روايه انت لي الحلقه الثانيه

17 8٬840
 

روايه انت لي الحلقه الثانيه

روايه انت لي الحلقه الثانيه

روايه انت لي الحلقه الثانيه

روايه انت لي الحلقه الثانيه , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,leen
رواية انت ليالحلقة الثانية

في كل ليلة أقرأ قصة قصيرة لصغيرتي رغد قبل النوم . و هذه هي آخر ليلة تباتها رغد في غرفتي بعد ثلاث سنوات من قدومها للمنزل .

ثلاث سنوات من الرعاية و الدلال و المحبة أوليتها جميعا لصغيرتي ، كأي أم أو أب !

إنها الآن في السادسة و قد ألحقناها بالمدرسة هذا العام و كانت في غاية السعادة !

في كل يوم عندما تعود تخبرني بعشرات الأشياء التي شاهدتها أو تعلمتها في المدرسة . و في كل يوم بعد تناولها الغذاء أتولى أنا تعليمها دروسها البسيطة

و قد كانت تلميذة نجيبة !

بعد الانتهاء من الدروس تأخذ صغيرتي دفتر التلوين الخاص بها و علبة الألوان ، و تجلس على سريرها و تبدأ بالتلوين بهدوء

تقريبا بهدوء !

” وليد لوّن معي ! ”

لقد كنت شارذا و أنا أتأملها و أتخيل أنني و منذ الغد لن أجد سريرها في تلك الزاوية و أستمع إلى ( هذيانها ) و تحدثها إلى نفسها قبل النوم !

” و ليــــــــــــــــد لوّن معي ! ”

هذه المرة انتبهت إلى صوتها الحاد ، نظرت إليها و ابتسمت ! لقد كنت ُ كثيرا ما ألوّن معها في هذا الدفتر أو غيره ! و هي تحلق سعادة حينما تراقبني و أنا ألون !

أطفال … فقط أطفال !

” حسنا ”

قلت ذلك و هممت بالنهوض من على سريري و التوجه إليها ، و لكنها و بسرعة قفزت هي و دفترها و علبة ألوانها و هبطت فوق سريري في ثانيتين !

بدأت كالعادة تختار لي الصفحة التي تريد مني تلوينها و قد كانت رسمة لفتاة صغيرة تحمل حقيبة المدرسة !

” صغيرتي … لم لا تلونين هذه ؟ فهي تشبهك ! ”

قلت لها ذلك ، فابتسمت و أخذت تقلب دفترها بحثا عن شيء ما ، ثم قالت :

” لا يوجد ولد يشبهك ! سأرسمك ! ”

و أمسكت بالقلم و أخذت ( ترسمني ) في إحدى الصفحات … و كم كانت الرسمة مضحكة ، و لاحظت أنها رسمت خطا طويلا أسفل الأنف !

” ما هذا ؟؟ ”

” شارب ! ”

” ماذا !؟ و لكن أنا لا شارب لدي ! ”

” عندما تكبر مثل أبي سيكون لديك شارب طويل هكذا لأنك طويل ! ”

ضحكت ُ كثيرا كما ضحكت هي الأخرى !

إن طولي قد أزداد بشكل ملحوظ في الآونة الأخيرة ، و يبدو أنني سأصبح أطول من والدي !

قمنا بعد ذلك بتلوين الصورتين ( رغد الصغيرة ، و وليد ذي الشارب الطويل ) !

من كان منا يتوقع … أن هاتين الصورتين ستعيشان معنا … كل ذلك العمر …؟؟؟

عندما حل الظلام ، قمت بنقل سرير رغد و أشيائها الأخرى إلى غرفتها الجديدة . و كانت صغيرة و مجاورة لغرفتي .

الصغيرة كانت مسرورة للغاية ، فقد أصبح لها غرفتها الخاصة مثل دانة و لم يعد بمقدور دانة أن ( تعيّرها ) كما كانت تفعل دائما .

العلاقة بين هاتين الفتاتين كانت سيئة !

