روايه انت لي الحلقه 37 جزء 1 و 2

5 13٬331
 

روايه انت لي الحلقه 37 جزء 1 و 2

روايه انت لي الحلقه 37 جزء 1

روايه انت لي الحلقه 37 جزء 1 و 2

روايه انت لي الحلقه 37 جزء 1 و 2 , معكم صديقة زاكي الشيف الموهوبة ,leen

رواية انت لي الحلقة السابعة و الثلاثون الجزء 1 لم يكن للضربة التي تلقيتها بيدي في آخر لحظة أي أثر على وجهي أو يدي… لكن أثرها كان غزيرا غائرا في قلبي و مشاعري…ليس فقط لأنني اكتشفت مدى الكره الذي تكنّه رغد لي، بل و لأنني اكتشفت أن وليد متساهل معها لأقصى حد … بل و بلا حدود …و فوق كونها فتاة مراهقة شديدة التدلل و الغنج، و قليلة التفكير في مشاعر الآخرين و ظروفهم، و فوق فرضها لوجودها و احتلالها مساحة كبيرة جدا من اهتمام وليد و مسؤوليته، و فوق كرهها لي و غيرتها الواضحة مني، فوق كل هذا و هذا، رغد تحب خطيبي !إنني و مذ سمعتها تلك الليلة… تهمس له – و هو نائم في السيارة –

( وليد قلبي )

و أنا في حالة عصيبة و رغما عني بدأت أراقب كل تصرفاتها و أترجم كل أفعالها على أنها ولع بوليد !

فكيف أصحو ذات صباح، و أذهب إلى غرفة خطيبي فأراها نائمة على المقعد في غرفته ؟؟

يومها أخبرت أمي بكل ما جد… و أطلعتها على اكتشافي… و بكيت بمرارة

إنها و منذ أن ظهرت في حياتي … قبل عدّة أشهر… منذ تلك الليلة التي حضرت مع وليد و دانة هاربين من القصف … و هي تشغل اهتمام وليد و تفكيره !

و بالرغم من أنني تعاطفت معها كثيرا … للظروف المفجعة التي مرّت بها خلال أشهر … و بالرغم من أنني أحسنت معاملتها و آويتها و أسرتي إلى منزلنا … و أسكنتها غرفتي كذلك … و عاملتها و أهلي كفرد منا و حاولنا توفير كل ما احتاجت إليه … بالرغم من كل ذلك، ها أنا أشعر الآن برغبة قوية في إخراجها من حياتي أنا و وليد …

وليد خذلني في الموقف الأخير …

فعوضا عن زجرها أو تأنيبها و ردعها… ما إن هربت إلى غرفتها بعد رميي بهاتفه المحمول حتى حثّ الخطى سيرا خلفها هي !

هتف :

” رغد ”

و لم تكترث له فتوقف في منتصف الطرق و ضرب راحته اليسرى بقبضته اليمنى غضبا …

التفت إلى ّ أخيرا و قال :

” لماذا فعلت ِ ذلك ؟؟ أروى ! ماذا أصابك ؟؟ ”

تفاجأت من سؤاله، فعوضا عن أن يقف إلى جانبي و يواسيني أراه غاضبا منّي أنا ! إنني أنا من تلقيت تلك الضربة من رغد … ألم تر َ ذلك جليا يا وليد ؟؟

قلت :

” ماذا فعلت ُ أنا ؟؟ وليد هل رأيت كيف ضربتني ابنة عمّك ؟؟ أليس لديك شيء تقوله من أجلي ؟؟ ”

بدا على وليد العصبية أكثر من ذهول المفاجأة… و ظهر كالمستاء من كلامي أكثر من استيائه من فعلة رغد …

قلت :

” وليد … تحدّث ! ”

التقط وليد نفسا أو اثنين عميقين ، ثم قال و هو يعود أدراجه نحو قلب الصالة :

” كلماتك كانت قاسية و جارحة ”

و أذهلني موقفه أكثر و أكثر . ..

قلت بانزعاج :

” أليست هذه هي الحقيقة يا وليد؟؟ ألست تبالغ جدا في تدليل ابنة عمّك و كأنها اليتيمة الوحيدة على وجه الأرض ؟؟ أنا أيضا يتيمة يا وليد … ولو كان ابن عمّي عمّار حيا و يرعاني كما ترعى أنت ابنة عمّك، لألصقت جبيني في الأرض سجودا و شكرا لله مدى الحياة ! ”

و لا أدري لم استفزّت هذه الجملة وليد بشكل مبالغ به فصرخ بوجهي :

” اسكتي ”

اعترتني رغبة مباغتة في البكاء لحظتها فآثرت ُ الانسحاب و هرعت إلى المطبخ ، حيث كانت أمي ترتب الملاعق على مائدة الغذاء

خاصمت ُ وليد للساعات التالية و رفضت الذهاب معه إلى المحكمة كما كان يخطط.. يحق لي أن أغضب حين أرى الموقف البارد من خطيبي …

و يحق لي أن أطالب رغد باعتذار علني أمام وليد… و سوف لن أتخلى عن هذين الحقين هذه المرّة… و سأجعل رغد تفهم أنني المرأة الأولى في حياة وليد… رغما عن قرابتهما و ذكرياتهما السابقة… و رغما عن أي شعور تحمله هي تجاه خطيبي … و أيا كان !

……………………

لم أكن أدرك أن الشحنات المتضادة بين رغد و أروى قد كبرت و وصلت إلى هذا الحد …

أروى كانت قد أخبرتني سابقا بأن رغد لا تبدي أي مودة تجاهها و أنها تغار منها !

