم” بحده :
– دى متنفعش ممرضة أصلا
صمت “مراد” وهو يتطلع اليها والى وجهها الذى تشوبه حمرة الغضب .. تحولت نظراته الى الخبث وظهرت ابتسامه صغيرة على زاوية فمه وهو يقول :
– مفيش مشكلة .. بكرة الصبح هتكلم تانى مع صحبى وأخليه يبعتلى واحدة كبيرة فى السن وخبرة
صمتت “مريم” وقد هدأت عصبيتها .. فابتسم بخبث قائلاً :
– كويس كده ؟
نظرت اليه لترتطم عيناها بنظرات عينيه الضاحكة وابتسامته الخبيثة .. احمرت وجنتاها بشدة وتمتمت بصوت خافت :
– تصبح على خير
نامت وأولته ظهرها .. وقف مكانه للحظات ثم اقترب منها وانتفضت عندما وجدته ينحنى ليقبل رأسها .. تسارعت خفقات قلبها وظلت مكانها كما هى .. أغلق “مراد” النور وتوجه الى أريكته ونام عليها والابتسامه على شفتيه .. شرد بخياله وهو يشعر بالتلذذ من غيرتها التى لمسها فى كلامها ونبرة صوتها ونظرات عينينها .. كانت ابتسامتها تعلو شفتيها هى الأخرى .. لكن سرعان ما اختفت تلك الإبتسامه ليحل محلها العبوس وأخذت تتسائل فى نفسها ..أيحبها حقاً ؟ ..إن كان يحبها بالفعل فلما لا يعترف بذلك ؟! .. لكن السؤال ظل فى رأسها بلا إجابه .
الفصل الخامس والعشرون من رواية قطة فى عرين الأسد
استيقظ “مراد” من نومه ونظر الى “مريم” النائمة وهو جالس على الأريكة .. عزم أمره على اخبارها بكل شئ عن اعاقته وعن زواجه السابق .. اليوم سيخبرها بكل شئ وليكن ما يكون .. لن يتحمل هذا البعد أكثر .. إن أرادت أن تخرج من حياته فلتخرج لن يجبرها على البقاء ولن يرجوها لتبقى .. يعلم أن فى هذا عذاب شديد له .. لكنه أرحم من عذاب قربها وبعدها فى نفس الوقت .. إما أن تكون له .. أو لا تكون .. دخل الحمام ليأخذ دشاً وأخذ يفكر .. نعم عزم أمره واتخذ قراره بمصارحتها بكل شئ .. لكنه يعلم جيداً أن هذا العزم وهذا الإصرار لا يمنع قلبه من الخفقان خوفاً .. بنظرة واحدة منها إما أن يكسبها للأبد وإما أن يخسرها للأبد .. لن يرحمها ان رأى نظرة شفقة واحدة فى عينيها .. أو نظرة نفور .. كلاهما يبغضه .. كلاهما يقتله .. كلاهما يرفضه .
الأولى رآها كثيراً فى عيون “ناهد” و أختيه وأصدقائه والممرضات فى المستشفى .. حتى قرر ألا يدع أبداً أحداً يراه بدون ساقه الصناعية .. مهما كان ومهما حدث .. لم يسمح لأحد أبداً منذ أن خرج من المستشفى أن يراه ناقصاً .. معاقاً .. عاجزاً .. لا يستطيع الحركة بدون ساقه الصناعية ..
والنظرة الثانية رآها فى عين زوجته السابقة .. النفور .. لم تكن نظرة .. بل خنجراً انغمس داخل قلبه .. لتسيل منه كل دمائه وتسقط أرضاً دون أن تأبى لها .. لن يتحمل رؤية أى من تلك النظرتين فى عيني “مريم” .. ان فعلت فسيلفظها لفظاً خارج حياته وللأبد .. ظل يتمنى شيئاً واحداً .. ألا يرى أى منهما فى عينيها .. الشفقة .. و النفور
****************************************
قالت “سارة” لـ “نرمين” على طاولة الطعام :
– لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق ان مامة “مراد” عايشة
ققالت “نرمين” بإستغراب شديد :
– ليه بابا الله يرحمه قالنا وقاله انها ماتت وان أخوه كمان مات ؟
قالت “سارة” بدهشة :
– وكمان مش قادرة اصدق ان “مريم” كانت مراة أخو “مراد” التوأم .. قصة ولا فى الأحلام
قالت “نرمين” متسائله :
– يا ترى ماما مضايقة من وجود مامة “مراد” هنا ؟
قالت “سارة” بسرعة :
– لا طبعا انتى مش عارفه ماما ولا ايه
ثم قالت بأسى :
– وكمان انتى شافيه حالها عامل ازاى .. صعبانه عليا اوى انها مبتتكلمش .. “مريم” بتقول ان ده حصلها بعد وفاة أخو “مراد”
قالت “نرمين” بحزن :
– زمان “مراد” زعلان عشانها أوى .. بس أكيد فى نفس الوقت فرحان انه شافها
************************************
استيقظت “مريم” ورأت “مراد” خارجاً من الحمام يحمل منشفته ابتسم لها قائلاً :
– صباح الخير يا كسلانه
ابتسمت بصعوبة وقالت :
– مش عارفه ليه حسه أكن حد كان بيضربنى طول الليل
انفجر “مراد” ضاحكاً .. وقال :
– برئ يا بيه .. مجتش جبمك
ضحكت هى الأخرى وقامت متكاسلة .. أوقفها “مراد” قائلاً وبدا عليه القلق وقال :
– “مريم” عايز أتكلم معاكى النهاردة فى حاجة مهمة
ظهرت علامات الجدية على وجهها وقالت :
– أنا كمان عايزة أكلمك فى موضوع مهم
قال “مراد” بإهتمام :
– عايزة تقولى ايه
سمعت طرقات دادة “أمينة” على الباب وهى تقول :
– الفطار يا سي “مراد”
قالت “مريم” بسرعة وهى تدخل الحمام :
– نفطر وبعدين نتكلم