بالنسبة لي ، كنت ُ حزينا بهذا الحدث … فأنا أرغب في أن تبقى الصغيرة معي و تحت رعايتي أكثر من ذلك … إنها تعني لي الكثير …

انتهينا أنا و أمي من ترتيب الأشياء في الغرفة ، و رغد تساعدنا . قالت أمي بعد ذلك :

” و الآن يا رغد … هاقد أصبح لديك غرفة خاصة ! اعتني بها جيدا ! ”

” حسنا ماما ”

و جاء صوت دانة من مكان ما قائلة :

” لكن غرفتي هي الأجمل . هذه صغيرة و وحيدة مثلك ”

جميعنا استدرنا نحو دانة ، و بعين الغضب . فهي لا تترك فرصة لمضايقة رغد إلا و استغلتها .

” لكنني لست ُ وحيدة ، و لن أشعر بالخوف لأن وليد قريب مني ”

” لكن وليد ليس أمك و لا أباك و لا أخاك ! إذن أنت وحيدة ”

هذه المرة والدتي زجرت دانة بعنف و أمرتها بالانصراف . لقد كانت لدي رغبة في صفع هذه الفتاة الخبيثة لكنني لم أشأ أن أزيد الأمر تعقيدا .

إنني أدرك أن الأمور تزداد سوءا بين دانة و رغد ، و لا أدري إن كان الوضع سيتغير حالما تكبران …

اعتقدت أن الأمر قد انتهى في وقته ، إلا أنه لم ينته …

بينما كنت غاطا في نومي ، سمعت صوتا أيقظني من النوم بفزع …

عندما فتحت عيني رأيت خيال شخص ما يقف إلى جانبي … كان الظلام شديدا و كنت ُ بين النوم و الصحوة … استيقظت فجأة و استطاعت طبلة أذني التقاط الصوت و تمييزه …

كانت رغد !

نهضت ، و أنرت ُ المصباح المجاور ، و من خلال إنارته الخفيفة لمحت ُ ومض دموع تسيل على خد الصغيرة …

مددت ُ يدي و تحسست وجهها الصغير فبللتني الدموع …

” رغد ! ما بك عزيزتي ؟ ”

قفزت رغد إلى حضني و أطلقت صرخات بكاء قوية و حزينة … إنني لم أر َ دموع غاليتي هذه منذ أمد بعيد … فكيف لي برؤيتها بهذه الحال ؟؟

” رغد … أخبريني ماذا حدث ؟ هل رأيت حلما مزعجا ؟؟ ”

اندفعت و هي تقول كلماتها هذه بشكل مبعثر و مضطرب … و بمرارة و حزن عميقين :

” لماذا ليس لدي أم ؟

لماذا مات أبي ؟

هل الله لا يحبني لذلك لم يعطني أما و لا أبا ؟

هل صحيح أن هذا ليس بيتي ؟

أين بيتي إذن فأنا أريد أن يصبح لدي غرفة كبيرة و جميلة مثل غرفة دانة ”

طوقت الصغيرة بذراعي و جعلت أمسح رأسها و دموعها و أهدئ من حالتها

لم أكن أتخيل أن مثل هذه التساؤلات تدور في رأس طفلة صغيرة في السادسة من العمر …

بل إنها لم تذكر لي شيئا كهذا من قبل رغم ثرثرتها التي لا تكاد تنتهي حين تبدأ …

” صغيرتي رغد ! ما هذا الكلام ! من قال لك ذلك ؟ ”

” دانة دائما تقول هذا … هي لا تحبني … لا أحد يحبني ”

شعرت بالغيظ من أختي الشقية ، في الغد سوف أوبخها بعنف . قلت محاولا تهدئة الصغيرة المهمومة :

” رغد يا حلوتي … دعك ِ من دانة فهي لا تعرف ما تقول ، سوف أوقفها عند حدها . أبي و أمي هما أبوك و أمك ”

قاطعتني :

” غير صحيح ! لا أم و لا أب لدي و لا أحد يحبني ”

” ماذا عني أنا وليد ؟ ألا أحبك ؟ اعتبريني أمك و أباك و كل شيء ”

توقفت رغد عن البكاء و نظرت إلي قليلا ثم قالت :

” و لكن ليس لديك شارب ! ”