أتذكرون العدستين الزرقاوين اللتين وضعتهما رغد على عينيها ذلك اليوم؟؟

هل تغار جميع النساء من بعضهن البعض؟ هذه الحقيقة على ما يبدو !

ألا ّ تحب رغد أروى هو أمر متحمل لا استبعده، فهي حسبما اكتشفتُ لا تتأقلم مع الآخرين بسهولة …

أما أن تظهر من أروى إشارات تدل على عدم حبّها لرغد أو استيائها منها، فهو أمر جديد لم ألحظ أهميته قبل الآن ….

و بسبب الخلاف، اضطررت لتأجيل زيارتنا للمحكمة حتى اليوم التالي

الصغيرة الغاضبة ظلت حبيسة غرفتها طوال الساعات التالية … و رفضت الاستجابة لنا حين حاولنا التحدث معها…

أما أروى فقضيت فترة لا بأس بها معها أحاول استرضاءها حتى رضت عني !

حتى و إن بذلتُ الجهود القصوى لإخفائه فإن قلقي بشأن رغد كان مصرا على الظهور !

كان ذلك صباح اليوم التالي حين كنا أنا و أروى هامين بالخروج قاصدين المحكمة لإتمام بعض الإجراءات اللازمة. كنت مشغول البال على الصغيرة التي لم أرها منذ الأمس و لا أعرف كيف قضت ليلتها … لم أكن لأستطيع المغادرة قبل الاطمئنان عليها أو إبلاغها بأنني سأخرج …

وقفت عند أعلى درجات السلم بينما أروى هبطت درجات ثلاث قبل أن تستدير إلي مستغربة …

” لم وقفتَ ؟ ”

كان القلق مرسوما على وجهي بشكل لا أظن أروى قد أخطأته !

أعتقد إن أحدا لا يحتاج كمية كبيرة من الذكاء ليعرف السبب !

ضيّقت أروى حدقتيها و قالت :

” رغد مجددا ؟؟ ”

و بدا الضيق عليها … فقلت مسرعا :

” لا أريد أن أخرج دون إعلامها و أسبب لها الإزعاج كالأمس … ”

قاطعتني أروى :

” بربّك وليد ! أوه كم تبالغ ! ألا تدرك أنها تفعل ذلك لمجرّد الدلال لا أكثر؟؟ ألا تعرف هي سبب مجيئنا إلى هنا؟ هيا يا وليد دعنا نمضي و ننجز المهمة في أقصر مدة ممكنة و نعود للمزرعة ”

علّقت قدمي بين أعلى درجة و الدرجة التي تليها من السلم … و بقيت برهة مترددا …

” وليد ! هيا ! ”

و عوضا عن الهبوط بقدمي للأسفل رفعتها للأعلى و أنا أتراجع و أهز رأسي استسلاما و أقول :

” يجب أن أطمئن على الصغيرة أولا ”

سرتُ نحو غرفة رغد … و وقفت عند الباب … تبعتني أروى في صبر نافذ و أخذت تراقبني و قد كتّفت ذراعيها و رمت برأسها نحو اليمين !

قلت :

” أدخلي و اطمئني عليها ”

فتحت أروى ذراعيها و رفعت رأسها مندهشة :

” أنا ؟؟ ”

” طبعا ! أم يعقل أن أدخل أنا ؟؟ ”

و كانت جملة اعتراض تكاد تنطلق من لسان أروى استنكارا و رفضا و لكن نظرة رجاء من عيني جعلتها تتراجع !

أروى تقدّمت نحو الباب و طرقته طرقا خفيفا ثم فتحته و ولجت الغرفة … و بقيت أنا في الخارج موليا ظهري لفتحة الباب …

إنه الصباح الجميل !

يكون المرء في قمة النشاط و الحيوية و الإقبال على الحياة … بأعصاب مسترخية و نفسية مترابطة و مزاج عال !

آخر شيء يتمنى المرء سماعه من مطلع الصباح هو الصراخ !

” أخرجي من غرفتي فورا ”

كانت هذه الصيحة التي خلخلت صفو الصباح منطلقة من حنجرة رغد !

أجبرني صوت رغد على الالتفات للوراء … و أبصرت ُ أروى و هي تتقدم مسرعة خارجة من الغرفة في ثوان …

كان وجه أروى الأبيض الناصع شديد الاحمرار كحبة طماطم شديدة النضج…

أما التعبيرات المرسومة عليه فكانت مزيجا من الغضب و الحرج و الندم و اللوم !

حين التقت نظراتنا اندفعت قائلة :

” أ يعجبك هذا ؟؟ لم يهنّي أحد بهذا الشكل ! ”

تملّكني الغضب آنذاك … الغضب من رغد … فتصرفها كان مشينا … و كنت على وشك أن أدخل الغرفة لكنني انتبهت لنفسي فتوقّفت … و قلت بحدّة :

” أنت ِ لا تطاقين يا رغد ! ”

و التفت إلى أروى و قلت :

” هيا بنا ”

الساعات التالية قضيتها و أروى بين المحكمة و مكتب المحاماة و مكاتب أخرى … نوقع الوثائق الرسمية و نسجّل العقود و خلافها …

و بفضل من الله تذللت المصاعب لنا كثيرا … و أنهينا المهمة…

و بالرغم من ذلك قضينا ساعات النهار حتى زالت الشمس خارج المنزل

بعد ذلك عدنا للمنزل و تناولنا وجبة غذائنا، أنا و أروى و الخالة ليندا.

لا !

لا تعتقدوا أنني نسيت رغد !