وقفت “مريم” تنظر الى نفسها فى المرآة وهى تشعر بتوتر بالغ .. كيف ستخبره .. كيف سيتقبل الأمر .. تُرى ماذا سيكون رد فعله .. كان الأمر أهون حينما كانت تظن أن “زهرة” والدة “ماجد” فقط .. وأنها بالنسبة له زوجة أبيه .. أما وأنها والدته .. فقد إزدادت خوفاً على خوف .. لكن يجب اخباره .. لا حل أمامها سوى اخباره بكل شئ .. فليظن ما يظن .. لم يخطئ أحداً فى شئ .. ستخبره وليكن ما يكون
********************************************
انتهوا من تناول افطارهم وصعد “مراد” للإطمئنان على أمه .. جلس معها بعض الوقت ثم خرج ليبحث عن “مريم” .. قال فى نفسه يجب أن أنهى هذا الأمر الآن .. لن أنتظر أكثر .. صعدت “مريم” لتبحث عن “مراد” .. يجب اخباره بما تخفيه عنه .. “زهرة” لا تتكلم لكن “مريم” تتكلم .. ويجب أن يعلم .. تقابلا فى أعلى السلم .. وكل منهما يبحث عن الآخر .. ليخبره بالسر الذى يؤرق مضجعه .. نظر كل منهما الى الآخر بقلق وتوتر وخوف .. خوف من الخسارة .. خوف من أن تتبدل الأمور .. خوف من أن تتبدل المشاعر .. تحدث “مراد” أولاً وقال :
– تعالى فى المكتب
نزلت “مريم” معه وتوجها الى المكتب .. اغلق الباب ووقفا قبالة بعضهما البعض .. كل منهما ينتظر من الآخر أن يتحدث أولاً .. لتقل رهبته قليلاً .. قال “مراد” :
– ابدأى انتى يا “مريم” .. كنتى عايزه تقوليلى ايه
شعرت بالتوتر وبدا عليها الإرتباك .. فحثها “مراد” قائلاً :
– خير يا “مريم” .. اتكلمى
بلعت “مريم” ريقها بعصوبة .. ثم قالت وكأنها تريد ازاحة حمل ثقيل عن كتفيها :
– فى حاجة كنت مخبياها عنك .. بس صدقنى لو كنت أعرف ان ماما “زهرة” مامتك كنت قولتهالك من الأول .. لكن أنا مكنتش مدركه ان الموضوع هيخصك أوى كده وان ماما “زهرة” تبقى مامتك
قال لها بقلق :
– فى ايه يا “مريم” .. اتكلمى
قالت “مريم” وهى تنظر اليه لتتبين رد فعله :
– ماما “زهرة” .. تبقى ……
نظر اليها بإمعان قائلاً :
– تبقى ايه ؟
تنهدت ثم قالت :
– تبقى مراة بابا الله يرحمه
اتسعت عينا “مراد” دهشة .. حاول أن يستوعب ما قالت .. سألها وهو مصدوم :
– ماما كانت متجوزة باباكى انتى ؟ .. “خيري” اللى قتل وهرب
قال “مريم” بحده :
– بابا مقتلش حد .. مش بابا اللى قتل
صمت “مراد” قليلا ثم قال بحزم :
– مفيش داعى نفتح الموضوع ده لانى عارف كويس أوى ان مش بابا اللى قتل .. وان باباكى هو اللى قتل
صاحت “مريم” بغضب :
– بابا مقتلش حد .. فاهم .. بابا مقتلش حد
قالت ذلك ثم غادرت المكتب دون أن تنتظر سماع ما يريد قوله
خرجت “مريم” الى الحديقة وجلست فيها وهى تشعر وكأن الدنيا تنهار حولها وهى لا تستطيع فعل شئ لمنعه هذا الانهيار .. شعرت بالحنق والضيق من النبش فى الماضى خاصة ان كان مؤلماً .. تنهدت فى ضيق وهى تتذكر اتهام “مراد” لوالدها بالقتل .. تجمعت العبرات فى عينيها وهى تتذكر والدها الحانى التقى الطيب الذى لا يترك فرضاً والذى يشهد الناس له بحسن الدين والخلق .. لا يمكن أن يقتل .. لا يمكن .. اقترب منها “مراد” وجلس بجوارها .. نظرت اليه بعتاب ثم أشاحت بوجهها فى حده .. قال “مراد” بحنق :
– أنا آسف يا “مريم” .. مش قصدى أعيب فى والدك الله يرحمه .. أنا عارف انك كنتى بتحبيه أوى .. مكنش قصدى اشوه صورته أدامك
نظرت اليه “مريم” بحده وقالت :
– انت مشوهتش صورته أدامى ومحدش يقدر يشوه صورتى أدامى لانى عرفاه كويس .. وعارفه انه مستحيل يعمل كده
نظر اليها “مراد” بغضب وقال :
– وأنا عارف بابا كويس .. مستحيل بابا يقتل
قالت “مريم” بحزم :
– وأنا متهمتش باباك بحاجه .. كل اللى قولته ان بابا مقتلش .. لكن انت اتهمت بابا بالقتل .. أنا ما أسأتش الظن فى باباك لانى معرفوش .. لكن انت أسأت الظن فى بابا رغم انك متعرفوش ومتعرفش أى حاجه عنه
تنهد “مراد” قائلاً مصدقاً على كلامها :
– فعلاً معاكى حق .. مكنش لازم أقول اللى قولته .. مش عشان أدافع عن بابا يبقى أتهم باباكى
هدأت “مريم” قليلاً .. فالتفت اليها “مراد” وقال مرة أخرى بصوت منخفض :
– أنا آسف يا “مريم” متزعليش منى
نظرت اليه “مريم” ومازال شئ من الضيق فى عينيها .. فنظر اليها بحنان قائلاً :
– مبحبش أشوفك مضايقه
اختفى فجأة كل الضيق من عينيها لتبتسم وتنظر أرضاً .. التفت “مراد” تجاهها وامتدت أصابعه لتلعب بخصلات شعرها ..رفعت رأسها لتنظر اليه .. ودت أن يتحدث .. ودت أن يخبرها بكل مشاعره تجاهها .. ودت أن يؤكد لها ما تراه فى عينيه .. كانت عيناه تشعان حباً وحناناً .. شعرت بأن داخل هذا الرجل الذى يبدو عليه الغلظة والقسوة يوجد بحر من الحنان .. ودت لو غرقت فيه .. للأبــد ..