ضحكت ! فأفكار هذه الصغيرة غاية في البساطة و العفوية ! أما هي فقد ابتسمت و مسحت دموعها …

قلت :

” حين أكبر قليلا بعد فسيصبح لدي شاربان طويلان كما رسمت ِ ! أ نسيت !؟ ”

ابتسمت أكثر و قالت :

” و هل ستشتري لي بيتا كبيرا فيه غرفة كبيرة و جميلة تخصني ؟ ”

ضحكت مجددا … و قلت :

” نعم بالتأكيد ! و تصبحين أنت سيدة المنزل ! ”

الصغيرة ابتسمت برضا و عانقتني بسرور :

” أنا أحبك كثيرا يا وليد ! و حين أكبر سآخذك معي إلى بيتي الجديد ! ”

 

~ ~ ~ ~ ~ ~ ~ ~

 

اللعب هو هواية الأطفال المفضلة على الإطلاق ، و لأنني ( وليد الكبير ) و لأن دانة هي ( الطرف المعادي ) فإن رغد لم تجد من تلعب معه في بيتنا هذا غير سامر !

كثيرا ما كانا يقضيان الساعات الطوال باللهو معا ، ربما كان هذا متنفسا جيدا للصغيرة .

عندما كانت رغد تسكن غرفتي ، كانت كلما بقيت ُ في الغرفة لسبب أو لآخر،أتت هي الأخرى و عكفت على دفتر تلوينها بسكون …

كنت ُ أستذكر دروسي و ألقي عليها نظرة من حين لآخر … و كان ذلك يسعدني …

بعد أن استقلت في غرفتها ، لم أعد أراها معي …

كانت كثيرا ما تقضي الوقت الآن مع سامر في اللعب !

في أحد الأيام ، عدت ُ من المدرسة ، و حين دخلت ُ البيت وجدت ُ الصغيرة تشاهد التلفاز …

” رغد ! لقد عدت ! ”

و فتحت ذراعي ، فهي معتادة أن تأتي لحضني كلما عدت من المدرسة ، كأنها تعبر عن شوقها و افتقادها لي …

ابتسمت الصغيرة ثم قفزت قاصدة الحضور إلي ، و في نفس اللحظة دخل شقيقي سامر إلى نفس الغرفة و هو يقول :

” أصلحته يا رغد ! هيا بنا ”

و بشكل فاجأني و لم أتوقعه ، استدارت ْ إلى سامر و ركضت نحوه ، و غادرا الغرفة سويا …

ذراعاي كانتا لا تزالان معلقتين في الهواء … بانتظار الصغيرة …

نظرت من حولي أتأكد من أن أحدا لم ير َ هذا … قد يكون موقفا عاديا لكنني شعرت ُ بغيط و خيبة لحظتها … ما الذي يشغل رغد عني ؟؟

لحقت بالاثنين ، فرأيتهما يركبان دراجة سامر التي يبدو أن خللا كان قد أصابها مؤخرا و أصلحه سامر قبل قليل …

كانت رغد في غاية السرور و هي تجلس على مقعد خلفي ، و سامر ينطلق بدراجته الهوائية مسرعا …

ذهبت إلى غرفتي و استلقيت على سريري و أخذت أفكر …

مؤخرا ، ظهرت أمور ٌ عدة تشغل الصغيرة … كالمدرسة و الواجبات المدرسية و صديقاتها الجدد … و دفاتر تلوينها الكثيرة … و اللعب مع سامر !

طردت الأفكار التي استتفهتها فورا من رأسي و انصرفت إلى أمور أخرى …

إنها السنة الأخيرة لي في المدرسة الإعدادية و والدتي تعمدت إبعاد رغد عني قدر الإمكان لأتفرغ لدراستي .

رغد … رغد … رغد !

لماذا لا أستطيع طردها الآن من رأسي ؟؟ إنها طفلة مزعجة لا تحب غير اللعب و العناية بها كانت مسؤولة كبيرة و مضجرة ألقيت على عاتقي و ها أنا حر أخيرا !