إنني غاضب من تصرّفها لكنني قلق بشأنها … و انتهزتُ أول فرصة سانحة حين غابت أروى بضع دقائق و سألت ُ الخالة ليندا :

” ماذا عن رغد ؟ هل رأيتها ؟ ”

” لا أظنها غادرت غرفتها يا بني ”

توتّرت … قلت :

” هل مررت ِ بها ؟ ”

” فعلت ُ ذلك و لكن … لم تتجاوب معي فتراجعت ”

غيّرت ُ نبرة صوتي حتّى صارت أقرب إلى الرجاء و قلت :

” هل لا فعلت ِ ذلك الآن يا خالتي ؟ لا بد أنها جائعة … خذي لها بعض الطعام ”

و ابتسمت الخالة و شرعت في تنفيذ الأمر و عادت بعد قليل تحمل الطعام و تقول :

” تقول أنها ستأكل حينما ترغب بذلك ”

هممت ُ أنا بالنهوض للذهاب إليها إلا أن الخالة أومأت إلي بألا أفعل … ثم قالت :

” ليس الآن … ”

و ركزت نظراتها علي و أضافت :

” بني يا وليد… الفتاة بحاجة إلى خالتها… أعدها إليها يرحمك الله”

تعجبتُ … و قلتُ مسائلا :

” لم تقولين ذلك يا خالتي ؟ ”

أجابت :

” أرحها يا بني … إنها صغيرة و قد عانت الكثير… افهمْ يا وليد أنها بحاجة إلى أم… و هو شيء… لا يمكنك َ أنت مهما فعلت… تقديمه”

و هزت رأسها تأكيدا … ثم انصرفت …

أما أنا فبقيت أفكّر في كلماتها لوقت طويل …

ألم أعد أصلح … أما لك ِ يا رغد ؟؟

 

الساعة الحادية عشر مساء …

كنا أنا و أروى ساهرين نخطط لمستقبلنا و نناقش مستجدات حياتنا و نرسم خطوط الغد …

” ستتولى أنتَ كل شيء يا وليد ! كل ما هو لي سيكون بين يديك و تحت إشرافك ! ”

” لا أعرف يا أروى ما أقول … الثروة كبيرة جدا … و علينا أن نكون حذرين ! أمامنا الكثير لنفعله ”

كنت أشعر بالقلق … فثروة أروى ضخمة جدا … و ليس من السهل أن ينتقل أحدهم من حياة الفلاحة البسيطة فجأة إلى حياة الثراء الفاحش !

لا أعرف ما الذي يتوجب علينا فعله بكل تلك المبالغ المهولة التي تركها أبو عمّار …

لدى ذكر اسم عمّار … قفز إلى بالي شيء كنت متقاض ٍ عنه حتى الآن …

أروى … لا تعرف حتى الآن أن خطيبها هو الشخص الذي قتل ابن عمّها الذي ستتمتع بثروته … !

لا أعلم لم َ لم ْ يأت ِ ذكر ٌ لهذه الحقيقة حتى الآن … لم أتخيّل نفسي أخبرها بأن الـ ( حيوان ) الذي قتله ذات مرّة، و بسببه قضيت الـ (ثمان) سنوات من عمري في السجن و أضعت مستقبلي … هو عمّار !

عمار … ابن عمها الوحيد …

شردت في هذه الفكرة الطارئة … فلحظت أروى شرودي المفاجئ …

رفعت يدها إلى رأسي و أخذت تطرق بسبابتها على صدغي بخفة و تبتسم و هي تقول :

” ما الذي يدور في رأس حبيبي الآن ؟؟ ”

أدركت أنها لم تكن باللحظة المناسبة لأفجّر مفاجأة من هذا النوع، في وجه أروى الباسمة …

كانت … فرحة جدا و تحلم بالمستقبل المشرق و تفكر بما سنفعله في المزرعة …

و كم هي طيبة و عفوية …

إنها وضعت ثروتها كلها بين يدي ّ !

ابتسمت ُ و قلت :

” علينا أن نتوقّف عن التفكير و نأوي للنوم ! لقد أرهقنا دماغينا بما يكفي لهذا اليوم ”

ابتسمت و هي تحرّك يدها هبوطا من رأسي إلى كتفي إلى يدي فتشد عليها و تقول :

” لم أكن لأعرف كيف أتصرف لو لم تكن معي يا وليد … الله بعثك لي حتّى تقود أموري إلى الطريق الصحيح … حمدا لك يا رب ”

و زادت ضغطها على يدي و خففت صوتها و أضافت :

” و شكرا لك … يا حبيبي ”

كانت تسير بدلال و هي تبتعد عني مقتربة من الباب … فتحته و استدارت تلقي علي نظرة أخيرة باسمة ، فلوّحت ُ لها بيدي و البسمة لا تفارق شفتي ّ …

و استدارت لتخرج … وقفت برهة … ثم عادت و استدارت نحوي !

لكن … هذه النظرة لم تكن باسمة ! بل كانت متفاجئة !

بعثرتُ الابتسامة التي كانت معلّقة على شفتي و علتني الحيرة !