اقترب منها وقال بصوت متهدج :
– “مريم” .. أنا …..
نظرت اليه تنتظر بلهفه ما يريد قوله .. بدا وكأنه يعانى صراعاً بداخله .. بدا الخوف فى عينيه .. ودت لو علمت سبب هذا الخوف .. حثته قائله :
– انت ايه ؟
قال “مراد” بصعوبه وهو خائف من خسارتها :
– فى حاجة عنى لازم تعرفيها
صمت قليلاً ثم قال :
– هما حاجتين مش حاجة واحدة
نظرت اليه “مريم” وقالت برقه :
– ايه هما ؟
نظر اليها “مراد” بحنان ومسح بيده على شعرها برقه قائلاً :
– أنا كنت متجوز قبل كدة
لم تخبره “مريم” بأنها علمت ذلك من دادة “أمينة” .. تركته يكمل حديثه قائلاً :
– واطلقنا من 6 سنين
نظرت اليه دون أن تتحدث كان يراقب تعبيرات وجهها ونظرات عينيها .. شجعه هدوئها ونظراتها المشجعه على المواصله فقال :
– هى اللى طلبت الطلاق .. ومكنش فى حد فى حياتى قبلها .. ولا بعدها
صمت للحظة ثم احتواها بعينيه قائلاً بحنان :
– لحد من فترة قريبة .. فى واحدة قدرت تحرك قلبي نحيتها .. بعد ما كنت فاكر انه خلاص مات ومفيش حاجه تقدر تحركه
تعالى صوت دقات قلبها حتى كادت أن تسمعه بأذنيها .. صمتت وقد احمرت وجنتاها .. انتظرت أن يكمل كلامه .. قال “مراد” بتوتر :
– “مريم” .. الحاجة التانية اللى عايزك تعرفيها ……..
أمسك بكفها يحتضنه بين كفيه .. رأت صدره يعلو ويهبط من سرعة تنفسه .. وبدا عليه الوجوم والإضطراب .. ضم كفها بين كفيه يحتضنه بقوة .. كما لو كان يخشى أن ينزلق هذا الكف من بين يديه مبتعداً بعدما يخبرها بأمر اعاقته .. كانت كل ذرة فيه تهمس .. لا تتركنى لن أحتمل بعدك ليس ذنبي ما أصابنى لست أنا من قدر أن أصاب بهذا .. اعاقتى لا تعوقنى عن ممارسة حياتى بشكل طبيعي .. لن تخجلى منى بين صديقاتك .. لن تشعرى بأننى مختلف عن أى رجل آخر .. فقط جزء من جسدى مبتور .. لم أرد بتره .. لكن الله أراد .. ساقى الصناعية تحل محل الجزء المبتور .. لن تشعرى بالنقص معى .. لن تسيري معى وأنتِ خجلة منى .. من يرانى لا يعرف بأمر اعاقتى .. لا يعرف بأن قدمى مبتور .. ليس ذنبي فلا تعاقبينى .. لا تحرميني منكِ .. لا تنظرى الى بشفقه لست فى حاجة الى شفقتكِ بل أنا فى أمس الحاجة الى حبك وحنانك الى مشاركتك لحياتى الى انجاب أولاد منكِ الى تكوين أسرة معكِ الى أن تكونى سكنى وأكون سكنك .. لا تتركيني يا “مريم” أنتى آخر أمل لى فى أن أحب وأُحب كأى رجل عادى .. لن أحب غيرك يا “مريم” لن أفتح قلبي لسواكى .. لا تطعنيني مثلما فعلت زوجتى السابقة ومثلما فعلت من تقدمت لها ومثلما فعلت كل من عرفت بإعاقتى .. كونى دوائى يا مريم ولا تكونى سبباً فى زيادة آلامى وأحزانى .. لن أحتمل بعدك فلا تحرميني منكِ .. بداخلى حب كبير لكِ فلا تتخلى عنه وعنى .. لن يحبك رجل مثلما أحبك .. لم يحبك رجل مثلما أحبك .. كونى لى زوجة وحبيبة ورفيقة طريقي .. وسأعطيكي قلبي عمرى وكل ما أملك
تكلم بقلبه دون أن يجرؤ على قول تلك الكلمات بلسانه .. شعرت “مريم” به .. وبمعاناته .. ودت لو علمت بسببها .. ودت لو طمأنته .. ودت لو علمت همه وما يؤرقه .. نظرت اليه .. فى انتظار أن يتكلم .. أن يبثها نجواه .. نظر اليها يتأملها .. نظر اليها ليعلم كيف سيكون رد فعلها .. كيف ستنظر اليه .. ماذا سيرى فى أعماق عينيها .. فتح فمه ليتحدث .. فقاطعه صوت “نرمين” التى تقول :
– أبيه أبيه .. طنط “زهرة” اتكلمت
هب “مراد” و “مريم” واقفين .. قال “مراد” بلهفه :
– بجد اتكلمت ؟
قالت “نرمين” مبتسمه :
– أيوة كنت أعدة معاها .. وفجأة لقيتها بتقولى (مراد)
ابتسمت “مريم” بسعادة وأسرع ثلاثتهم فى اتجاه غرفة “زهرة” .. جلس “مراد” بجوارها على الفراش وأخذ ينظر اليها بلهفه قائلاً :
– ماما انتى قولتى اسمى ؟ .. ناديتي عليا
ابتسمت “زهرة” وقالت بصعوبة وبصوت أجش للغاية :
– “مراد”
ثم قالت :
– ولدى
ابتسم “مراد” وعانقها عناقاً طويلاًوهو يقبل رأسها ويديها .. اغروقت عبرات الجميع بالدموع .. ابتسمت “مريم” وسط دموعها واقتربت من “زهرة” قائله :
– ماما “زهرة”
التفتت اليها “زهرة” قائله بنفس الصوت الأجش :
– “مريم” بنيتي
كانت سعادة “مريم” غامرة وهى تستمع الى اسمها من بين شفتى “زهرة” .. وكانت ايضاً سعادة “مراد” لا توصف .. فى هذه اللحظة دخلت “ناهد” وهى تقول بلهفه :
– فى ايه يا ولاد .. ليه كنتوا طالعين بتجروا كده ؟
قالت “نرمين” مبتسمه :
– طنط “زهرة” اتكلمت
ابتسمت “ناهد” واقتربت منها قائله :
– حمدالله على سلامتك
قالت لها “زهرة” بصوتها الاجش :
– الله يسلمك
ثم التفتت الى “مراد” تسأله :