في الواقع ، ظل التفكير بهذه الصغيرة يشغلني طوال ذلك اليوم … لم أستطع التركيز في الدراسة ، و قبيل غروب الشمس قررت القيام بجولة في الشارع على الأقدام ، علني أطرد رغد من دماغي …

الجو كان لطيفا و نسماته عليلة و قد استمتعت بنزهتي الصغيرة …

التقيت في طريقي بشخص أبغضه كثيرا ! إنه عمّار …

عمار هذا هو الابن الوحيد لأحد الأثرياء ، و هو زميلي في المدرسة ، ولد بغيض مستهتر سيئ الخلق ، معروف و مشهور بين الجميع بانحرافه و فساده … و كان آخر شيء أتمنى أن ألتقي به و أنا في مزاجي العكر هذا اليوم !

” وليد ؟ تتسكع في الشوارع عوضا عن الدراسة !؟ لسوف أفضحك غدا في المدرسة ”

قال لي هذا و أطلق ضحكة قوية و بغيضة ، أوليته ظهري و ابتعدت متجاهلا إياه

قال :

” انتظر ! لم لا تأت ِ معي نلهو قليلا ؟ و أعدك بأن تنجح رغم أنف الجميع ! مثلي ”

استدرت إلى عمّار و قلت بغضب :

” حلّ عني أيها البغيض ! لا يشرفني التحدث إلى شخص مثلك ! أيها المنحرف الفاسد ”

لا أدري ما الذي دفعني لقول ذلك ، فأنا لم أعتد توجيه مثل هذا الكلام لأي كان …

و لكني كنت مستاءا …

عمار شعر بغيظ ، و سدد نحوي لكمة قوية موجعة و تعاركنا !

منذ ذلك اليوم ، و أنا و هو في خصام مستمر ، هو لا يفتأ يستفزني كلما وجد الفرصة السانحة لذلك ، و أنا أتجاهله حينا و أتعارك معه حينا آخر …

و الأمر بيننا انتهى أسوا نهاية … كما سترون …

في طريق عودتي للبيت ، مررت بإحدى المكتبات ، و وجدت نفسي أدخلها و أفتش بين دفاتر تلوين الأطفال ، و أشتري مجموعة جديدة … من أجل رغد

إنني سأعترف ، بأنني فشلت في إزاحتها بعيدا عن تفكيري ذلك اليوم … لقد كانت المرة الأولى التي تترك فيها ذراعي ّ معلقين في الهواء … و تذهب بعيدا

حين وصلت إلى البيت ، كانت رغد في حديقة المنزل ، مع سامر و دانة ، كانوا يراقبون العصفورين الحبيسين في القفص ، و اللذين أحضرهما والدي قبل أيام …

كانت ضحكاتها تملأ الأجواء …

كم هي رائعة هذه الطفلة حين تضحك !

و كم هي مزعجة حين تبكي !

اعتقدت أنني لن أثير انتباهها فيما هي سعيدة مع شقيقي ّ و العصفورين … هممت بالدخول إلى داخل المنزل و سرت نحو الباب … و أنا ممسك بالكيس الصغير الذي يحوي دفاتر التلوين …

” وليــــــــــــــد ” !

وصلني صوتها الحاد فاستدرت للخلف ، فإذا بها قادمة تركض نحوي فاتحة ذراعيها و مطلقة ضحكة كبيرة …

فتحت ذراعي و استقبلتها في حضني و حملتها بفرح و درت بها حول نفسي بضع دورات …

” صغيرتي … جلبت ُ لك ِ شيئا تحبينه ! ”

نظرت إلى الكيس ثم انتزعته من يدي ، و تفقدت ما بداخله

أطلقت هتاف الفرح و طوّقت عنقي بقوة كادت تخنقني !

بعدها قالت :

” لوّن معي ! ”

ابتسمت ُ برضا بل بسعادة و قلت :

” أمرك سيدتي ! ”

اعتقد … بل أنا موقن جدا … بأنني أصبحت مهووسا بهذه الطفلة بشكل لم أكن لأتصوره أو أعمل له حسابا …

و سأجن … بالتأكيد … فيما لو حدث لها مكروه ٌ … لا قدّر الله ….

عرض التعليقات (17)