كنت سأسألها ( ماذا هناك ) إلا أنها عادت و استدارت نحو الخارج …

حثثت ُ الخطى نحوها و من خلال فتحة الباب أمكنني رؤية ما أجفل أروى

كتاب الله المقدّس … مصحف شريف … مضموم ٌ بقوة إلى صدر شاهق لفتاة ملفوفة بالسواد … تقف على مقربة من الباب … في حال يخبر الناظر إلى عينيها بمدى الرعب الذي يكتسحها …

ما إن ظهرت ُ أنا في الصورة حتى استقبلتني عينا رغد استقبالا حارقا …

شعرت بقلبي يهوي تحت قدمي ّ … هتفتُ بصوت مخنوق :

” رغد … !! ”

تبادلنا أنا و أروى النظرات المستغربة …

تخطيت أروى مقتربا من رغد و أنا شديد القلق … قلت :

” ما بك ؟؟ ”

و لو تعلمون … كم عضضت على أسناني ندما و غضبا من نفسي آنذاك…

لو تعلمون … كم كرهت نفسي … و تمنيت لو أن زلزالا قد شق الأرض و ابتلعني فورا …

صغيرتي … قالت … بصوت متهدرج و بكلمات متقطعة مبعثرة … و بنبرة يأس و قنوط شديدين … كالنبرة التي يطلقها الجاني و هو يستشعر حبل المشنقة يلف حول عنقه … قبل الموت… :

” ألم … تخبرك … أمي … أمك … بأن لدي … خوف … رهبة مرضية … من الغربة و الغرباء …؟ يمكنك أن تغضب منّي … تتشاجر معي … تخاصمني… لكن… لا تدعني وحدي… المكان موحش… أنا لا أحتمل … لا تفعل هذا بي يا وليد … ”

إنه حبل الوريد …

ذاك الذي شعرت به يتقطّع فجأة بخنجر حاد مسنن …

تألّمت ألما كدت ُ معه أن ألطم خدّيّ و أجدع أنفي … و أقتلع عينَيّ … لولا أن شللا ما قد ألم ّ بعضلاتي و أعاق حركاتي …

متسمّرا في مكاني … كالباب الذي أقف جواره … طويلا عريضا جامدا أتأرجح في الهواء لو أن دفعة بسيطة من طرف إصبع ما قد سُدّدت إلي ّ

لمّا لاحظت أروى صمتي و سكوني الغير متناسبين و الحال، نظرت إلي ّ باستغراب …

أحسست بيدي تمتد باتجاه رغد … و بأصابعي تنثني … و بشبه كلمة يائسة واهنة تتدحرج من لساني …

” تعالي … ”

رغد نظرت إلى يدي المشيرة إليها… ثم إلى أروى الواقفة جواري … ثم إلي ّ … و ترددت …

هززت رأسي مشجعا إياها … و أخيرا تقدّمت نحوي …

تنحّت أروى جانبا فاسحة المجال للصغيرة لدخول الغرفة… كانت رغد تسير ببطء و تردد وهي محتضنة المصحف الشريف إلى صدرها المرعوب … و رأسها مطأطئ إلى الأرض …

عندما دخلت الغرفة، أشرت ُ إلها أن تجلس على المقعد المجاور للباب، ذاك الذي نامت فوقه أول ليلة …

كعصفور جريح ضعيف و مرعوب … جلست صغيرتي على المقعد تجاهد الدموع لئلا تنحدر على خديها الكئيبين …

” هل أنتِ على ما يرام ؟ ”

سألتها و أنا شديد القلق عليها و الغضب من نفسي … لم َ كنت ُ قاسيا على صغيرتي لهذا الحد ؟؟ كيف تركتها دون رعاية … و دون حتى طمأنة وحيدة منذ الأمس ؟؟ كيف استطاع قلبي تحمّل ذلك ؟؟

” رغد صغيرتي أأنت ِ بخير ؟؟ ”

عندما رفعت رغد بصرها و نظرت إلي ّ … قتلتني !

” لا تفعل هذا بي يا وليد ! إن لم تكن تطقني … فأعدني إلى خالتي… و لا تدعني أموت ذعرا وحيدة… أنا لم أجبرك على إحضاري إلى هنا… أنت من أرغمني …”

صحت ُ بسرعة :

” كلا يا رغد ! ليس الأمر هكذا… أنا… أنا آسف عزيزتي لم أقصد شيئا ”

استرسلت رغد :

” أعرف أنني لا أطاق … لكن أمي كانت تعتني بي جيدا… و تحبّني كثيرا… و تتحمّلني بصدر رحب… لم أشعر بالذعر و أنا قريبة منها … لم تكن لتسمح للذعر بمداهمتي …كم كنت آمنة و مرتاحة في حضنها ! ”

و غطّت وجهها بالمصحف و جعلت تبكي …

جثوت ُ بدوري قربها و كدت ُ أبكي لبكائها …

” يكفي يا رغد … أرجوك … سامحيني … لم أقصد تركك وحيدة … أنا آسف … ”

أزاحت الصغيرة المصحف عن وجهها و نظرت إلي نظرة ملؤها الذعر … ملؤها العتاب … ملؤها الضعف … ملؤها الحاجة للأمان … ملؤها سهام ثقبت بؤبؤي عيني ّ و أعمتني عن الرؤية …

” أريد أمّي ! ”

نطقت رغد بهذه الجملة التي جعلت ذراعيّ تخرّان أرضا…

” أريد أمّي … لا أحد … سيهتم بي مثلها ! … الله يعلم ذلك … اسأله أن يعيدها إلي ّ … أو يأخذني إليها … ”

صحت :

” كفى يا رغد أرجوك ”

صاحت :

” أريد أمّي … ألا تفهم ؟؟ أريد أمّي … أريد أمّي … أريد أمّي … ”

لا إراديا مددت يدي ّ فأمسكت بيديها بقوّة و أنا أقول :

” كفى يا رغد … كفى ! كفى ”

انفجرت رغد قائلة بانفعال شديد :