– مين ؟
نظر “مراد” الى “ناهد” ثم الى “زهرة” وقال :
– دى أمى اللى ربتنى .. مراة بابا الله يرحمه
التفتت “زهرة” تنظر الى “ناهد” تطلعت المرأتان الى بعضهما البعض .. ثم تنهدت “زهرة” وقالت :
– الله يرحمه ويرحم جميع أمواتنا
قالت “ناهد” :
– اللهم آمين
التفتت “زهرة” الى “مراد” قائله بصوت متعب مبحوح :
– بدى أتحدث معاك كتير يا ولدى
قبل “مراد” يدها قائلاً :
– وأنا نفسي أتكلم معاكى كتير أوى يا أمى
ثم قال بحنان :
– بس ارتاحى دلوقتى وان شاء الله بكرة هنروح المستشفى عشان بس نطمن عليكي .. وان شاء الله لما نرجع نتكلم مع بعض زى ما انتى عايزه .. المهم عندى صحتك دلوقتى
قالت “زهرة” وهى تغمض عينيها شاعره بالوهن :
– ماشى يا ولدى .. ربنا يباركلى فيك
*************************************
كانت سهى فى عملها .. عندما رن هاتفها .. نظرت لتجد المتصل “سامر” .. أغلقت فى وجهه .. و فتحت الهاتف بعصبية وأخذت الشريحة كسرتها الى نصفين ثم ألقتها فى سلة المهملات .. وظلت تستغفر ربها .. و “مى” ترمقها بنظرات حانيه وتدعو لها فى سرها بالثبات
عادت “مى” الى بيتها لتستقبلها والدتها بلهفه قائله :
– يلا يا “مى” العريس زمانه على وصول
قالت “مى” بتأفف :
– طيب يعني أعمل ايه يعني افرشله الأرض ورد ؟
قالت أمها :
– ادخلى خدى شاور و اعملى ماسك وشك شكله باهت
قالت “مى” بحنق :
– والله أنا كده اذا كان عجبه
دخلت “مى” غرفتها وجلست على فراشها وهى تقول :
– يارب ولو مليش خير فيه اصرفه عنى يارب
دخلت الحمام وأخذت دشاً تهدئ به نفسها وتحد من توترها .. ارتدت ملابس محتشمة ولم تضع أى زينه كعادتها .. سمعت جرس الباب فشعرت بتوتر بالغ .. جلست على فراشها تستغفر ربها لتهدئ من روعها .. دخلت أمها تنظر اليها قائله :
– حطى على الأقل كحل .. عينك شكلها دبلان
قالت “مى” بحنق :
– مش حاطه حاجة أنا مبحطش ميك اب أدام أى راجل غريب .. مش هاجى أحط دلوقتى عشان جناب العريس
زفرت أمها قائله :
– طيب يلا اخرجى .. تعالى على المطبخ الأول خدى صنية الشاى
قامت “مى” ودخلت المطبخ مع أمها وقالت بضيق :
– ايه الحركات النص كم دى .. ما تدخلى انتى صنية الشاى يا ماما .. مش لازم يعني أنا اللى أدخلها
قالت أمها بحزم :
– “مى” اتفضلى الصنية وادخلى الصالون الراجل مستنى
أخذت “مى” الصنية وقالت لأمها بتوتر :
– هو لوحده ولا معاه حد
قالت أمها :
– لوحده
تقدمت “مى” من الصالون وهى تنظر أرضاً .. هتف والدها :
– اتفضلى يا عروسه
هتفت فى نفسها : عروسة ايه بس يا بابا
تقدمت “مى” تجاه الرجل .. لم ترفع عينها لتنظر الى وجهه .. قالت بصوت منخفض :
– اتفضل
مد يده ليأخذ منها فنجان الشاى قائلاً :
– متشكر يا آنسه “مى”
قفز قلب “مى” من مكانه عندما استمعت الى صوته .. رفعت نظرها لتنظر اليه .. شعرت بالصدمة .. “طارق” .. ارتجفت يداها وسقطت منها صنية الشاى فوق قدميه .. فقام يصرخ من الألم بعدما حرقه الشاى الساخن .. نظرت اليه مصدومة وهى لا تدرى ماذا تقول .. صرخ والدها فيها :
– ادخلى هاتى فوطة ولا أى حاجة
تسمرت فى مكانها للحظات ثم أسرعت الى الحمام وأحضرت الفوطة وأعطتها له وقد احمرت وجنتاها بشدة وقالت بإضطراب :
– أنا آسفة أنا آسفة أوى
قال “طارق” وهو يمسح الشاى عن يديه وبنطاله :
– حرقتيني فى الرؤية أمال بعد الجواز هتعملى فيا ايه
قالت بخجل وتوتر شديد بصوت على وشك البكاء :
– والله آسفة مكنش قصدى
قال “طارق” مبتسماً :
– كنت بهزر معاكى
نظر اليها أباها شذراً قائلا :
– اتفضل يا ابنى استريح .. وهدخل أشوفلك حاجة من عندى تلبسها
دخل والدها وتركهما .. فنظر اليها “طارق” قائلاً :
– أنا كنت حاسس انك ممكن تتصدمى بس مكنتش متصور انك هتدلقى عليا صنية الشاى
قالت بإضطراب وهى تتحاشى النظر اليه :
– بصراحة متوقعتش أبداً وبعدين بابا مقاليش على اسم حضرتك بالكامل
قال “طارق” :
– أنا اتعدمت ما أقولوش كنت عايزها مفاجأة
ثم ضحك قائلاً :
– وجت فوق دماغى
ابتسمت بخجل دون أن تنظر اليه .. فقال “طارق” هامساً :
– طيب بسرعة كدة قبل ما باباكى ييجي قوليلى هى مفاجأة حلوة ولا وحشة ؟
شعرت بالدهشة فلم تعتاده متحدثاً معها بتلك الطريقة .. صمتت ولم تجب .. فحثها قائله :
– بسرعة قبل ما الحكومة تطب علينا
قالت “مى” وهى مازالت تتحاشى النظر اليه :
– ممكن أسأل حضرتك سؤال
قال “طارق” مبتسماً :
– سؤال بس .. اسألى زى ما انتى عايزه
قالت “مى” بجديه :
– ممكن أعرف ليه اتقدمتلى ؟ .. ليه أنا بالذات رغم انك عارف انى عارفه انك ……..
