نهاية الطمع قصة جميلة ومعبرة بقلم فاروق حسان
نهاية الطمع قصة جميلة ومعبرة بقلم فاروق حسان
منذ زمن بعيد، عاش الشقيقان منصور وياسر. وكان لكل من الشقيقين قارب لصيد السملك، لكن قارب منصور كان صغيرا، أما قارب یاسر، فكان كبيرا كان منصور الذي يصغر شقيقه بسنوات عدة، طيبة، رقيق القلب يعطف على أبويه، كما كان شفوقة على الفقراء، يقدم لهم السمك دون مقابل، أما ياسر فكان شرس، طماع، غليظ القلب، يسخر من أخيه لأنه يقدم السمك للفقراء دون أن يأخذ منهم الثمن .. وكان دائما يقول لأخيه أنت أحمق لأنك تعطي السمك لهؤلاء المتسولين بلا مقابل وكان منصور يقول: إنهم لا يملكون شيئا يا أخي… فمن أين يأكلون؟! فيقول ياسر: الست مسؤولا عنهم. فيقول منصور: الناس أخوة يا یاسر… وللفقراء – حقوق علينا… لقد أوصانا ديننا الحنيف بهم، فيضحك ياسر ويقول: لا فائدة .
في كل يوم، كان منصور وياسر يخرجان لصيد السمك، وفي آخر النهار يعود منصور وقد امتلأ قاربه الصغير بالسمك، أما ياسر فيعود بكمية قليلة لا تكاد تكفيه وأسرته وكعادته كل يوم كان منصور بقوم ببيع جزء من السمك، ثم يوزع الباقي على الفقراء من كبار السن الذين لا يستطيعون القيام بأي عمل.
كان ياسر ينظر إلى أخيه في غيظ ويقول: إذا لم تكن في حاجة إلى هذا السمك أعطني إياه . فيرد عليه منصور أنت لست محتاجا يا أخي..،، فأنت شاب قادر على العمل وعندك قارب كبير للصيد… أما هؤلاء المساكين فلا يملكون شيئا… فضلا عن أنهم كبار في السن ولا يستطيعون العمل.
و ذات مساء، وبعد أن انتهى منصور أو من بيع السمك وتوزيع الباقي علي المحتاجين، جاء رجل شيخ كبير السن في يده صرة كبيرة، وطلب إليه أن بنقله إلى الجزيرة التي تتوسط| البحر على أن يعطيه ما يريد من القمح، لكن منصور قال له: لن أخذ منك يا سيدي أكثر من ثلاثة أقداح … تفضل وكان ياسر يستمع إلى حدیث الشيخ مع أخيه، فتقدم منهما وهو يقول: تعال إلى قاربي أيها الرجل الطيب، فقاربي كبير كما ترى ويستطيع الذهاب بك إلى حيث تريد على أن تعطيني ما أطلب من القمح كما قلت وتفرس الشيخ في وجه باسر، ثم قال وهو يشير إلى منصور سارکب قارب هذا الشاب… أما أنت فتأخذ هذه الصرة في قاربك ولك ما طلبت ركب الشيخ في قارب منصور وأخذ ياسر صرة الرجل في قاربه، ومضى القاربان يشقان البحر حتى وصلا إلى الجزيرة.
كانت جزيرة جميلة، مليئة بالأشجار والأزهار، التي كانت تملأ الجو برائحتها العطرة، بينما كانت الطيور والعصافير تطير هنا وهناك وهي تشقشق في سعادة. وأشار الشيخ إلى بيت كبير قائلا: هذا بيتي تفضلان فتح الشيخ باب البيت ودخل الشقيقان حيث فوجئا بكميات كبيرة من القمح تملأ معظم غرف البيت.
قال الشيخ ليأخذ كل منكما ما يريد من القمح فقال منصور: سأخذ الأقداح الثلاثة التي انفقت معك عليها. قال ياسر أما أنا فسأخذ ما أريد… لقد اتفقنا على ذلك يا سيدي. أخذ منصور ثلاثة أقداح من القمح، أما ياسر فأخذ ينقل كميات كبيرة من القمح إلى قارية الكبير حتى امتلأ قال ياسر للشيخ كنت أتمنى لو أن قاربي أكبر حتى أخذ أكبر كمية من القمح. فقال الشيخ: أما أنا فكنت أتمنى أن ترضى بما قسمة الله لك.
وودع الشقيقان الشيخ، وركب كل منهما قاربه، وكان قارب منصور يسير في سهولة ويسر، أما قارب ياسر المملوء بالقمح فكان يغطس حتى اقترب الماء من حافته وأصيب ياسر بالخوف من غرق القارب، فأخذ يلقي بالقمح في البحر حتى ألقى أكثر من نصفه وسار قارب ياسر قليلا، ثم خيل إليه أن القارب يغطس في الماء فهرع ليلقي بالقمح في الماء، ومن شدة خوفه وخشيته من غرق القارب أخذ يقذف بالقمح في الماء حتى لم يبق في القارب حبة واحدة.
وصل القاربان إلى الشاطئ، وبعد أن ريط منصور قارية حمل أقداح القمح الثلاثة وانتظر أخاه إلى أن ينتهي من ربط قاربه في وتد على الشاطئ.
سار الشقيقان في طريقهما إلى البيت، وكان منصور سعيدا بالأقداح الثلاثة، أما ياسر فكان يتذكر كميات القمع التي ألقاها بيده في البحر وهو يكاد يتميز من الغيظ، وفجأة نظر یاسر إلى منصور وقال: هنيئة لك أقداح القمح الثلاثة. فقال منصور: لولا طمعك لكان معك الآن مثلها وربما اكثر، فصاح ياسر : وهل كنت تريد أن أترك كل هذا القمح؟ فوضع منصور يده على كتف شقيقه وهو يقول: اعلم يا أخي أن الطمع يضيع ما جمعه الإنسان، لقد رضيت أنا بالأقداح الثلاثة، وها هي الآن معي، أما أنت فلم ترض إلا بملء قاربك، وها هي النتيجة… ذهب كل قمعك إلى قاع البحر… والغريب يا أخي أنك رميته في البحر بيدك.
فقال ياسر:۔ وهذا ما يحزنني يا منصور. فقال منصور : لا تحزن يا أخي… فلن يفيدك الحزن شيئا … هيا ابتسم… ابتسم یا ياسر. ابتسم ياسر ابتسامة شاحبة وهو يقول: الحق معك يا منصور، لو أني رضيت بالقليل لكان بقي معي الآن… الحمد لله على كل حال. وسار الشقيقان في طريقهما إلى البيت. وبعد سنوات، كان ياسر يقص على آبنائه قصة إلقائه القمح في الماء، محذرا إياهم من الطمع الذي يضيع ما جمعه الإنسان