” كأنّك لا تعرف ما حدث لي؟ أنت السبب ! بقيتُ أكتم السر في صدري كل هذه السنين … و يعصف الذعر بقلبي الصغير … و لا أجرؤ على البوح بما حصل أو حتّى تذكّره … و أنتَ بعيد لا تعرف ماذا أصابني و ما حلّ بي! ألا تعرف أنني مريضة يا وليد؟ ألا تعرف ذلك؟ ألا تعرف ذلك ؟ ”

اعتصرني الألم و قلت متوسلا:

” يكفي يا رغد … أرجوك توقفي … لا تزيدي من عذابي كفى … كفى … كفى … ”

كنت أستطيع الإحساس بالرجفة تسري بيدي رغد …

التفت صوب أورى التي كانت قابعة مكانها عند الباب و قلت :

” هل لا أحضرت ِ بعض الماء ؟ ”

تأملتنا أروى لبرهة في عجب، ثم امتثلت للطلب …

كنت لا أزال ممسكا بيدي رغد حينما عادت أروى بقارورة الماء الصغيرة… تناولتها منها … و أخذت المصحف و قرأت ُ بضع آيات … ثم دفعت بالقارورة نحو رغد :

” اشربي صغيرتي ”

بنفس الرجفة تناولت رغد القارورة الصغيرة من يدي و قرّبت عنقها إلى شفتيها … و عدت ُ بأنظاري نحو كتاب الله و واصلت ُ تلاوة الآيات و أنا لا أزال جاثيا على الأرض أمام رغد مباشرة …

كنت أستمع إلى أنفاسها القوية… و التي بدأت تهدأ شيئا فشيئا … حتى إذا ما اختفت عن مسمعي رفعت بصري نحو الصغيرة فرأيتها تنظر إلي ّ

” هل أنت ِ أفضل الآن ؟ ”

هزّت رأسها إيجابا … فتنهّدت ُ بارتياح … و قبّلت كتاب الله و وضعته جانبا …

” الحمد لله ”

قلتها مبتسما في وجه الصغيرة المذعورة … فتنهّدت هي بدورها …

” رغد … أنا آسف يا صغيرتي … أرجوك ِ اغفري لي هذه المرّة … و أعدك … بل أقسم لك برب هذا الكتاب المقدّس … بألا أكررها ثانية ما امتدت بي الحياة … ”

رغد رفعت يدها اعتراضا و قالت :

” لا … لا داع لأن تقسم على شيء ليس من واجبك القيام به … يجب أن … تعيش حياتك الطبيعية … ”

و التفتت نحو أروى ثم إلي و أضافت :

” بعيدا عمّن لا يطاقون … ”

قلت مستغربا :

” رغد ؟؟ ”

قالت :

” فقط … أعدني إلى خالتي … و سوف لن … أزعجك بعد ذلك مطلقا ! ”

استثارتني جملتها هذه و كدت ُ أثور … إلا أنني تمالكت نفسي … فهي ليست باللحظة المناسبة على الإطلاق …

قلت :

” اهدئي أنت الآن فقط … و لا تفكّري في أي شيء … ”

نظرت إلي الآن برجاء و قالت :

” لا تتركني وحيدة يا وليد … أرجوك ”

قلت بسرعة :

” ثقي بأنني لن أكررها … أنا معك صغيرتي فاطمئني ”

ربّما الموقف كان غريبا … ربما يحق لأروى نظرات الاستنكار التي رمقتني بها في صمت … لكن … كيف كنتم تنتظرون منّي أن أتصرّف و أنا أرى صغيرتي تصاب بنوبة ذعر … بهذا الشكل ؟

إنني لا أعرف كم من الوقت ظلّت واقفة خلف الباب … ترتجف في خوف … إلى أن فتحته أروى و اكتشفت وجودها …

إن لم أكن لأقدّم مجرّد الشعور بالأمان لهذه اليتيمة المذعورة … في هذا البيت الموحش المليء بالذكريات المؤلمة … إن لم أستطع تقديم الأمان على الأقل … فما الجدوى من وجودي حيا على وجه الأرض ؟؟

و كطفلة صغيرة … أعدت ُ صغيرتي إلى سريرها و بقيت جالسا بالقرب منها أتلو المزيد من كلام الله … حتى نامت…

تركت ُ باب غرفتها نصف مغلق و عدت ُ إلى غرفتي و تهالكت ُ على السرير … كانت أروى آنذاك جالسة على ذات المقعد المجاور للباب … و حينما رأتني أمدد أطرافي الأربعة نحو زوايا السرير بتأوّه أقبلت نحوي …

” وليد ”

كنت التفت إليها فرأت التعب ينبع من مقلتي …

” إذن … فهي مريضة بالفعل … كما توقّعت ! ”

أغمضت ُ عيني متألما لهذه الحقيقة …

قالت أروى :

” لقد … لاحظت ُ عليها بعض التصرفات الغريبة في المزرعة ! سبق و أن أخبرتك بذلك يا وليد ! لكنك لم تعلمني بأنها مريضة بالفعل ”

قلت :

” لديها نوع من الرهبة… تنتابها حالات من الذعر إذا شعرت بالوحدة و الغربة … إنه مرض أصابها منذ الطفولة… لكني لم أعلم به إلا العام الماضي”

” يؤسفني ذلك يا وليد ”

نظرت إلى عيني أروى فوجدت ُ فيهما الكثير من العطف و التعاطف … فبادلتها بنظرة ملؤها الرجاء و الأمل :

” أروى … أرجوك ِ … أوقفي دائرة الخلاف بينكما عن الاتساع ”