صمتت ولم تكمل فأكمل عنها قائلاً :
– رغم انى عارف انك عارفه انى كنت معجب بصحبتك .. مش كده ؟
شعرت “مى” بالغيرة تنهش قلبها وقالت بعصبية :
– أنا آسفة مش موافقة
همت بأن تقوم وتغادر لكنه أوقفها قائلاً :
– انتى على طول أفشه كده .. لا بقولك ايه أنا مبحبش كده .. بحب الصراحة .. يعني عشان ميحصلش مشاكل كتير بينا لما نتجوز ان شاء الله عايزك تتعودى انك تتكملى معايا فى كل حاجة مضايقاكى مش تقفشى وتقفلى الموضوع .. اتفقنا يا “مى”
رغم أن كلماته أسعدتها الا أنها قالت بحده :
– ايه الثقة دى ومين قال لحضرتك انى هوافق أصلاً
ابتسم لها ابتسامه عذبه وقال :
– أنا عارف ان مفيش بنت تقدر تقاومنى
رفعت رأسها لتنظر اليه لأول مرة منذ أن جلست .. نظرت اليه بحدة وغضب وقالت :
– يا سلام
لكنها وجدته مبتسماً وهو يقول :
– بهزر معاكى .. انتى اللى مفيش راجل يقدر يقاومك
شعرت بالخجل مرة أخرى وأبعدت نظرها عنه فقالت بصوت خافت :
– ليه يعني زيي زى أى بنت
قال “طارق” برقه :
– لا انتى مش زى أى بنت .. انتى بنت جدعه .. ومخلصة .. وخجولة .. وطيبة .. ومحترمة .. وملتزمة .. ودغرى .. وأمينة .. وصادقة
شعرت بالسعادة وهى تستمع الى اطراءه لها وكلماته التى كان كاللحن فى أذنيها .. فاكمل قائلاً :
– وجميلة وعجبانى
احمرت وجنتيها مرة أخرى ونظرت اليه بحده قائله :
– لو سمحت مينفعش كده
ابتسم قائلاً :
– هو أنا واحد واقف على ناصية الشارع بعكسك .. مش بقولك ايه اللى عجبنى فيكى وخلانى اتقدملك .. وبعدين انتى اللى سألتيني أصلاً
صمتت “مى” وهى تشعر بالحيرة بداخلها أرادت أن تتأكد من أمر واحد .. فقالت له :
– هسألك سؤال وعايزاك تحلف انك تحاوبنى بصراحة
قال فوراً :
– لأ
رفعت رأسها لتنظر اليه فقال “طارق” :
– اتعودى ان أى حاجة اقولها تصدقيها فوراً من غير حلفان وانتى أى حاجة تقوليها هصدقها فوراً من غير حلفان
ابعدت عينها مرة أخرى وابتسامه صغيره ترسم على شفتيها .. ثم اختفت تلك الابتسامه لتسأل بجدية :
– انت لسه حاسس بحاجة ناحيه “مريم” ؟ .. وبصراحة ومش هزعل
صمت “طارق” قليلاً .. شعرت بالتوتر خلال فترة صمته .. الى أن قال :
– أنا هحلف المرة دى بس لانك لسه متعرفيش “طارق” .. أقسم بالله العظيم من ساعة ما صحبي اتجوزها وحسيت انه بدأ يحبها ويتعلق بيها وأنا شيلتها من قلبي ومن عقلى تماماً .. ولو حاسس ناحيتها بأى حاجة مكنتش جيت اتقدمتلك انتى .. وأنا عارف ان انتى الوحيدة اللى كنتى عارفه بمشاعرى نحيتها لانك الوحيدة اللى قرأتى رسالتى ليها .. يعني لو حاسس بحاجة نحيتها فأكيد هختار أى واحدة تانية غيرك متكونش عارفه انى كنت هتقدملها
شعرت “مى” بأنها تصدقه بالفعل ..لكنها أرادت الإطمئنان أكثر فقالت :
– “مراد” صاحبك .. وأنا صحبتها .. يعني لو حصل نصيب هنبقى معرضين ان حد يجيلنا او احنا نروحلهم .. ازاى هنبقى أعدين مع بعض كلنا فى مكان واحد وأنا عارفه انك كنت حاسس بحاجه نحيتها
قال “طارق” بمرح :
– هو انتى عايزة تعدى معايا أنا و “مراد” ليه ان شاء الله .. هو انتى هتتجوزى راجل ولا شوال بطاطا .. انا معنديش النظام ده .. نظامى الرجالة فى حته والستات فى حته .. وحسك عينك تنطقى اسم “مراد” ولا أى حد من صحابى تانى
اتسعت ابتسامة “مى” رغماً عنها .. فأكمل بجديه :
– ياريت منتكلمش فى الموضوع ده تانى وننهيه دلوقتى حالا ونشيله ونرميه ورا ضهرنا .. عشان أن مش عايز أى حاجة تعكر حياتنا مع بعض
ثم قال بحنان :
– ماشى يا “مى”
أومأت برأسها ونظرت اليه مبتسمه وقالت بخجل :
– ماشى
جاء والدها يهتف :
– مش لاقى أى حاجة مقاسك يا ابنى
قال “طارق” بمرح :
– ولا يهمك يا عمى أنا خلاص قربت أنشف
ضحكت “مى” وهى تكتم بيديها صوت ضحكها .. ثم التفتت اليه قائله :
– معلش بجد آسفة
لمحت نظرت سعادة فى عينيه وهو يقول هامساً :
– ولا يهمك فداكى البنطلون وصاحب البنطلون
**************************************
قال محامى “حامد” بقلق :
– يارب الموضوع ده ميجبلناش مشاكل يا “حامد” بيه احنا مش ناقصين
ضحك “حامد” قائلاً :
– ميبقاش قلبك خفيف كده .. أنا ساعدته مش أكتر والباقى عليه هو
قا المحامى بقلق شديد :
– ربنا يستر
قال “حامد” بتهكم :
– يا متر قولتلك ميبقاش قلبك خفيف .. وبعدين هو أصلا ميعرفش مين اللى اتصل بيه .. متقلقش مفيش أى حاجة ضدى .. وبكرة نخلص كمان من القضية كلها لما “مراد” يتكل .. ساعتها القطة مش هتقدر تقف قصاد “حامد” أبداً وهعرف ازاى أنتقم منها على اللى عملته
