ام عمارة رضي الله عنها
ام عمارة رضي الله عنها
خرجت نسيبة يوم أحد ومعها سقاء وفيه ماء ، فانتهت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في أصحابه ، والدولة والربح للمسلمين ، فلمّا انهزم المسلمون انحازت الى الرسول صلى الله عليه وسلم ، فكانت تباشر القتال وتذود عنهم بالسيف ، وترمي عن القوس حتى جُرِحَت على عاتقها جُرحاً أجوفاً له غَوْر ، أصابها به ابن قُميئة وقد قال الرسول صلى الله عليه وسلم ( لمقامُ نسيبة بنت كعب اليومَ خيرٌ من مقام فلانٍ وفلان ) وكان يراها تقاتل أشدَّ القتال ، وإنها لحاجزة ثوبها على وسطها حتى جُرِحَت ، وقد قالت للرسول صلى الله عليه وسلم ( ادْعُ الله أن نرافقك بالجنة ؟!) فقال( اللهمَّ اجعلهم رفقائي في الجنة ) فقالت( ما أبالي ما أصابني من الدنيا ).
وقد جُرِحَ يوم أحد ابنها عبد الله في عَضُده اليسرى ، ضربه رجل ورحل عنه ، وجعل الدم لا يرقأ ، فقال الرسول صلى الله عليه وسلم ( اعْصِبْ جُرْحَك ) فأقبلت أمه نسيبة ومعها عصائب قد أعدّتها للجراح ، فربطت جُرْحَه ، والنبي صلى الله عليه وسلم واقف ينظر إليه ، ثم قالت( انهضْ بنيّ فضارِب القومَ ) فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يقول( ومَنْ يُطيقُ ما تُطيقينَ يا أمَّ عمارة ؟!) وأقبلَ الرجلُ الذي ضرب ابنها فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ( هذا ضارب ابنك ) فاعترضته وضربت ساقه فبرَكَ ، فابتسم الرسول صلى الله عليه وسلم حتى رأت نواجذه وقال( اسْتَقَدْتِ يا أمَّ عمارة ) وعندما أتوا على نفسه قال النبي صلى الله عليه وسلم ( الحمدُ لله الذي ظفّركِ وأقرّ عينك من عدوّك ، وأراك ثأرَكِ بعينِك )
ولمّا انكشف الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بقيت السيدة نسيبة وزوجها وابناها بين يديه يذُبّوا عنه ، والناس يمرون به منهزمين ، ورآها الرسول الكريم ولا ترسَ معها فرأى رجلاً مُوليّاً معه ترس ، فقال له( ألقِ تُرْسَكَ إلى مَنْ يُقاتِل ) فألقى تُرْسَه ، فأخذته نسيبة وتروي ذلك قائلة( فجعلت أتترَس به عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وإنّما فعلَ بنا الأفاعيلَ أصحابُ الخيل ، لو كانوا رجّالةً مثلنا أصبناهم إنْ شاء الله ، فيُقبل رجلٌ على فرسٍ فضربني ، وتترّسْتُ له فلم يصنع سيفه شيئاً ، وولّى ، وأضرب عُرْقوب فرسِهِ ، فوقع على ظهره ، فجعل النبي صلى الله عليه وسلم يصيح( يا ابن أم عمارة أمَّكَ أمَّكَ !) فعاونني عليه حتى أزْوَرْتُهُ شَعُوب )
ثم نادى منادي الرسول صلى الله عليه وسلم إلى حمراء الأسد لملاحقة قريش ، فشدّت عليها ثيابها ، فما استطاعت من نزف الدم ، ولمّا رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم أرسل إليها عبد الله بن كعب المازنيّ يسأل عنها ، فرجع إليه يخبره بسلامتها ، فسُرَّ الرسول صلى الله عليه وسلم بذلك.
مقتل حبيب:
رأى الرسول صلى الله عليه وسلم أن يبعث لمسيلمة الكذاب رسالة ينهاه فيها عن حماقاته ، وحمل حبيب بن زيد الرسالة ، وفض مسيلمة كتاب رسول الله له فازداد ضلالا وغرورا ، فجمع مسيلمة قومه ، وجيء بمبعوث رسول الله وأثار التعذيب واضحة عليه ، فقال مسيلمة لحبيب( أتشهد أن محمدا رسول الله ؟) وقال حبيب( نعم ، أشهد أن محمدا رسول الله ) وكست صفرة الخزي وجه مسيلمة ، وعاد يسأل( وتشهد أني رسول الله ؟) وأجاب حبيب في سخرية( اني لا أسمع شيئا !!) وتلقى الكذاب لطمة قوية أمام من جمعهم ، ونادى جلاده الذي أقبل ينخس جسد حبيب بسن السيف ثم راح يقطع جسده قطعة قطعة ، وبضعة بضعة وعضوا عضوا والبطل العظيم لا يزيد على همهمة يردد بها نشيد اسلامه( لا اله الا الله ، محمد رسول الله )
عندما جاءها الخبر بمقتل ابنها حبيب على يدي مسيلمة، قالت: «لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته.»
معركة اليمامة والثأر:
أقسمت أم البطل نسيبة بنت كعب على الأخذ بالثأر لابنها حبيب من مسيلمة الكذاب فشهدت اليمامة مع ابنها عبدالله تحت إمرة خالد بن الوليد وقُتِلَ مسيلمة وقُطِعَت يدها في الحرب ، وجُرِحَت اثني عشر جُرْحاً وقد كان أبو بكر الصديق الخليفة آنذاك يأتيها يسأل عنها رضي الله عنها وأرضاها.
حرصها على أمور دينها
ومن حرصها على ابتغاء ثواب عبادتها، أتت أم عمارة النبي صلى الله عليه وسلم يومًا، فقالت: «ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟»، فنزلت آية: ( إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَالْقَانِتِينَ وَالْقَانِتَاتِ وَالصَّادِقِينَ وَالصَّادِقَاتِ وَالصَّابِرِينَ وَالصَّابِرَاتِ وَالْخَاشِعِينَ وَالْخَاشِعَاتِ وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ وَالذَّاكِرِينَ اللَّهَ كَثِيرًا وَالذَّاكِرَاتِ أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا) .[25] الأحزاب