لم تجب أروى مباشرة … ثم قالت :

” أنا لا أتعمّد فعل شيء لكنها … إنها … ”

قاطعتها قائلا :

” إنها وحيدة بيننا يا أروى … أرجوك اكسبي صداقتها ”

و أيضا صمتت برهة و كأنها تفكّر في أمر عالق بذهنها ثم قالت :

” ألا ترى … أن عودتها إلى خالتها ستريحها يا وليد ؟ ”

قلت بسرعة حدّة :

” كلا ”

” لكن ”

قاطعتها قائلا :

” لأريحها سأفعل أي شيء آخر … عدا عن إبعادها عن رعايتي ”

” وليد ! ”

تنهّدت و قلت :

” تصبحين على خير يا أروى … أريد أن أنام ”

 

انسحبت أروى من الغرفة و عند الباب وقفت لإطفاء المصباح و لما همّت بإغلاق الباب من بعدها قلت :

” اتركيه مفتوحا … ”

فلا أريد لصغيرتي أن تأتيني أي ساعة محتاجة للأمان … ثم تجد بابي مغلقا دونها ….

في صباح اليوم التالي وجدت صغيرتي مستيقظة و بادية على وجهها الصغير أمارات التعب …

” هل نمت جيدا ؟ ”

سألتها فهزت رأسها سلبا …

أخبرتها بعد ذلك بأنني ذاهب إلى مكتب المحامي و للعجب … قالت :