**************************************
هتفت “مراد” فى الهاتف :
– ألف ألف مبروك يا “طارق” بجد فرحتلك من قلبي
قال “طارق” بسعادة :
– الله يباركلك يا “مراد” .. وزى ما قولتلك ان شاء الله الفرح هيكون خلال شهر
قال “مراد” ضاحكاً :
– ايه سلق البيض ده يا ابنى
ضحك “طارق” قائلاً :
– شوفت يا بنى .. أنا بحب أجيب من الآخر .. مش لسه هخطب و أكتب كتاب ومش عارف ايه .. لا احنا بنجيب من الآخر وبندخل على الفرح على طول
ابتسم “مراد” بسعادة قائلاً :
– ربنا يهنيك يا “طارق” ويسعدك .. وأحلى حاجة فى الموضوع .. انها صاحبة مراتى .. لانى بجد بعزك جداً يا “طارق” وانت بجد أخ ليا .. وصداقتك حاجة ليها قيمة كبيرة عندى
قال “طارق” مبتسماً :
– تسلم يا “مراد” انتى كما أخويا بجد .. وان شاء الله صداقتنا دى تفضل طول العمر
قال “مراد” بسعادة :
– ان شاء الله
***************************************
– ألف مبروك يا “مى” بجد فرحتلك أوى
صاحت “مريم” بهذه العبارة على الهاتف .. فقالت “مى” ضاحكة :
– تسلمى يا “مريم” الله يبارك فيكي
قالت “مريم” بلهفه :
– بس بجد مفاجأة جميلة أوى .. بجد مش مصدقة .. انتى بنت حلال وتستهلى كل خير يا “مى”
قالت “مى” بسعادة :
– ربنا يكرمك يا “مريم” انتى كمان بنت حلال وتستاهلى كل خير
صاحت “مريم” بسعادة كالأطفال :
– مش مصدقه أخيرا هيبقى في فرح وأحضره .. ياااه كان نفسي أوى أحضر فرح ..
قالت “مى” :
– بقولك ايه رجلك على رجلى أنا قدامى شهر واحد وعايزاكى معايا بجد
قالت “مريم” بحماس :
– طبعاً يا حبيبتى مش ممكن أتأخر عنك أبدا
صاحت “مى” بسعادة :
– أنا فرحانه يا “مريم” .. فرحانه أوى بجد .. لسه لحد دلوقتى مش قادرة أصدق
ضحكت “مريم” قائله :
– لا صدقى يا حلوة .. والحقى اتمتعى بحريتك فى الشهر ده .. قبل ما تدخل القفص يا جميل
قالت “مى” بمرح :
– يا ستى قفص قفص المهم ندخل
ضحكت “مريم” بشدة وقالت :
– ده انت واقعه أوى
قالت “مى” ضاحكة :
– أعمل ايه بحبه بجد
قالت “مريم” مبتسمه :
– بس انتى ندله على فكرة .. عمرك يعني ما قولتيلى ولا لمحتيلى .. رغم انى فعلا كنت ساعات بحس بكده .. بس انتى عمرك ما قولتي أى حاجه
قالت “مى” :
– بجد يا “مريم” مكنتش قادرة اقول حاجة ولا حتى أتكلم مع نفسي فى الموضوع ده .. كنت بحاول أتجاهل احساسى .. لانى مكنتش عايزة أعمل حاجة غلط .. أنا عمرى ما هكون أبداً زى البنات اللى بتعمل البدع عشان تلفت نظر راجل ليها .. أنا مش كده لا دى تربيتي ولا أخلاقى .. وكنت حساه مش شايفنى أصلاً .. وعشان كده كنت بحاول انسى نفسي الموضوع ده
قالت “مريم” بمرح :
– أهو طلع شايفك ومعلم عليكي كمان
ضحكت “مى” قائله :
– انتى اتعلمتى اللغة دى فين ؟
ضحكت “مريم” قائله :
– “نرمين” ربنا يخليها بتروح الكلية وترجعلنا بمصطلحات غريبة
ثم قالت :
– بجد فرحانه عشانك يا “مى” ربنا يتمملك على خير ويسعدك دايماً يارب
*************************************
لم تستطع “مريم” التحدث مع “مراد” اليومين الماضيين بدا وكأنه يتهرب منها .. ومن الحديث معها .. منذ أن كانا فى الحديقة وقاطعتهما “نرمين” لم تعلم حتى الآن ماذا أراد أن يخبرها .. وهى لم تحاول الضغط عليه .. وانشغل طيلة اليومين الماضيين بفحوص والدته الطبية .. الى أن اطمئن الجميع على صحتها .. وشعر “مراد” بالراحة والطمأنينة .. فى هذا اليوم لم يأتى “مراد” الى غرفته انتظرته طويلاً ولم يحضر .. قررت أن تسأله عما كان يريد قوله عندما قاطعتهما “نرمين” .. خرجت “مريم” لتجد السكون يعم المنزل ظنت ان “مراد” فى مكتبه همت بالنزول لكنها توجهت أولاً الى غرفة “زهرة” للإطمئنان عليها .. طرقت الباب وفتحته لتجد “مراد” جالساً بجوار “زهرة” .. قالت بحرج :
– كنت فاكرة ان ماما “زهرة” لوحدها
قالت “زهرة” :
– تعالى يا بنيتي .. كنت لسه بجول لـ “مراد” يجوم يناديلك .. عايزاكى انتوا التينن
دخلت “مريم” وهى تتوجس خيفه .. كان “مراد” يجلس بجوار والدته على الفراش .. جلست على أحد المقاعد .. نظرت “زهرة” الى “مراد” قائله :
– دلوجيت يا ولدى أجدر أحكيلك كل شئ انت ومرتك
نظر “مراد” الى “مريم” ثم الى “زهرة” ثم قال :
– أنا عارف يا ماما .. “مريم” قالتلى انك كنتى متجوزه باباها
قالت “زهرة” :
– لا يا ولدى مش جصدى اكده .. آنى جصدى السبب اللى خلى بوك وأهلك يجولولك انى مت وان خوك مات
أرهفت “مريم” أذنيها تستمع الى كلام “زهرة” بإهتمام .. وكذلك فعل “مراد” الذى أولاها كل انتباهه .. تحدثت “زهرة” بضعف وقالت :