” خذني معك ”

~~~~~~~

و من أجل عيني رغد كان علي أنا و أمي كذلك الذهاب مع وليد حيثما ذهب !

شعرت بالحماقة … و لكنني لم استطع إلا مجاراة هذه الصغيرة المدللة …

في البداية ذهبنا إلى مكتب المحامي أبي سيف الذي سار بسيارته إلى جوارنا … ثم إلى مكتبين آخرين … كان وليد يبقينا في السيارة و يرافق المحامي ، ثم يعود إلينا و يذكر المكان التالي و ينطلق نحوه !

في وقت انتظارنا كنا أنا و أمي نتبادل الأحاديث، بينما رغد لائذة بالصمت المغدق ! لم أتعمّد مخاطبتها فأنا لم أنس بعد كيف رمت بالهاتف صوب وجهي و لا كيف طردتني من غرفتها ذاك الصباح … إلا إنني أشعر الآن بشفقة عليها لا أدرك ما مصدرها !

عاد و ليد و قال :

” سنذهب إلى مكتب إدارة المصنع الآن ! قد يطول مكوثنا هناك … أأعيدكن إلى البيت ؟ ”

و استدار إلى الوراء موجها نظراته و كذا سؤاله إلى رغد !

رغد قالت :

” سنبقى معك ”

لا أدري أي متعة تجدها هذه الفتاة في البقاء حبيسة السيارة في انتظار عودة وليد ! وددت أن أعترض إلا أن مبادرة وليد بتشغيل السيارة و من ثم اللحاق بسيارة المحامي جعلتني ألتزم الصمت …

حين وصلنا إلى المكان المنشود أصابتني الدهشة !

كان مبنى كبيرا مؤلف من عدّة طوابق … حديث الطراز و يبدو فاخرا !

قال وليد و هو يركن السيارة في أحد المواقف و يبتسم :

” هنا إدارة مصنعك ِ يا أروى ! هذا المبنى كلّه ملكك ! ”

دهشت، و ابتسمت في آن واحد … و راودتني رغبة في إلقاء نظرة شاملة

قلت – و أنا أمد يدي إلى مقبض باب السيارة و افتحه – :

” سألقي نظرة ”

و خارج السيارة وقفت أنا و تبعني وليد و جعلت أتأمل المبنى الضخم الذي يفترض أن يكون ملكي !

قلت :

” كل هذا … لي !؟ ”

ابتسم وليد و قال :

” هذا لا شيء ! حين ترين المصنع ستفاجئين ! … هنيئا لك ! ”

شعرت ببهجة كبيرة اجتاحت قلبي … قلت :

” أتمنى أن أراه من الداخل ! ”

فكر وليد قليلا و تردد فقلت :

” ألستُ أنا المالكة ؟ ألا يمكنني إلقاء نظرة سريعة على ممتلكاتي ؟ أرجوك وليد ! ”

ابتسم وليد و قال :

” لا أعرف إن كان هناك سيدات في الداخل… ! لم يسبق لي الدخول و لكن … لا بأس إن كانت هذه رغبتك ! ”

فرحت كثيرا و أمسكت بيد خطيبي في امتنان …

ما الذي سيجعلني أشعر بسعادة أكثر من هذه ؟؟ لدي خطيب رائع يقف إلى جواري … و أمامي مبنى ضخم هو ملكي و جزء من ثروتي … لا شك أنني هذه اللحظة أسعد الناس

الحمد لله

وليد أشار على أمي و رغد أن تنزلا … ثم لحقنا نحن الأربعة بالمحامي و وجدنا في استقبالنا أناس آخرون، رافقونا داخل المبنى إلى المكان المنشود !

و المكان المنشود كان المكتب الرئيسي للمبنى … مكتب المدير !

ما إن دخلنا حتى وجدنا أناس آخرون في استقبالنا … أظنهم دهشوا لدى رؤيتنا نحن الثلاث – أنا و أمي و رغد – نسير خلف الموكب ! لكن ذلك لم يمنعهم من الترحيب بنا عامة …

دُعينا للجلوس في مكان جانبي … بعيدا عن الآخرين …

فيما كنّا نعبر الغرفة شاقات طريقنا نحو المقاعد، كانت عيناي لا تتوقفان عن التجول و النظر إلى كل ما حولي … في دهشة و إعجاب !

كم كان مكتبا فخما و راقيا ! كل أثاثه يشير إلى مدى البذخ الذي كان عمّي رحمه الله يعيش فيه !

استقرّت عيناي أخيرا على الحائط خلف المكتب مباشرة …

هناك عُلقت صورتان كبيرتان جدا لرجل كهل و شاب صغير… في إطارين أسودين !

إنهما عمّي و ابنه الراحلان، رحمهما الله !

توقّفت برهة أتأمّل الصورتين … لهذين الشخصين اللذين ما عرفتهما يوما في حياتي … و ها هي ثروتهما الضخمة تصبح فجأة بين يدي !

” سبحان الله … أتصدّق يا وليد ؟ ”

قلت ذلك و التفت إلى وليد متوقعة منه أن يكرر التسبيح … و يمنحني ابتسامة عذبة و مطمئنة من شفتيه … لكن … لم يبد على وليد أنه سمع شيئا مما قلت …

وليد كان يحدّق تجاه الصورتين بحدّة و تعبيرات وجهه غاضبة و مكفهرّة

عجبا ! لماذا ينظر وليد إلى هاتين الصورتين بهذا الشكل ؟؟

” وليد …؟؟ ”

رمقني وليد بنظرة غريبة و مخيفة … و عاد يدقق النظر تجاه الصورتين

أليس هذا غريبا ؟؟

انتظروا… هذا لا شيء أمام ما حصل بعد ذلك !

” عمّار !! ”

تصوروا ممن خرجت هذه الكلمة أشبه بالصيحة المباغتة ؟؟

من رغد !

التفت إلى رغد لأتأكد من أن أذني لم تكن تتخيل … فرأيت رغد تحدّق هي الأخرى تجاه الصورتين و قد علا وجهها الذعر !

و الآن ماذا ؟؟

رغد تلتفت إلى وليد بسرعة … ثم إلى الصورة … و تشير بإصبعها نحو صورة عمّار ابن عمّي … و تعود للهتاف :

” عمّار !! ”

ثم تلتفت إلى وليد و تقول بذعر :

” إنه هو ! أليس كذلك ؟ هو … هو ”

وليد يحدّق برغد الآن … و مزيج من الغضب و التوتر و القلق و تعبيرات أخرى أجهل تفسيرها بادية على وجهه جاعلة منه جمرة ملتهبة !

رغد ألقت علي نظرة سريعة ، ثم على الصورتين ، ثم على وليد الذي كان لا يزال يحدّق بها … و هتفت :

” وليد ! ”

وليد اقترب من رغد و قال :

” أجل … إنهما عم أروى و ابنه ”

بدا الذهول الفظيع على وجه رغد … و كأنها اكتشفت أمرا خطيرا لم تكن تعرفه ! أما الذهول الذي على وجهي أنا هو لأنني لم أكتشف بعد ماذا يدور من حولي ؟!

رغد أمسكت بذراع وليد و هتفت :

” أخرجني من هنا ! ”

تحوّلت نظرات وليد إلى القلق و الخوف الفاضحين و فتح فمه و لكن ما خرج منه كان النفَس خال ٍ من أي كلام !

” أخرجني من هنا بسرعة … أخرجني فورا ”

قالت ذلك رغد و ضعت يدها الأخرى على صدغيها كمن يعاني من صداع شديد… !

” رغد ”

ناداها وليد بصوت حنون قلق فلما رفعت بصرها إليه … مالت بنظراتها نحو الحائط فأغمضت عينيها بسرعة و أخفتهما خلف يدها و صاحت :

” أرجوك.. ”

من فوره وليد حثّها على السير متراجعين نحو الباب … و كانت لا تزال متشبثة بذراعه … و خاطبنا قائلا :

” هيا بنا ”

أنا و أمي و لأننا لم نفهم أي شيء … تبادلنا النظرات المستغربة المذهولة… و لحقنا بوليد و رغد على عجل … وسط أنظار الاستغراب من الأشخاص الآخرين !

إن في الأمر سر ما !

ما عساه يكون ؟؟؟

 

 

 

~~~~~~~

 

 

رغد بين يدي منهارة و مرتبكة…

و أنا مذهول و مأخوذ بالدهشة … إن من رؤية وجه عمار الخسيس يبتسم تلك الابتسامة الحقيرة … و التي تستفز حتى أتفه ذرات النفور في جسدي … أو من تأثّر رغد بالصورة … و الذعر الذي علاها … و الذي يؤكد أنها لا تزال تذكر وجه عمّار … بعد كل تلك السنين

و كيف لوجه مجرم كهذا أن يُنسى ؟؟

طفلتي الصغيرة لا تزال تحتفظ في ذكرياتها بصورة للشاب الحقير الذي تجرأ على اختطافها ذات يوم …

ذلك اليوم الذي غير مجرى حياتي … و حياتها كذلك …

فتحت باب السيارة الأمامي الأيمن و جعلتها تدخل و تجلس عليه … و جلست من ثم إلى جوارها … كانت لا تزال في نوبة المفاجأة و النفور …

وصلني صوت أروى – و التي جلست خلفي – تقول :

” ماذا هناك ؟؟ ”

لم أجب

” وليد ما الأمر ؟ ”

قلت بغضب :

” الزمي الصمت يا أروى رجاء ً ”

قالت ليندا :

” أخبرانا ما الخطب ”

قلت:

” الصمت رجاء ”