– زمان جوى .. وجت ما كنت بنت صغيره .. شفنى “خيري” الله يرحمه وكان رايد يتجوزنى
قال “مراد” مستفهاً :
– “خيري” .. اللى هو بابا الله يرحمه مش كده ؟
صمتت “زهرة” قليلاً ثم نظرت الى “مريم” قائله :
– لا .. “خيري السمري”
نظرت اليها “مريم” بدهشة .. وعقد “مراد” ما بين حاجبيه وحثها قائلاً :
– وبعدين يا ماما .. ايه اللى حصل ؟
أكملت “زهرة” بضعف :
– وبعدين رفضوا أهلى الجوازه .. لانى من عيلة “الهواري” .. و “خيري” من عيلة “السمري” والعيلتين دول كان بيناتهم عداوة كبيرة جوى .. وتار من زمان جوى جوى .. ومكانوش بيطيجوا بعض .. الكل رفض جوازى من “خيري” وآنى كنت بنت صغيره مكنش ليا رأى .. بعدها اتجدملى “خيري الهواري” أبوك يا ولدى كان يجربلنا .. وافجوا أهلى عليه .. لانه من نفس عيلتنا .. واتجوزته
ثم أمسكت بيد “مراد” وقالت بتأثر :
– قسماً بالله يا ولدى كنت مخلصة لأبوك طول فترة جوازنا
ثم قالت بأسى :
– بس الله يرحم حماتى ويسامحها .. بعد ما خلفتك انت و “ماجد” تعبت ودخلت المستشفى والدكاتره جالوا انى لازم أعمل عمليه واشيل الرحم .. جدر ومكتوب يا ولدى
نظر اليها “مراد” بتأثر فأكملت :
– حماتى معجبهاش اللى حوصل .. مع انه مرض مش بيدي ولا بيد حدا .. ده بيد اللى خلجنى وخلجك .. كانت بتحاول تخرب عليا بكل شكل .. وكانت بتترجى أبوك يتجوز عليا .. بس أبوك مرضيش يتجوز ولا رضى يسيبنى .. لحد ما اتفجت مع حريم فى البلد انهم يجولوا انهم شافونى مع “خيري السمري”
التفتت الى “مريم” تقول :
– أبوكى يا بنتى
اتسعت عينا “مريم” من الدهشة .. وألجمت الصدمة لسان “مراد” فنظرت “زهرة” الى “مراد” قائله بأعين دامعه :
– ظلمونى جوى وكل واحد منهم نهش فيا زى الكلاب السعرانه .. من غير أى دليل .. مجرد اشاعة وانتشرت وملت البلد
قالت “زهرة” بأعين دامعة وبلهجة حازمة :
– نسوا كلام ربنا نسوا انه جال : “يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ ” و كمان جال: ” إِنَّ الَّذِينَ يُحِبُّونَ أَنْ تَشِيعَ الْفَاحِشَةُ فِي الَّذِينَ آمَنُوا لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ “.. ونسوا كلام حبيبك النبي صلى الله عليه وسلم : ” يا معشر من قد أسلم بلسانه ، ولم يفض الإيمان إلى قلبه ، لا تؤذوا المسلمين ولا تعيروهم ، ولا تتبعوا عوراتهم ، فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم تتبع الله عورته ، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله ” .. اللناس اللى بنتجل الاشاعات بدون أى دليل متعرفش ان بكلمة واحدة ممكن حياة انسان تتدمر وذنبه يبجى فى رجبتها طول العمر
صمتت قليلاً وقد بدا الألم فى عينيها يشى بمدى الأذى الذى تعرضت له .. قرب “مراد” كفه ووضعه فوق كفها .. اكملت قائله :
– بعدها أبوك طلجنى يا “مراد” .. جالى آنى مش مصدج عليكي اكده بس مجدرش أعيش معاكى وسط الخلج وهما بينهشوا فى عرضك
ثم قالت بأسى :
– وحرمنى منكوا انتوا التنين انت وأخوك يا “مراد”
أجهشت “زهرة” فى البكاء .. دمعت عينا “مريم” وهى تنظر اليها وتشعر بمدى الظلم والقهر الذى تعرضت له .. لانها ذاقت من نفس الكأس يوم اتهمها الناس بأنها على علاقة بـ “جمال” .. فكانت “مريم” أكثر من تشعر بها فى تلك اللحظة .. هدأت “زهرة” قليلاً فقال “مراد” بحنان :
– كفاية يا ماما .. انتى تعبتى ارتاحى شوية .. مش مهم كلام دلوقتى
قالت “زهرة” بتصميم :
– لا مهم لازمن أجول كل اللى كنت كتماه فى جلبى طول السنين اللى فاتت يمكن أرتاح
أكملت قائله :
– حاولت كتير أخدكوا أو حتى أشوفكوا انت وخوك .. بس حماتى كان جلبها جاسى جوى .. وكانت رافضه انى أشوف ضفر عيل منكوا .. وأبوك مكنش فى يده حاجه .. مكنش بيكسر كلمة لأمه الله يسامحها .. كانت ست جويه جادره
ثم أكملت :
– فى الفترة دى حصلت جريمة جتل فى عيلة “المنفلوطى” والعيلة دى كانت بتعادى العيلتين “الهواري” و “السمري” وكان فى بينهم مشاكل وبين الاتنين “خيري” من العيلتين .. ولما اتجتل ابن “حسن المنفلوطى ” .. جالوا ان اللى جتله اسمه “خيري” لانه كتب اكده بدمه على الجدار .. وأقسم “حسن المنفلوطى” انه يجتل الاتنين “خيري” .. فالعيلتين اتحدوا مع بعض وهربوهم على “مصر” وجبل ما أبوك يهرب يا ولدى .. روحت حداهم فى بيت العيلة .. كان بدى أشوفك انت وأخوك .. لجيت “ماجد” بيلعب جدام البوابه .. محستش بنفسي الا وآنى بخطفه .. وبهرب بيه ..
ثم نظرت اليه وقالت بأعين دامعه :
– كان بدى أخدك انت كمان .. بس خفت أستنى أكتر من كده حدا يشوفنى .. ومحستش بنفسي أنى بعمل ايه .. خدت “ماجد” وطلعت أجرى بيه
تعالت شهقاتها وهى تجول :
– انا اتظلمت أوى أوى أوى وملقتش حل أدامى غير كده كان لازم أعمل كده .. سامحنى يا ولدى انتى سيبتك .. سامحنى
اقترب منها “مراد” معانقاً ايها قائلاً :
– مسامحك يا أمى .. مسامحك .. انتى مغلطتيش .. انتى اتظلمتى أوى .. ربنا ينتقم من كل اللى ظلمك
قالت “زهرة” بسرعة :
– آنى مسمحاهم يا ولدى .. مسمحاهم ربنا يغفر لكل اللى ماتوا
ثم أخذت نفساً عميقاً وأكملت قائله :
– بعد اكده عرفت بموضوع جريمة الجتل وعرفت انهم أكيد هيدوروا على ولاد “خيري” ويجتلوهم .. فإضطريت أهرب آنى كمان على مصر .. مكنتش أعرف حدا فيها واصل .. وسبحان الله يشاء ربك انى أهرب فى نفس اليوم اللى هرب فيه “خيري السمري” و “خيري الهواري” واتصدمت لما لجيتهم راكبين نفس الجتر .. وجلبى وجع فى رجلى .. وفضلت جاعده بعيد عنهم عشان ميشوفونيش .. بس عيني كانت على “خيري السمري” هو الوحيد اللى بعرفه واللى ممكن يساعدنى لانى معرفش حدا فى مصر .. بعد ما نزلنا من الجتر التنين اتفرجوا وكل واحد راح فى طريج .. مشيت ورا “خيري السمري” لحد ما التفت فجأة وشافنى .. جربت منه وبكيت بين يده وجولت له يساعدنى .. يساعدنى انى الاجى شغل وسكن عشان أعيش أنا وابنى .. بس ربك كان كريم جوى .. وجالى انه هيتجوزنى على سنة الله ورسوله .. ومحدش عرف بجوازنا الا أربعه .. أبوى الله يرحمه وهو اللى جه حدانا فى مصر وجوزنى له .. و “عبد الرحمن” و مرته .. و”بهيرة” عمتك يا ولدى
قال “مراد” بدهشة :
– عمتو ؟
قالت “زهرة” :
– ايوة يا ولدى .. اتصلت بيها وجولتلها انى اتجوزت على سنة الله ورسوله ولما ابنى “مراد” يكبر جوليله أمك ما غلطتش واصل ومعملتش أى حاجه يخجل منها
ثم غشت العبرات عينيها وهى تقول بصوت باكى :
– لكنها جالتلى ان أبوك جالك انى مت آنى وأخوك .. ساعتها حسيت انى مت فعلاً يا ولدى
ربت “مراد” على كتفها وقالت وهى تبكى :
– طول السنين اللى فاتت كان نفسى أشوفك مرة واحدة بس .. كان نفسي أجولك أنى عايشه ومظلومة يا ولدى .. ظلمونى وحرمونى منك غصب عنى يا “مراد”
تنهد “مراد” بألم .. وتساقطت العبرات من عيني “مريم” .. بدا على “زهرة” الإرهاق والتعب فقال لها “مراد” بقلق :
– ماما انتى كويسه ؟
أومأت برأسها فقال :
– طيب نامى واتراحى كفاية كلام كده .. نكمل كلامنا الصبح
غادر الاثنان الغرفة بعدما طلب من الممرضة الحضور وملازمة فراش أمه .. دخلت “مريم” الى الغرفة وجلست على الفراش واجمة .. دخل “مراد” وأغلق الباب ومسح وجهه بكفيه ثم نظر اليها قائلاً :
– انتى أول مرة تعرفى الكلام ده ؟
أومأت برأسها ايجابا وقالت :
– أيوة .. كل اللى كنت عارفاه ان بابا كان متجوز ماما “زهرة” بعد ما جوزها طلقها .. وانها جالها مرض وشالت الرحم ومعدتش بتخلف .. وبابا اتجوز ماما وخلفنى أنا واختى
ثم أكملت وهى شارده بحزن :
– ماما مكنتش بتحب ماما “زهرة” ومكنش فى اى علاقة بينهم وبابا كان معيش كل واحد فيهم فى شقة بعيده عن التانية .. ومبتدتش أشوف “ماجد” و اعرفه غير بعد ما أهلى ماتوا فى الحادثة .. وبعدها كتبنا كتابنا وكانت ظروفنا صعبة واضطريت أنزل أشتغل عشان مصاريف علاج ماما “زهرة” كانت كبيرة علينا لانها تعبت أوى بعد وفاة بابا وأصلا كان عندها ضغط عالى واعدت فترة كبيرة فى المستشفى وده اللى عطل جوازنا .. لحد ما عرفنا بمرض “ماجد” بس للأسف معرفناش الا فى مرحلة متأخره جدا ..
قالت بألم :
– كان بيبقى تعبان ويخبى عليا لحد ما وقع فى الشغل .. وعرفنا ساعتها ان المرض اتمكن منه تماما .. وماما “زهرة” تعبت أوى ومعدتش بتتحرك ولا بتتكلم واضطرينا نوديها الدار عشان ياخدوا بالهم منها لانى كنت بضطر انزل اشتغل .. لحد ما “ماجد” مات الله يرحمه
ساد الصمت طويلاً بينهما .. دخل “مراد” يغسل رأسه بالماء البارد .. ثم يجففه ويخرج من الغرفة دون القاء كلمة .. توجه الى مكتبه .. وظل غارقاً فى شروده وهو يفكر فى كل ما قيل .
…يتبع