و أدرت مفتاح السيارة في ذات اللحظة التي ظهر فيها أبو سيف و هو يقول :

” ما المشكلة ؟ ”

أخرجت رأسي عبر النافذة و أجبته :

” لنؤجل الأمر للغد ”

و انطلقت بالسيارة عائدا إلى المنزل …

كنت أرى رغد و هي تضع يدها على صدغيها و يعبّر وجهها عن الألم بين الفينة و الأخرى … فأدرك أنها الذكريات تعود إلى رأسها و تعصرها ألما… فأدوس على مكابح السيارة غيظا …

عندما وصلنا إلى المنزل أوت رغد إلى غرفتها مباشرة … هممت باللحاق بها فاستوقفني سؤال أروى :

” ماذا هناك يا وليد ؟ هل لا شرحت لي ؟ ”

قلت بسرعة :

” فيما بعد ”

و تابعت طريقي إلى غرفة رغد …

كان الباب مغلقا، طرقته و ناديت رغد فأجابت :

” نعم ؟ ”

و كان صوتها متحشرجا مخنوقا …

قلت :

” أيمكنني الدخول ؟ ”

أجابت :

” ماذا تريد ؟ ”

قلت :

” أن نتحدّث قليلا ”

” دعني و شأني ”

آلمني ردها هذا فعدت أقول :

” أريد أن أحدثك يا رغد … أيكنني الدخول ؟ ”

و لم تجب

عدت أسأل :

” أأستطيع أن أدخل يا رغد ؟ أرجوك ؟ ”

و لكنها أيضا لم تجب …

أرجوك يا رغد لا تزيدي عذابا فوق عذابي …

أخذت أطرق الباب و أناديها حتى قالت أخيرا

” دعني بمفردي يا وليد ”

استدرت ُ للخلف في يأس … فوجدت أروى تراقبني عن بعد … و لابد أن عشرات الأسئلة تدور في رأسها … كما تدور عشرات بل مئات الذكريات المريرة في رأسي و تفقده أي قدرة على التفكير السليم …

استدرت ُ نحو الباب مجددا و قلت مخاطبا رغد :

” لا لن أدعك بمفردك يا رغد ! سأدخل ”

و حرّكت مقبض الباب ببطء … و دفعت الباب قليلا للأمام …

قلت :

” سأدخل رغد ! ”

و لما لم تجب … واصلت فتح الباب ببطء … و سمحت لصريره أن يتذبذب في أذني ّ طويلا …

على سريرها كانت صغيرتي تجلس و عيناها موجهتان نحوي …

تقدمت خطى نحوها و أنا أقول :

” أيمكنني أن أدخل ؟ ”

و أعرف أنني في الداخل و أنني سأدخل من كل بد !

قلت :

” أنا آسف ! ”

طأطأت رغد رأسها هاربة من نظراتي…

اقتربت منها أكثر و أكثر و قلت :

” أأنت ِ بخير ؟ ”

و استطعت أن أرى دمعة تهوي من عينها لتبلل يديها المضمومتين فوق ركبتيها …

رواية انت لي

الحلقة السابعة و العشرون الجزء 2

اقتربت أكثر و أكثر حتى صرب جوارها مباشرة … و قلت بصوت حنون أجش :

” لم أجد داعيا يدفعني لأن … أخبرك … بأن أروى هي ابنة عم عمّار…. و أن الثروة التي حصلت عليها كانت … لعمّار و أبيه ”

رغد رفعت نظرها إلي و صرخت :

” لا تذكر اسمه أمامي ”

جفلت … أخذني الذهول … و ابتلعت لساني … رغد رمقتني بنظرة عميقة غصت في جوفها فغرقت … و لاطمتني أمواج الأفكار و الهواجس … و لم أدر ِ أين كنت و متى كنت … و على أية حال قد كنت …

تعود للإمساك برأسها كمن يحاول جاهدا منع الذكريات من الظهور فيه …

تتلاعب بي الأفكار و التخيلات حتّى تثير جنوني…

ماذا حصل؟ ماذا لم يحصل؟

أجيبيني يا رغد …؟؟

و لم تزد حيرتي إلا حيرة …

بعد صمت قصير طويل في آن معا …

قلت :

” حسنا يا رغد…

بعد دخولي إلى السجن، تعرّفت إلى نديم، والد أروى رحمه الله… و قد ساعدني كثيرا و أحببته محبة خالصة في الله.. و قبل موته أوصاني بعائلته خيرا… و لم يكن يعرف … أنني … ”

و لم أكمل، استدرت للخلف لأتأكد من أن أروى على مبعدة و لا تسمعنا… ثم اقتربت من رغد أكثر و أضفت ُ هامسا :

” أنني أنا من قتل … ذلك الوغد ”

بدا التفهم على تعبيرات وجه رغد فقلت ُ مترددا و مخفضا صوتي حد الهمس بل حد السكون :

” وهذا… ما لا تعرفه أروى أيضا ”

و تنهّدت بمرارة و حيرة و أضفت :

” و ما أخشى عواقبه … ”

 

شعرتُ بشيء يسيطر على فكري فجأة… تبدلت تعبيرات وجهي إلى الجدية و الحزم… و تطايرت سهام شريرة من عيني… و شعرت بشياطين رأسي تتعارك في داخله…

كانت رغد تراقبني بقلق و حيرة… و بالتأكيد سمعتني و أنا أعض على أسناني فيما أضيّق فتحتي عيني و أشد على قبضتي بإصرار و أقول :

” و الآن … أصبحت ثروة ذلك الحقير … بين يدي … ”

عرض التعليقات (5)